الحمد لله رب العالمين، أكرمنا وأمرنا أن نعبده عزَّ وجلَّ عبادة المخلصين، ووفقنا وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته في كل وقت وحين. سبحانه سبحانه، كلفنا بالعبادات، وجعلها أس التشريعات، لأن بها وفيها صلاح الأفراد وإصلاح المجتمعات.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنيٌّ بذاته وأسمائه وصفاته عن جميع مخلوقاته، لا يحتاج إلى عباداتهم وذكرهم وتلاواتهم وأعمالهم، وإنما مَرَدُّ ذلك إليهم كما قال في محكم القرآن: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [15الجاثية]. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، هداه الله عزَّ وجلَّ به إليه، وجعل هداية الخلق أجمعين على يديه.
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد، الذي جعلت كلماته شفاء، وأعماله دواء لجميع الأسقام والأدواء، وحركاته وسكناته قُرب لخلق الأرض والسماء. صلى الله عليه وعلى آله الأتقياء، وصحابته الأمناء، ومَنْ مشى على هديه من أتباعه إلى يوم العرض والجزاء، وعلينا معهم أجمعين، واكتبنا معهم تحت لواء السعادة أجمعين، يا ربَّ العالمين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
لعل سائلاً يسأل: إذا كان الله عزَّ وجلَّ سماواته مملوءة بملائكته المقربين - منهم المسبِّحون، ومنهم المهلِّلون، ومنهم المكبِّرون ،ومنهم الداعون، ومنهم الراكعون، ومنهم الساجدون، ولا يخلو موضع أربع أصابع من السماوات إلا وفيه مَلَكٌ يعبد الله عزَّ وجلَّ عبادة مستقرة إلى يوم الدين، ناهيك عن أن الله عزَّ وجلَّ يذكره ويسبِّحه جميع الكائنات، حتى الحيوانات، حتى الجمادات، كل الكائنات يقول فيها رب العزة عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ﴾ [44الإسراء]. وهو غني عن ذلك كله!!
إذاً لماذا فرض علينا العبادات؟
العبادات وإصلاح المجتمعات
فرض الله عزَّ وجلَّ علينا الصلاة، وزاد ففرض علينا الصيام، وزاد ففرض علينا الحج إلى بيت الله، وزاد ففرض علينا فريضة الزكاة.
إن الله جلَّ في علاه فرض علينا هذه الفرائض لحِكَمٍ لا تُعد، وأسرار لا يُحيط بها أحد: نكتفي منها اليوم بسرٍّ منها جميعاً جعله الله عزَّ وجلَّ هو السبب في صلاح أحوالنا، وإصلاح مجتمعاتنا. وما علاقة الصلاة والصيام والزكاة والحج بإصلاح المجتمعات؟!! لأن الله عزَّ وجلَّ جعل شرط قبول هذه الأعمال عند حضرته أن تتحقق النتائج الطيبة والآثار الملموسة بعد أداء هذه العبادات في المجتمعات بين خلق الله الذين أتعايش بينهم.
حكمة الصلاة
فإذا صليت لله عزَّ وجلَّ، ما علامة قبول الصلاة؟ يقول لنا فيها الله: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ [45العنكبوت] إذا انتهى المصلي - قبل وبعد الصلاة - عن جميع الفحشاء، وعن فعل المنكرات، وعن الإساءة للمسلمين والمسلمات، كان هذا دليلاً على أن الله تقبَّل عمله، وسيُثيبه بهذا العمل أجراً عاجلاً في دنياه، وأجراً كبيراً آجلاً في أخراه، يقول فيهما الله في كتابه جلَّ في علاه: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً - هذا هو الأجر العاجل في الدنيا، أما الأجر الآجل في الآخرة- وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [97النحل].
إذاً علامة قبول الصلاة حُسن تعامل المؤمن مع إخوانه المؤمنين، إن كان في المسجد، أو في الشارع، أو في العمل، أو في السوق، أو في أي موضع.
وجعلها الله عزَّ وجلَّ في جماعة توطيداً للعلاقات بين المسلمين، وزيادة في الروابط بين المؤمنين، حتى نتعارف فيما بيننا، ونُساعد بعضنا في حلِّ مشكلاتنا، فإذا افتقدنا أحدَنا في المسجد في يوم بحثنا عنه وذهبنا إليه وسألناه، فإن كان له مشكلة واستطعنا حلَّها قمنا بحلِّها له، وإن لم نستطيع عاوناه، لأن المؤمنين يقول فيهم ربُّ العالمين: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [2المائدة].
لا بد من التعاون بين المسلمين، ولا يتم التعاون إلا إذا اجتمعنا وتعارفنا، وتآلفنا وتكاتفنا وتساندنا، ولذلك يقول لكم الرسول صلى الله عليه وسلم: {الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا} (البخاري ومسلم ومسند الإمام أحمد).
حكمة الصيام
والصيام ... سُئل نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام: لِمَ تصوم وأنت على خزائن الأرض؟ قال: (حتى لا أنسى الجائع).
أمرنا الله أن نصوم لنجوع فنحس بإخواننا الجائعين، ونستشعر إخواننا الفقراء والمساكين، نسوق إليهم شيئاً من الخير الذي وكَّلنا بإنفاقه ربُّ العالمين ،والمال مال الله، والعبيد عبيد الله، والذي يُنفق يعمل بقول الله: ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [7الحديد]. فتتم المشاركة بين المؤمنين!! حتى أن النبيَّ جعل مَنْ لا يشعر بأخيه الجائع إيمانه غير تام!! فقال عليه أفضل الصلاة وأتم السلام: {لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَبِيتُ وَجَارُهُ إِلَى جَنْبِهِ جَائِعٌ} (المستدرك وسنن البيهقي).
حكمة الزكاة
وجعل فريضة الزكاة .. فيها فرض فرضه الله للفقراء والمساكين - لم يجعله صدقة تطوعية متروكة للأريحية، لأن الإنسان طبيعته البخل في الإنفاق، لكنه جعله فريضة وحق يحاسبه عليه مولاه - أن يُعطي نصيباً مما أفاء عليه مولاه للفقراء والمساكين، ويعلم علم اليقين أن هذا حقُّهم، فلا يَمُنُّ عليهم بالإعطاء، ولا يُجرح وجوههم بالمعايرة بأنه قدَّم لهم شيئاً، لأن هذا حقُّهم قد أخذوه، والذي فرض الحق هو رب العالمين عزَّ وجلَّ.
حكمة الحج
وجعل الحج مؤتمراً عاماً لتعارف المؤمنين في كل القارات والأقطار، وجعل أساس هذا الاجتماع العام صفاء النيَّة، وإخلاص الطويَّة، وخلاص القلب من جميع الأمراض والأحقاد والأحساد الدنيوية، حتى يكون المؤمنون على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وألسنتهم كأنهم رَجُلٌ واحد، ولذا حذَّر المسافرين مما يُثِيرُ النكد في القلوب، ويؤجج الأحقاد في النفوس، ويقلب الأُخُوة ويجعلها عداوة، ولا يليق ذلك في رحاب بيت الملك القدوس، فقال للحُجاج المسافرين: ﴿ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [197البقرة].
منعهم عن الحديث عن النساء أو مع النساء بالكلية، وعن جميع المعاصي الظاهرة والباطنة، حتى أنه لا يحاسب على الهمِّ بالمعصية إلاَّ في البيت الحرام، إذا همَّ الإنسان هناك بمعصية حوسب عليها: ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [25الحج]. مجرد الإرادة والهمِّ يحاسبه عليه مولاه. ونهى عن الجدال لأنه يثير الشحناء، ويؤجج البغضاء، ويجعل الأخوة متنافرين بعد أن كانوا متآلفين.
الطهارة الظاهرة والباطنة
وجعل الله عزَّ وجلَّ هذه العبادات كلَّها شرط أدائها الطهارة الظاهرة والباطنة لله جلَّ في علاه، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: {مِفْتَاحُ الصَّلاةِ الطُّهُورُ} (سنن الترمذي وأبي داود ومسند الإمام أحمد).
الطهارة الظاهرة بالماء، والطهارة القلبية من جميع الأمراض التي حذَّر منها الله، ونهى عنها رسول الله، وهي الأمراض التي تُسبب فساد المجتمعات، مثل الحقد والحسد، والغلّ والكره، والبغض والشح والأنانية، وكل هذه الأمراض الشخصية هي التي تؤدي إلى سوء العلاقات الاجتماعية، وإلى تشرذم الأفراد، وإلى انتشار ما نراه فيما بيننا الآن من مساوئ لا عدَّ لها ولا حدَّ لها، ولذلك قال الله في جماعة المؤمنين: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾ [47الحجر].
لا يليق بالعبد أن يقف بين يدي مولاه وهو يعلم علم اليقين أن موضع نظر الله منه هو قلبه، ويكون في هذا القلب حقد أو حسد أو غل لأحد من المسلمين، وهي الأمراض التي تعصف بالمجتمع كما نرى الآن، الكلُّ في الإسلام يسعى لمصلحة الكلّ، لا يسعى أحدٌ لمصلحة نفسه فقط وينسى من حوله!! لأن النبيَّ قال لنا: {لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ بِاللَّهِ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ} (البخاري ومسلم وسنن الترمذي).
والصيام جعله النبي صلى الله عليه وسلم وقاية من كل الذنوب والآثام التي تُقَطِع العلاقات بين الأنام: {إِذَا كَانَ يَوْمُ صِيَامِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ، وَلا يَصْخَبْ فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ} (البخاري والنسائي ومسند الإمام أحمد).
أما الزكاة فقد قال فيها الله: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ [103التوبة]. فهي طهرة للقلب، وطهرة للنفس، فالعبادات تُطهِّر باطن الإنسان، فيتعلق بالقيم القرآنية، والأخلاق المحمدية، فيحرص على ودِّ إخوانه، ويحرص على صلة أرحامه، ويحرص على برِّ أبويه، ويحرص على منفعة جميع المؤمنين، لأنه يريد رضاء ربِّ العالمين عزَّ وجلَّ.
الرياح المادية
أما ما نراه في مجتمعنا الآن فهي رياح غربية وأمريكية، هبت علينا سواء درينا أو لم ندري لتعشقنا بما عند هؤلاء القوم من حضارة مدنية، نأخذ منهم الحضارة المدنية لا بأس، لكن لا ينبغي أن نأخذ منهم أخلاقهم، لأن عندنا كتاب الله، وعندنا رسول الله وهما كنز الأخلاق الذي أنزله لنا الله، وأمرنا أن نتخلق بها فيما بيننا وبين بعضنا في هذه الحياة.
غلب على هؤلاء القوم الرياح المادية، فلا يعرفون الحياة إلا من جانبها المادي، لا يرون أي روحانية في أي علاقات ولا أي أعمال، وإنما حياتهم مادية صرفة، ومن هنا انتشر بينهم مذهب المنفعة، فلا يعرف إنساناً إلا إذا كانت له منفعة عنده، فإذا انقطعت المنفعة لا يعبأ به ولا يهتم به وكأنه لا يعرفه. وإذا كَبُرَ الابن لا يعرف أباه ولا أمه، غاية ما يصنعه نحوهما أن يأخذهما ويضعهما في دار للمسنين، ولا يفكر في زيارتهم ولا النظر في أحوالهم، حتى إذا مات أحدهم ما عليه إلا أن يرفع سماعة التليفون إلى إحدى وكالات دفن الموتى، ويقول لهم: مات فلان في موضع كذا اذهبوا فخذوه وادفنوه وأخبروني بالمبلغ الذي تطلبون!! ليست هناك علاقات اجتماعية ولا روابط إنسانية، وإنما حياة مادية صرفة، ومذهب المنفعة هو السائد بينهم.
وللأسف في هذا الزمان صدَّروا لنا هذا الأمر، فأصبح يُسيطر على كثير منا الحياة المادية، وينسى أنه منسوبٌ إلى دين الله، ومطالب بين يدي الله بالعمل بما شرع الله وبما كان عليه حبيب الله ومصطفاه، وأساس ذلك كله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [10الحجرات]. وحال المؤمنين في أي زمان ومكان يقول فيه القرآن: ﴿رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾ [29الفتح]. وحالهم كما قال فيه النبي العدنان: {مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى} (صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد)
أو كما قال ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلاَّ على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الربُّ القادر الفعال لما يريد في كل وقت وحين. وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وتركنا على المَحَجَّةِ البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك. اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هداه، ووفقنا للعمل بشرعه أجمعين يا الله.
واجب المؤمنين نحو إخوتهم المؤمنين
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
بَلَغَ من فضل الله عزَّ وجلَّ علينا نحو إخواننا المؤمنين أن الله عزَّ وجلَّ جعل أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى مولاه هي الأعمال التي تتعلق بإخوانه المؤمنين، أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله هي الفرائض بعد الفرائض، فهناك فرائض نُلزم بها أجمعين، وهي الصلوات والصيام والزكاة والحج لمن استطاع إليه سبيلاً. وهناك فروض على الجماعة كلها.
إذا قام البعض بها أجزأ عن الآخرين، سَمَّاها العلماء فروض الكفاية، وإذا لم يقم بها - الجماعة أو نفرٌ منهم - حوسب الجميع، هذه الفروض كالصلاة على الأموات، وتشييع الجنازات، ودفن المؤمنين عند الموت، فريضة لا بد أن يقوم بها جماعة من المؤمنين - وليست سُنَّة، ولكن الله بواسع رحمته جعلها فريضة كفائية - إذا قام بعضنا بها سقط عن الباقين المطالبة بشأنها، لكن إذا تكاسلنا جميعاً عن القيام بها حوسبنا على ذلك، لأن الله عزَّ وجلَّ جعل أعظم قرباتنا لحضرته ما يتعلق بمصالح العباد، وما يتعلق بحقوق إخواننا في كل زمن وفي كل واد.
جعل المؤمن لو أقرَضَ مؤمناً محتاجاً فله من الأجر والثواب أعظم من الصدقة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَاب: الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: لأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ، وَالْمُسْتَقْرِضُ لا يَسْتَقْرِضُ إِلا مِنْ حَاجَةٍ} (سنن ابن ماجة والطبراني).
أين القرض الحسن بين جماعة المؤمنين؟! وهو فرض علينا نُعينُ به إخواننا حتى لا نُعرضهم للمُرابين، ذهب وليْتَهُ يعود!! ونسأل الله أن يعود بيننا هذا العمل الطيب حتى تُحل مشاكل المسلمين بدون مشاكل اقتصادية ولا تضخم ولا غيره.
جعل لكل مسلم على كل مسلم إذا وَجَّه له أي حركة من حركات أعضاءه يكون له عظيم الأجر عند الله عزَّ وجلَّ!! لو نظر إليه بشوق كانت نظرته هذه تعادل أجر معتكف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمدة عام، كما ورد في الأثر المعلوم: {نظرةٌ في وجهِ أخٍ في الله على شوقٍ خيرٌ من اعتكاف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاماً}
جعل مصافحة المسلم تساوي الحج إلى بيت الله، وتساوي الصلاة، لأن أجر الحج كمال قال فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم: {مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ} (البخاري ومسلم وسنن الترمذي وأبي داود). وإذا صافحت أخاك في الله في الإيمان يقول صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا صَافَحَ أَخَاهُ تَحَاتَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ} (سنن البيهقي وكشف الأستار). يغفر الله لكليهما لمجرد المصافحة، فكأنه يضارع حج بيت الله الحرام، لأن المصافحة أجرها مغفرة جميع الذنوب والآثام إكراماً من الله وتشجيعاً لخلق الله على توطيد العلاقات، وعلى تمتين الروابط بين المؤمنين في كل وقت وحين.
إذا ألقى عليه السلام كان له حسنات، وتنزلت بينهما الرحمات، وإذا عاده وهو مريض كان له بساتين في الجنة، وإذ شيَّع جنازته له قيراط من الأجر والثواب، وإذا صلى عليه كان له قيراط آخر، والقيراط كجبل أحد كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: {مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ، الْقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ} (صحيح مسلم وسنن ابن ماجة ومسند الإمام أحمد). إذا صلى فله قيراط، وإذا شيَّع فله قيراط، وإذا عزَّى أهله كان له مثل أجرهم: {مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ} (سنن الترمذي وابن ماجة).
جعل كل الأحوال التي تتعلق بالمؤمنين، والحركات معهم بأجور وفيرة عند رب العالمين: لو تبسمت له كانت البسمة صدقة لك، ولو كلمته كلمة طيبة كانت الكلمة الطيبة صدقة لك.
أيُّ أجرٍ أعظمُ عند الله؟ الأجور التي تتعلق بحقوق المؤمنين في الله جلَّ في علاه؟!! لا يساويه أجرُ قيام الليل ولا صيام النهار.
إذا أصلحت بين اثنين متخاصمين، اسمع إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: {أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ؟، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ} (سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد وابن حبان)، الإصلاح بين المؤمنين خير من أعمال البر هذه التي عددها سيد الأولين والآخرين.
تمسكنا في العبادات الهامشية، ونختلف عليها، ونتناقش ونتجادل بسببها، وكل مشاكلنا من أجلها!! هذا يُحبذ هذه الهيئة، وهذا لا يُحبذ هذه الهيئة!! وهذا يُكفر فاعل ذلك!! وهذا يأمر غيره يفعل ذلك!! ونسينا ما أمرنا به الله أولاً، ورسوله ثانياً وهو توطيد العلاقات بين المؤمنين، والإخلاص بين قلوب الموحدين، وتدعيم الرابطة بين عباد الله المؤمنين، والعمل بقول الله في كتابه المبين: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ [103آل عمران].
اللهم فقهنا في ديننا، وألهمنا الصواب في العمل يا رب العالمين.
اللهم بَيِّن لنا الخير واهدنا إليه، وأعنا عليه، واكتب لنا الثواب العظيم الذي جعلته لديك.
اللهم احفظنا ظاهرًا وباطنًا من الأحقاد والأحساد، ومن الخلافات بين العباد، واجعلنا دائماً وأبدًا هادين مهديين، وأرشدنا إلى خير ما تحبُّه منا يا أكرم الأكرمين، وارزقنا التوفيق لطاعتك وذكرك وشكرك وحسن عبادتك في كل وقت وحين.
اللهم ارزقنا النوايا الطيبة، وارزقنا الإخلاص في قلوبنا، والصدق في أقوالنا، وتحري السُّنة في جميع أعمالنا، واجعلنا محل نظرك يا أرحم الراحمين.
اللهم انظر إلينا نظرة عطف وشفقة وحنان تبدل حالنا إلى أحسن حال.
اللهم حوِّل حالنا إلى أحسن حال، اللهم لا تشمت بنا عدواً ولا حبيباً، واجعل بلدنا مصر في أمن إلى يوم الدين، وكثِّر لنا من عندك الخيرات، واجعلها مباركات، يا أكرم الأكرمين. واغننا بخيرك وبرِّك عن الخلق أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولاة أمورنا لما فيه صلاح العباد وأحوال البلاد، اللهم اجمع صفوفهم، اللهم وحِّد قلوبهم، اللهم أخلص نواياهم وقصودهم، الله لا تشرذم هذه القوى السياسية في بلادنا حتى لا تشمت فينا أعداءنا طرفة عين ولا أقل.
اللهم أهلك الكافرين بالكافرين، وأوقع الظالمين في الظالمين، واقضِ على اليهود الغاصبين، وأخرج المسلمين من بينهم سالمين غانمين.
عباد الله اتقوا الله: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [90النحل].
أذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأقم الصلاة.
************************
.دور العبادات فى إصلاح الافراد والمجتمعات
عدد المشاهدات: