عدد المشاهدات:
الفصل الأول: الإنسان خلق وسطاً
الإنسان كله عجب، خلقه الله وسطاً بين عالم ملكه وملكوته، فهو بمادته واحتياجه حيوان فى رتبته بحسب كمالياته، ومن حيث قواه النفسانية ملك روحاني، يفيض أنهار الرحمة والحنان، والخير والعرفان، أو شيطان أبلس إلى أرض الفساد، وأخلد فى حضيض الشر والانتقام، فبينما تراه حيواناً داجناً، وإذا بك تراه سبعاً كاسراً، أو مشكاة نورانياً لبيان سبل الخير والرشاد، فسرعان ما تتنوع أفكاره بأقل منبه، فبينما تراه منقاداً سميعاً مطيعاً، وإذا بك تراه نافراً هلوعاً جزوعاً.
الفصل الثاني: أسباب تنوع الأفكار
السبب الأول: تنوع تحتقر فيه عظائم الأمور، وشدائد الآلام، وهذا التنوع يدوم وينمو، وسببه بهجة الروح بعالمها المجانس لها، فتفر من مفارقها الذي حجب عنها أشعة أنوار عالمها العلوي، وتأبي إلا الاتصال به، فإذا وصلت إليه، وابتهجت به، أحبته، وغارت له، واهتمت أن تمحو ما يحجبه عن النفوس، وما يخالفه من العوائد والأخلاق، والعقائد والمعاملات، وأصحاب هذه النفوس هم الصديقون، أبدال الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وهم أسباب الحياة الروحانية، وموقظو العالم الإنساني من رقدة الجهالة ونومة الغفلة.
موقظو العالم الإنساني من رقدة الجهالة ونومة الغفلة
وهم أنواع: أهل العلم والعرفان والحكمة، والدالون على الله بالقول والعمل والحال، ومنهم أنصار الله وأنصار رسوله صلى الله عليه وسلم، المجاهدون فى سبيل الله بالمال والنفس، ومنهم الصالحون المصلحون، والمهذبون للأخلاق، المزكون للنفوس، ومنهم الأسخياء أهل الجود والنجدة، المواسون للبؤساء، الرحماء بالفقراء والأيتام، ومنهم أئمة الهدي، القائمون بحدود الله، المنفذون لأحكام الله، الحافظون لشريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم أهل القلوب المطمئنة لذكر الله والنفوس الساكنة إلى منفسها، وكل مسلم عامل بالكتاب والسنة فهو منهم بحسب مرتبته.
السبب الثاني: مما ينوع الأفكار شهوة قاهرة، يدعوا لها الفراغ والحدة، فتري الجبان بها جريئاً، والمقتصد مسرفاً، ولا يسلم من هذا المرض إلا من أسعدهم الله بصحبة العلماء الربانين، وتلك الشهوة تصغر أمامها المخاوف كلها، فلا يبالي من تسلط عليه من الحق، ولا من الخلق، وشر باعث عليها الخمرة حفظنا الله من شرورها.
السبب الثاث: أمل محقق الوصول، كطلب حق يعتقد الطالب أنه له، فإذا كان الحق لجماعة أو لأمة وهو خير عام، ونفع شامل، كان ذلك التنوع شديداً جداً، ينسي أهله حياتهم.
