عدد المشاهدات:
الصُّوفية والشريعة الإسلامية
يشكك بعض الناس في إلتزام الصوفية بأحكام الشريعة المطهرة، بل وربما يتهمونهم بالتحلل من الشريعة، ويستندون في ذلك إلى ما يحدث من بعض الأدعياءالمحسوبين على الصوفية، وليسوا منهم في قليل أو كثير.
بينما لو نظرنا في هذا الأمر نظرة موضوعية، لوجدنا أن الصوفية – على وجه العموم – نبهوا في صور حاسمة إلى وجوب إلتزام الشريعة.
فهذا الإمام أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه يقول: ((من دعا إلى الله تعالى، بغير ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو بدعى))، ويقول أيضاً: ((إذا لم يواظب الفقير على حضور الصلوات الخمس في الجماعة، فلا تعبأ به)).
ومن أجمل كلماته في هذا، قوله: ((ما ثم كرامة أعظم من كرامة الإيمان، ومتابعة السنة، فمن أعطيهما، وجعل يشتاق إلى غيرهما، فهو عبد مفتر كذاب، أو ذو خطأ في العلم والعمل بالصواب، كمن أكرم بشهود الملك على نعت الرضا، فجعل يشتاق إلى سياسة الدواب وخلع الرضا)).
وكل الصوفية ينهجون هذا النهج، ومن هؤلاء مثلاً: أبو يزيد البسطامي الذي يقول في قوة حاسمة، وفي نطق صادق. ((لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات، حتى يرتقي في الهواء، فلا تغتروا به، حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي، وحفظ الحدود، وأداء الشريعة)).
وقال لأحد جلسائه: ((قم بنا ننظر إلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالولاية – وكان رجلاً مشهوراً بالزهد – فمضينا إليه، فلما خرج من بيته ودخل المسجد، رمى ببصاقة تجاه القبلة، فإنصرف أبو يزيد ولم يسلم عليه، وقال:
((هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مأموناً على ما يدعيه؟))
ويقول سهل التسترى معبراً عن أصول التصوف: ((أصول طريقنا سبعة: ((التمسك بالكتاب، والإقتداء بالسنة، وأكل الحلال، وكف الأذى، وتجنب المعاصي، ولزوم التوبة، وأداء الحقوق)).
ولقد تحدث الإمام الجنيد – سيد هذه الطائفة وإمامهم على حد تعبير القشيري – أكثر من مرة، فيما يتعلق بالصلة بين التصوف والشريعة، ومما قاله في ذلك:
((الطرق كلها مسدودة على الخلق، إلا على من إقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم، وإتبع سنته، ولزم طريقته)) وقال أيضاً:
((من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة))، وقال: ((علمنا هذا مشيد بالقرآن وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
وذكر رجل المعرفة أمام الجنيد وقال: ((أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله عز وجل))، فقال الجنيد: ((إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الأعمال، وهو عندي عظيمة، والذي يسرق ويزني أحسن حالاً من الذي يقول هذا)).
ولقد كان الإمام الغزالي في سلوكه، وفي قوله ، وفي حياته الخاصة والعامة يلتزم الشريعة، ويقول في شئ من التفصيل، فيه دقة، وفيه إستدلال غاية في القوة:
((وأعلم أن سالك سبيل الله تعالى قليل، والمدعى فيه كثير، ونحن نعرفك علامة له: وذلك بأن تكون جميع أفعاله الإختيارية موزونة بميزان الشرع، موقوفة على توقيفاته إيراداً وإصداراً، وإقداماً، وإحجاماً، إذ لا يمكن سلوك هذا السبيل إلا بعد التلبس بمكارم الشريعة كلها، ولا يصل فيه إلا من واظب على جملة من النوافل، فكيف يصل إليه من ترك الفرائض؟ فإن قلت: فهل تنتهي رتبة السالك إلى الحد الذي ينحط عنه فيه بعض وظائف العبادات، ولا يضره بعض المحظورات، كما نقل عن بعض المشايخ من التساهل في هذه الأمور؟، وأقول لك:
((إعلم أن هذا عين الغرور، وأن المحققين قالوا: ((لو رأيت إنساناً يطير في الهواء، ويمشي على الماء، وهو يتعاطى أمراً يخالف الشرع، فإعلم أنه شيطان))، وهو الحق.
فإذا ما إنتهينا أخيراً إلى سيدي أبي الحسن الشاذلي رضى الله عنه ، فإننا نجده يقول:
((إذا تعارض كشفك مع الكتاب والسنة، فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف، وقل لنفسك إن الله تعالى ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة، ولم يضمنها في جانب الكشف، ولا الإلهام ولا المشاهدة، إلا بعد عرضها على الكتاب والسنة)).
والواقع أن المثل الأعلى للصوفية على بكرة أبيهم، إنما هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يحاولون – باستمرار- أن ينهجوا نهجه، وأن يسيروا على منواله، فهو إمامهم الأسمى في كل ما يأتون، وما يدعون، وهم يتابعونه مهتدين في ذلك بقول الله سبحانه وتعالى:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾.
وإنه لمن المدهش أن نجد بعض من يزعمون الإنتساب إلى التصوف يقللون من ضرورة التمسك بالشريعة، أو يهملون العمل بها، وهؤلاء خالفوا كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لأنهم تركوا العلم والآداب، وجانبوا الصواب، وفيهم يقول القائل: ((رضواً من التواضع بترقيع الملبوس، ومن التصوف بتزيين الرؤوس، واقتصروا في العبادة، على مشي النقباء أمامهم وحمل السجادة، وفي الزهد والجلادة، وعلى تخشين الفراش والوسادة)).
ولقد أجاد من وصفهم بقوله:
أما الخيام فإنها كخيامهم وأرى نساء الحى غير نسائها
فالخير كله في الإتباع، والشر كله في الإبتداع.
ويقول في ذلك الصوفي الفرنسي الشيخ عبد الواحد يحيى: ((وقد يكون من المحتمل أن نرى أحد ممثلي الشريعة يجهل التصوف، وإن كان جهله لا يبرر إنكاره، ولكن ليس من المحتمل وليس من الطبيعي أن يجهل رجل التصوف ميدان الشريعة، ولو من جانبها العملي ذلك أن الأكثر، وهو التصوف، يتضمن بالضرورة الأقل وهو الشريعة.
