عدد المشاهدات:
مقدمة
الصفة هو مكان فى مؤخر المسجد النبوي، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فظلل أو سقف وأطلق عليه اسم الصفة .
أما أهل الصفة قوم من أصحاب رسول الله وأول من نزل الصفة المهاجرون،. وكذلك كان ينزل بها الغرباء من الوفود التي كانت تقدم على النبي صلى الله عليه وسلم معلنة إسلامها وطاعتها، وكان الرجل إذا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وكان له عريف نزل عليه. وإذا لم يكن له عريف نزل مع أصحاب الصفة. فكان أبو هريرة رضي الله عنه عريف من سكن الصفة من القاطنين ومن نزلها من الطارقين، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد دعوتهم عهد إلى أبي هريرة فدعاهم لمعرفته بهم وبمنازلهم ومراتبهم في العبادة والمجاهدة. وإلى جانب المهاجرين والغرباء نزل بعض الأنصار في الصفة حبًا لحياة الزهد والفقر رغم استغنائهم عن ذلك ووجود دار لهم في المدينة، ومنهم كعب بن مالك الأنصاري وحنظلة بن أبي عامر الأنصاري (غسيل الملائكة) وحارثة بن النعمان الأنصاري وغيرهم.
- ومن هذا المنهج أخذ رجال التصوف منهجهم ومدارسهم
من هم أهل الصفة؟
أعقب هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة المنورة ظهور مشكلة تتعلق بمعيشة المهاجرين الذين تركوا بيوتهم وأموالهم ومتاعهم بمكة فرارًا بدينهم من طغيان المشركين. ولا شك أن بعض المهاجرين لم يستطيعوا العمل حال قدومهم إلى المدينة لأن الطابع الزراعي يغلب على اقتصاد المدينة وليست للمهاجرين خبرة زراعية فمجتمع مكة تجاري، كما أنهم لا يملكون أرضًا زراعية في المدينة وليست لديهم رءوس أموال فقد تركوا أموالهم بمكة. وقد وضع الأنصار إمكانياتهم في خدمة المهاجرين لكن بعض المهاجرين بقى محتاجًا إلى المأوى.
واستمر تدفق المهاجرين إلى المدينة خاصة قبل موقعة الخندق حيث كان الكثير منهم يستقرون في المدينة كما طرقت الوفود الكثيرة المدينة، ومنهم من لم يكن على معرفة بأحد من أهل المدينة فكان هؤلاء الغرباء بحاجة إلى مأوى دائم أو مدة إقامتهم. ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم فكر في إيجاد المأوى للفقراء المقيمين والوفود الطارقين.
أين موقع أهل الصُّفَّة؟
وحانت الفرصة عندما تم تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة وذلك بعد ستة عشر شهرًا من هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حيث بقى حائط القبلة الأولى في مؤخر المسجد النبوي، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فظلل أو سقف وأطلق عليه اسم الصفة أو الظلة، ولم يكن لها ما يستر جوانبها.
ويذكر ابن جبير في رحلته أن الصفة دار في آخر قباء يسكنها أهل الصفة، وتأول السمهودي ذلك بأن من ذكر من أهل الصفة اتخذوا تلك الدار فيما بعد فاشتهرت بذلك، أي أن المكان الذي ذكره ابن جبير نسب إلى أهل الصفة ولم ينسبوا هم إليه، لأن نسبتهم كانت إلى صفة المسجد النبوي بالمدينة.
ولا يعرف سعة الصفة، ولكن يبدوا أنها كانت تتسع لعدد كبير حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدمها في وليمة حضرها ثلاثمائة شخص، وإن كان بعضهم قد جلس في حجرة من حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الملاصقة للمسجد.
من هم سكان الصفة؟
أول من نزل الصفة المهاجرون، لذلك نسبت إليهم فقيل صفة المهاجرين. وكذلك كان ينزل بها الغرباء من الوفود التي كانت تقدم على النبي صلى الله عليه وسلم معلنة إسلامها وطاعتها، وكان الرجل إذا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وكان له عريف نزل عليه. وإذا لم يكن له عريف نزل مع أصحاب الصفة. فكان أبو هريرة رضي الله عنه عريف من سكن الصفة من القاطنين ومن نزلها من الطارقين، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد دعوتهم عهد إلى أبي هريرة فدعاهم لمعرفته بهم وبمنازلهم ومراتبهم في العبادة والمجاهدة. وإلى جانب المهاجرين والغرباء نزل بعض الأنصار في الصفة حبًا لحياة الزهد والفقر رغم استغنائهم عن ذلك ووجود دار لهم في المدينة، ومنهم كعب بن مالك الأنصاري وحنظلة بن أبي عامر الأنصاري (غسيل الملائكة) وحارثة بن النعمان الأنصاري وغيرهم.
ولأن أهل الصفة كانوا أخلاطًا من قبائل شتى سماهم النبي صلى الله عليه وسلم (الأوفاض) وقيل في سبب هذه التسمية أيضًا إن كل واحد منهم كان معه وفضة: وهي مثل الكنانة الصغيرة يلقى فيها طعامه لكن القول الأول أجود.
عدد أهل الصفة
كان عددهم يختلف باختلاف الأوقات، فهم يزيدون إذا قدمت الوفود إلى المدينة ويقلون إذا قل الطارقون من الغرباء، على أن عدد المقيمين منهم في الظروف العادية كان في حدود السبعين رجلًا. وقد يزيد عددهم كثيرًا حتى أن سعد بن عبادة كان يستضيف وحده ثمانين منهم فضلًا عن الآخرين الذين يتوزعهم الصحابة.
ويذكر السمهودي أن أبا نعيم سرد أسماءهم في الحلية فزادوا على المائة. لكن عدد من سماهم أبو نعيم اثنان وخمسون فقط منهم خمسة نفى أبو نعيم أن يكونوا من أهل الصفة. وأبو نعيم وحده الذي يقدم إلينا قائمة طويلة بأسماء المشهورين من أهل الصفة، وهو ينقل من مصدر أسبق لا يصرح باسمه، ولعله الكتاب الذي صنفه أبو عبد الرحمن السلمي (ت 412 هـ) في أهل الصفة.
أسماء أهل الصفة
وفيما يلي قائمة بأسماء أهل الصفة كما ذكرها أبو نعيم مضافًا إليهم من ذكرتهم بقية المصادر ممن لم يذكر أبو نعيم:
1- أبو هريرة رضي الله عنه حيث نسب نفسه إليهم.
2- أبو ذر الغفاري رضي الله عنه حيث نسب نفسه إليهم.
3- واثلة بن الأسقع.
4- قيس بن طهفة الغفاري، حيث نسب نفسه إليهم.
5- كعب بن مالك الأنصاري.
6- سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي.
7- سلمان الفارسي رضي الله عنه.
8- أسماء بنت حارثة بن سعيد الأسلمي.
9- حنظلة بن أبي عامر الأنصاري (غسيل الملائكة).
10- حازم بن حرملة.
11- حارثة بن النعمان الأنصاري النجاري.
12- حذيفة بن أسيد أبو سريحة الأنصاري.
13- حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وهو من المهاجرين حالف الأنصار فعد في جملتهم.
14- جارية بن جميل بن شبة بن قرط.
15- جعيل بن سراقة الضمري.
16- جرهد بن خويلد (وقيل بن رزاح) الأسلمي.
17- رفاعة بن لبابة الأنصاري، وقيل اسمه بشير بن عبد المنذر من بني عمرو بن عوف.
18 – عبد الله ذو البجادين.
19- دكين بن سعيد المزني وقيل الخثعمي.
20- خبيب بن يساف بن عنبة.
21- خريم بن أوس الطائي.
22- خريم بن فاتك الأسدي.
23- خنيس بن حذافة السهمي.
24- خباب بن الأرت.
25- الحكم بن عمير الثمالي.
26- حرملة بن أياس، وقيل هو حرملة بن عبد الله العنبري.
27- زيد بن الخطاب.
28- عبد الله بن مسعود.
29- الطفاوي الدوسي.
30- طلحة بن عمرو النضري.
31- صفوان بين بيضاء الفهري.
32- صهيب بن سنان الرومي.
33 – شداد بن أسيد.
34- شقران مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
35- السائب بن خلاد.
36- سالم بن عمير من الأوس من بني ثعلبة بن عمرو بن عوف.
37- سالم بن عبيد الأشجعي.
38- سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
39- سالم مولى أبي حذيفة.
40- أبو رزين.
41- الأغر المزني.
42- بلال بن رباح.
43- البراء بن مالك الأنصاري.
44- ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
45- ثابت بن وديعة الأنصاري.
46- ثقيف بن عمرو بن شميط الأسدي.
47- سعد بن مالك أبو سعيد الخدري رضي الله عنه.
48- العرباض بن سارية.
49- غرفة الأزدي.
50- عبد الرحمن بن قرط.
51- عباد بن خالد الغفاري.
انقطاعهم للعلم والعبادة والجهاد
ينقطع أهل الصفة للعلم ويعتكفون في المسجد للعبادة ويألفون الفقر والزهد، فكانوا في خلواتهم يصلون ويقرأون القرآن ويتدارسون آياته ويذكرون الله تعالى، ويتعلم بعضهم الكتابة حتى أهدى أحدهم قوسه لعبادة بن الصامت رضي الله عنه لأنه كان يعلمهم القرآن والكتابة، واشتهر بعضهم بالعلم وحفظ الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل أبي هريرة رضي الله عنه الذي عرف بكثرة تحديثه، وحذيفة بن اليمان الذي اهتم بأحاديث الفتن.
لكن انقطاع أهل الصفة للعلم والعبادة لم يعزلهم عن المشاركة في أحداث المجتمع والإسهام في الجهاد، بل كان منهم الشهداء بغزوة بدر مثل صفوان بن بيضاء، وخريم بن فاتك الأسدي وخبيب بن يساف وسالم بن عمير وحارثة بن النعمان الأنصاري، ومنهم من استشهد بغزوة أحد مثل حنظلة الغسيل، ومنهم من شهد الحديبية مثل جرهد بن خويلد وأبو سريحة الغفاري، ومنهم من استشهد بغزوة خيبر مثل ثقف بن عمرو، ومنهم من استشهد بغزوة تبوك مثل عبد الله ذو البجادين، ومنهم من استشهد بمعركة اليمامة مثل سالم مولى أبي حذيفة وزيد بن الخطاب، نعم هكذا كانوا رهبانا في الليل فرسانا في النهار.
ملابس أهل الصفة
لم يكن لأهل الصفة من الملابس ما يقيهم من البرد أو يسترهم سترًا كاملًا، فليست عندهم أردية. وما لأحد منهم ثوب تام. فكانوا يربطون في أعناقهم الأكسية أو البرد، أو يأتزرون بالأزر، أو الكساء، فمنهم من تغطي منهم ما يبلغ نصف الساقين وأحيانًا قد لا يبلغ الركبتين، وتذكر المصادر أنهم كانوا يلبسون الحِوْتكية وهي عمَّة يُتعمم بها. والحنف وهي برد شبه اليمانية تعمل من نوع غليظ من أردأ الكتان، وكانوا يخجلون من الظهور بملابسهم احيانًا لأنها لا تسترهم سترًا كاملًا. وسرعان ما كانت تتسخ ملابسهم فجوانب الصفة كانت مكشوفة للهواء والتراب حتى اتخذ العرق من جلودهم طوقًا من الوسخ والغبار.
طعام أهل الصفة
كان جل طعامهم التمر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يجري لكل رجلين منهم مدًا من تمر في كل يوم، وقد اشتكوا من أكل التمر وقالوا إنه أحرق بطونهم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستطع أن يوفر لهم طعامًا غيره فصبرهم وواساهم ، وكان كثيرًا ما يدعوهم إلى تناول الطعام في بيته، لكنه لم يتمكن من تقديم الطعام الجيد لهم فلم يكون يوسع على نفسه وأهله بالنفقة، ففي بعض المرات سقاهم لبنًا، ومرة أطعمهم جشيشة (طحين ولحم أو تمر مطبوخ) ومرة أخرى حيسة (طعام من التمر والدقيق والسمن) وثالثة شعير محمص، لكنهم نالوا في إحدى المرات الثريد، وكان عليه الصلاة والسلام يعتذر إليهم إذا لم يكن الطعام جيدًا، فقد قدم لهم مرة صحفة فيها صنيع من شعير، وقال: "والذي نفس محمد بيده ما أمسى في آل محمد طعام ليس شيئًا ترونه".
ولا شك أنهم كانوا ينالون طعامًا أجود عندما يضيفهم احد أغنياء الصحابة في داره وكثيرًا ما كانوا يفعلون، ولكنهم في كثير من الأحيان ما كانوا يحصلون على ما يمسك رمقهم، فأثر فيهم ذلك فكانوا يخرون في الصلاة لما بهم من الجوع حتى يقول الأعراب إن هؤلاء مجانين وكان أبو هريرة رضي الله عنه يصرع بين المنبر وحجرة عائشة رضي الله عنه لما به من الجوع، لكن قلة طعامهم ما كانت لتؤدي بهم إلى الشره والمغالبة على الطعام، بل كانت حقوق الأخوة وآدابها تحكم علاقاتهم ببعضهم، وقد حكى أبو هريرة رضي الله عنه أنهم كانوا إذا اجتمعوا على أكل التمر وأكل أحدهم تمرتين معًا قال لأصحابه (إني قد قرنت فأقرنوا) لئلا ينال من التمر أكثر منهم.
لقد قنعوا بالقليل من الطعام والخشن من الثياب، وعافت نفوسهم القصور لينقطعوا إلى العبادة والعلم والمجاهدة، فكانوا أمثلة للزهد والترفع عن الدنيا.
رعاية النبي والصحابة لأهل الصفة
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعهد أهل الصفة بنفسه، فيزورهم ويتفقد أحوالهم ويعود مرضاهم، كما كان يكثر مجالستهم ويرشدهم ويواسيهم ويذكرهم ويقص عليهم ويوجههم إلى قراءة القرآن الكريم ومدارسته وذكر الله والتطلع إلى الآخرة ويشجعهم على احتقار الدنيا وعدم تمني الحصول على متاعها، وكان إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، وكثيرًا ما كان يدعوهم إلى تناول الطعام في إحدى حجرات أزواجه رضي الله عنه.
ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يغفل عنهم مطلقًا، بل كانت حالتهم ماثلة أمامه، وقد طلب من ابنته فاطمة رضي الله عنه أن تتصدق عليهم لما ولدت الحسن رضي الله عنه بوزن شعره من الفضة. وقد جاءه مرة سبي فسألته ابنته فاطمة رضي الله عنه خادمًا لأنها تعبت من كثرة أعمالها وكلت فأجابها (عليه الصلاة والسلام:) "أخدمكما وأدع أهل الصفة تطوي" وأوضح لها أنه سيبيع السبي وينفقه على أهل الصفة، ويبدو أنها سألته أيضًا أن يعطيها مالًا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد زار عليا رضي الله عنه فوجد أن فراشهما قصير لا يغطيهما فعلمهما كلمات في الدعاء وآثر إعطاء أهل الصفة عليهما وقال: "لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تلوي بطونهم من الجوع".
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بالتصدق على أهل الصفة، فجعلوا يصلونهم بما استطاعوا من خير فكان أغنياء قريش يبعثون بالطعام إليهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوزع أهل الصفة بين أصحابه بعد صلاة العشاء ليتعشوا عندهم، ويقول: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث وإن أربع فخامس أو سادس، فيأخذ الصحابة بعضهم ومن بقى منهم يصحبهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى داره فيتعشون معه". ويبدو أن الأمر كان كذلك في بداية الهجرة، فلما جاء الله بالغنى لم تعد هناك حاجة لتوزيعهم على دور الصحابة.
وقد استثارت حالة أهل الصفة سبعين من الأنصار يقال لهم القراء(وهم الذين استشهدوا يوم بئر معونة) فكانوا يقرأون القرآن ويتدارسون بالليل ويتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه بالمسجد ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة والفقراء. وقد اقترح محمد بن مسلمة الأنصاري وآخرون من الأنصار على النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج كل واحد منهم قنوا (القنو العذق بما فيه من الرطب) من بستانه حين ينضج التمر لأهل الصفة والفقراء فوافق على ذلك، ووضح في المسجد حبلًا بين ساريتين فأخذ الناس يعقلون الأقناء على الحبل، فربما اجتمعت عشرين قنوًا وأكثر.
وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقوم على حراسة الأقناء. وتشير رواية أخرى إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أشار على الناس بالتصدق بقنو من ثمار بساتينهم ليرفع الله تعالى عنهم عاهة أصابت ثمارهم ففعلوا. وأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل علق قنوا فيه حشف وأراد أن يكون التصدق بأطيب من ذلك . ويشير نص أورده السمهودي إلى استمرار عادة تعليق الأقناء في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة -على الأقل- خلال القرن الثاني الهجري.
الصفة هو مكان فى مؤخر المسجد النبوي، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فظلل أو سقف وأطلق عليه اسم الصفة .
أما أهل الصفة قوم من أصحاب رسول الله وأول من نزل الصفة المهاجرون،. وكذلك كان ينزل بها الغرباء من الوفود التي كانت تقدم على النبي صلى الله عليه وسلم معلنة إسلامها وطاعتها، وكان الرجل إذا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وكان له عريف نزل عليه. وإذا لم يكن له عريف نزل مع أصحاب الصفة. فكان أبو هريرة رضي الله عنه عريف من سكن الصفة من القاطنين ومن نزلها من الطارقين، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد دعوتهم عهد إلى أبي هريرة فدعاهم لمعرفته بهم وبمنازلهم ومراتبهم في العبادة والمجاهدة. وإلى جانب المهاجرين والغرباء نزل بعض الأنصار في الصفة حبًا لحياة الزهد والفقر رغم استغنائهم عن ذلك ووجود دار لهم في المدينة، ومنهم كعب بن مالك الأنصاري وحنظلة بن أبي عامر الأنصاري (غسيل الملائكة) وحارثة بن النعمان الأنصاري وغيرهم.
- ومن هذا المنهج أخذ رجال التصوف منهجهم ومدارسهم
أعقب هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة المنورة ظهور مشكلة تتعلق بمعيشة المهاجرين الذين تركوا بيوتهم وأموالهم ومتاعهم بمكة فرارًا بدينهم من طغيان المشركين. ولا شك أن بعض المهاجرين لم يستطيعوا العمل حال قدومهم إلى المدينة لأن الطابع الزراعي يغلب على اقتصاد المدينة وليست للمهاجرين خبرة زراعية فمجتمع مكة تجاري، كما أنهم لا يملكون أرضًا زراعية في المدينة وليست لديهم رءوس أموال فقد تركوا أموالهم بمكة. وقد وضع الأنصار إمكانياتهم في خدمة المهاجرين لكن بعض المهاجرين بقى محتاجًا إلى المأوى.
واستمر تدفق المهاجرين إلى المدينة خاصة قبل موقعة الخندق حيث كان الكثير منهم يستقرون في المدينة كما طرقت الوفود الكثيرة المدينة، ومنهم من لم يكن على معرفة بأحد من أهل المدينة فكان هؤلاء الغرباء بحاجة إلى مأوى دائم أو مدة إقامتهم. ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم فكر في إيجاد المأوى للفقراء المقيمين والوفود الطارقين.
أين موقع أهل الصُّفَّة؟
وحانت الفرصة عندما تم تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة وذلك بعد ستة عشر شهرًا من هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حيث بقى حائط القبلة الأولى في مؤخر المسجد النبوي، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فظلل أو سقف وأطلق عليه اسم الصفة أو الظلة، ولم يكن لها ما يستر جوانبها.
ويذكر ابن جبير في رحلته أن الصفة دار في آخر قباء يسكنها أهل الصفة، وتأول السمهودي ذلك بأن من ذكر من أهل الصفة اتخذوا تلك الدار فيما بعد فاشتهرت بذلك، أي أن المكان الذي ذكره ابن جبير نسب إلى أهل الصفة ولم ينسبوا هم إليه، لأن نسبتهم كانت إلى صفة المسجد النبوي بالمدينة.
ولا يعرف سعة الصفة، ولكن يبدوا أنها كانت تتسع لعدد كبير حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدمها في وليمة حضرها ثلاثمائة شخص، وإن كان بعضهم قد جلس في حجرة من حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الملاصقة للمسجد.
من هم سكان الصفة؟
أول من نزل الصفة المهاجرون، لذلك نسبت إليهم فقيل صفة المهاجرين. وكذلك كان ينزل بها الغرباء من الوفود التي كانت تقدم على النبي صلى الله عليه وسلم معلنة إسلامها وطاعتها، وكان الرجل إذا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وكان له عريف نزل عليه. وإذا لم يكن له عريف نزل مع أصحاب الصفة. فكان أبو هريرة رضي الله عنه عريف من سكن الصفة من القاطنين ومن نزلها من الطارقين، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد دعوتهم عهد إلى أبي هريرة فدعاهم لمعرفته بهم وبمنازلهم ومراتبهم في العبادة والمجاهدة. وإلى جانب المهاجرين والغرباء نزل بعض الأنصار في الصفة حبًا لحياة الزهد والفقر رغم استغنائهم عن ذلك ووجود دار لهم في المدينة، ومنهم كعب بن مالك الأنصاري وحنظلة بن أبي عامر الأنصاري (غسيل الملائكة) وحارثة بن النعمان الأنصاري وغيرهم.
ولأن أهل الصفة كانوا أخلاطًا من قبائل شتى سماهم النبي صلى الله عليه وسلم (الأوفاض) وقيل في سبب هذه التسمية أيضًا إن كل واحد منهم كان معه وفضة: وهي مثل الكنانة الصغيرة يلقى فيها طعامه لكن القول الأول أجود.
عدد أهل الصفة
كان عددهم يختلف باختلاف الأوقات، فهم يزيدون إذا قدمت الوفود إلى المدينة ويقلون إذا قل الطارقون من الغرباء، على أن عدد المقيمين منهم في الظروف العادية كان في حدود السبعين رجلًا. وقد يزيد عددهم كثيرًا حتى أن سعد بن عبادة كان يستضيف وحده ثمانين منهم فضلًا عن الآخرين الذين يتوزعهم الصحابة.
ويذكر السمهودي أن أبا نعيم سرد أسماءهم في الحلية فزادوا على المائة. لكن عدد من سماهم أبو نعيم اثنان وخمسون فقط منهم خمسة نفى أبو نعيم أن يكونوا من أهل الصفة. وأبو نعيم وحده الذي يقدم إلينا قائمة طويلة بأسماء المشهورين من أهل الصفة، وهو ينقل من مصدر أسبق لا يصرح باسمه، ولعله الكتاب الذي صنفه أبو عبد الرحمن السلمي (ت 412 هـ) في أهل الصفة.
أسماء أهل الصفة
وفيما يلي قائمة بأسماء أهل الصفة كما ذكرها أبو نعيم مضافًا إليهم من ذكرتهم بقية المصادر ممن لم يذكر أبو نعيم:
1- أبو هريرة رضي الله عنه حيث نسب نفسه إليهم.
2- أبو ذر الغفاري رضي الله عنه حيث نسب نفسه إليهم.
3- واثلة بن الأسقع.
4- قيس بن طهفة الغفاري، حيث نسب نفسه إليهم.
5- كعب بن مالك الأنصاري.
6- سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي.
7- سلمان الفارسي رضي الله عنه.
8- أسماء بنت حارثة بن سعيد الأسلمي.
9- حنظلة بن أبي عامر الأنصاري (غسيل الملائكة).
10- حازم بن حرملة.
11- حارثة بن النعمان الأنصاري النجاري.
12- حذيفة بن أسيد أبو سريحة الأنصاري.
13- حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وهو من المهاجرين حالف الأنصار فعد في جملتهم.
14- جارية بن جميل بن شبة بن قرط.
15- جعيل بن سراقة الضمري.
16- جرهد بن خويلد (وقيل بن رزاح) الأسلمي.
17- رفاعة بن لبابة الأنصاري، وقيل اسمه بشير بن عبد المنذر من بني عمرو بن عوف.
18 – عبد الله ذو البجادين.
19- دكين بن سعيد المزني وقيل الخثعمي.
20- خبيب بن يساف بن عنبة.
21- خريم بن أوس الطائي.
22- خريم بن فاتك الأسدي.
23- خنيس بن حذافة السهمي.
24- خباب بن الأرت.
25- الحكم بن عمير الثمالي.
26- حرملة بن أياس، وقيل هو حرملة بن عبد الله العنبري.
27- زيد بن الخطاب.
28- عبد الله بن مسعود.
29- الطفاوي الدوسي.
30- طلحة بن عمرو النضري.
31- صفوان بين بيضاء الفهري.
32- صهيب بن سنان الرومي.
33 – شداد بن أسيد.
34- شقران مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
35- السائب بن خلاد.
36- سالم بن عمير من الأوس من بني ثعلبة بن عمرو بن عوف.
37- سالم بن عبيد الأشجعي.
38- سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
39- سالم مولى أبي حذيفة.
40- أبو رزين.
41- الأغر المزني.
42- بلال بن رباح.
43- البراء بن مالك الأنصاري.
44- ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
45- ثابت بن وديعة الأنصاري.
46- ثقيف بن عمرو بن شميط الأسدي.
47- سعد بن مالك أبو سعيد الخدري رضي الله عنه.
48- العرباض بن سارية.
49- غرفة الأزدي.
50- عبد الرحمن بن قرط.
51- عباد بن خالد الغفاري.
انقطاعهم للعلم والعبادة والجهاد
ينقطع أهل الصفة للعلم ويعتكفون في المسجد للعبادة ويألفون الفقر والزهد، فكانوا في خلواتهم يصلون ويقرأون القرآن ويتدارسون آياته ويذكرون الله تعالى، ويتعلم بعضهم الكتابة حتى أهدى أحدهم قوسه لعبادة بن الصامت رضي الله عنه لأنه كان يعلمهم القرآن والكتابة، واشتهر بعضهم بالعلم وحفظ الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل أبي هريرة رضي الله عنه الذي عرف بكثرة تحديثه، وحذيفة بن اليمان الذي اهتم بأحاديث الفتن.
لكن انقطاع أهل الصفة للعلم والعبادة لم يعزلهم عن المشاركة في أحداث المجتمع والإسهام في الجهاد، بل كان منهم الشهداء بغزوة بدر مثل صفوان بن بيضاء، وخريم بن فاتك الأسدي وخبيب بن يساف وسالم بن عمير وحارثة بن النعمان الأنصاري، ومنهم من استشهد بغزوة أحد مثل حنظلة الغسيل، ومنهم من شهد الحديبية مثل جرهد بن خويلد وأبو سريحة الغفاري، ومنهم من استشهد بغزوة خيبر مثل ثقف بن عمرو، ومنهم من استشهد بغزوة تبوك مثل عبد الله ذو البجادين، ومنهم من استشهد بمعركة اليمامة مثل سالم مولى أبي حذيفة وزيد بن الخطاب، نعم هكذا كانوا رهبانا في الليل فرسانا في النهار.
ملابس أهل الصفة
لم يكن لأهل الصفة من الملابس ما يقيهم من البرد أو يسترهم سترًا كاملًا، فليست عندهم أردية. وما لأحد منهم ثوب تام. فكانوا يربطون في أعناقهم الأكسية أو البرد، أو يأتزرون بالأزر، أو الكساء، فمنهم من تغطي منهم ما يبلغ نصف الساقين وأحيانًا قد لا يبلغ الركبتين، وتذكر المصادر أنهم كانوا يلبسون الحِوْتكية وهي عمَّة يُتعمم بها. والحنف وهي برد شبه اليمانية تعمل من نوع غليظ من أردأ الكتان، وكانوا يخجلون من الظهور بملابسهم احيانًا لأنها لا تسترهم سترًا كاملًا. وسرعان ما كانت تتسخ ملابسهم فجوانب الصفة كانت مكشوفة للهواء والتراب حتى اتخذ العرق من جلودهم طوقًا من الوسخ والغبار.
طعام أهل الصفة
كان جل طعامهم التمر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يجري لكل رجلين منهم مدًا من تمر في كل يوم، وقد اشتكوا من أكل التمر وقالوا إنه أحرق بطونهم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستطع أن يوفر لهم طعامًا غيره فصبرهم وواساهم ، وكان كثيرًا ما يدعوهم إلى تناول الطعام في بيته، لكنه لم يتمكن من تقديم الطعام الجيد لهم فلم يكون يوسع على نفسه وأهله بالنفقة، ففي بعض المرات سقاهم لبنًا، ومرة أطعمهم جشيشة (طحين ولحم أو تمر مطبوخ) ومرة أخرى حيسة (طعام من التمر والدقيق والسمن) وثالثة شعير محمص، لكنهم نالوا في إحدى المرات الثريد، وكان عليه الصلاة والسلام يعتذر إليهم إذا لم يكن الطعام جيدًا، فقد قدم لهم مرة صحفة فيها صنيع من شعير، وقال: "والذي نفس محمد بيده ما أمسى في آل محمد طعام ليس شيئًا ترونه".
ولا شك أنهم كانوا ينالون طعامًا أجود عندما يضيفهم احد أغنياء الصحابة في داره وكثيرًا ما كانوا يفعلون، ولكنهم في كثير من الأحيان ما كانوا يحصلون على ما يمسك رمقهم، فأثر فيهم ذلك فكانوا يخرون في الصلاة لما بهم من الجوع حتى يقول الأعراب إن هؤلاء مجانين وكان أبو هريرة رضي الله عنه يصرع بين المنبر وحجرة عائشة رضي الله عنه لما به من الجوع، لكن قلة طعامهم ما كانت لتؤدي بهم إلى الشره والمغالبة على الطعام، بل كانت حقوق الأخوة وآدابها تحكم علاقاتهم ببعضهم، وقد حكى أبو هريرة رضي الله عنه أنهم كانوا إذا اجتمعوا على أكل التمر وأكل أحدهم تمرتين معًا قال لأصحابه (إني قد قرنت فأقرنوا) لئلا ينال من التمر أكثر منهم.
لقد قنعوا بالقليل من الطعام والخشن من الثياب، وعافت نفوسهم القصور لينقطعوا إلى العبادة والعلم والمجاهدة، فكانوا أمثلة للزهد والترفع عن الدنيا.
رعاية النبي والصحابة لأهل الصفة
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعهد أهل الصفة بنفسه، فيزورهم ويتفقد أحوالهم ويعود مرضاهم، كما كان يكثر مجالستهم ويرشدهم ويواسيهم ويذكرهم ويقص عليهم ويوجههم إلى قراءة القرآن الكريم ومدارسته وذكر الله والتطلع إلى الآخرة ويشجعهم على احتقار الدنيا وعدم تمني الحصول على متاعها، وكان إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، وكثيرًا ما كان يدعوهم إلى تناول الطعام في إحدى حجرات أزواجه رضي الله عنه.
ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يغفل عنهم مطلقًا، بل كانت حالتهم ماثلة أمامه، وقد طلب من ابنته فاطمة رضي الله عنه أن تتصدق عليهم لما ولدت الحسن رضي الله عنه بوزن شعره من الفضة. وقد جاءه مرة سبي فسألته ابنته فاطمة رضي الله عنه خادمًا لأنها تعبت من كثرة أعمالها وكلت فأجابها (عليه الصلاة والسلام:) "أخدمكما وأدع أهل الصفة تطوي" وأوضح لها أنه سيبيع السبي وينفقه على أهل الصفة، ويبدو أنها سألته أيضًا أن يعطيها مالًا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد زار عليا رضي الله عنه فوجد أن فراشهما قصير لا يغطيهما فعلمهما كلمات في الدعاء وآثر إعطاء أهل الصفة عليهما وقال: "لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تلوي بطونهم من الجوع".
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بالتصدق على أهل الصفة، فجعلوا يصلونهم بما استطاعوا من خير فكان أغنياء قريش يبعثون بالطعام إليهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوزع أهل الصفة بين أصحابه بعد صلاة العشاء ليتعشوا عندهم، ويقول: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث وإن أربع فخامس أو سادس، فيأخذ الصحابة بعضهم ومن بقى منهم يصحبهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى داره فيتعشون معه". ويبدو أن الأمر كان كذلك في بداية الهجرة، فلما جاء الله بالغنى لم تعد هناك حاجة لتوزيعهم على دور الصحابة.
وقد استثارت حالة أهل الصفة سبعين من الأنصار يقال لهم القراء(وهم الذين استشهدوا يوم بئر معونة) فكانوا يقرأون القرآن ويتدارسون بالليل ويتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه بالمسجد ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة والفقراء. وقد اقترح محمد بن مسلمة الأنصاري وآخرون من الأنصار على النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج كل واحد منهم قنوا (القنو العذق بما فيه من الرطب) من بستانه حين ينضج التمر لأهل الصفة والفقراء فوافق على ذلك، ووضح في المسجد حبلًا بين ساريتين فأخذ الناس يعقلون الأقناء على الحبل، فربما اجتمعت عشرين قنوًا وأكثر.
وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقوم على حراسة الأقناء. وتشير رواية أخرى إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أشار على الناس بالتصدق بقنو من ثمار بساتينهم ليرفع الله تعالى عنهم عاهة أصابت ثمارهم ففعلوا. وأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل علق قنوا فيه حشف وأراد أن يكون التصدق بأطيب من ذلك . ويشير نص أورده السمهودي إلى استمرار عادة تعليق الأقناء في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة -على الأقل- خلال القرن الثاني الهجري.