فإذا كمل هذا التنوع فى المجتمع، استعرت ناره، فلا تطفأ إلا بنيل هذا الحق، وإن كثيراً من أهل الحكمة إذا ظهرت عليه علامات هذا الباعث، أسرعوا فى تلطفه، فإنه إذا استحكم كان سبباً فى احتقار المانعين للحق، أو زوال ما بيدهم، وإن هذا التنوع كم أزال ملكاً من قوم لآخرين، وكم محا مجداً من مجتمع لآخر، لحرص من بيده حق غيرهم، وتنوع أفكار أصحاب الحق تنوعا ينسيهم الرحمة والعاطفة والصحبة، وهذا التنوع سبب فى تغير الأحوال، وانتقال المجد من أمة لأمة، ورفعة قوم وخفض آخرين، فتري المجتمع، أو الأمة، بينما تتاخم السماء مجداً، وتنسي الربوبية كبراً، آمنة بما لها من عدد وعدد، نافذة الكلمة على العالم، وإذ بها قد اعتورها الخلل داخلاً وخارجا من حيث لا تعلم، ليقيم الرب جل جلاله حجة على أنه الملك القوي، والمتكبر العلي، وعلي أنه خالق الخلق، بيده الملك والملكوت، يهب الملك لمن يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، هذا التنوع ليس للإنسان فيه يد، إنما هي يد العناية الإلهية، تجعل الضعيف المستضعف قوياً متقوياً، قدرة حيرت العقول، وأعجزت الأفكار، وإنا لنري بأعيننا حوادث تلك السنين، وكيف كان أمس، وكيف صار اليوم، وأمر سماوي لا قدرة لسكان الأرض على رده، إلا بتنفيذ ما قدره الله. قال تعالى: (الرحمن: 29). فهو سبحانه وتعالى يعز من يشاء، ويذل من يشاء بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، ولكن من سعادة المجتمع أو الأمة عند هذا التنوع، أن يكون لها أئمة زكت أنفسهم من شوب الهوى والحظ، وتطهرت عقولهم من حب الذات، ورخص المجد ألأفرادي فى نظرهم، حرصاً على الخير العام، ولديها يفوزون بكل قصودهم.
السبب الرابع: تحقق اليأس من نيل مقصد ينال من الغير، وبذلك تتنوع الأفكار، فتتغير الأحوال، وهذا المرض سهل العلاج، لأن المريض به إذا تنسم بارقة أمل، أو نيل بعض قصده، رجع إلى ما كان عليه.
الفصل الثالث: المختار من أختاره الله
أولاً: مختر الله تعالي
تتفاوت الرجال بقدر خصوصياتهم، وخير خصوصية يجمل الله بها عبداً من عباده أن يقيمه مقام رسله عليهم صلوات الله أجمعين لبيان ما أبهم على عباده، وتفصيل ما أجمل، ومتي أقام الله رجلاً هذا المقام جمله بالأخلاق التى بها يألف ويؤلف، ومنحه الحال العلية التى ينوع بها الأفكار، حتي يتضح الخير الحقيقي، والسعادة الحقيقية، اتضاحاً يجعل من وفقهم الله تعالى يسارعون إلى الحق، من غير كلفة، ويحبون الحق لهم وعليهم، مع الحرص على خير الخاصة والعامة، واحتقار ملاذهم فى نيل الحق والعمل به وله، وليس كل من أمكنه أن يعمل للخير بمختار، فكم من عامل للخير ونفسه تنازعه منازعة تؤدي إلى انقلاب الخير إلى شر، ومثل هذا لا يكون مختارا لله تعالى، ولو اختاره الناس، وكم من خامل غير نابه هو مختار الله تعالى، وهو الرجل الذي يمكن أن يكون على يده الخير، ومثل هذا لا ينقص إن طلب لنفسه السؤدد، وتوليه عظائم الأمور، لأن سيدنا يوسف قال: (يوسف: 55)، لما يعلمه فى نفسه من أنها لا تقهره إذا تمكنت، ومن علم فى نفسه الرغبة فيما يلائمها من السيادة أو الحظ، والشهوة وهو عامل بإخلاص للخير، واختاره الناس فالواجب عليه أن يكل الأمر لغيره حرصاً على نجاة نفسه، ونجاة الخلق من أهوالها، وخير يشوبه الشر ليس بخير فى الحقيقة ونفس الأمر، وعامل لا يهمه نجاة نفسه وسعادة من يعمل لهم عدو لنفسه، فكيف يكون صديقاً لغيره؟!.
ثانياً:الخير الحقيقي
هذا وللحس سلطان على العقل وعلي النفس، فقد يحكم الحس على الإنسان بحكم بحسب ما شهده، وتكذبه الحقائق، وحكم لا تؤيده الحقائق باطل، وإذا أختار الله عبداً فأقامه فى محابه ومراضيه، فالأولي لأهل الإيمان أن يختاروه، ولا ينبغي أن يضع المسلم ثقته إلا فيمن يراقب الله تعالى، ويحافظ على شريعته، ووصايا رسوله صلى الله عليه وسلم، وخير لا يؤدي إلى رضاء الله تعالى ورضاء رسوله صلى الله عليه وسلم هو شر، وإن نال العامل له رضاه جميع الخلق، وكيف يكون عاملاً للخير من لا يراقب الله تعالي؟ وما هو الخير الذي يعمل له؟ الخير دنيوي يزول وتبقي آثامه؟ أم لخير شهواني يلبس فاعله الخزي؟ أم لجاه وسيادة فى الكون يجعل صاحبه يوم القيامة يتمني أن يكون تراباً؟ إنما الخير الحقيقي أن يوقظ العامل أهل عصره من نومة الغفلة عن الآداب الشرعية، ورقدة جهالتهم بأنفسهم وبقدر نعم الله تعالى عليه، حتي يكثر أهل الخير، ويقل أهل الباطل، وبقلتهم قد يزول الباطل أو يختفي.
كل إنسان يطلب الخير ويحبه، ولكن جهل الإنسان حقيقة الخير، أو طريقه الموصل إليه فخير الناس من عرفهم الخير الحقيقي، وبين لهم منهاجه، وإن احتقره من ليسوا من الناس، وشر الناس من فرح بما ناله من المكانة عند الناس، وهو فى غضب الله تعالى، فيهلك ويهلك غيره.
ثالثاً: الواجب على كل مسلم
والواجب على كل فرد من المسلمين، أن يجتهد كل الاجتهاد فى نجاة نفسه فى الدنيا والآخرة، ولا يكون ذلك إلا يترك التقليد، إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأئمة الهدي، ممن وصفهم القرآن، وأثني عليهم، ثم يترك التسليم، إلا لرسول الله، ولمن جملهم الله تعالى حتي صاروا أشبه الناس به صلى الله عليه وسلم، ولا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهراً مشهوراً، وإما خافياً مستوراً، وطالب الحق ييسر الله له من يدله عليه، فإن الله تعالى أكرم الأكرمين، لا يطلبه عبد بإخلاص وصدق ويرده، والمقلد من غير بصيرة من الهمج الرعاع، أتباع كل ناعق، الذين لم يهتدوا بالعلم، ولم يقصدوا الخير الحقيقي لأنفسهم، كالغوغاء الذين إذا سمعوا الموسيقي أسرعوا إليها، وتركوا أهم الأعمال الضرورية، وإذا علموا بفرح أو خصومة اجتمعوا من غير قصد وقلدوا غيرهم وكل ذلك لنقص التربية الدينية.
ولو ذاقوا حلاوة الإيمان ولذة التقوى، لخدمتهم الملائكة، ولدانت لهم دول الأرض جميعا، كما كان لسلفنا الصالح، وكانوا أقل عدداً، ولكنهم أقوي يقيناً وأعظم خشية من الله تعالى فكان الله معهم، وكانوا مع الله تعالى، وهم أصفياء الله، المختارون له سبحانه، أسأل الله أن يتفضل علينا بما تفضل به عليهم، وأن يعيد لنا هذا المجد بمنه وكرمه آمين.
الشريعة حصن السالكين،
الشريعة حصن السالكين،وروض الواصلين، وجمال الأفراد المحبوبين فليلزم كل أخ ظاهر الشرع، وليعلمه، فإنه أماني من الله، وسبيل القرب منه جل جلاله. وقد جهل كثير من السالكين سبل الوصول إلى الله تعالى فآهملوا الأعمال البدنية، وظنوا أنهم يحسنون صنعاً، وهي الهاوية التى قادهم إليها الشيطان الرجيم، لأن الصراط المضروب بين الحق والخلق هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمله صلى الله عليه وسلم، وحاله صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: (الشريعة أقوالي، والطريقة أعمالي، والحقيقة أحوالي). فمن لم يسمع قوله ويعمل بعلمه صلى الله عليه وسلم ويتحلي بحاله فهو ناكب عن الصراط المستقيم، سالك وراء الشيطان الرجيم، لأنه صلى الله عليه وسلم الرحمة العامة، ونعمة الله العظمي، وقد أمرنا الله تعالى فى كل يوم أن نسأله حسن اتباعه أربعاً وثلاثين مرة، فإن الله فرض علينا سبع عشرة ركعة فى اليوم، وسن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع عشرة ركعة، نقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب، : اهدنا الصراط المستقيم.
فلو أن الله تعالى استجاب لنا، وقبل منا لهدانا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. ولكنا إذا أهملنا الأعمال البدنية كان ذلك دليلا على سخط الله وغضبه، وأنه لما أهمل الأعمال البدنية ضل عن صراطه المستقيم، وكيف لا، وقد كره أن يواجهه بوجهه الجميل فى مقام الصلاة؟ وكره سبحانه وتعالى أن يوفقه لما وفق له أئمة الهدي، نعوذ بالله من لمة الشيطان الرجيم.
الامام محمد ماضى ابو العزائم
الإنسان كله عجب، خلقه الله وسطاً بين عالم ملكه وملكوته، فهو بمادته واحتياجه حيوان فى رتبته بحسب كمالياته، ومن حيث قواه النفسانية ملك روحاني، يفيض أنهار الرحمة والحنان، والخير والعرفان، أو شيطان أبلس إلى أرض الفساد، وأخلد فى حضيض الشر والانتقام، فبينما تراه حيواناً داجناً، وإذا بك تراه سبعاً كاسراً، أو مشكاة نورانياً لبيان سبل الخير والرشاد، فسرعان ما تتنوع أفكاره بأقل منبه، فبينما تراه منقاداً سميعاً مطيعاً، وإذا بك تراه نافراً هلوعاً جزوعاً.
الفصل الثاني: أسباب تنوع الأفكار
السبب الأول: تنوع تحتقر فيه عظائم الأمور، وشدائد الآلام، وهذا التنوع يدوم وينمو، وسببه بهجة الروح بعالمها المجانس لها، فتفر من مفارقها الذي حجب عنها أشعة أنوار عالمها العلوي، وتأبي إلا الاتصال به، فإذا وصلت إليه، وابتهجت به، أحبته، وغارت له، واهتمت أن تمحو ما يحجبه عن النفوس، وما يخالفه من العوائد والأخلاق، والعقائد والمعاملات، وأصحاب هذه النفوس هم الصديقون، أبدال الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وهم أسباب الحياة الروحانية، وموقظو العالم الإنساني من رقدة الجهالة ونومة الغفلة.
موقظو العالم الإنساني من رقدة الجهالة ونومة الغفلة
وهم أنواع: أهل العلم والعرفان والحكمة، والدالون على الله بالقول والعمل والحال، ومنهم أنصار الله وأنصار رسوله صلى الله عليه وسلم، المجاهدون فى سبيل الله بالمال والنفس، ومنهم الصالحون المصلحون، والمهذبون للأخلاق، المزكون للنفوس، ومنهم الأسخياء أهل الجود والنجدة، المواسون للبؤساء، الرحماء بالفقراء والأيتام، ومنهم أئمة الهدي، القائمون بحدود الله، المنفذون لأحكام الله، الحافظون لشريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم أهل القلوب المطمئنة لذكر الله والنفوس الساكنة إلى منفسها، وكل مسلم عامل بالكتاب والسنة فهو منهم بحسب مرتبته.
السبب الثاني: مما ينوع الأفكار شهوة قاهرة، يدعوا لها الفراغ والحدة، فتري الجبان بها جريئاً، والمقتصد مسرفاً، ولا يسلم من هذا المرض إلا من أسعدهم الله بصحبة العلماء الربانين، وتلك الشهوة تصغر أمامها المخاوف كلها، فلا يبالي من تسلط عليه من الحق، ولا من الخلق، وشر باعث عليها الخمرة حفظنا الله من شرورها.
السبب الثاث: أمل محقق الوصول، كطلب حق يعتقد الطالب أنه له، فإذا كان الحق لجماعة أو لأمة وهو خير عام، ونفع شامل، كان ذلك التنوع شديداً جداً، ينسي أهله حياتهم.
فإذا كمل هذا التنوع فى المجتمع، استعرت ناره، فلا تطفأ إلا بنيل هذا الحق، وإن كثيراً من أهل الحكمة إذا ظهرت عليه علامات هذا الباعث، أسرعوا فى تلطفه، فإنه إذا استحكم كان سبباً فى احتقار المانعين للحق، أو زوال ما بيدهم، وإن هذا التنوع كم أزال ملكاً من قوم لآخرين، وكم محا مجداً من مجتمع لآخر، لحرص من بيده حق غيرهم، وتنوع أفكار أصحاب الحق تنوعا ينسيهم الرحمة والعاطفة والصحبة، وهذا التنوع سبب فى تغير الأحوال، وانتقال المجد من أمة لأمة، ورفعة قوم وخفض آخرين، فتري المجتمع، أو الأمة، بينما تتاخم السماء مجداً، وتنسي الربوبية كبراً، آمنة بما لها من عدد وعدد، نافذة الكلمة على العالم، وإذ بها قد اعتورها الخلل داخلاً وخارجا من حيث لا تعلم، ليقيم الرب جل جلاله حجة على أنه الملك القوي، والمتكبر العلي، وعلي أنه خالق الخلق، بيده الملك والملكوت، يهب الملك لمن يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، هذا التنوع ليس للإنسان فيه يد، إنما هي يد العناية الإلهية، تجعل الضعيف المستضعف قوياً متقوياً، قدرة حيرت العقول، وأعجزت الأفكار، وإنا لنري بأعيننا حوادث تلك السنين، وكيف كان أمس، وكيف صار اليوم، وأمر سماوي لا قدرة لسكان الأرض على رده، إلا بتنفيذ ما قدره الله. قال تعالى: (الرحمن: 29). فهو سبحانه وتعالى يعز من يشاء، ويذل من يشاء بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، ولكن من سعادة المجتمع أو الأمة عند هذا التنوع، أن يكون لها أئمة زكت أنفسهم من شوب الهوى والحظ، وتطهرت عقولهم من حب الذات، ورخص المجد ألأفرادي فى نظرهم، حرصاً على الخير العام، ولديها يفوزون بكل قصودهم.
السبب الرابع: تحقق اليأس من نيل مقصد ينال من الغير، وبذلك تتنوع الأفكار، فتتغير الأحوال، وهذا المرض سهل العلاج، لأن المريض به إذا تنسم بارقة أمل، أو نيل بعض قصده، رجع إلى ما كان عليه.
الفصل الثالث: المختار من أختاره الله
أولاً: مختر الله تعالي
تتفاوت الرجال بقدر خصوصياتهم، وخير خصوصية يجمل الله بها عبداً من عباده أن يقيمه مقام رسله عليهم صلوات الله أجمعين لبيان ما أبهم على عباده، وتفصيل ما أجمل، ومتي أقام الله رجلاً هذا المقام جمله بالأخلاق التى بها يألف ويؤلف، ومنحه الحال العلية التى ينوع بها الأفكار، حتي يتضح الخير الحقيقي، والسعادة الحقيقية، اتضاحاً يجعل من وفقهم الله تعالى يسارعون إلى الحق، من غير كلفة، ويحبون الحق لهم وعليهم، مع الحرص على خير الخاصة والعامة، واحتقار ملاذهم فى نيل الحق والعمل به وله، وليس كل من أمكنه أن يعمل للخير بمختار، فكم من عامل للخير ونفسه تنازعه منازعة تؤدي إلى انقلاب الخير إلى شر، ومثل هذا لا يكون مختارا لله تعالى، ولو اختاره الناس، وكم من خامل غير نابه هو مختار الله تعالى، وهو الرجل الذي يمكن أن يكون على يده الخير، ومثل هذا لا ينقص إن طلب لنفسه السؤدد، وتوليه عظائم الأمور، لأن سيدنا يوسف قال: (يوسف: 55)، لما يعلمه فى نفسه من أنها لا تقهره إذا تمكنت، ومن علم فى نفسه الرغبة فيما يلائمها من السيادة أو الحظ، والشهوة وهو عامل بإخلاص للخير، واختاره الناس فالواجب عليه أن يكل الأمر لغيره حرصاً على نجاة نفسه، ونجاة الخلق من أهوالها، وخير يشوبه الشر ليس بخير فى الحقيقة ونفس الأمر، وعامل لا يهمه نجاة نفسه وسعادة من يعمل لهم عدو لنفسه، فكيف يكون صديقاً لغيره؟!.
