آخر الأخبار
موضوعات

السبت، 26 نوفمبر 2016

- أسرار فاتحة الكتاب

عدد المشاهدات:
أسرار فاتحة الكتاب
سورة الحمد هي الفاتحة، فاتحة لكل فضل، ولكل خير، ولكل بركة، ولكل سر، ولكل بر في السماوات أو في الأرض، فإذا كان القرآن كله كنوز للمعاني الإلهية، وكنوز للأنور الربانية، وكنوز للأسرار الجبروتية، فإن مفاتح هذه الكنوز هي هذه السبع آيات القرآنية؛ آيات فاتحة الكتاب، حتى قال بعض السادة الصالحين أن الله عزوجل أفردها بالذكر مع القرآن لبيان أنها تحوي مضمون ما في القرآن من معان عليِّة حسان: { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } (87الحجر).
جمعٌ كبير من السادة المئولين والمفسرين قال أن السبع المثاني هي آيات الفاتحة، وسميت مثاني لأنك كلما نطقت بعبارة ردَّ الله عزوجل بذاتة وجمالاتة وكمالاتة عليك، وهذا موجود في الحديث القدسي المتفق عليه الذي يقول فيه المولى عزوجل:
{ قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ] الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ] الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ] مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ: مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: ] إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [، قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: ] اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [، قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ }[2]
وهذا الحديث القدسي يشتمل على رد إلهي للشبهة التي يسوقها غير الفاقهين في دين الله عزوجل؛ يقولون لماذا تقرءون الفاتحة لكل شيء؟ الفاتحة أن فلان يشفى، الفاتحة أن فلان ينجوا، الفاتحة أن فلان ينجح، ... نقول لهم: عندما يقرأ الإنسان الفاتحة ماذا يقول الله عزوجل؟ يقول (هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) كل الذي يريده بسبب الفاتحة يستجاب، وهذا أبلغ رد.
سلفنا الصالح وأجدادنا الأوائل كانوا فقهاء، ليس الفقة في الدين بالماجستير، ولا بالدكتوراة، الفقه في الدين بالنور الذي يضعه الله في قلب العبد ليفقه به كلا م الله، ويستنير بقول حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم وهذا الذي يقول فيه الإمام أبو العزائم رضى الله عنه:
الفقه في القلب نور من لدى الرب
وليس في صحف تتلى لذي الحجب

قلب يتلقى عن الحق معارفه
هو الإمام إمام الدين والقرب

فاستفتي قلبك يا ذا القلب عن حكم
 حكم
في الكون ظاهرة للعين في القلب

فكانوا فقهاء بهذه الكيفيه النورانية، فالفاتحة يفتح الله عزوجل بها كل الكنوز العلوية، والجبروتية والقدسية والملكية والأرضية ...!! بمعنى:
-        من أراد شيئاُ من الدنيا فعليه بفاتحة الكتاب.
-        ومن أراد قبساً من العلم فعليه بفاتحة الكتاب.
-        ومن أراد أن يرفع عنه الهم والغم والنصب والحزن فعليه بفاتحة الكتاب.
-        ومن أراد أن ينصره الله ويعزه فعليه بفاتحة الكتاب.
-        ومن أراد الفتح الإلهي والكشف الرباني والعلم المخصوص العلوي أيضاً عليه بفاتحة الكتاب.
-    ومن أراد أن يُجمع على حضرة النبي، ومن أرد أن يكون قريباً من القريب، ومن أراد أن يتجمل بالولاية العظمى ويكون له فيها أكمل نصيب فعليه بفاتحة الكتاب.
وأضرب لهذا مثالاً: عندي شاشة أو تليفزيون في المنزل أريد أن أفتح وأشاهد القنوات التي تعرض عليها، كيف أصل لهذا الأمر؟ .. بالريموت: هو الذي يفتح، وهو الذي ينتقل بين القنوات، فكأن الفاتحة هي الريموت لكل كنوز القرآن، وفتح القرآن، وأسرار القرآن، التي بثَّها فيه الحنان المنان عزوجل، وفيها كل ما في القرآن.
شكر الله على نِعَمه
القرآن فيه ما يزيد عن ألف وثلاثمائة آية تتحدث عن آيات الله الكونية الموجودة في الأكوان؛ التي تتحدث عن الإنسان، والحيوان، والبحار، والأنهار، والشمس، والقمر، والنجوم، وظلمات بطن الأم، والجبال، ومن المفترض وأنا في الصلاة أقف بين يدي الله؛ أن أشكر الله عزوجل بما أنعم عليَّ من جملة هذه النعم، إذا كانت فيَّ، أو ليَّ، أو حولي، أشكره على النعم التي فيَّ كالسمع، والبصر، واللسان، واليد، والرجل، والبطن، والفرج، والقلب، والروح، والسر، والعقل، والطحال، والكبد، وغيرها، والتي يعجز الإنسان عن عدها وحصرها.
وأشكره على النعم التي لي في الخيرات، من الحاصلات الزراعية، والخضروات، والفواكة، والحيوانات، والدواجن، والحشرات، والنباتات الطبية، وغيرها من الأنواع، والنعم التي جهزها ليَّ في البحار، وحضرة النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأن هذه النعم:
{ خَلَقَ اللَّهُ عزوجل أَلْفَ أُمَّةٍ، مِنْهَا سِتُّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ، وَأَرْبَعُمِائَةٍ فِي الْبَرِّ }[1]
ليس ألف صنف، ولكن ألف أمة، مثل أمة السباع منها الأسد، ومنها الذئب، ومنها الثعلب، ومنها الكلب، أنواع كثيرة وكلها أمة واحدة، فهي أمم شتى لا عد لها ولا حد لها، والنعم التي حولي؛ النساء، والبنين، والذهب، والفضة، والخيل المسومة، والأنعام، والحرث .. كل هذه النعم يجب أن أشكر الله عليها، فعَلِم الله عجزي عن عدها، وعجزي عن حصرها، وبالتالي عجزي عن شكر الله عليها، فحمد نفسهُ بنفسه وارتضى بذلك مني وأمرني أن أقول: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) :
شكر لله على جميع النعم التي أوجدها ليَّ وفيَّ وحولي الله عزوجل.
هذه الآية فيها كل الآيات التي في الإنسان، والتي للإنسان، ولكي يقولها ويرد عليه مولاه كما ذكرنا لا بد أن يكون داخلاً في قول الله عزوجل: ( شَاكِرًا لأنْعُمِهِ )[ (121النحل) يشعر بالشكر على هذه النعمة، راضٍ عن الله، مستسلم لقضاء الله إن ابتلاه، لكن إذا قالها وهو متبرم وغير راض عن الله، هل يكون من الشاكرين؟ لا، لا بد أن يقولها عن رضا.
وهذه الآيات فيها أوصاف الله عزوجل التي ينبغي أن يعرفها جميع خلقه في الدنيا، والتي ينبغي أن يعلمها جميع خلقه في الآخرة.
فهو(الرَّحْمَٰنِ )2 :
المنعم بجلائل النعم؛ صغيرها وكبيرها لجميع الأنام، الإنس، والجن، والطير، والوحش، والملائكة، وكل كائنات الله عزوجل.
(الرَّحِيمِ )3:
الذي ينعم بنعمه الخاصة كالهداية، والولاية، والعناية، والرعاية، وهذا لعباده المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله وسلموا أنفسهم لله وارتضوا بهذا الدين.
وفيها ذكر القيامة: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ )(4):
أو في القراءة الأُخرى: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)هذه واردة، وهذه واردة، فهو مالك لكل ما يحدث يوم الدين، وهو المَلِك المطاع الذي ليس لأمره رد في هذا اليوم، لأنه سيأخذ الخلائق أجمعين عند النفخة التي ستتم في الصور: (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ) (87النمل)، قال صلى الله عليه وسلم:
{ يَأْمُرُ اللَّهُ عزوجل إِسْرَافِيلَ بِنَفْخَةِ الصَّعْقِ، فَيُصْعَقُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا مَنْ شَاء اللَّهُ، فَإِذَا هُمْ قَدْ خَمَدُوا جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ عزوجل فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ مَاتَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا مَنْ شِئْتَ، فَيَقُولُ اللَّهُ عزوجل وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ، وَبَقِيَتْ حَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَبَقِيتُ أَنَا، فَيَقُولُ عزوجل: لِيَمُتْ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، فَيُنْطِقُ اللَّهُ الْعَرْشَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، يَمُوتُ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ: اسْكُتْ، فَإِنِّي كَتَبْتُ الْمَوْتَ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ تَحْتَ عَرْشِي، فَيَمُوتَانِ، فَيَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، قَدْ مَاتَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، فَيَقُولُ اللَّهُ عزوجل وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ، وَبَقِيَتْ حَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيتُ أَنَا، فَيَقُولُ: فَلْيَمُتْ حَمَلَةُ عَرْشِي، فَيَمُوتُونَ، فَيَأْمُرُ اللَّهُ عزوجل الْعَرْشَ فَيُقْبَضُ الصُّورُ مِنْ إِسْرَافِيلَ، ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى الْجَبَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ مَاتَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ، فَيَقُولُ اللَّهُ عزوجل وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ، وَبَقِيتُ أَنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ عزوجل: أَنْتَ مِنْ خَلْقِي، خَلَقْتُكَ لِمَا رَأَيْتَ فَمُتْ، فَيَمُوتُ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، الأَحَدُ، الْفَرْدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، كَانَ آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلا، طَوَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ طَيَّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ، ثُمَّ دَحَاهُمَا، ثُمَّ تَلَقَّفَهُمَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْجَبَّارُ، ثَلاثًا، ثُمَّ هَتَفَ بِصَوْتِهِ:  لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلا يُجِيبُهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يَقُولُ لِنَفْسِهِ: (لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)[2]
صلاح العبادة وقبولها
وفي الفاتحة ... العبادة ..... والأمر الذي به صلاح العبادة وقبولها من الله عزوجل.
ما الأعمال التي يتقبلها الله؟ وما سر قبولها؟ ..... إذا كانت العبادة فيها إخلاص لله، وإذا كان العبد لا يرى لنفسه عملاً ولا فعلاً إلا بمدد وتوفيق ومعونة من الله، لخص الله عزوجل كل هذه الأمور في كلمتين مختصرتين:
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ ):
بمعني لا نعبدك طمعاً في دنياك، ولا مصالح، ولا منافع، ولا مكاسب، وإنما نعبدك لذاتك، خطاب مباشر كأنك تراه.
(وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )(5) :
لا نستطيع أن نوفيك حقك أو نقوم بعبادتك إلا بحول منك وقوة وتوفيق ومعونة، وهذا الذي ترجمه أصحاب حضرة النبي صلى الله عليه وسلم في قولهم: (والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا) فإذا اختل ميزان الإخلاص حبط العمل ووقع صاحبه في الزلل.
إذا كان العمل لمصلحة أو لمنفعة أو لدنيا غير خالص لوجه الله؛ حبط عمله، إذا كان العامل يرى أنه يعمل بنفسه، ونسي معونة ربه، وتوفيق ربه، والقوة التي أمده بها ربه، فقد حبط عمله، وهذا في أي عمل، حتي إذا كان عمل دنيوي ...
العبد الصالح يرى أنه في أي عمل يحتاج أن يجعله خالصاً لله حتي يأخذ أجره:
إن كان سعياً لمعاش يأخذ أجره ...  إن كان لهو مع أولاده يأخذ أجره ...  إن كان مداعبة لزوجته يأخذ أجره ! ...  أي عمل سيفعله يكن له فيه أجر، ويكون عبادة لله !! ..... فأي عمل يعمله حتى ولو كان عمل في الدنيا يعلم علم اليقين أنه لا يستطيع أن يعمله إلا إذا رزق التوفيق من الله، وإلا إذا صحبته معونة من الله، وصحبه حول وقوة وطول من الله عزوجل، وهذا حال المؤمن دائماً ... ولذلك يوجد عندنا ميزان صغير نعرف به الصادقين من أتباع الصالحين ممن في سلوكهم عيباً ودَخَلاً:
إذا لم يرَ لنفسه عملاً ولا حولاً ولا طولاً وينسب الفضل كله لله نعلم أن هذا الرجل نجح في التربية الصوفية، واجتاز العقبة التي يهبط منها كثير من أتباع الصالحين، لأنه ينسب العمل دائماً لله .....لكن إذا رأى لنفسه قدراً، ويريد ممن حوله أن يصنعوا له شأناً، يبجلوه، أو يعظموه، أو يكرموه، أو يثنوا عليه ويمدحوه، وإذا لم يفعلوا ذلك ربما يغضب عليهم، ربما ينظر لهم شذراً، ولا يريد أن يتحدث معهم، أو يرد عليهم أو يكلمهم، فهذا الذي تحركه نفسه، وإذا كانت نفسه حية فهي حية تلدغه، وتبعده عن فضل الله وإكرام الله ومعية الله وحبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم.
إمامنا أبو العزائم رضى الله عنه وأرضاه كان يقول لنا في ذلك :
علمت نفسي أني كنت لا شيء

فصرت لا شيء في نفسي وفي كلي

به تنزه صرت الأن موجوداً
به وجودي وإمدادي به حولي

ومن أنا؟ عدم الله جملني

فصرت صورته العليا بلا نيلٍ

هذا حال الصالحين دائماً .... لا يرى نفسه! يرى فضل الله دائماً .... يرى عطاء إلهه .... يرى بركة نبيه .... يرى توفيق الله ورعاية الله ... ولو تخلت عنه هذه الأشياء لحظة أو طرفة عين ..... يرى أنه على وشك الهلاك ..... كيف يمشي الإنسان ولا يحيطه فضل مولاه؟... فإن كانت الذي يحركه نفسه!!  فالذي تحركه نفسة .... تحركه إلى حتفه !!! والعياذ بالله عزوجل.
ماذا نطلب من الله؟
علمتنا الفاتحة أن نطلب من الله عزوجل، وبيَّنت لنا أعظم شيء نطلبه من حضرة الله:
 لا تطلب في الدنيا إلا الستر، لأن الذي أعطاه الله عزوجل ملك لا ينبغي لأحد من بعده قال: (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) (40النمل) إذا كان الأمر فيه إمتحان، هل يوجد فينا من يقدر علي الإمتحان؟! إذا لم يكن في الإمتحان حماية الله ورعاية الله، من فينا يستطيع أن يجتاز هذا الإمتحان؟! لا يوجد، ما الذي نطلبه؟
(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)): ....... أين هو؟ .......
(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ):
اجعلني مع هؤلاء لأنه قال لنا في القرآن:( وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ )(15لقمان) انظر إلى من ساروا إليَّ وسر معهم تأخذ كل الذي تريده في الدنيا بفضل الله وبإكرام الله، وتأخذ كل ما تتمناه في الدار الآخرة، وكل ما تطلبه من عند الله، وكل ما تبغيه من حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم، والذي يطلب الله تكون الدنيا تابعة له وليس هو التابع لها، لكن الذي يطلب الدنيا يكون خادم عندها تستعبده، لكن طالب الله، الدنيا خلف ظهره تتمنى رضاه، وتذهب إليه وتعرض نفسها عليه كما عرضت نفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما عرضت على الصالحين، والنبين، والمرسلين، وهذا يحدث في كل مكان وزمان، وهذه سُنَّة الله، ولن تجد لسنة الله عزوجل تبديلاً.
أنت تطلب الصراط المستقيم، وهذا منهج الله عزوجل، صراط من؟
(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) لا بد أن تعرف قصصهم، وحكاياتهم، وأحوالهم مع الله، أين تطلبها؟ في كتاب الله جلا وعلا.
ولا تذهب عند الآخرين:
(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )(7):
لا بد أن تعرف أيضاً هؤلاء، ولماذا غضب الله عليهم؟ ولماذا هؤلاء ضلوا وبعدوا عن المنهج القويم؟.وهناك كلام كثير في هذه الآية، مَن المغضوب عليهم؟ ومَن الضالين؟
المغضوب عليهم باختصار هم الذين تسلل النفاق إلى قلوبهم، وظنوا أنهم يخدعون المؤمنين، ويحسنون صنعاً وقد قال الله في شأنهم: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (9البقرة) وقال: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً )(104) (الكهف).
فهؤلاء يظنون أنهم يخدعون الناس بالتظاهر بالدين، لكن قلوبهم تشعَّب فيها النفاق، وتغلغل فيها سوء الأخلاق، فَضَلُّوا عن المنهج، فغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيراً، بل هم في الدرك الأسفل من جهنم، والدرك أي السلالم النازله.
الجنة فيها درجات، وجهنم فيها دركات، سُلَّم نازل، وآخر الدركات فيها المنافقين، وبعدها الهاوية، والهاوية للخالدين فيها أبداً، لا يخرجوا منها أبدا لأنهم ليس لهم دركة يذهبوا عندها حتى يخرجوا.
البعض يقول إن المنافقين تحت الكفار، لكن الذين في الأسفل في الهاوية هم الكفار، وليس لهم دركة يصعدون عليها، أما المنافقين لأنهم قالوا (لا إله إلا الله) ولو مرة واحدة يتعشمون أن يخرجوا.
أما (الضالين) فهم الذين ضلوا طريق رب العالمين؛ طريق التوحيد السليم الذي جاء به نبينا الصادق الوعد الأمين، فكل من خالف هديه ولم يمشي على دينه في حياته أو بعده إلى يوم الدين فهذا داخل في هذه الآية الكريمة.
فالفاتحة فيها كل ما في القرآن:
-         القرآن عبارة عن آيات في النفس، وفي الآفاق، ولها الإشارة في: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2).
-       وآيات تتكلم عن توحيد الإلوهية وهذه في( الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (3)
-       وآيات تتكلم عن القيامة وهذه في: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4).
-   وآيات تتكلم عن التشريعات والعبادات وهذه جاءت بالأمر الجامع لقبول العبادات والأعمال والتشريعات: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5).
-        وآيات تتكلم عن الدعاء، وأرشدنا الله بالفاتحة إلى خير دعاء: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )(6).
-       وآيات تتحدث عن قصص الأنبياء والمرسلين السابقين وهذه تدخل في قول الله: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ).
-    وآيات تبين الذين غضب عليهم الله، والذين ضلوا الطريق الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (7).
هذه مجمل آيات القرآن، جعلها الله عزوجل في فاتحة الكتاب كما بيَّن الرحمن عزوجل.وهذا من أمر هذه الآيات العجيبة ..!!!
ولذلك كان يقول الإمام عليّ رضى الله عنه وكرَّم الله وجهه:
(( ‏ لوشئت أوأوقر سبعين بعيرًا من تفسير أم القرآن لفعلت‏ ))[3]
بمعنى يكتبون وراءه التفسير، والكتب التي تُكتب يحملها سبعون جمل .... هذا علم:( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) (282البقرة)!!
وهل لعلوم الله انتهاء؟
لا ..... لا يوجد انتهاء لعلم الله أبداً.
نسأل الله عزوجل أن يجعلنا من عباده الأتقياء الأنقياء الأبرياء .... وأن يرزقنا حسن المتابعة لأمير الأنبياء .... وأن يجعلنا في الدنيا من عباده السعداء ... وفي الآخرة من عباده الوجهاء .... وفي الجنة من أهل النظر إلى حضرته بجميل العطاء
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم




[1] شعب الإيمان للبيهقي وابن حجر عن جابر t
[2] الأحاديث الطوال للطبراني عن أبي هريرة t
[3] ابن أبي جمرة عن علي رضي الله عنه الإتقان في علوم القرآن ومرقاة المفاتيح

منقول منقول من كتاب تفسير آيات المقربين
لفضيلة السيخ فوزى محمد أبوزيد


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير