عدد المشاهدات:
القسم السابع والعشرين
سلطان الوهم
من عجيب خلق الله في الإنسان أنه جعل الوهم يسعده ويشقيه، ويمرضه ويشفيه، ولطالما رأيت أناساً شفاهم الوهم وأمرضهم، أما أكثر الناس فبأوهامهم يسعدون ويشقون.
متى إن تكن حقًّا تكن أسعد المنى وإلا فقد عشنا بها زمناً رغدا
الإنسان والحقيقة
قلَّ أن رأيت إنساناً لا تؤلمه الحقيقة إذا كانت تتعارض مع رغباته، وقل أن رأيت إنساناً لا تؤلمه الصراحة إذا كانت تتكشف عن خطيئاته، وقل أن رأيت إنساناً لا يحب الجاه بالرغم من مشكلاته ومزعجاته، وقل أن رأيت إنساناً لا يحب المال بالرغم من منغصاته وآفاته، والصديقون والعارفون هم الذين ينجون من هذا كله شرعاً لا طبعاً.
العقل والهوى
لو اتبع الإنسان عقله في كل أموره لشقي، ولو اتبع أهواءه فيها كلها لهلك، والعاقل السعيد من لم يتخل دائماً عن موجبات العقل، ولم يجر دائماً وراء الأوهام.
الحب الطاهر
الحب الطاهر البريء هو حب الأم لطفلها، وما عدا ذلك من حب الناس بعضهم لبعض، فهو مشوب بالأغراض والمنافع والشهوات.
الإخلاص
كل علم أو عمل لا يقصد به صاحبه الدنيا فهو خالص لوجه الله تعالى، فإذا واتته الدنيا صاغرة بعد ذلك دون طلب منه لها، فأقام حق الشعب في أمواله، وحق الله في سائر أحواله، وحق الناس في نصحهم وإغاثتهم، وحق الضعفاء في جاهه ونفوذه، كان عند الناس أكرم مقاماً، وعند الله أكثر ثواباً.
الرياء
كل علم أو عمل يحوز به صاحبه الدنيا، فهو عمل لغير الله تعالى، وأكثر الخلق حظًّا منه هو الشيطان، وأكثر الناس ضرراً به هم الملتفون حوله، وأكثر الناس استفادة منه هم الفاسقون والطغاة والمفسدون، وأكثر الناس استدلالاً به على محاربة الدين ودعاته الصادقين، هم الملحدون والفاجرون.
الصحبة
العابدون يحبون الصحبة مع الله تعالى بالعبادة، والمصلحون يحبون الصحبة مع الناس بالنصيحة، والعلماء يحبون صحبة الكتب بالاستفادة، وعامة الناس يحبون الصحبة مع من يوافقهم في الأهواء والمنادمة.
مكابرة
من أغرب ما يتصف به بعض الناس؛ أنهم يسرقون ويكرهون أن يقال لهم أنتم سارقون، ويخونون ويحاربون من يقول لهم: أنتم خائنون، ويدجلون ويغضبون ممن يقول لهم: أنتم دجالون، ويستغلون الدين للدنيا ويتظاهرون بالنقمة على من يقول لهم: أنتم مستغلون، وهذا دليل على معرفتهم بانحطاط أنفسهم، وكراهيتهم أن يطلع الناس على انحطاطهم، ليستمر خداعهم وسرقاتهم وخياناتهم واستغلالهم، وقد غفلوا عن أن ميزة الحق أن يدمغ أعداءه مهما تستروا وتنكورا ? بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون?.
عبادة الأصنام
لا يزال أكثر الناس – بالرغم من اعتقادهم بوحدانية الله جل جلاله – يعبدون الأصنام كما كانوا في الجاهلية الأولى، مع فارق واحد هو: أن أصنام الجاهلية لا تضر ولا تنفع، وأصنام هؤلاء تضلهم وتشقيهم، وتغشهم وتخدعهم، وتستغلهم وتستخدمهم، وتبعدهم عن الله وهم يظنون أنهم بواسطتهم يقتربون منه، فواحسرتا على العقول المكبلة بالأوهام، ويا رحمتا للنفوس الخاضعة للأصنام، ويا خجلتا من التاريخ إذ يسجل على عصرنا هذا عودة إلى عبادة الأصنام وهو أكثر العصور ثقافة ومطاردة للظلام!.
نزعة إلى الجاهلية الأولى
لا يزال الإنسان يحن إلى عبادة الأصنام ويخضع لها، برغم من محاربة الأديان السماوية – وبخاصة الإسلام – للأصنام، ودعوتها إلى التوحيد الخالص، وهذا يؤيد دعوى وراثة الأبناء لصفات الجدود والآباء، ولو بعد عشرات الأجيال.
مع الله
من اعتز بغير الله ذل، ومن استعان بغيره خاب، ومن توكل على غيره افتقر، ومن أنس بسواه كان في عيشة موحشة، ولو غمرته الأضواء وحفت به المواكب.
النفوس العالية والدنيئة
النفوس العالية ترى التعلق بمال الدنيا وزينتها امتهاناً لها لا تقبله، والنفوس الدنيئة ترى جمع المال والحرص على الجاه علوًّا لا تتخلى عنه، وما أكثر من يدعون علو النفس وهم يتصفون بصفات الأدنياء!.
حقيقة التصوف وآفاته
التصوف في أصله عمل بالناحية الأخلاقية والروحية في الإسلام، وهكذا كان تصوف الصحابة والتابعين، ثم أصيب بثلاث آفات أفسدته فأفسدت المجتمع الإسلامي: غلبة المفاهيم الأعجمية الوثنية للأخلاق على مفاهيمها في القرآن والسنة، والجهل بأحكام الشريعة في فروضها وآدابها، واستعمال التصوف مهنة يجلب بها الشهرة من أرادها ويجلب بها المال من أحبه، وأسوأ أنواع التصوف ما اجتمعت فيه الآفات الثلاث.
وفاة عارف وحياة دجال!
مات شيخ صوفي صالح زاهد صادق مع الله في كل حالاته، فبكاه الناس لفقدهم بركته، وما يزال يعيش دجالون يجمعون الأموال باسم التصوف فتلعنهم الدنيا لشقائها بهم، ويتساءل المفجوعون: كيف يموت الصادقون ويحيا الدجالون؟ وتجيبهم الأقدار: أما موت الزاهد العارف؛ فكل نفس ذائقة الموت، وأما حياة الدجالين المستغلين؛ ففي قول الله جواب عنه: ? سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين? وفي الحديث الشريف "إن الله يمهل ولا يهمل" ونهايتهم القريبة مؤكدة: ? حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون?.
قضية المرأة
المرأة تشغل نصف المجتمع من حيث العدد، وأجمل ما في المجتمع من حيث العواطف، وأعقد ما في المجتمع من حيث المشكلات، ومن ثمة كان واجب المفكرين أن ينظروا إلى قضيتها دائماً على أنها قضية المجتمع كله، أكثر مما يفكر أكثر الرجال فيها على أنها قضية جنس متمم أو مبهج.
أنواع النساء
المرأة داء، ودواء، ومرض، وعلاج: فالعاقلة ذات الخلق الحسن والذوق الحسن: دواء للزوج تشفيه من متاعبه النفسية والمادية.
والجاهلة الحمقاء: داء للأسرة تلوث جميع أفرادها بجراثيم القلق والنزاع.
والمرأة المتكبرة المغرورة: مرض للزوج لا يشفى منه إلا بطلاقها أو الزواج عليها وكلا الأمرين مر بغيض.
والمرأة الصالحة المستقيمة: علاج لكل ما يعانيه المجتمع من شرور وآفات..
نداء وتذكير
يا منفراً من الدنيا وأنت تجري وراءها ركضاً، ويا مرغباً في الزهد وأنت تجتويه (تكرهه) وتفر منه رعباً، ويا مبغضاً في المال وأنت تعب منه عبًّا، ويا داعياً لأخلاق الصالحين وأنت تحاربهم، ويا مترامياً على أقدام الظالمين وأنت تزعم الرغبة في هدايتهم، ويا كارهاً لدعاة الحق وأنت تزعم أنك منهم، ويا محارباً لدعوة الإصلاح وأنت تزعم تزعم أنك من رؤوسها.. أنسيت أن عين الله غير غافلة عن الظالمين؟ أم ظننت أنك تخدع الله كما تخدع السذج والمغفلين؟ أم نسيت قوله تعالى: ? يأيها الذين ءامنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون ¯ كَبُرَ مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ¯? اقرأ يا هذا قول الله بتدبر وإمعان، لعل فيك بقية من إيمان يردعك عن طريق الشيطان: ? ومن الناس من يُعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ¯ وإذا تولى سعى في الأرض ليُفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ¯ وإذا قيل اتقِ الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ¯ ومن الناس من يَشري نفسه اتبغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد¯ ?..
ادّعاء الكرامة
من يمد يده إلى صدقات مريديه، ويساير الظالمين طمعاً في إرواء ظمئه للمال والجاه عندهم، فقد أسقط برضاه كرامة نفسه، فليس له أن يتظاهر بالغضب على كرامته ممن يكشف عيوبه ومخازيه، ومن المقرر في الفقه الإسلامي أن الساقط لا يعود، ومن الثابت بالنص القرآني أن الذين يخدعون الله والذين آمنوا؛ ما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون.
بين الصلاح والفساد
لا يختلط الأمر بين الصلاح والفساد إلا على من طمس الله بصيرتهم، ونافقوا في دينه ودعوى الهداية إليه، هؤلاء هم الذين تحدث الله عنهم فقال: ? وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ¯ ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون¯ ?.
كلنا عباد الله
كلنا عباد الله، ولكن فينا من تقر أعماله بهذه العبودية وهم الطائعون، وفينا من تنكرها أعماله وأحواله وهم العصاة والطغاة والمفسدون.
فجور مدعي العلم
فجور مدعي العلم لا يضره وحده، بل يضر الدين والمتدينين جميعاً، وبذلك وجب عليهم جميعاً أن يأخذوا على يده ليبرأوا إلى الله والناس من عهدة فجوره وعصيانه.
عبادة غير الله
الخضوع للباطل والمبطلين عبادة جزاؤها النار، فمن أعرض عن الحق تأثراً بزعيم أو ظالم أو دجال فقد عبده ولو كان مسلماً، وعبادة غير الله شرك ? وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون? فليجدد دينه كل من اتبع ظالماً، أو مشى مع مستغل دجال، أو أحب زعيمه أكثر مما يحب الله ورسوله وشريعته.
الرياضة
هذه الحضارة تعنى بالرياضة كثيراً وهو أمر جميل لم تهمله الحضارة الإسلامية، غير أن حضارتنا أدخلت هذه الرياضة في كثير من العبادات، فأضفت عليها قدسية وروحانية، والغربيون جعلوا هذه الرياضة مادية جسمانية، وأحلوها المحل الأول في تربية الأجيال وتعلق الجماهير بها، وبذلك يعيدون سير الحضارتين اليونانية والرومانية وقد كان أهلها وثنيين لا يقيمون وزناً للقيم الروحية والأخلاقية، بينما الغربيون يزعمون أنهم نصارى يتبعون المسيح عليه السلام، وقد غلبت التقاليد الوثنية روحهم النصرانية.
آفات البخل
البخل من أشد الأمراض النفسية فتكاً بصاحبه وبالمجتمع، وينشأ من آفات ثلاث: عدم التصديق بوعد الله، وإيثار النفس على غيرها من عباد الله، والاسيهانة بسوء السمعة بين الناس.
حقيقة المال
المال وسيلة للخير، وللعيش بين الناس باحترام وكرامة، والبخلاء ينظرون إلى المال على أنه غاية لذاته، ثم لا يبالون بمهانتهم واحتقار الناس لهم، ومثل هؤلاء يموتون قبل أن يموتوا، ويدفنون أنفسهم قبل أن يدفنهم الناس.
الغني البخيل
الغني البخيل أفقر من الفقير الكريم، فانظر ما قيمة غنىّ يكون الفقر أغنى منه؟.
قيمة البخيل
البخيل يعبد المال أكثر من عبادته لله، ويحب المال أكثر مما يحب نفسه، ويكره الخير أكثر مما يكره المرض والأذى، فانظر ما قيمة مثل هذا الإنسان؟
نفسية البخيل
البخيل يذكر نفسه وينسى ربه، ويضع الفقر بين عينيه أكثر مما يضع الموت نصب ناظريه، ويخاف من الفقر أكثر مما يخاف من عقاب الله وحسابه، فهو إنسان أحمق مشوه التفكير ولو كان من أحكم الحكماء.
بخل الزعماء
أسوأ أنواع البخل: بخل الزعماء والرؤساء؛ إلا أن يكون بخلاً بمال الدولة فذلك هو الحرص الذي يحبه الله ورسوله، ويقدره العقلاء ويحفظ به المجتمع.
للرجل والمرأة
خمسة أشياء تحمد من الرجل وتذم في المرأة: الكرم، والاختلاط، والجرأة، والزهد، والخشونة.
الموت الشريف
كل إنسان كتب عليه الموت لا محالة، وأشرف أنواع الموت: الموت في سبيل الله والحق، وأحقر أنواع الموت: الموت في شهوات البطن والفرج!..
الموت في المرض
الموت في أنواع من المرض شهادة تفيد صاحبها في الآخرة، والموت في مرض كان سببه النهم والشره في لذائذ مباحة؛ ميتة حقيرة لا تعفي صاحبها من حساب الآخرة، والموت في مرض كان سببه الإغراق في لذائذ محرمة؛ ميتة آثمة تزيد في عذاب صاحبها عند الله.
أشبه بالحيوان
من فضل لذة بطنه ساعة على حياته سنوات؛ فهو بالبهائم أشبه من بالإنسان.
أنواع المرض
من المرض ما يرفع قدر صاحبه في الدنيا والآخرة، ومن المرض ما يسيء إلى صاحبه في الدنيا والآخرة، وأكثر الناس يمرضون المرض الذي كتبه الله نهاية لحياة الإنسان على الأرض.
حياة تافهة
أي قيمة لحياة تذهب بها لذة؟ وأي عظمة كعظمة الحياة التي تزهد في اللذائذ وتذهب في معالي الأمور؟.
نعمة العقل
أكثر الناس تنهزم عقولهم إزاء الملذات والمغريات، وهؤلاء يحقرون أعظم نعم الحياة وأغلاها وأحلاها: نعمة العقل الذي ميز الله به الإنسان على الحيوان.
القسم الثامن والعشرين
موقف الناس من المال
من كان ماله آثر عنده من حياته فهو أحمق، ومن كان ماله آثر عنده من كرامته وسمعته فهو حقير، ومن كان ماله آثر عنده من أمته وبلاده فهو مجرم، ومن كان ماله آثر عنده من عقيدته فهو من المؤلفة قلوبهم.
مناجاة
إلهي! ما زلت تغمرنا بوابل النعم حتى لا نستطيع إحصاءها، وما زلت تسبغ علينا آيات الرضى حتى عجزنا عن أداء الشكر عليها، وما زلت تستر من سيئاتنا ما لا نملك معه إلا الطمع بغفرانك لها، وما زلت تمدنا بوسائل العون حتى لا نرى أنفسنا أهلاً لاستحقاقها، ملأت قلوب المذنبين طمعاً برحمتك، وملأت قلوب العابدين أملاً بجنتك، وملأت قلوب العارفين رجاء بدوام تجلياتك، وملأت قلوب المحبين رغبة في دوام أعطياتك، العطاء عطاؤك، والمنة منتك، والرضى رضاك، والوصال وصالك، والجمال جمالك، والجلال جلالك، والسعادة جنتك، والشقاء نارك، والفناء لخلقك، والبقاء لذاتك، وكل ما عداك فهالك، كل فضل لغيرك قيد، وكل عطاء من سواك رق، وكل عفو غير عفوك مهانة، وكل حلم غير حلمك مذلة، وكل التفات لغير وجهك شرك، وكل تقرب من غير ذاتك بعد، وكل لذة غير عبادتك مرارة، وكل شهوة غير الرضا عنك منك حرمان، تباركت يا رب! كيف يجحدونك وأنوارك تغشي أبصارهم؟ وكيف لا يعبدونك وجلالك يملأ بصائرهم؟ وكيف يبتعدون عنك ونعمك تجذبهم إليك؟ وكيف لا يهابونك وعظمتك تجبرهم على الترامي عليك؟ وكيف لا يخافونك وآيات عذابك قريبة منهم؟ وكيف لا يحبونك وكل ذرة من ذرات وجودهم من بعض فيضك؟ وكيف يدهشهم جمال من خلقت بيديك، ولا يدهشهم جمالك؟ وأنت الذي صنعت جمالهم على عينيك؟ يا مفيض النعم حتى على الجاحدين، ويا واهب الكرم حتى للمنكرين، ويا واسع الحلم حتى على المتكبرين، ويا عظيم الرحمة حتى للمعاندين.. تعطف على من عبدوك حتى هجروا فيك الجاحدين، وتحنن على من أحبوك حتى كرهوا بك المعاندين، ولولاك ما عبدوك، ولا أحبوك، ولا اهتدوا إليك، ولا تعرفوا عليك، فكيف تتخلى عنهم وقد سلكت بهم الطريق إليك، وكيف لا ترحمهم ورحمتك هي التي جعلتهم أسارى بين يديك، حاشا لكرمك أن تفعل بهم ذلك وهم على الوفاء مقيمون، وللجلال خاشعون، وبالعبودية معترفون، وبالهيبة مأخوذون، وبالجمال مفتونون، وبالحب مدلهون، سبحانك! سبحانك!.
أنت القائل: ? وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون?.
نشهدك أنا لك مستجيبون، وبك مؤمنون، فاسلكنا مع المهتدين، واجعلنا مع الراشدين، واكتبنا مع المقربين ? سبحان ربك رب العزة عما يصفون ¯ وسلامٌ على المرسلين ¯ والحمد لله رب العالمين?.
أنواع الأرواح
أرواح الناس خمسة: فأرواح بيضاء وهي أرواح المؤمنين، وأرواح سوداء وهي أرواح الكافرين، وأرواح صفراء وهي أرواح الوثنيين، وأرواح حمراء وهي أرواح الملحدين، وأرواح زرقاء وهي أرواح المسلمين الذين لا يهتمون بتصفية نفوسهم وتهذيب أخلاقهم وسمو أرواحهم.
جميل وقبيح
الحق جميل في أعين محبيه، قبيح في نظر مبغضيه، وهذا هو سر تعلق أولئك به، ونفرة هؤلاء منه.
الحياء
الحياء من أهم دواعي الألفة بين الناس، فلولاه لأكل الناس بعضهم بعضاً، ومن ثمة كان الحياء من الإيمان، ومن لا حياء فيه لا خير فيه.
نداء
أيها المتاجرون بالدين! كل قرش تجمعونه سيكون شواظاً من نار يلهب جلودكم يوم العرض على ربكم.
أيها المنحرفون عن الدين! كل ساعة من أعماركم ستشكوكم إلى ربكم يوم تعرض عليه أعمالكم!.
أيها الملحدون في الدين! كل يوم من أيامكم تقضونه تبرهنون به على أنكم منسلخون عن إنسانيتكم.
أيها المستخفون بالدين! لولا الدين لما أمنتم على أنفسكم وأعراضكم وأموالكم وحقوقكم.
أيها المتشككون في الدين! لو رفعتم عن أعينكم غشاء الأوهام لرأيتم نور الحق يبهر أنظاركم.
أيها العاملون بالدين! هنيئاً لكم بطمأنينة أنفسكم، واستقامة سيرتكم، وفرحة اللقاء مع ربكم، ونعمة الرضى منه في حياتكم وآخرتكم.
ونداء
أيها العابدون لله! لقد سلكتم طريق الأحرار، والعبيد من سلكوا غير طريقكم.
أيها الخاشعون لله! لقد أدركتم عظمة خالقكم، فما أروع خشوعكم! وما أوسع مدارككم!.
أيها المراقبون لله! لقد امتدت آفاق أنظاركم إلى هذا الكون العظيم فلم تجدوا فيه غير ربكم.
أيها المدلهون بالله! إن سمو الحب بسمو المحبوب، وقد أحببتم مبدع الكون ومصدر الجمال والجلال والكمال، فأي حب أسمى من حبكم؟ وأي محبوب يستحق التذلل له والعبودية والطاعة مثل محبوبكم؟
أيها الواصلون إلى الله! لقد خففتم زادكم من الدنيا، وأثقلتم زادكم من التقوى، وصدقتم في الرغبة، وأخلصتم في النية، وأسرعتم في العمل، فمهد لكم طريق الوصول إليه فوصلتم، فما أروع جهادكم، وما أكرم ثوابكم!
أيها العارفون بالله! إن شرف العلم بشرف المعلوم، وقد غبتم عن أنفسكم، وزهدتم في دنياكم، وسكلتم طريقاً لا ييسره إلا للصادقين في معرفته، فلما وصلتم شهدتم وشاهدتم، ولزمتم واستقمتم، فقربكم إليه، وأزال عنكم حجب التعرف عليه، فاكتسبتم من عظمته ما صرتم به في الدنيا عظماء، وامتلأتم من هيبته ما ملأ قلوب الناس هيبة منكم، وعرفتم من إبداعه وكماله وجلاله ما ملأ قلوبكم علماً وتعظيماً، فأي مقام أعلى من مقامكم الذي وصلتم إليه؟ وأي شرف أشرف من تعرفكم عليه؟ وأي سعادة أسعد مما أنتم فيه؟ وأي أمل أنبل من أمل الوصول إليه حيث وصلتم، والذواق من حيث ذقتم، والأنس مع من أنستم؟ هنيئاً لكم.. ويا شوقاه!.
تحد وجواب
تحدى الباطل الحق يوماً فقال له: إن عندي من الوسائل ما أغطي به وجهك عن الناس.
فأجابه الحق: وعندي من القوة ما أهتك به تغريرك بالناس.
قال الباطل: سأظل ملاحقاً لك بالأكاذيب حتى تمل.
قال الحق: وسأهتك سترك الجديد كما فعلت بالقديم.
قال الباطل: سأظل متتبعاً لك بالأكاذيب حتى تمل.
قال الحق: لن أمل ما دام للكون إله عادل، وللناس عقول تفكر.
قال الباطل: وما أكثر الناس ولو حرصت بمفكرين.
قال الحق: وما أكثر دعاتي – ولو غضبت – بيائسين.
قال الباطل: هبك أقنعت الناس جميعاً؛ فإن سندي إبليس باق إلى يوم يبعثون.
قال الحق: ولكن ربي الله؛ هو الذي يحكم بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون، يوم يكون سندك الأكبر يتلظى في نار جهنم هو وأتباعك جزاءً وفاقاً؛ لما كنتم في الحياة تفسدون.
العالم الحق
العالم الذي يخاف الله لا يجاري أهواء الناس تملقاً لهم، ولا يعطل مصالحهم المشروعة إعناتاً لهم، ولكنما يقول الحق برفق تستسيغه عقولهم، ويدافع عن مصالحهم بقوة تدفع صولة الظالمين عنهم، وكذلك كان الأنبياء والمرسلون.
صولة الحق
صولة الحق في ساعات، تقضي على انتصار الباطل في سنوات.
إغراء الباطل
الباطل يغري الناس حتى إنهم ليمجدونه، فإذا تفتحت عقولهم لمكائده أعرضوا عنه حتى إنهم ليلعنونه، والحق يتعب الناس حتى إنهم ليكرهونه، فإذا صفت نفوسهم تعلقوا به حتى إنهم ليقدسونه.
أشد المجرمين عذاباً
أشد المجرمين عند الله عذاباً، من حرف دينه، واستغل عباده، وساير الظالمين في أهوائهم، وعادى المصلحين في آرائهم، ثم لا يخجل أن يلبس لباس المتقين، ويعمل أعمال الفاسقين.
وتكذب
إياك والكذب؛ فإن من تكذب عليه إما أن يكون واعياً فيحتقرك، أو خبيثاً فيكذب عليك، أو ساذجاً فيخدع بك، ثم ما تلبث الحقيقة أن تنكشف له فيكفر بك، هذا كله عدا عقوبة الله وعذابه.
من الملوم؟
يجزع دعاة الدين والأخلاق عندنا من انتشار عدوى الخلاعة والاختلاط وتقليد الحياة الغربية في مساوئها دون محاسنها، ويظهر ذلك في الحفلات التي تقام عندنا بمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة؛ إن تكون لهاتين المناسبتين ذات الضجة والصخب والرقص والمجون التي تقع في الغرب تماماً، ومن حق المخلصين أن يجزعوا لذلك، غير أن اللوم ليس كله على الجمهور – لمن عرف طبائع الجماهير – فاستقامة المجتمع تكون دائماً بأمرين متلازمين: عقيدة قوية متغلغلة في نفوس الأفراد، وسلطة حازمة ترى من واجبها الحيلولة دون انحراف الجماهير، ومن المؤسف أن مجتمعنا فقد هذين الأمرين منذ زمن بعيد.
أعداء الإصلاح
أعداء الإصلاح في كل مجتمع ثلاث فئات: فئة ترى في الإصلاح فواتاً لمصالحها المعنوية: من جاه أو رئاسة. وفئة ترى في الإصلاح فواتاً لمصالحها المادية: من مال وشهرة. وفئة تضيق عقولها عن استيعاب بواعث الإصلاح وفوائده، وأخطر هذه الفئات على حركة الإصلاح هي الفئة الأولى، فإذا اجتمعت الفئات الثلاث على محاربته، كان الإصلاح عبئاً لا يحمله إلا أولو العزم من الرجال، ومعركة لا يثبت فيها إلا أولو الشجاعة من الأبطال.
جاه.. وجاه!
الدعاة إلى الله المخلصون الصادقون يتهافت أبناء الدنيا على رضاهم؛ ليزدادوا به جاهاً على جاههم، والدعاة الكذابون المدجلون يتهافتون على أقدام طواغيت الدنيا ليكسبوا من جاههم جاهاً، وشتان بين جاه مستمد من الله وجاه مستمد من الشيطان!
قلوب... وقلوب!
قلوب الدعاة الصادقين شفافة تلمح م صفاء وجوههم، وقلوب الدعاة الدجالين، صلبة تنعكس أشعتها على نظرات عيونهم.
يا رجال الدعوة
إنكم تتألمون اليوم لاستغلال بعض الناس دعوة الإسلام والأخلاق، إلى جر المغانم لأنفسهم من جاه أو مال أو جرهما معاً، مما آذى سمعة الإسلام، وأضر بالدعوة إلى الأخلاق الإسلامية الصحيحة، لا تتألموا من ذلك يا إخواني؛ فإن استغلال الدين واستغلال ذوي السلطان والقوة للمتظاهرين بالدعوة إلى الله، لم ينقطع في كل عصور التاريخ، وبخاصة في تاريخ الإسلام، ولقد قرأتم في تاريخ المصلحين كيف كانوا في كل عصر يقاومون في دعوتهم من قبل المستغلين للدين أكثر من أعدائه، وأنكم لتعلمون أن أولئك الذين كانوا يقاومون المصلحين كانوا أكثر قوة ونفوذاً في الجماهير ممن يقاومون دعوتكم اليوم أو يستغلونها، حتى إنكم لتجدونهم أقزاماً بجانب أعداء الإصلاح في الماضي، ومع ذلك لقد ذهب أولئك الدجالون جميعاً إلى الجحيم، وبقي المصلحون وحدهم هم الخالدين.
يا شباب الإيمان
يا شباب الإيمان! ستفجعون في كثير ممن تعلقون عليهم الآمال، فلا تيأسوا؛ فإنما أنتم في تجربة إثر تجربة، وحسبكم قلوبكم السليمة وإخلاصكم النبيل، ولا بد أن تتمخض الليالي عن أملكم المنشود، فالله أحنى على دعوته منكم، وأكرم من أن يرد دعواتكم، وأعلم من أن لا تبلغه خفقات قلوبكم.
يا شباب الإسلام
يا شباب الإسلام! إن الإسلام لم يدخل في معركته الكبرى بعد، ولن يدخلها إلا يوم يستوثق من تنظيم صفوفكم، وكفاءة قيادتكم، وحسن طاعتكم، وجودة أسلحتكم، ومعرفتكم لأهداف معركته مع أعداء أمتكم، وتفضيلكم أن تموتوا في المعركة شهداء ترتعون في رياض الجنة، على أن ترجعوا منها أحياء يزهيكم النصر، وترتعون في مفاتن الدنيا، فلا تسألوا عن وقت المعركة؛ فذلك مرهون باستعدادكم، ولا تسألوا عن مكانها؛ فذلك علمه عند ربكم.
دعاء ومناجاة
يا رب! إنك تعلم أن لدعوتك جنوداً كالملائكة طهراً، وكالصديقين إيماناً، وكالأسود شجاعة، وكالماء عذوبة، وكالشمس ضياء، وكالهواء صفاء، قد جمعتهم يدك على الهدى، ولملمتهم دعوتك على بعد المدى، يحاربون من هم أكثر منهم عدداً، وأقوى سلطاناً، وأعز جنداً، وأقوى فتنة، وأشد إغراء، ولكنهم لا يستكثرون بالعدد، ولا يتقوون بالسلطان، ولا يعتزون بالجند، ولا يعبأون بالفتنة، ولا يتأثرون بالإغراء، قوتهم بعبادتك، وعزتهم بجبروتك، وسلاحهم من شريعتك، وفتنتهم بجنتك، وغرامهم بوصالك، وهيامهم بجمالك، هجروا في سبيلك المضاجع، وفارقوا من أجلك الأوطان، وتحملوا لمرضاتك العذاب والآلام، وحرموا للجهاد فيك قرب الأهل والولد، ولذيذ العيش وطيب المقام، فصنهم يا رب من بطش الظالمين، وأبعد عنهم خبث المستغلين، ودسائس المفسدين، وقيادة الجبناء والمغرورين والمراوغين، ولا تجعل لذوي العقد النفسية عليهم سبيلاً، ولا لأصحاب العقول الآسنة المتحجرة عليهم نفوذاً، ووسع مداركهم ليفهموا مرامي الشريعة ومقاصدها الاجتماعية النبيلة، مع دراستهم لمشكلات مجتمعهم دراسة عميقة تصل إلى معرفة أسبابها وعلاجها، واجعلهم ألسنة الشعب الناطقة بالصدق، المطالبة بحقوقه، المدافعة عن قضاياه، بروح الهداة المرشدين، والأطباء الناصحين؛ حتى يرى فيهم الشعب أكرم من حمل لواء الإصلاح، وأصدق من خدم قضايا الجماهير، وأوعى من عالج مشكلات المجتمعات، لا يجاملون فئة على حساب فئة، ولا ينحازون إلى جماعة دون جماعة، لا كما يفعل بعض المدعين للعلم، المتصدين للتكلم باسم الإسلام وهم يدافعون عن فئة من حقها أن تحفظ حقوقها وليس من حقها أن تقر مطامعها واستئثارها، ولكنهم يهملون حقوق الجماهير، وما جاءت الشريعة إلا لرفع مستواها ورد كرامتها إليها، ولا يرفعون أصواتهم بالدفاع عن حقوقها المهضومة، ولا يقض مضاجعهم حياتهم البائسة الكئيبة.
واجعلهم برحمتك دعاة ثورة بنّاءة هدّامة، تهدم ما في المجتمع من مظاهر التخلف والجهل والظلم، وتبني أقوى مجتمع متماسك متحاب لا تحقد فئة منه على فئة، ولا تعتدي قلة منه على حقوق الكثرة الغالبة.
اجعلهم دعاة ثورة كثورة نبيهم وصحابته حين حملوا إلى العالم مبادئ الحق والخير والسلام، فاضطروا إلى أن يزيحوا من طريق الشعوب أعداءها المتسلطين الذين لا تهمهم إلا مصالحهم، ولا تحركهم إلا شهواتهم. اللهم اجعل محمداً صلى الله عليه وسلم مربيهم في الآخرين، كما جعلته مربي أسلافهم في الأولين، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
القوة.. والجاه
من اطمأن إلى القوة فهو مغلوب، ومن اطمأن إلى الجاه فهو مخلوع.
الدهماء.. والحرية
في ضجيج الطبول تختنق أصوات الحرية، وفي صخب المواكب تطمس معالم الحقيقة.
استغلال الساسة
لا يبلغ الأعداء من أمة ما يبلغ فيها استغلال ساستها لمثلها العليا.
القسم التاسع والعشرين
مرض الخائنين
اتهام الناس بالخيانة مرض الذين كانوا من قبل خائنين.
امتداد سلطان المفسدين
لا يغرنك امتداد سلطان المفسدين؛ فإن من حكمة الله أن لا يأخذهم إلا بعد أن لا يوجد من يقول عنهم: يرحمهم الله!
من طبيعة الظالمين!
من طبيعة الظالمين أن ينادوا بالحرية ليئدوها، ويتحدثوا باسم الشعب ليستعبدوه، ويدافعوا عن الفقير لئلا يصبح غنيًّا، ويقاوموا الطغيان ليفرضوا طغياناً أشد وأقسى.
ما أكفره!
من طبيعة الإنسان – إلا من رحم الله – أن يطالب بالحرية والعدالة والكرامة حين يكون ضعيفاً مضطهداً؛ فإذا قوي وتحكم، كان طاغية جائراً مذلاً لكرامات الرجال.
مُخادع
تأخذ الأموال من أجلي، فلماذا لا تنفقها علي وأنا إليها محتاج؟
أيهما أسوأ؟
أيهما أسوأ: الذي يضطهد الأحرار؟ أم الذي يحقد عليهم؟
لا يدوم
لا يدوم لطاغية سلطان، ولا لكذاب محمدة، ولا لبطر نعمة.
بين الاستعمار والطغيان
استعمار الأجنبي يخلق في الأمة روح الكفاح، وطغيان المواطن يقضي على هذه الروح.
بين الاستعمار والطغيان
المستعمر يعمل على استغلالك ثم لا يبالي بسخطك، والطاغية يعمل على إذلالك ثم لا يعجبه إلا أن ترضى وتثني عليه.
غرور الطاغية
الطاغية متأله مغرور، لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعاً.
لا تحقرن أحداً
لا تحقرن أحداً مهما هان، فقد يضعه الزمان موضع من يرتجى وصاله وتخشى فعاله.
ما رأيت!
ما رأيت سياسيًّا لا يكذب، ولا عسكريًّا لا يتغطرس، ولا غنيًّا لا يبطر، ولا حديث نعمة لا يسخف.
المقعد الشاغر [أو: مقعد صلاح الدين]
ما زالت أمتنا تترقب ظهور بطل لها بعد صلاح الدين، وكلما خالت البطولة في إنسان، انكشف لها عن صنم منفوخ تزري عبادته، وتقتل مودته.
الطاغية
الطاغية إله يعبد الشيطان.
زوج الطاغية وأولاده
الطاغية يتزوج الغرور، فيلد ثلاثة أولاد: الحمق، والحقد، والجريمة.
الانقلاب العسكري
الانقلاب العسكري سلب حقوق الشعب باسم الشعب.
الذين يتباكون على الحرية
كل الذين يتباكون على الحرية هم أعداؤها أو سيكونون أعداءها.
خرافة الشعارات!
من أكبر الخرافات التي تروج في عصرنا الحاضر: أن تسمى ديكتاتورية الحكم بالديموقراطية، وإفقار الشعب بالاشتراكية، وانحلال الأخلاق بالتقدمية.
بين فساد الحاكم وفساد الشعب
إذا فسد الحاكم نفقت سوق الضلالة، وإذا فسد الشعب نبتت رؤوس الفتنة.
هذا هو الدهاء
ليس الدهاء أن تخدع شعبك؛ فتلك خيانة ونذالة، ولكن أن تحبط مكر أعدائك؛ فتلك وطنية ورجولة.
هذا هو الدهاء
الدهاء مكر بأعدائك، وحسن تصرف مع أصدقائك.
اضطراب المقاييس
حين تضطرب مقاييس الرجولة يحكم النساء الرجال، وحين تضطرب مقاييس البطولة يحكم اللصوص الشجعان، وحين تضطرب مقاييس الفضيلة يحكم الأوباش الكرام.
حكم الفرد الحازم؟
إذا كانت السياسة خداعاً، والنيابة تجارة، والحكم مغنماً، كان حكم الفرد المستقيم الحازم أنفع للأمة، ولكن أين هو؟!
إذا كانت! [أو: حكم شيوخ البدو!!]
إذا كانت الحزبية أحقاداً، والمبادئ شباكاً، والعقائد تشتتاً، والديموقراطية فوضى أو استبداداً، كان حكم شيوخ البدو في الصحراء أحقن للدماء، وأحفظ للأعراض، وأضمن للأموال، وأصون للوحدة، وأرعى للكرامة، وخير من هذا وذاك: أن يعود الناس إلى شرع الله الحكيم.
حكم الشريعة
في النظام البرلماني الميوعة والفوضى، وفي الحكم الفردي: التسليط والاستبداد، وفي شريعة الله: العدل والنظام.
الحزبية الحاقدة
الحزبية الحاقدة تقتل مواهب الشرفاء، وتفجر طاقات الخبثاء.
الحزبية الرخيصة
الحزبية الرخيصة تدني اللئام، وتقصي الكرام، وتنظر إلى الجماهير نظر الأنعام.
"رذيلة" الوفاء!
الوفاء فضيلة ولكنه إذا كان لطاغية أصبحح رذيلة.
هذه الموهبة السياسية!
البصر بالسياسة موهبة لا يكفي فيها الإخلاص ولا الاستقامة.
أعظم السياسيين
أعظم السياسيين نجاحاً: من استطاع أن يسوس زوجته.
شعب ينقصه الوعي
لم يكتمل وعي شعب يصفق لكل حاكم، ويخدع بكل متكلم.
قادة معركة التحرر
من كان أسير هواه لم يصلح لقيادة معركة التحرر في شعبه.
(شر حقد)
شر حقد: حقد الحاكم على خيار رعيته.
أسوأ الحلم
أسوأ الحلم: حلم الحاكم عن سفهاء رعيته.
حكم لا يدوم
من أقام حكمه على الغدر والخداع والكذب؛ فقد أقامه على حجر متدحرج.
كبرياء الطغاة وحياتهم
كبرياء الطغاة من ذلة الشعب، وحياتهم من موته.
الحاكم والشعب
قال القرطاس للقلم: لولاي لما حفل بك الناس.
قال القلم: لولاي لما كان لوجودك معنى، كذلك الحاكم مع شعبه.
"جبرية" السياسة!
العامة سفينة شراعية تتجه مع الريح أنى اتجهت.
الحكم!
الحكم محرقة أو مخرقة وقلّ فيه الخالدون.
خداع الاستعمار
الغربي وحش يستر مخالبه بالحرير ليخدع فريسته.
الجماهير الجاهلة
الجماهير الجاهلة تمكن جزاريها من رقابها وهي تصفق لهم.
القوة والضعف
القوة هي ترك العدوان مع توفر أسبابه، والضعف هو الطيش عند أقل المغريات.
يخربون بيوتهم بأيديهم
إن لله سيوفاً تقطع رقاب الظالمين منها: أخطاؤهم، وحماقاتهم.
من جنود الحق
إن للحق جنوداً يخدمونه، منهم الباطل.
النظام الديكتاتوري
النظام الديكتاتوري حاكم له مظاهر الألوهية وأفعال الشياطين، وشعب تعداده ملايين الأجسام وله عقل واحد، وأرض تذرع ملايين الفدادين يسكنها ظالم واحد، ودولة فيها ملايين العبيد يحكمها سيد واحد، وتاريخ كان يكتبه الملايين من الصادقين فاحتكر كتابته كذاب واحد.
الديكتاتورية والتقمص!
الديكتاتورية: إلغاء ملايين العقول والاكتفاء بعقل واحد، والازدراء بملايين الآراء وتمجيد رأي واحد، وإهمال ملايين الفعاليات واستعمال فعالية واحدة، والديكتاتورية أعجب عملية "تقمص" في تاريخ العقائد: تتقمص الملايين في شخص واحد، فتسافر إن سافر، وتقيم إن أقام، وتبكي إن بكى، وتسخف إن سخف، وتهوي إذا هوى.
الطاغية شيطان يتحدى
الطاغية يتحدى صفات الألوهية والنبوة، إن الله حين أراد أن يخلق آدم أخبر الملائكة، والرسول حين أراد أن يخوض معركة بدر استشار أصحابه، والله يرحم عباده، والرسول يشفق عليهم، أما الطاغية: فلا يخبر بل يأمر، ولا يستشير بل يشير، ولا يرحم ولا يشفق، بل يظلم ويُعنت.
الديكتاتورية ردة!
الديكتاتورية أبشع ردة في عصر الذرة إلى عصر الاسترقاق الجماعي في العصر الحجري الأول.
هذا هو الانقلاب
الانقلاب أن تتكلم البندقية بدلاً من اللسان، ويقنع المدفع بدلاً من البرهان، ويجتمع السياسيون في السجن بدلاً من البرلمان، وتتحكم الأحذية الغليظة في العقول والأذهان.
بداية الانقلاب ونهايته
كل انقلاب يبدأ مشرقاً وينتهي مظلماً، ويبدو مخلصاً، وينكشف أنانيًّا، ويلفظ باسم الشعب ثم ما يلبث أن يلفظ الشعب نفسه.
القسم الثلاثين
بداية الانقلاب ونهايته
الانقلاب يبدأ ضد شخص أو وضع، ثم ما يلبث أن يصبح انقلاب قادته بعضهم على بعض.
الأحد:18/11/81هـ 22/04/1962م
السيئات "تنسي" الحسنات!
من أحسن إليك ثم أساء فقد أنساك إحسانه.
ميادين الاختبار
في المآزق ينكشف لؤم الطباع، وفي الفتن تنكشف أصالة الرأي، وفي الحكم ينكشف زيف الأخلاق، وفي المال تنكشف دعوى الورع، وفي الجاه ينكشف كرم الأصل، وفي الشدة ينكشف صدق الأخوة.
احذر من هؤلاء
احذر الحقود إذا تسلط، والجاهل إذا قضى، واللئيم إذا حكم، والجائع إذا يئس، والواعظ المتزهد إذا كثر مستمعوه.
الاثنين: 19/11/81هـ 23/04/62م
المنافق
المنافق شخص هانت عليه نفسه بمقدار ما عظمت عنده منفعته.
كذب على كذب
قيل لخطيب منافق: لماذا تتقلب مع كل حاكم؟ فقال: هكذا خلق الله القلب متقلباً؛ فجموده مخالف لأوامر الله!
تسليط الأشرار والظالمين
إن الله يعاقب على المعصية في الدنيا قبل الآخرة، ومن عقوبته للمجتمع الذي تفشو فيه المعاصي والمظالم: أن يسلط عليه الأشرار والظالمين.
تسليط الأشرار والظالمين
لم يرضهم حكم الله في أموالهم؛ فسلط عليهم من يحكم فيهم بحكم الشيطان.
دجاجلة الدين وطواغيت الدنيا
أمر الله أن يعطي الفقير حقه والغني حقه، فدافع دجاجلة الدين عن حق الغني ولم يدافعوا عن حق الفقير، ودافع طواغيت الدنيا عن حق الفقير وأكلوا حق الغني، والله أعدل الحاكمين.
الإلحاد وصراع الطبقات
قامت الشيوعية لتسعد المجتمع البائس فزادت بؤسه بأمرين خطيرين: الإلحاد، وصراع الطبقات، ولا بد أن تفيء الإنسانية إلى اشتراكية الإسلام في القريب أو البعيد.
اشتراكية الإسلام
سيأتي يوم ينادي باشتراكية الإسلام من يحاربها اليوم جموداً وقصر نظر.
حكم الاشتراكيين!
قد يكون من حكمة الله في تسلط الاشتراكيين على مقاليد الأمور: أن الإسلام – بممثليه الرسميين وتشتت دعاته وعجزهم عن تفهم التيارات العالمية – كان عاجزاً عن إصلاح الوضع الاجتماعي الحاضر إصلاحاً جذريًّا، فسلط هؤلاء على البناء المتهدم لينسفوه، ثم يقوم الإسلام بدوره الإنشائي العظيم.
أبعد نظراً
سيحكم التاريخ في أي الفريقين كان أغير على الإسلام وأبعد نظراً: دعاة اشتراكية الإسلام، أم محاربوها؟
الثلاثاء: 20/11/81هـ 24/04/62م
عصور الخير
لم يكن أهل الخير في عصر من عصور التاريخ أكثر عدداً من أهل الشرك أو يساوونهم، ولكن عصور الخير هي التي تمكن فيها أهل الخير من توجيه دفتها.
الحرية – وحمايتها (أو: باسم حماية الحرية. أو: حماية الحرية)
تضحي الشعوب كثيراً في سبيل حريتها، فإذا نالتها سجنها الطغاة باسم حماية حريتها.
الثورة
الثورة استغلال عواطف الشعب البريئة لأغراض غير بريئة.
قيود "الإنقاذ"!
كل الثورات جاءت لإنقاذ الشعوب وما تزال هذه الشعوب تئن من وطأة القيود.
المغرور والمفرط
من عرف قدر نفسه فليس بمغرور، ومن عرف قدر إخوانه فليس بمضيع، ومن عرف فضل أمته فليس بمفرط، إنما المغرور والمضيع والمفرط: من رفعته أمته فلم يعرف لها قدرها، وازدراها فسامها سوء العذاب.
اشتراكية الحبّ
في كل مرة يحاول فيها زعيم الشيوعيين دخول البلاد تسري روح من القلق والاضطراب، فتبادر الحكومة إلى تطمين الرأي العام بأنها منعت دخوله، وفي كل مرة يشترك فيها.. في الحكم يساور الناس جو من الجزع على مستقبلهم؛ قتبادر الحكومة إلى تطمينهم بأنها ليست لحزب معين، وأنها ستتبع سياسة اشتراكية عادلة بناءة.. وفي كل مرة تعلن فيها الحكومة عن إنصاف العمال والفلاحين، تسري في البلاد هزة من الفرح والاطمئنان. لقد تكرر هذا أكثر من مرة، فدل على أن الأمة تريد اشتركية الحب لا اشتراكية الحقد، وأنا أسميها اشتراكية الإسلام.
الاجتماع قوة [أو: قوة الجماعة. أو: الجماعة]
صادفت جماعة من النمل بعيراً متجهاً نحوها، فقال بعضها لبعض: تفرقن عنه كي لا يحطمكن بخفه، فقالت حكيمة منهن: اجتمعن عليه تقتلنه.
إحسان!!
سألت شاة خبيثة صاحبها: لماذا تعلفني؟ قال لها: شفقة عليك، قالت: أرأيت لو هزلت حتى لم أعد أصلح للأكل أكنت تطعمني؟ كذلك مثل الأقوياء حين يحسنون إلى الضعفاء.
قيادة الأغرار
إياك وقيادة الأغرار في معركة حاسمة، فإنهم إما أن ينشغلوا بك عن أنفسهم، وإما أن ينشغلوا بأنفسهم عنك، وفي كلا الحالين توقع الهزيمة.
ألم وأمل!
رب ألم تشكو منه اليوم تتمناه غداً.
متى تبدأ معركة الخير والشر؟
الصراع القائم الآن بين شرين: أحدهما يدعي الرحمة وهو يذبحها، والآخر يدعي الدين وهو يحاربه، ولم تبدأ بعد معركة الصراع بين الخير والشر.
شكوى.. وشكوى
كنا نشكو من الحكام الفاسدين، فأصبحنا نشكو من الحكام المفسدين، وكنا نشكو من الحكم الضعيف، فأصبحنا نشكو من الحكم الظالم، وكنا نشكو من النظام المتداعي، فأصبحنا نشكو من النظام المرتجل، وكنا نشكو من إهمال رغبات الشعب فأصبحنا نشكو من استغلال رغبات، وكنا نشكو من العلماء الغافلين، فأصبحنا نشكو من الأدعياء الدجالين.
لا يدوم الزيف والخداع
سمعت الحق والحرية يتناجيان سرًّا وكان مما قالاه: ما أسيء إلينا في عصر كهذا العصر؛ لقد اتخذنا ستاراً وشباكاً، واضطهدنا ممن يتحبب إلينا أكثر ممن يناصبنا العداء، وكان التاريخ قريباً منهما، فهدأ روعهما وقال: سأفضح لكما زيف الخداعين والمتاجرين.
أحكام الشريعة وسلوكها
من لم ينبع تفكيره من مبادئ الشريعة ضل، ومن لم يستمد سلوكه من أخلاقها انحرف، ومن لم يقيد عمله بأحكامها ظلم.
وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً
التقى ذئب وضبع في الطريق، فأخذ كل منهما ينتقض الآخر. قال الذئب للضبع: أنت لا تقوى على مواجهة النور، فقال له الضبع: وأنت لا تقوى على مواجهة القوة، قال الذئب: أنت جبان لا تفترس ضحيتك إلا في الظلام، قال الضبع: أنت نذل لا تفترس إلا الشاة الوادعة في غفلة من الراعي، وكانت بعيداً منهما شاة مختبئة تسمع كلامهما ولا يريانها، فقالت: اللهم سلط كلاًّ منهما على الآخر حتى أسلم منهما.
خداع النظر
أكثر الأشياء ثباتاً في النظر أكثرها اضطراباً في الواقع.
اختلاف الظالمين
قد يجتمع الظالمون على أمر فيه تحقيق مطامعهم، ولكن سرعان ما يختلفون ويكشف بعضهم مخازي بعض ? وكذلك نُولّىِ بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون?.
العدو والخصم
لا تطلق لفظ "العدو" إلا على الأجنبي المحارب، أما المواطن الذي تختلف معه فهو "خصم". والعدو لا تنفع معه إلا الشدة، والخصم يفيد معه كثيراً حسن الخلق، والإغضاء عن الإساءة، وترك الفرصة ليفهمك.
انتقام الفتنة
مثيرو الفتن يريدون أن ينتقموا من بعض الناس فتنتقم الفتنة منهم ?يُخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار?.
على الباغي تدور الدوائر
الذين يشعلون النار ليحرقوا بيوت جيرانهم، أول ما تحرق النار بيوتهم وهم لا يشعرون.
لهب الفتنة ورمادها
لهب الفتنة يخطف أبصار الطامعين الحمقى ثم ما يلبث أن يجعلهم من رمادها.
وقود الفتنة ومشعلوها
العامة وقود الفتنة، والخبثاء مؤججو نارها، والنظام الاجتماعي الصالح أغلى ضحاياها.
دخان الفتنة
إذا لم تستطع إخماد نار الفتنة فابتعد عنها؛ فإنك إن لم تصبك نارها أصابك دخانها، والعاقل من توقى دمارها ولم يشهد عارها، ولا يستطيع أحد أن يتجنب آثارها، فإنها كريح عاد تدمر كل شيء أتت عليه بأمر ربها.
إذا اختلف الظالمان
إذا اختلف الظالمان انكشفت أسرار اجتماعهما أولاً وافتراقهما أخيراً، وفي ذلك مصلحة المظلومين.
السياسة والأخلاق
في كل عصر تلتزم السياسة فيه بمبادئ الأخلاق، يكون عصر ازدهار ورخاء وسلام، وكل عصر تنفصل فيه السياسة عن الأخلاق، تشيع فيه الفتن وتقع الأزمات.
السياسة!
السياسة كالسمكة الكبيرة تبتلع الذين يصغرون عنها.
ظهور المغمورين
إذا ابتسم الدهر للمغمورين فأظهرهم على مسرح الحوادث، فإن أظهروا كفاءة وجدارة بالمكانة التي وصلوا إليها كان ذلك دليلاً على أن المجتمع كان له ولهم ظالماً، وإلا كان ذلك دليلاً على أن القدر كان بهم وبالمجتمع رحيماً.
الزعماء الصغار وصغار الزعماء!
بعض الناس تليق بهم الزعامة على حداثة سنهم، وبعض الناس تليق بهم حداثة السن على عظيم زعامتهم.
خداع الدعاية!
بعض الناس يرون أن الدعاية خير طريق لتثبت زعامتهم مع أنها خير طريق لتهديمهم.
الزعيم الحالم والزعيم الحلم
بعض الناس يحلمون فيتوهمون فيتزعمون فينطفئون، وبعض الناس تحلم بهم أمتهم فتقدمهم ثم تزعمهم ثم يتألق نجمهم، ثم لا ينطفئ أبداً مهما غيبتهم عن الأنظار وأحداث الزمان.
زعامة كاذبة
النجم الذي يتألق فجأة ينطفئ فجأة.
المواهب أولاً
قد تقدم الظروف إنساناً، ولكن كفاءاته ومواهبه هي التي تثبته في المكان الذي قذف إليه.
القسم الواحد والثلاثين
فوضى المفاهيم والتنابز بالألقاب [أو: فوضى المفاهيم السياسية]
من أغرب أمورنا السياسية: أن الأحزاب والحكومات عندنا تنادي بمبادئ ليست لها مفاهيم محددة واضحة كالديمقراطية والاشتراكية والتقدمية؛ ومع ذلك فهذه الأحزاب لا تتورع عن اتهام خصومها بالإقطاع والرجعية والخيانة لمجرد اختلافها معها في تحديد هذه المبادئ.
الشعارات الكاذبة مطية الحكام
من أسوأ ما منيت به البلاد في هذه الأحزاب التقدمية الاشتراكية الديموقراطية أنها حين تأتي إلى الحكم في الظلام تنسى تقدميتها باتباعها أساليب الأحزاب القديمة في التوظيف والتعيين، وتنسى اشتراكيتها بتخصيص الوظائف لفريق من الناس هم أنصارها من غير اعتبار للكفاءات، وتنسى ديمقراطيتها باستبدادها بأمور الحكم باسم الشعب وهي لا تمثل إلا أقل الأقل من أبناء الشعب كما أثبتت دائماً الانتخابات الحرة النزيهة. ومع ذلك فهي تصر على أنها تسمي حكمها حكماً ديمقراطياً اشتراكياً تقدميًّا.
وسيلة خير وشر
يقولون: إن من محاسن هذه الحضارة أنها اخترعت الإذاعة والتلفزيون والصحافة لإشاعة المعرفة في أوساط الجماهير، ونسوا أنها استعملت أيضاً، لتضليل الجماهير عن الطريق الصحيح للمعرفة.
من مساوئ أجهزة الإعلام
أجهزة الإعلام تجعل من أتفه الناس وأجهلهم مشهورين، ومن أخلص الناس وأعلمهم مغمورين.
يوم يتحرر الإسلام من هؤلاء
كل يتجاذبون الإسلام ليخدعوا به الجماهير ويصرفوها عن جرائمهم في اغتصاب حقوقها، والإسلام مكموم الفم، موثق الأيدي عندهم جميعاً، ويوم يتحرر منهم سيكون له معهم شأن آخر.
ثورة لا تنقطع وجبين لا يعفّر
أراد الله بالإسلام أن يكون ثورة على الفساد، وبناءً للخير، فحقق به المسلمون الأوائل أعظم تقدم بالإنسان نحو إنسانيته الكاملة، وأراد المسلمون به في العصور الأخيرة مؤيداً للفساد مشوهاً للخير فرجعوا بإنسانيتهم إلى ما قبل عصور الجاهلية الأولى. ويريد به المصلحون اليوم أن يكون ثورة وبناءً كما كان من قبل في العصور الزاهرة الأولى، ويريد به المفسدون اليوم أن يكون سنداً لفسادهم، والطغاة أن يكون ستاراً لطغيانهم، ويأبى الله أن تغل يد الإسلام القوية، وأن يغطى وجهه المنير، وأن يكون ألعوبة تتقاذفه الأهواء ذات الشمال وذات اليمين، ولكل أجل كتاب ?والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون?.
مرتع خصيب
الجهل بالدين مرتع خصيب لضلالات الشياطين، والفقر في الدنيا مرتع خصيب لمؤامرات المتربصين، وفقدان العدالة الاجتماعية مرتع خصيب للثورات والبراكين، ومخالفة دين الله مرتع خصب للهلاك المبين.
آفة التعصب الحزبي
ليس أكذب على الله والتاريخ والحق والشعب من أولئك الذين يتظاهرون بالشعارات المحبوبة من الجماهير وهم لا يتخلون عن حزبيتهم داخل الحكم وخارجه في كبير الأمور وصغيرها؛ وهم آفة في حياتنا السياسية قديماً وحديثاً.
سياسة الأهواء والشهوات
ليست مشكلة الأمة في السياسيين ذوي العقائد المتباينة، بقدر مشكلتها في السياسيين ذوي الأهواء المتباينة. ولسياسي متوسط الثقافة ذكي مخلص أنفع للأمة من مائة سياسي فلاسفة عباقرة تتحكم فيهم الأهواء والشهوات.
اختلاف الأشرار
اختلاف الأشرار فيما بينهم بدء نهايتهم.
مواطنان!
بعض الناس يقرضون الوطن ما هو إليه محتاج، وبعضهم يقرضونه بما هوعنه مستغن، والفرق بين أولئك وهؤلاء: أن أولئك يضمون إلى الوطن قوة، وهؤلاء يفتحون عليه ثغرة.
اضطرار!
قد تحتاج يوماً ما لرفقة الذئب اتقاء لشر الثور الشرس.
الراحة – أو الحياة
خيرت الشاة بين أن تنام مع ذئب نائم، أوتنام مع كلاب تتهارش. فقالت: إن تهارش الكلاب يفقدني راحتي، أما الذئب فأفقد معه حياتي.
يقظة الراعي
الراعي اليقظ يضيع على الذئب أحلامه الشرهة.
حين تخلو الساحة
حين تخلو الساحة من الأبطال: يتمنطق بالسلاح كل جبان خوار، وحين تخلو من الزعماء: يتصدى للقيادة كل سفيه غرير، وحين تخلو من الأمناء: يتظاهر بالوفاء كل خوان حقير، وحين تخلو من الحكماء: يدعي الفلسفة كل جاهل مغرور، وحين تخلو من المجاهرين بالحق: يصول فيها كل طاغية لئيم.
زعامة الصغار!
إذا تصدى للزعامة صغار العقول، سفهاء الأحلام، كان ذلك علامة على طغيان الأهواء، وانحلال الأخلاق، وتفسخ المجتمع.
من أصناف السياسيين
أكثر السياسيين كذباً: أكثرهم احتقاراً لوعي الشعب، وأكثرهم تبدلاً: أكثرهم مهانة في نفسه، وأكثرهم حرصاً على الفتن: أكثرهم فقداناً للمؤهلات، وأكثرهم جرأة على الحق والفضيلة: أكثرهم فقراً في الدين والأخلاق.
المصلحة الخاصة والعامة
الناس في العمل للمصلحة العامة ثلاثة: واحد ينسى مصلحته الخاصة؛ فهذا أكرم الناس، وواحد يذكر مع المصلحة العامة مصلحته الخاصة؛ فهذا من أفاضل الناس، وواحد لا يذكر إلا مصلحته الخاصة؛ فهذا شر الناس.
سباق!
رب حبل حاولت قطعه ثم رأيته ملتفاً حول عنقك.
حال لا تدوم
جديد اليوم عتيق الغد، ومشهور اليوم مغمور الغد، وحاكم اليوم محكوم الغد، وعزيز اليوم ذليل الغد، وغني اليوم فقير الغد، وقوي اليوم ضعيف الغد.
لا تستعجل عقوبة الله للمفسدين
لا تستعجل عقوبة الله للمفسدين، فقد جهدوا أن يهدموا دعوة الإسلام، ويؤذوا جنوده الصادقين، فأمهلهم الله بضع سنين، وأمدهم بالمال ومظاهر الجاه والنفوذ، حتى إذا انكشفوا على حقيقتهم مغرورين مجرمين، كاذبين في ادعاء الورع والغيرة على الدين، أذاقهم الله العذاب الأليم. ?وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليمٌ شديد?.
حقد الطاغية
الحقد الشخصي يقتل صاحبه كمداً، والحقد السياسي يعوق المجتمع عن سيره الصحيح، وحقد الطاغية يدمّر الأمة تدميراً.
الطاغية عدو أمته!
الطاغية يحقق لأعداء الأمة من المكاسب ما لا يستطيعونه بالانتصار في المعارك.
· الطاغية يذل الأمة، ويعز أعداءها.
· حسب الأمة شقاءً بالطاغية، أن يميت أحرارها، ويحيي أشرارها.
تطفيف [أو: مشكلتنا مع الدول الكبرى]
مشكلتنا مع هذه الدول الكبرى: أنها تطعمنا ما لا تأكل، وتكسونا ما لا تلبس، وتعطينا ما لا تأخذ، وتحيينا فيما تكره، وتدعم من أشقيائنا من تشنق أمثالهم في بلادها.
عقل الطاغية المصنوع!
كل إنسان راضٍ بعقله الذي خصّه الله به إلا الطاغية؛ فإنه يأبى إلا تصنع يده له عقلاً جديداً، ومن عجيب عقوبة الله له: أن يكون عقله المصنوع أبلد من عقله المطبوع.
لولا الطغاة
لولا الطغاة، لما عرفنا أدعياء الحرية من شهدائها، ولا أصدقاء الشعب من أعدائه، ولالتبس على كثير من الناس من بكى ممن تباكى.
فتنة واختبار
حكم الطغيان يكشف الدناءة المستورة، والحقارة المغيّبة، كما يكشف الرجولة المغمورة، والفضيلة المهجورة.
حياتهم لا حياة الطاغية
عبيد الطاغية يدافعون عنه؛ إبقاءً على حياتهم لا على حياته.
عبيد الطغاة
لا يتهافت على فتات عهد الطاغية؛ إلا الذين لا يجدون ما يأكلون في عهود الحرية، ولا يعتز بالسير في ركاب الطاغية؛ إلا الذين تدوسهم مواكب الأحرار.
لهذا يحرقون للطاغية البخور
لا تعجب من مغمورين سلط الطاغية عليهم الأنوار أن يحرقوا له البخور، ويمشوا بين يديه بالمزمار؛ فلولاه لظلوا في الظلام مغمورين ليس لهم نهار، إذا الأحرار كان لهم نهار.
الطاغية.. والحقيقة
لا يخاف الطاغية من شيء كما يخاف من الحقيقة، ولذلك لا يعتمد على شيء كما يعتمد على الكذب والتمويه، ولا يكره شيئاً كما يكره الصدق والصراحة.
عجز.. لا يقظة ضمير
قد يحارب الطاغية من كان عوناً له بالأمس، ولا يخدعنك حربه له، فلو استطاع أن يكون طاغية مثله لظل له وفيًّا.
أنواع الطغاة
في الطغاة صغار وكبار؛ وصغار الطغاة شر من كبارهم، وفيهم حقراء وعظماء؛ وحقراء الطغاة يستحقون الشفقة والرثاء أكثر من عظمائهم.
أوهام الطغاة
الطغاة يصنعون الأوهام في عقول الأمة، لتستسيغ وَهْمَ عظمتهم، وما يستسيغها إلا سفهاء الأحلام، ومن ثمة كان جل أنصار الطغاة من الأطفال والنساء والسخفاء.
الطاغية سوق النفاق
أكثر الناس ضحكاً على الطاغية في قرارة أنفسهم هم المنتفعون منه، ويوم يزول يكونون أكثر الناس لعناً له؛ إلا أن يكون فيهم ذمّاء من الوفاء والحياء، وقلَّ أن يكون عند أعوان الطغاة أثر منهما.
الطاغية.. عقوبة!
أكبر عقاب للأمة المتخاذلة: وجود الطاغية بينها.
من عقوبة الله للطاغية ولصانعيه
من عقوبة الله للطاغية؛ أن يفضحه ويكشف تهريجه من كانوا سبباً في فرض طغيانه، ومن عقوبة الله لهم: أن يفضحوا بأنفسهم صمتهم وطاغوتهم.
من حكمة الله في تمكينه للطاغية
قد يكون من حكمة الله في تمكينه للطاغية، أن تقتنع الجماهير أنَّ حكم الشورى أسلم طريق بنَّاء للوصول إلى الاستقرار، فلا تُفتن بعد ذلك بمظاهر البطولة أبداً.
من علامة انحدار الأمة
من علامة انحدار الأمة: أن يتمكن أشرارها من حكمها، ثم يتسلط هؤلاء الأشرار بعضهم على بعض، فيشغلوها بأحقادهم ومطامعهم عن علاج مشكلاتها، ودرء الأخطار المحدقة بها.
من علامة شقاء الأمة
من علامة شقاء الأمة: أن تشغل بنفسها عن أعدائها.
حدود المجاملة!
لا تجامل الناس على حساب ما يؤذيك في عقيدتك أو شعورك أو جسمك، وتلطف في ذلك بما لا تُذم به.
شعور الكاذب
لست أدري ما هو شعور الذي يدفع التهمة عن نفسه بما يعلم أنف فيه كاذب، أغلب ظني أنه في قرارة نفسه يحتقر نفسه، إن كانت فيه بقية من أخلاق.
بدء نهاية الطغاة
أول صوت يرتفع مع المضطهدين، هو بدء نهاية الطغاة والظالمين.
أعين الحق
في أحكام الظلام التي يدبر فيها الطغاة مؤامراتهم، تلاحقهم أعين الحق، فتفضحهم بغتة وهم آمنون.
شر النكبات
شر النكبات ما سبَّبها سوء الأخلاق، ولازمها سوء التصرف، وأعقبها سوء السمعة.
بين جسم المرء وضميره!
كلما نحف ضمير المنحرف سمن جسمه.
العقل.. والعاطفة
في الحرب يجب أن تكون العاطفة أقوى من العقل، وفي السياسة يجب أن يكون العقل أقوى من العاطفة، وفي البيت يجب أن يتعادل العقل والعاطفة، وفي الحب لا مكان للعقل أصلاً.
بينك وبين الناس!
أنت أغنى الناس حين تستغني عن أموالهم، وأقواهم حين تحتقر أطماعهم، وأكرمهم حين تترفع عن مباذلهم.
أخذ الطاغية
إذا أراد الله أخذ الطاغية زاده عناداً وغروراً.
من لوث يده بدم الأخيار
من لوَّث يده بدم الأخيار، أزال الله عزَّه بأيدي الأشرار.
أكبر أعوان الطاغية
أكبر أعوان الطاغية "سكوت" الصالحين، و"كلام" الطالحين.
القسم الثاني والثلاثين
الأيدي.. وسلاح المال
المال سلاح فتاك، فإن كان بيد المؤمنين العامل؛ فهو سلاح ضد الشر والحرمان، وإن كان بيد السفيه الفاجر؛ فهو سلاح ضد الخير والإحسان، وإن كان بيد الطاغية؛ فهو سلاح ضد الخُلق والحق والحرية والأمان.
حب المال يفضح هؤلاء
حب المال يفضح أدعياء: الدين، والوطنية، والإخلاص، والإصلاح، والحرية، والاشتراكية.
لا بد للخير من قوة تحميه
الخير حمل وديع، والشر ذئب ماكر، فانظر هل يسلم الحمل من الذئب، إلا أن تكون وراءه قوة تحميه؟
آثار الكذب على العاملين الشرفاء
أسوأ آثار الكذب على العاملين الشرفاء: أنها تشغلهم عن المضي في رسالتهم بالدفاع عن أنفسهم؛ إثباتاً لبراءتهم تجاه جمهور لا يملك من الوعي ما يمحص به الحقائق من الأباطيل بسرعة وبدقة.
للنجاح في معترك السياسة
سلامة القلب، ونظافة اليد، وصحة العقيدة، واستقامة الأخلاق، لا تكفي وحدها للنجاح في معترك السياسة ما لم يضف إليها: ألمعية الذهن، ومرونة العمل، وحرارة الروح، وتفهم مشكلات المجتمع وطبائع الناس.
لا تخف من الناقدين
لو أنك تهيبت العمل خوفاً من الناقدين لما عملت أبداً، ولكن اعمل ما تعتقد صحته، وتُرجح فائدته، وترضي به ربك، وتكسب به ثناء العقلاء والمخلصين؛ فإن غضب عليك بعد ذلك في حياتك من غضب، فسيرضى منهم عنك بعد موتك من يرضى.
أساس نكبة أمتنا
أساس نكبة أمتنا في القديم والحديث: حكامها الظالمون، وأذكياؤها المنافقون، وعلماؤها الغافلون.
خمسة لا أمان لهم
خمسة لا أمان لهم: ملحد ينكر وجود الله، ومتسلط لم يصل إلا بالغدر والجريمة، ومغمور نشأ في بيئة فاسدة ثم ساعدته الظروف على الظهور، ومغرور حاقد متعطش لسفك الدماء، وكذاب أوصله كذبه إلى الشهرة والمجد.
الشعور بالمسؤولية
ليس أثقل ولا آلم ولا أشد وثاقاً، ولا أعظم وزراً، ولا أنفى للراحة، ولا أجلب للهم والمرض، ولا أعدى للصحة والشباب: من الشعور بالمسؤولية.. ولقد رأيت الذين يشعرون بها ويعطونها حقها من العناية، أقل من القليل..
المسيطرون في الفتن
في الفتن: إما أن يسيطر العباقرة أو السفهاء، ولا مكان فيها لمتوسطي المواهب والمستقيمين الطيبين.
متى يظهر لؤم النفوس
لؤم النفس لا يظهر إلا عند هبوب الرياح، وبعض لئام النفوس كثيراً ما يظهرون بمظاهر القديسين، حتى إذا هبت رياحهم ترحمت من أجلهم على بعض الشياطين..
من مظاهر الخسّة واللؤم
من مظاهر الخسّة واللؤم، أن يتصنع الإنسان العظمة والحزم والكبرياء أمام إخوانه وأعوانه، وهو من أجبن الناس وأذلهم وأنذلهم إزاء الأقوياء والرؤساء.
الذي يبيع إخوانه وكرامته
من باع إخوانه وسمعته وكرامته، لقاء منصب تفضل به عليه المتسلطون، كانت بنت الهوى أحسن منه حالاً في بعض الحالالت؛ إن منهن من يلجئهن الجوع لبيع شرفهن، وهؤلاء يلجئهم التهالك على الجاه الزائف إلى التفريط بشرف بلادهم وحقوق أمتهم.
عاران!
من لا يستحي من عار المهانة علناً تكالباً على إرضاء المتنفذين؛ لا يستحي من عار الخيانة سرًّا؛ ترامياً على أقدام الطامعين.
معادن.. ومقاييس
أسد هزيل أرهب في النفس من حمار فاره، وفرس مقيدة أنبل في العين من بغل طليق، وكسرة خبز يابسة ألذ في فم الرجل الحر من لذيذ الطعام والشراب في فم العبد المهين.
الحلية المستعارة!
الحلية المستعارة بقاؤها غنى مفضوح، واستردادها فقر مُهين، ولا يفتخر بالمستعار إلا المملقون.
لا ينصرون
لا تنتصر الأمة في معركتها مع أعدائها بخمسة: متهالك على الشهرة، جبان عند العمل شجاع عند القول، مغرور يقدر نفسه أكثر مما هي ويقدر أعداءه أقل مما هم، مؤثر للسلامة على التضحية، وللحياة على الموت.
خبث النية
خبث نية القائد تقود الجنود إلى الهزيمة ولو كانت نواياهم حسنة، وهذا غير المكر والدهاء والحيل في الحروب؛ فإنها من وسائل النصر على الأعداء.
معادن الناس
الناس معادن، خيارهم في السراء خيارهم في الضراء، وخيارهم في التولية خيارهم في العزل، وخيارهم في الجاه خيارهم في الخمول، وخيارهم في القوة خيارهم في الضعف، وخيارهم في الجندية خيارهم في القيادة.
ليس في السياسة عواطف
ليس في السياسة الدولية عواطف بل عقول، ولا مجاملات بل مصالح، والسياسي الإنساني هو الذي يعمل لمصالح قومه ضمن مبادئ الحق والخير والسلام.
الخصومة والعداوة في السياسة
ليس في السياسة خصومة دائمة، ولا صداقة دائمة؛ فصديق اليوم قد يكون خصم الغد، وخصم الأمس قد يصبح صديق اليوم، ذلك شأنه في الأفراد والشعوب.
أصعب شيء
أصعب شيء على السياسي المستقيم أن يرى الدجالين في السياسة يستهوون الغوغاء بكاذب القول ومعسول الوعود.
بعض السياسيين
بعض السياسيين في أمتنا يبدأون حياتهم السياسية كالعاشقة، وينتهون إلى أن يكونوا كبائعة الهوى.
تطور السياسة
كانت السياسة في بلادنا وطنية، ثم غدت استغلالاً، ثم حاولت أن تكون إصلاحاً، ثم أصبحت اليوم إما تضحية تجعل صاحبها من الأبطال، وإما وصولية تجعل صاحبها من الأنذال.
لنا الله من هؤلاء
لنا الله من حراس يردعوننا ، وأمناء يخونوننا، ووكلاء يتآمرون علينا، وعيون لنا يصبحون علينا، وأطباء أصبحوا مرضى، ومضمِّدين انقلبوا جارحين، وأساة صاروا شامتين.
السياسي الناجح
السياسي الذي يعتمد على الجماهير الجاهلة وحدها سياسي دجال، والسياسي الذي يعتمد على المثقفين وحدهم سياسي فاشل، والسياسي الناجح هو الذي يستطيع أن يجمع حوله المثقفين والجاهلين.
لا خير فيهم
الذين تجمعهم وحدة النضال ثم تفرقهم مغانم الحكم: أناس لا يصلحون لقيادة الوطن، والذين تجمعهم ضجة المواكب ثم تفرقهم عصى الظالم: قوم لا ينصرون ضعيفاً، ولا يضعفون قويًّا.
الأخلاق والسياسة
الأخلاق أولاً ثم العلم والدهاء، هذا ما تنتفع به الأمة ممن يتصدون لسياستها.
السياسي الملوث
السياسي الذي ينسى ماضيه الملوث، سرعان ما ينسى مبادئ الشرف والاستقامة حين يكون في الحكم.
ارتفاع الأغمار
إذا فوجئت بارتفاع الأغمار، فلا تستمر في استصغار شأنهم، وإذا فوجئت بتحكم الأشرار فلا تقنط من زوال حكمهم.
استفد مما تكره
اتخذ من الفشل سلَّماً للنجاح، ومن الهزيمة طريقاً إلى النصر، ومن الظلم حافزاً للتحرر، ومن القيد باعثاً على الانطلاق.
الدين والسياسة
من لم تملأ قلبه مشاعر الإيمان بالله ومراقبته: لم يؤمن على وطن، ولا على شعب، ولا على مبدأ كريم.
لا خير فيه
لا خير في حاكم لا يحكمه دينه، ولا في سياسي لا يحكمه عقله، ولا في رئيس لا يشعر بسلطان الله عليه.
الإفراط
الإفراط في سياسة الحزم: قسوة تؤدي إلى الانفجار، والإفراط في سياسة اللين: ضعف يشجع الأشرار.
لا ينجح
السياسي الذي يفرح بالثناء، ويستاء من النقد، ويهتز سروراً لتصفيق المحبين، ويضطرب غضباً من تصفير المعارضين: هو سياسي لا ينجح.
الخيانة
خيانة الأمة هي تحقيق أهداف أعدائها ولو كان من غير اتفاق معهم على ذلك.
عقاب
أكبر عقاب للأمة المتخاذلة، تحكم الطاغية في شؤونها.
البطل المنتظر
ما زالت أمتنا تنتظر البطل الذي يملأ فراغها السياسي منذ غاب صلاح الدين، وما تزال تمنح قلوبها وتأييدها كلما خالت مخايل البطولة فيمن يدعيها، حتى إذا اكتشفت بذكائها "زيف" البطل الممثل؛ تخلت عنه بين فجيعة الخيبة وتجدد الأمل في بطل جديد، وما زالت تبحث، وما زالت تنتظر.
استقامة الحكم
لا يستقيم الحكم إلا بثلاث: تشجيع الأخيار، معاقبة الأشرار، والسهر على مصالح الناس.
تمام النصر
لا يتم النصر إلا بثلاث: معرفة العدو، وإحكام الخطة، وبذل الطاقة.
طاعة الزعيم
لا يستفيد الزعيم من كثرة أنصاره إلا بحسن طاعتهم له، واعتبر في ذلك بعلي ومعاوية.
مودة الطاغية
لا تكتسب مودة الطاغية إلا بالذلة، ولا القوي إلا بالخنوع، ولا الحاكم المغرور إلا بالثناء والنفاق.
بم يُخلد الزعيم؟
لا يخلد الزعيم إلا بثلاث: تجرد عن الهوى، ولذة في الحرمان، وترفع عن الحقد.
بمَ تسعد البلاد؟
لا تسعد البلاد إلا بثلاث: دين وازع، وسياسة رشيدة، واقتصاد مزدهر.
بمَ تسعد الأمة؟
لا تسعد الأمة إلا بثلاث: حاكم عادل، وعالم ناصح، وعامل مخلص.
القسم الثالث والثلاثين –
الحكم الصالح
هو الذي يقوم على دعائم الدستور؛ فلا محاباة ولا تلاعب ولا تحكم ولا طغيان.
ويفرض هيبته باستقامة ولاته، فلا عقوبة إلا مع الجريمة، ولا عفو إلا مع المخلصين.
وينتزع الحب في قلوب الرعية؛ بالعدل الذي يسوي بين الناس، واليقظة التي تدفع الأخطار، والتفاني الذي يجهد النفس ويمنع لذائذ الحياة.
? ? ?
وهو الذي يرى ولاته أنهم خدام الأمة لا متكبروها.
وأنهم أمناء على أموالها لا سراقها ومبددوها.
وأنهم أقلهم شأناً ولكنهم أكثرهم واجبات.
وأنهم يلزمهم ما يلزم الخادم لسيده من النصح وأداء الأمانة.
? ? ?
وهو الذي تصان فيه فضائل الأمة من الذوبان.
وتحفظ أخلاقها من التدهور والانحطاط.
وتمنع عقيدتها من التحلل والتلوث بالخرافات.
وتنمى عقولها بالعلوم والآداب والثقافات.
حتى لتكون الأمة إيماناً يبعث على السمو، وكمالاً يدعو إلى الاحترام، ورقيًّا وحركة متقدمة بروية واتزان، وشخصية متميزة بين الأمم بحبها للخير ومحاربتها للفساد.
? ? ?
وهو الذي يعمل قادتها في وضح النهار لا في الظلام...
ويقولون للأمة ما ينوون عمله وتنفيذه.
وتكون رجولتهم في أعمالهم أبين منها في خطبهم وأقوالهم.
ويكون الدهاء عندهم طريقاً لانتزاع حق الأمة من الغاصبين، لا للتغرير بها والتحكم في شؤونها، والتمكن من خيراتها وأموالها ولو أدى ذلك إلى وضع القيود في أعناقها لتذل للظالمين والمستعمرين.
? ? ?
وهو الذي يدخل السعادة إلى كل بيت! والطمأنينة إلى كل قلب، والكساء إلى كل جسم، والغذاء إلى كل بطن. فلا تعرى أمة ليكتسي أفراد، ولا تجوع آلاف ليشبع رجال، ولا تفتقر جماهير لتغنى فئات.
? ? ?
هو الحكم الذي يقول فيه التاريخ لرجاله: عففتم فعف ولاتكم، ولو سرقتم لسرقوا.
وهو الحكم الذي يقول كبير أمرائه: "مثلي ومثلكم كمثل قوم وكلوا إلى واحد منهم أموالهم؛ فلا يحل له أن ينفق منها إلا برأيهم ومشورتهم".
وهو الحكم الذي يقول فيه رجل الدولة: "القوي عندكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق. أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته؛ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
? ? ?
هذا هو الحكم الذي يكون عرش رجاله في قلوب الأمة، والثقة به من رضاها وثنائها، واستمراره وبقاؤه رهين بتأييد الجماهير الواعية العاملة المؤمنة؛ لا بنفر محدود يرهبهم الوعيد، وتغريهم الوعود.
? ? ?
سيقولون: هذا انقطاع عن الحياة، وإغراق في الخيال.
وسيقول لهم الحق: طلب المثل العليا في أجواء الخيال أنبل من الإسفاف إلى واقع كله ضلال
.
مصطفى السباعي
القسم الرابع والثلاثين - بين الحكومة والشعب
الشكوى من رجال الحكم طبيعة في الأمم، وقلَّ أن تجد في التاريخ حاكماً استطاع أن يرضي الناس جميعاً، ولعل منشأ ذلك: أن أهواء الناس متعددة، ومنافعهم متضاربة، وكل منهم يريد تحقيق مصلحته، وليس يستطيع الحاكم ذلك ما دام في الدولة قانون يحكم، وشرع يسود، ومن هنا يقول شاعرنا:
إن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام! هذا إن عدل
أما إذالم يعدل: أما إذا حاد عن طريق الحق، واتبع أهواء النفس، واستغل منصبه لتقريب الأنصار ولو كانوا بلهاء، وإبعاد الخصوم ولو كانوا أكفاء، فكل الناس أعداء له، وأول أعدائه في الحقيقة أولئك الذين يدوس حرمة القانون ليقربهم إليه، وليحقق لهم أغراضهم ومصالحهم. وبذلك اعتاد الشعب خلال ربع قرن كامل أن ينفر من كل حكومة قائمة، ويرى في كل قانون تسنه قيداً جديداً ترهق به ماليته وحريته وكرامته.
وذلك يوم كان المستعمر الراحل هو الذي يعين الحكام، وهو الذي يؤلف الوزارات، وهو الذي يأتي إلى الحكم برجال لا تعترف الأمة لهم بفضل ولا بوطنية ولا بإخلاص، وأصبح التذمر لنا عادة دائمة، والشكوى من رجال الحكم نغمة مستحبة حتى بعد قيام العهد الوطني، ولم يكتب لنا في التاريخ أن تمتد الأيدي بعضها إلى بعض فتنطلق متعاونة في البناء، متفاهمة على الخير، واستمرت الجفوة حتى وصل الأمر بنوابنا أن يتراشقوا بالتهم في ندوتهم، وأن ينقلب سلاحهم إلى تهديد بالمسدسات، وهجوم بالكراسي، وغير ذلك مما أخذ الناس يقرأونه في صحفهم عن مجلسهم النيابي في آخر حياته، وإنها لعمر الله مأساة تتفطر لها القلوب!.
من المسؤول عن ذلك؟ أهي الحكومة؟ نعم! ونقولها بكل صراحة. أم هو الشعب؟ نعم! ونقولها بكل وضوح. فالحكومة مسؤولة لأنها لم تحسن تصريف الأمور في كثير من الأحيان، ولم تستطع أن تكون جريئة في الإصلاح، ولا واضحة في الإدارة، ولا متخلية عن أهواء بعض وزرائها الذين أصبحت خطتهم مثلاً سائراً يتحدث به الناس في مجالسهم. فهل نعجب بعد ذلك إذا ارتفعت الشكوى بحق وبغير حق من فساد الأوضاع، واختلال النظام، وتشجيع الخونة والعجزة، وإقصاء الوطنيين والأكفاء، والاستهانة بمالية الأمة ومقدرات الوطن؟ وقد تكون الحكومة معذورة في بعض، وقد تكون مجتهدة فأخطأت الطريق، وقد تكون لها سياستها التي دقت عن أفكار الشعب! ولكن الأمة لا تعذرها في ذلك كله ما دام تصرف بعض المسؤولين فيها تصرفاً كيفيًّا ينبو عن قواعد الدستور، ومبادئ العدالة، ومتعارف الناس في أخلاقهم وعقائدهم.
ومن دعا الناس إلى ذمه ذموه بالحق وبالباطل
وأما الشعب: فهو المسؤول أيضاً؛ لأنه لم يحسن اختيار نوابه والمتكلمين باسمه في المجلس النيابي، وحسبك أن تلقي نظرة على مجموعة النواب الحاليين لتحكم بكل تجرد وإخلاص: هل هؤلاء في مجموعهم يمثلون إرادة الأمة ووثبتها ونهضتها ومطامحها ورقيها؟ إن في المجلس النيابي عدداً من الأكفاء، وفيه من المخلصين من لا ننكر إخلاصهم، ولكن فيه عدا عن ذلك من لا كفاءة لهم إلا جاههم ونفوذهم، ومن لا تؤثر عنه كلمة واحدة في المجلس من أولى جلساته إلى آخرها. ومن إذا تكلم لا يحسن الكلام، ولا يضبط أعصابه، ولا يعرف كيف يسلك سبيل النقاش وطرائق الهجوم والدفاع! هذه حقيقة واقعة قد يسكت عنها بعض حملَة الأقلام؛ إما مجاملة، وإما خوفاً، وإما طمعاً! والذي أدى إلى أن يكون مجلسنا النيابي بهذا الشكل هو الشعب الذي رضي أن يكون فريق نوابه على ذلك الطراز! وقد يكون الشعب معذوراً ما دام النظام الانتخابي على قواعده الحاضرة التي وضعها المستعمرون! ولكنه غير معذور في حالتين: في سكوته اليوم على هذا النظام الفاسد، وفي سكوته عدا عن عمليات اللف والدوران التي يقوم بها المرشحون للنيابة مع فريق من المنتخبين الثانويين إذا بقي هذا النظام قائماً! إن الشعب هو المسؤول؛ لأنه هو الذي يجب أن يختار نوابه، فإذا شكا اليوم وتألم فليظهر غداً إرادته الواضحة في إقصاء من يتألم منهم وإبقاء من رضي عنهم، أما الشكوى في الأندية والأسواق والشوارع، ثم السكوت وقت الانتخابات، أو المجاملة والرضوخ لإرادة المتنفذين؛ فتلك علامة الموت، وتلك خطة الشعب الذي ابتلاه الله بالثرثرة وطول اللسان، والتقصير في الأعمال الصالحة في كل ميدان.
وما دامت قواعد الانتخاب على شكلها الحاضر، وطرق النيابة على ما اعتاد الناس رؤيته في كل دورة انتخابية، فسيمثل الأمة من لا تريده الأمة، وسيحكم فيها من لاي يحسن الحكم، وستزداد الأوضاع سوءاً، والبلاد اضطراباً، وستكون الفرصة مواتية لبعض المغرضين أن يستغلوا نقمة الأمة من أشخاص فيحولوها إلى أن تكون نقمة من حكم، وغضباً على عهد، وحنيناً إلى أيام سوداء رأت فيها البلاد ألواناً من النكال والمآسي والنكبات.
الطريقة الوحيدة لاستقامة الأمور: أن يترك الشعب حرًّا في إختيار نوابه مباشرة، وسيقول بعض الناس: أليس الشعب الآن حرًّا في اختيار نوابه مباشرة، ونحن نحيلهم إلى الخزائن التي تفتح، والولائم التي تقام، والوعود التي تعطى، والمؤامرات التي تحاك! ليروا إن كان هنالك شعب ينتخب أم أفراد يتآمرون!.
مصطفى السباعي
القسم الخامس والثلاثين - مسؤولية القادة
بلى إنها الأمة! هي هذه الأمة التي تهرع إلى المساجد والأندية لتسمع إلى من يبصرها بعيوبها، ويزيل الغشاوة عن عيونها!.
هي هذه الأمة التي تبكي حين يتلى عليها أمر من الله تركته، أو تحذير من رسول الله صلى الله عليه وسلم عصته، أو حوادث تاريخ سلفها الصالح الذي نسيته!.
هي هذه الأمة التي لا يختلف عامتها عن خاصتها في فهم العلل التي أنشبت مخالبها في مجتمعنا فشلّت حركته وعاقت تقدمه، بل لا يختلف عامتها عن خاصتها في معرفة الدواء ولكنها تنتظر الأطباء!.
هذه هذه الأمة التي يثيرها نداء، ويبعث حميتها تاريخ، ويسيل عبراتها ماض زاهر، وحاضر ثائر، ومستقبل حائر!.
هي هذه الجماهير التي رأيتها تتدافع بالمناكب شيباً وشباباً، فلاحين وعمالاً، علماء وجهالاً، إلى الأماكن التي تدعى إليها، فإذا هي كالأرض العطشى تنتظر الماء، بل كالجسم المريض يرجو الدواء، بل كالجنود المشتتين يتطلعون إلى القائد.
إنها أمة لو وحدت قائدها لزغردت أمجادها!.
لا تستطيع وأنت تشهد بواكير الوعي الاجتماعي تتجلى في تلك الاجتماعات والحفلات إلا أن تتساءل: لماذا لا تستقيم أمورنا الداخلية حتى اليوم؟ أهو إعراض من الأمة أم تقصير من القادة؟ أما هذه الأمة فالله يعلم وقادتها يشهدون أنها ما قصرت في بذلٍ، ولا ونت عن مساعدة، ولا تلكأت عن تضحية، ولا أصمّت آذانها عن نداء، أفرأيت لو أن قادتها الذين قادوها في ميادين النضال السلبي أرادوا أن يقودوها إلى معركة الإصلاح الإيجابي، أكانت تعرض عنهم وتتخلف؟ أوَمِنَ المعقول أن تجيبهم في الحرب ولا تجيبهم في السلم، وأن تمشي وراءهم في الموت، ولا تسير معهم للحياة، وأن ترضى بالخراب والدمار والمنافي والسجون ثم لا ترضى بالبناء والاطمئنان، والإصلاح والعمران.
لا! ليست العلة من هذه الأمة ومن اتهمها بذلك فقد جحد فضلها، أو جهل حقيقتها، ولكنما العلة من هؤلاء القادة؛ لم يكادوا ينتهون من النصر حتى ركنوا إلى اللذة والنوم، فمن طالبهم بالعمل أنكروا قصده، ومن ناقشهم الحساب أحالوه إلى الماضي، ومن رغب منهم الجد والاستقامة رموه بالبله والجمود!. ومن عجبٍ أنهم وقد نسوا هذه الأمة في وقت الظفر فلم يذكروا إلا لهوهم ومنفعتهم ونيابتهم وضمان مصالحهم، ما يزالون حتى الآن يمنون بأنهم لها يعملون، وفي سبيلها يسهرون، ولسعادتها يحكمون!.. والأمة تستمع إليها في هذه الدعاوى فيذهلها البهتان، وتؤلمها المراوغة ويحز في نفوسها تنكب السبيل! أمن أجل الأمة هذه المؤامرات لا المؤتمرات؟! ومن أجلها تلك الحفلات والرحلات؟ أو من أجلها تلك الأندية والمقامر والليالي الساهرات؟ ومن أجلها تلك القوانين التي تداس والدستور الذي ينتهك، والرشوات التي يغضى عنها، والمحسوبيات التي تقرب الأغنياء وتبعد الأكفاء، وتعطي الأشرار وتحرم الأخيار، وترفع الخونة وتنسى المخلصين؟!.
مسكينة هذه الأمة! عليها الغرم في أموالها وديارها وراحتها وثقافتها وعقيدتها، ولبعض الناس الغنم من أموال الدولة وجاهها ونفوذها وكبريائها.. ولهم السلطة المطلقة في أن يفسدوا ما شاءوا من عقيدتها وثقافتها وأخلاقها وتقاليدها!.
كلا أيها القادة! إن أمتكم تريد منكم شيئاً غير هذا؛ تريد أن تحفظوا عقائدها، وتحترموا آدابها، وتصونوا أموالها، وتحقنوا دماءها، وتوفروا طمأنينتها. إنها تريد منكم أن تعنوا بالقرى كما تعنون بالمدن، وبشؤون المحافظات كما تعنون بشؤون العاصمة، وبأبناء الفقراء كما تعنون بأبناء الأغنياء، وبتثقيف سكان الريف والصحراء كما تعنون بتثقيف أولاد الكبراء والزعماء!.
إنها تريد أن تعيش في نعمة سابغة، وأمن وارف، وعلم مفيد، وعدالة شاملة، وخلق يسمو بها للسماء ولا يهوي بها إلى الحضيض؟ هذا ما تريده منكم الأمة، وفي سبيله تدفع لكم الضرائب وتحترم القوانين، وتنفذ الأوامر، وتبذل الطاعة، وتدعو لكم بالبقاء، وكل انحراف بها عن هذه الأماني خيانة للأمانة، وتفريط بالحق، وتهديم للدولة!.
أيها القادة! إن هذه الأمة فتحت أعينها فجنبوها الظلام، وجمعت شملها، فهيئوا لها الأعلام، وعرفت أمراضها، فاختاروا لها الأطباء، وسلكت الطريق فكونوا لها خير الهداة.
يا هداة الركب! كيف تصلون وقد انحرفتم عن الجادة؟ ومتى تصلون وقد أعمتكم المادة؟ وفيم تقودون إذا ضللتم الهدف وفقدتم الغاية.
مصطفى السباعي
القسم السادس والثلاثين - يا شيوخنا في السياسة لقد آذانا ضعفكم فاتركونا نسير!
ما أعتقد أن جيلين اصطدما في عصر واحد كما يصطدم الشباب العربي مع شيوخ السياسة العربية في عصرنا الحاضر؛ فشيوخ السياسة عندنا نشأوا في عصر الضغط والإرهاق، وفي عهد التملق والحذر والمداراة، فلما خاضوا معركة السياسة ألفوا أنفسهم أمام دولة طامعة قوية تُدلُّ بقوتها وتتيه بكبريائها، ولم يحاولوا أن يكونوا خياليين في مطالبهم من هذه الدولة؛ فقصروا حركتهم على ما يمكن تحقيقه من مطالب الأمة، ولم يشاؤوا أن يصطدموا مع المستعمرين إلا مكرهين! فإذا أصابهم نفي أو سجن أو عنت أو عذاب، كان ذلك نتيجة تعسف المستعمر أكثر من أن يكون نتيجة عملوا لها بأنفسهم وعرفوا خاتمتها وهم في أول خطواتها.
ومن حسن حظ هؤلاء الزعماء أن كان في الأمة بقية من إيمان!. حفزها للعمل والتضحية، ونفخ فيها روح الأنفة والكرامة، ثم ألقاها في أتون الثورات والمعارك والاصطدامات؛ فقوافل الضحايا والشهداء والجرحى والمشوهين، وآثار الخراب والثكل واليتم والفقر، إنما كان نتيجة لازمة لثورة الأمة النفسية التي أجج الإيمان أوارها، ولم يكن نتيجة روح أثارها زعماؤنا الشيوخ، ولا خطط أحكموا وضعها!.
ولما حاول المستعمرون أن يفاوضوا الأمة الثائرة لم يجدوا أمامهم إلا هؤلاء الشيوخ وهم على وطنيتهم وإخلاص كثير منهم ورغبتهم في إنقاذ أمتهم، لم يكونوا على قدر كبير من متانة الأعصاب، لأنهم في الواقع كانوا يجهلون حيوية الأمة، وطبيعة الاستعمار، ومن ثم كانوا يعتقدون بضعف أمتهم، وقوة أعدائهم، فكان أقل ما يلوح لهم به المستعمر كافياً لأن يعدوه كسباً عظيماً ونصراً مبيناً. كذلك فعلوا عام 1936 في سوريا وفي مصر؛ إذ كانوا ينعتون ما حصلوا عليه من معاهدات يومئذ بينهم وبين المستعمرين بأنها وثائق الشرف والاستقلال! هذا بينما لم يتورعوا عن إضافة ذيول سريعة للمعاهدة تُفقد كل ما بقي للأمة فيها من مظاهر الاستقلال.
ذلك الجيل الضعيف في أعصابه، الشاك في حيوية أمته، الفزع من قوة أعدائه، البسيط الطيب الذي يخدع بالمواثيق بل بالابتسامات والتحيات! هو الذي يقف اليوم حائلاً دون اندلاع النار! نار الشباب الذي يستهين بالصعاب، نار الإيمان الذي يهزأ بقوى الأرض، نار الكرامة التي لا تعرف أنصاف الحلول ولا متوسط الأمور! هذه النار هي التي تضطرم في نفوس الجيل الجديد، ولكن شيوخ السياسة يحاولون إطفاءها؛ لأن الحكمة تقضي بالوقوف في وجه السياسة الهوجاء! ويريدون بالهوجاء كل تطرف في الوطنية، وتصلب في الحقوق، واعتزاز بالكرامة، ويرون من مظاهر هذه السياسة الهوجاء، كل ثورة وكل تظاهر، وكل عنف مع المستعمر؛ لأنهم أعطوه الموثق الأكيد أن يسيروا معه إلى نهاية الشوط، فكيف يتركون هؤلاء الشباب يغضبونه ويثيرون حفيظته، فتضيع الكراسي، ويذهب الجاه، وتفوت المغانم، وذلك كله عندهم معناه ضياع الاستقلال!.
إننا نمسك اليوم بالعصا نقرع بها ظهور الخوالف، ونهدد بها سلطان الباغين، ولكن شيوخنا الكبار يريدون أن يحملوا الزهور والرياحين ليشهد لهم المستعمر أنهم أهل للحكم ومحل للثقة، ومهما حاولوا أن يقنعونا بسداد آرائهم، وصدق حكمتهم؛ فنحن مع اقتناعنا بذلك نريد أن نسير!.
نريد أن نسير! فلا يبقى في الأمة ضعيف ولا خوَّار ولا جبان.
نريد أن نسير! فلا يبقى في البلاد غش ولا كذب ولا استهتار.
نريد أن نسير! فلا يبقى في الدولة اختلاس ولا رشوة ولا استئثار.
نريد أن نسير! فلا يبقى في الوطن أجنبي يمسك بخناقنا باسم "التحالف" بعد أن يئس من ذلك باسم "الاستعمار".
نريد أن نسير ورؤوسنا مرفوعة، وكرامتنا مصونة، وتراثنا محفوظ، وقلوبنا مؤمنة، وأيدينا طاهرة، ورسالتنا تشق طريقها إلى القلوب لننقذ الدنيا مرة أخرى!.
أيها الساسة الشيوخ، إننا نريد أن نسير فافسحوا لنا الطريق.
أبو حسني
القسم السابع والثلاثين - هذه الأمة الواعية! لن تقبل بعد اليوم أنصاف الآلهة
نحن في كفاح مع المستعمر لا ينتهي حتى تنتهي كل آثاره في بلادنا العربية، ومن واجبات هذا الكفاح: أن تحشد له جميع القوى والمواهب، وأن تخاض له جميع الميادين والمناسبات، وأن لا تطغى فيه فرصة على فرصة ولا موهبة على موهبة، ولا طائفة على طائفة، ما دام خصومنا يستغلون كل ما في الطبيعة البشرية من قوة التأثير والإغراء والخداع والمكر؛ فإن من حقنا بل من واجبنا أن نستعمل كل ما عندنا من قوى الكفاح والنضال واسترجاع الحق السليب من الحيوان المفترس، وإذا كانت ميادين كفاحنا فيما مضى ميادين سلبية لا تعرف إلا الاحتجاج والإثارة والإضراب والمظاهرات، وإذا فتحت لنا اليوم في حياتنا الجديدة آفاق العمل الديبلوماسي، وميادين المؤتمرات الدولية والعلائق السياسية، فإن من الضرر البالغ بحقنا أن نقف عند هذا الحد فحسب، وأن نغفل الناحية الشعبية التي ما برحت قوام الحركات السياسية والاجتماعية في مختلف أنحاء العالم.
إن أقطاب العالم والمتحكمين في مصائره اليوم يحسبون حساباً لثورة الجماهير ونقمتهم؛ فإذا وقفت وفودنا تناضل عن حقها بالطرق القانونية والدولية، ثم كتب لها أن تخفق في الوصول إلى بغيتها، فإن الواجب الوطني أن تثبت شعوبنا تأييدها لها، واهتياجها لإخفاقها، وتصميمها على الوصول إلى حقوقها، إن عاجلاً وإن آجلاً، إن سلماً وإن حرباً، حتى يكتب لها الله الفوز ولأعدائها الخذلان، ويوم تقف الشعوب هذا الموقف المهتاج، يومئذ يطأطئ الظالمون رؤوسهم ويخففون من غلوائهم، ويحسبون حساباً لمنافسيهم في الاستعمار، ولمصالحهم في البلاد، ولبترولهم في بطون الأرض التي فتحناها لهم وقلنا لهم خذوها هنيئاً مريئاً لقاء ثمن بخس دراهم معدودات!.
هذه حقيقة نؤمن بها نحن الشباب الصغار في أعمارنا، المندفعين في ثورتنا، المؤمنين بحق أمتنا، السائرين إلى المجد بأعصاب لم تهن، وبعزائم لم تفتر، وبظهور لم تنحنِ حتى الآن.
وقد كان من حق الكبار في أعمارهم، المحنكين في تجاربهم، الذين يمنون دائماً على الأمة بأنهم قادوها إلى مواطن الظفر، أن يفهموا هذه الحقيقة قبل أن نعمل لها نحن الصغار، وأن يسلكوها قبل أن نسلكها نحن الناشئين!.. ويومئذ لا تجيز لهم الوطنية أن يخمدوا حركات الشباب. ولا أن يهتاجوا لصراحة الأمة، ولا أن يرسلوا بطاقات التهديد، ولا أن يقولوا نحن حكام الأمة لا يحق للشعب أن يتكلم إلا إذا تكلمنا، ولا أن يرفع صوته إلا إذا شئنا، ولا أن يعلن عزمه على الاستبسال بحقه إلا أن نأذن له بذلك.
إن الوطنية لا تجيز هذه المواقف، ولا تفهم هذه اللغة، ولا ترضى لمدعيها أن يحملوا هذا الوزر، فإذا ركب بعض الناس هذا المركب الخشن كان من حق الأمة أن تسألهم: فيمَ تكبتون الشعور؟ وفيمَ تهددون العاملين؟ وفيمَ تغضبون من الذين يبيضون وجوه وفودكم أمام الغاصبين والظالمين؟ لقد كان الاستعمار يسلك مثل هذه السبل فكانت تنصبُّ عليه اللعنات، وتثار من حوله الدنيا، ويكون أول الناقمين عليه هم الذين يرضون اليوم أن يقفوا مثل هذا الموقف! فهل نسي هؤلاء تاريخهم؟ وهل نسوا خطبهم ومقالاتهم؟ وهل نسوا اجتماعاتهم ومظاهراتهم؟ وهل يكون كبت شعور الأمة حراماً على المستعمرين، وحلالاً لفريق من أبناء الأمة حاكمين أو متنفذين!.
إن الأمة لم تعد تطيق أن ترى بينها أنصاف الآلهة الذين يتمثلون بقول فرعون ?أنا ربكم الأعلى?، إنها لا تطيق أن ترى إلا خداماً لمصالحها أمناء على حقوقها، يفهمون الحكم كما فهمه عظماؤنا في عصور الخير "إن من ولي أمر هذه الأمة لزمه ما يلزم الخادم لسيده من النصح وأداء الأمانة!..".
أما بعد: فهذا أول سطر من تاريخ سيكتب، تبيضُّ فيه وجوه وتسودُّ وجوه.
مصطفى السباعي
القسم الثامن والثلاثين - بأي سلاح نحارب
الدنيا من حولنا تعج بالمؤامرات والمؤتمرات، وحصومنا يتألبون على أوطاننا ويودون القضاء علينا ولو بأيام معدودات، ونحن قد تنفسنا الصعداء فلا أجنبي يذرع البلاد بجيوشه وآلاته، ولا مستشار يفرض إرادته فيمنعنا من أن نتحرر، ويحول بيننا وبين أن نعمل لسعادتنا كما نريد؛ فنحن في الداخل أحرار؛ نستطيع أن نعمل كل شيء، ونحن في الخارج محاطون بشبكة من الدسائس يريد كل جماعة أن يلحقونا بركبهم ويجعلونا مطيتهم الذلول، فما هو السلاح الذي تسلحنا به حكوماتنا للدفاع عن أنسفنا؟ وما هي الخطط التي وضعت لتقوية بنائنا الداخلي وقد استلمناه من عدونا ركاماً فوق ركام؟.
إن أردت أن تقرأ الخطب والبيانات والتصريحات التي يصدرها المسؤولون في هذه البلاد، قلت: إننا نسير على نظام خير من نظام الأمم الراقية، ونعيش في سعادة تحسدنا عليها أوربا وأمريكا وبلاد العالم المتمدن.. وإن أردت أن تقرأ واقعنا في الأسواق والبيوت والمحلات العامة ودوائر الدولة، ارتد إليك طرفك خاسئاً وهو حسير!.. وهذا التباين البشع بين الأقوال والأعمال، وبين الوعود والواقع أهم ما تتميز به سياستنا الداخلية، وأبرز ما يتصف به زعماؤنا السلبيون!. ألم يقل رئيس الوزراء في حديثه الصحفي الأخير: إن موجة الغلاء قد خفت، وإن الناس يعيشون بسلام؟.. بينما الجماهير البائسة تفتش بعيون حادة وتستعين ب"الجماهير" لترى شيئاً عن هذا فلا تجده ولا تعثر عليه!.
الواقع أننا نخوض أشد المعارك هولاً وخطراً في تاريخنا ونحن بغير سلاح! والمسؤول عن هذا هم هؤلاء الذين يكونون خارج الحكم، فإذا هم أشد الناس رغبة في العمل، فإذا حكموا عملوا.. ولكن لأنفسهم ولجاههم ولنفوذهم، وأخيراً لنجاحهم في الانتخابات!.. أما تسليح الأمة بكل سلاح يعيدها للظفر في معركة الموت أو الحياة، فهذا أبعد من أن يعملوا له بل أبعد من أن يفكروا فيه، وتعالوا أيها السادة نحاسبكم بلسان هذه الأمة التي وضعتكم فوق رؤوسها، ورفعتكم إلى ميادين الزعامة، وانتطرت منكم أن تكونوا لها فكنتم – واأسفاه – عليها وإن أبت بياناتكم وألسنتكم أن تعترف بذلك!.
إن أول سلاح تحتاج إليه أمة كأمتنا هو سلاح العقيدة، أي سلاح الإيمان الذي مكن لعشرات الألوف من أبناء الجزيرة العربية أن يتغلبوا على أكبر دول العالم، وأن يحكموا شعوباً تعد بعشرات الملايين!.. هذا الإيمان بل هذه العقيدة، ماذا عملتم لها وأنتم ترون بأعينكم كيف تتحلل في نفوس الأمة، وكيف حاول المستعمرون خلال ربع قرن أن يقتلوها، ليقتلوا روح العزة والمقاومة في نفوسنا؟ لقد كنتم في الواقع حرباً عليها بتخليكم عن نصرتها ونصرة الداعين إليها، وبتشجيعكم من يحاربها من الدخلاء على هذه الأمة أو المنسلخين عن فضائلها، وكنتم حين يطالبكم المصلحون بأن تعملوا لتقوية هذه العقيدة؛ أجبتم بأنكم تخشون أن تتهموا بالرجعية!.. فإذا تقدم للعمل لها فريق من شباب الأمة وقفتم في طريقهم كي لا يغلبوكم على هذه الجماهير فتضيع من أيديكم. ويفلت زمامها من نفوذكم.
وتحتاج الأمة إلى سلاح الأخلاق القوية التي تعرف كيف تصمد للنكبات، وكيف تتغلب على الشهوات! فماذا عملتم في هذا السبيل؟ إنكم لا تطمعون منا أن نعتقد بسعيكم لتقويم الأخلاق! ولكن تعالوا نحاسبكم على سعيكم لانحدارها!.. أين رقابتكم على أندية القمار التي تنتشر يوماً بعد يوم؟ وأين رقابتكم على محلات اللهو التي كانت تخشى في بعض الأيام أن تسترسل في الخلاعة، فأبحتم لها اليوم كل شيء؟ وأين رقابتكم على أفلام السينما التي يعرض أكثرها على أبصار شبابنا وبناتنا وأطفالنا كل ما يهيج الغريزة ويقتل الفضيلة، وتركتم أصحابها يثرون على حساب الخلق القويم والشهامة التي عرفت بها أمتنا بين أمم العلم؟ أين عملكم للحد من انتشار الخمور التي ينص القانون على أن يكون لها في دمشق سبعون حانة فإذا هي اليوم مائة وخمسون؟!. ستدافعون عن أنفسكم بأجوبة لا تقتنعون أنتم بها.. ولكننا نذكركم بحفلة ساهرة أقامها رجل مسؤول في ناد رسمي دارت فيها الكؤوس، ولعبت فيها الخمرة برؤوس الرجال والنساء، ومالت الخصور على الخصور، وخرج المدعوون في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل يرتمي بعضهم على أحضان بعض، ومن أوصاف بعضهم في دواوين الدولة أنهم حماة الديار، وذادة الوطن؟.
والأمة في حاجة إلى سواعد قوية، وبطون ممتلئة، وأجسام مكسوة، وسعادة ترفرف فوق كل بيت.. فأين هي السواعد التي هيأتموها للنضال؟ وأين هي البطون التي درأتم عنها الجوع؟ وأين هي الأجسام التي أنقذتموها من العري؟ وأين هي السعادة التي أدخلتموها إلى كل بيت؟ ستذهلون من هذا الاتهام! ولكنا نطالبكم بأن تزوروا هذه الأحياء الفقيرة، وهذه الجموع العاملة، وهذه الكتائب "السائلة"، وهذه الآلاف من العجزة الذين يهيمون في الطرقات، وهذه الهياكل البشرية التي يسكن بعضها في القبور وهم أحياء!.. ونسألكم أن تنظروا في سجلات دوائر الصحة والمستشفيات العامة، بل نسألكم أن تسألوا بعض أنصاركم من عامة الشعب ليصدقوكم القول عما يعانيه الشعب من بؤس وشقاء، وعما تتخبط به الأمة من فوضى اقتصادية لا يرتضيها خلق ولا شرع ولا حكم ديمقراطي!.. اسألوا أنصاركم عن هذا لعلهم يصدقونكم ساعة في حياتهم! فقد يئسنا من أن تزوروا العامل في بيته، والفلاح في كوخه؛ والفقير في قبره.. وكيف يفرغ لهذا من يسهر الليل، ويدأب النهار؛ لتتم "الطبخة" الشهية التي تتحلب لها أفواه الراغبين في النيابات والزعامات!..
أما بعد، فما نتجنى والله على زعمائنا حين نبلغهم آلام الأمة وإنَّ لنا فيهم أصدقاء أعزاء نحترمهم ونقدر إخلاصهم. ولكنهم وقد ربطوا أنفسهم بـ"مركبة واحدة" وهم يريدون اليوم أن يشدوها من جديد بعد أن تخلخلت أجزاؤها، نريد لهم أن يفكروا قليلاً بأمر هذه الأمة، ونحن لهم من الناصحين حين نبلغهم شكواهم، وندلهم على عللها وبلواها.. وليس أحب إلينا والله من صلاحهم لتستقيم الأمور، وتنجو "الغنم" من الهزال، و"الخط" من الاعوجاج.
القسم التاسع والثلاثين - لماذا أخفقت الجامعة العربية؟
وكيف تصبح أداة نافعة للعرب؟
"نص الكلمة التي ألقاها الدكتور السباعي في احتفال الهيئة الوطنية
في لبنان بالذكرى الثامنة لجامعة الدول العربية في 5 رجب 1372 هـ - 21 مارس 1953 م ".
أقامت الهيئة الوطنية في لبنان حفلة كبرى بمناسبة الذكرى الثامنة لتأسيس الجامعة العربية، وذلك مساء السبت الواقع في 5 رجب 1372 هـ الموافق 12 من آذار (مارس) 1953 م، وقد حضر الحفلة رئيس المجلس النيابي ورئيس مجلس الوزراء والنواب والعلماء وفريق كبير من وجوه العاصمة وشبابها وسيداتها.
وتكلم في الحفلة كل من الدكتور سليم حيدر وزير المعارف، والأستاذ فؤاد عمون المدير العام لوزارة الخارجية، والدكتور مصطفى السباعي نائب رئيس المجلس النيابي السوري سابقاً، والأستاذ نبيه فارس رئيس قسم التاريخ بالجامعة الأميركية في بيروت، والأستاذ رمضان لاوند.
وقد كان لكلمة الدكتور السباعي صدى عظيم في مختلف أوساط العاصمة لما اتسمت به من الصراحة والجرأة في الحديث عن أخطاء الجامعة العربية وأسباب فشلها. وقد رأينا – نحن فريقاً من تلاميذ الأستاذ السباعي – نشر هذا الخطاب القيم ليكون في متناول أيدي الجمهور وحملة الرأي والقلم في أمتنا، عسى أن تتعاون القلوب المخلصة على إشادة بناء نهضتنا الحديثة على أسس ثابتة لا تضطرب ولا تنحرف.
فريق من طلاب الجامعات
في لبنان
بيروت 27 من رجب 1372 هـ
12 من نيسان 1953 م
ينقسم حيدث الناس عن الجامعة العربية في مثل هذه المناسبات إلى ناحيتين اثنتين: الفكرة التي قامت عليها الجامعة، والخطة التي سارت عليها الجامعة لتحقيق تلك الفكرة.
فكرة الجامعة
أما الجامعة العربية كفكرة، فنحن من الذين يرونها أمراً لا بد منه مهما طال الزمن أو قصر؛ إن وحدة العرب واجتماع شملهم ووقوفهم بين الأمم كأمة واحدة في وطنها وفي رسالتها هو مما لا مجال للنزاع فيه؛ لأنه منطق الحياة، ومنطق التاريخ، ومنطق الحوادث، ولندع لأولئك الذين يشككون في هذه الحقيقة عن طريق العلم، أو عن طريق السياسة، أو عن طريق العاطفة، أو عن طريق التاريخ المصطنع، أو عن طريق الخوف الموهوم، لندع لهؤلاء أساليبهم في نقاش الفكرة العربية أو محاربتها أو إضعافها؛ فإن الزمن وحده هو الذي سيجعل من نقاشهم وتشكيكهم عبثاً كان يحاول أن يسد على الحق طريقه، ومتى بدأت الأمم تشق طريقها إلى الحياة، فإرادتها وحدها هي التي تحكم على علم العلماء وفلسفة الفلاسفة وعبث العابثين.
خطة الجامعة
وأما الجامعة العربية كوسيلة وخطة، فالناس إزاءها أيضاً فريقان: فريق يحسن الظن ويغدق الثناء وينسب إليها المعجزات، وفريق يسيء بها الظن ويلحق بها وزر ما أصاب العرب من محن. وإني لأصارحكم إني من الفريق الثاني. وبهذه الروح سأنقذ الجامعة العربية وأتكلم عما منيت به من هزائم منكرة وعما أخفقت فيه من حاولات إخفاقاً ذريعاً.
إن الأمم قد تصاب بنكسات، والدعوات قد تمنى بهزائم، وإن المصلحين قد يتعثرون في أول خطوات الطريق، ولكن هزيمة الجامعة وإخفاقها ليس من ذلك في قليل ولا كثير.. إن هزيمتها هزيمة القادر على الانتصار ولكنه أبى إلا أن ينهزم، وإخفاقها إخفاق القادر على النجاح بيد أنه أبى إلا أن يفشل.
لقد كان لدى زعماء الجامعة العربية حين قيامها كل وسائل النجاح والنصر: من ظروف دولية، ومن وعي قومي عام، ومن قلوب تخفق لرؤية الوحدة العربية حقيقة قائمة، لقد كانت شعوب العرب ورقابهم وأموالهم وثرواتهم وبترولهم وأحاسيسهم، كل ذلك كان أسلحة ماضية في المعارك التي خاضتها الجامعة العربية، ولكن الرؤساء أبوا إلا أن يجعلوها أسلحة مفلولة تلحق بنا أشنع الهزائم.
لماذا فشلت الجامعة؟
ولا مجال الآن لتعديد أسباب هذا الفشل، ولكني أقتصر على أمرين رئيسيين:
لم تنشأ الجامعة بإرادة الرؤساء
أولاً: إن الجامعة حين قيامها لم تنشأ بإرادة من الرؤساء دفعتهم لتحقيق آمال شعوبهم في الوحدة والاجتماع، وإنما نشأت بإرادة أجنبية كان من مصلحتها أن تقوم هذه الجامعة في تلك الظروف، ولم يكن عند العرب مانع من أن تلتقي المصلحة الأجنبية مع المصلحة العربية، ولكن المؤسف أن المصلحة الأجنبية ظلت دائماً وأبداً هي محور نشاط الجامعة من حيث يدري أكثر أعضائها أو لا يدرون. فبدا رجال الجامعة بوجه الممثلين لأدوار أعدت من قبل لتلعب لعبتها المكشوفة فيما بعد، ورضي الممثلون لأنفسهم أن يكونوا هدف تصفير الجماهير وسخريتها أيضاً!..
ثانياً: إن الجامعة كانت توجهها عقليات متخلفة عن الزمن تتسم بهذه الميزات:
المطامع الشخصية
أ- العمل في دائرة المطامع الشخصية، وليست قضية فلسطين إلا مثلاً للمطامع التي أدت إلى تلك الكارثة، لقد كان كل جيش حذراً من الآخر، وكان كل ملك أو رئيس يخشى أن يستغل سواه هذه الحرب لو نجحت، ولا أنسى – ومن واجبي أن أذكر هذه الحقيقة ليذكرها أحفادنا من بعد – إننا حين كنا في القدس وأحسسنا بخطر سقوطها في أيدي الأعداء، وبدأنا نرسل صرخات الاستغاثة، وكان مما قاله لنا بعض الرؤساء الكبار في الجامعة: لا تهتموا بسقوطها فسنستردها نحن وإخواننا!.. ولما أوشكت القدس أن تسقط في أيدي الأعداء في إحدى المعارك الضارية، وأخذنا نستنجد برؤساء الجامعة في الليل.. كان الجواب من أحد رؤسائها الكبار: إذا كنتم تشعرون بالخطر فانسحبوا منها! قلنا: ولكنها القدس! وفيها أربعون ألف لاجئ، ولو انسحبنا منها لتمت أفظع مجزرة في التاريخ؟! فكان الجواب.. ولكنكم عندنا أغلى!.. وأقسم لكم أننا لو أصغينا يومئذ إلى تلك النصائح الغالية! لرأى العالم اليوم أعمدة هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى وكنيسة القيامة!.
ازدراء قوى العرب
ب- النظر إلى إمكانيات العرب وقواهم نظرة ضعف وازدراء، وإلى إمكانيات غيرهم نظرة قوة وإكبار، وعلى هذا الأساس كانت توجيهات الدول الاستعمارية تلقى آذاناً صاغية في دوائر الجامعة ويستجاب لها بدون إبطاء، وكان العذر في أنفسهم دائماً: إننا ضعفاء لا نستطيع أن نقف في وجوه أولئك الأقوياء.. وليس أمر الاستجابة إلى طلب الهدنة الأولى إلا مثلاً لازدراء قادة العرب بقوى أمتهم وشعوبهم، واعترافهم في قرارة أنفسهم بأنهم لا يستطيعون أن يبدوا حراكاً تجاه رغبات الدول الكبرى.
تضليل الجماهير العربية
ت- اعتبار الجماهير العربية كتلة من غُثاء الشعوب تؤخذ بالعاطفة، وتخدع بأكاذيب البيانات وبلاغة الخطب والتصريحات.. لقد كانوا – في معركة فلسطين – يعطوننا النصر في بيان، ويلحقون بنا الهزيمة في ميدان!.. وكان كل شيء يسير وفق ما تبيِّت الدول الكبرى، ورؤساؤنا يحققون لهم أهدافهم ثم يأبى فريق منهم إلا أن يصموا آذاننا بالعزم على مواصلة الكفاح في البر والبحر والجو، كما كان يقول تشرشل تماماً في أيام الحرب! ولكن غيرنا كان يقول هذا والدموع تنحدر من عينيه، أما بعضهم فقد كان يقول لنا هذا وأموال فلسطين تملأ يديه، والضحك من جماهيرنا يكاد يمزق رئتيه!.
عدم اعتبار مصالح العرب
ث- اعتبار الجامعة العربية رابطة بين دول لا أداة لتجمُّع أمة! فكانت مصالح كل دولة هي التي تسيطر على عقول رجال الجامعة، وليس أدل على ذلك من أنهم قد أصدروا من البيانات التي تؤمن بالتعاون والوحدة ما يملأ أسفاراً ضخمة، ولكن الجامعة لم تخط حتى الآن خطوة واحدة إيجابية في سبيل التعاون الصحيح العملي المثمر، ذلك لأن ما ينفع دولة من هذه الخطوات، قد يضر الأخرى، ولو كانت مصلحة الشعوب العربية هي التي ينظر إليها رجال الجامعة في كل مقرراتهم لما تضاربت المصالح، ولكنها مصلحة دول أو كيانات مبعثرة يريدها بعض الرؤساء حدوداً فاصلة إلى الأبد بين أبناء أمة واحدة!.
رجعية رؤساء الجامعة
ج- جمود رؤساء الجامعة في وجه التطور الذي شمل العالم العربي في أفكاره ووسائل معيشته، فلقد أبى أكثر هؤلاء الرؤساء حتى اليوم أن يفهموا أن معركة الحياة التي يخوضها العرب اليوم ليست معركة سلاح أو سياسة بقدر ما هي معركة فكر ونظام وعلم.. لقد كانت قوانا واليهود في معارك فلسطين غير متكافئة.. كانت المعركة بيننا وبينهم معركة بين فوضى وتنظيم، وفقر وغنى، وجهل وعلم، وعاطفة وعقيدة.. فهل تعجبون من ذلك إذا انتصر النظام على الفوضى، والعلم على الجهل، والعقيدة على العاطفة الجاهلة؟!.. ولا يزال حتى الآن كثير من رؤساء الجامعة لا يريدون أن يفهموا أن ابن القرن العشرين لا يغلبه ابن القرن الخامس عشر بسلاحه ونظامه، وبجهله وبطراز معيشته! وأن جماهير وفدت إلى فلسطين من أنحاء الدنيا لعقيدة نُشِّئت عليها منذ الصغر، لا يمكن أن تغلبها جماهير حُشدت من مختلف دنيا العروبة لغاية لا تعلمها، ولفكرة لم تغذَّ بها ولا ربيت عليها!.
الهزيمة هزيمة الرؤساء وحدهم
هذه أيها السادة هي أهم ما تمتاز به العقلية التي كانت توجه سياسة الجامعة، فانهزمت وألصقت بنا عار هذه الهزيمة.
أما نحن: فما زلنا نعلن منذ انتهت معركة فلسطين، أننا لم نخسر إلا الجولة الأولى منها، وأن تلك الجولة لم تخسرها شعوبنا ولا أمتنا، وإنما خسرها رؤساؤنا وملوكنا وقادتنا العسكريون فحسب!.. فلا مجال ليائس ولا لشامت أن يشمت من هزيمة الجامعة فيتخذ منها وسيلة لمحاربة الفكرة التي قامت عليها.
لا تزال الجامعة محط آمالنا
إن فكرة الجامعة هي فكرة القدر الذي أبى ألا تكون دنيا العرب دنيا واحدة في مصالحها وآلامها وآمالها، وإن تمايزت في قطر منها عن قطر، وتباينت في ثقافتها أو مشاكلها ما بين بلد وبلد.. ومن ثم فنحن لا نزال نرى الجامعة العربية رمزاً لآمالنا البعيدة، ومهوى لأفئدتنا الكليمة، ولكن ذلك لا يتم إلا إذا سارت الجامعة بعد الآن خطى وعقلية جديدة، تقوم على الحقائق التالية:
مصلحة الجماهير قبل مصلحة العروش
أولاً: إن مصلحة العروش والرئاسات هي من مصلحة الشعوب والجماهير.. فلا سلطان لعرش فقد سلطانه في قلوب شعبه، ولا كرامة لرئيس فقد شعبه كل مظاهر الكرامة في حياته!
إن كرامة أمتنا في أن تتحرر من الجهل والفقر والضعف والظلم والخوف والرذيلة.. فليحرر ملوكنا ورؤساؤنا شعوبهم من هذه القيود، تكن لهم كرامتهم وسلطانهم في الأفئدة والقلوب، وما دام في دنيا العرب شعب يخاف من الحاكم أن ينقده فيكبل بالأغلال، وحاكم يخاف من معارضيه في الرأي فيرى فيهم متآمرين على حكمه وحياته.
فلن تستطيع الدنيا العربية أن تحطم قيود الأعداء من حولها.. إن الشعوب لا تساق إلى ميادين المجد بالنار والضغط والإكراه، وإنما تساق إليها بالعقيدة ولذة التضحية ورغبة الاستشهاد.
كبرياء الشعب إن أذللتها لن تراه في العلى يهوى الزحاما
وهوادي الرأي أما احتبست في صدور القوم أفلتَّ الزماما
إن على ملوك الجامعة ورؤسائها أن يعطوا شعوبهم الحرية، لا هبةً ولا منة ولا صدقة! بل حقًّا مقدساً لهذه الجماهير يعادل حق الحياة بل لا حياة دونه! فمن اغتصبه كان شرًّا ممن يغتصب الأموال، ومن حال دون تمتع الأمة به كان أشد – في نظر الحق والتاريخ – جريمة ممن ينتزع من نفس واحدة حياتها.. إن حرية الشعوب هي مفتاح انطلاقها في معارج المجد، فمن شاء أن يدخل من باب الخلود فليفتح لأمته باب الحرية على مصراعيه، ومن أبى إلا أن يغلقه دونها فليفعل ثم لن يكون أعز على الله من فرعون وهامان وقارون منالاً ولا سلطاناً!.
أمتنا ذات قيمة عظيمة
ثانياً: إن أمتنا شيء عظيم في عالم الفكر، وفي عالم الحضارة، وفي عالم السياسة، وفي عالم الاقتصاد، وفي عالم الحرب، وفي عالم السلم، وهي تستطيع أن تتوج كل فريق من المعسكرين المتصارعين اليوم بإكليل الهزيمة أو النصر إن شاءت، فلماذا نعطي إكليل النصر هدراً من غير ثمن؟ لماذا نصوغ من دماء شبابنا ومن ثروات بلادنا ومن حرية أمتنا تاجاً نضعه فوق رؤوس الأقوياء، وهم لا يزالون يجحدون حقنا في الكرامة، بل حقنا في العيش ببلادنا أحراراً؟ لماذا نذهب مع من يريد منا أن نذهب معه إلى حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر قبل أن نقول له: اخرج من وادي النيل، ومن أرض الشمال الإفريقي العربي، ومن المحميات العربية على الخليج العربي، ومن كل أرض لنا لا يزال الغاصبون يحتلونها ويذلون كبرياءنا فيها؟!.
لماذا يزجون أمتنا في الحرب؟
إن أمتنا لا ترضى أن تجرَّ إلى حرب تداس فيها مقدراتها بأقدام المتصارعين.. وإذا كان لا بد لنا من أن نخوض حرباً، فليقولوا لنا: لماذا؟ وما هو الثمن؛ أللدفاع عن حريتنا؟ فليتركونا في بلادنا أحراراً نتصرف بمقدراتها وثرواتها تصرف الأحرار بشؤونهم! أم الثمن هو أن ندفع خطراً موهوماً تفصلنا عنه آلاف الأميال؟ ولكن لِم يريدوننا أن لا ندفع الخطر الجاثم فوق صدورنا وعلى حدودنا وفي قلب بلادنا؟.. إن أمتنا أكرم في نظر التاريخ وعند الله من أن تعطي رقبتها للجزارين الذين طعنوها بسكين في ظهرها ما تزال دماؤها تقطر منها ولا تزال جراحها تتنزى!.
وجوب العناية بالروح والأخلاق
ثالثاً إن الأمم لا تبني أمجادها إلا بقوتين متعاونتين: قوة من سلاح وقوة من روح.. وأنا لا أريد بالروح تلك الانهزامية الاتكالية الواهنة التي تفر من الحياة، ولا أريد بها تلك القوة المكذوبة التي نسجها الغرور أوهاماً تملأ أدمغة الشبان الأبرياء! كلا! إنما أعني بالروح: تلك القوة المبدعة الخلاقة التي تنشئ الحياة.. تلك الفضائل التي بنت بها أمتنا الممالك وشادت الحضارات، وخاضت بها معارك التحرير في القديم والحديث، إنها الروح المستمدة من الإيمان بالله وبشرائعه، وهي الروح التي تفقدها أمم الحضارات اليوم، فهي أبداً ما تزال تنقلب من جحيم إلى جحيم. ولن تعرف الاستقرار والسعادة إلا يوم تتعرف إلى روحنا نحن، وتتقدم لتأخذها من يدي محمد والمسيح عليهما السلام!.
إن أمتنا وهي على عتبة حياة مليئة بتكاليف الكفاح وأعباء النضال، في حاجة إلى هذه الروح التي تحبب لها الفداء، وترخص الأموال، وترغب في الصبر، وتربى على الإخلاص، وتبث في النفوس أنبل عواطف الحب والإخاء والوفاء. وإن الامتناع عن الاستفادة من هذه الروح خوفاً من الطائفية البغيضة ليس إلا جهلاً بطبيعة هذه الروح وبحقيقة أمراض هذه الأمة.
الأديان حرب على الطائفية
إن الطائفية عداء وخصام واستعلاء طائفة على طائفة، وظلم طائفة لأخرى، فمن يستطيع أن يجرؤ على القول بأن هذه هي روح الدين في قرآنه وإنجيله؟ وأن هذه تعاليم الدين في إسلامه ومسيحيته؟.
حين اشتد أذى قريش بالمسلمين لم يجد رسول الله خيراً من نجاشي الحبشة يلجأ إليه أصحابه فيجدون عنده الأمن وحرية العبادة. فأمر صحابته أن يهاجروا إلى الحبشة، وكان الملك النصراني عند ظن الرسول الإسلامي، فاستقبلهم أحسن استقبال وأبى أن يسلمهم إلى قريش وقال لهم: بل تنزلون عندي أعزة مكرمين. ولما جاء نصارى نجران إلى الرسول في المدينة استقبلهم في مسجده وفق ديانتهم، فكانوا يصلون صلاة النصارى في جانب، ورسول الله يصلي صلاة المسلمين في جانب!.
وهكذا تآخى العارفون بدينهم.. يوم كان النصارى يفهمون روح مسيحهم، ويوم كان الإسلام يعلن للدنيا مبدأ حرية الأديان وتقديس الشرائع وتكريم موسى وعيسى وإخوانهما من أنبياء الله ورسله، فمتى حدثت الطائفية في تاريخنا؟
الطائفية دخيلة على أمتنا
ألا إنها لم تحدث في عصر محمد رسول الله، ولا في عصر خلفائه الراشدين، ولا في عصور الأمويين والعباسيين، وإنما حدثت يوم ابتعدنا جميعاً على أدياننا وسمحنا للمتاجرين بها أن يعكروا صفو قلوبنا، وللأعداء أن يفرقوا وحدة صفوفنا.. يومئذ فقط مدت الطائفية رأسها لتلصق بأدياننا وبأمتنا مخازي ليست منها. فالطائفية ليست عميقة الجذور في أدياننا ولا في طبائعنا وإنما هي بذرة خبيثة دخيلة نحن الذين سمحنا لها أن تنمو وتترعرع في تربتنا فحقت علينا لعنة الله.. وإن القضاء عليها لن يكون بكلمات النفاق من السياسيين المحترفين، ولا بمؤتمرات تعلن الوحدة متسترة بطائفية مقنَّعة. وإنما يجب القضاء عليها بعلاج من داخل أنفسكم أنتم أيها الناس.. من ضمائركم، من قلوبكم، من أخلاقكم، من إيمانكم، من قرآنكم وإنجيلكم، من محمدكم ومسيحكم.. هنا هنا علاج الطائفية المقيتة.. وهنا هنا يتم الشفاء!.
إن أمتنا وهي ترث جهالة العصور، وخرافة الجهالة، وانحطاط الخرافة، ليس لها ما يجدد عزيمتها ويفتح بصائرها إلا أن تجلى لها روحها الموروثة الدفينة، وتستفيد من تراثها المشرق البنّاء، وتستلهم نظامها الجديد من قيمها الأخلاقية والتشريعية، وكل إعراض عن الاستفادة من هذه الروح تعطيل لمواهب أمتنا من أن تعمل، ولسلاحها من أن يصقل، ولفضائلها من أن تتجسد على الأرض المعذبة جيلاً يمشي بأقدام الإنسان وأرواح الملائكة.
نداء إلى رؤساء الجامعة
أما بعد: فإني وأنا أعلم أني في مكان لا يسمعني فيه رؤساء الجامعة وملوك العرب وقادتهم، لا أجد بُدًّا من أن أرسل هذه الصرخة وأنا واثق من أنها لن تضيع في ثنايا التاريخ.
متعوا شعوبكم بالحياة السعيدة
إن على ملوكنا ورؤسائنا أن لا يحولوا بيننا وبين الحرية والحياة السعيدة؛ لنشعر بكرامتنا في أنفسنا قبل أن نطلب كرامتنا في نفوس أعدائنا، إن خيراً لهم وأكرم لقيادتهم وأعظم لمكانتهم أن يقودوا أمة من الأسود، من أن يجروا وراءهم قطعاناً من الغنم!.
لا تبيعونا في سوق المصالح
وإن على ملوكنا ورؤسائنا أن يعلموا حين يفاوضون باسمنا حول مشاريع يراد لنا أن نوافق عليها.. أننا نحن أبناء الشعب؛ نحن الذين سندفع الثمن من دمائنا ومن أموالنا ومن أراضينا ومن ذرارينا ومن حرماتنا ومقدساتنا، ولن نكون أمة تبيض وجوه قادتها يوم اللقاء، إلا إذا دافعنا عن بلادنا وحرياتنا ونحن أقوياء أحرار لا نباع في سوق المصالح الخسيسة بيع الرقيق على أيدي أخس النخاسين ذمة وضميراً!.
استفيدوا من قوانا الروحية
وإن على ملوكنا ورؤسائنا أن يتركوا قوانا الروحية تعمل عملها الإنشائي في كياننا الجديد، وخير لهم أن يرأسوا مجتمعاً يزخر بالفضائل، من أن يكونوا على رأس أمة انطفأت فيها شعلة الحياة الكريمة لأنها فقدت في قلوبها إشراقة الروح المؤمنة.
هذا هو حكم الحق، وصدق الحديث، وفصل التاريخ، وكل انحراف عنه ضلال، وكل تجاهل له غباء، وكل محاربة له جريمة وفناء.
? ? ?