عدد المشاهدات:
الاخوة فى الله
إعلم أن الأخوة مشهد من مشاهد التوحيد الكامل , التى بها تتجلى معانى الكمالات والنزاهة لذات الأحد سبحانه , من حيث أنه تنزه غنى الخلق قائم بذاته , منزه عن المعين والصاحب والوالد والولد وعن التركيب والأعضاء والأجزاء , وأنت المفتقر إلى الأعضاء والجوارح والولد والصاحب والمعين والوكيل والوزير , فالأخوة أكمل جمالات رتبتك , بها تتميز الحضرتان وتظهر المكانتان , حتى تحقق عين يقين من أنت ومن ربك .
الأخوان في الله عز وجل :
هم المعراج إلى حضرة الحق تعالى , بهم تتجدد معالم الحق وتعلو كلمته وتقام حدوده وتحفظ مناسكه وينتشر الأمن والعدل , قال الله تعالى : " يأيها النبى حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين " , فالإخوان تشهدك في نفسك أنك عبد مضطر مفتقر ذليل , فتعلم بها معانى كمالات ربك القدير , وتشهدك معونة الله وإمداداته , وود الله لك وإحسانه بما يجريه على يديهم لك من الخير والمزيد والنصر والقوة , والأخ في الحقيقة هو أنت, وكلما أكثرت من الأخوة كلما كنت كثيراً , بقدرهم يكون لك ألسن وآذان وأعين وأيد وأرجل وكنوز وخزن , ذكر الله عز وجل عباده المؤمنين نعمته عليهم في الدين , إذ ألف بين قلوبهم بعد أن كانوا متفرقين , فأصبحوا بنعمته إخوانا بالألفة متفقين , وعلى البر والتقوى مضطجعين , ثم ضم التذكرة بالنعمة عليهم إلى تقواه , وأمر بالأعتصام بحبله وهداه , ونهى عن التفرق إذا جمعتهم الدار , وقرن ذلك بالمنة عليهم إذ أنقذهم من شفا حفرة النار , وقد جعل ذلك كله من آياته الدالة عليه سبحانه , وقد كانت المؤاخاة في الله تعالى والصحبة لأجله والمحبة له في الحضر والسفر طرائق للعاملين لما جاء فيه من الأمر والندب , إذ كان الحب في الله عز وجل من أوثق عرى الإيمان , وكانت الألفة والصحبة لأجله , والمحبة والتزاور من أحسن أسباب المتقين .
* وقال أكثر التابعين باستحباب كثرة الإخوان في الله عز وجل , بالتأليف والتحبب إلى المؤمنين ,لأن ذلك زين في الرخاء , وعون في الشدائد , وتعاون على البر والتقوى والألفة في الدين , قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا أتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون , وأعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا , وأذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون" , وقال رسول الله r: " إن اقربكم منى
مجلساً أحاسنكم أخلاقاً , الموطئون أكنافا , الذين يألفون ويؤلفون " , وقال عليه الصلاة والسلام : " مثل الأخوين إذا التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى ,وما ألتقى مؤمنان إلا أفاد الله عز وجل أحداهما من صاحبه خيراً " وقال r: " من آخى أخاً في الله عز وجل , رفعه الله عز وجل درجة في الجنة لا ينالها بشئ من عمله " ويقال : إن الأخوين في الله عز وجل إذا كان أحدهما أعلى مقاما من الآخر , رفع الأعلى مقاما أخيه معه إلى مقامه , وأنه يلحق به كما تلحق الذرية بالأبوين , والأهل بعضهم ببعض .
* قال الله تعالى مخبراً عمن لا صديق له حميم تنفعه شفاعته : " فما لنا من شافعين ولا صديق حميم " . وقال r: " المؤمن كثير بأخيه " .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : " ما أعطى عبد بعد الأسلام خيراً من أخ صالح" . وفي الأخبار السابقة عن داود عليه السلام : " إن الله سبحانه وتعالى أوحى إليه يا داود مالى أراك منتبذاً وحيداً , قال : إلهى قليت الخلق من أجلك , فأوحى الله عز وجل إليه : يا داود كن يقظانا مرتاداً لنفسك إخواناً , فكل خدن لا يوافقك على مسرتى فلا تصحبه , فإنه لك عدو ويقسى قلبك ويباعدك منى " , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كونوا مؤلفين ولا تكونوا منفرين " وفي أخبار داود صلى الله عليه وسلم أنه قال " يارب كيف لى أن يحبنى الناس كلهم , وأسلم فيما بينى وبينك ؟ قال : خالق الناس باخلاقهم , وأحسن فيما بينى وبينك " وفي بعضها : " خالق أهل الدنيا بأخلاق الدنيا , وخالق أهل الأخرة بأخلاق الآخرة " .
وقال محمد ابن الحنفية بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم : " ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بداً , حتى يجعل الله عز وجل منه فرجاً ,ويقال : أن أحد الأخوين في الله عز وجل إذا مات قبل صاحبه , وقيل له أدخل الجنة سأل عن منزل أخيه , فإن كان دونه لم يدخل الجنة , حتى يعطى أخوه مثل منازله , ولا يزال يسأل له من كذا فيقال : إنه لم يكن يعمل مثل عملك , فيقول إنى كنت أعمل لى له , فيعطى جميع ما سأل له , ويرفع أخوه إلى درجته معه . ويقال : ما حسد العدو متعاونين على بر , حسده متآخين في الله عز وجل , ومتحابين فيه , فإنه يجهد نفسه ويحث قبيله على إفساد ما بينهما , وقد قال تعالى : " وقل لعبادى يقولوا التى هى أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم " , وقال عز وجل مخبراً عن يوسف عليه السلام : " بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخواتى " .
* وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : " عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم , فإنهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء , وضع ما يغلبك من أمر أخيك على الحسنة حتى يحبك , واعتزل عدوك , وأحذر صديقك من القوم إلا الأمين , ولا أمين إلا من خشي الله عز وجل , ولا تصحب الفاجر فتتعلم فجوره , ولا تطلعه على سرك , واستشر في أمرك الذين يخشون الله تبارك وتعالى " .
* وقال الأحنف : " من حق الصديق أن يحتمل له ثلاث أن يجاوز عن ظلم الغضب وظلم الهفوة وظلم الدالة . "والدالة : الجرأة " وقال : الإخاء جوهرة رقيقة , فهى ما لم ترق عليها وتحرسها كانت معرضة للآفات , فارض الإخاء بالذلة حتى تصل إلى فوقه , وبالكظم حتى تعتذر إلى من ظلمك , وبالرضا حتى لا تستكثر من نفسك الفضل , ولا من أخيك التقصير .
* وقال أسماء بن خارجة الفزارى : ما سئمت أحداً قط لأنه إنما يسأمنى أحد رجلين , كريم كانت منه زلة وهفوة , فأنا أحق من غفرها , وآخذ عليها بالفضل فيها , أو لئيم فلم أكن أجعل عرضى له غرضاً .
* عن ابن عباس رضى الله عنه عن النبى r قال : " لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعداً فتخلفه " وعن ابي هريرة قال : قال رسول الله r: " إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن ليسعهم منكم بسط وجوه وحسن خلق " .
* الإخوان هم هياكل متعددة , سرت فيهم روح واحدة , كالجسد الواحد تعددت أعضاؤه ولكنه واحد , فإذا تألم عضو منه شعر بالألم كل الجسد , فكذلك الإخوان يتألمون جميعاً لألم أحدهم , غنيهم فقير لأنه يؤثر الفقير على نفسه , وفقيرهم غنى لكمال ثقته بربه , صفت قلوبهم فتجملت ظواهرهم , فإذا رأى الأخ الأخ كأنه أشرقت عليه أنوار , فأنبسط وانشرح وصافح وفرح , فيزداد نوراً , وحالاً على حاله , وعلماً على علمه , يبدل كل أخ لأخيه ما يجد من وجد أو موجود , فيغذى الأخ أخاه بعلمه , والآخر يغذيه بخبزه , فلا يقابل أخ أخاً إلا وفتحت أبواب السماء بالبركات , وهطلت الأرزاق والفتوحات , نزع الله ما في صدورهم من غل , وما في قلوبهم من طمع, لأنه سبحانه هو المحبوب لهم في أنفسهم وما تقولون في أثنين تقابلا على شوق في الله وبذل في ذات الله ؟ ,هذا يبذل لأخيه ما به سعادته الأبدية من علم وحال وخلق حسن , والآخر يبذل له نفيس طعامه وشرابه وماله وما تقولون فيمن تحقق فيهم قوله r في الحديث القدسى عن الله تعالى : " المتحابون فيّ َوالمتباذلون فيَّ على منابر من نور يغبطهم الملائكة والأنبياء لقربهم من الله " .
وليس هذا الوصف العلى موجوداً إلا في الصديقين وأبدال الرسل عليهم الصلاة والسلام , فكل أخ يعامل إخوانه بهذا فهو من الصديقين , ومن أبدال الرسل عليهم الصلاة والسلام .
* فالأخ في الله تعالى :هو شخص آخر إلا أنه أنت , لآنه يقصد ما تقصد ويتمنى ما تتمنى , ويعتقد ما تعتقد , ويعمل بعملك , ويقتدى بقولك وعملك وحالك , ذاق ذوقك وفهم عبارتك وأدرك أشارتك , يسعى فيما يرضيك ويحب من تحب , يصادق صديقك ويعادى عدوك , يحفظك غائباً ويسرك حاضراً , يذكرك إن غفلت ويعينك إن ذكرت في مرضاتك عندما ترضى الله تعالى , ويتوقف عن العمل إن جهل حكم عملك , حتى تبين له بدون جدل ولا انتقاد ولا اعتراض , تجمل بكل خصالك , واتصف بجميع صفاتك , ودك بأكمل ما يود به نفسه , وتحمل الشدائد في جمع الكلمة , ويجاهد نفسه ليتجمل بمكارم الأخلاق , يصل رحمك ويكرم أقاربك ويعطف على أولادك , هذا هو الخ ولو كان بعيد النسب عنك .
* الأخ هو أنت خلقا واعتقادا ومقصدا وعملا وحالا , الأخ من بذل نفسه قبل نفسك , وماله قبل مالك , وقدم أصدقاءك وأهلك وأولادك على خاصته وأهله وأولاده
* ليس الأخ بنسب الأبوين , إنما الأخ من ناسبك في خصوصيتك , وتشبه بك في جميع أحوالك , قرب منك بما جملك الله به فصار قريبك , وانتسب بما تقربت به إلى الله فصار من نسبك .
* الأخ من لا تتكلف وله ولا تخشى الشر منه , استوى عندك السر والعلن معه , وا،ت عظيم في عينه وقلبه في كل أحوالك , من يسر وعسر وبعد وقرب , إن شددت يسر وإن يسرت هابك , سروره أن تكون مسروراً , هذا هو الأخ ( وقليل ماهم ) فهذا الأخ هو الوارث للأحوال والعلوم والأسرار , فإذا كان من أهل نسبك كان ذلك أكمل وأجمل وذلك هو الفضل العظيم , وإنما هى متشابهة توجب القرب بعد الحب , فالرقى إلى المقام بعد الحال , والوصول فالكمال .
أسأل الله أن يجملنا بأخلاقه , وأن يمنحنا عنايته , وأن يواجهنا بواجهه الجميل , إنه مجيب الدعاء .
الرفيق في الطريق :-
أيها السالك مسالك الوصول , الساعي بتوفيق الله تعالي الي مقام الشهود, عليك بالأخ الصادق المخلص في الطلب , المجد المحافظ علي الادب , واجعل سريرتك صافية من جهتة , وكن له كما تكون لشيخك , فان الشيخ أيها الانسان يحجبك عنه هيبتة , وعزمة في نصيحتك علي الهفوات والصغائر من كماله وحسن أدبه . فكن في سيرك الأول متوجها لأخ سبقك في صحبة هذا الشيخ , لعلمة بما يحبة منك وما يبغضه , ولا تنتقد علي هذا الصاحب في العمل تراه , خصوصا بالنسبة للشيخ , فانه أعلم منك بما يحبه الشيخ , بل سلم له جميع ذلك , واياك أن تعاتبه او تعاقبه , أو ترفع شكوي فيه للشيخ , أو تخاصم أحدا من إخوانك , أو تعادي منهم احدا , أو تفوه بإشهار عيب من عيوبهم – خصوصا أمام الشيخ – وتكلف ستر عورتهم , وغض الطرف عن عيوبهم , وخذ منهم ما
تراه من جميل الصفات وكمل الأخلاق , وكلما قدمك هذا الأخ أمام الشيخ , فاحفظ ادبك معه , واجعله أرفع منك مقام , فللمشايخ أحوال يمتحنون بها أخلاق مريديهم , ويفيضون المدد للمريد علي قدر أخلاقه , والله سبحانه وتعالي أعلم .
* مراتب الأخوان :-
من سبقك ولو بيوم في صحبة الشيخ فله عليك فضل السابقية , ثم تصلهم بقدر مجاهداتهم وبذلهم وموالاتهم وكمال اتباعهم وحسن أخلاقهم وصدق تسليمهم , فقد يفضل الواحد على الألف لما اختص به من الفضائل والكمالات , وهذا الفضل يجب على الأخوان أن يتناسوه فيما بينهم , بمعنى أن الأخ الفاضل الذى ميزه الله بأكبر خصال الخير لا يشهد لنفسه فضلاً على إخوانه , إنما ذلك أمر تشهد به الإخوان له , فلا يغتر به , بل يزداد في تواضعه , وفي رغبته , وفي إقباله وفي مجاهداته , فإن الكمالات الإلهية لا نهاية لها , المواهب الربانية لا حصر لها , فمن وقف عند حد منها رضي لنفسه بالنقص مع تيسير الكمال له .
* وعلى الأخوان أن يعتقدوا الإحسان في غيرهم , والنقص في أنفسهم , وأن يغضوا عيون البحث عن عيوب بعضهم , ويصموا آذان التنقيب عن نقائض بعضهم , فإن المريد ليس رسولا معصزما , ولا ملكاً نوارنيا مجرداً عن لوازم البشرية . وعلى كل أخ أن يشتغل بتطهير نفسه , وتزيتها من عيوبها , وأن ينظر لنفسه بالانتقاد أو البحث عن دسائسها ومساوئها , وينظر لكمالات إخوانه ليتكمل بها , ومحاسنهم ليتجمل بها , وهذا سبيل السلف الصالح من أهل الحب والصدق والإخلاص .
* فضائل الأخوة في الله :
عن ابن مسعود رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المتحابون في الله عز وجل على عمود من ياقوت حمراء , في رأس العمود سبعون ألف غرفة , مشرفون على أهل الجنة , يضئ حسنهم لأهل الجنة , كما تضئ الشمس لأهل الدنيا , عليهم ثياب سندس خضر , مكتوب على جباههم : هؤلاء المتحابون في الله عز وجل "
* وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن حول العرش منابر من نور عليها قوم لباسهم نور ووجوهم نور و ليسوا بأنبياء ولا شهداء , يغبطهم الأنبياء والشهداء , فقالوا : يا رسول الله صفهم لنا , فقال : هم المتحابون في الله عز وجل , والمتجالسون في الله تعالى , والمتزاورون في الله تعالى " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبعة يظلهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله , منهم كذا وكذا واثنان تآخيا في الله عز وجل , اجتمعا على ذلك وتفرقا " .
وكان الفضل بن عياض وغيره يقول : نظر الأخ إلى وجه أخيه على المودة والرحمة عبادة .
* بم تصح الأخوة في الله :
لا تصح الأخوة في الله عز وجل إلا بما شرط فيها من الرحمة في الأجتماع , والخلطة عند الأفتراق بظهور النصيحة , واجتناب الغيبة وتمام الوفاء , ووجود الأنس وفقد الجفاء , وارتفاع الوحشة , ووجود الأنبساط , وزوال الأحتشام . وقال عليه الصلاة والسلام : " أحب اإخوان إلي الله عز وجل أرفقهما بصاحبه " , وقال ابن عباس في وصيته لمجاهد : لا تذكر أخاك إذا تغيب عنك إلا بمثل ما تحب أن تذكر به إذا غبت , وأعفه بما تحب أن تعفى به , وقال آخر : ما ذكر أخ لى في غيبته إلا تصورت نفسى في صورته , فقلت فيه ما أحب أن يقال في , فهذا حقيقة في صدق الإسلام , لا يكون مسلما حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه .
وعن بعض الحكماء : من جعل نفسه فوق قدره عند الإخوان أثم وأثموا ومن جعل نفسه في قدره تعب وأتعبهم , ومن جعلها دون قدره سلم وسلموا .
وفي الأخبار : اثنان عزيزان ولا يزدادان إلا عزة , درهم حلال , وأخ تسكن إليه .
وقد كان أبو الدرداء يقول : إذا تغير أخوك رحاله عما كان فلا تدعه لأجل ذلك , فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم اخرى . وفي حديث عمر وقد سأل عن أخ كان قد آخاه , فخرج إلى الشام , فسأل عنه بعض من قدم عليه فقال : ذلك اخو الشيطان , قال : مه , قال إنه قارف الكبائر حتى وقع في الخمر , فقال : إذا أردت الخروج فأخبرنى , قال فكتب إليه : " بسم الله الرحمن الرحيم , حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب " الآية , ثم عاتبه تحت ذلك وعذله , فلما قرأ الكتاب قال : صدق الله ونصح لى عمر , قال : فتاب ورجع .
*وقال عليه الصلاة والسلام : " مازا ر رجل أخاه في الله عز وجل شوقاً إلأيه ورغبة في لقائه , إلا ناداه ملك من خلفه : طبت وطابت لك الجنة " , وعن عطاء كان يقول: تفقدوا إخوانكم بعد ثلاث , فإن كانوا مرضى فعودوهم , وإن كانوا مشاغيل فأعينوهم , وإن كانوا نسوا فذكروهم و وقال الحنف بن قيس : ثلاث خلال تجلب بهن المحبة , الأنصاف في المعاشرة , والمواساة في الشدة , والأنطواء على المودة . فأول ما تصح المحبة في الله أن لا يكون لضد ذلك من صحبة لأجل معصيته , ولا على حظ من دنياه , ولا لسبب موافقته على هواه , ولا لأجل ارتفاقه اليوم لمنافعه ومصالحه في أحواله ولا يكون ذلك مكافأة على إحسان أحسن به إليه , ولا لنعمة ويد يجزيه عليها , فهذه ليس فيها
طريق إلى الله تعالى ولا للآخرة , لأنها طرقات الدنيا ولأسباب الهوى , فإذا سلم من هذه المعانى فهذا أول المحبة لله تعالى . ولا يقدح في الإخوة لله تبارك وتعالى أن يحبه لحسن خلقه , وفضل أدبه , وحسن حلمه , وكمال عقله , وكثرة احتماله وصبره , أو لوجود الأنس به , وارتفاع الوحشة منه , وإنما يخرجه عن حقيقة الحب في الله أن يحبه لما يكون دخلا في الدين , ووليجة في طرائق المؤمنين , ولما أنفصل عنه ولم يكن متصلاً به مثل الأنعام والأفضال ووجود الإرتفاق , فهذا الحب لا يمنع القلب وجده لما جبل الطبع عليه , ولبغض من كان بضده ممن أساء اليه . وحقيقة الحب في الله عز وجل أن لا يحسده على دين ولا دنيا , كما لا يحسد نفسه عليهما , وأن يؤثره بالدين والدنيا إذا كان محتاجا إليهما كنفسه , وهذان شرطا الحب في الله عز وجل اللذين ذكرهما الله تعالى في قوله : " يحبون من هاجر إليهم ".
* ثم وصف محبتهم إذا يصف حقاً ويمدح محقاً فقال تعالى : " ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا " , يعنى من دين ودنيا , ثم قال تعالى في الشرط الثانى : " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " , ولا تصح مؤخاة مبتدع في الله تعالى ولا محبة فاسق يصحب على فسوقه , ولا محبة فقير أحب غنياً لآجل دنياه , ولا ما يناله من عاجل مناه , وليس الإخاء كف الأذى لأن هذا واجب الإخاء الصبر على الأذى .
وكانت طائفة من الصوفية لا يصطحبون إلا على استواء أربع معان , لا يترجح بعضها , ولا يكون فيها اعتراض من وهى :
إن أكل أحدهم النهار كله لم يقل له صاحبه صم .
وإن صلى الليل أجمع لم يقل له أحد نم بعضه .
وتستوى حالاته عنده فلا مزيد لأجل صيامه وقيامه , ولا نقصان لأجل إفطاره ونومه , فإذا كان عنده يزيد بالعمل وينقص بترك العمل فالفرقة أسلم للدين .
وقد كان الأخوان يتهافتون على العلوم والأعمال وعلى التلاوة والأذكار .
وبهذه المعانى تحسن الصحبة وتحق المحبة , وكانوا يجدون من المزيد من ذلك والنفع به في العاجل والآجل مالا يجدونه في التخلى والأنفراد , من تحسين الأخلاق , وتلقيح العقول , ومذاكرة العلوم , وهذا لا يصح إلا لأهله , وهم أهل سلامة الصدور , والرضا بالميسور مع وجود الرحمة , وفقد الحسد ووجد التناصر , وعدم التظاهر , وسقوط التكلف ودوام التآلف , وقد ضم الله عز وجل الصديق إلى الأهل ووصله بهم , ثم رفع الأخ وقدمه على الصديق وهو قوله عز وجل : " أو ما ملكتم مفاتحه " .
* نصيحة للأخوان :
آخى تباعد عن أخلاق أبليس وهى : الحسد , والكبر , والطمع , وحب الشهرة والسمعة , وأذية الخلق , والغيبة والنميمة , والكذب والزور و وإشاعة الفاحشة في إخوانك المؤمنين , واحب لجميع إخوانك ما تحبه لنفسك , ودع الفساد , وتباعد عن أخلاق البهائم من الحرص , والبخل و والأنتقام , والحيل , والمكر والخداع , والتملق , والزنا , وشرب الخمر و والتهاون بحقوق الناس . وتخلق بأخلاق الملائكة بتأدية المأمورات , والتباعد عن المنهيات , واحفظ الرأس وما وعى من العينين والأذنين واللسان والنف . والجسم وما حوى من اليدين والقلب والبطن والفرج والرجلين .واحكم يأخى أنك من أكابر الأولياء الله تعالى , المحفوظين بعين عنايته و لأن الله لا يوفق لهذه إلا صفوته من أوليائه , وهو الموفق الهادى سبحانه وتعالى , وأدم الشكر على لنعمته تعطى المزيد , والله سبحانه ولى المؤمنين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
* من أحبك لذاتك عاداك , ومن أحب الله ورسوله فيك دام أنسه بك .
*أخوك من أذا غفلت ذكرك , واذا ذكرت أعانك .
* ما أجهل من خسر الرجال ليكتسب المال , وأجهل منه من خسر المال ليخاصم الرجال , وشر منهما من خسر دينه ليكتسب الدنيا , والعاقل يبدل ماله ليكتسب أخوانه , ويبذل نفسه ليكتسب دينه . * الأخ الذي ينتظر عطائك فهو أخ لعطائك , ومثل هذا خذه سائلا مسكينا تتقرب الي الله فيه .
* الأخ الصالح كنزك عند فقرك
* كن أقرب إلى أخيك عندما تراه قريبا من إبليس
* خير إخوانك من كانوا في ميزانك
*خير الأخوان من فقه إيرادتك , وفهم إشارتك , ونفذ أوامرك .
*شر الأخوان من إذا أرضيته مدح وإذا أغضبته قدح
* لا تثق إلا بالله , وإحتاط من الناس بسوء الظن , ولا تنفذ سوء الظن في إخوانك إلا بعد التبصرة .
* الأحسان واجب عليك إلى أخيك ولو تحققت منه الأساءة , فكيف تسئ إليه مع تشكك في قصده ؟
* ليس كل أخ في الطريق معك في منزلته , لنهم درجات فعلى المريد أن يصطفى من إخوانه أخاً يعلوا بمجالسته حاله , وتزكوا بمخاطبته نفسه ,ويعامل جميع أخوانه بحسب مراتبهم , ليكون روحاً لهم معينة على ما هم فيه , فيمدح المبتدئ على حسن عمله والواصل على حاله , ويتنزل لكل أخ حتى تأتلف القلوب وتنشرح الصدور , ويتألف الجسد كاملاً , لكل عضو فيه وظيفة يقوم بها , وبذلك تدوم الألفة وتزداد المحبة ويطيب لكل أخ وقته , ويصفوا حاله ويطمئن قلبه .
إعلم أن الأخوة مشهد من مشاهد التوحيد الكامل , التى بها تتجلى معانى الكمالات والنزاهة لذات الأحد سبحانه , من حيث أنه تنزه غنى الخلق قائم بذاته , منزه عن المعين والصاحب والوالد والولد وعن التركيب والأعضاء والأجزاء , وأنت المفتقر إلى الأعضاء والجوارح والولد والصاحب والمعين والوكيل والوزير , فالأخوة أكمل جمالات رتبتك , بها تتميز الحضرتان وتظهر المكانتان , حتى تحقق عين يقين من أنت ومن ربك .
الأخوان في الله عز وجل :
هم المعراج إلى حضرة الحق تعالى , بهم تتجدد معالم الحق وتعلو كلمته وتقام حدوده وتحفظ مناسكه وينتشر الأمن والعدل , قال الله تعالى : " يأيها النبى حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين " , فالإخوان تشهدك في نفسك أنك عبد مضطر مفتقر ذليل , فتعلم بها معانى كمالات ربك القدير , وتشهدك معونة الله وإمداداته , وود الله لك وإحسانه بما يجريه على يديهم لك من الخير والمزيد والنصر والقوة , والأخ في الحقيقة هو أنت, وكلما أكثرت من الأخوة كلما كنت كثيراً , بقدرهم يكون لك ألسن وآذان وأعين وأيد وأرجل وكنوز وخزن , ذكر الله عز وجل عباده المؤمنين نعمته عليهم في الدين , إذ ألف بين قلوبهم بعد أن كانوا متفرقين , فأصبحوا بنعمته إخوانا بالألفة متفقين , وعلى البر والتقوى مضطجعين , ثم ضم التذكرة بالنعمة عليهم إلى تقواه , وأمر بالأعتصام بحبله وهداه , ونهى عن التفرق إذا جمعتهم الدار , وقرن ذلك بالمنة عليهم إذ أنقذهم من شفا حفرة النار , وقد جعل ذلك كله من آياته الدالة عليه سبحانه , وقد كانت المؤاخاة في الله تعالى والصحبة لأجله والمحبة له في الحضر والسفر طرائق للعاملين لما جاء فيه من الأمر والندب , إذ كان الحب في الله عز وجل من أوثق عرى الإيمان , وكانت الألفة والصحبة لأجله , والمحبة والتزاور من أحسن أسباب المتقين .
* وقال أكثر التابعين باستحباب كثرة الإخوان في الله عز وجل , بالتأليف والتحبب إلى المؤمنين ,لأن ذلك زين في الرخاء , وعون في الشدائد , وتعاون على البر والتقوى والألفة في الدين , قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا أتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون , وأعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا , وأذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون" , وقال رسول الله r: " إن اقربكم منى
مجلساً أحاسنكم أخلاقاً , الموطئون أكنافا , الذين يألفون ويؤلفون " , وقال عليه الصلاة والسلام : " مثل الأخوين إذا التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى ,وما ألتقى مؤمنان إلا أفاد الله عز وجل أحداهما من صاحبه خيراً " وقال r: " من آخى أخاً في الله عز وجل , رفعه الله عز وجل درجة في الجنة لا ينالها بشئ من عمله " ويقال : إن الأخوين في الله عز وجل إذا كان أحدهما أعلى مقاما من الآخر , رفع الأعلى مقاما أخيه معه إلى مقامه , وأنه يلحق به كما تلحق الذرية بالأبوين , والأهل بعضهم ببعض .
* قال الله تعالى مخبراً عمن لا صديق له حميم تنفعه شفاعته : " فما لنا من شافعين ولا صديق حميم " . وقال r: " المؤمن كثير بأخيه " .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : " ما أعطى عبد بعد الأسلام خيراً من أخ صالح" . وفي الأخبار السابقة عن داود عليه السلام : " إن الله سبحانه وتعالى أوحى إليه يا داود مالى أراك منتبذاً وحيداً , قال : إلهى قليت الخلق من أجلك , فأوحى الله عز وجل إليه : يا داود كن يقظانا مرتاداً لنفسك إخواناً , فكل خدن لا يوافقك على مسرتى فلا تصحبه , فإنه لك عدو ويقسى قلبك ويباعدك منى " , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كونوا مؤلفين ولا تكونوا منفرين " وفي أخبار داود صلى الله عليه وسلم أنه قال " يارب كيف لى أن يحبنى الناس كلهم , وأسلم فيما بينى وبينك ؟ قال : خالق الناس باخلاقهم , وأحسن فيما بينى وبينك " وفي بعضها : " خالق أهل الدنيا بأخلاق الدنيا , وخالق أهل الأخرة بأخلاق الآخرة " .
وقال محمد ابن الحنفية بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم : " ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بداً , حتى يجعل الله عز وجل منه فرجاً ,ويقال : أن أحد الأخوين في الله عز وجل إذا مات قبل صاحبه , وقيل له أدخل الجنة سأل عن منزل أخيه , فإن كان دونه لم يدخل الجنة , حتى يعطى أخوه مثل منازله , ولا يزال يسأل له من كذا فيقال : إنه لم يكن يعمل مثل عملك , فيقول إنى كنت أعمل لى له , فيعطى جميع ما سأل له , ويرفع أخوه إلى درجته معه . ويقال : ما حسد العدو متعاونين على بر , حسده متآخين في الله عز وجل , ومتحابين فيه , فإنه يجهد نفسه ويحث قبيله على إفساد ما بينهما , وقد قال تعالى : " وقل لعبادى يقولوا التى هى أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم " , وقال عز وجل مخبراً عن يوسف عليه السلام : " بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخواتى " .
* وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : " عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم , فإنهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء , وضع ما يغلبك من أمر أخيك على الحسنة حتى يحبك , واعتزل عدوك , وأحذر صديقك من القوم إلا الأمين , ولا أمين إلا من خشي الله عز وجل , ولا تصحب الفاجر فتتعلم فجوره , ولا تطلعه على سرك , واستشر في أمرك الذين يخشون الله تبارك وتعالى " .