على أن نظرة من يريد أن يسلك السلوك الصوفي، إلى الشريعة، من حيث عدم أهميتها، وعلى الخصوص، أهمية الجانب العملي منها بالنسبة له، هذه النظرة تتضمن، ولو نظرياً، تقليل أهمية الجانب العملي في التصوف نفسه، وفي هذا الخطورة كل الخطورة، فإنه من المشكوك فيه كثيراً، أن يتوفر للشخص الذي عنده هذه الفكرة، الإستعداد الصوفي، ومن الخير له أن يلتزم الشريعة إلتزاماً كلياً قبل أن يبدأ السلوك، فإذا لم يمكنه إلتزامها، فلا خير فيه، بالنسبة للجانب الصوفي.
إن تقليل الشريعة إنما هو مظهر من مظاهر الروح التي لا تبالي بما أنزل الله، وعادة تكون الروح الخاضعة لما أنزل الله، هو أول خطوة في طريق السالكين)).
إن الشريعة والحقيقة متصلتان إتصالاً يجعل منهما مظهرين لشئ واحد، أحدهما خارجي، والآخر داخلي، أو أحدهما ظاهر والآخر باطن. ولتوضيح ذلك نقول:
إن الإنسان الذي يشيد قصراً في الهواء، لا يشيده على أساس، وكل فكرة لا ترتكز على أساس من السنة الصحيحة: إنما هي بناء في الهواء، إنها بناء على غير أساس، والبناء الذي يمكن أن يبقى على الدهر لابد له من أساس مدعم، وعلى الأساس يرتكز البناء كله، حتى الأجزاء العليا منه، والإرتكاز على الأساس يستمر حتى بعد إنتهاء البناء.
وعلى هذا النمط تكون النسبة بين الشريعة والتصوف، فالشريعة الصحيحة هي الأساس الذي لابد منه لكل سالك، وكالأساس تماماً، لايمكن طرح الشريعة بعد سلوك الطريق.
بل نقول أكثر من ذلك:
إنه كلما سار الصوفي في طريقه واستغرق فيه، بدت له ضرورة الشريعة، وإستنارت معرفته بها، وأصبح فهمه لها أكثر عمقاً، وأكثر دراية بحقيقتها من هؤلاء الذين درسوها وآمنوا بها، دون أن يضربوا بسهم في الميدان الصوفي، ذلك أنهم لا يرون من الشريعة إلا مظهرها الخارجي، ولكن الصوفي يعيش في جوها الروحي، ويحياها، إذا أمكن هذا التعبير.
وإذا كان لا يقبل من رجل الدين أن يعلن تدينه، دون أن يجعل للشريعة السيطرة على قياده، فإنه لا يُقبل من باب أولى من رجل صوفي أن يزعم إنتسابه إلى الصوفية دون أن تسيطر شعائر الدين وإلتزاماته على حياته.
إننا نرى ضرورة إلتزام الشريعة لكل إنسان، ولكننا نؤكد - ونحن على يقين من الأمر- لهؤلاء الذين يريدون أن يسلكوا الطريق الصوفي، بأنهم لن يصلوا حتى إلى أولى مراحل الطريق إذا لم يلتزموا بالشريعة إلتزاماً تاماً.
وقد سئل الإمام الغزالي رضي الله عنه عن معنى ارتفاع التكليف عن الولي فأجاب كما ذكر السبكي في طبقات الشافعية بقوله:
((معنى ارتفاع التكليف عن الولي، أن العبادة تصير قرَّة عينه، وغذاء روحه بحيث لا يصبر عنها، ولا يكون عليه كلفة فيها، وهو كالصبي يكلف حضور المكتب، ويُحمل على ذلك قهراً، فإذا اكتمل بالعلم، صار ذلك ألذ الأشياء عنده، ولم يصبر عنه، فلم يكن فيه كلفة، وتكليف الجائع ليتناول الطعام الذيذ، محال: لأنه يأكله بشهوة ويلتذ به، فأي معنى لتكليفه؟ فإذن تكليف الولي محال، والتكليف مرتفع عن الولي بهذا المعنى، لا بمعنى أنه لا يصوم، ولا يصلي، ويشرب، ويزني.
وكما يستحيل تكليف العاشق النظر إلى معشوقه، وتقبيل قدميه والتواضع له، لأن ذلك منتهى شهوته ولذته، فكذلك غذاء روح الولي، في ملازمة ذكره، وامتثال أمره، والتواضع له بقلبه، لا يمكنه إشراك القالب مع القلب في الخضوع، إلا بصورة السجود فيكون ذلك كمالاً للذة الخضوع والتعظيم، حتى يشترك في الالتذاذ قلبه وقالبه كما قيل:
ألا فاســـــقني خمراً وقـــل لي هي الخمر
أي ليدرك سَـمعي لذة اسمه كما أدرك ذوقي طعـمه
بل تنتهي لذة الولي من القيام لربه قانتاً مناجياً، إلى أن لا يدرك الورم في القدم، فيقال له: ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ )) أنتهى
وكذا كتب له بعض الذائقين ما قوله :
متع الله المسلمين ببقائه، ومتع الطالبين بمشاهدته ولقائه، ومنحه أفضل ما منح خاصته من أصفيائه وأوليائه، في قلب خصه الحق بأنواع من الطرف والهدايا ومنحه أصنافاً من الأنوار والعطايا، يستمر له ذلك في جميع الأوقات والأحوال، متزايدة مع عدم العوائق والآفات، مع كون ظاهره معموراً، بأحكام الشرع وأدائه، منزهاً عن مآثمه ومخالفاته، ويجد في الباطن مكاشفات وأنواراً عجيبة ثم أنه انكشف له نوع يعرفه، أن المقصود من التكاليف الشرعية، والرياضات الدينية: هو الفطام عما سوى الحق، كما قيل لموسى صلى الله عليه وسلم: ((إخل قلبك أريد أن أنزل فيه)).
فإذا تم الفطام، وحصل المقصود بالوصول إلى القربة، ودوام الترقي من غير فترة، حتى أنه لو اشتغل بوظائف الشرع وظواهره، انقطع عن حفظ الباطن، وتشوش عليه بالالتفات عن أنواع الواردات الباطنية، إلى مراعاة أمر الظاهر.
وهذا الرجل لا ينزل يده من التكليف الظاهر، ولا يقصِّر في أحكام الشريعة، ولكن الاعتقاد الذي كان له في الظواهر والتكاليف، تناقص وتقاصر عما كان في الابتداء من التعظيم لوقعها عنده، ولكنه يباشرها ويواظب عليها عادة، لا لأجل الخلق، وحفظ نظرهم ومراقبة الله، بل صارت إلفاً له، وإن نقص اعتقاده فيها، فهو يعظمها. ما حكمها ؟ ، الجواب: وبالله التوفيق :
ينبغي أن يتحقق هنا أن من ظن أن المقصود من التكاليف والتعبد بالفرائض: الفطام عما سوى الله، والتجرد له، فهو مصيب في ظنه أن ذلك مقصود، ومخطئ في ظنه أنه كل المقصود، ولا مقصود سواه، بل لله تعالى في الفرائض التي استعبد بها الخلق أسرار سوى الفطام، تقصر بضاعة العقل عن دركها.
ومثل هذا الرجل المنخدع بهذا الظن، مثل رجل بنى له أبوه قصراً على رأس جبل، ووضع فيه شجرة من حشيش طيب الرائحة وأكد الوصية على ولده مرة بعد أخرى ألا يخلي هذا القصر عن هذا الحشيش طول عمره.
و قال: إياك أن تسكن هذا القصر ساعة من ليل أو نهار وهذا الحشيش ليس فيه، فزرع الولد حول القصر أنواعاً من الرياحين، وطلب في البر والبحر أوتاداً من العود والعنبر والمسك، وجمع في قصره جميع ذلك من شجرات كثيرة من الرياحين الطيبة الرائحة، فانغمرت رائحة الحشيش لما فاحت هذه الروائح، فقال: لا شك أن والدي ما أوصاني بحفظ هذا الحشيش إلا لطيب رائحته والآن قد استغنينا بهذه الرياحين عن رائحته فلا فائدة فيه الآن إلا أن يضيق علي المكان، فرماه من القصر، فلما خلا القصر من الحشيش، ظهر من بعض نقب القصر حية هائلة وضربته ضربة هائلة، أشرف بها على الهلاك.
فتنبه حيث لم ينفعه التنبه، إلى أن الحشيش كان من خاصيته دفع هذه الحية المهلكة، وكان لأبيه بالوصية بالحشيش غرضان: ... أحدهما : انتفاع الولد برائحته وذلك قد أدركه الولد بعقله، والثاني: اندفاع الحيات المهلكات برائحته، وذلك مما قصر عن دركه بصيرة الولد فاغتر الولد بما عنده من العلم، وظن أنه لا سر وراء معلومه ومعقوله كما قال تعالى: (ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ).وقـــال : { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ } والمغرور من إغتر بعقله فظن أن ما هو منتف عن علمه فهو منتف في نفسه.
وقد عرف أهل الكمال أن قلب الآدمي: كذلك القصر، وأنه معشش حيات وعقارب مهلكات، وإنما رقيتها وقيدها بطريق خاصة: المكتوبات والمشروعات، بقوله سبحانه: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) وقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَام)ُ فكما أن الكلمات الملفوظة والمكتوبة في الرقية تؤثر بالخاصة في استخراج الحيات، بل في استسخار الجن والشياطين، وبعض الأدعية المنظومة المأثورة تؤثر في استمالة الملائكة إلى السعي في إجابة الداعي، ويقصر العقل عن إدراك كيفيته وخاصيته، وإنما يدرك ذلك بقوة النبوة إذا كشف السر بها من اللوح المحفوظ.
فكذلك صورة الصلاة المشتملة على ركوع واحد، وسجودين، وعدد مخصوص، وألفاظ معينة من القرآن، متلوة مختلفة المقادير: عند طلوع الشمس، وعند الزوال، والغروب، تؤثر بالخاصة في تسكين التنين المستكن في قلب الآدمي، الذي يتشعب منه حيات كبيرة الرؤوس بعدد أخلاق الآدمي، يلدغه وينهشه في القبر، متمكناً من جوهر الروح وذاته، أشد إيلاماً من لدغ مُكن من القالب أولاً، ثم يسري أثره إلى الروح، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: َعَن أَبِي هُرَيرَةَ رضى الله عنه :
{ عَذَابُ الْكَافِرِ فِي قَبْرِه، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّيناً أَتَدْرُونَ مَا التِّنِّينُ؟ سَبْعُونَ حَيَّةً لِكُلِ حَيَّةٍ سَبْعُ رُؤُوسٍ يَلْسَعُونَهُ وَيَخْدِشُونَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}. رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه
ويكثر مثل هذا التنين في خلق الآدمي، ولا يقمعه إلا الفرائض المكتوبة، فهي المنجية من المهلكات، وهي أنواع كثيرة بعدد الأخلاق المذمومة (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ)، فإذن في التكليف غرضان؛ أدرك هذا المغرور أحدهما، وغفل عن الآخر.
وقد وقع لأبي حنيفة مثل هذا الظنِّ في الفقهيات، فقال:
(( أوجب الله في أربعين شاة: شاة، وقصد به إزالة الفقر، والشاة آلة في الإزالة، فإذا حصل بمال آخر فقد حصل تمام المقصود ))، فقال الشافعي رضي الله عنه: ((صدقت في قولك: إن هذا مقصود، وركبت من الخطر في حكمك بأنه لا مقصود سواه! ، فبم تأمره: إذ يقال له يوم القيامة: كان لنا سرّ في إشراك الغني الفقير مع نفسه في جنس ماله؟ كما كان من يرمي سبعة أحجار في الحج ليؤدي بدلها خمس لآلىء، أو خمس أكبر ؟ إذ لم يقبله ( أى أن الشرع لايقبل ذلك ) ، وإذا جاز أن يتمحض التقييد في الحج، وأن يتمحض المعنى المعقول معاملات الخلق فلم يستحل أن يجمع المعقول والتقييد جميعاً في الزكاة، فتكون إزالة الفقر معقولة، والسرُّ الآخر غير معقول)).
ثم يستطرد رضي الله عنه فيقول: ((وننبِّه على هذه المعرفة بالتأمل في ثلاثة أمور:
الأول: بداية حال إبليس، وأنه كيف وصف بأنه كان معلم الملائكة، ثم سقط عن درجة الكمال بمخالفة أمر واحد: اغتراراً بما عنده من العلم، وغفلة عن أسرار الله في الاستبعاد ولم يسقط عن درجته إلا بكياسته وفطنته، وتمسكه بمعقوله، في كونه خيراً من آدم عليه السلام، فننبه الخلق بهذا الرمز على أن البلاهة أدنى إلى الخلاص من فطانة بتراء وكياسة ناقصة.
الأمر الثاني: حال آدم عليه السلام، وأنه لم يخرج من الجنة إلا بركوبه نهياً واحداً ليعلم أن في ركوب النهي إبطال اعتقاد الكمال لخالقه.
الأمر الثالث: حال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا المغرور لعله يقول: إنه لم تسلم له رتبة الكمال، ثم أنه صلى الله عليه وسلملم يزل يلازم الحدود، ويواظب على المكتوبات إلى آخر أنفاسه، بل يزيد في فرائضه، وأوجب عليه التهجد، ولم يوجبه على غيره، وقيل له ( يأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ .قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا
نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا)، وإنما أوجبت عليه هذه الزيادة، لأن الخزانة كلما ازداد جوهرها نفاساً وشرفاً ينبغي أن يزداد حصنها إحكاماً وعلواً، فلذلك قيل في تعليل إيجاب التهجد(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلا) فتبين له أن هذه الصلوات هي حصن الكمال، فلا يبقى إلا به.
ولعل المغرور المعتوه يقول: أنه كان يواظب عليها إشفاقاً على الخلق لأجل الاقتداء، لا لحاجته إليها في حفظ الكمال ، فيقال له: فلم زاد عليه في التهجد وجوباً؟
مسألة: أمّا ما ذكره من أنه لو اشتغل بالتكاليف لشغله ذلك عن القربى التي نالها، والكمال الذي بلغه فهو كذب صريح، ومحال فاحش قبيح، لأن التكاليف قسمان: أمر ونهي فأما المنهيات: مثل الزنا، والسرقة، والقتل، والضرب، والنميمة، والكذب، والقذف.
فترك ذلك كيف يشغل عن الكمال؟ وكيف يحجب عن القربة؟ والكمال كيف يكون موقوفاً على ركوب هذه القاذروات؟
وأما المأمورات: فالزكاة والصوم والصلاة، فكيف تحجبه الزكاة ولو أنفق جميع ماله، فقد دفع السوء عن نفسه؟، ولو صام جميع دهره، فهل يفوته بذلك إلا سلطنة الشهوة؟ فما الذي يفوت من الكمال بترك الأكل ضحوة النهار، في شهر واحد هو رمضان، وأما الصلاة فتقسم إلى: أفعال وأذكار: وأفعالها: قيام وركوع وسجود.
ولا شك في أنه يخرج من القربة بالأفعال المعتادة، فإن لم يصل، فيكون إما قائماً أو مضطجعاً، وغير المعتاد هو السجود والركوع، وكيف يحجب عن القربة، ما هو سبب القربة؟ قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب )
ومن عشق ملكاً ذا جمال، فإذا وضع وجهه على التراب بين يديه، إستكانة له، وجد في قلبه مزيج روح، وراحة، وقرب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:
{ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ } عَنْ أَنَسٍ رواه أحمد والنسائي .
فإستدامة حال القربة وإستزادتها في السجود، أيسر منها في الاضطجاع والقعود ومهما ألقى في قلبه أن السجود سبب حرمانه عن القرب كان ذلك أنموذجاً من حال إبليس، حيث ألقى في نفسه أن السجود بحكم الأمر، سبب زوال قربته وكماله.
فكل ولي سقط من درجة القربة إلى درجة اللعنة، فسببه ترك السجود، ومقتداه وإمامه إبليس، وكل ولي أسعد بالترقي إلى درجات القرب قيل له: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب )
ومقتداه وإمامه الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولا ينبغي أن يتوهم الولي الخالص أنه بعيد عن خداع إبليس، مادام في هذه الحياة، بل لا ينجو عنه الأنبياء، غير أنهم محفوظون كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [الحج: 52]،
ونختم كلامنا في هذا الموضوع بهذا الكلام المحقق للدكتور حسن الشرقاوي في تعليقه على كتاب الكوكب الشاهق للشعراني:
((إن إتهام الصوفية بأنهم يرفعون التكاليف والفرائض الشرعية، قول مردود، ودعوى كاذبة، فالصوفية يؤمنون إيماناً راسخاً بأنه لا شريعة بلا حقيقة، ولا حقيقة بلا شريعة، فمن تشرع ولم يتحقق فقد تفسق، ومن تحقق ولم يتشرع فقد تزندق، فأعمال القلوب يجب أن ترتبط بأعمال الجوارح، فلا تباين بينها، ولا تناقض ولا إنفصال، ولكل عضو من أعضاء الجسم وظيفته التي يجب أن يؤديها في معاملاته، وعباداته، وتكاليفه الشرعية، كما أن عقل الإنسان ونفسه وقلبه جميعاً يجب أن تتكامل مع جوارحه بالتقرب إلى الله تعالى، فإذا ما إنفصلت أعمال الجوارح عن أعمال القلوب، فسدت النفس والبدن جميعاً.
فكيف يمكن أن يقال بعد ذلك أن الصوفية قوم خمول وتبطل وتكاسل، وأنهم يدعون إلى رفع التكاليف الشرعية، وهم الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه الكريم، ويبدو للمتأمل السليم القلب أن هناك إختلافاً بيناً، بين أهل الحق الذين يتبعون شريعة الله وسنة رسوله، وبين المبتدعة الذين يخالفون قول الله وسنة رسوله، فيبتدعون أعمالاً وأفعالاً من عند أنفسهم، ويؤولون كمال الله، فيحرمون أشياء، ويبيحون أشياء، بحسب أهوائهم.
وهؤلاء ليسوا من الصوفية، إنما هم دخلاء على أهل الله، وهم من مرضى القلوب، يزعمون أنهم من الصوفية، وهم إلى الكفر أقرب منهم إلى الإيمان)).
من كتاب الصوفيه فى القرآن والسنه
☀لفضيله الشيخ فوزى محمد ابوزيد
يشكك بعض الناس في إلتزام الصوفية بأحكام الشريعة المطهرة، بل وربما يتهمونهم بالتحلل من الشريعة، ويستندون في ذلك إلى ما يحدث من بعض الأدعياءالمحسوبين على الصوفية، وليسوا منهم في قليل أو كثير.
بينما لو نظرنا في هذا الأمر نظرة موضوعية، لوجدنا أن الصوفية – على وجه العموم – نبهوا في صور حاسمة إلى وجوب إلتزام الشريعة.
فهذا الإمام أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه يقول: ((من دعا إلى الله تعالى، بغير ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو بدعى))، ويقول أيضاً: ((إذا لم يواظب الفقير على حضور الصلوات الخمس في الجماعة، فلا تعبأ به)).
ومن أجمل كلماته في هذا، قوله: ((ما ثم كرامة أعظم من كرامة الإيمان، ومتابعة السنة، فمن أعطيهما، وجعل يشتاق إلى غيرهما، فهو عبد مفتر كذاب، أو ذو خطأ في العلم والعمل بالصواب، كمن أكرم بشهود الملك على نعت الرضا، فجعل يشتاق إلى سياسة الدواب وخلع الرضا)).
وكل الصوفية ينهجون هذا النهج، ومن هؤلاء مثلاً: أبو يزيد البسطامي الذي يقول في قوة حاسمة، وفي نطق صادق. ((لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات، حتى يرتقي في الهواء، فلا تغتروا به، حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي، وحفظ الحدود، وأداء الشريعة)).
وقال لأحد جلسائه: ((قم بنا ننظر إلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالولاية – وكان رجلاً مشهوراً بالزهد – فمضينا إليه، فلما خرج من بيته ودخل المسجد، رمى ببصاقة تجاه القبلة، فإنصرف أبو يزيد ولم يسلم عليه، وقال:
((هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مأموناً على ما يدعيه؟))
ويقول سهل التسترى معبراً عن أصول التصوف: ((أصول طريقنا سبعة: ((التمسك بالكتاب، والإقتداء بالسنة، وأكل الحلال، وكف الأذى، وتجنب المعاصي، ولزوم التوبة، وأداء الحقوق)).
ولقد تحدث الإمام الجنيد – سيد هذه الطائفة وإمامهم على حد تعبير القشيري – أكثر من مرة، فيما يتعلق بالصلة بين التصوف والشريعة، ومما قاله في ذلك:
((الطرق كلها مسدودة على الخلق، إلا على من إقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم، وإتبع سنته، ولزم طريقته)) وقال أيضاً:
((من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة))، وقال: ((علمنا هذا مشيد بالقرآن وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
وذكر رجل المعرفة أمام الجنيد وقال: ((أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله عز وجل))، فقال الجنيد: ((إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الأعمال، وهو عندي عظيمة، والذي يسرق ويزني أحسن حالاً من الذي يقول هذا)).
ولقد كان الإمام الغزالي في سلوكه، وفي قوله ، وفي حياته الخاصة والعامة يلتزم الشريعة، ويقول في شئ من التفصيل، فيه دقة، وفيه إستدلال غاية في القوة:
((وأعلم أن سالك سبيل الله تعالى قليل، والمدعى فيه كثير، ونحن نعرفك علامة له: وذلك بأن تكون جميع أفعاله الإختيارية موزونة بميزان الشرع، موقوفة على توقيفاته إيراداً وإصداراً، وإقداماً، وإحجاماً، إذ لا يمكن سلوك هذا السبيل إلا بعد التلبس بمكارم الشريعة كلها، ولا يصل فيه إلا من واظب على جملة من النوافل، فكيف يصل إليه من ترك الفرائض؟ فإن قلت: فهل تنتهي رتبة السالك إلى الحد الذي ينحط عنه فيه بعض وظائف العبادات، ولا يضره بعض المحظورات، كما نقل عن بعض المشايخ من التساهل في هذه الأمور؟، وأقول لك:
((إعلم أن هذا عين الغرور، وأن المحققين قالوا: ((لو رأيت إنساناً يطير في الهواء، ويمشي على الماء، وهو يتعاطى أمراً يخالف الشرع، فإعلم أنه شيطان))، وهو الحق.
فإذا ما إنتهينا أخيراً إلى سيدي أبي الحسن الشاذلي رضى الله عنه ، فإننا نجده يقول:
((إذا تعارض كشفك مع الكتاب والسنة، فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف، وقل لنفسك إن الله تعالى ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة، ولم يضمنها في جانب الكشف، ولا الإلهام ولا المشاهدة، إلا بعد عرضها على الكتاب والسنة)).
والواقع أن المثل الأعلى للصوفية على بكرة أبيهم، إنما هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يحاولون – باستمرار- أن ينهجوا نهجه، وأن يسيروا على منواله، فهو إمامهم الأسمى في كل ما يأتون، وما يدعون، وهم يتابعونه مهتدين في ذلك بقول الله سبحانه وتعالى:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾.
وإنه لمن المدهش أن نجد بعض من يزعمون الإنتساب إلى التصوف يقللون من ضرورة التمسك بالشريعة، أو يهملون العمل بها، وهؤلاء خالفوا كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لأنهم تركوا العلم والآداب، وجانبوا الصواب، وفيهم يقول القائل: ((رضواً من التواضع بترقيع الملبوس، ومن التصوف بتزيين الرؤوس، واقتصروا في العبادة، على مشي النقباء أمامهم وحمل السجادة، وفي الزهد والجلادة، وعلى تخشين الفراش والوسادة)).
ولقد أجاد من وصفهم بقوله:
أما الخيام فإنها كخيامهم وأرى نساء الحى غير نسائها
فالخير كله في الإتباع، والشر كله في الإبتداع.
ويقول في ذلك الصوفي الفرنسي الشيخ عبد الواحد يحيى: ((وقد يكون من المحتمل أن نرى أحد ممثلي الشريعة يجهل التصوف، وإن كان جهله لا يبرر إنكاره، ولكن ليس من المحتمل وليس من الطبيعي أن يجهل رجل التصوف ميدان الشريعة، ولو من جانبها العملي ذلك أن الأكثر، وهو التصوف، يتضمن بالضرورة الأقل وهو الشريعة.
على أن نظرة من يريد أن يسلك السلوك الصوفي، إلى الشريعة، من حيث عدم أهميتها، وعلى الخصوص، أهمية الجانب العملي منها بالنسبة له، هذه النظرة تتضمن، ولو نظرياً، تقليل أهمية الجانب العملي في التصوف نفسه، وفي هذا الخطورة كل الخطورة، فإنه من المشكوك فيه كثيراً، أن يتوفر للشخص الذي عنده هذه الفكرة، الإستعداد الصوفي، ومن الخير له أن يلتزم الشريعة إلتزاماً كلياً قبل أن يبدأ السلوك، فإذا لم يمكنه إلتزامها، فلا خير فيه، بالنسبة للجانب الصوفي.
إن تقليل الشريعة إنما هو مظهر من مظاهر الروح التي لا تبالي بما أنزل الله، وعادة تكون الروح الخاضعة لما أنزل الله، هو أول خطوة في طريق السالكين)).
إن الشريعة والحقيقة متصلتان إتصالاً يجعل منهما مظهرين لشئ واحد، أحدهما خارجي، والآخر داخلي، أو أحدهما ظاهر والآخر باطن. ولتوضيح ذلك نقول:
إن الإنسان الذي يشيد قصراً في الهواء، لا يشيده على أساس، وكل فكرة لا ترتكز على أساس من السنة الصحيحة: إنما هي بناء في الهواء، إنها بناء على غير أساس، والبناء الذي يمكن أن يبقى على الدهر لابد له من أساس مدعم، وعلى الأساس يرتكز البناء كله، حتى الأجزاء العليا منه، والإرتكاز على الأساس يستمر حتى بعد إنتهاء البناء.
وعلى هذا النمط تكون النسبة بين الشريعة والتصوف، فالشريعة الصحيحة هي الأساس الذي لابد منه لكل سالك، وكالأساس تماماً، لايمكن طرح الشريعة بعد سلوك الطريق.
بل نقول أكثر من ذلك:
إنه كلما سار الصوفي في طريقه واستغرق فيه، بدت له ضرورة الشريعة، وإستنارت معرفته بها، وأصبح فهمه لها أكثر عمقاً، وأكثر دراية بحقيقتها من هؤلاء الذين درسوها وآمنوا بها، دون أن يضربوا بسهم في الميدان الصوفي، ذلك أنهم لا يرون من الشريعة إلا مظهرها الخارجي، ولكن الصوفي يعيش في جوها الروحي، ويحياها، إذا أمكن هذا التعبير.
وإذا كان لا يقبل من رجل الدين أن يعلن تدينه، دون أن يجعل للشريعة السيطرة على قياده، فإنه لا يُقبل من باب أولى من رجل صوفي أن يزعم إنتسابه إلى الصوفية دون أن تسيطر شعائر الدين وإلتزاماته على حياته.
إننا نرى ضرورة إلتزام الشريعة لكل إنسان، ولكننا نؤكد - ونحن على يقين من الأمر- لهؤلاء الذين يريدون أن يسلكوا الطريق الصوفي، بأنهم لن يصلوا حتى إلى أولى مراحل الطريق إذا لم يلتزموا بالشريعة إلتزاماً تاماً.
وقد سئل الإمام الغزالي رضي الله عنه عن معنى ارتفاع التكليف عن الولي فأجاب كما ذكر السبكي في طبقات الشافعية بقوله:
((معنى ارتفاع التكليف عن الولي، أن العبادة تصير قرَّة عينه، وغذاء روحه بحيث لا يصبر عنها، ولا يكون عليه كلفة فيها، وهو كالصبي يكلف حضور المكتب، ويُحمل على ذلك قهراً، فإذا اكتمل بالعلم، صار ذلك ألذ الأشياء عنده، ولم يصبر عنه، فلم يكن فيه كلفة، وتكليف الجائع ليتناول الطعام الذيذ، محال: لأنه يأكله بشهوة ويلتذ به، فأي معنى لتكليفه؟ فإذن تكليف الولي محال، والتكليف مرتفع عن الولي بهذا المعنى، لا بمعنى أنه لا يصوم، ولا يصلي، ويشرب، ويزني.
وكما يستحيل تكليف العاشق النظر إلى معشوقه، وتقبيل قدميه والتواضع له، لأن ذلك منتهى شهوته ولذته، فكذلك غذاء روح الولي، في ملازمة ذكره، وامتثال أمره، والتواضع له بقلبه، لا يمكنه إشراك القالب مع القلب في الخضوع، إلا بصورة السجود فيكون ذلك كمالاً للذة الخضوع والتعظيم، حتى يشترك في الالتذاذ قلبه وقالبه كما قيل:
ألا فاســـــقني خمراً وقـــل لي هي الخمر
أي ليدرك سَـمعي لذة اسمه كما أدرك ذوقي طعـمه
بل تنتهي لذة الولي من القيام لربه قانتاً مناجياً، إلى أن لا يدرك الورم في القدم، فيقال له: ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ )) أنتهى
وكذا كتب له بعض الذائقين ما قوله :
متع الله المسلمين ببقائه، ومتع الطالبين بمشاهدته ولقائه، ومنحه أفضل ما منح خاصته من أصفيائه وأوليائه، في قلب خصه الحق بأنواع من الطرف والهدايا ومنحه أصنافاً من الأنوار والعطايا، يستمر له ذلك في جميع الأوقات والأحوال، متزايدة مع عدم العوائق والآفات، مع كون ظاهره معموراً، بأحكام الشرع وأدائه، منزهاً عن مآثمه ومخالفاته، ويجد في الباطن مكاشفات وأنواراً عجيبة ثم أنه انكشف له نوع يعرفه، أن المقصود من التكاليف الشرعية، والرياضات الدينية: هو الفطام عما سوى الحق، كما قيل لموسى صلى الله عليه وسلم: ((إخل قلبك أريد أن أنزل فيه)).
فإذا تم الفطام، وحصل المقصود بالوصول إلى القربة، ودوام الترقي من غير فترة، حتى أنه لو اشتغل بوظائف الشرع وظواهره، انقطع عن حفظ الباطن، وتشوش عليه بالالتفات عن أنواع الواردات الباطنية، إلى مراعاة أمر الظاهر.
وهذا الرجل لا ينزل يده من التكليف الظاهر، ولا يقصِّر في أحكام الشريعة، ولكن الاعتقاد الذي كان له في الظواهر والتكاليف، تناقص وتقاصر عما كان في الابتداء من التعظيم لوقعها عنده، ولكنه يباشرها ويواظب عليها عادة، لا لأجل الخلق، وحفظ نظرهم ومراقبة الله، بل صارت إلفاً له، وإن نقص اعتقاده فيها، فهو يعظمها. ما حكمها ؟ ، الجواب: وبالله التوفيق :
ينبغي أن يتحقق هنا أن من ظن أن المقصود من التكاليف والتعبد بالفرائض: الفطام عما سوى الله، والتجرد له، فهو مصيب في ظنه أن ذلك مقصود، ومخطئ في ظنه أنه كل المقصود، ولا مقصود سواه، بل لله تعالى في الفرائض التي استعبد بها الخلق أسرار سوى الفطام، تقصر بضاعة العقل عن دركها.
ومثل هذا الرجل المنخدع بهذا الظن، مثل رجل بنى له أبوه قصراً على رأس جبل، ووضع فيه شجرة من حشيش طيب الرائحة وأكد الوصية على ولده مرة بعد أخرى ألا يخلي هذا القصر عن هذا الحشيش طول عمره.
و قال: إياك أن تسكن هذا القصر ساعة من ليل أو نهار وهذا الحشيش ليس فيه، فزرع الولد حول القصر أنواعاً من الرياحين، وطلب في البر والبحر أوتاداً من العود والعنبر والمسك، وجمع في قصره جميع ذلك من شجرات كثيرة من الرياحين الطيبة الرائحة، فانغمرت رائحة الحشيش لما فاحت هذه الروائح، فقال: لا شك أن والدي ما أوصاني بحفظ هذا الحشيش إلا لطيب رائحته والآن قد استغنينا بهذه الرياحين عن رائحته فلا فائدة فيه الآن إلا أن يضيق علي المكان، فرماه من القصر، فلما خلا القصر من الحشيش، ظهر من بعض نقب القصر حية هائلة وضربته ضربة هائلة، أشرف بها على الهلاك.
فتنبه حيث لم ينفعه التنبه، إلى أن الحشيش كان من خاصيته دفع هذه الحية المهلكة، وكان لأبيه بالوصية بالحشيش غرضان: ... أحدهما : انتفاع الولد برائحته وذلك قد أدركه الولد بعقله، والثاني: اندفاع الحيات المهلكات برائحته، وذلك مما قصر عن دركه بصيرة الولد فاغتر الولد بما عنده من العلم، وظن أنه لا سر وراء معلومه ومعقوله كما قال تعالى: (ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ).وقـــال : { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ } والمغرور من إغتر بعقله فظن أن ما هو منتف عن علمه فهو منتف في نفسه.
وقد عرف أهل الكمال أن قلب الآدمي: كذلك القصر، وأنه معشش حيات وعقارب مهلكات، وإنما رقيتها وقيدها بطريق خاصة: المكتوبات والمشروعات، بقوله سبحانه: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) وقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَام)ُ فكما أن الكلمات الملفوظة والمكتوبة في الرقية تؤثر بالخاصة في استخراج الحيات، بل في استسخار الجن والشياطين، وبعض الأدعية المنظومة المأثورة تؤثر في استمالة الملائكة إلى السعي في إجابة الداعي، ويقصر العقل عن إدراك كيفيته وخاصيته، وإنما يدرك ذلك بقوة النبوة إذا كشف السر بها من اللوح المحفوظ.
فكذلك صورة الصلاة المشتملة على ركوع واحد، وسجودين، وعدد مخصوص، وألفاظ معينة من القرآن، متلوة مختلفة المقادير: عند طلوع الشمس، وعند الزوال، والغروب، تؤثر بالخاصة في تسكين التنين المستكن في قلب الآدمي، الذي يتشعب منه حيات كبيرة الرؤوس بعدد أخلاق الآدمي، يلدغه وينهشه في القبر، متمكناً من جوهر الروح وذاته، أشد إيلاماً من لدغ مُكن من القالب أولاً، ثم يسري أثره إلى الروح، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: َعَن أَبِي هُرَيرَةَ رضى الله عنه :
{ عَذَابُ الْكَافِرِ فِي قَبْرِه، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّيناً أَتَدْرُونَ مَا التِّنِّينُ؟ سَبْعُونَ حَيَّةً لِكُلِ حَيَّةٍ سَبْعُ رُؤُوسٍ يَلْسَعُونَهُ وَيَخْدِشُونَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}. رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه
ويكثر مثل هذا التنين في خلق الآدمي، ولا يقمعه إلا الفرائض المكتوبة، فهي المنجية من المهلكات، وهي أنواع كثيرة بعدد الأخلاق المذمومة (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ)، فإذن في التكليف غرضان؛ أدرك هذا المغرور أحدهما، وغفل عن الآخر.
وقد وقع لأبي حنيفة مثل هذا الظنِّ في الفقهيات، فقال:
(( أوجب الله في أربعين شاة: شاة، وقصد به إزالة الفقر، والشاة آلة في الإزالة، فإذا حصل بمال آخر فقد حصل تمام المقصود ))، فقال الشافعي رضي الله عنه: ((صدقت في قولك: إن هذا مقصود، وركبت من الخطر في حكمك بأنه لا مقصود سواه! ، فبم تأمره: إذ يقال له يوم القيامة: كان لنا سرّ في إشراك الغني الفقير مع نفسه في جنس ماله؟ كما كان من يرمي سبعة أحجار في الحج ليؤدي بدلها خمس لآلىء، أو خمس أكبر ؟ إذ لم يقبله ( أى أن الشرع لايقبل ذلك ) ، وإذا جاز أن يتمحض التقييد في الحج، وأن يتمحض المعنى المعقول معاملات الخلق فلم يستحل أن يجمع المعقول والتقييد جميعاً في الزكاة، فتكون إزالة الفقر معقولة، والسرُّ الآخر غير معقول)).
ثم يستطرد رضي الله عنه فيقول: ((وننبِّه على هذه المعرفة بالتأمل في ثلاثة أمور:
الأول: بداية حال إبليس، وأنه كيف وصف بأنه كان معلم الملائكة، ثم سقط عن درجة الكمال بمخالفة أمر واحد: اغتراراً بما عنده من العلم، وغفلة عن أسرار الله في الاستبعاد ولم يسقط عن درجته إلا بكياسته وفطنته، وتمسكه بمعقوله، في كونه خيراً من آدم عليه السلام، فننبه الخلق بهذا الرمز على أن البلاهة أدنى إلى الخلاص من فطانة بتراء وكياسة ناقصة.
الأمر الثاني: حال آدم عليه السلام، وأنه لم يخرج من الجنة إلا بركوبه نهياً واحداً ليعلم أن في ركوب النهي إبطال اعتقاد الكمال لخالقه.
الأمر الثالث: حال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا المغرور لعله يقول: إنه لم تسلم له رتبة الكمال، ثم أنه صلى الله عليه وسلملم يزل يلازم الحدود، ويواظب على المكتوبات إلى آخر أنفاسه، بل يزيد في فرائضه، وأوجب عليه التهجد، ولم يوجبه على غيره، وقيل له ( يأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ .قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا
نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا)، وإنما أوجبت عليه هذه الزيادة، لأن الخزانة كلما ازداد جوهرها نفاساً وشرفاً ينبغي أن يزداد حصنها إحكاماً وعلواً، فلذلك قيل في تعليل إيجاب التهجد(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلا) فتبين له أن هذه الصلوات هي حصن الكمال، فلا يبقى إلا به.
ولعل المغرور المعتوه يقول: أنه كان يواظب عليها إشفاقاً على الخلق لأجل الاقتداء، لا لحاجته إليها في حفظ الكمال ، فيقال له: فلم زاد عليه في التهجد وجوباً؟
مسألة: أمّا ما ذكره من أنه لو اشتغل بالتكاليف لشغله ذلك عن القربى التي نالها، والكمال الذي بلغه فهو كذب صريح، ومحال فاحش قبيح، لأن التكاليف قسمان: أمر ونهي فأما المنهيات: مثل الزنا، والسرقة، والقتل، والضرب، والنميمة، والكذب، والقذف.
فترك ذلك كيف يشغل عن الكمال؟ وكيف يحجب عن القربة؟ والكمال كيف يكون موقوفاً على ركوب هذه القاذروات؟
وأما المأمورات: فالزكاة والصوم والصلاة، فكيف تحجبه الزكاة ولو أنفق جميع ماله، فقد دفع السوء عن نفسه؟، ولو صام جميع دهره، فهل يفوته بذلك إلا سلطنة الشهوة؟ فما الذي يفوت من الكمال بترك الأكل ضحوة النهار، في شهر واحد هو رمضان، وأما الصلاة فتقسم إلى: أفعال وأذكار: وأفعالها: قيام وركوع وسجود.
ولا شك في أنه يخرج من القربة بالأفعال المعتادة، فإن لم يصل، فيكون إما قائماً أو مضطجعاً، وغير المعتاد هو السجود والركوع، وكيف يحجب عن القربة، ما هو سبب القربة؟ قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب )
ومن عشق ملكاً ذا جمال، فإذا وضع وجهه على التراب بين يديه، إستكانة له، وجد في قلبه مزيج روح، وراحة، وقرب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:
{ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ } عَنْ أَنَسٍ رواه أحمد والنسائي .
فإستدامة حال القربة وإستزادتها في السجود، أيسر منها في الاضطجاع والقعود ومهما ألقى في قلبه أن السجود سبب حرمانه عن القرب كان ذلك أنموذجاً من حال إبليس، حيث ألقى في نفسه أن السجود بحكم الأمر، سبب زوال قربته وكماله.
فكل ولي سقط من درجة القربة إلى درجة اللعنة، فسببه ترك السجود، ومقتداه وإمامه إبليس، وكل ولي أسعد بالترقي إلى درجات القرب قيل له: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب )
ومقتداه وإمامه الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولا ينبغي أن يتوهم الولي الخالص أنه بعيد عن خداع إبليس، مادام في هذه الحياة، بل لا ينجو عنه الأنبياء، غير أنهم محفوظون كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [الحج: 52]،
ونختم كلامنا في هذا الموضوع بهذا الكلام المحقق للدكتور حسن الشرقاوي في تعليقه على كتاب الكوكب الشاهق للشعراني:
((إن إتهام الصوفية بأنهم يرفعون التكاليف والفرائض الشرعية، قول مردود، ودعوى كاذبة، فالصوفية يؤمنون إيماناً راسخاً بأنه لا شريعة بلا حقيقة، ولا حقيقة بلا شريعة، فمن تشرع ولم يتحقق فقد تفسق، ومن تحقق ولم يتشرع فقد تزندق، فأعمال القلوب يجب أن ترتبط بأعمال الجوارح، فلا تباين بينها، ولا تناقض ولا إنفصال، ولكل عضو من أعضاء الجسم وظيفته التي يجب أن يؤديها في معاملاته، وعباداته، وتكاليفه الشرعية، كما أن عقل الإنسان ونفسه وقلبه جميعاً يجب أن تتكامل مع جوارحه بالتقرب إلى الله تعالى، فإذا ما إنفصلت أعمال الجوارح عن أعمال القلوب، فسدت النفس والبدن جميعاً.
فكيف يمكن أن يقال بعد ذلك أن الصوفية قوم خمول وتبطل وتكاسل، وأنهم يدعون إلى رفع التكاليف الشرعية، وهم الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه الكريم، ويبدو للمتأمل السليم القلب أن هناك إختلافاً بيناً، بين أهل الحق الذين يتبعون شريعة الله وسنة رسوله، وبين المبتدعة الذين يخالفون قول الله وسنة رسوله، فيبتدعون أعمالاً وأفعالاً من عند أنفسهم، ويؤولون كمال الله، فيحرمون أشياء، ويبيحون أشياء، بحسب أهوائهم.
وهؤلاء ليسوا من الصوفية، إنما هم دخلاء على أهل الله، وهم من مرضى القلوب، يزعمون أنهم من الصوفية، وهم إلى الكفر أقرب منهم إلى الإيمان)).
من كتاب الصوفيه فى القرآن والسنه
☀لفضيله الشيخ فوزى محمد ابوزيد