عدد المشاهدات:
الفلاح المصري والتاجر الهندي والمخدوع العراقي
إِنَّ الْكَلاَمُ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفَؤَادِ دَلِيلاَ
اهتم مؤرخ شهير أن يعلم شيئا عن الهند والعراق ومصر وهو في سفر, فتعرف برجل من كل أمة, فكان المصري فلاحا والهندي تاجرا والعراقي عونا للظلمة, فأحب المؤرخ أن يسمع منهم من غير أن يفتتحهم بسؤال, ليصل إلى الحقيقة من غير تكلف منهم, فإن المسئول ليس كالمتكلم بوجد من غير سؤال .
المخدوع العراقي: كنا نكره هؤلاء ولكنا أحببناهم لما عملوه من الخير انظر إلى الحرية, الواحد منا يسهر طول الليل في أنس وبسط ولذة لا يخاف من المتكبرين فيجلس الفقير مع الغني في القهوة والخمارة ويخرج فيجد أبواب الكراخانات مفتحة, ويجد العساكر واقفة بالسلاح, وإذا احتاج للمال يروح البنك يأخذ كل شيء يريده, وإذا زعله أبوه والا العمدة يروح يوقفه أمام الحاكم يهينه ويحبسه, وبنت أعظم عظيم تطلع على حريتها تروح بيوت الكرخانة, وتروح بيوت السر, لا يقدر أبوها حتى يضربها بيده, بعد أن كانوا زمان إذا بصت البنت من الشباك أو تكلمت بكلمة صغيرة من الكلام اللي يسر النفس، أو أي إنسان يمر عليها ويلقاها ويا رجل آخر يضربها أبوها أو أي واحد ،والإنسان في البلد زي الأسير ما يقدرش يعمل حاجة, وكانت البهائم في حرية عنا, كنت تشوف الجديان والحمير فرحانين ببعض ما فيش حبس حرية, لكن احنا الآن لا يمنعنا الجماعة اللي عاملين نفسهم عقلا من غير حق .
الفلاح المصري: كل ما عون ينضح ما فيه أنا سمعت إن في الغابة حيوان زي الإنسان من نوع القردة, وكنت لا أصدق لكني الآن صدقت الخبر، والحقيقة أن هذا الرجل العراقي هو ذلك الحيوان اللي سمعت عنه ،يا مسكين الناس الذين تمدحهم وحوش في صورة ثعالب كرهوا الخير لك فسلبوا منك الأسباب التي تنال الخير بها, وهي الدين والعفة والرحمة وجعلوك أدنى من البهائم، مع أن الفرس التي ينظفوها كل يوم مرتين ويطعموها أجود الأكل تحس بالذل عند ركوبهم عليها ،فكيف يفهم الحيوان ضررهم وينفر منهم .
وأنت ياإنسان تجهل ما يريدونه منك ؟!
صحيح زمان كان والدي يضربني إذا أخرت صلاة الصبح، و إذا سمع مني كلمة لا تليق بالأدب، وإذا تأخرت بعد العشاء ولو في مصلحة ،وكانت والدتي إذا رأت أختي تكشف يدها أو تلبس ثوبا ملونا تضربها وتوجعها، وكان الرجل إذا مشي بعد المغرب مع المرأة يعايروه الناس كلهم وكان العمدة بتاع البلد إذا غاب عن صلاة الجماعة في المسجد كل أهل البلد يحقرونه ولا يتوجهون إليه للصلح .
وكان الذي يشتكي جاره يفضحونه ،وكل أهل البلد يعايروه, ولأنه لم يسامح جاره، وعمري قبل ما نرى هؤلاء الناس لم أر رجلا وزوجته في المحكمة، ولا أخا مع أخيه في المحكمة، ولم أر محضراً حجز على واحد في بلدنا أبدا، ولم أسمع بالربا, وكان الرجل منا يروح بيت جاره فيدخل مخزنه ويأخذ منه التقاوي, حتى كنا نأخذ العيش من بعضنا وكان أكثر أكلنا وشربنا على المساطب برا الباب .
وعادتنا أن الرجل إذا عمل فرح والا محزنة لا يغرم ولا قرش واحد, بل كل جيرانه يقوموا له بلوازمه, فكانت البلد كأنها عائلة واحدة ، إمام المسجد وخطيبه أبوهم, والعمدة خدامه, وكنا نجتمع معه في النهار خمس مرات, نسمع منه العلم, ويقوم الواحد منا يقول لزوجته وأولاده الكلام اللي سمعه من الشيخ, كان الولد الصغير يستحى يكلم الكبير عنه، كنا زمان في أيام الزراعة كلنا نزرع لبعضنا, فيستعمل كل واحد منا حيوانات وآلات إخوته, عمري ما سمعت إن واحد تخاصم مع الثاني لأجل سقية الزرع, وكنا نزرع البرسيم لتأكله حيوانات الفقراء مع حيواناتنا, ولو سمعنا أن رجل أختلى بامرأة لعمل السوء نخرجه من البلد, ونحبس المرأة في بيتها تبقى فضيحة لها ولأهلها تعاير بها قرايبها, فكان أفقر واحد عند غيره مثل أكبر واحد .
لما دخل بلادنا الذين تمدحهم عملوا زي ما عمل نابليون الذي حكى لنا حكايته سيدنا واحنا في الكتاب, قال : إنه لبس ملابس الأولياء هو وقومه ودخلوا المساجد يصلون ،وزاروا العلماء وأعطوا لهم حشيشا كثيرا، وأهل مصر فرحوا بهم وبعدين قاموا دخلوا الأزهر بالخيل وقتلوا العلماء والأطفال وأظهروا المفاسد في النساء والرجال, واحنا نسينا حكاية سيدنا, واغترينا بما أظهروه لنا من الرحمة حتى بالبهائم, قلنا في أنفسنا : ربنا رحمنا بهم, وبعدين نظرنا فوجدناهم زي الميه اللي تحت تبن, توقع الجدران على أهلها من غير ما يشعروا .
أفسدوا العقائد والعوائد والأخلاق, فلو أن سيدنا قام من الطربة ورأى حالتنا لأنكرنا, كان يقول : فين المسلمين ؟ وأين دور النسيج والغزل وصناعة الطرابيش والجلود والصباغة ؟ وأين الحرف والفنون اللي كانت في البلد كثير ؟ وأين أصحاب الأطيان الواسعة ؟ وأين الذين كانوا يجتمعون في المساجد بالليل لقراءة الأوراد ؟ وأين الوجوه الجميلة الإسلامية التي كان الإنسان يراها مجملة باللحية ؟ .
ومالي أرى النساء أصبحن كالإماء ظاهرة عوراتهن ؟ وكنت أمشي في البلد طول النهار لا أري امراة واقفة على بابها, وإني أرى النساء في الأسواق مكشوفات العورات !!
وأين الحياء الذي كان بين الناس ؟! كنا نستحي نأكل في الأسواق, وكان يقول, مالي أرى الناس يخرج الدخان من بطنهم !! لا حول ولا قوة إلا بالله.
فكيف إذا ظهر سيدنا عمر بن الخطاب ورأى حالة البلاد التي فتحها بدم الصحابة ؟!!!
أيها العراقي أيام تمسكك بدينك كنت راقيا هل جهلت أم تجاهلت ؟ ! هل إن يسلب الحرية منك العقل تنحط إلى رتبة البهائم ؟! كنت عزيزا فأذلك المغتصبون وكنت غنيا فسلبوا الغني ونشروا بينك رجالا يقبحون الدين وأظهروا ما تنفر منه نفوس البهائم من العهارة والخمور والميسر والربا وسلبوا العلوم النافعة والآداب الفاضلة بعد سلب الصناعات والسلاح فانظر إلى نفسك وابكي عليها . وبكى الفلاح حتى أبكى الحاضرين وقال : كان عندي خزانة من المال أنفع بها الجيران وكان عندي ميت فدان أعين بها الضيفان فعلمت أبني في المدرسة فقهرني على التمدن فبنى بيتا كبيوتهم وأنفق ماله في بلادهم فأصبح الآن يرعى البهائم عند رجل أفرنجي يعض أصابعه ندما وهو الآن معتقل, لأنه كان مغروراً بهم فانكشفت له نواياهم .
أيها العراقي لا تكن سببا في انتشار الطاعون الاجتماعي بين قومك واعلم أن تبسيمة السباع فاتحة الضياع . بكى الهندي وأبكى .
الهندي: أيها الفلاح المصري إن كل مسلم يحب الناس الذين يكرهون دين الله لابد أن يكون أبوه منهم, وأنت تعلم أن العراقي غش المسلمين, وقام مع العدوين بقتل المسلمين لأجل أن يطفيء نور النبي معهم بمحاربة خليفة النبي عليه الصلاة والسلام, هذا العراقي أحب الكفار وكره المؤمنين لأجل المال والرياسة, والذي يبيع دينه بالدنيا ويسفك دم المسلمين بسيف الكافرين في حرم رب العالمين, ويقوم مع المنافقين يسفك دماء المسلمين ويذل أنصار رب العالمين عند بيت المقدس ولم يخش الله تعالى – لا في الحرم المكي ولا في الحرم الشامي – اسألوا يامصري يافلاح قل له : كنت بتساعد مين على مين ؟ وكنت تقتل مين بسيف مين ؟
هو العراقي أول أمس كان يسفك دماء المسلمين بسيف الكافرين, وأمس كان واقف يقول أنا صديق الإنجليز ويجب على العرب أن يصادقوهم, والعربي الذي لا يصادقهم عدو بلادهم وفي بلادك يافلاح رجال كثيرين مثل العراقي, ولكن الحمد لله الحق يعلو ولا يعلى عليه, إحنا كنا في الهند مغرورين أكثر منكم, وكنا نفتخر بيهم, ولكن بعد ذلك غلب الطبع التطبع .
أنت تسمع في التاريخ علوم الهند وصناعتها وتجارتها وقوة ملكها وكثرة إيراداتها, كل ذلك ذهب وسلبه هؤلاء الناس بسبب مثل هذا العراقي, وبعد أن استخدموهم في ضرر قومهم أذلوهم ذل الكلاب, والحقيقة ظهرت, والعداوة في القلوب تأسست وإحنا والحمد لله قمنا من نوم الغفلة, وصار العراقي وأمثاله معلومين للمجتمع الإسلامي, ولولا أننا محرمون بالحج كنا ريحنا العالم منه ولكن له يوم، وأنا أبشرك يافلاح أننا في بلادنا اتحدنا مع الهندوس على طرد الظلمة، وربنا سبحانه وتعالي نبه كل أمم بلادنا ولم يبق في آسيا كلها إلا العراقي وأبوه وأخوه, ودول ربنا كشف الستر عنهم وكرههم حتى أتباعهم .
وأنت ترى حالة مراكش والجزائر وتونس وطرابلس ومصر والشام, وحركة العراق والحجاز, وتعلم أعمال أنصار الدين في الأناضول وبلاد العجم وأفغانستان وغيرها, وأظنك تسمع أن جزء من بلاد الإنجليز وهو من جنسهم, ودا كله من ظلمهم للعباد .
العراقي لما سمع كلام المصري والهندي دخل في قلبه الرعب, وتذكر أعمال الظالمين, وعلم أن الدنيا فانية, وبكى على نفسه وتحقق أنه ظلم نفسه بفرحه بالدنيا, وسأل الهندي كيف الخلاص ؟ فأجابه الفلاح المصري أبواب الخلاص مفتوحة قدامك الجيش الإنجليزي خرج من عندك، والمسلمين اللي وياك كلهم يحبون الله ورسوله, فانصحهم واجمعهم وارجع إلى ما كنت عليه مع خليفة رسول الله ﴿ rوآله﴾وأنصاره, فإنك تنال العز في الدنيا والسعادة في الآخرة .
أنت ياعراقي مهما بلغت درجتك من القوة والملك لا تخرج عن كونك عبد للإنجليز, أنا شفت بعيني في مصر واحد من المعسكرين الإنجليز عندنا ينفذ كل شيء والحكومة كلها خدامة له, ومصر دولة قديمة قوية من قديم, وأنت يامسكين لم تكن ملكا ولا سلطانا, وهم أعطوك الملك لتكون عبدا لهم مطيعا, كيف تتمنى العز وأنت أذل الناس لهم ؟! تدارك نفسك قبل الموت وانصح قرايبك فإن القهار لا ينام, والظالم لا يأمن نقمة الله تعالي, لأنه سبحانه وتعالي يقول ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ سورة هود أية 113.
الهندي: إن الأعداء يبذلون المال ليفرقوا بين المسلمين ﴿يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ سورة البقرة آية 9 أفسدوا الحجاز والعراق والشام واليمن ومصر, عداوة لله ورسوله ولخليفة المسلمين, كما قال الله تعالى : ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ سورة التوبة أية 32 . وكل إنسان لا يقبل النصيحة عرض نفسه لنقمة القهار المنتقم, فإن لم يبادر قبل النقمة يندم ولا ينفعه الندم.
وإحنا والحمد لله كلنا رجاء في سرعة إغاثة الله لنا جماعة المسلمين, ومن معنا من أهل الذمة .
المؤرخ عجب لبساطة الثلاثة وجهلهم ولقوة شعورهم, واعتقد أن هذا الشعور أحدثه حوادث مؤلمة, وتبين له أن ظلم أوروبا أغضب الله تعالي, فسلب ما كان لهم من الثقة في قلوب الشرقيين, وتحقق غضب الله على أوروبا, وسرعة نزول النقم بهم .
مواضع العبرة والعظة من هذه القصة
في قصة ( الفلاح المصري والتاجر الهندي والمخدوع العراقي ), يكشف الإمام المجدد أبو العزائم uعن نوعين من أبناء الأمة, ويبين درجة الفهم لديهما بالنسبة للمخططات الاستعمارية ومكائد أعداء الدين .
( فالمخدوع العراقي ), في هذه القصة رمز لنوع أو لبعض أبناء الأمة الإسلامية, الذين تخدعهم أساليب المستعمرين وأقوالهم . مثل : الإصلاح – تحرير الرقيق – الرفق بالحيوانات – الرحمة بالمرضى – مصر للمصريين – حقوق الإنسان – السلام العالمي – الشرعية الدولية – النظام العالمي الجديد .. تلك هي أقوال المستعمرين وأعداء الإسلام, التي خدعوا بها الجهلاء والذين في قلوبهم مرض من أبناء الأمة, ممن تربوا في جامعات أوربا وأمريكا, فقاموا يروجون أفكار الغرب, مجاهرين بذلك, وهم بين ظهرانينا .
( والفلاح المصري والتاجر الهندي ), في هذه القصة, يمثلان جيل الفهم والوعي والإدراك في هذه الأمة, فهما يعلمان أن شعارات تحرير العبيد – الرفق بالحيوان – الشرعية الدولية – حقوق الإنسان – التي يبثها الغرب, ما هي إلا طليعة المدافع والطائرات, وجيوش الإدارة والتدمير !!
واسألوا البوسنة والهرسك والصومال وغيرها.
وها هو ( الفلاح المصري ), الفاهم المدرك يبين ( للمخدوع العراقي ) حقيقة هؤلاء المستعمرين قائلاً : ( يامسكين, الناس الذين تمدحهم وحوش في صورة ثعالب, كرهوا الخير لك, فسلبوا منك الأسباب التي تنال الخير بها, وهي الدين والعفة والرحمة, وجعلوك أدنى من البهائم ) .
وما هو ( التاجر الهندي ), يحذر المخدوع العراقي من موالاة الكافرين على حساب المسلمين .
نعم ..مازالت الشعوب الإسلامية تعيش أوهام المخدوع العراقي فأصبح لدينا المخدوع المصري – السوري – الأردني – المغربي – التركي – الباكستاني .....الخ .
والأمل في القلة القليلة من أبناء الأمة الإسلامية الذين فهموا وأدركوا تلك المخططات الاستعمارية, فهم النواة لعودة المجد الذي فقده المسلمون .
إِنَّ الْكَلاَمُ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفَؤَادِ دَلِيلاَ
اهتم مؤرخ شهير أن يعلم شيئا عن الهند والعراق ومصر وهو في سفر, فتعرف برجل من كل أمة, فكان المصري فلاحا والهندي تاجرا والعراقي عونا للظلمة, فأحب المؤرخ أن يسمع منهم من غير أن يفتتحهم بسؤال, ليصل إلى الحقيقة من غير تكلف منهم, فإن المسئول ليس كالمتكلم بوجد من غير سؤال .
المخدوع العراقي: كنا نكره هؤلاء ولكنا أحببناهم لما عملوه من الخير انظر إلى الحرية, الواحد منا يسهر طول الليل في أنس وبسط ولذة لا يخاف من المتكبرين فيجلس الفقير مع الغني في القهوة والخمارة ويخرج فيجد أبواب الكراخانات مفتحة, ويجد العساكر واقفة بالسلاح, وإذا احتاج للمال يروح البنك يأخذ كل شيء يريده, وإذا زعله أبوه والا العمدة يروح يوقفه أمام الحاكم يهينه ويحبسه, وبنت أعظم عظيم تطلع على حريتها تروح بيوت الكرخانة, وتروح بيوت السر, لا يقدر أبوها حتى يضربها بيده, بعد أن كانوا زمان إذا بصت البنت من الشباك أو تكلمت بكلمة صغيرة من الكلام اللي يسر النفس، أو أي إنسان يمر عليها ويلقاها ويا رجل آخر يضربها أبوها أو أي واحد ،والإنسان في البلد زي الأسير ما يقدرش يعمل حاجة, وكانت البهائم في حرية عنا, كنت تشوف الجديان والحمير فرحانين ببعض ما فيش حبس حرية, لكن احنا الآن لا يمنعنا الجماعة اللي عاملين نفسهم عقلا من غير حق .
الفلاح المصري: كل ما عون ينضح ما فيه أنا سمعت إن في الغابة حيوان زي الإنسان من نوع القردة, وكنت لا أصدق لكني الآن صدقت الخبر، والحقيقة أن هذا الرجل العراقي هو ذلك الحيوان اللي سمعت عنه ،يا مسكين الناس الذين تمدحهم وحوش في صورة ثعالب كرهوا الخير لك فسلبوا منك الأسباب التي تنال الخير بها, وهي الدين والعفة والرحمة وجعلوك أدنى من البهائم، مع أن الفرس التي ينظفوها كل يوم مرتين ويطعموها أجود الأكل تحس بالذل عند ركوبهم عليها ،فكيف يفهم الحيوان ضررهم وينفر منهم .
وأنت ياإنسان تجهل ما يريدونه منك ؟!
صحيح زمان كان والدي يضربني إذا أخرت صلاة الصبح، و إذا سمع مني كلمة لا تليق بالأدب، وإذا تأخرت بعد العشاء ولو في مصلحة ،وكانت والدتي إذا رأت أختي تكشف يدها أو تلبس ثوبا ملونا تضربها وتوجعها، وكان الرجل إذا مشي بعد المغرب مع المرأة يعايروه الناس كلهم وكان العمدة بتاع البلد إذا غاب عن صلاة الجماعة في المسجد كل أهل البلد يحقرونه ولا يتوجهون إليه للصلح .
وكان الذي يشتكي جاره يفضحونه ،وكل أهل البلد يعايروه, ولأنه لم يسامح جاره، وعمري قبل ما نرى هؤلاء الناس لم أر رجلا وزوجته في المحكمة، ولا أخا مع أخيه في المحكمة، ولم أر محضراً حجز على واحد في بلدنا أبدا، ولم أسمع بالربا, وكان الرجل منا يروح بيت جاره فيدخل مخزنه ويأخذ منه التقاوي, حتى كنا نأخذ العيش من بعضنا وكان أكثر أكلنا وشربنا على المساطب برا الباب .
وعادتنا أن الرجل إذا عمل فرح والا محزنة لا يغرم ولا قرش واحد, بل كل جيرانه يقوموا له بلوازمه, فكانت البلد كأنها عائلة واحدة ، إمام المسجد وخطيبه أبوهم, والعمدة خدامه, وكنا نجتمع معه في النهار خمس مرات, نسمع منه العلم, ويقوم الواحد منا يقول لزوجته وأولاده الكلام اللي سمعه من الشيخ, كان الولد الصغير يستحى يكلم الكبير عنه، كنا زمان في أيام الزراعة كلنا نزرع لبعضنا, فيستعمل كل واحد منا حيوانات وآلات إخوته, عمري ما سمعت إن واحد تخاصم مع الثاني لأجل سقية الزرع, وكنا نزرع البرسيم لتأكله حيوانات الفقراء مع حيواناتنا, ولو سمعنا أن رجل أختلى بامرأة لعمل السوء نخرجه من البلد, ونحبس المرأة في بيتها تبقى فضيحة لها ولأهلها تعاير بها قرايبها, فكان أفقر واحد عند غيره مثل أكبر واحد .
لما دخل بلادنا الذين تمدحهم عملوا زي ما عمل نابليون الذي حكى لنا حكايته سيدنا واحنا في الكتاب, قال : إنه لبس ملابس الأولياء هو وقومه ودخلوا المساجد يصلون ،وزاروا العلماء وأعطوا لهم حشيشا كثيرا، وأهل مصر فرحوا بهم وبعدين قاموا دخلوا الأزهر بالخيل وقتلوا العلماء والأطفال وأظهروا المفاسد في النساء والرجال, واحنا نسينا حكاية سيدنا, واغترينا بما أظهروه لنا من الرحمة حتى بالبهائم, قلنا في أنفسنا : ربنا رحمنا بهم, وبعدين نظرنا فوجدناهم زي الميه اللي تحت تبن, توقع الجدران على أهلها من غير ما يشعروا .
أفسدوا العقائد والعوائد والأخلاق, فلو أن سيدنا قام من الطربة ورأى حالتنا لأنكرنا, كان يقول : فين المسلمين ؟ وأين دور النسيج والغزل وصناعة الطرابيش والجلود والصباغة ؟ وأين الحرف والفنون اللي كانت في البلد كثير ؟ وأين أصحاب الأطيان الواسعة ؟ وأين الذين كانوا يجتمعون في المساجد بالليل لقراءة الأوراد ؟ وأين الوجوه الجميلة الإسلامية التي كان الإنسان يراها مجملة باللحية ؟ .
ومالي أرى النساء أصبحن كالإماء ظاهرة عوراتهن ؟ وكنت أمشي في البلد طول النهار لا أري امراة واقفة على بابها, وإني أرى النساء في الأسواق مكشوفات العورات !!
وأين الحياء الذي كان بين الناس ؟! كنا نستحي نأكل في الأسواق, وكان يقول, مالي أرى الناس يخرج الدخان من بطنهم !! لا حول ولا قوة إلا بالله.
فكيف إذا ظهر سيدنا عمر بن الخطاب ورأى حالة البلاد التي فتحها بدم الصحابة ؟!!!
أيها العراقي أيام تمسكك بدينك كنت راقيا هل جهلت أم تجاهلت ؟ ! هل إن يسلب الحرية منك العقل تنحط إلى رتبة البهائم ؟! كنت عزيزا فأذلك المغتصبون وكنت غنيا فسلبوا الغني ونشروا بينك رجالا يقبحون الدين وأظهروا ما تنفر منه نفوس البهائم من العهارة والخمور والميسر والربا وسلبوا العلوم النافعة والآداب الفاضلة بعد سلب الصناعات والسلاح فانظر إلى نفسك وابكي عليها . وبكى الفلاح حتى أبكى الحاضرين وقال : كان عندي خزانة من المال أنفع بها الجيران وكان عندي ميت فدان أعين بها الضيفان فعلمت أبني في المدرسة فقهرني على التمدن فبنى بيتا كبيوتهم وأنفق ماله في بلادهم فأصبح الآن يرعى البهائم عند رجل أفرنجي يعض أصابعه ندما وهو الآن معتقل, لأنه كان مغروراً بهم فانكشفت له نواياهم .
أيها العراقي لا تكن سببا في انتشار الطاعون الاجتماعي بين قومك واعلم أن تبسيمة السباع فاتحة الضياع . بكى الهندي وأبكى .
الهندي: أيها الفلاح المصري إن كل مسلم يحب الناس الذين يكرهون دين الله لابد أن يكون أبوه منهم, وأنت تعلم أن العراقي غش المسلمين, وقام مع العدوين بقتل المسلمين لأجل أن يطفيء نور النبي معهم بمحاربة خليفة النبي عليه الصلاة والسلام, هذا العراقي أحب الكفار وكره المؤمنين لأجل المال والرياسة, والذي يبيع دينه بالدنيا ويسفك دم المسلمين بسيف الكافرين في حرم رب العالمين, ويقوم مع المنافقين يسفك دماء المسلمين ويذل أنصار رب العالمين عند بيت المقدس ولم يخش الله تعالى – لا في الحرم المكي ولا في الحرم الشامي – اسألوا يامصري يافلاح قل له : كنت بتساعد مين على مين ؟ وكنت تقتل مين بسيف مين ؟
هو العراقي أول أمس كان يسفك دماء المسلمين بسيف الكافرين, وأمس كان واقف يقول أنا صديق الإنجليز ويجب على العرب أن يصادقوهم, والعربي الذي لا يصادقهم عدو بلادهم وفي بلادك يافلاح رجال كثيرين مثل العراقي, ولكن الحمد لله الحق يعلو ولا يعلى عليه, إحنا كنا في الهند مغرورين أكثر منكم, وكنا نفتخر بيهم, ولكن بعد ذلك غلب الطبع التطبع .
أنت تسمع في التاريخ علوم الهند وصناعتها وتجارتها وقوة ملكها وكثرة إيراداتها, كل ذلك ذهب وسلبه هؤلاء الناس بسبب مثل هذا العراقي, وبعد أن استخدموهم في ضرر قومهم أذلوهم ذل الكلاب, والحقيقة ظهرت, والعداوة في القلوب تأسست وإحنا والحمد لله قمنا من نوم الغفلة, وصار العراقي وأمثاله معلومين للمجتمع الإسلامي, ولولا أننا محرمون بالحج كنا ريحنا العالم منه ولكن له يوم، وأنا أبشرك يافلاح أننا في بلادنا اتحدنا مع الهندوس على طرد الظلمة، وربنا سبحانه وتعالي نبه كل أمم بلادنا ولم يبق في آسيا كلها إلا العراقي وأبوه وأخوه, ودول ربنا كشف الستر عنهم وكرههم حتى أتباعهم .
وأنت ترى حالة مراكش والجزائر وتونس وطرابلس ومصر والشام, وحركة العراق والحجاز, وتعلم أعمال أنصار الدين في الأناضول وبلاد العجم وأفغانستان وغيرها, وأظنك تسمع أن جزء من بلاد الإنجليز وهو من جنسهم, ودا كله من ظلمهم للعباد .
العراقي لما سمع كلام المصري والهندي دخل في قلبه الرعب, وتذكر أعمال الظالمين, وعلم أن الدنيا فانية, وبكى على نفسه وتحقق أنه ظلم نفسه بفرحه بالدنيا, وسأل الهندي كيف الخلاص ؟ فأجابه الفلاح المصري أبواب الخلاص مفتوحة قدامك الجيش الإنجليزي خرج من عندك، والمسلمين اللي وياك كلهم يحبون الله ورسوله, فانصحهم واجمعهم وارجع إلى ما كنت عليه مع خليفة رسول الله ﴿ rوآله﴾وأنصاره, فإنك تنال العز في الدنيا والسعادة في الآخرة .
أنت ياعراقي مهما بلغت درجتك من القوة والملك لا تخرج عن كونك عبد للإنجليز, أنا شفت بعيني في مصر واحد من المعسكرين الإنجليز عندنا ينفذ كل شيء والحكومة كلها خدامة له, ومصر دولة قديمة قوية من قديم, وأنت يامسكين لم تكن ملكا ولا سلطانا, وهم أعطوك الملك لتكون عبدا لهم مطيعا, كيف تتمنى العز وأنت أذل الناس لهم ؟! تدارك نفسك قبل الموت وانصح قرايبك فإن القهار لا ينام, والظالم لا يأمن نقمة الله تعالي, لأنه سبحانه وتعالي يقول ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ سورة هود أية 113.
الهندي: إن الأعداء يبذلون المال ليفرقوا بين المسلمين ﴿يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ سورة البقرة آية 9 أفسدوا الحجاز والعراق والشام واليمن ومصر, عداوة لله ورسوله ولخليفة المسلمين, كما قال الله تعالى : ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ سورة التوبة أية 32 . وكل إنسان لا يقبل النصيحة عرض نفسه لنقمة القهار المنتقم, فإن لم يبادر قبل النقمة يندم ولا ينفعه الندم.
وإحنا والحمد لله كلنا رجاء في سرعة إغاثة الله لنا جماعة المسلمين, ومن معنا من أهل الذمة .
المؤرخ عجب لبساطة الثلاثة وجهلهم ولقوة شعورهم, واعتقد أن هذا الشعور أحدثه حوادث مؤلمة, وتبين له أن ظلم أوروبا أغضب الله تعالي, فسلب ما كان لهم من الثقة في قلوب الشرقيين, وتحقق غضب الله على أوروبا, وسرعة نزول النقم بهم .
مواضع العبرة والعظة من هذه القصة
في قصة ( الفلاح المصري والتاجر الهندي والمخدوع العراقي ), يكشف الإمام المجدد أبو العزائم uعن نوعين من أبناء الأمة, ويبين درجة الفهم لديهما بالنسبة للمخططات الاستعمارية ومكائد أعداء الدين .
( فالمخدوع العراقي ), في هذه القصة رمز لنوع أو لبعض أبناء الأمة الإسلامية, الذين تخدعهم أساليب المستعمرين وأقوالهم . مثل : الإصلاح – تحرير الرقيق – الرفق بالحيوانات – الرحمة بالمرضى – مصر للمصريين – حقوق الإنسان – السلام العالمي – الشرعية الدولية – النظام العالمي الجديد .. تلك هي أقوال المستعمرين وأعداء الإسلام, التي خدعوا بها الجهلاء والذين في قلوبهم مرض من أبناء الأمة, ممن تربوا في جامعات أوربا وأمريكا, فقاموا يروجون أفكار الغرب, مجاهرين بذلك, وهم بين ظهرانينا .
( والفلاح المصري والتاجر الهندي ), في هذه القصة, يمثلان جيل الفهم والوعي والإدراك في هذه الأمة, فهما يعلمان أن شعارات تحرير العبيد – الرفق بالحيوان – الشرعية الدولية – حقوق الإنسان – التي يبثها الغرب, ما هي إلا طليعة المدافع والطائرات, وجيوش الإدارة والتدمير !!
واسألوا البوسنة والهرسك والصومال وغيرها.
وها هو ( الفلاح المصري ), الفاهم المدرك يبين ( للمخدوع العراقي ) حقيقة هؤلاء المستعمرين قائلاً : ( يامسكين, الناس الذين تمدحهم وحوش في صورة ثعالب, كرهوا الخير لك, فسلبوا منك الأسباب التي تنال الخير بها, وهي الدين والعفة والرحمة, وجعلوك أدنى من البهائم ) .
وما هو ( التاجر الهندي ), يحذر المخدوع العراقي من موالاة الكافرين على حساب المسلمين .
نعم ..مازالت الشعوب الإسلامية تعيش أوهام المخدوع العراقي فأصبح لدينا المخدوع المصري – السوري – الأردني – المغربي – التركي – الباكستاني .....الخ .
والأمل في القلة القليلة من أبناء الأمة الإسلامية الذين فهموا وأدركوا تلك المخططات الاستعمارية, فهم النواة لعودة المجد الذي فقده المسلمون .