آخر الأخبار
موضوعات

السبت، 12 نوفمبر 2016

- العالم والتاجر والفلاح

عدد المشاهدات:
العالم والتاجر والفلاح
من عجائب الاتفاق ، أن عالماً مالت نفسه إلى أن ينشطها بعد الملل من مزاولة الدروس, بمفارقة المباحث والعمل, ففارق مصره وأنكر قدره وجد في السري راغبا في سكنة القرى, حتى دخل قرية تدل آثارها على عيشة البداوة ، فقال : أعيش مع هؤلاء عيشة العاقل مع الجهلاء, فأنسى الدواة واليراع ، والمناظرة والنزاع, وأتفكه بتلك الأفكار السقيمة والأخلاق الذميمة,  ونزل على ماء وخضرة بين رجلين فحياهما ، فاستقبلاه ببشاشة وأجلساه بجانبهما, وقدما له  خبزًا قديدًا وملحًا جريشًا, وهشا وبشا, فسألهما عن عملهما, فقال أحدهما : إني رجل فلاح, وقال الآخر وأنا تاجر . فسأل الفلاح قائلاً : هل تعرف ربك؟

الفلاح: إن كنت أجهل كل شيء فأنا أعرف ربي.

العالم: كيف عرفته؟

الفلاح: هو عرفني بنفسه, الأرض اللي أنت قاعد عليها قالت لي إن ربنا قادر, بعد إن كنت ميتة أحياني بالزرع والميه اللي قدامك دي قالت لي ربنا هو اللي أنزلني من السماء وكل شيء يشوفه الواحد منا بيتكلم عن ربنا .

العالم: تعرف تصلي ؟

الفلاح: إذا كنت أنا بشوف الأرض والميه والبهائم والشمس والقمر والنجوم تملي بتخدمني جعلها لي ربنا كيف أنا ما عرفش أصلي للي خلقني ورزقني هو أنا بهيم بس آكل وأشرب ما عرفش ربنا وما عرفش أن العبد يطاوع سيده ؟! .
الفلاح: أمال أنا أسالك إذا كان الإنسان ما ياكلش يجرى له إيه ؟
العالم: يمرض وبعدين يموت .
الفلاح: طيب إذا كان المسرجة ما تحطش لها زيت بعدين يجرى لها إيه ؟
العالم: بعدين تنطفي .

 الفلاح: بقى عرفت إن جسمنا عاوز الأكل علشان يعيش والمسرجة عاوزة الزيت علشان تنور, فالصلاة الزيت اللي بينور الروح بتاعتنا ويخلينا تملي نفتكر ربنا ولا ننساهش .
العالم– خجل وسكت .

التاجر– قال للفلاح - : الناس اللي بيقعدوا في بلاد البندر بينسوا ربنا علشان تملي قلبهم مشغول بحاجات الدنيا الفانية, ولا يفتكروش ربنا إلا عند المصايب, شوف الواحد منا كل شغله يفكره ربنا .

الفلاح: يخويا دا ربنا عطاهم الأكل والشرب والراحة لكن همه ضيعوا عمرهم في الحاجات البطالة .

التاجر: يعني إيه ؟ .

الفلاح: يغيبوا طول الليل وطول النهار يتكلموا في الشيء اللي ما ينفعش, زي الهدوم والحسد والشهرة والوظايف وهناك حاجة كمان تانية يسموها السياسة يقوموا يتكلموا فيها ومحدش يعرف همه عاوزين إيه .

التاجر: أنت رحت مصر ؟

الفلاح: رحت, كان معاي شويت سمن, فت على الجوامع لقيتها كلها مقفولة حتى مصلتش الضهر إلا مع العصر, ولقيتهم كلهم قاعدين في السكك على القهاوي سمعتهم يقولوا يحيا سعد زغلول, وجماعة ثانين يقولوا يحيا عدلي, أنا افتكرت أن الناس دول بنوا مساجد أو وقفوا أطيان كتيرة للفقره خدت السمن بتاعي ورحت أسأل عن بيتهم, لما رحت هناك لقيت زحمة سألت : بتأخذوا إيه من هنا ؟ قالوا مافيش حاجة إحنا جيين نثبت الثقة بالرئيس .

التاجر: إنت ما تعرفش الكلام ده, سياسة غويطة, دا سعد زغلول عامل سياسة هو وعدلي يعارضوا بعضهم قدام الناس ولكن هم متفقين ويا بعض وما تصدقش إن راجل زي سعد زغلول في آخر عمره يجهل إن شطارته ما تظهرش إلا إذا كان الرجال العقلا اللي يحبو الخير للمسلمين يكونوا وياه, كمان ياخويا عدلي ده اسمه من زمان كويس, وما يصحش إنه يجي في الوقت اللي احنا محتاجين له, وعلشان حاجة ما تضرش ولا تنفع يعمل عداوه لا بد ياخويا إنهم بيعلموا كده بالقصد .

العالم, صغرت علومه ونفسه في نظره وعجب من تأويل الفلاح والتاجر البسيطين فسأل التاجر قال له : إيه رأيك في الناس دي الوقت ؟

التاجر: الناس اللي ما يكنش ربنا معهم مين ينصرهم ؟ اللي عاوز ربنا ينصره هو ينصر ربنا, لأني أنا سمعت سيدنا وهو بيقرأ كلام ربنا ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾.

العالم: كيف ننصر ربنا ؟

الفلاح– بسرعة : ربنا غني عنا واحنا محتاجين له والنصرة بتاعتنا له طاعتنا لأمره واتباعنا للنبي اللي أرسلو لنا, وحبنا لبعضنا .

التاجر– وكمان حاجة, إن كل واحد منا يحب للمسلمين اللي يحبه لنفسه .

العالم– والناس اللي بيمشوا في الشوارع ويزعقوا دول والعساكر يضربوهم وهمه يضربوا العساكر رأيك فيهم إيه ؟

التاجر : أنا كمان مشيت وياهم, ولكن ده فعل ربنا لما ربنا يريد ماحدش يمنعه إحنا كنا زمان نحب البرطانيين دول أكتر من الحكام المسلمين وكنا نخاف منهم كتير خالص ولكن اليوم ما بقناش نحبوهم ولا نخاف منهم بقى دا فعلنا ولا فعل ربنا ؟

ولا سعد ولا عدلي يقدروا يحببونا ولا يكرهونا لكن الناس ما يعرفوش لما المطر ينزل مين يقدر يحوشه أن كنت فقي قوم ادن لنا الظهر خلينا نفتكر ربنا وبلاش كلام ...

مواضع العبرة والعظة في هذه القصة

في قصة ( العالم والتاجر والفلاح ) ...يبين الإمام المجدد أبو العزائم  طريق معرفة الله, وهل تكون بالعقل أم بالقلب ؟!

كما يوضح أيضا أن المعرفة لا تتوقف على التحصيل العلمي والقدرة العقلية فقط .. بل هناك معارف وهبية لا كسبية تقذف في القلب كما قال تعالى : ﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾.

فالعالم : في هذه القصة رمز لعلماء الكلام, الذين اعتقدوا أن طريق معرفة الله هو العقل وأنكروا العلوم الوهبية والمعارف اللدنية وقد أخطأوا في ذلك لأن معرفة الله تعالى لو كانت بالعقل وحده لفاز بها الأوربيون والأمريكان واليابانيون وغيرهم من أهل العقول التي اخترعت الصناعات والفنون والحرف المدهشة ..

ولكنهم فاقوا إبليس كيدا في محاربة الحق والمسارعة إلى إطفاء نوره بقوة عقولهم .

أما التاجر والفلاح : فهما رمز لمن عرف الله بالقلب الذي صفا من الأغيار فصار بيتا معموراً بالأنوار فكان سلوكهما مصداقاً لقوله تعالى : ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾ وقوله سبحانه : ﴿إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً﴾ والقلب إذا واجه الملكوت الأعلى, لا يحتاج إلى العقل لأنه صار عقلاً يعقل عن الملكوت, ويمد الخيال بصور من الكمالات الملكوتية ولهذا قال الإمام المجدد أبو العزائمuفي مواجيده :

الْفِقْهُ فِي الْقَلْبِ نُورٌ مِنْ لَدَى ٱلرَّبِّ
وَلَيْسَ فِي صُحُفٍ تُتْلَى لِذِي حَجْبِ

ولهذا يأتي الأمام المجدد في هذه القصة بالعالم المعجب بعلومه العقلية ، ليجلس مع " التاجر والفلاح "  اللذين وهبا الفقه القلبي فيكشف " العالم " أنه ليس إلا خزانة علوم وأما " التاجر والفلاح " فهما خزانة للفهوم فقد تحدثا في معرفة الله ومعرفة النفس وفى السياسة وفى الاجتماع وصدق رسول الله
﴿ rوآله﴾: ( رب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ) رواه الترمذي عن زيد بن ثابت وهو معنى قوله تعالى :   ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ) سورة القصص أية 5

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير