آخر الأخبار
موضوعات

الثلاثاء، 10 مايو 2016

. ثورة التطهير

. ثورة التطهير
الحمد لله الذى أكرمنا فى بلدنا وغيَّر حالَنا وأصلح شئوننا، ولكن أريد أن أهمس فى آذان إخوانى الحاضرين والسامعين أجمعين، أنه لن يتغيَّر حالُنا إلى أحسن حال، ولن تفيض الأرزاق وتزيد الأموال إلا إذا غيَّرنا ما بنفوسنا.
لابد لنا من ثورة فى نفوسنا أجمعين، نساءاً ورجالاً، شباباً وشيوخاً، أفراداً وجماعات، لأن الله عز وجل يقول: { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [11الرعد]. وما الذى فى نفوسنا أو فى نفوس البعض ويحتاج إلى التغيير؟
لابد أن نقتلع الأنانية من جذورها، ويكون الفرد أحرص على الجماعة من نفسه لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم فى ذلك: {لا يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حَتّى يُحِبَّ لأخِيهِ أوْ لِجَارِهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ}.(2) فتتلاشى النزعات الفردية، والأهواء الفردية فى سبيل المصلحة العامة الجامعة التى فيها خير لهذه الأمة المحمدية، ننتزع الأحقاد من جذورها، نقتلع الأحساد والبغضاء من صدورنا، ونكون كما وصف الله المؤمنين – ونحن إن شاء الله منهم – فى كتابه: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } [47الحجر]؟
لابد أن ينزع المؤمن كل ما فى قلبه من الأشياء الفردية التى تجعله يُؤثر نفسه على غيره، ويُفضل مصلحته الشخصية على مصالح الجماعة، وكلَّ تكالبه على شهوته أو حظه أو على ما يرجوه فى هذه الساعة من مغنم بدون أن يعير شأن الجماعة أية إهتمام فى الآجل والعاجل.
وهذا يا إخوانى هو أُسُّ المرض الذى أخَّرنا هذه السنين الطوال، وسبب كلِّ ما يجرى من المحاسبات الآن مما نراه وما نقرأه ويحدث حولنا، وهذا كله بسبب هذا المرض اللعين الذى استشرى فى الصدور ، ولذلك إذا أردنا إصلاح أحوالنا أجمعين لابد أن نعالج هذه الأمراض فى قلوبنا، قال حبيبى وقرة عينى صلى الله عليه وسلم: {أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ}.(3)
وكان صلى الله عليه وسلم جالساً فى يوم بين إخوانه من الأنصار والمهاجرين، وجاء رجل عليه أثر الوضوء من بعيد، فقال حضرة النبى صلى الله عليه وسلم عندما رآه: {يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة}، فجلس الرجل فى مجلس حضرة النبى، ثم بدا له أن يقوم فقام، فقال صلى الله عليه وسلم فى شأنه: {قام عنكم الآن رجل من أهل الجنة}.
ورُوى أنه تكرر منه هذا الحوار ثلاث مرات، وكان فى المجلس عُبَّاد الصحابة، وكان منهم عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، وعبد الله بن عمرو رضى الله عنهما، وكانا يقومان الليل كله بين يدى الله راكعين ساجدين، ويصومان الدهر كله إلاَّ الأيام التى حرَّم صيامها سيد الأولين والآخرين، فقالا فى نفسيهما: وما العمل الذى يزيد به هذا الرجل علينا ليكون من أهل الجنة؟!!!
فأخذهما الفضول فذهب أحدهما إلى بيته، ولما دقَّ عليه الباب وفتح له زعم أنه جرى خلاف بينه وبين أبيه ويطمع فى استضافته، فأضافه، وانتظر يراقب عمله، فلم يجده يقوم بعد صلاة العشاء إلا قبل الفجر بساعة ويتوضأ ويذهب لحضور صلاة الفجر مع الحبيب فى الجماعة، وفى الصباح يُقدم له الفطور ويفطر معه، وفى اليوم الثانى كذلك وفى الثالث كذلك، فقال له: يا عماه لم يحدث بينى وبين أبى خلاف ولكنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى شأنك: {يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة} ويقول بعد قيامك: {قام عنكم الآن رجل من أهل الجنة} فما العمل الذى تعمله وتستوجب به ذلك؟ قال: (والله لا أزيد عما رأيت)، ولما رأى الحيرة فى وجهه قال له: (غير أنى أبيت وليس فى قلبى غلٌّ ولا غشٌّ ولا حقدٌ لأحد من المسلمين)، قال: فبذلك.
وفى رواية، قال: {مَا هُوَ الَّذِي قَدْ رَأَيْتَ، غَيْرَ أَني لاَ أَجِدُ فِي نَفْسِي سُوءًا لأَحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ وَلاَ أَقُولُهُ. قَالَ: هٰذِهِ الَّتي قَدْ بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتي لاَ أُطِيقُ}.(4)
فذهب عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا به صلى الله عليه وسلم يوجه الخطاب له ويقول: {إِنِ ٱسْتَطَعْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ وَلَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكَ فِي الْحِسَابِ، وَيَا بَنيَّ! إِنِ اتَّبَعْتَ وَصِيَّتِي فَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ، يَا بُنَيَّ! إِنَّ ذٰلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي فِي الْجَنَّةِ} (5)
هذا حال مجتمع المؤمنين الذين أصلح الله بهم الدنيا، وأصلح الله لهم شئونهم أجمعين، محو الفردية من نفوسهم، وأصبح كل همهم فى مصالح الجماعة، وفى الحرص على إخوانهم، ناهيك عن أن الله عز وجل جعل عبادة هذه الأمة الفاضلة بعد الفرائض هى التى تتعلق بالخلق، ليس العبادة التى ترفع المرء درجات عند الله قيامه الليل قائماً أو راكعاً أو ساجداً، أو صيامه الدهر، أو تلاوته لكتاب الله، أو تسبيحه وتهليله وذكره لله، لأن كل ذلك عمل صالح يقول فيه الله: { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } [15الجاثية].
 أما العمل الأكبر فى الفضل والغنيمة عند الله هو الذى يتعلق بخلق الله.
وقد أوجب النبى صلى الله عليه وسلم لكل مسلم حقوقاً فى أعناق إخوانه المسلمين أجمعين، وإذا كان المسلم يتغاضى عن المطالبة بحقوقه فى الدنيا فإن الذى يطالب بحقوقه يوم القيامة هو أحكم الحاكمين ورب العالمين عز وجل، جعل لك حقاً على كل مسلم أن يُسَلم عليك إذا قابلك، وحق على كل مسلم فى عنقك أن تُسَلم عليه إذا لقيته سواء عرفته أو لم تعرفه، لأن الحبيب قال لرجل يسأل: {أَيّ الإسْلاَمِ خَيْرٌ قال: تُطْعِمُ الطّعَامَ، وَتَقْرَأُ السّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ}(6)
أين نحن الآن من هذه الشعيرة؟   أين نحن الآن من هذا الحق؟
- إذا دخلت المسجد تُسَلم على الحاضرين.
- وإذا خرجت من المسجد تُسَلم على من تراهم فى الشارع.
- وإذا دخلت بيتك تُسَلم على أهلك.
- وإذا خرجت من عندهم تُسلم مودعاً لأهلك.
- لا تمر على مسلم تعرفه أو لا تعرفه إلا وتُلقى عليه السلام بتحية الإسلام، لا يجوز أن تحييه بما نقول كصباح الخير أو مساء الخير، أو ما شابه ذلك إلا بعد السلام لأنه تحية الإسلام.
فينبغى على كل مسلم حقوق عديدة سأسردها عدَّاً لأن شرحها يحتاج إلى وقت طويل، يقول فيها صلى الله عليه وسلم: {حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ، قِيلَ: مَا هُنَّ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ. وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ. وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللّهَ فَشَمِّتْهُ. وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ. وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ}.(7)
حقوق وواجبات لابد لكل مسلم أن يقوم بها لإخوانه حتى يكون المسلمون أجمعون كرجل واحد أو كأسرة واحدة يقول فيهم الله: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [10الحجرات].
 فإذا لم يقم بهذه الحقوق وكان يوم الدين، يأتى رب العالمين بالرجل الذى قصَّر فى حقوق إخوانه المسلمين ويقول: {يَقُولُ اللَّهُ جلَّ وعلا، لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابنَ آدَمَ مَرِضْتُ ، فَلَمْ تَعُدْنِي، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أَعُودُكَ وأنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: أما عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاناً مَرِضَ، فَلَمْ تَعُدْهُ، أَما عَلمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي؟}(8)
من الذى نزوره فى حيز نطاقنا؟ قال الحبيب لنا: {امْشِ مِيلاً عُدْ مَرِيضاً، اِمْشِ مِيلَيْنِ أَصْلِحْ بَيْنَ اثْنَيْنِ، امْشِ ثَلاَثَةَ أَمْيَالٍ زُرْ أَخاً فِي اللَّهِ}.(9) أى يجب عليك أن تتحسس المرضى وخاصة الفقراء على مسافة كيلو مترين إلا ربع من جميع الجهات حتى يتكافل المؤمنون، ويسعوا لمنافع بعض، ويرفعوا شأن بعض.
ثم يكمل صلى الله عليه وسلم الحديث القدسى السابق ويقول: {وَيَقولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: أما علمت أن عبدي فلان استسقاك فلم تسقه أما عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلِكَ عِنْدَي؟ يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمُتُكَ، فلم تُطْعِمْنِي، فيقولُ: يَا رَبِّ وكَيْفُ أُطْعِمُكَ وأَنْتَ رَبُّ الْعَالمِينَ؟ فيقولُ: أَلَمْ تَعْلَمْ أنَّ عَبْدِي فلاناً اسْتَطْعَمَكَ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا إِنّكَ لَوْ أطْعَمْتَهُ وَجَدْتَ ذلِكَ عنْدِي}.
أما المؤمن الذى يأكل فى بيته وسكنه ما لذ وطاب ولا يحسُّ بمن حوله لأنهم لا يعنونه ولا يخطر على باله أنه عليه واجب نحوهم، أو يعلم ولا يهتم! فيقول فى شأنه الحبيب: {مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ}.(10) لابد أن يستشعر هذا لإخوانه المؤمنين.
أما مَنْ يَغِشُّ المؤمنين فى كيل أو وزن، أو بيع أو شراء، أو كلام أو غيره، فيقول فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم: {مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ منَّا، والمَكْرُ والْخِدَاعُ فِي النَّارِ}،(11) ليس من أمة الحبيب المختار. ومن يُخزِّن الطعام فى وقت ليُغلى سعره على المؤمنين يقول فيه صلى الله عليه وسلم: {مَنِ احْتَكَرَ (طعاماً) يريدُ أَنْ يُغَالِي بها على المسلمينَ فهو خاطىءٌ، وقد برئتْ منهُ ذِمَّةُ الله}(12)، والقُوت هو الطعام الذى يؤكل كالدقيق والخبز والسكر والزيت أو ما شابه ذلك، فليس من المسلمين من يفعل ذلك لأنه وصف المسلمين فقال: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر}.(13)
ولذا فقد دعانا الله عز وجل أجمعين إلى أن نتكاتف ونتعاون ونتماسك لنصلح شأن بلدنا وشأن أوطاننا وشأن كل شئ هو لنا، لا نقول الحكومة ونقف صامتين ونسعى إلى المظاهرات بين الحين والحين مطالبين الحكومة التى لم تثبت أقدامها بعد بما لا تستطيع أن توفيه، وإنما نضع أيدينا فى أيدى بعضنا ونكون كما قال الله: { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ } [105التوبة].
نعمل ونبدأ العمل والله عز وجل لا يضيع أجر من أحسن عملا، ونوقف هذه التُرهات وهذه الخلافات، ونعين شبابنا على ترشيد أمورهم وعلى تصويب أفكارهم وعلى الأشياء العظيمة التى يقومون بها لبلدهم، فنجدهم يسعون لتجميل الشوارع والميادين، لماذا لا نشاركهم؟! من شاء فليشاركهم بماله، ومن شاء فليشاركهم بنفسه، ومن شاء فليشاركهم بما يستطيع لأن الإسلام كما قال نبيِّه صلى الله عليه وسلم: {تَنَظَّفُوا بِكُل مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإنَّ اللَّهَ تَعَالٰى بَنَى الإسْلاَمَ عَلَى النَّظَافَةِ، وَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةِ إلاَّ كُلُّ نَظِيفٍ}(14)
ديننا دين النظافة، يحب نظافة البيوت ونظافة الشوارع ونظافة الأفراد، دين يحرص لكل من يحضر صلاة الجمعة أن يغتسل ويلبس أحسن ما عنده ويضع أفخر عطر عنده حتى تكون المساجد كلها معطرة ولا يُشم فيها إلا الروائح الطيبة، ويأمر القائمين على المساجد أن يجمرونها بالبخور، فالمساجد تكون رائحتها بخور والأشخاص رائحتهم عطرة، هكذا حال هذا الدين لأن الله كما قال صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الله جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ}.(15)
فأعينوا شبابكم على تجميل بلدتنا وشوارعنا بما تستطيعون، وقولوا للناس حسناً، وإياكم والغيبة والنميمة فإن هذا زمان تكثر فيه الغيبة والنميمة، لا تسب أحداً إلا إذا تحققت، ولا تتكلم فى حق أحد إلا إذا وقعت فى يديك مستندات، لأن المسلم كما قال فيه صلى الله عليه وسلم: {كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ . دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ}.(16)
 وإذا وقعت معك المستندات فهناك جهات خُصصت لذلك فأرسلها إليها وهى تتولى ذلك، لكن علينا فى هذا الوقت الكريم أن نعمل بقول حبيبنا صلوات ربى وتسليماته عليه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يتْقِنَهُ}.(17)
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
المعادى – خطبة الجمعة، 29 من ربيع الأول 1432هـ 4/3/2011م
مسند الإمام أحمد، عن أنس بن مالك
صحيح مسلم عن النعمان بن بشير
جامع المسانيد والمراسيل، عن أنس بن مالك، الحديث طويل وفيه روايات عديدة.
 لأبى يعلى فى مسنده وأَبو الْحسن الْقَطَّان في المطوالاتِ والطبرانى فى الصغير عن سعيد بن المسيب عن أَنَسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ.
عن عبدالله بن عمر، تهذيب سنن أبي داود، وفيه قال الشيخ شمس الدين ابن القيم t: وقد أخرجا في الصحيحين عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار القسم). وفي جامع الترمذي عن عبد الله بن سلام t قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) قال الترمذي: حديث صحيح. وفي الموطأ بإسناد صحيح عن الطفيل بن أبي بن كعب "أنه كان يأتي عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله على سقاط ولا صاحب بيعة ولا مسكين، ولا أحد إلا سلم عليه، قال الطفيل فجئت عبد الله بن عمر يوماً فاستتبعني إلى السوق، فقلت له: وما تصنع بالسوق، وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السوق قال: وأقول: اجلس بنا ها هنا نتحدث. قال: فقال لي عبد الله بن عمر: (يا أبا بطن وكان الطفيل ذا بطن إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقينا).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ صحيح مسلم
عن أبي هريرة: صحيح ابن حبان
(ابن أَبي الدُّنيا في كتاب الإخوان ) عن مكحول مُرْسلاً، جامع المسانيد والمراسيل
عن أنس بن مالك رواه الطبراني والبزار، وإسناد البزار حسن، مجمع الزوائد
عن زر بن عبدالله،صحيح ابن حبان.
عن أبي هريرةَ: سنن الكبرى للبيهقي
في الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، جامع العلوم والحكم
(أَبو الصَّعَالِيك الطَّرسُوسي في جُزئهِ) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ، جامع المسانيد والمراسيل
صحيح مسلم، عن عبدالله بن مسعود
عن أبى هريرة، صحيح مسلم
البيهقي عن عائشة ، جامع المسانيد والمراسيل.
حمل خطبة الجمعة ثورة التطهير

الاثنين، 9 مايو 2016

اليوم الخامس من أيام الله: يوم البعث والنشور

اليوم الخامس من أيام الله: يوم البعث والنشور
وهو اليوم الذي يحيي الله فيه الموتى من قبورهم، ويعيدهم إلى حالتهم التي ماتوا عليها. قال صلى الله عليه وسلم: {يبعث الإنسان على ما مات عليه}[1].
فلا تتبدل صورتهم وهيئتهم عن ما كانت عليه قبل الموت، حتى لا ينكر أحد نفسه ولا ينكره أهله وإخوانه والناس الذين كانوا يعيشون معه.
وإذا أراد الله أن يبعث الناس، أمر الأرض بما فيها من بحار وجبال وسهول ووديان وصحارى وقفار، وهواء وأرجاء وأجواء أن تجمع عناصر كل إنسان إلى بعضها، لأنه لو صار هباءاً وذرَّات، تفرقت في جميع أرجاء الأرض، لجمع بفعل الجاذبية التي استودعها الله في ذرات كل كائن، وذلك عند زلزله الأرض واهتزازها. لأن الإنسان لم يخرج منها، إذ أنه موجود فيها. قال تعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾، [1-2،الزلزلة].
فإذا ما جمعت تلك العناصر إلى بعضها، أمر الله السماء أن تمطر ماءا كمنى الرجال، يختلط بهذه العناصر حتى تكون طينا، ويتمدد هذا الطين على هيئته التي كان عليها قبل الموت، ويرسل الله عليه الرياح فتجففه، والحرارة فتسوية حتى يصير كالفخار، ثم يأمر الله الملك الموكل بالنفخ في الصور. فينفخ فيه، فتطير كل روح إلى جسدها لا تخطئه فتدخل إليه: ﴿فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾، [68،الزمر].  وكما قال تعالى: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾، [29،الأعراف].
وهذا اليوم أشار الله إليه بقوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، [56،الروم].

وذلك ردًا على منكري البعث الذين يدَّعون أنهم لم يمكثوا في الأرض إلا ساعة، واحدة لم يتمكنوا فيها من معرفة الله ورسوله وما انزله الله عليهم. فرد عليهم أهل العلم والإيمان بأنهم كاذبون في ادعائهم، وأنهم لبثوا في الأرض إلى يوم البعث، ولكنهم جهلوا بذلك لعدم قبولهم هذه المعارف والحقائق في الدنيا من أهل العلم والإيمان.
ويوم البعث يسمى يوم القيامة، ويوم الرجوع إلى الله، ويوم الساعة، ويوم الميعاد. قال الله تعالى: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾، [29،الأعراف]. وقال جل شأنه: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ﴾، [104،الأنبياء]. وقال سبحانه: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾، [43،المعارج].
وسيكون الخلائق يوم البعث على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: يقومون من قبورهم إلى الجنة، وهم الصديقون والشهداء، والصالحون والمقربون، وأهل اليمين، وهم عامة المؤمنين الذين ماتوا على توبة صادقة، وكانوا في الدنيا من أهل الإيمان والعمل الصالح، وإن كانوا يتفاوتون في درجات الجنة. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾، [107،الكهف].
وهذا النوع من الناس لا يشهدون أهوال يوم القيامة، ولا يخافون ولا يحزنون: ﴿أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾، [82،الأنعام]. ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾، [103،الأنبياء].
والنوع الثاني: يقومون من قبورهم إلى النار والعياذ بالله، وهم الكافرون والمشركون، والضالون والمغضوب عليهم. وهؤلاء لا ينظر الله إليهم ولا يكلمهم ولهم عذاب أليم. قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾، [105،الكهف].
وقال جلَّ شانه: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ ﴾، [39-41،الرحمن].
وهؤلاء يشهدون الأهوال الشديدة، والمصائب الفظيعة، والمخاوف والأحزان والآلام القاتلة، وهم مسوقون ومقهورون إلى جهنم والعياذ بالله، وقد تمنى كل منهم أن يكون ترابا، ولكن هيهات... هيهات، فإن قلوبهم تتقطع من الحسرة، وأكبادهم تتفتت من الأسف، ولا يغنى عنهم ذلك من العذاب شيئا. وإسقاطهم من الحساب والمساءلة لأنهم أهملوا عقولهم وقلوبهم ومشاعرهم التي منحها الله لهم، بل إنهم استعملوها في محاربة من وهبها لهم، فكانوا أضل من الوحوش الضارية والحشرات السامة التي يقتلها الإنسان بمجرد رؤيتها، لأنها لا خير فيها بالمرة.
وهناك صنفٌ من المجرمين في الدنيا لا تفيد محاسبته، ولا تجدي مساءلته لأن نفسه قد تمرَّست على الإجرام، واستمرأته، وصار لا يعيش إلا على القنص والسفك وارتكاب الفظائع، وقد جعل الله جزاءه في الدنيا سرعة التخلص منه لعدم الأمل في إصلاحه. وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، [33،المائدة].
وإن الحكمة من الحساب هي إقرار العدالة في الحكم، وإظهار الحق والصواب حتى يري المحاسب أنه قد اخذ حقه ولم يُظلم شيئا.
ولكن الكافر بالله ورسوله وكتبه واليوم الآخر، قد أهدر حقه ونصيبه، كما أنه أضاع حق الله وحق رسله، فلم يكن له نصيب بالمرة في أي شيء يطالب به، حتى إنه يحكم على نفسه يوم القيامة أن عذاب النار هو أقل جزاء له على كفره بالله وإصراره عليه. قال تعالى: ﴿اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾، [14،الإسراء].
والنوع الثالث من الناس يوم القيامة هم أهل الحساب، وهم المسلمون الذين ارتكبوا المخالفات ولم يتوبوا المخالفات ولم يتوبوا إلى الله منها، وماتوا على ذلك، وهؤلاء أمرهم مفوض إلى الله عزَّ وجلَّ، إن شاء عذَّبهم، وإن شاء عفا عنهم. والحساب له مواقف كثيرة، وأنواع متفاوتة. فمن الناس من يحاسبه الله سرا ومنهم من يحاسبه الله جهرا، ومنهم من يحاسبه الله حسابا يسيرا ومنهم من يحاسبه الله جهرًا، ومنهم من يحاسبه الله حسابا يسيرا ومنهم من يحاسبه الله حسابا عسيرا، ومنهم من يقرره الله على أعماله فيقرها ويقبل الله اعتذاره ويأذن له في دخول الجنة، ومنهم من يشفع له الشفعاء فيعفو الله عنه بتلك الشفاعة، ومنهم من يسامحه أصحاب المظالم فيدخله الله الجنة بذلك، ومنهم من يدفع الله عنه لأصحاب الحقوق حقوقهم ثم يدخله الجنة، ومنهم من يستغيث برسول الله فيغيثه الله برسوله، ومنهم من يستجير بالله فيجيره الله، وهو سبحانه: ﴿وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ﴾، [88،المؤمنون]. ومنهم من تزيد حسناته على سيئاته وهو كذلك من الناجين، أما من زادت سيئاته على حسناته، فإما أن يدركه الغوث من ناحية، وإما أن يأخذ نصيبه من العذاب ثم يدخل الجنة بعد ذلك.
ولكن الله سبحانه سبقت رحمته غضبه، وسبق عفوه عقابه، وسبق حلمه مؤاخذته، وذلك الفضل كله لأهل الحساب الذين يحاسبهم الله على إعمالهم.




[1] أبو داود وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد.
منقول من كتاب أيام الله 
لفضيلة الشيخ محمد على سلامة
وكيل وزارة الاوقاف ببورسعيد سابقا

الاثنين، 2 مايو 2016

- ما طريقة زواج الجن ؟وما اعماله؟

- ما طريقة زواج الجن ؟وما اعماله؟
السؤال التاسع عشر: ما هي طريقة زواجهم ومعاملتهم وقضائهم وهل للمرأة عندهم عدة طلاق وعدة وفاة وهل بينهم ظهار أو شغار وهل تقام حدود الله فيما بينهم؟.
الجواب :
إن المؤمنين من الجن يلتزمون بجميع قضايا الإيمان والإسلام في العقيدة والعبادة والمعاملة والقضاء والأخلاق، كما هو الشأن في المؤمنين من بني الإنسان، وإن من الجن المؤمن من ينفذ أحكام الله وآدابه، وأن منهم من يتهاون فيها، كما أن منهم الكافر والمنافق كما قررنا سابقًا وإن عالم الجن طوائف وقبائل وشعوب وأمم، ولكل منهم وطن وأرض يقيم بها، وأن لهم دولاً وحكامًا وملوكاً ونظمًا يتعايشون بها، وإن كانت هذه الامور كلها حسب طبيعة عالمهم، الذي لا يظهر ولا يتراءى للإنسان ولكنه مرئي لهم ومعروف لديهم، فإن المعاني في المعاني مباني، وإن المعاني في المباني معاني، فإن الملائكة والجن أعيان ظاهرة بالنسبة لبعضهم، وإن الجن والملائكة بالنسبة للانسان معانى لا تظهر لنا، وإن كنا نرى آثارهما وندركها بالعلم والحواس.
السؤال العشرون: هل للجن وظائف وأعمال يكتسبون منها رزقهم وحاجتهم؟
الجواب:
نعم لأن كل مخلوقات الله لهم أعمال يتكسبون بها أرزاقهم وأقواتهم، فإننا نرى أمم الحيوان والطير والوحوش والأسماك والحشرات والنمل والنحل، لكل منها عمل يسعى به لاقتناص رزقه ولو كان هذا العمل فى ظاهره غدر واعتداء، كعمل السباع والوحوش والتماسيح والحيتان ونحوها. هذا وإن الجن عالم عاقل ياكل ويشرب وقد رأيناه كيف يعمل لحساب الإنسان الذي يسخره ويستخدمه، ويفعل الأعاجيب، وإن هذا العمل لا أعتقد أنه بدون مقابل، اللهم إلا إن كان هذا الإنسان له قدرة خارقة، وهبها الله له، لاستخدام عالم الجن كسيدنا سليمان عليه السلام. أو من كان وارثًا لحاله من هذه الأمة، والدليل على أن الجن يأكل ويشرب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم  ما معناه: {إن الله يكسو العظم لحمًا كما كان ليطعمه الجن ويجعل العلف والغلة فى روث البهائم كما كانت من قبل ليطعمها الجن وإنه يحرم على المسلم الاستنجاء بالروث وبالعظم لأنهما طعام الجن}. [ورد في الصحيحين عن أبي هريرة].
ولا ريب في خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله على كل شىء قدير.
لكن هذا لا يغني أن يكون للجن أطعمة وأشربة أخرى فقد ورد أن الشيطان يأكل ويشرب مع الإنسان الذي لم يسم الله فى طعامه ولا شرابه، والشيطان هو جن كافر، وقد قال الله تعالى لإبليس لعنه الله وهو أصل المردة من الجن والشياطين : ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ﴾. [64،الإسراء]. يعنى يشارك أولياءه وأتباعه من الكافرين والمنافقين والفاسقين من الإنس في أكلهم وشربهم ونكاحهم وسكنهم ولبسهم وفى جميع أعمالهم، حتى لا يكون فيها خير ولا بركة، أعاذنا الله من شر ذلك.
السؤال الحادى والعشرون: ما هو القرين وهل لكل واحد من بني آدم قرين وما كيفية التحصن منه؟
الجواب:
القرين هو شيطان تقترن حياته بحياة الانسان من ساعة ان يولد إلى أن يموت، وذلك ليجاهد الإنسان هذا القرين من بداية حياته، فيبدأ الأبوان في تحصين طفلهما ضده، وذلك بالآذان في أذنه اليمنى، والإقامة في أذنه اليسرى، وببعض آيات القرآن كسورتي الفلق والناس وبالحديث الشريف فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حصن الحسن والحسين عليهما السلام بقوله:
{اللهم إني أعيذهما بك من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة}. [رواه البخاري ومسلم]. إلى أن يكبر هذا الطفل فيتحصن من قرينه بالمجاهدة، وبطاعة الله وبالعلم، واتباع سبيل المؤمنين وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما من مولود إلا ويولد معه قرينه من الجن قالوا حتى أنت يا رسول الله قال حتى أنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم}. [رواه مسلم من حديث ابن مسعود]. وقال صلى الله عليه وسلم: {إن الشيطان ليجرى من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش}. [رواه البخاري ومسلم عن أنس].
وهذا الحديث الشريف يبين أن الشيطان ليس قرينًا ومصاحبًا للإنسان فحسب، ولكنه يتخلل أعضاءه وشرايينه وأوردته، وإن واجب المؤمن أن يضيق عليه المسالك، وأن يسد في وجهه هذه المجارى بطاعة الله وعبادته، وخاصة عبادة الصوم والذكر، فإن المؤمن إذا ذكر الله، ولى الشيطان هاربًا. وكذلك قراءة القرآن فإن الشيطان إذا سمعها أدبر مسرعًا.
السؤال الثاني والعشرون: هل الجن أعلم من بني آدم في الفنون والعلوم الكونية؟.
الجواب:
إن العلم كله ينحصر فى العلم كله، لكل نوع من انواع الكائنات علمهم، الذي به قوام حياتهم، وإن الاختراع وليد الحاجة، فإذا احتاج الكائن الحي لشيء، أخذ يفكر في كيفية الحصول على هذا الشيء، والجن قد يعلم بحاجات كثيرة، لا علم للإنسان بها، لأن الإنسان لا حاجة له فى العلم بها، حتى يبحث عنها، ولكن الإنسان هو أكمل الأنواع العاقلة علما، ودليل ذلك ان آدم عليه السلام أمره الله سبحانه وتعالى أن يعلم الملائكة وهم أفضل من الجن وأرقى منه فقال جل شأنه: ﴿ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ﴾. [33،البقرة]. وذلك بعد أن عجز الملائكة عن معرفة أسماء ما عرض عليهم من أشياء، وبناءً على ذلك فالإنسان أعلم من الجن بالفنون والعلوم المادية لأن الإنسان هو الذي أمره الله بعمارة الدنيا لشدة حاجته إليها، من المأكل والمشرب والملبس والمسكن والانتقال والتعامل مع غيره من بنى جنسه والكائنات من حوله، والدفاع عن نفسه والتعلم والزواج وغير ذلك بخلاف الجن، فإنه يعيش عالة على الإنسان في كثير من حاجاته، كما مرت الاشارة الية فى هذا السفر ولأن الجن بسيط فى تكوينه، والإنسان مكون من جميع عناصر الوجود من الماء والهواء والتراب والنار ومن الروح، وإن كبر المبنى يدل على عظم المعنى، ولما وصف الله عمل الجن المسخرين لسيدنا سليمان عليه السلام بين الله ذلك بقوله : ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ﴾. [13،سبأ]. فكان سيدنا سليمان يأمرهم بعمل أشياء يرسمها لهم ويحددها لهم، هذا هو العلم الذى تميز به الإنسان عن الجن، والجن لم يزد كونه عمالاً ينفذون المخطط الذى وضعه لهم عليه السلام، وقد ظهر من ذلك أن علمهم وفنهم يقصر عن الإنسان بكثير جدًا هذا وإن كبار العارفين رضى الله عنهم، كان لهم حكم على من يعتدى على الجن، وكان الجن يطيع أمرهم وقد رأيت منهم رجالاً لا يستطيع الجن مخالفتهم، لأن الله جعل لهم سلطاناً يقهرون به المعتدين من الجن على بني الإنسان. هذا النوع من الرجال اصبح نادرًا في هذا الوقت لأن صلتهم بالله عزَّ وجلَّ أخافت منهم السباع الكاسرة، والشياطين المتمردة، والظُّلام والجبابرة، مصدقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء}. [رواه أبو الشيخ عن أبي أمامة].
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
السؤال الثالث والعشرون: هل درجة علم الجن بالشريعة الاسلامية مثل درجة علم الانسان بها؟
الجواب:
إن الإنسان أسبق إلى العلوم الدينية باعتبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة لهم أولاً قبل الجن، وبقدر هذا السبق فى الزمن بقدر ما بينهم من تفاوت فى درجات العلم بالدين.
وإن الجن المؤمن قد أخذ من الشريعة الاسلامية الأمور المتعلقة بعباداته ومعاملاته التى تتلاءم مع ظروفه وفطرته وحياته، وأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وذلك لأن معاملاته مع بني جنسه غير معاملات الانسان مع بقية اخوانه.
وإن الإنسان الذي جعله الله شيخًا أو أستاذًا للملائكة هو كذلك بالنسبة إلى الجن وأزيد.
فإن الجن يتعلم من مشايخ المسلمين وائمتهم الكثير والكثير من أمور دينه.
وقد أخبرني بعض العارفين أنهم كانوا يشاهدون عالم الجن وهم يصلون خلفهم الصلوات المكتوبة وخاصة فى خلوتهم ومساجدهم الخاصة، فالإمام دائما أعلم بدين الله من المأموم وأفضل منه.
ولم نسمع أن إنسانا صلى خلف أحد من رجال الجن.
مع ملاحظة أن الجن تلقى الإيمان والإسلام وفرائض الدين عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشرف بصحبته، كما ورد فى القرآن الكريم فى قوله تعالى: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ﴾. [29،الأحقاف]. إلى آخر الآيات التي تدل على تشرف الجن بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لحظة فى عمر الكائن العاقل إنْسِيًّا كان م جنيًّا أم ملكًا مقربًا نعمةٌ لا تَعْدِلهَا أي نعمة أخرى من نعم الدنيا كلها لأن لحظة واحدة بين يديه صلى الله عليه وسلم خير من عبادة سبعين سنة، وهذا المعنى قد ورد فى بعض الآثار فإن نظرة منه صلى الله عليه وسلم  للمُؤْمِن ترفعه إلى الدرجات العالية، وتجعله في مصاف المقربين، اللهم عطف علينا قلبه الرحيم إنك يا مولانا مجيب الدعاء وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
 منقول من كتابه حوار حول غوامض الجن

 لفضيلة الشيخ محمد على سلامة

الأحد، 1 مايو 2016

- بحث فى وسـائل نيل المجـد الإسلامي

- بحث فى وسـائل نيل المجـد الإسلامي
الحنين إلى هذا المجد :
كل مسلم آمن بالله سبحانه و برسوله صلى الله عليه وسلم  ، و صدق بيوم الحساب يحن إلى هذا المجد الذي تفضل به على سلفنا الصالح ، بعد أن وفقهم للإيمان و أعانهم على العمل الصالح ، بدليل قوله تعالى  )   وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْوَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٥٥﴾
  سورة النور آية (55) .  و صدق الله العظيم ، فإن الله سبحانه و تعالى جعلهم خلفاء في الأرض ، بعد أن أذل بهم الأكاسرة و القياصرة و جبابرة الجاهلية ، و محا بهم ظلم الظالمـين ، و مكن لهم في الأرض بالحق ، منحهم الأمن بعد الخوف ، و جعلهم أئـمة للهدى ، يقيمون حدود الله بسلطان الله و قوته ، و لو على أنفسهم أو الوالدين و الأقربين ، فكانت صورهم صور الأناسي ، و أعمالهم أعمال الروحانيين عمار ملكوت الله الأعلى ،     و كان الله معهم ، أعطاهم كلمته ، و صرفهم في عوالم كونه ، أخضع بهم الكفرة الظلمة ،   و سخر لهم ملائكته ، فكان العالم أجمع بين مقهور بهم  - من أهل الفساد في الأرض -  أو مطيع لهم  - من سكان الملكوت -  بل كان الله يطيعهم و يستجيب لهم ، حتى كان المسلم إذا عمل له غير المسلم عملا ، فقال : هداك الله ، أو رحمك الله ، لا يكاد يفارقه إلا و قد ملأ الله قلبه إيمانا ، استجابة لدعاء المسلم . و أي شرف و مجد و عز فوق استجابة الله لعبده        و طاعته له ؟  .

و من فهم قوله تعالى  )   إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112)(  سورة المائدة آية (112) ، أن معناها هل يطيعك ربك ، تحقق أن الله يطيع من أطاعه و يستجيب لمن استجاب له .


 و قوله تعالى  )  شَيْئًاوَمَن كَفَرَبَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(، أي من خالف السلف الصالح و ترك العمل بما كانوا عليه ، و عملوا برأيهم لحظهم ، و تركوا سنة أئمة الهدى ، و اتبعوا غير سبيل المؤمنين .  و من ترك العمل بالسنة فهم الفاسقون ، الذين خرجوا من وعد الله فأصابهم ما أصاب جماعة المسلمين في هذا العصر ، لتركهم ما كان عليه أسلافنا رضي الله عنهم ، و أي مسلم لا يحن حنين الثكلى إلى هذا المجد و العز ، و الخير في الدنيا و الآخرة ، و يبذل نفسه و ماله و والديه و عشيرته ، و أرضا يسكنها ، ليعود هذا المجد للمسلمين ، الذي بعودته يفوز المسلم بكل أنواع السعادات في دنياه ، و في برزخه و في  آخرته ؟!  .


وسائل تحقيق المجتمع الإسلامي :


الوسائل المنتجة لعمل المجتمع الإسلامي بالكتاب و السنة حتى يفوز كل فرد بأنواع الخيرات ، و يكون جميع المسلمين هم أهل المدينة المنورة في كل بقاع الأرض ، الذي يظهر لي أنها أربع وسائل :

أولا : أن تكون اللغة التي يتفاهم بها جميع المسلمين  - مع بعضهم بعضا أو مع غيرهم -  هي لغة القرآن و السنة .

ثانيا : أن يجمع جميع المسلمين على إمام واحد يكون هو خليفة رسول الله ، و يكون أكمل الناس شبها به صلى الله عليه وسلم  ، في العلم و العمل و الأخلاق و المعاملات ، بحسب أهل زمانه ، فلا نزنه بالخلفاء الراشدين ، لأن ذلك لا يكاد يوجد ، لكن نزنه بقدر أهل زمانه ، و متى أجمع المسلمون لا نختلف عليه سواء كان عربيا أو عجميا .

ثالثا : أن تقام حدود الله ، بمعنى أن يكون العمل بكتاب الله و بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم  .

رابعا : أن تكون تربية المسلمين مؤسسة على التربية الدينية ، بحيث يكون التعليم أولا  قاصرا على تعليم الإيمان ثم القرآن ، ثم يكون تعليم الصناعات أو الزراعة أو التجارة ،     أو تعليم فنون الجهاد ، و تدبير المدن ، و سياسة المجتمعات ، و يكون تعليم تلك الفنون كله مؤسس على الدين ، لأنها وسائل لإعلاء كلمة الإسـلام ، و حفظ ثغوره ، و جلب الخير لأهله ، و قوة سلطان المسلمين .


أولا : اللغة العـربية :


أكتب في هذا الموضوع كتابة لأخي الذي منحه الله عين العبرة ، و قلب الفكرة ، فنظر بقلبه إلى ما كان عليه السلف الصالح و ما نحن عليه الآن ، فشعر بالفرق البين ، بين عز و مجد و علو في الأرض في الدنيا ، و جوار رب العالمين في مقعد صدق يوم القيامة ، هذه حال سلفنا .  و بين ذل لمن كانوا عبيدا لنا ، و فقر لمن كانوا تبعا لنا ، و خوف ممن كانوا يعوذون بنا ، يتخطفنا من أرضنا من كانوا أهل ذمة أو أرقاء نتصرف فيهم متى شئنا   و كيف شئنا ، هذا كله في الدنيا ، و العذاب الأليم يوم القيامة ، أعوذ بالله من مخالفة السنة   و العمل بغير كتاب الله .



من كان يشهد هذا الفرق العجيب يين الآباء و الأبناء كيف لا تحصل له الحيرة       و يبكي نادما على ما فرط في جنب الله ؟  و يبحث عن هذا المجد الذي تفضل الله به على أجدادنا الذين كانوا في جاهلية عمياء قبله ؟  و كانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم الله به من ذنوبهم ؟  فأصبحنا كما تعلم و يشهد التاريخ و الآثار الباقية .



هذا المجد حقا لم يكن إلا بقوة الاتحاد و الائتلاف و التعصب لإعلاء كلمة الله ،      و العمل بكتابه و سن نبيه ، و لا اتحاد إلا بدين و لغة و نسب و وطن ، و لم تجمع تلك المعاني كلها إلا في الإسلام ، فان للدين لغة هي لغة القرآن و لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، و لغة أئمة الهدى من عرب و عجم ، فإن أكثر أئمة الهدى كانوا من العجم و لغتهم هي لغة القرآن .  هذا سيدنا سلمان الفارسي ، و هذا سيدنا بلال الحبشي الذي جعله أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب سيداﹰبقوله : أبو بكر سيدنا و أعتق سيدنا  - يعني بلالاﹰ  ،  و هذا صهيب الرومي الذي ورد فيه ( نعم العبد صهيب ، لو لم يخف الله لم يعصه ) ، كلمة أثنى الله بها على رسله الكرام ، و هي كلمة ( نعم العبد )  ، و قد أثنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم  على صهيب ،  و هذا سيدنا أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، و سيدنا حارثة ، و سيدنا زيد بن حارثة ،      و سيدنا أسامة بن زيد ، الذي أمـﳲره رسـول الله على أئمة المهاجرين و الأنصار         و غيرهـم ، و من لا يحصى عددهم من الأعاجم ، لم تكن لهم لغة إلا لغة القرآن .   ثم قام بتنفيذ تلك السنة أئمة المسلمين في كل زمان ، فكانوا إذا فتحوا مدينة من المدن ، حثوا من أسلم على تعليم اللغة العربية ، حتى يفهم أسرار الدين و تنكشف له أنواره ، و كأن اللغة العربية أصل من أصول الدين ، لا يكون الدين كاملا إلا بها ، و بدونها لا يكون المسلم مسلما كاملا ، بل يكون مقلدا لا تشرق على قلبه أنوار الإسلام ، و لا يظهر لنفسه جمال الإسلام الحقيقي .

و ما عين رأت من خلف سـتر                      كعين شـاهدت حسا و معنـى



و لما كان الدين الإسلامي هو كتاب الله و كتاب رسول الله ، كان لا بد للمسلم أن يحفظ من القرآن ما يجب عليه أن يحفظه فرض عين أو سنة مؤكدة ، ليس المراد بحفظه أن يكون كالببغاء ، يتكلم بما لا يفهم ، فإن ذلك لا يكون به المسلم مسلما قد أقام الصلاة و نطق بكلمة التوحيد ، فعلى كل مسلم أن يجعل أول مهم يبذل قصارى همته في نيله تعليم اللغة العربية ، و فهم معانيها بقدر ما يخرجه عن أن يكون كالببغاء ، بل يحفظ رتبته في الوجود ، فلا يعمل عملا إلا و يعلم سره ، و لا يعتقد اعتقادا إلا بعد أن يطمئن قلبه به ، إما بنور التسليم أو بواضح الحجة ، و من قال : إني مسلم ، و لم يتعلم اللغة العربية تعصبا للغته ،    و رأى لغته أحب إليه من لغة القرآن ، و أخذته الغيرة على لغة آبائه و أجداده ، التي لم يكن المراد منها إلا التفاهم فقط ، كان هاويا في هاوية الذل في الدنيا ، و في حطمة العذاب في الآخرة ، لأنه يصير ممن لغة آبائه أحب إليه من لغة كتاب الله و سنة رسول الله ، و لو تدبر أخي المسلم  - بصـﳲره الله بعيوبه و نقائصه -  في هذا الأمر ،  لتحقق أن عمله غير سـنة ، و محض جهالة لا ينتفع بها في الدنيا ، بل تضره في الدنيا و توبقه العذاب الأليم في الآخرة ، لأنه  - لجهله باللغة العربية -  يحرم فهم أسرار دينه ، و علم جمالاته الحقيقية ،  و ما كان عليه الأئمة الهداة المرشدون من العوائد الحسنة و الشمائل الجميلة و العزيمة الموجبة لرضوان الله تعالى ، و كل تلك الكمالات لا يتحصل عليها إلا بتعليم اللغة العربية .



و لقائل أن يقول ، إن أكثر من يتكلمون باللغة العربية يجهلون كل تلك المعاني ، فأجيبه : إن جهالة المتكلمين باللغة العربية بتلك المعاني أنتجت لهم المذلة و الخسران في الدنيا لأنهم أهملوا تعليم لغة القرآن و السنة ، و اقتصروا على اللغة العامة ، و اجتهدوا في التفنن في تعليم اللغات الأعجمية ، و لو أنهم تعلموا اللغة العربية لفهموا أسرار القرآن ،      و لفقهوا أحكام الله سبحانه و تعالى .

شرف اللغة العربية بالقرآن :
أيها المسلم : دينك الإسلام و وطنك الإسلام و نسبك الإسلام ، و لغة القرآن هي لغـتك ، فلمﹶتلقي بنفسك من الأفق العلي إلى المكان السحيق ؟  تبعد نفسك عن الله تعالى    و عن رسوله صلى الله عليه وسلم  ، و تقطعها من أخوة المؤمنين فتقول : إني تونسي ، أو أفغاني أو تركي أو مصري أو بخاري .  نعم ، أنا أقول تلك الكلمة عند التعارف لأميز نفسي أمام غيري ،      و لأرفع الستار عن منزلتي من إخوتي المؤمنين ، فربما كان المتكلم معي له قرابة بي لها واجب شرعي غير واجب الأخوة الإسلامية ، من صلة أو إحسان ، لكن يلزم أن أكون موقنا أن الإسلام وطني و نسبي كما أنه ديني ، و أن لغتي هي لغة القرآن التي لا أتكلم إلا بها     - و لو مع غير المسلم كائنا ما كان -  من غير نظر إلى أني تركي أكره أن أتكلم بلغة العرب ، أو أني صيني و هي لغة العرب ، بل لأنها لغة القرآن ، لا لأنها لغة العرب .  فـإن تـﹷـعصـﹷب العـربي لها لأنهـا لغته و لغة آبائه فقط ، بذلك يكون فاسقا ضالا ، كما يحصل التـعصب للغة العربية من نصارى مصر و الشام ، زعما أنها لغة آبائهم ، أو أنها اللغة الفصحى التي من دونها كل اللغات ، فمن تعصب للغة العرب بتلك المعاني فقط فليس بمسلم ، و إن كانت في الحقيقة هي اللغة حقا ، و يجب على كل عاقل من أنواع بني الإنسان أن يتكلم بها لغزارة مادتها ، و خفة ألفاظها على النفس ، و لتأثيرها الروحاني على أهل العقول ، و حسن أساليبها ، و لكن مجدها الحقيقي و شرفها الحقيقي من جهة أنها لغة القرآن فقط ، فمن لم يتعلمها بعد علمه أنها لغة القرآن و قال : أنا مسلم ، فقد ظلم نفسه      و أساء إليها .



أيها المسلم  - الحبشي و النوبي و الفارسي و البخاري و التركي -  : تعلمك اللغة العربية و نطقك بها لا ينسيك نسبك لآبائك ، الذي به التعارف و التمييز ، و لكنه يجملك بالنسب الرباني ، و يجعل لك ملكا يدوم و لا يزول ، تنتقل منه من ملك الدنيا إلى الملك الكبير الأبدي في جوار رب العالمين ، و أنت أيها العربي المدعي أنك أشرف الخلق ، و أن اللغة العربية هي أعظم اللغات ، إن كنت تقول ذلك لأنك مسلم مؤمن بالله و رسوله ، فأنت صادق لأن أكرم الخلق على الله الأتقياء ، و إن حكمت بشرف اللغة العربية لأنها لغة القـرآن فصدقت ، و هذا ما يقول به أخوك التركي و الفارسي و الهندي و الصيني          و السوداني .



و أي مسلم من أنواع الخلق تقول له :  اللغة العربية أفضل اللغات و يجب تعلمها لأنها لغة القرآن يقول لك : لا  ؟    و أي مسلم من أي أنواع الناس تقول له : إني عربي مؤمن بالله و رسوله عامل بكتاب الله و سنة رسول الله فأنا كريم على الله و يقول لك المسلم : لا  ؟  .  إذاﹰتنبه من غفلتك أيها العربي و احفظ لإخوانك المسلمين حقوقهم . إن كان ما يفتخر به اليهودي و النصراني و المجوسي  - ممن يدعون أنهم عرب -  هو فخر لك ، فاستعذ بالله أيها الإنسان ، فمن افتخر على إخوته المؤمنين بما يفتخر به هؤلاء فليس بمسلم عند العلماء ، و كيف يرضيك أن تقول : إني عربي ، و أنت تعين الكافر الذي يتعصب للغـته ليفرق  كلمة إخوتك المؤمنين من ترك أو فرس أو هنود أو أفغانيين ؟  إذا كنت تعادي إخوتك المؤمنين لأنهم ترك ، و تحب النصارى و اليهود لأنهم عرب ، أعوذ بالله ممن أعماه الحظ و أضله الهوى .



