آخر الأخبار
موضوعات

الجمعة، 22 يونيو 2018

- الحاج أحمد رضوان رضى الله عنه ..وعلاقة الشيخ أبي الوفا الشرقاوي

سماحة  العارف بالله فضيلة الشيخ مولانا الحاج أحمد رضوان رضى الله عنه ..وعلاقة الشيخ أبي الوفا الشرقاوي
ربطت المحبة في الله بين الأسرة الشرقاوية والأسرة الرضوانية منذ فترة طويلة، حيث كانت هناك علاقات ولقاءات بين الشيخ أبي المعارف أحمد بن شرقاوي وبين الشيخ سلطان جد مولانا الشيخ أحمد رضوان، حيث كان الهدف واحداً والغاية واحدة في نشر سماحة الإسلام، والأخذ بأيدي الناس لمعرفة ربهم والانقياد لخالقهم, وعرف عن مولانا, وعرف مولانا الشيخ أحمد رضوان لآل الشرقاوي مكانتهم الدينية، فعمق صداقته وأخوته بمولانا الشيخ أبي الوفا الشرقاوي العالم المعروف ابن الشيخ أحمد بن شرقاوي، وكانت أول زيارة زارها للساحة الشرقاوية بعد ثورة 1952م، واحتفى به مولانا الشيخ أبو الوفاء.
يقول مولانا الشيخ أحمد رضوان: أنا أول ما صحبت الشيخ أبو الوفا الشرقاوي أخذت معي الغداء والسكر والشاي، وقلت له: ما جئتك إلا لله .. فلما تعاهدنا على محبة الله قال لي: لا تفوتني ولا أفوتك يوم القيامة ..
وكان مولانا الشيخ أحمد رضوان يمكث في الساحة الشرقاوية بالأيام، يقول مولانا الشيخ أحمد عزت أبو الوفا الشرقاوي رضي الله عنه: كان أبي والشيخ أحمد رضوان يجلسان بالساعات ينظر الواحد منهما إلى أخيه، ولا يتكلمان وهما في حالة استغراق عن الدنيا ..
واستمرت اللقاءات بينهما لا يغيب أحدهما عن الآخر حتى انتقل الشيخ أبو الوفا إلى جوار ربه عام 1961 م. فلم تقطع الصلات بين الأسرتين الكريمتين وما زالت عرى المحبة وثيقة عميقة.

الثلاثاء، 20 فبراير 2018

- مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي


مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي
ما أكرم العتاب إذا كان من الحبيب لحبيبه، ومن الله عزَّ وجلَّ لرسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه كما يقولون العتاب أدوم للوداد، وأعذب حديث بين الأحباب، ولقد عاتب الله رسوله صلى الله علي وسلم، بقوله سبحانه وتعالى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءهُ الْأَعْمَى﴾، [1-2، عبس]. ما أرق هذا العتاب وألطفه حيث أن الله عزَّ وجلَّ لم يقل لحبيبه عبست وتوليت أن جاءك الأعمى، وإنما خاطبه صلى الله عليه وسلم،بهذه العبارات الكريمة، حتى كأن هذه الأعمال لم تصدر منه صلى الله عليه وسلم لأنه خطاب للغائب، وإخبار من الله عن فعل وقع من إنسان لم تعرف هَوِيَّتُه بعد، حتى لا يذهب ذهن السامع ابتداءا أن هذا الفعل وقع من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحتى يشعرنا الحق جلَّ وعلا أن هذا الذي وقع لم يكن من شأنه ولا من خلقه صلى الله عليه وسلم وإنما حدث ذلك تحت ظروف ملحة وملابسات قوية، وقد كان العتاب عليه من الله لحبيبه لعلو مقامه صلى الله عليه وسلم، وجلالة قدره عن الله عزَّ وجلَّ، ولأن رسول الله أكبر من أ، يشغله أمر الدعوة إلى الله عن حاجة هذا السائل المسترشد، ولم يعرف أحد أن العتاب كان مع رسول الله إلا بعد أن وجه الله إليه الخطاب مباشرة بقوله سبحانه: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ﴾، [3، عبس]. فعلمنا جميعًا أن الأمر في هذه السورة الشريفة يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه هو الْمَعْنُّي بهذا العتاب الرقيق، ومعنى: ﴿عَبَسَ﴾،  قّطَّبَ جبينه وتغير وجهه إلى صورة ظهر فيها الاستياء والامتعاض، ومعنى: ﴿َتَوَلَّى﴾، تركه وأشاح عنه بوجهه، وهذان الأمران لو وقعا من أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مثل هذا الظرف الذي كان فيه رسول الله آنذاك لم يتُمْهُ أحد ولم يعتب عليه أحد، إذ أنه أمر فطري وبَدَهِي، لأن الإنسان العظيم إذا كان مشغولاً بمهمة كبرى من مهامه ثم تعرض له أحد ليشغله عنها تجهم ونهره بشدة، وأعرض عنه ماضيًا في تحقيق مهمته الكبرى، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير جميع البشر فهو فوق العوارض البشرية والفطر النفسية والبديهات الأولية فهو صلى الله عليه وسلم، أعلى من كل المستويات والقيم. ومن هنا كان لا يليق بمن هذا شأنه من الرفعة والعلو أن يشغله أمر عن أمر آخر لأن وستعته صلى الله عليه وسلم، تستوعب جميع الشؤون والأمور، وتحتوي كل الناس والمستويات.
وإنني أرى أن في هذه السورة الكريمة (سورة عبس)، إبراز لبعض كمالات المصطفى صلى الله عليه وسلم، بما لا تتسع له هذه الأوراق، ولا يفي المقام بذكره ولكنني سأشير إليها باختصار فهذه السورة معجزة  تؤيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول للناس جميعا لو كان هذا القرآن من عند محمد كما يدعي المفترون لما تحدث عن نفسه بهذا الحديث الذي يتخذ منه أعداؤه مادة للنيل منه، وخاصة أن صاحبه كان كفيفا لم ير شيئا مما أخبر به القرآن من أمر العبوس والتولي، ولكن الله لم يرض أن تقع هفوة من حبيبه من غير أن يلفت نظره إليها، حتى لا يَتَقَوَّل أحد بأن الله يجامل رسوله على حساب الناس، وتلك هي غاية النزاهة الإلهية، وغاية الوداد من الله عزَّ وجلَّ للنبي صلى الله عليه وسلم، ولقد كان الواجب على سيدنا عبد الله بن أم مكتوم أن ينتظر بعض الوقت حتى ينتهي رسول الله من حديثه مع القوم، لأن ذلك من أدب الحديث، وخصوصا إذا كان ذلك مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن سيدنا عبد الله لم يفعل، وكذلك لم يوجه إليه القرآن أي مؤاخذة وذلك لنعلم أن أمر المؤمن السائل المسترشد أعظم بكثير من دعوة الكافرين إلى الله حيث أن المؤمن تتزكى نفسه ويتذكر قلبه بما يتلقاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بخلاف الكفار الذين لم تنشرح صدورهم للإسلام بعد، فإن الحديث معهم يؤجل إلى ما بعد إجابة السائل المؤمن المسترشد، وإن هذا الموقف من القرآن أدهش أفكار أعداء الإسلام وحير ألبابهم وبهتوا أمام نزاهته الرائعة، وفي هذه القصة الشريفة من العبر والآداب والحكم والأحكام ما تقر به العينان، وما يربو عن الحصر والبيان، وإنني سأذكرها لك يا أخي المسلم لتزداد بها علمًا، وتجني من ثمارها، وترتشف من معينها، وذلك أن رؤوس المشركين وكبراءهم بمكة كانوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوما من الأيام، فأخذ الرسول يدعوهم إلى الله، ويعرض عليهم الإسلام ويبين لهم محاسنه رجاء أن يسلموا فيدخل أتباعهم وعشائرهم في الإسلام، وقد اهتم الرسول بهم أيما اهتمام لأنها فرصة سانحة، فقد اجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأمر ما وربما لا يجتمعون عنده بهذه الصورة مرة أخرى، والرسول في غاية الحرص على تبليغ رسالة ربه خصوصًا في مثل هذه الظروف المواتية وبينما هو مشغول بالقوم ومتوجه إليهم بكل عناية، إذ جاءه سيدنا عبد الله بن أم مكتوم يطلب منه صلى الله عليه وسلم أن يعلمه ما نزل من القرآن، وأن يعلمه مما علمه الله، وألح في طلبه ولم ير القوم الذين شُغل بهم رسول الله عنه لكنه كان يسمع حديث رسول الله إليهم وقد تغاضى عنه رسول الله ولم يحفل به لانشغاله بدعوة القوم للإسلام، ومع ذلك فقد عاتبه الله في شأنه، كما ذكرنا.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما لقيه بعد ذلك يَهَشُ له ويَبَشُّ، ويقول له: {مرحبا بمن عاتبني فيه ربي، هل لك من حاجة نقضا لك؟}. ولمكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يستخلفه على أهل المدينة أثناء خروجه إلى الغزو والجهاد، وقد استخلفه عليهم رسول الله مرتين وكان هذا القول والترحيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكرر لسيدنا عبد الله كلما لقيه، ولو تعدد هذا اللقاء في اليوم الواحد مرات كثيرة، وذلك لتذكير المسلمين بحق أصحاب هذه العاهة عليهم، فإن المسلم إذا لقي إنسانًا فقد عينيه، وجب عليه أن يلزمه، وأن يكون في حاجته حتى يقضيها له، فإن ذلك من آداب الإسلام وخلائقه.    
هذا وإن (سورة عبس)، من السور التي أنزلت بمكة المكرمة ثم أخذت السورة تقص بقية هذه الحادثة فيقول الله تعالى: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾، [3، عبس]. يعني وأي شيء يعلمك بحال بن أم مكتوم، وبشأنه الذي دفع به إليك في هذه الساعة، وإن الذي حمله على ذلك هو رجاؤه في تزكية نفسه، وتطهيرها على يديك عند سماعه لإرشادك وتوجيهاتك، وتلقيه لعلومك ومعارفك التي تصقل نفسه وترقيها: ﴿أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى ﴾، [4، عبس]. وكذلك فإن الذي حمل ابن أم مكتوم على ما فعله إنما هو رجاؤه وأمله في تذكير قلبه، وارعواء نفسه، ورجوعها عن قصورها وتقصيرها، وتوبته إلى الله عزَّ وجلَّ وانتفاعه بما تُذَكِّرُهُ به وتبينه له قال الله تعالى: ﴿وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا﴾، [63، النساء].  أي قولاً يبلغ شغاف قلوبهم، ويؤثر في نفوسهم، وقد كانت مواعظ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ككُلُّها كذلك، ومن هنا كان تهافت أصحابه رضي الله عنهم على السماع منه صلى الله عليه وسلم، والتلقي عنه والاسترشاد بتوجيهاته، فقد كان حديثه إليهم يفعل في نفوسهم ما لا تفعله المعجزات في نفوس من كان قبلهم من أصحاب الرسل السابقين عليهم السلام.
 وعليه فإنني أرى أن ابن أُمِ مكتوم كان معذورا فيما أتاه وأرى كذلك أنه قد ألم به خطر كبير وأمر شديد ففزع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجد عنده الأمان والسكينة والخلاص والنجاة، ولأجل هذا فقد كان العتاب من الله عزَّ وجلَّ لرسوله صلى الله عليه وسلم، والعتاب لا يكون إلا بين الأحباب، لاستبقاء الحب وازدياده فيما بينهم أما المحاسبة والمؤاخذة فإنما تكون بين صاحب العمل وبين العامل المكلف بأداء هذا العمل عند قصوره أو تقصيره فيه، وكذلك إثابته عليه عند القيام به على الوجه المطلوب. رزقنا الله فهم كتابه إنه مجيب الدعاء وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
للعارف بالله فضيلة الشيخ محمد على سلامة 
مدير عام أوقاف بورسعيد


الخميس، 8 فبراير 2018

- لقمان الحكيم

لقمان الحكيم
***********
لقمان الحكيم كان يعمل راعياً للغنم أجيراً عند أحد الأسياد ..
لكن الله عزَّ وجلَّ آتاه الحكمة ...
وقد كان في عصر سيدنا داود، وكان هو إبن أُخت أو إبن خالة سيدنا أيوب نبي الله عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام ..؛ على اختلاف الروايات.
كيف ظهرت حكمته؟ وما سرُّ بلوغه الحكمة؟
ظهرت حكمته عندما قال له سيده صاحب الغنم: يا لقمان اذبح شاة وأتني بأطيب ما فيها، فذبح شاة وجاءه بالقلب واللسان، فتركه مدة ثم قال له: يا لقمان اذبح شاة وأتني بأخبث ما فيها، فذبح شاة وجاءه بالقلب واللسان، قال له: يا لقمان قلتُ لك إئتني بأطيب ما في الشاة فجئت بالقلب واللسان، وقلتُ لك إئتني بأخبث ما في الشاة، فجئتني بالقلب واللسان؟!! قال: هما أطيب شيء فيها إذا طابا، وأخبث شيء فيها إذا خبُثا، فعلم حكمته منذ هذه اللحظة.
وكان من حكمته أنه لا يتحدَّث إلا بدقة بالغة، فسيدنا داود كان نبياً وملكاً وعبداً لله عزَّ وجلَّ، وقسَّم أوقاته إلى ثلاث: يوماً يجلس فيه للحكم بين الرعية، ويوماً يسعى فيه في قضاء مصالح أهله وذويه، ويوماً يمكث فيه في خلوة يتعبَّد لله عزَّ وجلَّ، وبينما هو في الخلوة إذا به يرى الجدار ينشق ويدخل منه شخصان، فتعجَّب، ولما تحدث معهما علم أنهما ملكان استأذنا من الله عزَّ وجلَّ في زيارته، فجالساه واستأنسا به وصار بينهما مودةٌ وصداقة، فكانا يأتيانه على الدوام.
وذات يومٍ - لنعرف أيضاً منهج الصالحين - سألهما: أفيَّ عيبٌ؟ لأن فائدة الصاحب أن يدُلني على عيب نفسي، فقالا: لا، فكرر السؤال، فقالا: ليس فيك إلا عيبٌ واحد وهو أنك تأكل من بيت مال المسلمين، لأنه كان ملكاً ونبياً فكان يأكل من بيت المال، لأنه متفرغ للحكم وللخلافة، وكذلك للنبوة، ومن هذه اللحظة عزم عزماً أكيداً على أن لا يأكل من بيت مال المسلمين، وأن يأكل من عمل يده، فألهمه الله عزَّ وجلَّ فوراً صناعة الدروع:  وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (الطلاق)، وهذه الصناعة هو الذي اخترعها فلم تكن موجودة قبل ذلك، والدرع عبارة عن قطعة من الحديد مربوطٌ طرفيها بقطعة من القماش، فيلبس الرجل الحديد على صدره والقماش خلف ظهره، فتقيه من ضربات السيوف، ومن ضربات الرماح والسهام.
ولكي يصنع الدروع من الحديد يلزمه أدوات الحداد، كأن يكون عنده فرن حراري، أو حتى فرن بدائي ليلين الحديد ويُشكِّله على حسب ما يريد، لكن لأنه عزم عزماً أكيدا فإن الله عزَّ وجلَّ ألان له الحديد: ( وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) ) (سبأ)، فكان يمسك الحديد بيده فيكون كالعجينة الطرية في يده، يُشكله كيف يشاء، وهذه حُجة أقامها الله عزَّ وجلَّ على شباب الأمة من قبل ومن بعد.
فالشباب الذي يدَّعي أنه لا يوجد عمل، ولا يوجد له مجال، لو عزم عزماً أكيداً لفتح الله عزَّ وجلَّ له الباب، وألان له الحديد كما فعل مع سيدنا داود علي نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
وأثناء ما كان يصنع الدروع جاءه لقمان!
ولقمان يحكي عن نفسه فيقول: حدثتني نفسي أن أسأله ماذا تصنع؟
فقلتُ لها: ولِمَ أسأله وهذا شانٌ لا يعنيني؟!! إن كان في الشيء نفعٌ لي، فسيذكره لي بدون سؤال، فلما انتهى داود من صناعة الدرع لبسه، وقال: هذا درعٌ يقي الإنسان من ضربات السيوف والرماح في وقت الحرب، فقال لقمان: أسمعتي يا نفسي!!.
---------------------------------------
من كتاب (حكمة لقمان و بر الوالدين) لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد

الأربعاء، 10 يناير 2018

- الرجال فى القرآن

🌷 إن لله عزوجل رجال :
🌻 بيَّن أوصافهم فى كتابه العزيز ،
وزاد إيضاح أحوالهم حضرة الرءوف الرحيم عزوجل ،

🌿 منهم :
🌻{رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ } [23 الأحزاب] .

🌿ومنهم:
🌹{رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ }
[ 37 النور ] .
🌿ومنهم :
🍀 رجال أضاء الله سريرتهم ،
🎁 وكشف الحجب عن بصيرتهم قال فيهم :
{ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ } [46 الأعراف] .

🌿ومنهم :
💝 رجال على قدم إبراهيم الخليل يُدْعَوْن المطلوبون إلى حضرة الجليل، يؤذنون بآذان الخفا فى القلوب التى طهرت من الجفا والعيوب، ويؤْذِنون لها بتناول طهور المشروب، ويفتحون لها الباب ،
💞 لتكون دواماً فى مواجهة حضرة علام الغيوب.

🌻رجال فى القرآن تشتاق إليهم النفوس الزكية،
وتهيم فى أحوالهم الأرواح النقية،

🌳 يُجْملهم السادة الصالحون فى كلمة الصالحين،
أو كلمة الأولياء ،

💝وهم صالحون لحضرة الله، وأولياء ..
......أقامهم الله عز وجل لنا فى هذه الحياة،

🍀وجعل الله عز وجل فيهم وبهم ولهم أسرار لا يطلع عليها الفُجار، ولا تُكشف إلا لقلب زهى بالأنوار، وملأه الله بالأسرار، وكان مأذوناً بالمشاهدة من :
💞 حضرة النبى المختار صلى الله عليه وسلم.

🌸 هؤلاء الرجال يقول فيهم سيدهم وإمامهم ،
وحبيبهم صلى الله عليه وسلم :
{ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: إِني لأَهُمُّ بِأَهْلِ الأَرْضِ عَذَابَا ً،
فَإذَا نَظَرْتُ إِلَى عُمَّارِ بُيُوتِي، وَالْمُتَحَابينَ فِيَّ، وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ صَرَفْتُ عَذَابِي عَنْهُمْ } .
"رواه البيهقي - شعب الإيمان عن أنس."

🌻يصرف العذاب عن أهل الأرض بسر هؤلاء ،
💜وببركة هؤلاء القوم الذين جعلهم الله غياثاً لخلقه وباباً لقربه على جنة حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم.
================================

🌿 من كتاب العطايا الصمدانية للأصفياء🌿
🌹 لفضيلة شيخنا : فوزي محمد أبو زيد 

الأربعاء، 3 يناير 2018

- الامام على بن دقيق العيد

المولد والنشأة
في عرض البحر ولد ابن دقيق العيد، وأبواه متوجهان إلى الحجاز لأداء فريضة الحج في (25 من شعبان 625هـ=31 من يونيو 122م)، ولما قدم أبوه مكة حمله، وطاف به البيت، وسأل الله أن يجعله عالمًا عاملاً.

ونشأ ابن دقيق العيد في قوص بين أسرة كريمة، تعد من أشرف بيوتات الصعيد وأكرمها حسبًا ونسبًا، وأشهرها علمًا وأدبًا، فأبوه أبو الحسن علي بن وهب عالم جليل، مشهود له بالتقدم في الحديث والفقه والأصول، وعُرف جده لأبيه بالعلم والتقى والورع، وكانت أمه من أصل كريم، وحسبها شرفًا أن أباها هو الإمام تقي الدين بن المفرج الذي شُدّت إليه الرحال، وقصده طلاب العلم.

وتعود سبب شهرته باسم ابن دقيق العيد، أن جده "مطيعًا" كان يلبس في يوم عيد طيلسانًا ناصع البياض، فقيل كأنه دقيق العيد، فسمي به، وعُرف مطيع بدقيق العيد، ولما كان "علي بن وهب" حفيده دعاه الناس بابن دقيق العيد، واشتهر به ابنه تقي الدين أيضًا، فأصبح لا يُعرف إلا به.

ذكر الإدفوي في الطالع السعيد :

((حكت زوجة أبيه، بنت التيفاشي، قالت : بنى عليّ والده، والشيخ تقي الدين ابن عشر سنين، فرأيته ومعه هاون وهو يغسله مرات زمناً طويلاً، فقلت لأبيه: ماهذا الصغير يفعل؟ فقلت له: يا محمد أي شيء تعمل؟ فقال: أريد أن أركّب حبراً، وأنا أغسل هذا الهاون)) .

حفظ القرآن، وسمع الحديث من والده الشيخ مجد الدين القشيري، وأبي الحسن بن هبة الله الشافعي، والحافظ المنذري، وأبي الحسن النعال البغدادي، وأبي العباس بن نعمة المقدسي، وقاضي القضاة أبي الفضل يحيى بن محمد القرشي، وأبي المعالي أحمد بن المطهر، و الحافظ أبي الحسين العطار وخلائق غيرهم.

بدأ ابن دقيق العيد طريق العلم بحفظ القرآن الكريم، ثم تردد على حلقات العلماء في قوص، فدرس الفقه المالكي على أبيه، والفقه الشافعي على تلميذ أبيه البهاء القفطي، ودرس علوم العربية على محمد أبي الفضل المرسي، ثم ارتحل إلى القاهرة واتصل بالعز بن عبد السلام، فأخذ عنه الفقه الشافعي والأصول، ولازمه حتى وفاته. ثم تطلعت نفسه إلى الرحلة في طلب العلم، وملاقاة العلماء، فارتحل إلى دمشق في سنة (660هـ=1261م) وسمع من علمائها ثم عاد إلى مصر.

قيامه بالتدريس والتأليف
استقر ابن دقيق العيد بمدينة قوص بعد رحلته في طلب الحديث، وتولى قضاءها على مذهب المالكية، وكان في السابعة والثلاثين من عمره، ولم يستمر في هذا المنصب كثيرًا، فتركه وولى وجهه شطر القاهرة وهو دون الأربعين، وأقام بها تسبقه شهرته في التمكن من الفقه، والمعرفة الواسعة بالحديث وعلومه.

وفي القاهرة درس الحديث النبوي في دار الحديث الكاملية، وهي المدرسة التي بناها السلطان الكامل سنة 621هـ=1224م)، ثم تولى مشيختها بعد ذلك، وكان على تبحره في علوم الحديث يتسدد في روايته، فلا يروي حديثًا إلى عن تحرٍّ واحتراز، ومن ثم كان قليل التحديث لا عن قلة ما يحفظه ولكن مبالغة في التحري والدقة. ويصف ابن سيد الناس مكانة شيخه ابن دقيق العيد في هذا الفن بقوله: "وكان للعلوم جامعًا، وفي فنونها بارعًا مقدمًا في معرفة علل الحديث على أقرانه، منفردًا بهذا الفن النفيس في زمانه". ولابن دقيق العيد كتاب عمدة في علم مصطلح الحديث سماه "الاقتراح في معرفة الاصطلاح" والكتاب مطبوع نشرته وزارة الأوقاف بالعراق.

تتلمذ عليه خلق كثير، على رأسهم قاضي القضاة شمس الدين ابن جميل التونسي، وقاضي القضاة شمس الدين بن حيدرة، والعلامة أثير الدين أبو حيان الغرناطي، وعلاء الدين القونوي، وشمس الدين بن عدلان، وفتح الدين اليعمري، شرف الدين الإخميمي، وغيرهم الكثير.

ودرّس الفقه الشافعي في المدرسة الناصرية التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي بجوار قبة الإمام الشافعي، ولما كان شيخًا قد تضلّع في الفقه وأحاط بمسائله في المذهبين المالكي والشافعي؛ فقد قام بتدريسهما في المدرسة الفاضلية.

ولم يقف الشيخ الجليل على أدلة المذهبين، والاجتهاد في نطاقهما، وإنما تجاوز ذلك إلى مرحلة الاجتهاد المستقل في بعض ما كان يعرض له من قضايا، حيث كان يستخرج الأحكام من الكتاب والسنة، غير مقلد لأحد في اجتهاده، وقد شهد له معاصروه بالسبق والتقدم في الفقه، وأقروا له بالاجتهاد، فوصفه الإسنوي بأنه "حافظ الوقت خاتمة المجتهد". ويقول الأدفوي: "ولا شك أنه من أهل الاجتهاد ولا ينازع في ذلك إلا من هو من أهل العناد، ومن تأمل كلامه علم أنه أكثر تحقيقًا وأمتن وأعلم من بعض المجتهدين فيما تقدم وأتقن".

وله مؤلفات فقهية تنطق بعلو كعبه في هذا الميدان، منها: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام للعلامة الحافظ عبد الغني النابلسي. وكتاب العمدة يحتوي على مجموعة من الأحاديث مبوبة على أبواب الفقه، مثل باب الطهارة وباب الوضوء، وباب التيمم، وقد قام ابن دقيق العيد بشرح الكتاب، فتصدى لبيان معاني الحديث، وما به من بيان، واستنبط ما فيه من أحكام، وأقوال الفقهاء فيه واختلافاتهم. وقد أملى ابن دقيق العيد هذا الشرح على تلميذه عماد الدين بن الأثير. وقد طُبع هذا الكتاب بالقاهرة سنة (1342هـ= 1924م) واعتنى بنشره محمد منير الدمشقي.

وإلى جانب هذا له شرح مقدمة المطرزي في أصول الفقه، وشرح مختصر الزبيدي في فقه الشافعية، وشرح مختصر ابن الحاجب في فقه المالكية، غير أن هذه الكتب فُقدت ولم يصل إلينا منها شيء.

وله جملة من الفتاوى والمباحثات الفقهية والأصولية، لا يجمعها كتاب، وقد أورد السبكي في طبقات الشافعية نماذج منها، وقد صدرها بقوله: "فوائد الشيخ تقي الدين ومباحثه أكثر من أن تُحصى، ولكنها غالبًا متعلقة بالعلم من حيث هو؛ حديثًا وأصولاً وقواعد كلية".

الأديب الشاعر
كان ابن دقيق العيد على انشغاله بالفقه والحديث أديبًا بارعًا، وخطيبًا مفوهًا، وشاعرًا مجيدًا، ولو انصرف إلى الأدب لكان له منزلة ومكانة، ويجمع معاصروه على براعته في الخطابة وتفوقه فيها، فكان يملك أفئدة الناس بأسلوبه المؤثر ونبراته الصادقة، وعظاته البالغة، وذكر السبكي أن لابن دقيق العيد "ديوان خطب". وله أيضًا "ديوان شعر" جمعه صلاح الدين الصفدي المؤرخ المعروف، ونُشر بالقاهرة.

قاضي القضاة
تولى ابن دقيق العيد منصب قاضي القضاة في أخريات حياته في (18 من جمادى الأولى 695هـ= من مارس 1296م) بعد وفاة القاضي ابن بنت الأعز، وقبله بعد تردد وإلحاح، وكانت فترة توليه القضاء على قصرها من أكثر سني عمره خطرًا وأعظمها شأنًا، فقد أصبح على اتصال وثيق بالسلطان وكبار رجال الدولة، لكن كان له من ورعه ودينه وعلمه ما يجعله يجهر بالحق ويدافع عنه، فلا يقبل شهادة الأمير؛ لأنه عنده غير عدل، وإن كان الكبراء والعلماء يتملقونه ويقتربون إليه، فرد شهادة "منكوتمر" نائب السلطنة حين بعث إليه يعلمه أن تاجرًا مات وترك أخًا من غير وارث سواه، وأراد منه أن يثبت استحقاق الأخ لجميع الميراث بناء على هذا الإخبار، فرفض ابن دقيق العيد، وترددت الرسل بينهما، لكن القاضي كان يرفض في كل مرة، على الرغم من إلحاح منكوتمر عليه؛ لأن الأدلة لم تكن كافية لإثبات أخوة المذكور إلا شهادة منكوتمر، وأمام إصرار نائب السلطنة، استقال ابن دقيق من منصب القضاء احترامًا لنفسه وإجلالاً لمنصب القضاء، فلما بلغ السلطان "حسام الدين لاجين" ذلك أنكر على نائبه تصرفه في التدخل في عمل القضاء، وأرسل في طلب الشيخ، فلما جاء قام إليه وأجلسه بجواره، وأخذ يسترضيه ويتلطف به حتى قبل أن يعود إلى منصبه.

ويذكر له وهو في منصبه أن رفض قيام السلطان "الناصر محمد بن قلاوون" بجمع المال من الرعية لمواجهة المنغول، معتمدًا على الفتوى التي أصدرها العز بن عبد السلام بجواز ذلك أيام سيف الدين قطز، وقال للسلطان: إن ابن عبد السلام لم يفت في ذلك إلا بعد أن أحضر جميع الأمراء كل ما لديهم من أموال، ثم قال له في شجاعة: كيف يحل مع ذلك أخذ شيء من أموال الرعية، لا والله لا جاز لأحد أن يتعرض لدرهم من أولاد الناس إلا بوجه شرعي" واضطر السلطان أن يرضخ لكلام القاضي الشجاع.

ولا شك أن ابن دقيق العيد قد ارتفع بمنزلة القاضي وحافظ على كرامة منصبه، فتطبيق الأحكام الشرعية هو سبيله إلى العدل دون تفرقة، والالتزام بالحق هو الميزان الذي يستعمله في قضاياه وفتاواه، فحين رأى بعض الناس تستحلّ أموال اليتامى القصّر الذين لا يستطيعون التصرف فيما يرثونه من أموال أنشأ ما يسمى "المودع الحكمي"، وهو شبه في زماننا "الديوان الحسبي" تُحفظ فيه أموال اليتامى الصغار، يقول ابن حجر العسقلاني: "وهو أول من عمل المودع الحكمي، وقرر أن من مات وله وارث إن كان كبيرًا أقبض حصته، وإن كان صغيرًا أحمل المال في المودع، وإن كان للميت وصي خاص ومعه عدول يندبهم القاضي لينضبط أصل المال على كل تقدير".

وكان ابن دقيق معنيًا بشئون القضاة الذين يتبعونه في الأقاليم، فيرسل إليهم الرسائل المطولة التي ترسم لهم ما يجب عليهم أن ينتهجوه ويلتزموه في أحكامهم، وكيفية معالجة قضايا الناس، وتضمنت رسائله أيضًا وصاياه لهم بالتزام العدل وتطبيق أحكام الشرع.

وقد وضع الأستاذ عبد المتعال الصعيدي ابن دقيق العيد على رأس المجددين في الإسلام في القرن السابع الهجري، فيقول: »ولابن دقيق العيد لفتة عابرة قد تدل على أنه كان فيه شيء من نزعة التشديد، وذلك أنه لما جاءت التتار إلى الشام في سنة 680هـ-1281م، ورد مرسوم السلطان إلى القاهرة بعد خروجه منها للقائهم أن يجتمع العلماء ويقرؤوا صحيح البخاري، فاجتمع العلماء وقرؤوه إلى أن بقي شيء منه، وكان هذا في يوم خميس، فأخروا ما بقي إلى أن يتموه يوم الجمعة، فلما كان يوم الجمعة رأوا ابن دقيق العيد في الجامع فقال لهم: ما فعلتم ببخاريكم؟ فقالوا: بقي ميعاد أخرناه لنختمه اليوم. فقال: انفصل الحال من أمس العصر، وبات المسلمون على كذا. فقالوا: نخبر عنك. فقال: نعم. فجاء الخبر بعد ذلك.. وكان النصر فيه للمسلمين. وقد عدّ السبكي هذا من كرامات ابن دقيق العيد«.

لكن قول ابن دقيق العيد: ماذا فعل بخاريكم.. يريد منه أن النصر قد تم بما أمر الله بإعداده من قوة ومن رباط الخيل، وليس بقراءة البخاري ونحوه، على عكس ما فهم الإمام السبكي، لأن المسلمين تركوا الاعتماد على العلوم التي تمكنهم من إعداد ما أمرهم الله به من القوة الحربية.



وفاة الشيخ
وقضى الشيخ حياته بين التأليف والتدريس نهارًا، والعبادة والصلاة ليلاً، حتى لقي الله بالقاهرة في صبيحة يوم الجمعة لتسعة أيام بقين من صفر 702 هـ=5 أكتوبر 1302م) بعد أن عمّر 77 عاماً، قضاها في خدمة الدين الإسلامي الحنيف في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وقد دفن يوم السبت، بسفح المقطم شرق القاهرة، وكان يوماً مشهوداً عزيزاً في الوجود، وقد وقف جيش مصر ينتظر الصلاة عليه.

ذكراه
وقد كان رحمه الله كريماً جواداً بجانب غيرته على الحق.. لا يخشى فيه لومة لائم. يذكر عدد كبير من المؤخرين أن ابن دقيق العيد كان على رأس المائة السابعة الذي حدد للأمة أمر دينها بعلمه الغزير واجتهاده الواسع، وشهد له معاصروه بالسبق والتقدم في العلم، فقد كان ضليعًا في جميع العلوم اللغوية والشرعية والعقلية. ويؤكد السبكي ذلك فيقول: "ولم ندرك أحدًا من مشايخنا يختلف في أن ابن دقيق العيد هو العالم المبعوث على رأس السبعمائة، المشار إليه في الحديث النبوي، وأنه أستاذ زمانه علمًا ودينًا".



قالوا عنه
قال ابن سيد الناس: ((لم أر مثله في من رأيت، ولا حملت عن أجل منه فيمن رأيت و رويت ، و كان للعلوم جامعاً ، و في فنونها بارعا مقدماً في معرفة علل الحديث على أقرانه ، منفرداً بهذا الفنن النفيس في زمانه )) .

و قال الإدفوي: (( التقي ذاتاً و نعتا ، و السالك الطريق التي لا عوج فيها و لا أمتا ، و المحرز من صفات الفضل فنوناً مختلفة و أنواعاً شتى ، و المتحلي بالحالتين الحسنيين صمتا و سمتا ، إن عرضت الشبهات أذهب جوهر ذهنه ما عرض ، أو اعترضت المشكلات أصاب شاكلتها بسهم فهمه فأصاب الغرض )) .

من عزة نفسه
لما عزل نفسه من القضاء ، ثم طُلب ليولى ، قام له السلطان المنصور لاجين لما أقبل ، فأبطأ المشي ، فجعلوا يقولون له : السلطان واقف ، فيقول : أديني أمشي ، و جلس معه على الجوخ حتى لا يجلس دونه ، و قبل السلطانُ يده فقال له : تنتفع بهذا .

من نظمه
قد جرحتنا يد أيامنا .:. و ليس غير الله من آسي

فلا تُرجّ الخلق في حاجة .:. ليسوا بأهل لسوى الياس

ولا تزد شكوى إليهم فلا.:. معنى لشكواك إلى قاسي

فإن تخالط منهمُ معشراً .:. هويت في الدين على الراس

يأكل بعضٌ لحم بعض و لا .:. يحسب في الغيبة من باس

لا ورعٌ في الدين يحميهمُ .:. عنها و لا حشمة جلاس

لا يعدم الآتي إلى بابهم .:. من ذلة الكلب سوى الخاسي

فاهرب من الناس إلى ربهم.:. لا خير في الخلطة بالناس

و له :

يهيم قلبي طرباً عندما .:. أستلمح البرق الحجازيا

و يستخف الوجد قلبي وقد .:. أصبح لي حسن الحجى زيا

يا هل أقضّي حاجتى من مِنى .:. و أنحر البزل المهاريا

و أرتوي من زمزمٍ فهو لي .:. ألذ من ريق المها ريا .

آثاره العلمية
لقد ترك ابن دقيق العيد الكثير من المؤلفات في الحديث وعلوم الفقه، ما زالت تعتز بها المكتبة العربية حتى يومنا هذا. من هذه المؤلفات:

كتاب الإلمام الجامع لأحاديث الأحكام،
الإلمام في الأحكام في عشرين مجلداً،
شرح لكتاب التبريزي في الفقه،
فقه التبريزي في أصوله.
شرح مقدمة المطرزي في أصول الفقه .
الإقتراح في علوم الإصطلاح .
اقتناص السوانح .
شرح مختصر ابن الحاجب في الفقه،
ووضع في علوم الحديث كتاب الاقتراح في معرفة الاصطلاح. وله تصانيف في أصول الدين. كما كان ابن دقيق العيد، بجانب امتيازه في التدريس والفقه والتأليف، خطيباً بارعاً، وله ديوان شعر ونثر لا يخرج عن طريقة أهل عصره الذين عرفوا بالسجع والمحسنات البديعة.



ذرية سيدى على بن دقيق العيد الذى مسجده وضريحه بمدينة قوص ومولده عام 1185 ميلادياً
أولهم سيدى محمد تقى الدين بن سيدى على الذى ضريحه بالقاهرة أمام سيدى عبد الله أبى جمرة وهو صاحب الواقعة الشهيرة مع سيدى احمد البدوى وقد اعقب كل من
سيدى طلحة
سيدى عامر
سيدى عثمان
سيدى على
سيدى عمر
سيدى محمد
السيدة رقية الفشيرية رضى الله عنهم
__________
سيدى تاج الدين أحمد بن سيدى على بن دقيق العيد وهو الثانى من ابنائه وقد اعقب كل من
سيدى أحمد شهاب الدين
سيدى محمد
سيدى يوسف
__________
سيدى عيسى بن سيدى على بن دقيق العيد وقد اعقب كل من
السيدة تاج النساء
السيدة مظفرية
__________
أما الثلاثة الأخرين من اولاد سيدى على فلم اقف على عقب لهم وهم سيدى موسى المدفون بقوص
والسيدة خديجة والسيدة علما
ورضى الله تعالى عن الجميع
الغريب فى الأمر هو ان سيدى على بن دقيق العيد كان قاضياً ولازال القضاء والعمل الشرطى فى ذريته الى وقتنا هذا فمنهم قضاة كثر ولوائات فى الشرطة

الخميس، 19 أكتوبر 2017

- شيخ أبو مَدْيَنَ شُعَيْبُ بنُ حُسَيْنٍ الأَنْدَلُسِيُّ الزَّاهِدُ

شيخ المشايخ أبو مدينأَبُو مَدْيَنَ شُعَيْبُ بنُ حُسَيْنٍ الأَنْدَلُسِيُّ الزَّاهِدُ، شَيْخُ أَهْلِ الـمَغْرِبِ، وسيد العارفين وقدوة السالكين في عصره. واشتهر بشيخ المشايخ، كَانَ مِنْ أَهْلِ العمل وَالاجتهَاد، مُنْقَطِع القرِيْن فِي العِبَادَةِ وَالنُّسك.
قال الشيخ أبو عبد الله التلمساني في كتابه: النجم الثاقب فيما لأولياء الله تعالى من المناقب:
 كان الشيخ سيدي أبو مدين فردًا من أفراد الرجال وصدرًا من صدور الأولياء الأبدال جمع الله له علم الشريعة والحقيقة.اهـ
من مناقبه
وذكر التادَلي وغيره أنه خرّج على يده ألف شيخ من الأولياء أولي الكرامات.اهـ
وقال التادلي: كان مبسوطًا بالعلم مقبوضًا بالمراقبة كثير الالتفات بقلبه إلى الله تعالى حتى ختم له بذلك.اهـ
وقال أبو الصبر كبير مشايخ وقته: كان أبو مدين زاهدًا فاضلا عارفًا بالله تعالى خاض بحار الأحوال ونال أسرار المعارف خصوصًا مقام التوكل لا يشق غباره ولا تجهل آثاره. اهـ
نشأته وطلبه العلم:
كَانَ مِنْ أَهْلِ حِصنِ مَنتُوجَبْ، مِنْ عَمل إِشْبِيْلِيَة، بالأندلس، جَال، وَسَاح، وَاسْتَوْطَنَ بِجَايَة مُدَّة، ثُمَّ تِلِمْسَان. جال في رحلته لطلب العلم، في المغرب وزار سبتة وطنجة بالشمال، واشتغل مع الصيادين ثم انتقل إلى مراكش بالجنوب وانخرط في سلك الجندية وفيها عرض أمره وغايته على من رآه نصوحًا فقال له: عليك بفاس.اهـ وفاس مدينة في بلاد المغرب.
يقول أبو مدين:" سرت إليها ( أي إلى مدينة فاس ) ولازمت جامعها ورغبت في من علمني أحكام الوضوء والصلاة ثم سألت عن مجالس العلماء فسرت إليها مجلسًا بعد مجلس". اهـ
وفي هذه المجالس أخذ عن شيوخ ولازمهم، ومال عن آخرين، وممن لازم وأخذ عنهم، الشيخ أَبُو يَعْزَى يلنور، (ت سنة 572هـ )، والشيخ أبو الحسن علي بن حِرْزِهِم، بكسر الحاء المهملة وسكون الراء وبعدها زاي، المشهور بابن حرازم رضي الله عنه(ت سنة 559 هـ). وقرأ عليه "الرعاية للمحاسبي".
ومن الشيوخ كذلك الذين أخذ عنهم، الشيخ أبو الحسن بن غالب، فقيه فاس؛ أخذ عنه كتاب السنن للترمذي، والشيخ أبو عبد الله الدقاق وأخذ عنه التصوف.
ذكر عنه رضي الله عنه أنه قال: كنت في أول أمري وقراءتي على الشيوخ إذا سمعت تفسير آية أو معنى حديث قنعت به، وانصرفت لموضع خال خارج فاس، أتخذه مأوى للعمل بما فتح به علي، فإذا خلوت به تأتيني غزالة تأوي إلي وتؤنسني، وبقيت كذلك مدة وأخبار سيدي أبي يعزى ترد علي وكراماته يتداولها الناس وتنقل إلي فملأ قلبي حبه، فقصدته مع جماعة الفقراء، وشاهدت في الوقت عجائب من بركاته، ثم استأذنته في الانصراف بنية أداء الفريضة ( أي الحج) فأذن لي.اهـ
فتوجه الشيخ أبو مدين للشرق، وأنوار الولاية عليه ظاهرة، فأخذ عن العلماء واستفاد من الزهاد والأولياء، وتعرف في عرفة بالشيخ عبد القادر الجيلاني فقرأ عليه في الحرم الشريف كثيرا من الحديث وألبسه خرقة الصوفية.
وبعد زيارته المباركة للمشرق، عاد واستوطن مُدَّة في شرق الجزائر في مدينة بجاية. وكان يقول عنها:" إنها معينة على طلب الحلال".اهـ ولم يزل بها يزداد حاله على مر الليالي رفعة، ترد عليه الوفود وذوو الحاجات من الآفاق.
وفيها تزوج، وأنجب ولدًا. قال الشعراني في الطبقات الكبرى: "وولده مدين هو المدفون بمصر بجامع الشيخ عبد القادر الدشطوطي، ببركة القرع، خارج السور، مما يلي شرقي مصر، عليه قبة عظيمة، وقبره يزار".اهـ
حاله بين العلماء
كان رضي الله عنه من أعلام العلماء، وترد عليه الفتاوى في مذهب الإمام مالك رضي الله عنه فيجيب عنها في الوقت، وله مجلس وعظ يتكلم فيه فتجتمع عليه الناس من كل جهة وتمر به الطيور وهو يتكلم فتقف تسمع وربما مات بعضها، وكثيرا ما يموت بمجلسه أصحاب الحب، تخرج عليه جماعة كثيرة من العلماء والمحدثين وأرباب الأحوال. وكان أولياء وقته يأتونه من البلدان للاستفتاء فيما يعرض لهم من المسائل.
قال الشعراني في " الطبقات الكبرى": قال الشيخ أبو الحجاج الأقصري سمعت شيخنا عبد الرزاق رضي الله عنه يقول: لقيت الخضر عليه السلام سنة ثمانين وخمسمائة، فسألته عن شيخنا أبي مدين، فقال: هو إمام الصديقين في هذا الوقت.اهـ
قلت: وأجمعت المشايخ على تعظيمه وإجلاله وتأدبوا بين يديه وكان ظريفا جميلا متواضعا زاهدا ورعا محققا مشتملا على كرم الأخلاق رضي الله عنه.اهـ كلام الشعراني.
 قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: قَالَ مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُ العَرَبِيِّ: كَانَ أَبُو مَدْيَنَ سُلْطَانَ الوَارِثِيْنَ، وَكَانَ جمَال الحُفَّاظ عَبْدُ الحَقِّ الأَزْدِيّ قَدْ آخَاهُ بِبجَايَة، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ، وَيَرَى مَا أَيَّده الله بِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، يَجد فِي نَفْسِهِ حَالَة سَنِيَّةً لَمْ يَكُنْ يَجِدُهَا قَبْل حُضُوْر مَجْلِس أَبِي مَدْيَن، فَيَقُوْلُ عِنْدَ ذَلِكَ: هَذَا وَارِث عَلَى الحقيقَة.اهـ
عقيدته:
من مصنفاته: أنس الوحيد ونزهة المريد في علم التوحيد والحكم.
قال الشيخ أبو مدين في عقيدته: الحمد لله الذي تنـزه عن الحد والأين والكيف والزمان والمكان المتكلم بكلام قديم أزلي صفة من صفاته قائم بذاته لا منفصل عنه ولا عائد إليه ولا يحُل في المحدثات ولا يجانس المخلوقات ولا يوصف بالحروف والأصوات تنـزَّهت صفات ربنا عن الأرض والسمـٰوات. اللهم إنّا نُوَحِّدُك ولا نَحُدُّك ونؤمن بك ولا نكَيِّفُك ونعبدك ولا نُشَبِّهُك ونعتقد أن من شبهك بخلقك لم يعرف الخالق من المخلوق اﻫ
وقال فيها: القُدُّوس على العرش استوى من غير تمكن ولا جلوس. اﻫ
وقال: العرش له حدٌّ ومقدار والرب لا تدركه الأبصار. العرش تُكَيِّفُه خواطر العقول وتصفه بالعرض والطول وهو مع ذلك محمول وهو الذي لا يحول ولا يزول. العرش بنفسه هو المكان وله جوانب وأركان وكان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان ليس له تحتٌ فيُقِلَّه ولا فوقٌ فيُظِلَّه ولا جوانب فتعدله ولا خلْف فيسنده ولا أمام فيحده. اﻫ عن مخطوط في المكتبة الوطنية بباريس رقم 5485.
ومن أقواله المشهورة:
وكان أبو مدين يقول: كرامات الأولياء نتائج معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم وطريقتنا هذه أخذناها عن أبي يعزى بسنده عن الجنيد عن سري السقطي عن حبيب العجمي عن الحسن البصري عن علي رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.اهـ
وقال: من رزق حلاوة المناجاة زال عنه النوم، ومن اشتغل بطلب الدنيا ابتلي فيها بالذل، ومن لم يجد من قلبه زاجرا فهو خراب.اهـ
 وقال: بفساد العامة تظهر ولاة الجور، وبفساد الخاصة تظهر دجاجلة الدين الفتانون.اهـ
وقال: من عرف نفسه لم يغتر بثناء الناس عليه، ومن خدم الصالحين ارتفع، ومن حرمه الله تعالى احترامهم، ابتلاه الله بالمقت من خلقه.اهـ
وقال: عُمْرُكَ نَفَسٌ وَاحِدٌ فَاحْرِصْ أنْ يَكُونَ لَكَ لاَ عليك. انتهى
وقال: احذر صحبة المبتدعة اتقاء على دينك.اهـ
وقال: الزهد عافية.اهـ
وقال: بالمحاسبة يصل العبد إلى درجة المراقبة.اهـ
ونختم هذه المأثورات بأبيات لأبي مدين نالت قبولا لدى الخاصة والعامة وتغنى بها المنشدون وتعالت بها أصواتهم في مجالس الذكر والإنشاد.
قال الشيخُ أبو مدين رحمه اللَّه :
مَا لذّةُ العَيشِ إلاّ صُحبَةُ الفُقَرا
هُم السّلاَطين والسَّادَاتُ والأُمَرا
فَاصْحَبْهُمُو وتأدَّب في مَجَالِسِهِم
وخلِّ حظَّكَ مَهمَا قدموك ورَا
واستغنم الوقت واحضر دائمًا معهم
واعلم بأن الرضا يختص من حضرا
أي ما لذة عيش السالك في طريق مولاه إلا صحبة الفقراء، والفقراء جمع فقير، والفقير هو المتجرد عن العلائق المعرض عن العوائق.
من كراماته:
 الله تعالى أكرمه بكرامات كثيرة، قال الشيخ أحمد بن محمد الْمُقْرِي التلمساني في نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب: ومن مشهور كراماته أنه كان ماشيا يوما على ساحل فأسره العدو وجعلوه في سفينة فيها جماعة من أسرى المسلمين فلما استقر في السفينة توقفت عن السير ولم تتحرك من مكانها مع قوة الريح ومساعدتها، وأيقن الروم أنهم لا يقدرون على السير، فقال بعضهم: أنـزلوا هذا المسلم، ولعله من أصحاب السرائر عند الله تعالى، وأشاروا له بالنـزول، فقال: لا أفعل إلا إن أطلقتم جميع من في السفينة من الأسارى، فعلموا أن لا بد لهم من ذلك، فأنزلوهم كلهم وسارت السفينة في الحال. اهـ
وذكر ابن بطوطة في رحلته أنه: يحكى أن الشيخ الولي أحمد الرفاعي رضي الله عنه كان مسكنه بأم عبيدة بمقربة من مدينة واسط، وكانت بين ولي الله تعالى أبي مدين شعيب بن الحسين وبينه مؤاخاة ومراسلة. ويقال: إن كل واحد منهما كان يسلم على صاحبه صباحًا ومساء فيرد عليه الآخر. اهـ
تلامذة الشيخ أبي مدين:
قال اليافعي في"مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان": وتخرج به جماعة من أكابر المشايخ الأصفياء، مثل الشيخ أبي محمد عبد الرحيم القنادي، والشيخ أبي عبد الله القرشي، والشيخ أبي محمد عبد الله الفارسي، والشيخ أبي محمد صاحب الدكالي، والشيخ أبي غانم سالم، والشيخ أبي علي واضح، والشيخ أبي الصبر أيوب المكناسي، والشيخ أبي محمد عبد الواحد، والشيخ أبي الربيع المظفري، والشيخ أبي زيدين هبة الله وغيرهم من العلماء ".اهـ
وفاته:
ولما اشتهر الشيخ أبو مدين، وكثر رواده وطلبته، وشى به بعض الحاقدين عند يعقوب المنصور، وقالوا:" إنا نخاف منه على دولتكم، وأتباعه كثيرون في كل بلد"، فبعث إليه السلطان ليختبره، وكتب لصاحب بجاية بالوصية والاعتناء بحمله، فشق ذلك على أصحاب الشيخ، حتى قال لهم:" إن منيتي قربت، فبعث الله من يحملني إليه برفق، وأنا لا أرى السلطان ولا يراني". اهـ
فارتحل به موكب السلطان إلى أن وصل مدينة العبَّاد بتِلِمْسَان، غرب الجزائر، فقال لأصحابه: " ما أصلحه للرُّقَادِ"، ومرض مرض موته، فتوفى هناك سنة أربع وتسعين وخمسمائة594هـ.
قال الصفدي في "الوافي بالوفيات": " كان آخر كلامه: الله الحي، ثم فاضت نفسه."اهـ
قال الشعراني في " الطبقات الكبرى": وكان سبب دخوله تلمسان أن أمير المؤمنين لما بلغه خبره أمر بإحضاره من بـجاية ليتبرك به، فلما وصل الشيخ شعيب إلى تلمسان، قال: ما لنا وللسلطان، الليلة نزور الإخوان، ثم نـزل وذهب إلى المسجد الجامع هناك، واستقبل القبلة وتشهد، وقال: ها قد جئت، ها قد جئت، وعجلت إليك رب لترضى، ثم قال: الله الحىّ، ثم فاضت روحه رضي الله عنه.اهـ
وسمع أهل تلمسان بجنازته فكانت من المشاهد العظيمة والمحافل الكريمة. ونقل المعتنون بأخباره أن الدعاء عند قبره مستجاب وجربه جماعة.
 وقد أطال في ترجمته يوسُفُ بن يَحْيَى التَّادَلِيُّ في كتابه: التشوف لرجال التصوف، وقد أفردها أبو العباس القُسمطيني الشهير بابنِ الخطيب وابنِ قُنفذ، بتأليف سماه: أنس الفقير.اهـ
رضي الله عنه وجمعنا معه تحت لواء المصطفى عليه السلام ءامين.

الثلاثاء، 3 أكتوبر 2017

- رجال أفردهم الله لذاته

هناك رجال يسمون الأفراد، أفردهم الله لذاته، ولم يشغلهم بشيء من خلقه ولا من مخلوقاته، فلم ينشغلوا عن الله طرفة عين، تجاوزوا الدرجات وتركوا خلفهم كل المقامات وقالوا لا نريد إلا رفيع الدرجات، وهؤلاء القوم يقول الله فيهم:
(رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ) (37 النــور)
وذكر الله في الآية له معانٍ، أي لا يغفلون عن ذكر الله عملاً بقول حبيب الله ومصطفاه:
{ سيروا سبق المُفْرِدُون }و في روايات أخرى: { الُمفرَدون } و { المُفَرِّدون} { قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكــــــــــــرين الله كثيراً والذاكرات، وضع الذكر عنهم إصرهم حتى يلقون الله عزوجل خفافاً }(1) 🌹 🌱
ولمَّا ننظر إلي ذكر الله في القرآن نجد الله يقول في آية:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ) - مَن ذكر الله فى هذه الآية الذي يذكِّر الخلق بالله؟ كان رسول الله صل الله عليه وسلم ! . ثمَّ (وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ) (9الجمعة)
🌹 🌱 فهؤلاء الرجال ظاهراً لا يغفلون عن ذكر الله، وباطناً لا يحجبون عن رسول الله طرفة عين ولا أقل! لكمال روحانيتهم، وشدة تعلقهم بالله عزوجل.
هؤلاء الرجال هم الذين وصلوا إلي هذه المقامات العالية والدرجات الراقية .. وهم من يُعنوا بكلمة رجال !! فالرجل من كان ظاهره مع الخلق يقوم لهم بما أوجبه عليه شرع الملك الحق، ومن كان باطنه مع الحق لا يلتفت إلي الخلق طرفة عين ولا أقل، الرجل مع الخلق بظاهره ومع الحق بباطنه، لا يشغله الخلق عن إقباله علي الله، ولا يهيم بمولاه هياماً يجعله يتناسي ما عليه من حقوق لخلق الله، ينظر بالعينين ويشاهد بالمشهدين ويعالج الظاهر والباطن كما وصف الحبيب صل الله عليه وسلم لأصحاب هذا المقام، رجلٌ جسده علي الثري وقلبه بالمحل الأعلى:
{ صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانِ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالنَّظَرِ الأعْلَى }(2) 🌹 🌱
🌹 🌱وروحه في عالم الجبروت، وسره بين يدي الحى الذي لا يموت، يشهد المشاهد العالية ويعاين الدرجات الراقية، ويكاشفه الله عزوجل بالغيوب، ويرفع عنه كل حجاب، وهو بين الخلق من يراه يراه ضعيفاً في قوته، ذليلاً في هيئته، متواضعاً في حالته، لأنه لا يظهر عليه من البضاعة التي جمَّله بها الله عزوجل قليل ولا كثير، لأن الله جعله أميناً علي هذه الأمانات، يقول فيه أبوالعزائم رضى الله عنه وأرضاه:
والعارف الفرد محبوب لخالقه
فات المقامات تحقيقاً وتمكينا
في كل نفَسٍ له نور يواجهه
من حضرة الحق ترويحاً وتيقينا
يمشي علي الأرض في ذلٍ ومسكنة
هام الملائك شوقاً فيه وحنينا
معناه غيب ومبناه مشاهدة
والفرد معنى وليس الفرد تكوينا
لا يعرف الفرد إلا ذو مواجهة
صفا فصوفى فأحيا النهج والدين
هؤلاء قد يكون عددهم اثني عشر بعدد المشارب، ولكل قوم مشربهم، وقد يكون أكثر أو أقل بحسب الزمان. 🌹 🌱
(1)صحيح مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه
. (2)على بن أبى طالب، ابنُ الأنْبَارِي فِي المصاحِفِ، والمرهبي فِي الْعِلمِ، وَنَصْرٌ فِي الْحُجَّةِ، حل، كر.


🌹 🌱رجال الدعوة 🌹 🌱

🌹 🌱فمنهم رجال جعلهم الله عزوجل يتحملون أعباء الدعوة إلي الله، فيدعون الخلق إلي الله، وهناك دعوة إلي السبيل ! ودعوة إلي الله!، فالدعوة إلي السبيل:
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) (125 النحل)
هذا يؤتَى الحكمة:
(وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (269 البقرة )
أما الدعوة إلي الله فشرطها كما فى قوله تعالى فى (108 يوسف):
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي) 🌹 🌱
🌹 🌱 لا بد أن يكون صاحبها صاحب بصيرة ومعه إذن من الذات المنيرة:
(وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا) (46 الأحزاب)
يكون سراجاً منيراً لأهل قربه ووده، يكاشفهم بالحقائق ويفصح لهم عن الدقائق إما بياناً وإما مناماً وإما عياناً علي حسب مقامات قربهم وعلي حسب درجاتهم وسلوكهم إلي الله عزوجل وهذا يقول فيه الله: 🌹 🌱
(وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) (الحـج)
🌹 🌱 لم يقل وأذن في الناس بالحج يأتون إلي البيت! ولكن قال {يَأْتُوكَ }بكاف الخطاب،لأن الحج الأعظم هو قصد الله عزوجل ، فالحج أى القصد فمن قصد البيت فهو حاج، لكن من قصد الله فهو الحج الأعظم لأنه قصد الله عزوجل. 🌹
‏ ‏----------------------------------------------------------
🌹 همسات صوفية من كتاب الفتح العرفانى 🌹
🌹☀فضيله الشيخ فوزى محمد ابوزيد ☀🌹
🌹☀ رئيس الجمعية العامة للدعوة إلى الله☀

الاثنين، 13 مارس 2017

- قصة قوم سبأ فى اليمن

كان "سبأ بن يشجب" رجلاً عربيًّا كريمًا مسلما، يجودُ على الناس بعطاياهُ ولا يبخُلُ، وذُكر أنه أول من لبِس التاجَ، وكانَ لهُ شِعرٌ بشَّر فيه بمقْدِم وظهور رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ومنه: وكان له عشرةُ أولادٍ فتفرقوا، ستةٌ منهم قصدوا "اليمن" وبَنوْها، وأربعةٌ رحلوا إلى الشام وتكاثروا فيها.
ورد ذكر القصة في سورةسبأ الآيات 15-19.
قال الله تعالى، في سورة "سبأ":
 " لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ".

القصة :
وخرج من بين اليمنيينَ: التبابعةُ" وهم ملوكُ "اليمن" وأحدهم "تُبَّعٌ" يَلبسونَ التيجانَ وقتَ الحكمِ، وعاشوا في غِبطةٍ عظيمةٍ وأرزاقٍ وثمارٍ وزروعٍ كثيرةٍ، ولكن كانت أوديتُهُم شحيحةً بالماءِ، مقفرةً من الأنهارِ، فألجأتهُمُ الحاجةُ إلى أن يصنعوا شيئًا يجمعونَ بهِ سيولَ المطرِ التي كانت تهطُلُ في أوقاتٍ معينةٍ، لينتفعوا بها فألهمهم الله طريقةَ بناءِ السدودِ والحواجزِ، يُقيمونَها بين الأوديةِ، للانتفاعِ بما تُخَلِّفُه وراءَها من مياه.
وكان سدُ "مأْرِبٍ" أقواها وأمتنها وأنفعَها، وأول من بناهُ "سبأ" وسلَّط إليه سبعينَ واديًا تَفِدُ إليهِ مياهُها، وماتَ ولم يُكْمِلْ بناءَه فأكملتْهُ الملوكُ بعدَه وكان ءاخرَ من أتمَّه "بلقِيسُ" قبل أن تقابل سيدَنا "سليمان" عليه السلامُ، ولإتمامِ السدِ خبرٌ يقولُ إنه لما ملكتْ "بلقيس" اقتتلَ قومُها على ماءِ واديهم، إذ لم يكن السدُّ قد انتهى بعدُ، فتركَتْ مُلْكَهَا وسكنت قصرَها، وطلبوا منها أن ترجع فأبتْ فقالوا: "إما أن ترجعي أو نقتُلَكِ!" فقالت لهم: "أنتم لا عقولَ لكم، ولا تُطيعونني"، فقالوا: "نُطيعُكِ".

فرَجَعَت إلى واديهم وعكفت على إنهاءِ السدِ، وجلبتِ الصخورَ والزِفْتَ الأسودَ، ومكَّنتِ السدَّ بين جبلينِ عظيمين وجعلت لهُ ثلاثةَ أبوابٍ بعضُها فوقَ بعضٍ وبنتْ تحتَهُ بِرْكةً ضخمةُ، وجعلت فيها اثني عشرَ مخرجًا على عددِ أنهارِهم يفتحونها إذا احتاجوا إلى الماء، وإذا استغنَوْا عنه سدُّوها، فإذا جاءهمُ المطرُ اجتمعَ إليهم ماءُ أوديةِ "اليمن" فاحتُبِسَ السيلُ من وراءِ السدِ الضخمِ.

ثم لما كانتِ الحاجةُ تشتدُ تأمرُ فيُفتَحُ البابُ الأعلى وتجري المياه إلى البِركةِ، فكانوا يُسْقَوْنَ من البابِ الأعلى ثم من الثاني الأوسط ثم من الثالث الأسفلِ، فلا ينفدُ الماءُ حتى يأتي الماءُ من السنةِ المقبلةِ، فكانت تَقْسِمُه بينهم على ذلك.
وصارت رمالُ الصحراءِ بُسُطًا هندسيةً خضراءَ، تجري بينها القنواتُ الملتويةُ، وتصدحُ بين أغصانِها البلابلُ المغرِدةُ، وتمتلىءُ أشجارُها بالأثمارِ النَّضرَةِ والأزهارِ الملونةِ.

وكانت بلدتُهم طيبةً كريمةَ التربةِ، عامرةً بالخُضْرَةِ، وكان من صفاءِ هوائِها ونقاوتِه أنهم لم يَرَوْا في بساتينِهِم بَعوضةً قطّ، ولا ذبابًا ولا برغوثًا ولا قملةً ولا عقربًا ولا حيةً ولا غيرَها من الهوامِ أي الحشراتِ المؤذيةِ، ولا تتعبُ دوابُهم، وإذا جاءتْهُمْ قافلةٌ وفي ثيابِهِم ودوابِّهم قملٌ ونحوُه ووصلوا إلى تلكَ البساتينِ النقيةِ ماتت تلك القملُ لساعتِها.
وكان من غزارةِ ما تُعطي تلك البساتينُ أن المرأةَ كانت تخرجُ معها مَغْزِلها وعلى رأسها وعاءٌ من قشٍ فتلتهي بمغزَلِها، وتمشي بين الأشجارِ المثمرةِ فلا تأتي بيتَها حتى يمتلىءَ وعاؤُها من كلِ الثمارِ من كثرتِهِ على الشجرِ من غيرِ أن تمسَّها بيدِها.

وزيادةً على هذا النعيمِ الخاصِ بهم أصلحَ الله لهم البلادَ المتصلةَ بهم، وعَمَرَها وجعلهم أصحابَها وضيَّقَ السيرَ بأن قرَّبَ القُرى بعضَها من بعضٍ، حتى كان المسافرُ من "مأْرِبٍ" إلى الشامِ يبيتُ في قريةٍ ويرتاحُ في أخرى، ولا يحتاجُ إلى حَمْلِ زادٍ حتى يصلَ مقصودَه، ءامنًا من عدوٍ وجوعٍ وعطشٍ وءافاتٍ تضرُ بالمسافرِ. وقُدرت هذه القرى المتصلةُ بأربعةِ ءالافٍ وسبعمائةِ قريةٍ بورك فيها بالشجرِ والثمرِ والماءِ بحيث تظهرُ القريةُ الثانية من الأولى لِقُربِها منها.

ولما طالت بهم مدةُ النعمةِ سئموا الراحةَ ولم يصبروا على العافيةِ، تمنَّوْا طولَ الأسفارِ وقالوا: "لو كان جَنْيُ ثمارِنا أبعدَ، لكانَ أشهى وأعلى قيمةً". فتمنَّوْا أن يجعلَ الله بينهم وبين الشام صحارى شاسعةً ليركبوا النياقَ المحمَّلةَ، ويتزودوا بالزادِ كغيرِهم، وانتشرَ البَطَرُ والطُغيانُ والكفرُ بالله حيث بدأت عبادةُ الشمسِ من دونِ الله.

فأرسلَ الله إليهم ثلاثةَ عَشَرَ نبيًّا، فدعوهم إلى الله تعالى وتوحيدِهِ وتركِ الكفرِ، وذكَّروهم نعمةَ الله عليهم وأنذروهم عقابَهُ، فكذَّبوهم وقالوا والعياذُ بالله: "ما نعرفُ لله علينا نعمةً، فقولوا لربِكم فليحبِسْ هذه النعمةَ عنا إن استطاعَ ذلك".

وتجري في هذه الأثناء قصةُ التقاءِ سيدِنا "سليمانَ" بملكةِ "سبأ" "بلقيس" حيث دعاها إلى الإسلامِ فأسلمتْ هي وقومُها، ثم بعدَها بسنينَ حصلَ الكفر مجددًا، ومنه ما حدث مع شخصٍ منهم اسمُه "حمارٌ" كان له ولدٌ فماتَ فاعترضَ على اللهِ والعياذُ باللهِ تعالى ورفعَ رأسَهُ إلى السماءِ وبَصَقَ وقال: "لا أعبدُ ربًّا قتلَ ولدي" وكفرَ كفرًا شنيعًا، وصار لا يمُرُّ بأرضه أحدٌ إلا دعاهُ إلى الكفرِ فإن أجابَهُ تركَهُ وإلا قتلَهُ.

فأنزلَ الله عليه صاعقةً أحرقتْه ودمَّرت وادِيَه حتى صارَ خَربًا ومَرْتَعًا للجنِ، أما قومُهُ فإنهم تمادَوْا في الكفرِ تماديًا فظيعًا ولم يلتفتوا إلى كلامِ الأنبياءِ الذينَ نصحُوهم، وازدادوا إعراضًا، ولم يقابلوا الهدَى والإرشادَ إلا بوضعِ الأصابعِ في الأذنينِ، وبالاستكبارِ والانصرافِ إلى العملِ وبناءِ البيوتِ، فأرادَ اللهُ أن يُذيقَهم شرَّ أعمالِهم وأن يُريَهُم عاقبةَ كفرِهم، ليكونوا عبرةً لغيرِهم، وعقوبةً قاسيةً لمن تحدثُه نفسُه أن يسلُك طريقَهم، ويفعلَ فِعلَتَهم.

فسلَّطَ عليهم دابةً صغيرةً اسمُها "الخُلْدُ" وهو حيوانٌ لا يُبصرُ، ولكنهُ ذو أسنانٍ ومخالبَ حادةٍ جدًا، فجاءَ منهُ الألوف وحفروا تحت أساساتِ السدِ بشكلٍ متواصلٍ، وكان خلفَه كمياتٌ ضخمةٌ جدًا من الماءِ المتجمعِ، وما هي إلا ساعاتٌ حتى تدفقتِ المياهُ سيولاً جارفةً تهدمُ ما هو أمامَها، وتُغرِقُ الناسَ في بيوتِهم وتدمِرُها، حاملةً معها أطنانًا من الطينِ والأحجارِ، فخابَ كيدُ الكافرينَ وانتقمَ الله من الظالمين.

تهدَّمَ السدُ، وانهار البناءُ، ولم يعدْ يحجزُ السيولَ المتدفقةَ، والأمواجَ المتلاطمةَ، وانطلقتِ المياهُ الحبيسةُ في شعابِ الوادي وبين الأشجارِ، فغرقَ الزرعُ، وهلَكَ الضَّرْعُ، وعادَ الوادي كما كانَ صحراءَ مقفرةً صامتةً، لا نباتَ فيها سوى أشجارٌ لا تثمرُ إلا كلَّ مُرٍ بشعٍ وبعضَ الأنواعِ التي لا نفعَ فيه، وهربتِ العصافيرُ والبلابلُ.

وأتى البومُ يصيحُ فوقَ الخرائبِ، وحلَّقتِ الغِربانُ تنعقُ على الأغصانِ الجافةِ. ومن بقيَ من الناسِ فإنهم لم يطيقوا صبرًا على أن يُقيموا في صحراءَ كانت بالأمسِ بساتينَ عامرةً، ففارقوها ونزحوا عنها بقلبٍ يبكي دمًا، ثم تفرَّقوا في شتى البلادِ حتى صارَ أمرُهم حديثًا يتنقَّلُ وحكاياتٍ تُروى، حيث كانوا في نعمةٍ سابقةٍ فلم يحفظوها، فجزاهم الله بما كفروا.

الاثنين، 6 فبراير 2017

- من رسائل الشيخ أحمد رضوان البغدادي

 إنَّ من أراد الله تعالى بقلبه وسره وروحه وبشريته قـام له وقـام بـه، لا يريد عوضًا في عبادته، ولا يريد جزاء على طاعته، فهو بين الخوف والرجاء، والطمأنينة والقلق، لا يصاحب نفسه، ولا يرى لنفسه عملاً، مهما كان عمله، فإن المنـة لله والفضل له، حيث وفّقه لتوحيده، ودلّه على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وعرّفه بأهل حضرته.
 إن العبـد إذا قــال ( لا إلـه إلا الله ) صادقًا من قلبه، يبغي بها وجه ربه، مـلأت القـلب نـورًا، فلا تبـقي بقــية لغير الله في لـبه، فيعطي القلب البشرية ما يعصمها من السوى، فتصير بشرية ملكية، لا تقع منها هفوة ولا غفلة، ولا ذلة ولا لهو، يتقذر كل قاطع يقطعه عن ربه، وعلامة ذلك أن يصير ما كلف به من الله كَلَفًا، وحبًا وسرورًا وطربًا.
لا يعرف النوم في سحره، ولا يطلق لسانه إلا فيما يحب مولاه، يعد أنفاسه ويحصيها، يستعذب البلاء فيه، ويراه منة عليه، ويترك الراحة والبطالة، لأنه صار في المعية الكبرى، وعلامة ذلك أن يأخذ من القرآن ما يسوقه له ربه، من غير معلّم يعلمه، ومن السنة ما يجعله متبعًا لصاحب السنة، وعند ذلك تأتيه التنبيهات والبشارات، فلا يقف مع عرش ولا فرش، يكون في الدنيا وليس هو فيها، ويكون مع الناس وليس هو مع الناس.
يبغض الراحة أملاً في ذكر ربه، ويهجر الأكوان أملاً في فكرة وعبرة، وعلامة ذلك أنه لا يريد الشهرة ولا الصيت، وليس له أذن تسمع المدح والذم، انفرد لله بالله، وانقطع لله بتوفيق الله، فعند ذلك ينادى عليه في السموات: إن الله يحبه، وتحبه ملائكة الله، ويداوم على المعرفة والخوف والمراقبة والحياء، لا يفتر عن العمل عبــودية لله.
يرى القلة كثرة، والسقم عافية، لأنه يحب الحق، وما يأتيه منه يراه جميلاً، كأن الآخرة بين عينيه، يقصر الأمل ويكثر العمل، ويخاف الفوت، بكّاء بالأسحار، بسّام بالنهار، هين لين، متواضع، يؤثر إخوانه على نفسه، يوالي أهل حضرة الله، ويبغض أعداء الله، وينصح لله، ويحب في الله، ويهجر لله، ويعطي لله، ويمنع لله، سائرًا بروحـه إلى ربـه، لا يقف مع ملك ولا ملكوت، ولا مع عرش ولا جبروت.
يفرح بالخلوة ويكره الجلوة، ويحب إخماد صيته إلا إذا أظهره الله، وعلامة ذلك أن يكون فارغ القلب مما سواه، صحب الله على صدق، وأحبه على وجد، يُسارع له في الخيرات، كثير الذكر، كثير الشكر، لا يحـب النـوم ولا يشتهيه، ولا يحب أحدًا لغير ربه، تـراه حتى في بيته ومع زوجـته سـائـرًا إلى الله.
اتخذ في هذه الدار أنسه بالله، وسيره لله،وصمته لله، وذكره لله، فهو بالله قائم، لا يصاحب نفسه، ولا يرضى عنها، ذليل في عز، وعزيز في ذل.
انقطع إلى الله بكله، والتجأ إليه في جهره وسره، خرج من مراده إلى مـراده، صـار ليس له بغـية إلا الله، إن أقـعده شـكر، وإن ســيّره ذكـر، هائم به، متحسر لطول البقاء في هذه الدار، لولا الأجل المحتوم، لطـارت روحـه إلى الله،لايـدعي مشـيخة، ولا يدعي سيادة، وعلامة ذلك أن يجلس حيث ينتـهي بـه المجـلس، تراه بين إخوانه لا علامة لظهوره، ليس بمتكبر ولا متجبر، يتهم نفسه في أعماله الصالحة، وإذا ساق أحدًا إلى الله ساقه بالله، لا لشهرة، ولا ليقال: إنه عارف أو ولي، لا يطلب كرامة ولا خرق عادة..
أفضل الأشياء عنده العبودية، وأشهى شيء له في الدنيا والآخـرة الحق، تأخذه العبرة فيكاد أن يذوب، ويأخذه الشوق فيكاد أن يموت، لا ينتصر لنفسه، ولا يدعو على غيره، تراه بذالاً المعروف، لا يجمع الدنيا لغرض فيها، ولا يتعجل أمرًا أقامه الله فيه، يتمسكن لربه في كل أوقاته، كثير السؤال، قريب إلى المؤمنين، سهل، حظه التعلق بالله، وطلبه في الآخرة النظر إلى وجه الله.



شارك فى نشر الخير