آخر الأخبار
موضوعات

الأحد، 17 فبراير 2019

حاجتنا إلى الدين الرشيد ومحاسبة النفس خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد

حاجتنا إلى الدين الرشيد ومحاسبة النفس
خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
***************************************
الحمد لله رب العالمين أنعم علينا جميعاً بهذا الدين المتين الذى فيه صلاح أحوالنا في الدنيا وسعادتنا يوم أن نلقى رب العالمين ..
سبحانه سبحانه جعل في الإسلام صلاح الأفراد والنفوس وصلاح البيئات والمجتمعات وصلاح كل أمرٍ وكل شأنٍ في هذه الحياة لأنه دين الله الذى لا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم خفيات السرائر ويطلع على غيب ما في الضمائر وما من شيءٍ في كونه متخبّط أو حائر إلا وعند الله عز وجلّ هدايته ورحمته وسعادته.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله الذى أصلح به نفوس القوم الأشقياء فجعلهم به أتقياء وجعلهم بعد الذلّة أعزة وبعد الجهل علماء وبعد السفه حكماء ووصلوا إلى مقام أثنى عليهم سيد الرسل والأنبياء فقال صلّى الله عليه وسلّم :
( علماء فقهاء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء ) (الحافظ أبو نعيم في الحلية)
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد مصدر كل هداية ومنبع كل سعادة ونور كل فضل وخير وحُسن زيادة
صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وكل من عمل بنهجه وسار على دربه إلى يوم الدين وعلينا معهم اجمعين
.. آمين .. آمين يارب العالمين ..
أما بعد فيا أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
طال عناء الناس في مجتمعنا في هذا الزمان من سلوكيات بعضهم ومن تعاملهم مع بعض على غير هدى من الله وعلى غير إتباع لسنة حبيب الله ومصطفاه، وظهرت معضلات ومشكلات كثيرة إحتار فيها الحكام والمحكومون ولا حلّ فيها إلا بالرجوع إلى كتاب الله وسنة سيد الأولين والآخرين صلّى الله عليه وسلّم .
فقد بين الله عز وجلّ أن الدين وحده هو الذى يصلح النفوس ويُقوّم السلوك ويجعل الإنسان وهو في الدنيا ينتزع من صدره ومن نفسه الأثرة والأنانية والحياة الشخصية البحتة ويسعى لنصر إخوانه المؤمنين ويسعى لسعادة مجتمع المسلمين لأنه يرجو الخير في الدنيا والسعادة في يوم الدين .
فبين الله عز وجلّ أن البشر جميعاً ينقسمون إلى قسمين:
قسمٌ لا همّ لهم إلا دنياهم ولا سعى لهم إلا لنيل ما يشتهون في دنياهم ولا يسعون إلا لتحقيق حظوظهم وبلوغ شهواتهم ومآربهم في
دنياهم، وهؤلاء قال فيهم الله :
﴿ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الاخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ﴾ (البقرة:200)
لا يرجو الآخرة ولا يبحث عن الآخرة وإن أطلق لسانه بالكلام فيها وتشدّق بين القوم أنه من الساعين نحوها لكن أفعاله تكذب ما ورد بشأنها في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن هؤلاء على سبيل المثال ــ مثالٌ واحد :
المحتكر :
الذى يشترى سلعة ويدخرها حتى يغليها في السوق والمحتكر يقول فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا كان مُحتكراً شيئاً عاماً يهم المسلمين
(من احتكر فهو خاطئ) ( رواه مسلم من طريق يحيى بن سعيد)
أما الصنف الثاني :
الذين آمنوا بالله وتهذبوا بشرع الله وساروا في حياتهم على هدىٍ من تعاليم الله وفيهم يقول الله عز وجل:
"وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " (البقرة:201) فيتبع تعاليم الدين ويتأسّى بسيد الأولين والآخرين فلا يفعل شيئاً يُغضب الله فيُيّسّر للناس هذه الحياة ويجعل الحياة سهلة كما بين كتاب الله وكما وضّح رسول الله .
عباد الله جماعة المؤمنين
لن يحلّ مشاكلنا إلا إتباع شرع الله فلا يوجد قانون وضعي مهما كان شأنه إلا ويستطيع الإنسان أن يوجِد به ثغرات وأن يوجِد فيه علل لينفّذ منها،
لكن الإنسان المؤمن في قلبه رقيب وهو على نفسه حسيب لا ينتظر جهاز الإحصاء والمتابعة ولا الجهاز المركزي للمحاسبات ولا مفتشي التموين ولا مصلحة الضرائب لأنه هو الذى يصلح نفسه ويحاسب نفسه وهو الذى يعلم علم اليقين أنه لو حاسب نفسه هنا فلن يحاسبه الله هناك، ولو ترك نفسه بدون حساب من هنا لتورّط هناك وليس هناك فرصة للكذب أو للادعاء أو للباطل أو للتزوير لأن الأمر عند العلى القدير الذى يقول :
"يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ " (غافر:19) 
ماذا سيقول التاجر الذى يغش المسلمين ؟
إن كان في نوعية البضاعة،  يبيعها على أنها الأصل وهى بضاعة مغشوشة ؟
أو يغشهم في سعرها ؟ أو يغشهم في وزنها ؟ أو يغشهم في أصنافها ؟
والنبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث صحيح :
( من غشّ أمتى فليس منا ) ــ ( رواه مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه) أي أنه ليس من الأمة على الإطلاق وإن حاول أن يلتصق بأفرادها يوم الدين وأن يدخل في زمرة أهلها فغشه يخرجه من بينهم
فماذا يقول ؟
هل يقول : كنت أسعى للإكثار من الأموال ؟
وما تفعل بهذه الأرزاق  إن لم تكن بطريقٍ حلال؟
فالمؤمن يراقب الله عز وجلّ في كل أمر ويتخلق بالأخلاق التي يرضاها الملك الخلاق ووصفها في كل شأن من الشئون
لأنه دائماً يسعى في دنياه ليفوز في أخراه .
لا يسعى في دنيا ليفوز باللهو والحظوظ في هذه الحياة وينسى أخراه، فهذا ليس من الإيمان ومن يفعل هذا فليس في قلبه من الإيمان ذرّة من خردل من الإيمان،
وإنما المؤمن الذي لو وقع في معصية الله يندم ويحسّ بالندم لأنه يعلم أنه سيلاقى الله وسيحاسبه على هذا الذنب إما في الدنيا أو يوم لقياه فيسارع إلى التوبة إلى الله ويعلن الندم والأسف على ما ارتكبه من ذنوب إن كان في حق عباد الله أو في حق الله .
فللإيمان شروط كما ورد في الأثر :
( ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قوماً خدعتهم الأماني وغرّهم بالله الغرور وقالوا نُحسن الظن بالله وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل ).
فينبغي على المؤمن الكيِّس الفطن أن يكون له وقتٌ يحاسب فيه نفسه، قد يكون هذا الوقت عند المساء، فقد كان أصحاب النبي على درجات، منهم من يحاسب نفسه قبل غروب الشمس، يجلس في بيت الله أو في بيته يحاسب نفسه على ما فعل وقدَّم في هذا اليوم، فما وجده من خيرٍ شكر الله عليه، وما وجده من شرٍّ أو سوءٍ استغفر الله عزَّ وجلَّ منه.
ومنهم من كان يجعله عند الاضطجاع للنوم، ومنهم من زاد على ذلك فكان يقدِّم كشف حسابٍ بينه وبين ربه، قبل كل فريضة يتوجه بها إلى الله، فيحاسب نفسه بين الفريضة والفريضة حتى يدخل يناجى الله وقد شكر الله على ما قدّم من معروفٍ لنفسه ولخلق الله، واستغفر الله عزَّ وجلَّ من كل شرٍّ وضُرٍّ لما جنته يداه.
ومنهم من كان يحاسب نفسه في كل نفسٍ من أنفاسه، فلا يخرج منه قولٌ ولا عملٌ ولا نية إلا بعد أن يُدقِّق الحساب في هذه الأعمال وهذه النوايا حتى يكون على الدوام مستعداً للقاء الواحد الأحد الملك العلام عزَّ وجلَّ.
أقلهم من كان يحاسب نفسه في كل يومٍ وليلة مرة.
أين المسلمون من ذلك الآن؟
فلا ينام في الليل إلا وقد قرَّت عيناه بعد أن حاسب نفسه أنه أرضى الله عزَّ وجلَّ بما قدمه لنفسه عند الله وأنه قد أخذ خُلو طرفٍ نحو عباد الله، فينام قرير العين جذلان لأنه حاسب نفسه أمام حضرة الرحمن عزَّ وجلَّ.
وقد قال سيدنا عمر رضي الله عنه:
[حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، فإن من أدام حساب نفسه دخل يوم القيامة في القوم الذين قال فيهم الله:
"إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ". (101الأنبياء) ].
يدخلون الجنة بغير سابقة سؤال ولا حساب.
ومن لم يحاسب نفسه هنا؛ تعرَّض هناك لأشد الحساب، أو تعرض هناك للوم والتوبيخ والعتاب، وهذا يكون أمام أهل الموقف أجمعين، وهذا أمرٌ عسير ينبغي على المؤمن أن يُخرج نفسه منه،
بل إن نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام كان يدعو الله بأن لا يُعرضه لهذا الخزي والمحاسبة والمعاتبة أمام الملأ، فيقول دوماً لمولاه:
"وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ" (87الشعراء).
والخزي يكون بالمحاسبة والمُساءلة والمعاتبة أمام الناس.
وقد بشر الله عزَّ وجلَّ الحبيب المختار ومن معه من الأخيار، بأن الله عزَّ وجلَّ يحفظهم من هذا المُقام فقال فيهم، ونرجو الله أن نكون منهم أجمعين:
"يَوْمَ لا يُخْزِي الله النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ" (8التحريم).
قال صلى الله عليه وسلَّم:
(أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله واستغفره في اليوم مائة مرة)( رواه الإمام احمد والبخاري والطبراني)  ـ
وقال صلى الله عليه وسلَّم:
التائب حبيب الرحمن والتائب من الذنب كمن لا ذنب له"( رواه البيهقي والطبراني وأبو نعيم)
أو كما قال ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، موفق الطائعين إلى نعيم مناجاته، ومُلذتهم بمنازل الأنس من حضراته.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله باب قربه ورضاه، وسر كل عطائه وهباته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هداه، ووفقنا بحسن الاتباع له في الدنيا، واجعلنا من أهل شفاعته أجمعين يوم لقائك يا ألله.
أما بعد فيا أيها الأخوة المؤمنين:
إن صلاح حال المجتمع الذي نحن فيه يتوقف على محاسبة النفس.
فلسنا محتاجين إلى أموال ولسنا محتاجين إلى مبان ولسنا محتاجين إلى مدارس ومستشفيات وإنما نحن محتاجون إلى أفراد امتلأت قلوبهم بمراقبة الله في الغدو والرواح، مثل هؤلاء يكيفون الأشياء ولا تكيفهم الأشياء
فلو وجد الطبيب الذي يراقب الله
يستطيع أن يجعل المسجد عيادة .. ويستطيع أن يحول الشارع إلى عيادة .. ويستطيع أن يكشف في أي مكان . لأنه يراقب الرحمن عز وجل، أما إذا جهزنا المستشفى بالأجهزة الراقية !!ودخلها من لا ضمير ولا دين له!! فإنهم يعطلونها !!! ليفتحوا عياداتهم ..
وهذا ما نعاني منه الآن.
إذا وجد المدرس الذي يراقب الله.. فإنه يستطيع أن يُدرِّس في أي مكان .. يستطيع أن يُدرِّس في الحديقة ... ويستطيع أن يدرس علي حافة الطريق كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم..
أما إذا لم يكن عنده هذه المحاسبة! فإنه عنده الإمكانيات ولا يكلف نفسه ولا يجهد نفسه حتى يوفر صحته وجسمه للعمل الذي يعمله في المنازل !!! ولا يبارك الله في ماله ولا رزقه ولا في بيته ولا في أولاده ولكنه لا يشعر بذلك.
إذا توفرت هذه المحاسبة للتجار لم نحتج إلى مباحث للتموين!!!
بل إننا كلما أعددنا لائحة !! أعدوا المخرج منها قبل صدورها، وكلما جئنا إليهم بمباحث !! احتاجت المباحث إلى مباحث آخرين وهكذا، فأين المخرج إذاً ؟؟؟؟
واللهِ لا مخرج لنا إلا إذا دربنا أنفسنا وأولادنا ودربنا أفراد مجتمعنا على أن يراقبوا الله ويعملوا ابتغاء وجه الله عز وجل وقلنا لهم قولوا كما قال الله تعالى :
"وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ" (105التوبة) .
تذكر دائماً واستحضر دوماً أننا إلى الله مسافرون، ومن الدنيا راحلون، والرجوع إلى الله لا يعلم وقته إلا الله.
فعلينا أن نستعد لهذا الوقت بالمداومة على طاعة الله، وبالبعد بالكلية عن معصية الله وأحرَصَ ما نحرص عليه أن نحاسب أنفسنا على كل صغير وكبير
أخي المؤمن،:
جعل الله عزَّ وجلَّ للمؤمن في كل شيءٍ تراه عيناه عظةٌ وعبرةٌ تأخذه إلى الله، وتردُه عن الشرور والآثام وتمنعه عن المعاصي التي نهى عنها الله جلَّ في علاه.
  فعندما ننظر إلى أي أمرٍ حولنا مهما علا شأنه؛ نجده أنه لابد له من زوال، ولذا قال الله عز وجل:
" كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ" (27الرحمن).
إذن لابد لنا وإن طال بنا العمر من الموت، وماذا بعد الموت؟ عرضٌ وحسابٌ وثوابٌ أو عقاب، ولا يوجد هناك فرصة للعمل، فالدنيا عملٌ ولا حساب، والآخرة حسابٌ ولا عمل، لا يستطيع المرء أن يزيد في حسناته، ولا أن يُنقص من سيئاته لأن الأمر انتهى، وأن مردنا إلى الله.
إذا علم المؤمن هذه الحقيقة وأنه مسافرٌ إلى الله، وما هو ميعاد السفر حتى نستعد ونتأهل؟
لا يعلم ذلك إلا عالم الغيب والشهادة:
"وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (34لقمان).
قال صلى الله عليه وسلم :
"يبعث كل عبد على ما مات عليه"(رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه) ـ وقال صلى الله عليه وسلَّم:
(الأعمال بالخواتيم)(رواه البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه)
فما العمل الذي يريد أن يُختم له به إذا أدرك ذلك؟ 
بأن يستعد بعملٍ صالحٍ على الدوام، ويُفارق المعاصي والذنوب والآثام على مدى الأيام، وهذا كان حال الصحابة الكرام ومن بعدهم من الصالحين على الدوام،
                              .......ثم الدعاء
***************************************************
  وللمزيد من الخطب الدخول على موقع فضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد

- الفريضة الغائبة

هناك فريضة على كل مسلم في هذا الزمان والناس في غفلة عنها: نحن نعلم أن الفرائض عندنا هي: الصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، والزكاة، والحج. هذه عبادات لله!! لكن هناك فريضة - في هذا الزمان - للمؤمنين مع المؤمنين. ما الفريضة التي علينا -كلِّنا - لإخواننا المؤمنين أجمعين الآن؟
نحن نعلم أن الفرائض عندنا هي: الصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، والزكاة، والحج. هذه عبادات لله!! لكن هناك فريضة - في هذا الزمان - للمؤمنين مع المؤمنين. ما الفريضة التي علينا -كلِّنا - لإخواننا المؤمنين أجمعين الآن؟
الفريضة التي علينا لإخواننا المؤمنين جميعا الآن: أن نسعى لجمع صفوف المؤمنين، ونحارب الفُرقة والشتات والخلافات المنتشرة بين المؤمنين في أي بلد أو أي مكان. مرض التفرقة، مرض الفرقة، مرض الانقسام، هذا أكبر مرض، وأكبر خطر على دين الإسلام، حتى أن الذين يريدون الدخول في الإسلام تحدث لهم حَيْرَة، ويحتارون فيقولون: الإسلام السني؟ أم الإسلام الوهابي؟ أم الإسلام الشيعي؟! أصبحنا فِرَقاً!! وكل الفرق اسمها الإسلام، ونحن السبب في هذا!! لذا نحن جميعاً مطالبون - وهي فريضة على الجميع – بالعمل بقول الله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ﴾ [103آل عمران].
وسْعَةُ الدِّين
وهذه تقتضي أن نعلم أن دين الله عزَّ وجلَّ - الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم - واسع، يسع الناس جميعاً - في زمانه وبعد زمانه، في كل الأماكن، وفي كل الدول - نساءً ورجالاً، صغاراً وشيوخاً. يسع الجميع إلى يوم القيامة!! فلا يوجد مَنْ يستطيع أن ينفِّذ كُلَّ ما جاء به النبيُّ الكريم صلى الله عليه وسلم. أنا أنفِّذُ جانب من هذه الجوانب، لكن لا أستطيع أن أنفذ كل الجوانب!!
لكن أين تقع المشكلة؟ أنا أخذتُ جانباً من جوانب رسول الله، وأخي أخذ جانباً آخر من عمل رسول الله، وأخي الثالث أخذ عملاً ثالثاً من أعمال رسول الله، لكن المشكلة التي جدَّتْ في هذا الزمان هي العَصَبِيَّة !!! فكل إنسان يعتقد أن رأيه هو الصواب، ورأى إخوانه الآخرين هو الخطأ. لِمَ يا أخي؟!! ما دام هذا واردٌ عن رسول الله، وذاك واردٌ عن رسول الله!! وأنت أخذت رأياً، فقل: هذه وجهة نظري، أو هذا الرأي الذي أرتضيه، أو هذا الرأي الذي أميل إليه، لكن لا تفرض رأيك على الآخرين. اعرض رأيك لكن لا تفرض، لأن كل إنسان له ما يلائمه، ويلائم قدراته وطاقاته من شرع الله عزَّ وجلَّ.
نضرب لذلك مثالاً: الرسول صلى الله عليه وسلم في هيئة الوقوف للصلاة - وهى هيئة وأمْرٌ لا يجب أن نختلف فيه أبداً - كان صلى الله عليه وسلم أحياناً يضع يده اليمنى على كوع يده اليسرى على قلبه، وأحياناً يضع يده اليمنى على كوع يده اليسرى على سُرَّته، وأحياناً كان يُسْبِلُ يديه، هل تستطيع أن تقوم بكل هذه الحركات في صلاة واحدة؟ لا.
الأئمة الأعلام وثَّقوا الروايات التي رَوَتْ هذه الحالات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل رَجُلٍ منهم استحسن هيئة وجعلها قائمة في هيئة الصلاة التي بحثها ودرسها وأبانها في فقهه للناس:
الإمام مالك مذهبه منتشر في بلاد الصعيد بمصر، وفى بلاد المغرب العربي -- تونس والجزائر والمغرب وليبيا - فمعظمهم يتبع المذهب المالكي، اختار الإمام مالك إسدال اليدين في الصلاة، أي: أن الإنسان يقف وذراعيه بجواره. والإمام الشافعي ينتشر مذهبه في الوجه البحري في مصر، اختار الإمام الشافعي أن يضع الإنسان يده اليمنى على كوع يده اليسرى على قلبه، هو اختار هذه الهيئة وارتضاها. والإمام أبو حنيفة ومعظم سكان المدن كانوا حنفية، لأن الدولة العثمانية كانت تتخذ المذهب الحنفي مذهباً رسمياً لها، الإمام أبو حنيفة يضع يده اليمنى على كوع يده اليسرى على سُرَّته، والذي يصلي بأي هيئة من هذه الهيئات الثلاث هل تصح صلاته أم لا تصح؟ تصح لأنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ما يعكر الصفو هو أن إنساناً يأتي ويقول: إن الهيئة التي أفعلها هي الهيئة الصحيحة وما عداها خطأ، ومن يتخذ هيئة غيرها لا تَصِحُّ صلاته ولن تُقبل!!!
أولاً: هو تدَخَّل فيما ليس له، لأن القبول عند الله عزَّ وجلَّ ، ولا ينبغي لرجل من المسلمين أجمعين أن يتآلى على الله ويقول: أن الله قَبَلَ فلاناً وردَّ فلاناً، لأن هذه أمور قلبية، والقلوب لا يطَّلِعُ عليها إلاَّ حضرة علاَّم الغيوب عزَّ وجلَّ.
ثانياً: هذه هيئة من هيئات الصلاة لماذا نثير فرقة بين المسلمين بسببها؟!!
والآن جاء مجموعة من الشباب المستحدثين قالوا: إن الأئمة رجال ونحن رجال فلماذا نذهب للشافعي أو لأبي حنيفة أو مالك؟ نحن نأخذ من الدِّين مباشرة وننفذ! وهل معك مؤهلات الاجتهاد؟
وأول مؤهل لا بد أن تكون حافظاً للقرآن والسُنَّة، وتعرف تفسير كلام القرآن والسُنَّة بلغة العرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - لأن الكلمة قد يكون لها تفسير في عصر رسول الله وفى عصرنا يتغير تفسيرها ومعناها، ولو فسرتها بالعصر الحالي ستكون مخطئًا في متابعة البشير النذير صلى الله عليه وسلم - ولا بد من معرفة أسباب نزول الآيات، ولا بد من معرفة سُنَّة النبي العدنان، وتستطيع أن تميز بين الحديث الصحيح والضعيف والمتواتر. لا بد أن يكون معك آلة الاجتهاد، فإذا لم تكن تملك آلة الاجتهاد فينبغي أن تُسَلِّم لمجتهد وتتعلم منه، إلى أن تتعلم أنت الاجتهاد.
على سبيل المثال: أولادنا الشباب قرؤوا في توصيف سادتنا العلماء الأجلاء في هيئة الصلاة، فقرؤوا: (يضع يده اليمنى على كوع يده اليسرى)، فوضعوا أيديهم على المرفق، لأنهم اعتقدوا أن الكوع هو المرفق، قال الله تعالى: ﴿فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [6المائدة].
اسمه المرفق وليس الكوع، إذاً ما الكوع الذي يقول به العلماء ويقصدونه؟ إنه الرسغ، إذاً الذي يجتهد لابد أن يكون عارفاً بدلالات الألفاظ كما كانت في عصر حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، لأنه عصر الوحي وزمن نزول الشرع، لكن لو سأستخدم المعنى العام الموجود الآن فأكون هنا قد أخطأت في إتباع الشرع. إذاً لا بد أن ننتبه لمثل هذه الأمور.
والأصول الموجودة بين المسلمين لا خلاف فيها بين المسلمين أجمعين - والحمد لله - أما الهوامش التي تثير المشاكل والفُرقة بين المسلمين، لماذا نختلف فيها؟ ما دمنا مجتمعين ومتفقين على أن الصلوات خمسٌ، والصبح ركعتان، والظهر والعصر أربع، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع، ومتفقون على وقت هذه الصلوات، لأن التوقيت الذي وقَّته هو الله وقال لنا: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾. [103النساء]. إذاً لماذا الخلاف؟!
أنا أود أن أصلي ركعتين سُنَّة قبل الظهر، وآخر يريد أن يصلي أربع ركعات، هذا وارد وذاك وارد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان يُصلي أحياناً قبل الظهر ركعتين، وأحيانا كان يصلي أربع ركعات.
أنا أريد أن أصلي أربع ركعات قبل العصر، وآخر لا يريد أن يصلى نافلة قبل العصر، هل عليه وزر؟ ليس عليه وزر ولا ذنب، لأن السنن كلها خير، من فعل هذا الخير له ثوابه، والذي سيترك هذا الخير ليس عليه عقاب ولا وزر ولا مسئولية ولا شيء أبداً !! متى يكون عليه وزر؟ إذا ترك الفريضة، لكن مادامت نافلة لماذا نختلف في النوافل؟
نريد أن نصلي ركعتين سُنة بعد آذان المغرب وقبل الصلاة، والناس الذين في المسجد لا يصلون قبل المغرب ويقيمون الصلاة بعد الآذان مباشرة، لماذا نختلف؟ الخلاف أشد فتنة تحدث في الأرض بين عباد الله عزَّ وجلَّ المؤمنين.
موسى وقومه
الله عزَّ وجلَّ ضرب لنا مثالاً كريماً على نبيِّه الكليم وأخيه هارون عليهما وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة وأتم السلام. سيدنا موسى خرج مع قومه بني إسرائيل من مصر، وكانوا اثني عشرة عائلة، وكلُّ عائلة عددها خمسون ألفاً، أي أن عددهم كلَّهم ستمائة ألف، إلى أن وصلوا إلى خليج السويس، وشاهدوا فرعون خلفهم فقالوا: سيلحق بنا فرعون!!: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [61الشعراء]. فقال لهم: ﴿كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [62الشعراء]. قال له الله: ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ [63الشعراء].
كل عائلة لها طريق، كيف سيمشون وقاع البحر طين؟! لكن الله عزَّ وجلَّ سلَّط الشمس على هذا الطين فجففته في الوقت والحال!! ولذلك قال له الله: ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا﴾ [77طه]. يبساً: يعنى جافاً، ومشوا فيه، وبين كل طريق وطريق جَمَّد الله الماء، جَمَّدها من يقول للشيء كن فيكون!! فقالوا: يا موسى نحن لا نرى بعضنا، ونريد أن نطمئن على باقي إخواننا، فضرب لهم البحر فأصبح في الماء المتجمِّد نوافذ ينظرون منها إلى بعضهم البعض، ويتحدثون مع بعضهم وهم سائرون، هل هناك معجزات أكبر من هذه؟!!.
لكنهم - قاتلهم الله - بعد أن أغرق الله لهم فرعون وجنوده قال موسى لهارون: أنا ذاهب إلى ربي لأتلقى الألواح، وامكث معهم حتى أعود، وذهب لتلقي الوحي من الله. سيدنا هارون فوجئ لما عبروا البحر ووجدوا جماعة يصنعون أصناماً على هيئة أبقار ويعبدونها، فقالوا: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة!! حتى تعلموا أنهم يستحقون غضب الله جل في علاه، لأنهم قوم بهت وقوم لا تصل حقيقة الإيمان إلى قلوبهم أبداً، وأراد الله أمراً، لأنهم قبل خروجهم من مصر أوعزوا إلى النساء أن تذهب كل واحدة منهن إلى صديقتها المصرية وتقول لها: إن غداً هو عيدنا - لأنهم خرجوا من مصر يوم عيدهم - وأريد أن تعطيني ذهبك على سبيل السلف للبسه يوم العيد، وأرده لك مرة أخرى، وأخذن ذهب المصريات وخرجوا به.
والله عزَّ وجلَّ يُعَلِّمنا، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكد لنا: أن كل مال جاء من حرام ينفق في الذنوب والآثام، وانظروا إلى المجتمع كلِّه، كلُّ مال جاء من حرام يسلط الله جامعه على إنفاقه في الذنوب والآثام، يشتري به بانجو، أو يشتري به بيرة، أو يشتري به حشيشاً، أو يشتري به هيروين، أو يشتري به حبوب هلوسة، لأنه جاء من طريق حرام. لكن إنسان سيأتي بالمال من طريق حلال هل سيشترى به سيجارة؟ لا، يستحي من الله أن ينفق قرشاً حلالاً في شراء سيجارة تضرُّ نفسه وبدنه، ويحرق بِها ماله، لأنه لابد أن ينفق المال فيما يرضي الله عزَّ وجلَّ.
فلما طلب بنو إسرائيل إلهاً كان معهم موسى السامري، وكان بن خالة سيدنا موسى. عندما كان فرعون يذبح الذكور، أم موسى السامري أخذته وتركته في الغابة خوفاً عليه من فرعون، فأنزل الله له الأمين جبريل، وجاء له بغزالة أخذت ترضعه حتى شبَّ ونمى.
وموسى الكليم أوحى الله إلى أمِّه أن تضعه في التابوت وتضعه في البحر - وكان بَيْتُهم على البحر - وتربطه بحبل، كلما جاع جذبت الحبل وأرضعته ثم تعيده للتابوت، حتى إذا جاء جنود فرعون ليفتشوا البيت لم يجدوا شيئاً، شاءت إرادة الله عزَّ وجلَّ أن تأتي موجة شديدة فقطعت الحبل، ومشى التابوت إلى أن وصل إلى شاطئ قصر فرعون، فأخذه فرعون وربَّاه، ولم يقبل المرضعات، وكانت أخته ترقبه، فقالت لهم: أنا عندي المرضعة، فأرضعته أمُّه - لأنه في رعاية من الله - وهو في بيت فرعون، ولذلك قال بعض الصالحين:
فَمُوسَى الَّذِي رَبَّاهُ جِبْرِيلُ كَافِرٌ   وَمُوسَى الَّذِي رَبَّاهُ فِرْعَوْنُ مُرْسَلٌ
موسى السامري رأى سيدنا جبريل - لأنه هو الذي كان يربيه - ورآه عندما نزل ليؤيد سيدنا موسى، فأخذ السامري حفنة تراب من الموضع الذي وطئه سيدنا جبريل وقال لهم: أنا سأصنع لكم إلهاً، لكن هاتوا الذهب الذي معكم كلَّه - انظر المال الذي جُمع من حرام يُصرف في الذنوب والآثام - فجمع ما معهم من ذهب وأساله، ووضع عليه التراب الذي معه وصنع لهم إلهاً.
وعندما عاد سيدنا موسى وجد قومه يعبدون الصنم، فأمسك برأس سيدنا هارون وبلحيته ويريد أن يضربه، وقال له: تركتهم مؤمنين وأعود فأجدهم كافرين: فسيدنا هارون قال له: ﴿يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [94طه]، أنا لا أريد أن أفرِّقهم حتى تأتي وتغير هذا المنكر ويعودوا كما كانوا، لكن لو أنا تصرفت كانوا سينقسمون إلى فئتين، والفُرْقة ليس لها علاج، وهذا هو الشاهد الذي أردت أن أُبَيِّنه!
سيدنا هارون تركهم كفاراً حتى لا يفترقوا، لأن أكبر داء تصاب به الأمة هو داء الفرقة التي نراها الآن، وأصبحت الفرقة الآن زائدة عن الحدِّ. هذه الجماعة جعلت لها راية، ولهم مُفتين، وتلك الجماعة لهم أمراء، والجماعة الأخرى لها فكر آخر، وكل جماعة تحاول هدم فكر الأخرى!!
لماذا يا إخواني والإسلام واضح وضوح الشمس؟!! وكلنا كجماعة المسلمين لا نختلف أبداً على الأصول، الخلافات الهامشية التي في الفروع نؤجلها إلى وقت تتجمع فيه الأمة ويتجمع شملها، لكن في الظروف الراهنة يجب على كبار القوم من -هنا ومن هنا - أن يجتمعوا على أسس مشتركة، نقضي بها على الفرقة في الهوامش والخلافات التي في أشياء ليست أصلية - ولا حتى فرعية - في دين الله عزَّ وجلَّ، حتى نعمل جميعاً بقول الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ [103آل عمران].
واجب المسلم نحو أخيه المسلم
المسلم مأمور بأن يَمُدَّ يده إلى أخيه حتى لو رآه ابتعد عن طريق الله وغفل ووقع في المعاصي، لا أعنفه ولا أقسو عليه، ولا أشدد عليه، لأنني إذا عنَّفته سيقول لي: ليس لك شأن بي، وسيتركني ويمشى. لكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أصحاب النهج الطيب. ذهب جماعة لسيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه وقالوا له: أخوك فلان - الذي آخى بينك وبينه حضرة النبي صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى الشام وشرب الخمر فماذا ستفعل؟ هل تهجره؟ قال لا: (كن أقرب إلى أخيك عندما يكون قريباً من إبليس). لأنني لو تركته سينفرد به الشيطان ويجهز عليه، ويصبح من جنوده ومن أتباعه!!
أنا لابد أن أمدَّ يدي إليه لأجذبه من وساوس الشيطان، وهواجس النفس، ثم ضرب لهم مثالاً وقال لهم: (أرأيتم لو أن أخاً لكم وقع في بئر، ماذا كنتم فاعلين؟ قالوا: نمدُّ يدنا إليه لنخرجه. قال: كذلك أخوك إذا وقع في الذنب)
إخواننا المسلمون والمؤمنون في صدورهم نور (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ومهما يكون عاتياً وجباراً، إلا أنه يخضع إذا استمع إلى آيات من كتاب الله بشفقة وعطف ورحمة وحنان، لا يريد مَنْ يشدِّد عليه، أو يغلظ عليه، أو يقسو عليه، لكن يريد الذي يأخذه بالرفق واللين ليردَّه إلى صفوف المسلمين.
وأنتم تشهدون جميعاً، لو شخص معه مجموعة من الحيوانات يخرج بها، وواحدة منها ابتعدت! كيف يعيدها؟ هل يعيدها بالعصا؟ لا، وإنما يأخذها بالسَّكِينَة، ويأخذ لها شيئاً من الأكل وينتظرها حتى تأكل، ثم يأخذها باللطف واللين !!
وكذلك العُصاة والمذنبين الذين بيننا يحتاجون إلى اللطف واللين. لا أقول له: أنت كافر، أو أنت ذاهب إلى جهنم، سيقول لك: لا شأن لك، وأنا لا أملك هذه ولا تلك، لا يوجد مسلم - مهما علا شأنه - يستطيع أن يحكم على واحد من المسلمين يقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) بالكفر، أو بأنه من أهل جهنم المخلدين فيها، لأن الحكم في هذه لله. إذاً ماذا علينا؟ علينا أن نذهب لإخواننا ونعيدهم للإسلام.
سيدنا عمر كان له أخٌ في الشام، وأنتم تعلمون أن سيدنا عمر كان شديداً في الحق، فقالوا له: أخوك الذي ذهب إلى الشام شرب الخمر، فقال لهم: أحضروا لي كتاباً وقلماً، وكَتَبَ: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [1-3غافر]. إذا وصلك كتابي هذا فتب إلى الله وارجع إلى حضرة الله. ما هذا؟ الدين النصيحة، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم قال لنا: (الدين النصيحة) والأَوْلى بالنصيحة البعيد عن حضرة الله الذي ترك منهج الله، الذي أهمل في الصلاة، والذي لا يؤدي الزكاة. والنصيحة تكون بالحكمة والموعظة الحسنة.
فإذا قمنا جميعاً بالحكمة والموعظة الحسنة نجمع صفوف المسلمين، ونوحِّد شمل المؤمنين، حتى نكون قوة أمام جموع الكافرين والمشركين واليهود ومن عاونهم أجمعين. وهذا هو أول واجب علينا في هذا الزمان، وأول فريضة فرضها علينا الرحمن نحو إخواننا المؤمنين: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ [103آل عمران].
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

موقع فضيلة مولانا الشيخ فوزى محمد أبوزيد

- حقيقة الطهارة الظاهرة والباطنة

البعض يفهم العزة يعنى الوجاهة والجاه والمنصب، والبعض يفهم العزة على أنها الإستعلاء والتكبر والبعض يفهم العزة على أنها ..... وكل هذا غير ما يقصده الرحمن فى القرآن، العزة لله عز وجل وأن الله عز وجل غني بذاته عن جميع مخلوقاته يحتاج إليه كل من سواه ولا يحتاج عز وجل إلى ما عداه، يستغنى عن الجميع ولا يستغنى عنه الجميع، فالكل إلى فضله محتاجين وإلى كرمه طالبين وإلى بحار فضله عز وجل راغبين، فمن يريد العزة يلبسه الله عز وجل ورسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم ولخاصة عباده المؤمنين:
 } ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين { بالآية، ويلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب العزة الإيمانية فاحتاج إليه الخلق فى الهداية ومنهم إحتاجه للمرحمة ومنهم إحتاجه بإغنائه عن ذل السؤال ومنهم إحتاجه لتفريج الكرب، ومنهم من إحتاجه للشفاء من الأمراض ومنهم من إحتاجه صلى الله عليه وسلم ليخلصه من أوهام نفسه فالكل يحتاج إليه وهو صلى الله عليه وسلم أغناه الله بالله فلم يحتاج إلى أحد سوى الله، وأصحابه صلى الله عليه وسلم كفاهم فخراً أن الله عز وجل جعلهم أنصاراً لحبيبه ومصطفاه وكفاهم تيهاً وفخراً على الخلق أن الله أعزهم بعد ذلة وجمعهم بعد فرقة وأغناهم بعد فاقة، هذه العزة لا تكون إلا لمن؟ وحى الأمانات لله عز وجل، ويقول فى حقها كما كان الأتقياء والأصفياء فى كل زمان ومكان مثل: }الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا { (39) سورة الأحزاب، حملوا العلوم الشرعية أو العلوم الوهبية أو السنة المحمدية أو الآيات القرآنية وأرادوا إبلاغها للخلق وليس فى قلوبهم خوف أو خشية إلا من ذات حضرة الله عز وجل، فإن الله يعزهم ويرفع شأنهم ويقيم لهم دولة فى الدنيا وصولة فى يوم الدين، هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان منهم لا يجدون لقمة العيش الجافة إلا بشغف ومشقة بالغة ولا يكاد الواحد منهم يستر عورته حتى كان بعضهم يضم أعضاء جسده بعضها إلى بعض أثناء الصلاة ويصلى وهو خائف أن تنكشف عورته فيكون قد أسقط ركن من أركان الصلاة تبطل بها صلاته لكن لما اتقوا الله وحملوا الأمانة التى كلفها بهم الله من العلم والقرآن وسنة النبي العدنان وعملوا بها فى أنفسهم وبلغوها بصدق وإخلاص وخشية إلى غيرهم أعزهم العزيز ونصرهم النصير وكبرهم الكبير وصاروا أمراء ينظر إليهم الناس فى زمانهم وينظر إليهم من جاء بعدهم بعيون الأكبار والإعزاز لأنهم أعزوا الله عز وجل فأعزهم سبحانه وتعالى وهذا حال الصالحين.
لماذا يعز الله الصالحين فى كل وقت وحين؟ لأنهم تأسوا بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاصة فى نفسه وبأحوال أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم التى بلغتهم المراد فعزنا كتاب الله واقتربوا بصدق فى العمل بشعائر الله ثم قاموا بعد ذلك بالخشية وجمع الخلق على الله، لم يتكبروا ولم يستعلوا على الناس وإن كاشفهم الله بأنواره وأحاطهم بأسراره بل كان قائدهم يقول:
ومن قبل كنا ظلاماً وجهلاً
فصرنا بطه رجالاً فحولا
سائرين بفضل الله شاعرين بكرم الله وينسبون الفضل إلى الله ولا يمكنون أنفسهم فى لحظة بطرفة أو أقل من أن تنسى ذاتها وكنهها أن تغتر بما وهبها الحق لأن ذلك كله بفضل وكرم وعطاء الله ويرون أنفسهم أنه لا حول لهم ولا طول لهم إلا إذا أمدهم بحوله وقوته وتوفيقه وفضله عز وجل، ولا ينسبون الحول لأنفسهم طرفة عين خوفاً من ألم القطيعة ولذلك تجدهم دائماً وأبداً فى كل أنفاسهم ينسبون الفضل والكرم والجود والتوفيق فى كل أمر من أمورهم إلى صاحب الأمر كله وهو الله رب العالمين فلما رأى الله عز وجل منهم حُسن أدبهم مع حضرته وعدم تعاليهم على الخلق مما أفاء عليهم من جبال معرفته ومن رواسي محبته ومن أثقال قرآنه رفعهم فى أعين الخلق وأجلى مكانتهم للخاصة من الخلق وجعل لهم شأناً بعيداً عن سكان ملكوته الأعلى حتى صاروا جميعاً رهن إشارتهم إذا تحرك الواحد منهم حركة بإصبعه أو بطرف لسانه أو بحاجبه يؤديها ملائكة السموات وأنه مؤيد من قبل الله عز وجل وقد كساه الله ثوب العزة الإلهية وإن رفعوا أيديهم يوماً لحاجة لهم من ربهم لباهم.
والآفة التى تعترضهم وتعرضهم لزوال المنن أو الفتن والمحن هو أن يرى نفسه أهلاً لعطاء الله أو يرى أنه مستحق لفضل الله أو ينسب التوفيق الذي وفقه له الله إلى نفسه ومهارته ونسي أن تدبير الله هو الغالب وهو الذي لا يفوت منه غالب أما تدبير المدبرين إذا لم ينل الموافقة من رب العالمين فإنه داخل فى قوله: } وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ { (30) سورة الأنفال، فإذا أصيب المرء الذي تعطف عليه مولاه وأظهره للخلق وحلاه جماله وواجهه بكماله وأعلى شأنه بين أقرانه وأمثاله أن يرى نفسه مستحقاً لهذا المقام والله لو حاسبنا على أرجى عمل عملناه بحساب دقيق لهلكنا جميعاً فإنه سبحانه وتعالى يحاسبنا بفضله وليس بعدله، والآفة الأعظم منها أن ينسب توفيق الله وعناية الله وإكرام الله له إلى نفسه الضعيفة الدنيئة المسكينة التى لا تملك من أمر نفسها نقيرا ولا قطميراً ولا تستطيع نفع نفسها ولا دفع الضر عنها فكيف تنفع غيرها فينسب إقبال العباد عليه إلى حلاوة ألفاظه وإلى طلاوة كلامه وإلى جمال عباراته وإلى ما أعطاه الله من هباته فيكون فى ذلك فى مزلق خطير ربما يندرج به إلى الهاوية والعياذ بالله عز وجل.
الإمام أبو العزائم رضي الله عنه مما أفاء الله عليه من العلوم الغيبية والأسرار الكنزية ما لم يعطه من السابقين.
كل الذي أنا فيه فضل محمد
منه بدا وإليه كان وصوليا
وأنا الظلوم أنا الجهول أنا الذي
لولا العناية هلكت بحاليا
كل هذا فضل الله وكرم الله وعطاء الله وفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحن هنا مع إخواننا بفضل الله وكرم الله وعطاء الله من الفضل الذي يعمنا استجابة الحق الدعاء لإخواننا فلو منع الحق عز وجل هذه الإجابة، لماذا يطلبنا الناس؟ وإذا حدث العكس كما فعل ربنا مع أهل النفاق وهذا أحدهم عندما انقلب على عقبيه وهو جالس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من كتبة الوحى فنزل قول الله عز وجل: } ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين { حتى وصل إلى : } ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ {، فسكت رسول الله وأطال السكوت فقال: } فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ { (14) سورة المؤمنون ، فالنبي قال له: أكتبها فظن أنها من عنده وليست من الوحى ولم يعلم أن الكلمة كانت وحياً من السماء ولكن بالنسبة له كانت إختبار وابتلاء وسقط فيه كما قال الله عز وجل: } أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ { (49) سورة التوبة ، فاعتقد أن الدعوة شركة وأن له ناس وأنت لك ناس، فقال للرسول صلى الله عليه وسلم: نقسم البلاد قسمين لك قسم ولي قسم فذهب إلى القبائل وجعل نفسه نبياً وحاول هذا مدعي النبوة أن يفعل ما كان يفعل حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه باء بالفشل وأصابه الخزى } قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ { (18) سورة الأعراف،
لولا تأييد الله لأحبابه وأصفياءه، إذا قفل الله باب الفضل من أين يأتى بالفهم وإذا أمسك الله لسان العبد كيف يتحدث مع الناس وقد أمسكه رب الناس ولولا فصاحة اللسان ما تحدث العبد، كالرحى التى تدور ولا تطحن .. العبرة بالتأثير والتأثير لا يكون إلا بأمر العزيز الكبير عز وجل، الأحباب حفظهم المولى عز وجل لأنهم حافظوا وحفظوا أنفسهم من هذه الأمراض بحفظ الله سبحانه وتعالى لهم.
موقع فضيلة مولانا الشيخ فوزى محمد أبوزيد

- حُبب إلى من دنياكم ثلاث .. الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة

حضرة النبي صلى الله عليه وسلم  قال فيها :
( حُبب إلى - وليس أنا الذى أحببت ..!!
 لأنه ليس له إلا حبٌ واحد!!
–  من دنياكم – دنياكم أنتم لأنه ليس له فيها شئ –
   ثلاث .. الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة )
رواه النسائي وابن شيبه والإمام أحمد وابن سعد والبراز والحاكم وأبو يعلى والبيهقي والطبري
وإياكم أن تفهموها على الفهم الظاهر فتصبحون لم تحسنوا الظن بحبيب الله ومصطفاه فهي لها معنى مختلف تماماً
غير المعنى الظاهر .. فالمعاني التي كان يراها رسول الله صلى الله عليه وسلم معاني أخرى:
فالطِيب حبب إليه لأن الطيب يكون هو الإذن بالقرب من الحبيب عز وجل، فالذي يريد أن يتقرب من رسول الله ويراه
ويصلى عليه ويظل يصلى عليه حتى يشم الرائحة الخاصة به، أحياناً يشمها مرة فى النهار وأحياناً مرتين وأحياناً
لا تفارقه الرائحة ليلاً أو نهار ... هذا في البداية،
🌷  فما هذه الرائحة؟ 🌷
هي رائحة خاصة ... وهى رائحة الحبيب صلى الله عليه وسلم، ما شكلها وما عينتها؟
لا تعرف فهي تحتاج أن تدخل أنت المعمل وتشمها بنفسك، ولا تُشم بالأنف ولكنها تُشم بالقلب، قال تعالى:
( إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ)  [94 يوسف]
فهم كذبوه لأنهم لم يشموها لكنه شم رائحة يوسف عليه السلام وبعد ما يشم رائحة الحبيب يأتي له الإذن  ..
🌷{ استعد سيأتي لك الحبيب } 🌷 .
فيأتي له في المنام أو غير ذلك، !!
وأطيب الطيب هي نسمات الحبيب عز وجل، وهذه نسمات يا إخواني تهب على القلوب لا يدرى كنهها ولا يستنشق عبيرها ولا يستطعم ريحها إلا من طهر قلبه من العيوب ونفسه من الذنوب وأصبح مقرباً من حضرة علام الغيوب.
والنساء فيها معاني كثيرة جداً جداً ولكنها على سبيل الإلماح يقول فيها الله عز وجل:
( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [21 الروم]
يعيش أهل الشهود في وصل الفرع بأصله فى حالة الاتصال مع الواحد المتعال عز وجل مثلما يحن الرجل إلى زوجته لأنها منه ... فكذلك حنين الصالحين والأنبياء والمرسلين لما فيهم من المعاني القدسية ... والأنوار الربانية ... والأسرار الصفاتية ... من حضرة رب العالمين عز وجل.
🌷 والكلام في هذا المجال صعب لا نستطيع أن نكيفه
أو نحيزه في عبارات أو كلمات لكن هذه حضرات مشاهدات قال تعالى:
( أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون )
 [58-59 الواقعة]
يشاهد في هذه الحالة فيلم الخالق وكيف يخلق النطفة إلى علقة، إلى مضغة، إلى عظام، إلى لحم، إلى غيره ... يسمى هذا الفيلم في هذه الحالة فيلم الخالق عز وجل وفيلم المصور وفيلم البديع، يشاهد أسماء الله وصفاته وتجلياته وهباته وأعطياته ومكرماته في هذه الأحوال، لكن نحن لا نستطيع أن نشاهد هذه الأحوال لأننا يكون غالباً علينا الحالة الحيوانية في هذه الأمور !!
لكن هؤلاء القوم يا إخواني وصلوا إلى حالة الصفاء الكلى والبهاء القدسي إلى أنهم لا يغيبون عن جمالات الله ولا عن كمالات الله طرفة عين مع قيامهم بكافة الحقوق الأدمية على أكمل الأحوال المرضية.
وهذا مشهد يقول فيه الله عز وجل:
(وإن تعجب فعجب) [5 الرعد)]
مشهد يستدعى العجب لكنه عند العارفين ليس عجيب لأن الأمر من الله عز وجل.


الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد

السبت، 9 فبراير 2019

. نور الإيمان

. نور الإيمان

🌺 ☘ نور الإيمان ☘ 🌺
*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*
💞  الله نور. 💞
💞 والرسول (صلى الله عليه وسلم )نور. 💞
💞 والقرآن نور. 💞
💦 من الذى ينتفع بهذا النور 💦
🍃 من وهبه الله (عزّ وجل) من عنده فى قلبه نور، فيُدرك هذه الأنوار ويتفقه فى هذه المعانى والأسرار، ويستجيب لله (عزّ وجل) فى كلِّ أمر على إختلاف الليل والنهار، وعلى اختلاف الأوامر فى كل الأدوار، لأن الله جهَّزه بذلك فجعله من المؤهلين لحسن الإتباع للنبيِّ المصطفى ولكتاب ربِّ العالمين (عزّ وجل).
🌷 إذاً من فضل الله علينا أن الله (عزّ وجل) جعل لنا نور الإيمان فى قلوبنا، .... ثم زاد الله (عزّ وجل) من فضله وجوده بعدما وضع النور ...... كَتَبَ الإيمان بذاته .... لكي لا يمحوه أحد .... أو يغيره أو يبدِّله:
🌴 (أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ ) 🌴 (المجادلة:22)
💦 من الذى كتب فى قلبى وقلبك الإيمان 💦
🍃 الله (عزّ وجل) وهل بعد أن كتب ربُّنا الإيمان - هل يستطيع الشيطان أن يغيِّر لنا الإيمان؟ لا.
🌴 (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) 🌴 (الاسراء:65)
🌻 من جهة الإيمان، أما سلطانه أن يوسوس لنا فى لحظات السهو والغفلة والنسيان لكي نعصى، أو نبتعد، أو نتكاسل عن أداء ما كتبه الله لنا (عزّ وجل).
💥 والله (عزّ وجل) - من أجل ذلك - فتح لنا على الدوام العبادات والقربات لكي يمحو كل الإساءات وكل السيئات، وكل السهو والغفلات التى فعلها الإنسان، والتى فعلها عن وسوسة الشيطان، أو عن دسائس النفس، أو عن قرين السوء الذى زين له أمر من الأمور، فدعانا الله وقال لنا:
🌴 (فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) 🌴 (إبراهيم:10)
☘ ولكن تعالوا بين يدى الله للخمس فرائض التى كتبها الله لكي تجدوا مغفرة الغفور، وتوبة التواب، وعفو العفو (عزّ وجل) ، ولكن بيَّنها لنا حضرة النبىُّ وقال لنا فيها:
🌴 { أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا } 🌴 (1)
💖 إذا أتينا للقاء الله استجابة لنداء الله يغفر الله لنا عزّوجل لماذا؟ لأن أصل الإيمان ثابت ولم يتغير ولم يتحول، لأن الذى كتبه هو مقلب القلوب (عزّ وجل).
----------------------------------------------
☀ (1) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضى الله عنه.
------------------------------------------------------------------------
🌹☀همسات صوفية من كتاب {مجالس تزكية النفوس } ☀🌹
🌹☀ لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبو زيد☀ 🌹
🌹☀ رئيس الجمعية العامة للدعوة الى الله ☀🌹
=====================================

.دور العبادات فى إصلاح الافراد والمجتمعات

.دور العبادات فى إصلاح الافراد والمجتمعات

الحمد لله رب العالمين، أكرمنا وأمرنا أن نعبده عزَّ وجلَّ عبادة المخلصين، ووفقنا وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته في كل وقت وحين. سبحانه سبحانه، كلفنا بالعبادات، وجعلها أس التشريعات، لأن بها وفيها صلاح الأفراد وإصلاح المجتمعات.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنيٌّ بذاته وأسمائه وصفاته عن جميع مخلوقاته، لا يحتاج إلى عباداتهم وذكرهم وتلاواتهم وأعمالهم، وإنما مَرَدُّ ذلك إليهم كما قال في محكم القرآن: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [15الجاثية]. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، هداه الله عزَّ وجلَّ به إليه، وجعل هداية الخلق أجمعين على يديه.
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد، الذي جعلت كلماته شفاء، وأعماله دواء لجميع الأسقام والأدواء، وحركاته وسكناته قُرب لخلق الأرض والسماء. صلى الله عليه وعلى آله الأتقياء، وصحابته الأمناء، ومَنْ مشى على هديه من أتباعه إلى يوم العرض والجزاء، وعلينا معهم أجمعين، واكتبنا معهم تحت لواء السعادة أجمعين، يا ربَّ العالمين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
لعل سائلاً يسأل: إذا كان الله عزَّ وجلَّ سماواته مملوءة بملائكته المقربين - منهم المسبِّحون، ومنهم المهلِّلون، ومنهم المكبِّرون ،ومنهم الداعون، ومنهم الراكعون، ومنهم الساجدون، ولا يخلو موضع أربع أصابع من السماوات إلا وفيه مَلَكٌ يعبد الله عزَّ وجلَّ عبادة مستقرة إلى يوم الدين، ناهيك عن أن الله عزَّ وجلَّ يذكره ويسبِّحه جميع الكائنات، حتى الحيوانات، حتى الجمادات، كل الكائنات يقول فيها رب العزة عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ﴾ [44الإسراء]. وهو غني عن ذلك كله!!
إذاً لماذا فرض علينا العبادات؟
العبادات وإصلاح المجتمعات
فرض الله عزَّ وجلَّ علينا الصلاة، وزاد ففرض علينا الصيام، وزاد ففرض علينا الحج إلى بيت الله، وزاد ففرض علينا فريضة الزكاة.
إن الله جلَّ في علاه فرض علينا هذه الفرائض لحِكَمٍ لا تُعد، وأسرار لا يُحيط بها أحد:  نكتفي منها اليوم بسرٍّ منها جميعاً جعله الله عزَّ وجلَّ هو السبب في صلاح أحوالنا، وإصلاح مجتمعاتنا. وما علاقة الصلاة والصيام والزكاة والحج بإصلاح المجتمعات؟!! لأن الله عزَّ وجلَّ جعل شرط قبول هذه الأعمال عند حضرته أن تتحقق النتائج الطيبة والآثار الملموسة بعد أداء هذه العبادات في المجتمعات بين خلق الله الذين أتعايش بينهم.
حكمة الصلاة
فإذا صليت لله عزَّ وجلَّ، ما علامة قبول الصلاة؟ يقول لنا فيها الله: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ [45العنكبوت] إذا انتهى المصلي - قبل وبعد الصلاة - عن جميع الفحشاء، وعن فعل المنكرات، وعن الإساءة للمسلمين والمسلمات، كان هذا دليلاً على أن الله تقبَّل عمله، وسيُثيبه بهذا العمل أجراً عاجلاً في دنياه، وأجراً كبيراً آجلاً في أخراه، يقول فيهما الله في كتابه جلَّ في علاه: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً - هذا هو الأجر العاجل في الدنيا، أما الأجر الآجل في الآخرة- وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [97النحل].
إذاً علامة قبول الصلاة حُسن تعامل المؤمن مع إخوانه المؤمنين، إن كان في المسجد، أو في الشارع، أو في العمل، أو في السوق، أو في أي موضع.
وجعلها الله عزَّ وجلَّ في جماعة توطيداً للعلاقات بين المسلمين، وزيادة في الروابط بين المؤمنين، حتى نتعارف فيما بيننا، ونُساعد بعضنا في حلِّ مشكلاتنا، فإذا افتقدنا أحدَنا في المسجد في يوم بحثنا عنه وذهبنا إليه وسألناه، فإن كان له مشكلة واستطعنا حلَّها قمنا بحلِّها له، وإن لم نستطيع عاوناه، لأن المؤمنين يقول فيهم ربُّ العالمين: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [2المائدة].
لا بد من التعاون بين المسلمين، ولا يتم التعاون إلا إذا اجتمعنا وتعارفنا، وتآلفنا وتكاتفنا وتساندنا، ولذلك يقول لكم الرسول صلى الله عليه وسلم: {الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا} (البخاري ومسلم ومسند الإمام أحمد).
حكمة الصيام
والصيام ... سُئل نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام: لِمَ تصوم وأنت على خزائن الأرض؟ قال: (حتى لا أنسى الجائع).
أمرنا الله أن نصوم لنجوع فنحس بإخواننا الجائعين، ونستشعر إخواننا الفقراء والمساكين، نسوق إليهم شيئاً من الخير الذي وكَّلنا بإنفاقه ربُّ العالمين ،والمال مال الله، والعبيد عبيد الله، والذي يُنفق يعمل بقول الله: ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [7الحديد]. فتتم المشاركة بين المؤمنين!! حتى أن النبيَّ جعل مَنْ لا يشعر بأخيه الجائع إيمانه غير تام!! فقال عليه أفضل الصلاة وأتم السلام: {لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَبِيتُ وَجَارُهُ إِلَى جَنْبِهِ جَائِعٌ} (المستدرك وسنن البيهقي).
حكمة الزكاة
وجعل فريضة الزكاة .. فيها فرض فرضه الله للفقراء والمساكين - لم يجعله صدقة تطوعية متروكة للأريحية، لأن الإنسان طبيعته البخل في الإنفاق، لكنه جعله فريضة وحق يحاسبه عليه مولاه - أن يُعطي نصيباً مما أفاء عليه مولاه للفقراء والمساكين، ويعلم علم اليقين أن هذا حقُّهم، فلا يَمُنُّ عليهم بالإعطاء، ولا يُجرح وجوههم بالمعايرة بأنه قدَّم لهم شيئاً، لأن هذا حقُّهم قد أخذوه، والذي فرض الحق هو رب العالمين عزَّ وجلَّ.
حكمة الحج
وجعل الحج مؤتمراً عاماً لتعارف المؤمنين في كل القارات والأقطار، وجعل أساس هذا الاجتماع العام صفاء النيَّة، وإخلاص الطويَّة، وخلاص القلب من جميع الأمراض والأحقاد والأحساد الدنيوية، حتى يكون المؤمنون على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وألسنتهم كأنهم رَجُلٌ واحد، ولذا حذَّر المسافرين مما يُثِيرُ النكد في القلوب، ويؤجج الأحقاد في النفوس، ويقلب الأُخُوة ويجعلها عداوة، ولا يليق ذلك في رحاب بيت الملك القدوس، فقال للحُجاج المسافرين: ﴿ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [197البقرة].
منعهم عن الحديث عن النساء أو مع النساء بالكلية، وعن جميع المعاصي الظاهرة والباطنة، حتى أنه لا يحاسب على الهمِّ بالمعصية إلاَّ في البيت الحرام، إذا همَّ الإنسان هناك بمعصية حوسب عليها: ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [25الحج]. مجرد الإرادة والهمِّ يحاسبه عليه مولاه. ونهى عن الجدال لأنه يثير الشحناء، ويؤجج البغضاء، ويجعل الأخوة متنافرين بعد أن كانوا متآلفين.
الطهارة الظاهرة والباطنة
وجعل الله عزَّ وجلَّ هذه العبادات كلَّها شرط أدائها الطهارة الظاهرة والباطنة لله جلَّ في علاه، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: {مِفْتَاحُ الصَّلاةِ الطُّهُورُ} (سنن الترمذي وأبي داود ومسند الإمام أحمد).
الطهارة الظاهرة بالماء، والطهارة القلبية من جميع الأمراض التي حذَّر منها الله، ونهى عنها رسول الله، وهي الأمراض التي تُسبب فساد المجتمعات، مثل الحقد والحسد، والغلّ والكره، والبغض والشح والأنانية، وكل هذه الأمراض الشخصية هي التي تؤدي إلى سوء العلاقات الاجتماعية، وإلى تشرذم الأفراد، وإلى انتشار ما نراه فيما بيننا الآن من مساوئ لا عدَّ لها ولا حدَّ لها، ولذلك قال الله في جماعة المؤمنين: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾ [47الحجر].
لا يليق بالعبد أن يقف بين يدي مولاه وهو يعلم علم اليقين أن موضع نظر الله منه هو قلبه، ويكون في هذا القلب حقد أو حسد أو غل لأحد من المسلمين، وهي الأمراض التي تعصف بالمجتمع كما نرى الآن، الكلُّ في الإسلام يسعى لمصلحة الكلّ، لا يسعى أحدٌ لمصلحة نفسه فقط وينسى من حوله!! لأن النبيَّ قال لنا: {لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ بِاللَّهِ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ} (البخاري ومسلم وسنن الترمذي).
والصيام جعله النبي صلى الله عليه وسلم وقاية من كل الذنوب والآثام التي تُقَطِع العلاقات بين الأنام: {إِذَا كَانَ يَوْمُ صِيَامِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ، وَلا يَصْخَبْ فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ} (البخاري والنسائي ومسند الإمام أحمد).
أما الزكاة فقد قال فيها الله: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ [103التوبة]. فهي طهرة للقلب، وطهرة للنفس، فالعبادات تُطهِّر باطن الإنسان، فيتعلق بالقيم القرآنية، والأخلاق المحمدية، فيحرص على ودِّ إخوانه، ويحرص على صلة أرحامه، ويحرص على برِّ أبويه، ويحرص على منفعة جميع المؤمنين، لأنه يريد رضاء ربِّ العالمين عزَّ وجلَّ.
الرياح المادية
أما ما نراه في مجتمعنا الآن فهي رياح غربية وأمريكية، هبت علينا سواء درينا أو لم ندري لتعشقنا بما عند هؤلاء القوم من حضارة مدنية، نأخذ منهم الحضارة المدنية لا بأس، لكن لا ينبغي أن نأخذ منهم أخلاقهم، لأن عندنا كتاب الله، وعندنا رسول الله وهما كنز الأخلاق الذي أنزله لنا الله، وأمرنا أن نتخلق بها فيما بيننا وبين بعضنا في هذه الحياة.
غلب على هؤلاء القوم الرياح المادية، فلا يعرفون الحياة إلا من جانبها المادي، لا يرون أي روحانية في أي علاقات ولا أي أعمال، وإنما حياتهم مادية صرفة، ومن هنا انتشر بينهم مذهب المنفعة، فلا يعرف إنساناً إلا إذا كانت له منفعة عنده، فإذا انقطعت المنفعة لا يعبأ به ولا يهتم به وكأنه لا يعرفه. وإذا كَبُرَ الابن لا يعرف أباه ولا أمه، غاية ما يصنعه نحوهما أن يأخذهما ويضعهما في دار للمسنين، ولا يفكر في زيارتهم ولا النظر في أحوالهم، حتى إذا مات أحدهم ما عليه إلا أن يرفع سماعة التليفون إلى إحدى وكالات دفن الموتى، ويقول لهم: مات فلان في موضع كذا اذهبوا فخذوه وادفنوه وأخبروني بالمبلغ الذي تطلبون!! ليست هناك علاقات اجتماعية ولا روابط إنسانية، وإنما حياة مادية صرفة، ومذهب المنفعة هو السائد بينهم.
وللأسف في هذا الزمان صدَّروا لنا هذا الأمر، فأصبح يُسيطر على كثير منا الحياة المادية، وينسى أنه منسوبٌ إلى دين الله، ومطالب بين يدي الله بالعمل بما شرع الله وبما كان عليه حبيب الله ومصطفاه، وأساس ذلك كله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [10الحجرات]. وحال المؤمنين في أي زمان ومكان يقول فيه القرآن: ﴿رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾ [29الفتح]. وحالهم كما قال فيه النبي العدنان: {مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى} (صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد)
أو كما قال ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلاَّ على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الربُّ القادر الفعال لما يريد في كل وقت وحين. وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وتركنا على المَحَجَّةِ البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك. اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هداه، ووفقنا للعمل بشرعه أجمعين يا الله.
واجب المؤمنين نحو إخوتهم المؤمنين
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
بَلَغَ من فضل الله عزَّ وجلَّ علينا نحو إخواننا المؤمنين أن الله عزَّ وجلَّ جعل أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى مولاه هي الأعمال التي تتعلق بإخوانه المؤمنين، أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله هي الفرائض بعد الفرائض، فهناك فرائض نُلزم بها أجمعين، وهي الصلوات والصيام والزكاة والحج لمن استطاع إليه سبيلاً. وهناك فروض على الجماعة كلها.
إذا قام البعض بها أجزأ عن الآخرين، سَمَّاها العلماء فروض الكفاية، وإذا لم يقم بها - الجماعة أو نفرٌ منهم - حوسب الجميع، هذه الفروض كالصلاة على الأموات، وتشييع الجنازات، ودفن المؤمنين عند الموت، فريضة لا بد أن يقوم بها جماعة من المؤمنين - وليست سُنَّة، ولكن الله بواسع رحمته جعلها فريضة كفائية - إذا قام بعضنا بها سقط عن الباقين المطالبة بشأنها، لكن إذا تكاسلنا جميعاً عن القيام بها حوسبنا على ذلك، لأن الله عزَّ وجلَّ جعل أعظم قرباتنا لحضرته ما يتعلق بمصالح العباد، وما يتعلق بحقوق إخواننا في كل زمن وفي كل واد.
جعل المؤمن لو أقرَضَ مؤمناً محتاجاً فله من الأجر والثواب أعظم من الصدقة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَاب: الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: لأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ، وَالْمُسْتَقْرِضُ لا يَسْتَقْرِضُ إِلا مِنْ حَاجَةٍ} (سنن ابن ماجة والطبراني).
أين القرض الحسن بين جماعة المؤمنين؟! وهو فرض علينا نُعينُ به إخواننا حتى لا نُعرضهم للمُرابين، ذهب وليْتَهُ يعود!! ونسأل الله أن يعود بيننا هذا العمل الطيب حتى تُحل مشاكل المسلمين بدون مشاكل اقتصادية ولا تضخم ولا غيره.
جعل لكل مسلم على كل مسلم إذا وَجَّه له أي حركة من حركات أعضاءه يكون له عظيم الأجر عند الله عزَّ وجلَّ!! لو نظر إليه بشوق كانت نظرته هذه تعادل أجر معتكف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمدة عام، كما ورد في الأثر المعلوم: {نظرةٌ في وجهِ أخٍ في الله على شوقٍ خيرٌ من اعتكاف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاماً}
جعل مصافحة المسلم تساوي الحج إلى بيت الله، وتساوي الصلاة، لأن أجر الحج كمال قال فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم: {مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ} (البخاري ومسلم وسنن الترمذي وأبي داود). وإذا صافحت أخاك في الله في الإيمان يقول صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا صَافَحَ أَخَاهُ تَحَاتَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ} (سنن البيهقي وكشف الأستار). يغفر الله لكليهما لمجرد المصافحة، فكأنه يضارع حج بيت الله الحرام، لأن المصافحة أجرها مغفرة جميع الذنوب والآثام إكراماً من الله وتشجيعاً لخلق الله على توطيد العلاقات، وعلى تمتين الروابط بين المؤمنين في كل وقت وحين.
إذا ألقى عليه السلام كان له حسنات، وتنزلت بينهما الرحمات، وإذا عاده وهو مريض كان له بساتين في الجنة، وإذ شيَّع جنازته له قيراط من الأجر والثواب، وإذا صلى عليه كان له قيراط آخر، والقيراط كجبل أحد كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: {مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ، الْقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ} (صحيح مسلم وسنن ابن ماجة ومسند الإمام أحمد). إذا صلى فله قيراط، وإذا شيَّع فله قيراط، وإذا عزَّى أهله كان له مثل أجرهم: {مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ} (سنن الترمذي وابن ماجة).
جعل كل الأحوال التي تتعلق بالمؤمنين، والحركات معهم بأجور وفيرة عند رب العالمين: لو تبسمت له كانت البسمة صدقة لك، ولو كلمته كلمة طيبة كانت الكلمة الطيبة صدقة لك.
أيُّ أجرٍ أعظمُ عند الله؟ الأجور التي تتعلق بحقوق المؤمنين في الله جلَّ في علاه؟!! لا يساويه أجرُ قيام الليل ولا صيام النهار.
إذا أصلحت بين اثنين متخاصمين، اسمع إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: {أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ؟، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ} (سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد وابن حبان)، الإصلاح بين المؤمنين خير من أعمال البر هذه التي عددها سيد الأولين والآخرين.
تمسكنا في العبادات الهامشية، ونختلف عليها، ونتناقش ونتجادل بسببها، وكل مشاكلنا من أجلها!!  هذا يُحبذ هذه الهيئة، وهذا لا يُحبذ هذه الهيئة!! وهذا يُكفر فاعل ذلك!! وهذا يأمر غيره يفعل ذلك!! ونسينا ما أمرنا به الله أولاً، ورسوله ثانياً وهو توطيد العلاقات بين المؤمنين، والإخلاص بين قلوب الموحدين، وتدعيم الرابطة بين عباد الله المؤمنين، والعمل بقول الله في كتابه المبين: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ [103آل عمران].
اللهم فقهنا في ديننا، وألهمنا الصواب في العمل يا رب العالمين.
اللهم بَيِّن لنا الخير واهدنا إليه، وأعنا عليه، واكتب لنا الثواب العظيم الذي جعلته لديك.
اللهم احفظنا ظاهرًا وباطنًا من الأحقاد والأحساد، ومن الخلافات بين العباد، واجعلنا دائماً وأبدًا هادين مهديين، وأرشدنا إلى خير ما تحبُّه منا يا أكرم الأكرمين، وارزقنا التوفيق لطاعتك وذكرك وشكرك وحسن عبادتك في كل وقت وحين.
اللهم ارزقنا النوايا الطيبة، وارزقنا الإخلاص في قلوبنا، والصدق في أقوالنا، وتحري السُّنة في جميع أعمالنا، واجعلنا محل نظرك يا أرحم الراحمين.
اللهم انظر إلينا نظرة عطف وشفقة وحنان تبدل حالنا إلى أحسن حال.
اللهم حوِّل حالنا إلى أحسن حال، اللهم لا تشمت بنا عدواً ولا حبيباً، واجعل بلدنا مصر في أمن إلى يوم الدين، وكثِّر لنا من عندك الخيرات، واجعلها مباركات، يا أكرم الأكرمين. واغننا بخيرك وبرِّك عن الخلق أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولاة أمورنا لما فيه صلاح العباد وأحوال البلاد، اللهم اجمع صفوفهم، اللهم وحِّد قلوبهم، اللهم أخلص نواياهم وقصودهم، الله لا تشرذم هذه القوى السياسية في بلادنا حتى لا تشمت فينا أعداءنا طرفة عين ولا أقل.
اللهم أهلك الكافرين بالكافرين، وأوقع الظالمين في الظالمين، واقضِ على اليهود الغاصبين، وأخرج المسلمين من بينهم سالمين غانمين.
عباد الله اتقوا الله: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [90النحل].
أذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأقم الصلاة.
************************





شارك فى نشر الخير