كل مسلم يتعصب لجنسه فقط ، أو للغته فقط ، بدون النظر إلى الدين  -  كما يتعصب اليهود و النصارى للغة العربية أو للعرب -  فذلك عدو لا نصلي عليه إذا مات ،   و لا ندفنه في قبور المسلمين ، و لا نزوجه منا ، لأنه مرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية .



و أنت أيها الأخ التركي و الفارسي و الهندي و البخاري ، بل و كل من تفضل الله عليه بالإسلام و اختارهم لتوحيده و لكتابه المجيد ، اعلموا أن النصارى و اليهود  - ممن يدعون أنهم عرب -  شياطين يسعون في جماعة المسلمين ، ليفسدوا ببث روح التفرقة بين المسلم و المسلم بشيء ما أنزل الله به من سلطان ، و هذا سلمان الفارسي من آل بيت رسول الله ، كالعباس بن عبد المطلب و حمزة رضي الله عنهم ، و أبو لهب الهاشمي مقـطوع من هذا البيت الكريم ، و بـلال الحبشي من نسب رسول الله ، و زيد بن حارثة جعله رسـول الله صلى الله عليه وسلم  ابنه كالقاسم ، و زوجه سيدة من سادات بني هاشم ، ليس الأمر يا إخوتي بنسب الآباء و لغتهم .



أقول قولي هذا و أنا  - و الحمد لله -  حسني حسيني من والدي و والدتي ، و إنما الأمر ببذل النفس و المال و الجاه و النسب و اللغة و استبدال كل ذلك بنسب الإسلام و لغة القرآن و عزة الإيمان لنيل رضوان الله الأكبر ، و لإعلاء كلمة الله ، و إذلال أعداء الله ،    و لعلونا جماعة المسلمين في الأرض بالحق ، حتى يكون الله و رسوله أحب إلينا مما سـواهما ، و تكون لغة القرآن أحب إلينا من لغة أنفسنا ، و نسب الله و رسوله أحب إلينا من نسب آبائنا ، إلا بالقدر الذي به نصل رحمنا و نتعارف ببعضنا .



دعوة إلى تعميم اللغة العربية :



يا إخوتي الترك : إن الله تعالى منحكم الإمامة و مكن لكم في الأرض ، كل ذلك بالإسلام لا بغيره ، و بسر روحانية رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، و يعلم الله فيكم الخير ، فإن الله أعلم حيث يجعل إمامته ، قال الله تعالى  )  قَالَإِنِّيجَاعِلُكَلِلنَّاسِإِمَامًاقَالَوَمِنذُرِّيَّتِيقَالَلاَ  يَنَالُعَهْدِيالظَّالِمِينَ(  سورة البقرة آية (124)  ، و شكر الله تعالى واجب ، فاشكروا الله بأن تجعلوا لغة القرآن لغتكم ، و نسب رسول الله نسبكم ، فيصبح جميع المؤمنين إخوة لكم آنسين بكم ، يتفاهمون معكم و يأمنون جانبكم .



أنتم يا إخواني الأتراك حفظتم حوزة الدين زمانا طويلا ، و نشرتم الإسلام في بلاد الروم ، و لأسلافكم الصالحين تمسك بالقرآن و عمل بالسنة ، بها مكن الله لهم في ألأرض ، و لكن اشتغالهم بالجهاد و بالفتوحات لم يمكنهم من تعميم اللغة العربية ، و جعل التفاهم بها ، و ها أنتم و الحمد لله شعرتم بهذا النقص ، و بالفراغ الواسع بينكم و بين إخوتكم المؤمنين ، فسارعوا إلى تعليم اللغة العربية يا إخوتي ، أيد الله بكم دينه ، و جدد الله بكم مجد المسلمين ، و أذل بكم أعداء الدين ، و اجتهدوا أن تجعلوها هي اللغة التي يجب أن يتكلم بها غير المسلم مع المسلم و غيره ، في بلاد الإسلام ، حتى تزول التفرقة التي أوجدها من ليسوا مسلمين في المسلمين ، طمعا في إضعاف سلطان المسلمين و تمزيق المجتمع الإسلامي ، و يأبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون ، يقول الله تعالى  )  إِنَّمَاالْمُؤْمِنُونَإِخْوَةٌ (  ، و هذا نسب الله الذي يحكم به و حكمه الذي أخبرنا به ، فكيف نترك العمل بكتاب الله تعالى و نعمل  بهوانا فنقو ل : المصري أخو المصري ، و الشامي أخو الشامي و التركي أخو التركي      و الفارسي أخو الفارسي ؟  .



إذا وفقنا الله و أعاننا بأن نجعل لغة القرآن هي اللغة التي يجب أن يكون التفاهم بها  و التحرير بها ، أكرمنا الله أولا بالائتلاف و الاتحاد حتى نكون كالجسد الواحد ، و ثانيا يحفظ الله مجتمعنا من تداخل الأجنبي بيننا بالفساد  بوجوه :

أولا : أنه لا يتكلم معنا إلا باللغة العربية ، فلا يمكنه أن يدس دسيسة باللغة العربية لأنه يخشى أن ينفضح أمام المسلمين ،

ثانيا : أن غير المسلمين  - ممن يدعون أنهم عرب -  لا يجدون لهم باب شر يدخلون منه على جماعة المسلمين ليفرقوهم .

ثالثا : أني لو قلت : أنا تركي ، و الأخر قال : أنا عربي ، و نحن نتكلم باللغة العربية ، لا تحصل عداوة بيننا لأننا نمثل رجلين ، كل رجل من قبيلة يفتخر بقبيلته ، لا دخل للدين في الموضوع ، كما يفاخر بنو هاشم بني أمية .

رابعا : يحصل خير عظيم بتعليم اللغة العربية و جعلها لغة التفاهم ، لأن الشياطين الذين يدخلون بين المسلمين بالتفريق  - بدعوى أن الخلافة تركية أو عربية -  لا يجدون سبيلا ،  و كم من عدو للمسلمين يسهر الليل ليكيد لهم بسبب اللغة التركية و العربية ، و لو أن إخوتنا الترك محوا هذا الشر لجددوا مجد الإسلام ، و ردوا له ما كان في عصر سلفنا الصالح .



هذا ما يحصل من الخير في الدنيا ، أما ما يحصل من النعيم المقيم يوم القيامة ، فذلك بما ينكشف للعقل من أسرار القرآن ، و ما يتجلى للروح من أنواره ، و ما يطمئن به القلب من أدلته و حججه ، حتى ينعقد القلب على توحيد الله تعالى ، و الصدق في معاملته ،        و الإخلاص لذاته الأحدية ، بما يفهمه من كتاب الله ، و ما يمد به من روحانية رسول الله عند قراءة كلامه صلى الله عليه وسلم  .  هذا ، و إن الإفرنج يتعلمون اللغة العـربية  - يا إخوتي -  لغرض دنيء من أغراض الدنيا ليكيدوا لنا ، و قد نالوا ما نالوه بتعليم اللغة العربية ، و الأخذ بعمل السلف الصالح في الاستعمار و الأخلاق و المعاملات ، فإذا كان الإفرنج يتعلمون اللغة العربية  - التي ليست لغة دينهم و لا لغة أوطانهم و لا لغة آبائهم -  فكيف بنا و هي لغة كتاب الله و لغة رسول الله ، و لغة العلوم و الفنون و الآداب ، و لغة أئمة الهدى من عجم    و عرب ، و قد فرض علينا تعليمها ؟  .



أنا  - و الحمد لله -  على يقين أن أخوتنا الأتراك فقهاء في الدين ، لا فرق بين التركي و صميم العربي في اليقين الحق ، و ربما كانوا على جانب من الآداب و الاحترام للقرآن الشريف ينبيء عن كمال اليقين الحق ، قد لا يبلغه إلا أهل المعرفة من غيرهم ، فلم يبق سوى إيثار لغة القرآن و لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم  على غيرها من اللغات ، حتى يبرهنوا أنهم يؤثرون الله و رسوله و لغة كتابه العزيز على أنفسهم  و آبائهم و لغتهم ،  فينالون بذلك الرضا من الله تعالى و المعونة منه سبحانه ، بالتمكين في الأرض ، و قطع جراثيم الضلال الذين يسعون بين جماعة المسلمين بالإفساد بسبب اختلاف اللغات ،  و بذلك يسد باب الفتنة فلا يحصل الخلاف لتركي و عربي ، لأن أقباط مصر الذين يتكلمون باللغة العربية يحسبون بين المسلمين عربا ، و كذلك نصارى الشام الذين هم من أبناء الرومان ، يدعون أنهم عرب لتكلمهم باللغة العربية ، و يتعصبون للعرب بسبب ذلك للإفساد ، و لبث السم في الدسم ، أعاذ الله جماعة المسلمين من التعصب لغير الحق ، و من التمسك بما يضر في الدنيا و الآخرة ،  و لا ينفع في الدنيا و لا في الآخرة ، منحنا الله جميعا التعصب للحق و لو على أنفسنا حتى نكون مع الحق سبحانه ، و يكون الحق معنا .



و قد تبين لنا أن اللغة العربية إنما نتعصب لها لا لأنها لغة العرب بل لأنها لغة القرآن الشريف و لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، و كل شيء من الله و رسوله هو أحب إلينا من أنفسنا و من آبائنا ، حبا في الله و في رسوله صلى الله عليه وسلم  ، و إيثارا لله  و رسوله على أنفسنا  و على من سواهما و ما سواهما ، و ليس ذلك بالأمر الصعب ، لأن تعليم اللغة العربية إذا كان عن رغبة في الله سبحانه و رسوله صلى الله عليه وسلم  ، تيسر للكبير و سهل على الصغير ، و قد لا تمضي شهور إلا و الكل يتكلمون باللغة العربية مع الرغبة و الحب ، و لا شك أن هذا الأمل إذا حققه الله تعالى أصبح المجتمع الإسلامي كما كان أولاﹰ، لهم السيادة و السلطان و المنعة و القوة و التمكين في الأرض بالحق .



كل الذي قررته حقائق بديهية ، لا اشك أن كل من تكلم بغير اللغة العربية منا يشعر في نفسه بنقص ، لا أقول : في كمالياته ، بل في ألزم ضرورياته التي بها صحة دينه        و سعادته في الدنيا ، و  راحة قلبه ، و ذلك لأن المسلم الذي يتكلم بغير لغة القرآن الكريم يجهل دينه و ما به من الكمالات و الأخلاق و المعاملات التي بها ساد سلفنا الصالح ،        و يـلزم على ذلك أن الصناعات و التجارات و الفنون و الحرف التي حث عليها القرآن ،   و أمرنا بالمسارعة إلى عملها ، و العمل فيها للدين ، تهمل أو تكون كتبها بغير لغة القرآن الشريف ، و يختص بها أعداء القرآن ، و هي ضرورة لحفظ ديننا و راحتنا في الدنيا ، فيحصل الضعف لمن تركوا التكلم بلغة القرآن في دينهم و دنياهم ، و تنحصر العلوم القرآنية  - التي تتجاوز الألف علم عداﹰ-  في غير الإسلام .



كل ذلك يحصل لأن المسلمين يتفاهمون بغير لغة القرآن الكريم ، و المسلمون مذ كانت لغتهم لغة القرآن الكير ، كانوا لا يهتمون إلا بما هو خير لجميع المسلين ، و الله سبحانه و تعالى أسأل أن يوقظ قلوبنا جميعا من نومة الغفلة و رقدة الجهالة ، و يبصر العربي منا بتقصيره في التعصب للحق و تعصبه للغته بدون ملاحظة أنها لغة القرآن ، و ينبه إخواننا بالنقص الناشيء بترك لغة القرآن و تعصبهم للغتهم ، عنادا لأهل الجهالة من المفسدين الذين يثيرون شحناء المفاسد بيننا ، لإيقاع العداوة بين الأخ و أخيه في الله تعالى ، بعد أن اتصل نسبنا بالله سبحانه و برسوله صلى الله عليه وسلم  ، فصرنا إخوانا في الله تعالى ، كما قال سبحانه و تعالى   )  وَنَزَعْنَامَافِيصُدُورِهِممِّنْغِلٍّإِخْوَانًاعَلَىسُرُرٍمُّتَقَابِلِينَ (سورة الحجر آية (47) ، و قد تمكنوا من قلوب المسلمين ، حتى شغلوهم بعداوة بعضهم ، و بعمل المكايد لبعضهم فالتفتوا عن العمل الصالح من تقوية الثغور و فتح دور الصناعات لإعداد العدة و جمع القلوب للعدو ، و نشر العلوم القرآنية بين جماعات المسلمين ،  و نشر الدين بين العالم بالطرق التي سلكها سلفنا الصالح ، حتى يسعد المسلمون بقوة السلطان في الدنيا ، و السعادة الأبدية في الآخرة ، و لكن ترك الجماعة الإقتداء بالسلف ، و شغلهم أهل الفساد ، حتى حصل ما لا يخفى على مسلم .



أسأله سبحانه أن يجمع قلوب المسلمين بروح منه سبحانه ، لتقوى الرغبة فيما عند الله تعالى ، و تشتد محبة المسلم للمسلم ، و يسارع كل مسلم في خير إخوته المسلمين ، حتى يعود الإسلام كما بدأ ، سر قوله صلى الله عليه وسلم  ( بدأ الإسلام غريبا و سيعود كما بدأ ) ، و معنى الحديث ظاهر لمن ألقى السمع و هو شهيد ، و قد قال الله تعالى  )   هُوَالَّذِيأَرْسَلَرَسُولَهُبِالْهُدَىوَدِينِالْحَقِّلِيُظْهِرَهُ  عَلَىالدِّينِكُلِّهِوَلَوْكَرِهَالْمُشْرِكُونَ(  سورة الصف آية (9)  ، و سنة الله تعالى في عباده لا تبديل لها ، و سيجعل الله للمسلمين التمكين في الأرض ، و يظهر دينه على الدين كله كما وعد سبحانه ، و لا تبديل لكلمات الله ، و صلى الله على سيدنا محمد و آله و سلم ، آمين .





شفاء مرض التفرقة :



هذا المرض الجاهلي  - و هو العصبية للآباء و الأجداد لتأسيس ملك أسس على الظلم و الجور -  هدم الإسلام ، هذا العماد الباطل الذي جعل المجتمع الإنساني كغابة جمعت أنواع الوحوش و الحيوانات ، يفترس القوي و الضعيف ، حتى بلغ الظلم مبلغا عبد الإنسان فيه الإنسان ، فلما أن أشرقت أنوار الإسلام على العالم ، محت تلك الضلالة ، فجعل نسب المسلمين هو الإسلام ، و قد ورد ( كل نسب و كل حسب مقطوع إلا نسبي و حسبي ) .



ظهر الحق للمسلمين فتمسكوا به و رفضوا ما سواه ، فكان الله سبحانه معهم و لهم ، و صار المسلمون جميعا جنسا واحدا ، الله تعالى ربنا و سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  نبينا ، و القرآن إمامنا ،    و الإسلام ديننا و وطننا و نسبنا ، و قمنا لله مخلصين له الدين ، لنخلص العالم أجمع من ظلمات الجاهلية ، و ضلالات أهل الكتاب ، و ألوهية الجبابرة ، فأسرع العالم أجمع إلى هذا المجد بعد أن علموا أنه الحق اليقين ، انتشر هذا النور بسرعة أدهشت العقول ، فكان أسرع من انتشار أشعة الشمس في أفقها ، فأذل تيجان الجبابرة ، محا كسرى و قيصر و ملوك اليمن و جبابرة جاهلية العرب ، و طغاة الهند و الصين ، و ظلمات آسيا و أفريقيا ،         و جهالات الإقيانوسية ، و عم النور من المسلمين غيرهم من أهل الذمة ، و دام مدة التمسك بهذا النسب و رفض التعصب للجنس .  حتى فتحت الدنيا فتنافسوها فتفرقوا شيعا ، و سرى هذا المرض في أعضاء المجتمع ، بعد انتقال الخلافة من الأمويين إلى العباسيين ، فهاجر رجال بني أمية إلى المغرب ، و إلى أواسط أفريقيا في السودان ، فتكونت مملكة في الأندلس و أخرى في السودان و هي مملكة الفتح ، و تعدد الخليفة ، فتنبه الإفرنج للحملة عليهم ،     و لكن قوة الإيمان في قلوب المسلمين أضعفت مساعي الإفرنج .



اشتد هذا المرض حتى استقل كل عامل بإقليمه ، و قوى عامل الحسد و الطمع ، فصارت الجيوش الإسلامية  - التي كانت تحمل النور و التوحيد لجميع الأمم -  معاول للتفرقة و آلات لهدم المجد الإسلامي ، و لو أن العالم أجمع قاموا لحرب المسلمين  - و هم مسلمون حقا -  لنصرهم الله تعالى عليهم ، و لكنهم التفتوا عن الله تعالى فالتفت الله عنهم .  انتهز الإفرنج تلك الفرصة فأثاروا ثائرة الحرب الصليبية لمحو النور الإسلامي ، فهب المسلمون من كل أرض هبوب قواصف الريح ، فمحوا طغيان أهل الظلم ، و أخرجوهم من الأراضي الإسلامية ( مصر و سوريا ) ، و جـدد الله للمسلمين مجدهم ، فقامت الدولة العثمانية لخدمة الإسلام في آسيا و أوروبا ، و أخضعت ملوك أوروبا ، صارت آسيا         و أفريقـيا و البلقان من أوروبا مملكة إسلامية .



 مكث المجتمع الإسلامي ينشر الأنوار ، حتى غدر الأسبان بدولة المسلمين في الأندلس ، و سلبوا فنونها و صناعاتها ، و انتشرت في أوروبا تلك العلوم و الحضارة ،      و طمع الإفرنج في الشرق عندما اشتغلت الدولة العثمانية بحوادث داخليتها ، فأرسلوا الفساد على أيدي البغاة و باعة الخمر و الميسر ، و أخذوا في الخبث و الخديعة حتى تمكنوا من إفساد العقائد و الأخلاق ، و استحسن من لا خلاق لهم عوائدهم ، حتى أعادوا الجاهلية الأولى و هي الجنسية ، فانتشر هذا المرض حتى عادى المسلم أخاه ، و فارق من كان يتولاه ، و لا غرابة ، فإن أمة الترك و الفرس  - و هم أبناء رجل واحد -  تعصب الترك لطهران ،     و الفرس  لإيران ، و هما أخوان شقيقان ، كل ذلك من نار الجنسية و شرار إفساد أوروبا ، ثم تعصب كل مجتمع لاسم بلده ، و اشتدت تلك الحمية حتى ضرب المسلم وجه أخيه المسلم ، و هذا يقول : تونسي ، و الآخر يقول : مصري ، و غيره يقول : سوري ، و عراقي        و عربي و تركي ، أو أفغاني و هندي ، كل ذلك بسبب ترك النسب الديني ، خدم رجـال الترك الإسلام و المسلمين فأثبتت نهضتهم الأخيرة نهضة السلف الأولى ،  فكانوا للدين كالروح التي سرت فأحيت الجسد ، و أعادت له العافية الأولى .



لم تطفأ نار أوروبا عن الشرق ، و لكن قامت تبث الدسائس ، و تعلن الحروب على الخلافة العظمى ، طورا مجتمعة ، و أخرى متفرقة ، حتى كانت حروب البلقان .  و لم تكتف بها ، بل شغلت طرابلس و اليمن و الشام و مصر و العراق و الحجاز و بلاد العرب بالفتن  و الأطماع و الخروج على الخلافة ، بغضا للشرق و أهله و طمعا في محو الخلافة الإسـلامية ، و الله غالب على أمره .



أيد الله المسلمين و عزز رجال الخلافة ، فقاموا لله و رسوله و لوطنهم لدفع العدو الظالم ، و ليس من العجيب أن تظهر بعض دول أوروبا ما تكنه من العداوة و البغضاء للإسلام و المسلمين ، و لكن العجب أن تقوم فئة من المسلمين فيخرجون على الخليفة مسارعين في أعداء الله !  يضرب المسلم وجه أخيه !  و يزعم باطلا أنه عربي و أنه شريف هاشمي !  و هي دعوة لا حجة عليها ، انظر إلى الحجاز و خروجه على الخلافة و سكونه إلى أعداء الله و رسوله ، و إلى أهل الشام و خلافهم على  رجال الخلافة ، و معاونتهم لأهل الحرب ، و انظر إلى اليمن و إلى القائم فيها على الخلافة ، و هو يدعي شرف النسب ،      و إلى العراق و إلى المسلط عليها السال سيفه على المسلمين ليؤيد سلطان المسلمين على المحاربين ، الذين غرتهم الحياة الدنيا فأعمتهم عن الحق و من يحبه سبحانه ، فوالـوا من عاداه و حاربوا من والاه ، و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .



لا  - و من أنزل القرآن و أرسل حبيبه محمدا صلى الله عليه وسلم  و أيده -  لينصرن الله من ينصره و رسله بالغيب كما هو وعده ، قال تعالى  )  وَكَانَحَقًّاعَلَيْنَانَصْرالْمُؤْمِنِينَ(  سورة الروم آية (47)  ، و قال سبحانه  )  مَّنكَانَيُرِيدُالْعَاجِلَةَعَجَّلْنَالَهُفِيهَامَانَشَاءلِمَننُّرِيدُثُمَّ  جَعَلْنَالَهُجَهَنَّمَيَصْلاهَامَذْمُومًامَّدْحُورًا(  سورة الإسراء آية (18)  ، و قال تعالى  )  يَاأَيُّهَاالَّذِينَآمَنُوالَاتَتَّخِذُواعَدُوِّيوَعَدُوَّكُمْأَوْلِيَاءتُلْقُونَ   إِلَيْهِمبِالْمَوَدَّةِوَقَدْكَفَرُوابِمَاجَاءكُممِّنَالْحَقِّ(  سورة الممتحنة آية (1) ، و قال تعالى  )  لَاتَجِدُقَوْمًايُؤْمِنُونَبِاللَّهِوَالْيَوْمِالْآخِرِيُوَادُّونَمَنْ  حَادَّاللَّهَوَرَسُولَهُوَلَوْكَانُواآبَاءهُمْأَوْأَبْنَاءهُمْ  أَوْإِخْوَانَهُمْأَوْعَشِيرَتَهُمْأُوْلَئِكَكَتَبَفِيقُلُوبِهِمُ   الْإِيمَانَوَأَيَّدَهُمبِرُوحٍمِّنْهُوَيُدْخِلُهُمْجَنَّاتٍتَجْرِي  مِنتَحْتِهَاالْأَنْهَارُخَالِدِينَفِيهَارَضِيَاللَّهُعَنْهُمْوَرَضُوا   عَنْهُأُوْلَئِكَحِزْبُاللَّهِأَلَاإِنَّحِزْبَاللَّهِهُمُالْمُفْلِحُونَ   (  سورة المجادلة آية (22)  . و قد أظهرت تلك الحوادث أعظم معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم  في هذا الزمان ، قال صلى الله عليه وسلم  ( ليضربنكم عليه عودا كما ضربتموهم عليه بدءا ) و معنى هذا الحديث أن العرب ضربوا الأمم جميعهم لإعلاء كلمة الله و نجاة العالم من الكفر و من ظلم الظالمين ، ثم ارتدوا في هذا العصر عن الحق و نصروا الباطل ، و قام أنصار الله تعالى من الترك و من والى الله و رسوله معهم من الفرس         و الأفغان و الهند و القوقاز و أذربيجان ، حتى ظهر الحـق للهنـدوس عـﹹبـﳲـاد الـشمس و البقر ، فسارعوا لنصرة الخلافة و رجالها ، وفـق الله هؤلاء المسـلمين و هم من الترك و العجم ، لأن يضربوا العرب بالسيف ليرجعوا إلى العمل بأحكام الإسلام ، فهم الذين نشروه بينهم ، فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، و قامت الحجة أن النسب هو الإسلام ، و أن النسب الطيني لا قيمة له ، و كيف لا ؟  إنا لنرى المغرورين بالنسب الطيني قد استعملهم أعداء الله تعالى في إطفاء نور الله و رسوله ، إلا من عصمهم الله تعالى .



و ها هي المجتمعات الإسلامية في كل أرض ، فترى المدعين الشرف في السودان ، و في مصر و في الحجاز و في الشام و في العراق و غيرها من المجتمعات ، هم المسارعون في أعداء الله تعالى المعينون على هدم دين الإسلام ، و المسارعون إلى إطفاء نور الحق بأفواههم ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره .



فيا رجال الترك و من أقبلوا على الله و رسوله معهم : إنكم الآن تقومون بعمل قام به أصحاب رسول الله و السلف الصالح معهم ، فاشكروا الله الذي أقامكم مقام أصحاب نبيهصلى الله عليه وسلم  من الأنصار ، و انظروا إلى زهرة الحياة الدنيا و زينتها بعيون الإيمان و بأحداق البصائر ، ليكون الله تعالى معنا دائما ، و لنا دائما ، و يعيد بنا مجد السلف الصالح ، و يمكن لنا في ألأرض ، و أعيدوا النسب الإسلامي بمحو التعصب للجنسية ، حتى يكون كل مسلم في أي أرض أخا لكم من والدكم الرءوف الرحيم صلى الله عليه وسلم  ، فإن الله تعالى يقول  )  النَّبِيُّأَوْلَىبِالْمُؤْمِنِينَمِنْأَنفُسِهِمْوَأَزْوَاجُهُأُمَّهَاتُهُمْ        (سورة الأحزاب آية (6)  ، فلا تجعلوا لكم والدا غير رسول اللهصلى الله عليه وسلم  ، و لا أما غير أمهات المؤمنين ، و لهذا النسب الشريف فغاروا ،  و عليه فحافظوا ، تفوزوا بالتمكين في الأرض في الدنيا ، و بجوار رسول الله يوم القيامة ،  و احذروا يا إخوتي  فأوروبا دست السم في الدسم ، فنشرت بين المجتمع الإسلامي التعصب للجنسية و اللغة القومية ، ثم هجمت هجوم الجبابرة و الطغاة فقطعت الأيدي و الأرجل من المجتمع الإسلامي ، و خدرت القلب و الرأس منه ، بغضا في الإسلام و مناوأة لأهله .  فأعيدوا يا إخوتي ، أعزنا الله و أيدنا بروحانية رسول ، هذا المجد ، و هو اتصال نسبنـا بنسبه ، و اعلموا أنه قال صلى الله عليه وسلم  ( آل محمد كل تقي )  و قال ( سلمان منا أهل البيت )  و قال ( أخرج الكفر أبا لهب من نسبي ) ، و قد نفى الله نسب ابن سيدنا نوح و حكم عليه بالكفر .



أعيدوا يا إخوتي ما كان لأنصار رسول الله من الغيرة للإسلام ، و نسيان الجنسية ،   و أنتم تعلمون من هم قبل الإسلام ، كان الرجل يقول : أوسي ، و الآخر يقول : خزرجي ، فأصبحوا بالإسلام إخوانا يقول كل واحد منهم : أنصاري أنا ، و قد أثنى الله تعالى عليهم بقوله )   وَالَّذِينَتَبَوَّؤُواالدَّارَوَالْإِيمَانَمِنقَبْلِهِمْ   يُحِبُّونَمَنْهَاجَرَإِلَيْهِمْوَلَايَجِدُونَفِيصُدُورِهِمْحَاجَةً  مِّمَّاأُوتُواوَيُؤْثِرُونَعَلَىأَنفُسِهِمْوَلَوْكَانَبِهِمْخَصَاصَةٌ وَمَنيُوقَشُحَّنَفْسِهِفَأُوْلَئِكَهُمُالْمُفْلِحُونَ  (سورة الحشر آية (9) .



فسارعوا لتكونوا أنتم هم عند الله تعالى ، و عند رسولهصلى الله عليه وسلم  ، و عند العلماء بالله تعالى ، و إني لأطمع من الله تعالى أن يمنحكم هذا الفضل العظيم ، و أن يظهر بكم دينه على الدين كله .





نداء إلى العرب :



يا أيها العرب : إن الله تعالى نشر دينه على أيديكم و ألسنتكم ، فمنكم صدر الحق    و بكم انتشر ، و البذرة إذا غرست في الأرض أخرجت بذورا كثيرة من نوعها ، فلو غرس الفلاح بذرة قمح فخرجت شعيرا ، أينسبها إلى القمح ؟  أو يضعها في مخزنه ؟  لا  ،      إذا تقرر ذلك فليس هؤلاء بعرب و ليسوا من البذرة الهاشمية ، و الله أعلم بهم ، قال تعالى   ) إِنَّهُلَيْسَمِنْأَهْلِكَإِنَّهُعَمَلٌغَيْرُصَالِحٍ(  سورة هود آية (46)  ، و لو كان الولد من نوح عليه السلام لكان صديقا نبيا ،  أو كان وليا تقيا ،   تداركوا يا رجال العرب فإنكم   تلقون أنفسكم في هاوية سحيقة بها تغضبون رسول الله ، و تهلكون أنفسكم و أبناءكم .     متى كان عدو رسول الله محبا للمسلمين ؟  متى كان المنكر لرسالتهصلى الله عليه وسلم  مواليا للمسلمين ؟  غرتكم الحياة و زينتها ، و نسيتم الآخرة و نعيمها و عذابها ، قال تعالى  )  وَماالْحَيَاةُالدُّنْيَا  إِلاَّمَتَاعُالْغُرُورِ(  سورة آل عمران آية (185)  .



و أنتم أيها المنتسبون للشرف ، الذين أحبهم المسلمون لنسبهم لآبائهم الصالحين ،    قد استوجبتم لعنة الله تعالى لغروركم بزينة الدنيا و زخرفها ، و السيادة فيها و المسارعة في أعداء الله ، هؤلاء أهلكوا أنفسهم و أهلكوا من والاهم ، و ستقوم القيامة و لديها يكونون كما قال الله تعالى )  إِذْتَبَرَّأَالَّذِينَاتُّبِعُواْمِنَالَّذِينَاتَّبَعُواْوَرَأَوُاْالْعَذَابَ  وَتَقَطَّعَتْبِهِمُالأَسْبَابُ(  سورة البقرة آية (166) .



و أنت أيها الزعماء ، تعلمون أن الله تعالى يقول  )  وَتَعَاوَنُواْعَلَىالْبرِّوَالتَّقْوَىوَلاَتَعَاوَنُواْ  عَلَىالإِثْمِوَالْعُدْوَانِوَاتَّقُواْاللّهَإِنَّاللّهَشَدِيدُالْعِقَابِ(  سورة المائدة آية (2)  ،  و يقول تعالى )  وَلاَتَرْكَنُواْإِلَىالَّذِينَظَلَمُواْ   فَتَمَسَّكُمُالنَّارُوَمَالَكُممِّندُونِاللّهِمِنْأَوْلِيَاءثُمَّ   لاَتُنصَرُونَ(  سورة هود آية (113)  ،     و يقول سبحانه  )  وَسَارِعُواْإِلَىمَغْفِرَةٍمِّنرَّبِّكُمْوَجَنَّةٍعَرْضُهَا  السَّمَاوَاتُوَالأَرْضُأُعِدَّتْلِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَيُنفِقُونَ  فِيالسَّرَّاءوَالضَّرَّاءوَالْكَاظِمِينَالْغَيْظَوَالْعَافِينَ  عَنِالنَّاسِوَاللّهُيُحِبُّالْمُحْسِنِينَ (  سورة آل عمران آيات ( 133 ، 134)  ، و يقول  )  وَاعْتَصِمُواْبِحَبْلِاللّهِجَمِيعًاوَلاَتَفَرَّقُواْ   وَاذْكُرُواْنِعْمَةَاللّهِعَلَيْكُمْإِذْكُنتُمْأَعْدَاءفَأَلَّفَبَيْنَقُلُوبِكُمْ  فَأَصْبَحْتُمبِنِعْمَتِهِإِخْوَانًا(  سورة آل عمران آية (103)  .  فاتقوا الله ،  فإن الدنيا زائلة   و نعيمها فان ، و تيقنوا أنكم مسئولون عن أنفسكم و عن من تقودونهم ، فاهتموا بمحو البدع  و الضلالة ، و إحياء السنن و الهداية ، لتنالوا الحسنيين في الدنيا و الآخرة إن ساعد القدر ، أو تفوزوا بالحسنى الدائمة في الآخرة ، و احذروا أن يقودكم الهوى و حب العاجلة فيتمكن العدو من الأمة ، و اعلموا أن النصر من الله ، و أن الظفر مع الصبر ، و أن الله ينظر إلى القلوب ، فعمروها باليقين الحق ، و الثقة بما عند الله تعالى .





تنبيه للعـلمـاء :

و أنتم أيها العلماء ، ورثة الأنبياء و أئمة الهدى ، و مصابيح الدجى ، و المسئولون يوم القيامة عن أمانة الله و ميراث رسول الله ، كشف لكم العلم الحقيقة .  هل بين لكم العلم بأن الدنيا دار البقاء ؟  أو بين لك أن النعيم في الآخرة بمعصية الله ؟  و مجاراة أعداء الله ؟     يا مصابيح الهدى : ما لكم أظلمتم ؟ ، و يا أنجم البيان : ما لكم هويتم ؟ ، هل بعد العلم اليقين تفردون الدنيا بالقصد ؟  و هل بعد البيان و التعيين تسكن نفوسكم إلى محو السنة و تعزيز البدعة ؟!  اشرحوا لي قوله تعالى  )  فَتَرَىالَّذِينَ فِي  قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ  يَقُولُونَ نَخْشَىأَن تُصِيبَنَادَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَنيَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْأَمْرٍ  مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْعَلَى مَاأَسَرُّواْفِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ(  سورة المائدة آية (52)  ، و قوله تعالى )  وَلاَتَرْكَنُواْإِلَىا لَّذِينَ ظَلَمُواْ   فَتَمَسَّكُمُ النَّارُوَمَالَكُم مِّن دُونِاللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ   لاَتُنصَرُونَ(  سورة هود آية (113)    .


يا علماء الدنيا ، و عبيد الأمراء ، و أنصار أعداء الله ، اسمعوا بقلوبكم قوله تعالى   )  إَنَّ الَّذِينَ لاَيَرْجُونَلِقَاءنَا وَرَضُواْبِالْحَياةِالدُّنْيَاوَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَاغَافِلُونَ  أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ  النُّارُبِمَاكَانُواْيَكْسِبُونَ(  سورة يونس آيات (7 ، 8) ، و قوله تعالى  )  إِنَّمَايَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء(  سورة فاطر آية (28)  .  اعلموا  - منحني الله و اياكم يقظة القلوب -   أن الله ما ائتمنكم على أمانته فأقـامكم ورثة لحبيبه و مصطفاه صلى الله عليه وسلم  ، إلا لتحفظوا رسول الله في أمته ، و تنصروه بإحياء سنته ، و تدبروا قوله تعالى      )  وَاللّهُوَرَسُولُهُأَحَقُّ أَنيُرْضُوهُإِنكَانُواْمُؤْمِنِينَ(  سورة التوبة آية (62)  .



هلموا بنا نتوب إلى الله و نرجع إليه ، قبل أن ينزل هازم اللذات و مفرق الجماعات ، و يقفل باب التوبة ، و اعلموا صدق وعد الله تعالى في قوله سبحانه  )  حَتَّىَ إِذَاأَخَذَتِالأَرْضُ زُخْرُفَهَاوَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَاأَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَاأَمْرُنَالَيْلاًأَوْنَهَارًافَجَعَلْنَاهَاحَصِيدًاكَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ(  سورة يونس آية (24)  ، و قد ظهر مدلول هذه الآية في أوروبا و أمريكا و اليابان ، و ظهرت علامات الانتقام منهم جميعا لإصرارهم على الظلم    و الطغيان ، قال صلى الله عليه وسلم  ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ) .

و إني أسأل الله تعالى أن يمنحنا العلم النافع ، و القلب الخاشع ، و النور الساطع ،   و يجدد بنا سنن نبينا صلى الله عليه وسلم  ، انه مجيب الدعاء ، آمين .


توجيه للنشء :


أيها الشباب الناشئون الآن ، و الرجال المسئولون غدا ، اعلموا أن لكم مجدا تليدا ، شاده أسلافكم الكرام بالعمل بوصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، حتى ملكوا الأرض طولها و العرض ، و لكن أهمل آباؤكم في واجب السنة ، فتفككت أعضاؤهم ، و تمزقت مجتمعاتهم ، و أذلهم العدو الخداع ، و قام كل واحد يقول : نفسي ، و جهلوا أنهم في سفينة لا نجاة لهم عليها إلا بإقامة حدود الله ، و العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، و لو أن واحدا منكم جهل موقفه في هذا الوجود ، و دعاه العطش إلى خرق السفينة ليشرب من تحت رجليه ، و لم يمنعه الراكبون فيها بالقهر ، هلك و أهلكهم جميعا ، فكذلك أنتم يا أولادي ، يلزم أن تحافظوا على السفينة بالنفس و النفائس ، من أن يهمل واحد من المجتمع الإسلامي فيمكن العدو .



يا أبنائي : ، إن آباؤكم أهملوا فأضاعوكم أنتم ، و أنتم رجـال المستقبل ، و هم رجال الآخرة لكبر سنهم ، فأعزوا أنفسكم بالعمل بسنة رسول الله ، و ارفعوها عن أن تدنس بما حرمه الله ، و قومـوا لله و لرسوله صلى الله عليه وسلم  بالإخلاص ، و لأوطانكم العزيزة التي هي الإسـلام ، و الأرض التي فتحها المسلمون بدماء أصحاب رسول الله ، فاحفظوها و زيدوها كما فعل السلف الصالح ، و اعتقدوا أن الله تعالى يقول )وَلِلَّهِالْعِزَّةُوَلِرَسُولِهِوَلِلْمُؤْمِنِينَ(سورة المنافقون آية (8) .


ثانيا : إجماع المسلمين على إمام واحد :

الوسيلة الثانية هي إجماع المسلمين على إمام واحد ، بحيث أن كل من قام يدعو إلى نفسه للبيعة بالخلافة مع وجود الإمام القائم يعد من الخوارج ، و يجب أن يقتله المسلمون لأنه يعد ساعيا في الأرض بالإفساد ، هذا كله ما دام الإمام لم يعمل عملا يخرجه عن الإسلام ، بإباحة ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله ، أو يترك ثغور المسلمين ليتمكن منها العدو ،     لأنه إن حصل منه ما يخرجه عن الدين ، سقط حقه على جماعة المسلمين ، و خرج من عهد الله ، و من عهد رسوله صلى الله عليه وسلم  ، و الواجب على أهل الرأي من المسلمين أن يخلعوه و يبايعوا غيره .  و الخارج عليه  - ما دام قائما بقدر استطاعته -  كلب من كلاب النار ، يعني أنه يطلب دنيا لا ديناﹰ، و يسعى في حظ يفرق به جماعة المسلمين .


متى رضي المسلمون بوجود إمامين في عصر واحد  - مهما اتسع الملك -  كان ذلك موجبا لغضب الله ، و إضعافا لسلطان المسلمين ، و قد سبق لي الكلام على الإمام مستوفى في كتاب ( النور المبين ) فمن أراد العلم به فليراجعه في موضعه من الكتاب .   والله تعالى ينبه إخواني المسلمين للعمل بالكتاب و السنة ، و إيثار ما عند الله على ما في الدنيـا ، إنه مجيب الدعاء ، و صلى اللهم على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم

ثالثا : إقامة حدود الله :

هذا الموضوع أهم المواضيع التي تجب العناية بها لأمرين عظيمين :

الأمر الأول :أن سعادة المسلمين في تلك الدار الدنيا ، و أمنهم على أنفسهم و أموالهم و أعراضهم و راحة قلوبهم ، متوقف على إقامة حدود الله ، بل و صفاء أفكارهم التي بها العمل في الدنيا للآخرة ، لأن الفرد إذا عمل في التفكير للمتعدى عليه ،   و أذية المبيح لعرضه و ماله ، أهمل العمل في الدنيا للآخرة  - من اختراعه و تحصيل علوم الصناعات   و الفنون -  و متى اشتغل كل فرد من المسلمين بتلك البلايا ، أصبح المجتمع كالجسد الذي اعتورته أمراض في كل أعضائه ، فصار في حاجة إلى الممرض والطبيب و المعين ، بعد أن كان قاهرا لأعدائه ، عاملا لنفع أعضائه المتممة له . هذا بعض ما يصيب المجتمع بترك إقامة حدود الله في الدنيا ، و كفى بذلك شرا ، و ذلك لأن الحكيم القادر خلق الإنسان مفطورا على الحرص ، و شغفا بنيل حظوظه و أغراضه ، فهو أجرأ من السبع عند نيل حظ من حظوظه ، لأن السبع إنما يجرأ بلا فكر و لا روية ، فقد يتقى و يتحفظ من شره ، و أما الإنسان فإنه عندما يدعوه حظه يقوم بتنفيذه بقوتين  - قوته البدنية التي هي كالسبع و قوة التدبير بفكره -  فلا يمكن أن يدفع شره ، و لذا فالحكيم القادر جعل حدوده و من أنواع القصاص و التعذير و التأديب ، لكبح جماح النفوس الطاغية الباغية ، و جعل أنواع العبادات و القربات لتزكيتها و تطهيرها بعد كبحها .  فإذا أهمل المسلمون في إقامة حـدود الله       و إقامة شعائره ظهر الفساد في البر و البحر ، و صار المجتمع كمجتمع الحيوانات المفترسة في غابة ، و وكلهم الله إلى أنفسهم ، و مكن منهم عدوهم ، و حبس عنهم رزق السماء ، فصاروا أذلاء بعد العز ، أعوذ بالله من قوم يضيع الحق بينهم .



الأمر الثاني: أن إهمال إقامة حدود الله و ترك القيـام بشعائر الله تجعل المؤمن ينقص إيمانه ، حتى قد يزول من قلبه ، فيخرج من الدنيا بغير إيمان  - نعوذ بالله من ذلك -  قال الله تعالى )   إِنَّمَاالْمُؤْمِنُونَالَّذِينَ إِذَا ذُكِرَاللّهُ وَجِلَتْ  قُلُوبُهُمْ وَإِذَاتُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًاوَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ     الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّارَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ      أُوْلَـئِكَهُمُالْمُؤْمِنُونَحَقًّالَّهُمْدَرَجَاتٌعِندَ  رَبِّهِمْوَمَغْفِرَةٌوَرِزْقٌكَرِيمٌ  (سورة الأنفال آيات (2-4) ، و قال صلى الله عليه وسلم  ( لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن ، و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن ) الحديث ، و قال صلى الله عليه وسلم  ( تارك الصلاة ملعون ) ، فوصف الله تعالى المؤمنين بما به يكونون مؤمنين ، و وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم  المنافقين الذين لا إيمان لهم بما به يكونون منافقين ، و قد بين الله سبحانه و تعالى صفات عباده المؤمنين في آية جمعت ما لا يكون المؤمن مؤمنا إلا به ، و هو قوله تعالى  ) ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (63)﴾   ، و قال الله تعالى   )  وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ (  سورة الطلاق آية (1)   ، و قد بين الله تعالى في القرآن الشريف أن الشرك ظلم عظيم بقوله تعالى  ) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴿١٣﴾

لما كان المتعدي حدود الله قد ظلم نفسه ، فكأن الآية تشير إلى أن المتعدي حدود الله مشرك ، و أن التظاهر بالشرك ظلم عظيم ، و الفرق بين المتظاهر بالشرك و المتعدي حدود الله ، أن المتظاهر بالشرك كافر مخلد في نار جهنم ،   و المسلم المتعدي حدود الله وسع الله له الأمر في أن يتوب إليه ، فإن تاب التوبة النصوح بشروطها التي بينتها في كتاب ( أصول الأصول ) فذلك برهان على مغفرة الله له ، و إن مات على  غير توبته  - و العياذ بالله -  فأمره مفوض إلى ربه ، إن شاء أماته كافرا ، أو شاء أماته مسلما ، و عذبه على خطاياه    أو غفر له ، و أدخله الجنة ، لا يسئل عما يفعل و هم يسألون .

الإهمال في إقامة حدود الله و القيام بشعائره موبقة للنفوس ، ماحقة للإيمان ، مجلبة لغضب الله ، موجبة لعذاب الله إن لم يغفر .


من الذي يقيم حدود الله و يقوم بشعائر الله ؟ :

أولا : الفرد المسلم :

أما أولاﹰو بالذات : فكل فرد من المسلمين واجب عليه أن يسعى في جلب الخير لنفسه ، و دفع الضر عنه ، و لا خير أعظم من العمل بكتاب الله و المحافظة على سنة رسول الله ، لأنه بذلك يسعد السعادتين و ينال الخيرين ، و يسود في الدارين و لو عاش فقيرا ،   فإن العمل بالسنة و الكتاب ، يشرح الصدور و تطمئن به القلوب ، و يريح الفكر و البدن ،   و يجعل الإنسان آمنا في سربه ميسرا له قوته ، معافى في بدنه ، و هي سعادة الدنيا .  محبوبا في قومه ، موسعا له في قبره ، محمولا على نجائب العناية و رفارف الحنانة و الرأفة الإلهية ، و هي السعادة في الآخرة .



و مثل هذا متى ينقبض صدره ، أو يضيق رزقه ، أو يتألم جسمه ،  أو يهان بين قومه ، أو يفتقر إلى شرار الخلق ، أو يذل أبنائه بعده ؟  و قد قام بما جعل الله تعالى معه في حياته الدنيا بالهداية و التوفيق ، و في حياته البرزخية بالبشائر و الرحمة ، و في حياته الأخرى بالقرب و مشاهدة الوجه الجميل ، و النعيم المقيم ، و جعل الله تعالى خليفة عنه على أبنائه و أهله ، و من جعل الله خليفة عنه على أبنائه و أهله ، لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ، قال الله تعالى في تحقيق ما قلنا  )أَلاإِنَّأَوْلِيَاءاللّهِلاَخَوْفٌعَلَيْهِمْوَلاَهُمْيَحْزَنُونَ  (  سورة يونس آية (62)  ،  و قال الله تعالى في خلافته عن وليه على أبنائه بعد موته  )وَأَمَّاالْجِدَارُفَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْ نِفِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌلَّهُمَاوَكَانَ أَبُوهُمَاصَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْيَبْلُغَا أَشُدَّهُمَاوَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ   (  سـورة الكهف آية (82)  .



هذا بعض ما يمكن أن يسطر على الأوراق ، أو تنطق به الألسنة ، من الخير الذي يناله المحافظ على حدود الله ، القـائم بشعائر الله ،  و نعمة الله لا تحصى على الأفراد العصاة أو الكفار ، من الإمداد و الإيجاد و العناية ، فكيف بنعم الله على العبد المطيع الولي ؟  لا يعلم نعم الله على  العبد المطيع إلا الله .



فالواجب على كل فرد من أفراد المسلمين  - و لو أهمل السلطان إقامة حدود الله     و المحافظة على شعائره -  أن يحافظ على العمل بالسنة و الكتاب ، محافظة على نفسه من أن يقع في هوة النار ، أو في جب تـنهشه الأفاعي ، و ليسارع إلى العمل بالسنة و الكتاب ،  كما يسارع إلى أن يملك أرضا ذات أنهار جارية و حدائق غناء و نسيم عليل  بليل ،  و أمن و أمان و إطلاق و سلطان ، ينالها بلا عناء و لا تعب فادح ، و لا بذل مال و لا نفس ، كيف تكون مسارعته إليها ؟  الجواب أكله إلى نفسه .

فالواجب على كل مسلم أن يقوم بنفسه لنيل ما به سعادتها في العاجل و الأجل بكل   ما في وسعه ، و ليعتقد أن إهماله هلاك لنفسه ، و تساهله خسران عليه ، قـال تعالى        )يَعِـظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًاإِنكُنتُم  مُّؤْمِنِينَ  (  سورة النور آية (17)  .

ثانيا السلطان :

أما الثاني الذي يقوم بحدود الله تعالى ، وان كان في ظاهر الأمر هو الأول ، كما قال سيدنا عثمان بن عفان ( ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن ) فهو السلطان القائم بالخلافة عن ربه و عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  المنفذ لأحكام الله ، المقيم حدود الله ، المحافظ على ثغور المسلمين ، الذي ينام الناس و يسهر ، و يرتاح الناس و يتعب ، و يأمن الناس و يخاف ،     و يشبع الناس و يجوع ليستريح يوم القيامة ، و يشبع و يأمن و يتنعم بنعيم لم يتـنعم به أحد غيره ، و هو الأمـان الذي يكبح النفوس عن استرسالها فيما فطرت عليه من المفاسد         و الأهـواء ، و يعين المظلوم على الظالم ، يؤم الناس في صلاتهم ، و يطوف عليهم في ليلهم ، يعود مرضاهم ، و يشيع جنائزهم ، و يذكرهم أيام ربهم ، فيكون إماما للمتقين ،      و سراجا منيرا لرعيته المطيعين ، و حربا على العصاة المارقين ، و أعداء الإسلام          و المسلمين المظاهرين ، هو الذي يقيم حدود الله ، و عدل ساعة منه حير من أربعين سنة مطرا ، فإن عدل ساعة ترضي الله تعالى و رسوله ، و تجعل المجتمع في سرور و أمان    و ائتلاف و وفاق ، فتكون قلوبنا مجتمعة  و الله معنا ، و متى اجتمعت القلوب كان  الله معنا فحقق وعده سبحانه الذي وعدنا به بقوله تعالى )   وَعَدَاللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوامِنكُمْ وَعَمِلُوا  الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَااسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنقَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ  الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ  وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًايَعْبُدُونَنِي  لَايُشْرِكُونَ بِي  شَيْئًاوَمَن كَفَرَبَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ  (  سورة النور آية (55) .


و قد أنجز وعده سبحانه  - بمزيد فضل منه -  لسلفنا الصالح رضي الله عنهم ، فمكن لهم في الأرض تمكينا أذل لهم جبابرة الأرض و ملوكها ، و نشر بهم دينهم بين عباده الذين سبقت لهم الحسنى منه سبحانه ، و كان كل من على ظهر البسيطة  في وسعة من الرزق ، و أمن على النفس و المال و الأهل و الولد ، و عافية في الأبدان ، لا فرق بين المسلم و الذمي ، فللذمي من الحقوق الاجتماعية ما للمسلم و زيادة .  أما قولنا ( و زيادة ) فلأن المسلم كان يطالب بزكاة ماله و حماية الثغور و جهاد العدو ، و بحقوق لإخوته المؤمنين في ماله و نفسه  - غير الواجب -  و القيام بشعائر الله ، و كان الذمي لا يطالب بشيء غير الجزية التي تؤخذ منه ليساعد بها على كبح جماح الظالم و إقامة العدل بين الناس ، و لحفظ الأنهار و جسور الترع  ، و لرجال الخفر و الحراسة ، و لتأسيس المستشفيات و الملاجيء للأيتام و العجزة و الشيوخ ، و لتجنيد الجند ، و هذا القدر كان ينفق على أهل الذمة أضعاف أضعافه من بيت مال المسلمين ، فكان هذا العمل من العدل و المساواة و إقامة حدود الله     و العمل بسنة رسول الله ، تمكينا من الله لعباده المسلمين .



و الإهمال في إقامة حدود الله و إحياء شعائر الله مؤد إلى ظلم العباد ، و خـراب البلاد ، و غضب الله عليهم ، و لا ينظر الله إلى جماعة تعدوا حدوده ، و أماتـوا سنته ،    و عملوا بغير كتابه ، و قوم لا ينظر الله إليهم أوقعوا أنفسهم في مقت الله و غضبه ، و أعوذ بالله من موجبات سخطه .

السلطان ظل الله في أرضه ، و سيفه المسلول على أعدائه ، و روضه الزاهر دانى الجنى لأوليائه ، و هو  - إذا كان كما وصفنا -  القـطب الغوث الفرد الجامع ، محل نظر الله إلى عباده ، و ميزاب فضله العظيم على أحبابه ، نسأل الله تعالى أن لا يخلي الأرض من قائم له سبحانه و تعالى بحجة ، و يفتح كنوز فضله و خزائن جوده و أبواب نعمه الواسعة  ، إنه مجيب الدعاء ، و صلى اللهم على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم .


ثالثا : المجتمع :

الثالث الذي يقوم بحدود الله ، و هو الحاكم على الخليفة ألأعظم ، و ممده ، و بيده خلعه و بقاؤه ، و يمكنه أن يعصيه و يطيعه ، و هو المجتمع ، و عليه أعظم  المسئولية ،    و بتهاونه  - و لو مع الإمام -  تحصل له البلية ، فالإمام و المجتمع مثلهما رسول اللهصلى الله عليه وسلم  بالسفينة التي بها دور أسفل و دور أعلى ، فالذين في العلو يشربون من النهر ، و الذين في السفل يتناولون الماء من أهل العلو ، فلو قام واحد من أهل السفل و أخذ الفأس و أراد أن يخرق السفينة لتـناول الماء من النهر أهلك الجميع .  فعلى المجتمع أن يتحد و يتضامن على تنبيه السلطان لخير الجميع ، أو قهره على ذلك ، فإذا أبى خلع ، و إنما ينبه إذا أهمل في حدود الله سبحانه ، أو أهمل في شعائر الله ، أو سعى في الأرض بالفساد .  و إنما يقوم بهذا العمل المجتمع الإسلامي الذي تجمل بجمال أهل المدينة المنورة ، عقيدة و عبادة و خلقا      و معاملة ، لا مطلق مجتمع ، و الواجب على المجتمع الذي لم يتكمل بهذا لكمال أن يبتدئوا بتزكية نفوسهم ، حتى إذا زكت ولى الله عليهم خيارهم ، كما قال صلى الله عليه وسلم  ( كما تكونوا يول عليكم ) ، أسال الله تعالى أن يمنحنا الهداية و التو فيق لما يحب ، و أن يولي أمورنا خيارنا ، إنه مجيب الدعاء .


و في الحقيقة و نفس الأمر ، إذا صلح المجتمع صلح بصلاحه الخليفة و الولاة ، لأن المجتمع الصالح يصلح من تولى أمره ، أسأل الله تعالى أن يمنحنا الـهداية و التوفيق لما يحب ، و أن يولي أمره لمن كان مصلحا ، و أن  تكون عناية الله محيطة به .


رابعا : تربية المسلمين التربية الدينية :

الوسيلة الرابعة  - و هي كون تربية المسلمين مؤسسة على التربية الدينية -  بحيث يكون التعليم أولا قاصرا على تعليم الإيمان ثم القرآن ، ثم يكون تعليم الصناعات ،          أو الزراعة أو التجارة ، أو تعليم فنون الجهاد و تدبير المدن و سياسة المجتمعات ، كله مؤسس على الدين ، و يكون تعليم تلك الفنون لأنها وسائل لإعلاء كلمة الإسلام ، و حفظ ثغوره ، و جلب الخير لأهله و قوة سلطان المسلمين .



هذا الموضوع  - و إن أخرناه في الوضع -  إلا أنه مقدم بالطبع ، لأنه الأساس الذي يعد  كقطب الرحى التي تدور حوله ، و ذلك لأن النشء هم الأمة في الحقيقة ، و هم الرجال العاملون في نفس الأمر ، و على قدر تربيتهم يكون مستقبل الدين و الدنيا ، و بقدر العناية بهم يكون نيل الخيرات ، و كذلك بقدر إهمالهم يكون ضياع الدين و الدنيا و الآخرة ، فأما الآباء فكأنهم كالزرع الذي أخرج شطأه فاستوى على سوقه ، و كمل و لم يبق إلا حصاده و حفظ جذوره ، فإذا كانت البذور جيدة صالحة أنبتت كل حبة سبع سنابل ، في كل سنبلة مائة حبة ، و إن كانت ضعيفة فاسدة ، استطرقها الفساد حتى لو وضعت في أخصب أرض ما أنبتت .   و هذا مثل الآباء الصالحين و الأمهات الصالحات ، الذين علموا حق العلم أن أبناءهم أسرارهم ، فانتقى الآباء الأمهات كما ينتقي المزارع الأرض الخصبة لجودة زرعه ،  كما  قال صلى الله عليه وسلم  ( تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس ) ، و  يقول صلى الله عليه وسلم  ( اياكم و خضراء الدمن ،  قالوا : و ما خضراء الدمن يا رسول الله ؟  قال : المرأة الحسناء في المنبت السوء )  على أنه إذا تزوج الإنسان بزوجة ناقصة الأخلاق فعليه أن يجاهد نفسه في أن يكمل ما فيها من الأخلاق ، حتى تكون زوجة فاضلة تعينه على طاعة الله تعالى ، تسره إن حضر ، و تحفظه إن غاب ، لأني أعتقد أن الأخلاق ليست طبيعية ، و إن خالفني في ذلك من كتب في علوم الأخلاق ممن لم يستـنر قلبه بنور القرآن المجيد .  فإذا رزقه الله بمولـود اشتركا في العناية به ،    لتكون صحته جيدة بالمحافظة عليه ، بتدبير صحته في غذائه و لباسه و نومه        و نظافته ، ليشب شباب الأصحاء ، حتى إذا تنبهت فيه قوة الغضب و المدافعة عن نفسه بالانتقام مما يؤذيه ، لاحظاه ملاحظة تجعله يكون بطيء الغضب ، صبورا على تحمل ما يؤذيه ليحس أن ذلك لا يغضب ، و بالنظر إليه بدون بشاشة عند تسرعه في الانتقام ، ليحس أن ذلك العمل قبيح ، حتى إذا تنبهت فيه قوة الفضائل  - و أولها الحياء -  و ابتداؤها من سن التقليد     من السنة الثالثة من عمره ، و يتباعد الوالدان من عمل القبيح قولا كان أو فعلا ، و لو بالإشارة ، فان كان و لا بد ففي خلوة  ، لأن الولد لا يرى في عينيه أكمل من والديه ،       و يلزم إن يعملا أمامه الأعمال الفاضلة كالصلاة ، و شكر المحسن و تأديب المسيء ،       و الصدقة ، و مدح أهل الفضائل مدحا يشوقه إليها ، و التحرز من مدح بعض أهل الرذائل أمامه ، و كما يحصل من الجهلاء الذين يمدحون الحمقى في أعمالهم القبيحة ،  و يلاحظ أيضا أن لا يسب الوالد زوجته أمامه حتى لا يسمع الولد من والديه و لا يرى منهما إلا ما تنمو  به الفضائل ، و يجب أن يحافظا على الأولاد من صحبة أهل الأخلاق الفاسدة ، صغارا كانوا أو كبارا ، و من سماع العبارات القبيحة و الألفاظ السمجة ،  و يعتنيا بمراقبة الأولاد في أوقات الرياضة و الألعاب ، حتى يتبين لهم مضار اللعب في الأماكن القذرة ، و مضار الألعاب المضرة ، و يجب أيضا العناية بالطفل في هذا الدور من أن يشتم بقبيح الشتائم ،    أو يعاقب على بعض هفواته عقوبة صارمة ، فإن ذلك يجعله ينطبع على الرذائل من الكذب  و قلة الحياء ، و الإقدام على القبائح .



و المتعين أن يغض الوالد بصره عن هفوات العين ، و عيوبه التي يدعو إليها سنه ، ثم يؤدبه عليها بموعظة و حكمة بعد فراغه منها ، بحكايات يحكيها له ، أو مثل يضربها له على قدر قواه ، حتى يكره الرذائل و يحب الفضائل ، فينطبع على الأكمل من نشأته ، و يجب على الوالدين أيضا أن يسمعوا أولادهم في هذا الدور من العبارات ما يجعلهم يحبون إخوتهم  و أخواتهم و أقاربهم و جيرانهم ، و أهل محبة والديهم ، حتى ينطبع على الميل إلى التعاون الذي يتلقاه الولد في صغره عن أمه و أبيه ، إذا أعطياه شيئا قالا له : لا تجعل أحدا يشاركك فيه ، فإذا رجع إليهما و أخبرهما أنه أعطى فلانا شيئا اضرباه على ذلك !  .


دور التعليم :

إذا بلغ الولد سن التعليم  - و ذلك في الخامسة من عمره -  ابتدأ والده أن ينبهه لنعم الله المحيطة به من الخبز و الماء ، و الشمس و الهواء ،و النباتات و الحيوانات ،  مبينا له قدر النعمة عليه من الله ، بأسلوب يقبله عقله ، حتى تميل نفسه إلى محبة الله حبا بقدر ما ينكشف له من خواص ما حوله ، لينمو فيه ذلك الحب الذي يكون عليه مدار سعادته في الدنـيا و الآخرة ، فإن محبة الله سبحانه و تعالى إذا حلت قلب الصبي بالبرهان المناسب  لسنه ، شب شباب المفكرين ، و نشأ نشأة الملاحظين ، و تنمو معه محبة الله كلما كوشف بخواص الأشياء التي حوله و ما فيه ، فتشتد الرغبة فيه سبحانه و تعالى ،  و المحبة تؤدي إلى الطاعة ، فإذا علم حكما من أحكام الله سارع  في القيام بالعمل به ، فيكون خلقه ربانيا محمديا بالفطرة بلا تخلق ، و بذلك يجمل بالعواطف الربانية ، و المنن الربانية ، فيكون خيرا حقيقيا لنفسه ، و لوالديه و أرحامه و جيرانه ، و أهل بلده ، و المسلمين جميعا ، و بذلك يكون إماما للمتقين ، و قدوة للمؤمنين .



و متى تربى الأبناء على تلك التربية الحسنة الشرعية ذهب الغل من القلوب و أبدله الله تعالى بالعطف ، و الحسد و أبدله الله بالإيثار على نفسه ، و الطمع فيما لا مطمع فيه     و أبدله الله بالجود ، و الغيبة و النميمة و السعي في مضار الناس و أبدلها الله بالعمل بما  يعني كل شخص ، و متى كثر أهل الفضائل الإسلامية ، قل أهل الرذائل الشيطانية ، أو قلدوا الأتقياء ، أو تستروا في أعمالهم القبيحة ، و إنما تؤثر الفضائل الإسلامية في الطفل من نعومة أظفاره ،  حتى إذا بلغ أشده نمت فيه الفضائل نموا لا يعتورها مزج برذائل ،  و لا خلط بقبائح ، قلا يصدر عنه إلا الكمال .



ثم إذا بلغ الصبي سن تلقي العلوم  - و تبتديء من السنة السابعة -  وجب أن يحتاط والده في هذا الدور حيطة عليه أكثر من حيطته على صحته من الأمراض ،  فإن دور    تلقيه العلوم هو دور الاستعداد لبذر البذور في القلوب .  فإن كانت بذورا تنتج ثمرا طيبا أثمرت ثمرة صالحة ، فنورت قواه الفكرية ، و جملت أفراد أمته ،  و نفعته في دنياه         و أخرته ، و نشأ متمسكا بالآداب الصحيحة عاقد قلبه على العقيدة الحقة ، مجملا بالأخلاق الفاضلة ، مسارعا إلى الخير ، معاونا على البر و التقوى ، مؤمنا كامل الإيمان ، تقيا عاملا بالكتاب و السنة ، إماما للمتقين ، و إن كان ما يبذر في أرض قلبه بذورا خبيثة من الآراء الفاسدة و العقائد المضلة و علوم الجدل و المعارضات ، أنتجت فسادا في الآراء و الأخلاق  و ضعفا في الإيمان ، و إنما النشء بالنسبة للمعلمين و الأساتذة ، كمعدن قابل للطرق ، يصوغه كيف يشاء ، و بقدر ما احتاط الوالدان في المحافظة عليه في دور الطفولية لوقايته من المؤذيات ، يجب أن تكون الحيطة في هذا الدور أعظم ، لأن تلافي المضار في سن الطفولية ممكن ، و لكن ما يعتريه في سن التعليم و التربية كالنقش على الحجر ، لا يمكن تلافيه بوجه من الوجوه .



فيجب أن يكون المعلم أولاﹰتقياﹰيخشى الله تعالى ، و يرجو ثوابه ، و يعلم أن الولد الصغير عضو كبير متمم للأمة ، و يكون عالما بما أوجبه الشرع و ما نهى عنه ، و بمحاسن العوائد القومية ، و بقدر الخير الذي يعود على الأمة من الفرد الواحد إذا كان متعصبا للدين  و العوائد الحسنة القومية ، ميالا بفطرته إلى جلب الخير للأمة و دفع الشر عنها ، مسارعا بسجيته لاستقباح كل عادة قبيحة ، و خلق ذميم ، و لو من أقرب قريب له ، معتقدا حق الاعتقاد أن الحق إنما يؤيده أهل الإيمان العلماء بسبله العارفون بقدر نعمه عليهم ، المؤمنون بيوم الحساب ، الذين شهدوا بعيون بصيرتهم قدر نعمة الدار الآخرة و بقائها ، و يعتقد أن الأمة قد تسود بالفرد الواحد ، إذا نشأ على الآراء الصحيحة و المباديء الحسنة و الغيرة على الدين و حب الوطن ، فيكون المعلم كأنه في أثناء تربيته للنشء يرفع قواعد مجد الأمة و يشيد مراقي سعادتها ، و يفتح لها كنوز الخيرات .


أخص صفات المعلم :

و من أخص صفات المعلم أن يكون كامل الإيمان عالما بقوى النفوس ، و بوظائف الأعضاء ، و أسباب أمراضها ، و ما يحفظ مسلكا يكون فيه نمو قوى النفوس سائرا مع نمو قوى البدن و الأخلاق ، و أن يكون ميالا بطبعه إلى التعليم حبا في العلم ، و رغبة في انتشاره بين الأمة ، لا لأجر يتقاضاه ، أو لمذهب ينشره من مذاهب أهل الفساد ، و آراء مضلة يبثها في الناس ، أو لدسيسة و خديعة ينمي بها أفكار الأمة ، و يربي عليها أبناءها .



و كلما كان معلم علوم اللسان و الأخلاق و العلوم الرياضية ، و فنون الطب ، مسلما كان النفع به أكمل و أتم ، و يلزم أن لا يسلم الطفل لغير المسلم في أي علم أو فن           إلا لضرورة شديدة تدعو إليها الحاجة دينا أو دنيا ، و كل معاهد العلم التي شيدها غير المسلمين أو أدارها رجال ليسوا منهم ، تـفسد العوائد و الأخلاق ، و تضعف قوة التأثير الديني ، و تفكك عرى الوحدة القومية ، و تذهب ثروة الأمة ، و تضعف صناعتها و فنونها ، لأن المعلمين يحسنون للصبيان  - الذين هم الأمة المستقبلة -  عوائدهم و فنونهم و أخلاقهم ، فينطبعون على بغض كل ما كان عليه آباؤهم ، فتنقل أموال الأمة إلى البلاد التي منها المعلمون ، و متى قلت الأموال التي بها عمارة الدنيا ، و قوام الدين ، و بها سد ضروريات الإنسان ، فسدت الأخلاق لأن الضرورة تدعوه إلى الحيل و الكذب لجلب الدنيا و الذل        و الملق.



و إنما الأمم الأخـلاق ما بقـيت             فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبـوا



و لا غرابة ، فإن الأخلاق الإسلامية الفاضلة و تلك النفوس الإسلامية الزكية العالية ، و الشيم العربية الجميلة ، و العزائم التي اكتسبت من القرآن ، و قد كانت كالشمس المشرقة ضحوة يفتخر بها حتى أهل الذمة و جيران المسلمين من الوثنيين و غيرهم ، كادت كأنها لم تكن ، و أبدلت بالرذائل و القبائح ، و كيف لا ؟  و ها هي بيوت الزانيات يتزاحم عليها الناس أكثر من المساجد ، و أماكن الخمر و الميسر يفتخر الجلاس فيها أنهم أهل مدنية و حرية     و فضائل ، و غيرهم أراذل و أسافل ، و منازل الربا صارت كأنها بيوت أموال المسلمين ، يخاف الرجل على ماله من زوجته و أبيه و أمه ، و يضعها أمانة في بيوت الربا ، فأصبح المسلم لا يلذ له الطعام و لا الشراب و لا اللباس ، و لا يتلذذ برياش بيته و فراشه ، إلا إذا كان كل ذلك من صنـاعة غير المسلمين ، و من تجـار غير المسلمين .  هل بعد ذلك انحطاط في الأخلاق ؟  و إسراف في الأموال ؟  و قطيعة للرحم ؟  و حب لفقر الأهل       و الأقارب ؟  كل تلك البلايا لم تصب المجتمع الإسلامي إلا مما بذرفي قلوب الصبيان و هم في دور التعليم .



كان المسلم إذا عمل حيلة في قرض لجلب منفعة له ، و بلغ إخوته المؤمنون تركوا السلام عليه و هجروه لله ، و حرموه طعامه و شرابه ، و قالوا : آكل الربا ، و هو يعمل بحكم شرعي ، إلا أنه حيلة في الجملة .



و إن كنت’ على يقين أن المعلم الذي لم يتجمل بفضائل الأخلاق و لم يتكمل بالكمالات الشرعية يكون ضره أكثر من نفعه ، و إن أمكنه أن يجعل تلاميذه محصلين للعلوم الصحيحة و الفنون المفيدة .  و لكن إذا ما كانت الأمة قد نالت قسطا وافرا من الآداب الإسلامية ،  يكون لكل تلميذ مدرستان ، مدرسة يتلقى فيها العلوم على يد معلم يعلمه ما ينفعه في دينه     و وطنه  - و إن قصرت به نفسه على بلوغ الكمالات الأخلاقية -  و مدرسة منزلية يتلقى فيها الأخلاق و الفضائل الإسلامية و العوائد الحسنة القومية من أساتذة حصروا آمالهم في مستقبل هذا التلميذ ، هم والده و والدته و عمه و جده و خاله و إخوته الكبار عنه ، و أساتذة يحبون أن ينالوا الخير على يده ، هم جيرانه و أقاربه .



فإذا اعتنت الأمة بانتقاء المعلمين ، و اختاروا منهم من توفرت فيه تلك الصفات ،    و هي تقوى الله تعالى ، و التشبه بأئمة الهدى ، و حب العلم و الرغبة في انتشاره ، و حسن سياسة الرعية  - التلاميذ -  و معرفة النفوس و تزكيتها ، و معرفة القوى التي هي الخيال  و الوهم ، و الطرق التي تجعلها صالحة لاكتساب العلوم ، و معرفته و لو بما قل من علم وظائف الأعضاء حتى يمكنه أن يستعمل الحواس الظاهرة في خدمة العقل ، و الصبر الذي يجعله يسوس مملكته التي هو مليكها بلين الجانب ، و أن يكون نافعا مفيدا مشهورا بالفضائل في منزله ، و في المدينة و في مدرسته .


و أكمل صفة في المتعلم أن يكون متزوجا ، و عندي أن المعلم المتزوج أنفع من غيره ، خصوصا إذا كان له أولاد ، فإنه يشعر برحمة للتلاميذ ، و صبر على رعونتهم ،    و حرص على خيرهم و سعادتهم .


الإهمال في اختبار المعلمين :

و قد أهمل الناس اختبار المعلمين في أخلاقهم و آدابهم و فضائلهم ، و اكتفوا بورقة تعطى من معهد من معاهد العلوم ، تشهد لحاملها بالتحصيل ، فتكون تلك الورقة التي هي شهادة من أفراد لا يتجاوز عددهم أربعة أشخاص ، أجلسوه أمامهم دقائق ، و طرحوا عليه مسائل بعد أن استحضرها و حصلها فأجابهم عليها ، فشهدوا له بالتحصيل ، و لا يهمهم أمر آدابه و فضائله و أخلاقه و آرائه و عقيدته و كمالاته النفسانية ، فإن خبث النفس يخفيه الخوف و يظهره الأمن ، هذه الورقة إذا وصلت إليه جعلته بين الأمة  - لجهلها -  كأنه أقـام حجة دامغة على الفضائل النفسانية و الكمالات الأخلاقية ، و امتاز بها على أمته ، فيؤمن على الدماء و الأعراض و النفوس ، و قد يكون طبيبا يدعوه خبث نفسه إلى قتـل نفس بريئة ، أو خراب مدينة ، أو إذلال عائلة .  و قد يكون حاكما فيفسد المجتمع ، و يفرق كلمته ، و يوقع العداوة و البغضاء بين أفراده ، و قد يكون معلما فيفسد الأخلاق و العقائد ،  و يظهر البدع و الضلالات ، و ربما أفسد النشء بتقليدهم له .



كل ذلك لتهاون القائمين بشأن التعليم في امتحان الآداب و الأخلاق و الفضائل        و الكمالات النفسانية امتحانا عمليا ، الأمر الذي أفسد أخلاق المتعلمين من الأمة .  فإنك لا ترى متعلما في هذا العصر إلا و الفضائل عنده رذائل ، و الكمالات الدينية عنده نقائص ،    و العوائد القومية عنده جهالات ، حتى إذا رأى رجلا من أهل الفضيلة و الكمالات و العلم    و الحكمة قال : هذا ليس عصريا و أنا عالم عصري ، ثم رماه بأنه متعصب للقديم ، و لعله يريد بالقديم ما كان عليه الأنبياء عليهم الصلاة و السلام ، من التواضع و الرحمة ببني الإنسان ، و إيثار الناس بالخيرات الدنيوية ، و غض البصر عن عيوب الناس إلا بموعظة حسنة ، و  السعي في تزكية النفس و تحصيل كمالاتها ، هذا الذي يراه قديما .  و يرى أن المدنية الجلوس على الطرقات في أماكن اللهو ، و الغفلة مع الطبقة السفلى من أهل الخلاعة ، الذين لا عقل يعقلهم عن الرذائل ، و لا دين يدعوهم إلى الفضائل ،  من الإباحيين الذين يـرون حالة البهائم هي الفضائل و المدنية ، فلا يشعرون بغيرة على عرض ، فيجلس الرجل يداعب المرأة في المجتمعات ،  و يستحسن أن تكون زوجته و أخته و أمه في هذا المجتمع  - مجتمع الضلالة -  و يرمي زوجته المصونة العفيفة الحيية بأنها جاهلة ليست متربية ،    و نعم ، هي جاهلة  ، لأنها تجهل أنها بهيمة و تعلم أنها إنسانة تقضي عليها رتبتها الإنسانية بألا تبدي جمالها إلا لمن أحله الله لها ، و لا تجالس لغير حاجة ضرورية في أوقات الصفا  إلا من لا يشينها الجلوس معه ديناﹰو أدباﹰو عادة ، و نعم ، ليست متربية تربية تخرجها عن رتبتها الإنسانية إلى رتبة الحمير و الكلاب و القطط ، لا ، بل إلى رتبة أدنى من ذلك ، فإن الحمارة إذا دنا منها الحمار تفر منه و ترفسه حياء ،  و الأنثى من الحمام لا تأنس إلا  بذكرها ، فإذا دنا منها غير  ذكرها  - و كان زوجها في عمل منزلي -  فـرت منه إلى عشها ، و كذلك الأنثى من أنواع الطيور و السباع ، فإلى أي رتبة نزل الإنسان في هذا العصر ؟  اللهم رحماك بالإنسان .



من أين ألمت تلك البلايا بالمسلمين ؟  ألمت بهم من معلمي الضلالة ، و الآباء الجهلاء ، و المتزينين بزي أهل التقوى و الصلاح من كلاب الدنيا ، فكانت تلك الورقة هي الطاعون على الأمة .  و قد كان ولاة الأمور من السلف ينتقون أهل التقوى و الصلاح من العلماء ، و يضربونهم على الولاية ، و ينتقون أهل التقوى و الصلاح من العلماء للإرشاد    و التعليم و يقرونهم على القيام بتلك الوظيفة ، و لا ينظرون إلى غيرهم مهما بلغوا من العلم ما داموا على غير التقوى ، و قد ضرب الإمام أبو حنيفة و سجن على الولاية فأبى ، و قهر الإمام مالك على أن يعلم أمير المؤمنين هارون في بيته فأبى ، و كانت الأمة إذ ذاك هي الأمة مجداﹰو عزاﹰو سلطانا و عدلا .



هذا كله ما تناله الأمة من الخير من المعلمين الصالحين ، و ما تناله من الشر من المعلمين الضالين ، فالمعلمون هم الأمة ، و الأمة بالمعلمين ، و لم يظهر الفساد في أمة و لا تفرقة و لا ضعف و لا محو للسنة و إظهار للضلالات و البدع إلا بالمعلمين ،  فأعاذ الله الأمة الإسلامية من معلمي السوء و دعاة الجهالة .


بيان أنواع الخيرات :

و هنا يحسن أن أضع أصلا عاما مبينا لأنواع الخيرات ، وهذا ألأصل يجب أن تكون التربية العلمية و العملية وسيلة لتحصيله ، يسعى المسلم للقيام بتحصيل أنواع من الخيرات يجذبه إليها الطمع في نيل ثواب الخالق سبحانه و تعالى ، و الفوز بمعونته سبحانه في الدنيا ، و نعيمه و رضوانه و مغفرته في الآخرة ، تلك الخيرات ثلاث :



أولا: تدبير النفس و تطهيرها من لقسها ، و إعـدادها لأن تقوم بالأعمال الخاصة بها ، من تحصيل المعرفة بالله تعالى ، و علم ما يجب له سبحانه ،  و تحصيل الفضائل التي يكون بها المسلم مسلما ، يسلم الناس من يده و لسانه ، و ينتفع الناس به في دينهم و دنياهم .



ثانيا: العناية بالبدن عناية تحفظ عليه صحته ، حتى  تكون أعضاؤه سليمة ، و  أمزجته معتدلة ، يمكنه أن يقوم بتـنجيز ما تدعوه إليه نفسه الفاضلة من الأعمال النافعة ، و لا يكون ذلك إلا بالاعتدال في الرياضة و المأكل و المشرب ، و الملبس و المسكن و الأعمال .

ثالثا: العناية بتحصيل ما به نيل الخيرات للدين و الآخرة و الدنيا من الأموال بطرقها الشرعية الفاضلة ، و السلطان  بوجوهه التي مدحها الشرع ، و حسنها العقل ، و كثرة الأصدقاء الذين لا يمكن للمسلم أن يتحصل عليهم إلا بقدر ما ينالونه منه من الخيرات ديناﹰ   و دنيا ، أو دينا فقط ، أو دنيا فقط ، و الأصدقاء في الله هم خير الأصدقاء الذين ينفع الله بهم المسلم في الدنيا و الآخرة .


تربية المسلمين وسيلة لا غنى لهم عنها :

هذا الأصل ينبغي أن يكون قطب الرحى الذي تدور حواليه أصول التعليم ، حتى إذا حصل أفراد الأمة تلك المعاني و صار كل فرد يعلم وجوه تحصيل الخيرات التي لا بد له منها في أي مجتمع من المجتمعات ، انتقى من معاهد العلم أفرادا فطروا على الخير و الهدى      و التقوى إلى التربية الخصوصية ، ليكون اختصاصيين في تولية الولايات ، أو قيادة الجند   أو الفتية ، أو الإرشاد و الوعظ ، أو علم المخالفات و البرهان و الاستنباط ، بقطع النظر عن النسب و الغنى ، فكم من نفس خبيثة في جسم من أشرف العائلات ، و كم من نفس لئيمة في جسم من أغنى العائلات ، و كم من نفس كريمة فاضلة في إنسان من والدين خاملين ، و هذه حقوق من حقوق الأمة يجب أن تطالب بها الأفراد ،  إن لم يقم بها الأعضاء النائبون عن الأمة ، و الرجال المتسلطون عليها ، و بمشيئة الله تعال سأكتب رسالة في العالم و المتعلم ، ينفع الله بها إن شاء الله تعالى .




شارك فى نشر الخير