آخر الأخبار
موضوعات

الأربعاء، 27 يونيو 2018

- الحياء بين القلب والجوارح

الحياء:
وهو عمل قلبي، وقد صح تسميته إيماناً في حديث الشعب وغيره، ومع ذلك فلا يمكن تصور وجوده في القلب إلا بظهور أثره على اللسان والجوارح وبمقدار حياة الجوارح يقاس حياة القلب.
وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة منها في الأفعال: قصة الثلاثة الذين دخلوا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في الحلقة، فدخل أحدهم فيها، وأعرض الثالث وأما الأوسط فتردد ثم جلس خلفهم، فقال عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه} أي: إنما منعه من الذهاب حياؤه، فشهد له الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحياء بناءً على فعله، فلو أنه ذهب لقال فيه ما قال فيمن ذهب.
وأما الحياء في القول، فمنه قول علي رضي الله عنه: { كنت رجلاً مذاء، فاستحييت أن أسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله ...} فما في قلب علي رضي الله عنه من الحياء منعه من السؤال بنفسه، وهذا مما يعلمه كل إنسان في نفسه؛ أي: متى يستحي وممن يستحي بحسب ما في قلبه.
ثم يأتي بعد هذا مسألة التفاوت في الصلاة والتفاوت في الحياء؛ فصلاة يقترن بها الخشوع وحضور القلب وحسن الأداء، لا تكون كأخرى منقورة نقر الغراب، وكذلك حياء مقرون به زيادة التقوى وحسن السمت وورع اللسان لا يكون كحياء رجل ليس لديه إلا ما يمسكه عما يفعله أو يقوله من لا حياء له. 

- اعمال القلوب واعمال الجوارح

اعمال القلوب واعمال الجوارح
عندما نذكر السلوك الإنساني نعلم أنه يمر بمراحل، فقد وصف بعضهم هذه المراحل كالآتي:
إن المؤمن إذا آمن بالله واستحكم إيمانه، خاف الله تعالى، فإذا خاف الله تعالى، تولد من الخوف الهيبة.
فإذا سكنت غلبة الهيبة، دامت طاعته لربه، فإذا أطاع ربه، تولد من الطاعة الرجاء.
فإذا سكنت درجة الرجاء في القلب، تولد من الرجاء المحبة.
فإذا استحكمت المحبة في قلب العبد، سكن بعدها مقام الشوق، فإذا اشتاق أداه الشوق إلى الأنس بالله، فإذا أنس بالله اطمأن إلى الله، فإذا اطمأن إلى الله، كان ليله في نعيم، ونهاره في نعيم، وسره في نعيم، وعلانيته في نعيم.
نحن نعلم أن التربية الإسلامية تولي الاهتمام الأكبر في تقويم السلوك إلى إصلاح القلب وتثبيت الإيمان فيه، فإذا استقام السلوك القلبى، استقام تبعًا له الخارجي لا محالة، بخلاف العناية بتقويم السلوك الظاهر فقط؛ فإنه يعتبر بناء على غير أساس، وكل بناء على غير أساس عرضة للانهيار.
قال ابن رجب -رحمه الله-: "فأفضل الناس من سلك طريق النبي -صلى الله عليه وسلم- وخواص أصحابه في الاقتصاد في العبادة البدنية، والاجتهاد في الأحوال القلبية؛ فإن سفر الآخرة يقطع بسير القلوب لا بسير الأبدان".
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "والدين القائم بالقلب من الإيمان علمًا وحالًا هو الأصل، والأعمال الظاهرة هي الفروع، وهي كمال الإيمان".
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "ومن تأمل الشريعة في مصادرها ومواردها، علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وأنها لا تنفع بدونها، وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح، وهل يميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كل واحد منهما من الأعمال التي ميَّزت بينهما؟ وهل يمكن أحد الدخول في الإسلام إلا بعمل قلبه قبل جوارحه؟ وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح وأكثر وأدوم؛ فهي واجبة في كل وقت".
أشارت السنة النبوية لهذين الجانبين الهامين في الإنسان، باعتبارهما أساس السلوك السوي والسلوك اللاسوى، فعلى الجانب الوجداني الذي دائمًا نعبر عنه بالقلب يقول -صلى الله عليه وسلم-: ) ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ( أخرجه البخاري ومسلم.
وقد أشار الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالجانب العقلي والوجداني في وقت واحد في قوله للأشج (أشج عبد القيس): ) إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والاناه

الجمعة، 22 يونيو 2018

- الحاج أحمد رضوان رضى الله عنه ..وعلاقة الشيخ أبي الوفا الشرقاوي

سماحة  العارف بالله فضيلة الشيخ مولانا الحاج أحمد رضوان رضى الله عنه ..وعلاقة الشيخ أبي الوفا الشرقاوي
ربطت المحبة في الله بين الأسرة الشرقاوية والأسرة الرضوانية منذ فترة طويلة، حيث كانت هناك علاقات ولقاءات بين الشيخ أبي المعارف أحمد بن شرقاوي وبين الشيخ سلطان جد مولانا الشيخ أحمد رضوان، حيث كان الهدف واحداً والغاية واحدة في نشر سماحة الإسلام، والأخذ بأيدي الناس لمعرفة ربهم والانقياد لخالقهم, وعرف عن مولانا, وعرف مولانا الشيخ أحمد رضوان لآل الشرقاوي مكانتهم الدينية، فعمق صداقته وأخوته بمولانا الشيخ أبي الوفا الشرقاوي العالم المعروف ابن الشيخ أحمد بن شرقاوي، وكانت أول زيارة زارها للساحة الشرقاوية بعد ثورة 1952م، واحتفى به مولانا الشيخ أبو الوفاء.
يقول مولانا الشيخ أحمد رضوان: أنا أول ما صحبت الشيخ أبو الوفا الشرقاوي أخذت معي الغداء والسكر والشاي، وقلت له: ما جئتك إلا لله .. فلما تعاهدنا على محبة الله قال لي: لا تفوتني ولا أفوتك يوم القيامة ..
وكان مولانا الشيخ أحمد رضوان يمكث في الساحة الشرقاوية بالأيام، يقول مولانا الشيخ أحمد عزت أبو الوفا الشرقاوي رضي الله عنه: كان أبي والشيخ أحمد رضوان يجلسان بالساعات ينظر الواحد منهما إلى أخيه، ولا يتكلمان وهما في حالة استغراق عن الدنيا ..
واستمرت اللقاءات بينهما لا يغيب أحدهما عن الآخر حتى انتقل الشيخ أبو الوفا إلى جوار ربه عام 1961 م. فلم تقطع الصلات بين الأسرتين الكريمتين وما زالت عرى المحبة وثيقة عميقة.

الخميس، 21 يونيو 2018

- تنمية وتطوير ذاتك

يُعاني العديد من الأشخاص من مشكلة افتقادهم للثقة بأنفسهم وافتقارهم للقدرة على تقدير ذاتهم، لذلك فهم دائماً مايشعرون بالخجل وعدم الجرأة على التواجد في المجتمعات الكبيرة والمثقفة أو حتّى المجتمعات العادية، وأنت في حال كنت تعاني من هذه المشكلة ماعليك إلّا أن تتابع معنا السطور التالية التي سنُعرفك من خلالها على بعض الأنشطة البسيطة التي تُساعدك على تنمية وتطوير ذاتك.
1- القراءة:
تلعب القراءة دوراً فعّالاً في مساعدة الإنسان على تطوير ذاته وتنميتها وذلك لأنّ القراءة تعمل على توسيع ثقافة الإنسان ومدّهِ  بالمعلومات المفيدة، بالإضافة لدورها الكبير في توسيع قدرة الإنسان على التخيل والإبداع، لذلك ننصحك بقراءة الكتب المفيدة، وبشكلٍ خاص الكتب التي تتحدث عن التاريخ والعظماء، وكذلك الكتب التي تتحدث عن التنمية البشرية وتطوير الذات، وأن تأخذ بكل ماجاء في هذه الكتب لكي تتمكن من تطبيقها على أراض الواقع.

2- محاضرات التنمية البشرية:
تعتبر التنمية البشرية أحد أهم العلوم الحديثة التي تساعدُ الإنسان على اكتشاف ذاته وتطويرها نحو الأفضل، لذلك عليك أن تحرص على حضور مختلف المحاضرات التي يُلقيها العديد من علماء وخبراء التنمية البشرية في العالم، وأن تسعى لتطبيق كل النصائح والإرشادات التي يُقدمونها لك، وذلك لكي تتمكن من اكتشاف ذاتك وتطويرها نحو الأفضل.

3- الأنشطة الاجتماعيّة:
إنّ ممارستك لبعض الأنشطة الاجتماعية يُساهم وبشكلٍ كبير في مساعدك على تطوير ذاتك وتنميتها بشلٍ سليمٍ وآمن، لذلك عليك أن تحرص على التواجد في الكثير من الأنشطة الاجتماعيّة والحملات التي تقام في المدينة التي تسكنُ بها، كأن تقوم مثلاً بالمشاركة بحملات للتبرع، الذهاب إلى الجمعيات الخيريّة، تنظيم رحلات الكشافة والتخييم، وتنظيم الحفلات والمسرحيات.

4- الأصدقاء:
يلعب الأصدقاء دوراً أساسيّاً ومهماً في حياة الإنسان، لذلك عليك أن تختار أصدقائك بحرصٍ وعنايةٍ شديدة، وذلك عن طريق الابتعاد عن الأصدقاء السلبيين الذين يؤثرون وبشكلٍ سلبي على شخصيتك ويُصيبوها بالضعف والانحطاط، وأن تلتزم بصداقة الأشخاص الإيجابيين فقط واللذين سيُضيفون لشخصيتك الكثير من الصفات الحميدة التي ستزيدُ من ثقتك بنفسك وستُنميها، كذلك ننصحك بالتعرف وبشكلٍ دائم على أصدقاء جدد وذلك لكي توّسع من دائرة علاقاتك الاجتماعية التي تساهمُ وبشكلٍ كبير في تنمية ذاتك وتطويرها.



- كيف تتغلّب على أفكارك السلبية؟

لماذا الأفكار السلبية كالسم القاتل توحي للإنسان وتهمس له بأنه شخص عاجز وفاشل وغير محبوب وأنه غير قادر على تحقيق النجاح، وللأسف بعض الناس يتعايشون مع هذه الأفكار بشكل تام فتصبح قناعات راسخة وهذا ما يحول حياتهم لجحيم لا يطاق، إذا كانت الأفكار السلبية تسيطر على حياتك أدعوك لقراءة السطور التالية حيث سنستعرض فيما يلي بعض النصائح التي تساعدك على النجاح في التغلّب على الأفكار السلبية.
1- عزّز ثقتك بنفسك: هذه الخطوة مهمة جداً فهي ستساعدك على النجاح في التغلّب على الأفكار السلبية تجاه نفسك، عزّز ثقتك بنفسك من خلال الإيمان الكامل بقدراتك وبمواهبك ومن خلال التفكير بإنجازاتك الماضية فهذه الأمور ستزيد ثقتك بنفسك وستدفعك إلى العمل والاجتهاد حتى تحقق النجاح والتفوق.
2- أنا شخص ناجح: كل البشر يمرّون بتجارب فاشلة وحتى عظماء التاريخ تمكنوا من الوصول إلى اكتشافاتهم بعد مرات عديدة من المحاولات الفاشلة، فكل ما عليك أن تقوم به هو أن تتوقف عن القول بأنك فاشل وحاول أن تُحفّز نفسك بنفسك وقل بأنك شخص ناجح وتصرّف على هذا النحو.
3- كن شجاعاً: يجب أن تدرك بأن الشجاعة هي أن تتمكّن من طرد الأفكار السلبية من حياتك حتى ولو كنت تعاني الصعوبات والتحديات فأحلامك وأهدافك تستحق منك أن تضحّي من أجلها، لا تستسلم للظروف القاسية واعمل واجتهد حتى تنجح في الوصول إلى كل ما تتمناه في حياتك، بذلك فقط ستنجح في تحقيق النجاح على كل الأصعدة.
4- ركّز على أهدافك: بدلاً من أن تضيع وقتك وتستنفد قواك على أفكار ومعتقدات وهمية لا أساس لها ركّز على أهدافك وطموحاتك التي تريد أن تحققها في حياتك ولا تترك مساحة ولو قليلة للأفكار السلبية، سيُساعدك هذا على الوصول إلى كل ما تطمح إليه ولن يكون للأفكار السلبية مكان في عقلك بعد اليوم.
5- مارس رياضة التأمل: تعتبر تمارين التأمل من أفضل الطرق التي تساعد على التخلّص من الأفكار السلبية فهي تُحسّن الحالة المزاجية وتطرد مشاعر الحزن والألم وتشحن الإنسان بطاقة إيجابية كبيرة لتتركه بحالة من التفاؤل والأمل، فاحرص على ممارستها بانتظام حتى تصبح أكثر إيجابية في حياتك.
6- ابتعد عن السلبيين: يقول الخبراء أنّ أفكارنا تتأثر بظروف البيئة التي نعيش فيها لذلك ينصح بالابتعاد عن كل ما يجعلك تشعر بالسلبية، واحرص بالمقابل على مرافقة الإيجابيين فهم سيقفون إلى جانبك وسيدعمونك حتى تتخطى معاناتك وبمرور الوقت سيصبح تفكيرك إيجابي مثلهم.
7- سافر للخارج: حاول أن تخرج عن الروتين اليومي الذي تعيش به لتتخلّص من الضغوط والتوتر، كما سيكون لديك فرصة كافية لتعيد ترتيب أفكارك بشكل صحيح، يمكنك أن تسافر إلى مدينة أخرى أو لبلد لم تسافر إليه من قبل، سيشعرك هذا بالمتعة والسلام العقلي والروحي.

إذا كانت الأفكار السلبية تسيطر على حياتك تخلص منها عزيزي قبل أن تقضي عليك، واستعن بالطرق السابقة فهي ستساعدك في التغلب عليها إلى الأبد.

- هدفك في الحياة... أوّل خطوة على طريق النّجاح

لماذا نحيا؟ وما المغزى من حياتنا؟ قد نفشل في حياتنا، لكنّ السؤال الأهم... كيف الطّريقُ إلى النّجاح؟
 {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)
إن الطريق الأمثل للنجاح هو وضع الأهداف والسّعي لتحقيقها، والسُّؤال الذي علينا الإجابة عنهُ أوّلاً...

ماهو الهدف؟
الهدف هو الدّافع الأقوى للمضيّ قُدُماً نحو الأمام، وعدم الاستسلام للمعوّقات والظّروف المحيطة، فهو سبيل النّجاة من الفشل،ولكي نحصُد النّجاح لا بدّ لنا من وضع أهدافٍ مُحدّدة، ولا يكون ذلك إلا ببعض التّخطيط، وأن نضع نُصب أعيُننا النقاط التّالية:
• العمل سوف يكون قاسياً لكي نصل إلى الهدف وعلينا معرفة ذلك جيداً وبذل الجّهد المُناسب.
• علينا وبشدّةٍ أن نعرف هدفنا في الحياة، حتّى وإن لم يكن واضحاً في هذه اللحظة.
• إنّ الوصول إلى الهدف صعبٌ ولكنه ليس مستحيلاً.
• الهدفُ سوف يَخلقُ لنا الكثير من الأمور الإيجابية في حياتنا، والتي علينا تجريبُها وتطبيقها.
• إيجاد الهدف يعطينا القوّة لكي نُغيِّر من طريقتنا في الحياة.
ولكي نحدّد أهدافنا علينا البدء بكتابتها على الورق، ووضع خطّة عملٍ مُحكمةٍ، بالإضافة لجدولٍ زمنيٍّ لإنجاز المهام الواحدة تلوَ الأُخرى حتّى النّهاية. بالتّأكيد مع مُرورِ الزّمن قد نُجري بعض التّعديلات على خُطّتنا فيما يتناسب مع سُرعة إنجاز المهام وإتباع الطرق الأبسط لتحقيق الهدف. يجبُ ألّا ننسى جعل الهدف منطقيّاً ومتناسباً مع قدراتنا وطاقاتنا وإمكاناتنا، فبإيماننا بإمكانية وصولنا للهدف لن يجد اليأس طريقهُ إلينا، ولن نعرف المُستحيل.
ويقول عُلماء تطوير الذّات: إذا لم نشعُر بأهدافنا، فسنكون ضائعين، لأنّ الهدف يقوِّمُ طريق النّجاح، فلا يتخلّلهُ أيّةُ تفرُّعاتٍ خاطئة، طالما أدركنا أنّها لا تتماشى مع الأهداف التي نسعى إليها.
ومن غير المنطقيِّ أن نحقّق النّجاح ولم نضع هدفاً نُصب أعيُننا، لأنّ النّجاح هو لحظة تحقيق الهدف، هو الشّعور بالإنتصار على المعوّقات والإحساسُ بثَمرةِ التّعب والمجهود الّلذان بذلناهُما لتحقيق الهدف.
إنّ الهدف من أهمّ خطوات النّجاح وأكثرها دقّةً، لذا فعلينا التّفكيرُ مليّاً في أهدافنا لنتعرف الطّريق الذي سيقودُنا إلى النّجاح في الحياة. ولكي ننجح علينا الإيمان بأنّ أيَّ شيءٍ نريدُ الحصول عليه وبشدّة، فبالتّأكيد هو شيءٌ يستحقُّ العناء لتحقيقه. فالهدف هو الطّريقُ نحو النّجاح، لكنّهُ يحتاجُ العملِ الجّاد وبذل الجُّهد والوقت، للوصول إلى الهدف وتحقيق ما نصبوا إليه.

الثلاثاء، 5 يونيو 2018

. فرح العبد بفضل الله



الحكمة السادسة و الخمسون :
لا تفرحك الطاعة لأنها برزت منك ، و افرح بها لأنها برزت من الله إليك { قل بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون }
فرح المسلم بالطاعة التي يوفق لأدائها ، على نوعين اثنين :
نوع يستند إلى وجود موجب له ، فهو فرح مبرور و مأجور من الله عز و جل .
و نوع آخر لا مستند له إلا االتخيل و الوهم ، و لا يتسبب عنه إلا المقت و حبط الطاعة التي كانت مبعث الفرح .
أما النوع الأول : فيتمثل في فرح العبد بأن وفقه الله لأدائها . و معنى التوفيق أن الله شرح صدره لها ، و أطلق في كيانه أنواع القدرات و القوى للنهوض بها ، و صدّ عن سبيله إليه العوائق و الموانع ، ثم إنه جل جلاله قبلها منه ، على الرغم من النقائص و العيوب التي فيها ، و على الرغم من أنها ليست كفاء عظيم حق الله عليه .
و أما النوع الثاني : فيتمثل في فرحه بما يخيل إليه من القدرة التي يتمتع بها ، و قوة الإدارة التي أكسبته المضيّ فيها و الثبات عليها ، و التفوق بها على الأصحاب و الأقران الذين لا ينهضون ، أو لا يستطيعون النهوض بمثل عمله ، لا سيما عندما تكون الطاعة من الأعمال التي تتوقف على همّة عالية أو على دراية علمية منميزة أو على جرأة و إقدام و قدر كبير من المغامرة ضدّ المخاوف و الأخطار .
من الواضح أن الفرح الأول ، يزيد الطائع شعوراً بعبوديته لله ، و يزيده يقيناً بعجزه الكلي أمام عظيم تدبير الله و سلطانه ، و من ثم يزيده شكراً لله و شعوراً بعظيم منته عليه .. و من ثم يكون فرحه هذا مناط أجر إضافي يدّخره الله له بالإضافة إلى أجر الطاعة التي أداها له .
كما أن من الواضح أن الفرح الثاني لا يأتي إلا ثمرة لون من ألوان الشرك بالله عز و جل ، هيمن على كيان هذا الطائع و فكره . إذ إن هذا الفرح لا يطوف بنفسه إلا لغيابه عن معنى الكلمة القدسية التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و التي أمرنا أن نتشبع بمعناها و أن نكررها في كل مناسبة : (( لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم )) .
و ليس الشرك محصوراً في معناها السطحي المتمثل في عبادة الأصنام و ما سوى الله ، أو المتمثل في أن يتجه أحدنا بالدعاء إلى غير الله ، بل إن له معنى خفياً يتسرب بسبب خفائه إلى أفئدة و نفوس كثير من المسلمين دون معرفة له و لا شعور به ، و ذلك هو مصدر خطورته ، إذ لا يصادف عملاً صالحاً ، أو عبادة من العبادات ، أو نوعاً من أنواع الجهاد ، إلاّ أحبطه و أفقده قيمته و حوله من طاعة مبرورة إلى معصية و شرك . و صدق الله القائل : { و ما يؤمن أكثرهم بالله إلاّ و هم مشركون } [ يوسف : 12 / 106 ] .
هذا الشرك الخفي ، هو أن يرى الإنسان من ذاته شيئاً ، هو مبعث القوة إن سار و تحرك ، أو مبعث الدراية و الفهم إن علّم أو تعلّم ، أو مبعث الملك و الغنى إن شبع و تنعّم ، أو مبعث الغلبة و القهر إن قدر و تحكّم .
هذه كلها أوهام تناقض الحقيقة التر ركب منها الإنسان ، و من ثم فهي تناقض التوحيد ، و تناقض حال من يزعم أنه موحّد ، من حملة هذه الأوهام ، مهما كرر و أعاد كلمة (( لا إله إلاّ الله )) .
إن كلمة قدسية واحدة تطير هذه الأوهام كلها ، ألا و هي (( لا حول و لا قوة إلا بالله )) .
و انظر الآن إلى الأثر الذي يتركه في نفسك كل من هاتين الفرحتين ، و إلى فرق ما بينهما .
عندما يستبد الفرح بنفسك للدافع الثاني - و لا أطيل في تكرير بيانه - لا بدّ أن يتكون من فرحك هذا نسيج يحجبك عن الله عز و جل ، و ينسيك قيوميته على ذاتك ، و يقصيك عن الشعور بتفضله و منته عليك . و عندئذ لا بدّ أن يتحول فرحك هذا إلى اعتداد وزهو بالنفس ، ثم إلى عجب و تسام على الأصحاب و الأقران ، ثم إلى يقين بأنك قد ضمنت لنفسك الأجر الذي تستحقه ، و إلى أمْنِِ من مكر الله بك و مواجهته لك بما لا تتوقع من وقائع انحرافاتك و تقصيرك في حقه !..
و عليك أن تعلم كيف أن سلسلة هذه النتائج المترابطة ، تقف من حقيقة عبوديتك لله موقف النقيض من النقيض .. و ليت شعري أسترحل غداً إلى الله معرضاً عن عبوديتك هذه اللاصقة بك ، حاملاً معك إليه سلسلة هذه النتائج و الأوهام ؟ إذن فأغلب الظن أنك تتوقع أن تكون أنت المحاسب له ، و لن يخطر منك على بال أن يكون هو، جل جلاله ، المحاسب لك!!.
أما عندما يطوف بنفسك الفرح للدافع الأول ، فلسوف يكون أثراً لشعورك بعظيم فضل الله و منته عليك ، و لسوف يحملك هذا الفرح على أن تضاعف من طاعتك له و برّك به ، شكراً له على أن جعلك موضع عنايته و توفيقه ، و أن وجه عقلك إلى معرفته ، و شرح صدرك للإيمان به و الدينوية لحكمه ، و أقدرك و نشّط أعضاءك للسعي إلى تنفيذ أوامره و النهوض بطاعاته ، و شرّفك بالمثول بين يديه و التوجه بالخطاب إليه ، و أعطاك .. ثم أثابك على الإنفاق .. فإذا لهج لسانك بالشكر له ، و أنطقت جوارحك و أعضاءك ، كلاً منها ، بمثل ذلك الشكر ، رجعت بأثقال أخرى من منن الله و عظيم فضله عليك . إذ تعلم أنه هو الذي أشعرك بوجوب شكره و أوحى إليك أن جزاء الإحسان ليس إلاّ الإحسان ، و هذبك بمشاعر هذا الذوق الإنساني الجميل ، ثم أقدرك على سلوك مسالك الشكر له بأنواعه المختلفة ، فرأيت على أعقاب ذلك أن شكرك لله عز و جل يحتاج إلى شكر آخر له أن يسّر لك السبيل إلى شكره و هذّبك بالذوق الذي أدركت به أن الإحسان الذي يفد من الله إلى العبد ، يجب أن يقابل بإحسان يصعد إلى الله من البعد . و لكن هيهات أن يعلو من العبد إلى الله إحسان إلاّ بفضل و توفيق من الله وحده .
إذن فالمحسن في كل الأحوال هو الله ، و المتفضل في كل التقلبات هو الله .. و العبد لا يملك أكثر من الاعتراف بهذا الفضل ، فإن زاد على ذلك ، فهو الافتقار إلى صفح الله و عفوه عن تقصيره .
و معنى توحيد العبد لربه ، لا يتجلى ( بعد التحلي بأركان الإسلام و الإيمان ) بأجلى من هذه المشاعر و التحلي بإدراك هذه الحقائق . كما أن معنى عبودية الإنسان لله يتحقق بأدق من هذه المعاني إذ تهيمن على عقله ثم وجدانه .
ثم إن صاحب هذه الحال الثانية ، لا يفضل نفسه على أحد من عباد الله المؤمنين به قط .. إذ هو يعلم أن مناط التفضيل عناية الله و ستره و جميل صفحه ، لا مظاهر جهود العبد و عباداته و سعيه .. و هو لا يعلم من هم الذين شاء الله تعالى أن يكونوا تحت جناح لطفه ، و أن يذيقهم برد إحسانه و إكرامه .. ما دام مقياس السعي الذاتي غائباً في هذا عن الإعتبار.
و لا تنس حديث رسول الله الذي ذكرتك به ، و الذي يقول فيه : (( لن يدخل الجنة أحداً عملُه الجنة ..)) إلى آخر الحديث.
و ما وقفت على ترحمة أي من العلماء الربانيين المشهود لهم بالإستقامة على الشرع ، و الاصطباغ بحقائق العبودية لله عز و جل ، إلا و يلغي طاعاته و قرباته مهما عظمت و كثرت و تنوعت عن الاعتبار ، و يرى أنه مثقل بالمنن التي لم يؤد إلى الله حقوقها ، و بالتبعات الكثيرة التي ينتظر بها مغفرة الله و صفحه .. ثم إنه ينظر إلى الناس من حوله ، فلا يشك أنه أسوؤهم و أنهم جميعاً خير منه . إذ هو يعلم طوايا نفسه و يطلع على ما انطوت عليه من سوء ، في حين أن الناس لا يرون منه إلا الظاهر ، و لا يرى هو الآخر منهم إلا الظاهر .
انظر ، و تأمل في هذه الكلمات التي يقولها الإمام الرباني الشيخ أحمد الرفاعي قدس الله سره : (( أي سادة : أنا لست بشيخ ، لست بمقدم على الجمع ، لست بواعظ ، لست بمعلّم .. حُشرتُ مع فرعون و هامان إن خطر لي أني شيخ على أحد من خلق الله ، إلا أن يتغمدني الله برحمته ، فأكون كآحاد المسلمين .. كل الفقراء و رجال هذه الطائفة خير مني . أنا أحيمد اللاش ، أنا لاش اللاش )) .. ثم يقول : (( أي أخي : أخاف عليك من الفرح بالكرامة و إظهارها . الأولياء يستترون من الكرامة ، كاستتار المرأة من دم الحيض )) .
و رأيت في ترجمة سيّدي الشيخ عبد القادر الجيلاني ، قدس الله روحه أنه رؤي ملتصقاً بالملتزم من الكعبة المشرفة ، و هو يناجي الله قائلاً : أي رب قضيت عليّ بأن لا تغفر لي زلاّتي الكثيرة يوم القيامة ، فاحشرني ذلك اليوم أعمى ، حتى لا أبصر أحداً من عبادك المغترين بي اليوم !..
فمن أي الفريقين تحب أن تكون ؟ و بأي الفرحتين تودّ أن ترحل إلى الله عز و جل و أن تقف بين يديه ؟
أعلى استعداد أنت أن تحمل إليه عز و جل دفاتر حساباتك ، فتعرض له ركعاتك التي ركعتها ، و قراءاتك التي قرأتها ، و صدقاتك التي أديتها ، و قرباتك التي قمت بها ، لتطلب منه لقاءها الأجر الذي تستحقه و الجنة التي وعدك بها ؟!.. ماذا ستجيبه إن قال لك : من أقدرك على ذلك كله ؟ و من الذي شرح صدرك له و ألهمك ما ألهمك من ذكره و دعائه و سائر طاعاته و قرباته ؟.. من الذي حبب إليك الإيمان و زينه في قلبك و كره إليك الكفر و الفسوق و العصيان ؟.. من الذي أقدرك على التجافي عن المضجع ، و جذبك إلى الوقوف بين يديه ، ثم الركوع فالسجود على أعتابه ؟ ألا تستحي من ذل عبوديتك و تمام مملوكيتك له ، إن أنت طالبته عز و جل بحقوق جهد هو مانحه لك ، و أعمال هو خالقها فيه ، و صدقات هو معطيها لك ؟!
إنك لتعلم يا أخي أنك أهون من أن تستعدّ لشيئ من هذا غداً يوم القيامة .
إذن ، فحدد منهاج رحلتك إلى الله من الآن .. كن عبداً لله في رحلتك إليه كما خلقك عبداً في واقعك الاضطراري ، كن عبداً له في الاستجابة لكل ما أمر و طلب .. ثم كن عبداً له في تبرئك من كل حول و قوة إلى حوله و قوته ..
توجه إلى الله ، بكل شراشرك ، للنهوض بكل ما يطالبك به ، فإذ قمت بما وفقك إليه من ذلك , فسجّل ذلك نعمة جديدة أنعم الله بها عليك ، و حمّل نفسك مسؤولية شكرها ، و طالب كيانك بواجب النهوض بحقها ..
و إذا ختمت حياتك على هذا المنوال ، فلسوف تعلم أنك تخرج من الدنيا فارغ اليدين إلا من الأمل برحمته و التعلق بجوده و مغفرته .. ثم إذا قمت غداً مع الناس لرب العالمين ، و أوقفت بين يديه ، فلن تشعر إلا بثقل المنن الإلهية قد تراكمت عليك ، و لسوف تجد نفسك أفقر من أن تقدم إليه بضاعة تملكها ، أو قربة أنت صاحبها ..
فإذا سألك : بم جئت إليّ ؟ سابقتك عبوديتك التي لازمتها و لا زمتك طوال رحلتك في فجاج الحياة الدنيا ، فأجابت على لسانك مدافعة عنك : أنا عبد ذليل و مملوك فقير ، أنى لي أن أمتلك شيئاً ، فآتيك به ، إنما جئت إليك اليوم ، كما كنت في الدنيا بالأمس ، بمسألتي لك و فقري إليك ، انتظر ما عودتني عليه من العطاء ، و أتأمل ما قد وعدتني به من جميل الصفح و المغفرة ، جئتك كما كنت في الدنيا : فقيراً سائلاً ، لا أملك إلا الرجاء بإحسانك و جودك .
لعلك تقول الآن مستشلاً : إذن ، فالإنسان مسير في سائر قربائه و أعماله .. إذ كما يصدق أن يقال : إن الفضل لله الذي وفق العبد لطاعته و شرح صدره لاتباع أوامره ، و أقدره على تنفيذها و أدائها على وجه المطلوب ، ينبغي أن يصدق القول بأن المسؤول عن الذنب هو الله الذي وجه عبده الآخر إليه ، و شرح صدره له ، و أخضع قدرته لممارسته و ارتكابه .. و إذن ، يغيب موجب الثواب و العقاب تحت سلطان هذا القسر الذي لا يملك العبد أمامه من أمر نفسه شيئاً .
و الجواب أن مناط الثواب في الطاعات و المعاصي التي تصدر من الإنسان ، لا يتمثل في في أعماله المادية التي تصدر منه ، و إنما في قصده إلى الفعل و توجهه القلبي إليه .
إذ الأعمال المادية ، بل المقومات المادية و المعنوية لفعل ما ، سواء منها الموجودة في كيان الإنسان أو المبثوثة من حوله ، كل ذلك بخلق الله عز و جل ، و ذلك بنص صريح واضح من قوله تعالى : { الله خالق كلِّ شيئ } [ الرعد : 13 / 16 ] . و الأعمال التي تصدر منها داخله في عموم الأشياء .
غير أن من الواضح أن تكامل المقومات المادية لفعل الإنسان ، لا يعني ولادة الفعل و وجوده على صعيد الواقع.
ذلك لأن ولادته تتوقف على انبعاث القصد إلى استخدام هذه المقومات لإيجاد الفعل و تنفذه ، و بوسعك أن تسمي هذا الإنبعاث عزماً أو توجهاً أو اختياراً أو صرفاً للقدرة إلى الفعل المطلوب .
فإذا اتجه قصد الإنسان إلى صرف قدرته للقيام بفعل ما ، و عزم على ذلك ، أخضع الله له مقومات الفعل الذي عزم عليه ، و أجرى ذلك الفعل على يديه . إذن فالله هو الذي خلق فعل الإنسان ، استجابةً لقصده و ما توجه إليه عزمه .
و لذا ذهب أهل السنة و الجماعة إلى أن الثواب و العقاب لا يكونان على الفعل المادي الصادر من الإنسان ، لأنه بخلق الله و بقدرته التي أمدّ و أكرم بها عبده ، و إنما يكونان على عزمه الذي توجه بالقصد إلى الطاعة او إلى المعصية .
و لعلك تقول : إن الله يقول : { و خلق كلَّ شيئِِ فقدَّره تقديراً } [ الفرقان : 25 / 2 ] . و الشيئ في أصح ما عرّفه به العلماء ، هو الموجود ، و القصد الذي يتمتع به الإنسان في تصرفاته الاختيارية موجود يقيناً إذن فهو الآخر لا يتم إلا بخلق الله .
و الجواب : أن قصد الإنسان إذ يتوجه منه إلى عمل ما ، جزئية تطبيقه يمارسها الإنسان ، استناداً إلى حقيقة كلية ، تتمثل في ملكية وهبها الله للإنسان و متعه بها ، نسميها : القدرة على اتخاذ القرار ، أو التمتع بحرية الاختيار ..
فهذه الملكة أو الطاقة الكلية ، إنما أورثك الله إياها و متعك بها ، فهي بلا شك من خلق الله و إيجاده . إنما الجديد الذي ينسب إليك هو ممارستك لهذه الملكة إذ تتوجه بها إلى العزم على فعل مّا .
إذن فملكة الاختيار بمعناها الكلي ( أي من حيث هي مجرد قابلية كامنة لديك ) مخلوقة من الله عز و جل ، و تعليقها التطبيقي بجزئيات الأفعال و التصرفات ، من ممارساتك المنسوبة إليك ، و هي حالة اعتبارية ، لا يصح أن يقال إن الله خلقها خلقاً مستقلاً عن الملكية الكلية التي تفضل عليك و متعك بها .
إذن فَخلق الله الأفعال الصادرة منك لا تعني أنه قد جعلك بذلك مكرهاً على صدورها منك ، شيت أم أبيت ، إذ إنه جعل خلقه لها تابعاً لما قد توجه إليه قصدك و عزمك ، من الأفعال و التصرفات التي يقع اختيارك عليها . و إنما الثواب و العقاب على هذا العزم الصادر منك ، و هو ما يعبر عنه القرآن بالكسب ، في مثل قوله تعالى : { كُلُّ نفسِِ بما كسبت رهينةُُ } [ المدثر : 74 / 38 ] .
لعلك تقول : فلماذا لا أفرح إذن لبروز الطاعات مني ، ما دام الثواب على القصد ، و ما دام القصد صادراً مني و عائداً إلي ؟
و الجواب أن توجهك بالقصد الذي متعك الله بملكته ، إلى جزئيات التصرفات و الأفعال ، صادر منك حقاً ، كما قد أوضحت قبل قليل ، و لكن فلتعلم أن قصودك المتجة إلى الطاعات و العمال الصالحة ، تأتي استجابة للفطرة الإيمانية التي فطر الله عباده عليها ، و التي حدثنا عنها بيان الله تعالى بقوله : { فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها } [ الروم : 30 / 30 ] .
إذن ، فالله هو المتفضل على عباده إذ وجههم إلى شرف الإيمان به و الخضوع له ، بالفطرة و التكوين ، قبل أن يأمرهم بذلك بالخطاب و التشريع .
صحيح أن أحدنا يستجيب ، فيما ينهض به من شؤون و أعمال ، لعزائمه القلبية ، و قراراته الإختيارية ، و لكن عزائمنا و قراراتنا هذه تأتي في الغالب إستجابة بالفطرة الإيمانية التي فطرنا مولانا و خالقنا عليها .
و إنما قلت : غالباً ، احترازاً عن الذين أيقظوا بين جوانحهم طبيعة الأنانية و الإستكبار ، ثم ركنوا إلى هذه الطبيعة و تعاملوا معها .. فهؤلاء حجبوا أنفسهم عن نداء الفطرة بالركون إلى العتو و الإستكبار .
و قد علمت مما قد ذكرته لك من قبل أن المعاصي مهما كثرت لا تحجب صاحبها ، بحد ذاتها ، عن التعرض لكرم الله و صفحه ، بل ربما دفعته إلى الإلتجاء إليه و الإنكسار بين يديه و الإستغفار مما قد بَدر منه .. و لكن الإستكبار هو الذي يحجب صاحبه عن التعرض لعفو الله و مغفرته ، و من ثم فإن من شأنه أن يسدل حجباً كثيفة بينه و بين نوازع الفطرة الإيمانية المغروسة في كيانه ، منذ أولى مراحل الخلق ، و أذكرك في هذا بقوله تعالى :
{ إن الذين كذبوا بآياتنا و استكبروا عنها لا تُفتح لهم أبواب السماء و لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط } [ الاعراف : 7 / 40 ] .
إذن ، فالفضل كله في هداية العبد و توفيقه و التوجيه بالإنقياد إلى مولاه إنما هو لمولاه عز و جل .. فطره على هذا التوجه ، ثم أمره به و أعانه عليه .
و مسؤولية الشرود عن الهداية و الإنصراف عن أوامر الله عز و جل ، تعود إلى العبد الذي شرد و إنصرف عن سبيل الهداية ، بما أصّر على الركون إليه من الإستكبار على الله و تجاهل وقوع عبوديته لله .
و قد كان بوسعه أن لا ينحرف إلى الإستكبار الذي لن يكون الإنسان يوماً ما أهلاً له ، لو أنه التجأ إلى فطرة عبوديته لله و إستئناسه بخطاب الله و الحنين إلى التذلل لسلطانه و الرغبة في الإنقياد لحكمه ، أو لو حكّم في التعامل مع هذا الداء عقله .
و حصيلة هذا كله ، أنك مدعوُّ إلى أن تستجيب لنوازع فطرتك التي غرسها الله في كيانك ، مستعيناً بالقدرة التي متعك الله بها ، فتنقاد لأحكامه و تستجيب لتعاليمه ، ثم تعلق آمالك كلها برحمة الله و بفضله .
إذ هو بفضله و رحمته فطرك على حنين الإقبال عليه و التعرف إليه ، و بفضله و رحمته أقدرك على خطوات سيرك إليه ، و بفضله و رحمته يجعلك يوم القيامة من المقبولين لديه ..
إذن فاجعل ذلك وحده مصدر سرورك و فرجتك ، و صدق الله القائل : { قُلْ بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا هو خير ممّا يجمعون } [ يونس : 10 / 58 ] .



شارك فى نشر الخير