ثانياً:الخير الحقيقي
هذا وللحس سلطان على العقل وعلي النفس، فقد يحكم الحس على الإنسان بحكم بحسب ما شهده، وتكذبه الحقائق، وحكم لا تؤيده الحقائق باطل، وإذا أختار الله عبداً فأقامه فى محابه ومراضيه، فالأولي لأهل الإيمان أن يختاروه، ولا ينبغي أن يضع المسلم ثقته إلا فيمن يراقب الله تعالى، ويحافظ على شريعته، ووصايا رسوله صلى الله عليه وسلم، وخير لا يؤدي إلى رضاء الله تعالى ورضاء رسوله صلى الله عليه وسلم هو شر، وإن نال العامل له رضاه جميع الخلق، وكيف يكون عاملاً للخير من لا يراقب الله تعالي؟ وما هو الخير الذي يعمل له؟ الخير دنيوي يزول وتبقي آثامه؟ أم لخير شهواني يلبس فاعله الخزي؟ أم لجاه وسيادة فى الكون يجعل صاحبه يوم القيامة يتمني أن يكون تراباً؟ إنما الخير الحقيقي أن يوقظ العامل أهل عصره من نومة الغفلة عن الآداب الشرعية، ورقدة جهالتهم بأنفسهم وبقدر نعم الله تعالى عليه، حتي يكثر أهل الخير، ويقل أهل الباطل، وبقلتهم قد يزول الباطل أو يختفي.
كل إنسان يطلب الخير ويحبه، ولكن جهل الإنسان حقيقة الخير، أو طريقه الموصل إليه فخير الناس من عرفهم الخير الحقيقي، وبين لهم منهاجه، وإن احتقره من ليسوا من الناس، وشر الناس من فرح بما ناله من المكانة عند الناس، وهو فى غضب الله تعالى، فيهلك ويهلك غيره.
ثالثاً: الواجب على كل مسلم
والواجب على كل فرد من المسلمين، أن يجتهد كل الاجتهاد فى نجاة نفسه فى الدنيا والآخرة، ولا يكون ذلك إلا يترك التقليد، إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأئمة الهدي، ممن وصفهم القرآن، وأثني عليهم، ثم يترك التسليم، إلا لرسول الله، ولمن جملهم الله تعالى حتي صاروا أشبه الناس به صلى الله عليه وسلم، ولا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهراً مشهوراً، وإما خافياً مستوراً، وطالب الحق ييسر الله له من يدله عليه، فإن الله تعالى أكرم الأكرمين، لا يطلبه عبد بإخلاص وصدق ويرده، والمقلد من غير بصيرة من الهمج الرعاع، أتباع كل ناعق، الذين لم يهتدوا بالعلم، ولم يقصدوا الخير الحقيقي لأنفسهم، كالغوغاء الذين إذا سمعوا الموسيقي أسرعوا إليها، وتركوا أهم الأعمال الضرورية، وإذا علموا بفرح أو خصومة اجتمعوا من غير قصد وقلدوا غيرهم وكل ذلك لنقص التربية الدينية.
ولو ذاقوا حلاوة الإيمان ولذة التقوى، لخدمتهم الملائكة، ولدانت لهم دول الأرض جميعا، كما كان لسلفنا الصالح، وكانوا أقل عدداً، ولكنهم أقوي يقيناً وأعظم خشية من الله تعالى فكان الله معهم، وكانوا مع الله تعالى، وهم أصفياء الله، المختارون له سبحانه، أسأل الله أن يتفضل علينا بما تفضل به عليهم، وأن يعيد لنا هذا المجد بمنه وكرمه آمين.
الشريعة حصن السالكين،
فلو أن الله تعالى استجاب لنا، وقبل منا لهدانا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. ولكنا إذا أهملنا الأعمال البدنية كان ذلك دليلا على سخط الله وغضبه، وأنه لما أهمل الأعمال البدنية ضل عن صراطه المستقيم، وكيف لا، وقد كره أن يواجهه بوجهه الجميل فى مقام الصلاة؟ وكره سبحانه وتعالى أن يوفقه لما وفق له أئمة الهدي، نعوذ بالله من لمة الشيطان الرجيم.
الامام محمد ماضى ابو العزائم