* وقال الأحنف : " من حق الصديق أن يحتمل له ثلاث أن يجاوز عن ظلم الغضب وظلم الهفوة وظلم الدالة . "والدالة : الجرأة " وقال : الإخاء جوهرة رقيقة , فهى ما لم ترق عليها وتحرسها كانت معرضة للآفات , فارض الإخاء بالذلة حتى تصل إلى فوقه , وبالكظم حتى تعتذر إلى من ظلمك , وبالرضا حتى لا تستكثر من نفسك الفضل , ولا من أخيك التقصير .
* وقال أسماء بن خارجة الفزارى : ما سئمت أحداً قط لأنه إنما يسأمنى أحد رجلين , كريم كانت منه زلة وهفوة , فأنا أحق من غفرها , وآخذ عليها بالفضل فيها , أو لئيم فلم أكن أجعل عرضى له غرضاً .
* عن ابن عباس رضى الله عنه عن النبى r قال : " لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعداً فتخلفه " وعن ابي هريرة قال : قال رسول الله r: " إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن ليسعهم منكم بسط وجوه وحسن خلق " .
* الإخوان هم هياكل متعددة , سرت فيهم روح واحدة , كالجسد الواحد تعددت أعضاؤه ولكنه واحد , فإذا تألم عضو منه شعر بالألم كل الجسد , فكذلك الإخوان يتألمون جميعاً لألم أحدهم , غنيهم فقير لأنه يؤثر الفقير على نفسه , وفقيرهم غنى لكمال ثقته بربه , صفت قلوبهم فتجملت ظواهرهم , فإذا رأى الأخ الأخ كأنه أشرقت عليه أنوار , فأنبسط وانشرح وصافح وفرح , فيزداد نوراً , وحالاً على حاله , وعلماً على علمه , يبدل كل أخ لأخيه ما يجد من وجد أو موجود , فيغذى الأخ أخاه بعلمه , والآخر يغذيه بخبزه , فلا يقابل أخ أخاً إلا وفتحت أبواب السماء بالبركات , وهطلت الأرزاق والفتوحات , نزع الله ما في صدورهم من غل , وما في قلوبهم من طمع, لأنه سبحانه هو المحبوب لهم في أنفسهم وما تقولون في أثنين تقابلا على شوق في الله وبذل في ذات الله ؟ ,هذا يبذل لأخيه ما به سعادته الأبدية من علم وحال وخلق حسن , والآخر يبذل له نفيس طعامه وشرابه وماله وما تقولون فيمن تحقق فيهم قوله r في الحديث القدسى عن الله تعالى : " المتحابون فيّ َوالمتباذلون فيَّ على منابر من نور يغبطهم الملائكة والأنبياء لقربهم من الله " .
وليس هذا الوصف العلى موجوداً إلا في الصديقين وأبدال الرسل عليهم الصلاة والسلام , فكل أخ يعامل إخوانه بهذا فهو من الصديقين , ومن أبدال الرسل عليهم الصلاة والسلام .
* فالأخ في الله تعالى :هو شخص آخر إلا أنه أنت , لآنه يقصد ما تقصد ويتمنى ما تتمنى , ويعتقد ما تعتقد , ويعمل بعملك , ويقتدى بقولك وعملك وحالك , ذاق ذوقك وفهم عبارتك وأدرك أشارتك , يسعى فيما يرضيك ويحب من تحب , يصادق صديقك ويعادى عدوك , يحفظك غائباً ويسرك حاضراً , يذكرك إن غفلت ويعينك إن ذكرت في مرضاتك عندما ترضى الله تعالى , ويتوقف عن العمل إن جهل حكم عملك , حتى تبين له بدون جدل ولا انتقاد ولا اعتراض , تجمل بكل خصالك , واتصف بجميع صفاتك , ودك بأكمل ما يود به نفسه , وتحمل الشدائد في جمع الكلمة , ويجاهد نفسه ليتجمل بمكارم الأخلاق , يصل رحمك ويكرم أقاربك ويعطف على أولادك , هذا هو الخ ولو كان بعيد النسب عنك .
* الأخ هو أنت خلقا واعتقادا ومقصدا وعملا وحالا , الأخ من بذل نفسه قبل نفسك , وماله قبل مالك , وقدم أصدقاءك وأهلك وأولادك على خاصته وأهله وأولاده
* ليس الأخ بنسب الأبوين , إنما الأخ من ناسبك في خصوصيتك , وتشبه بك في جميع أحوالك , قرب منك بما جملك الله به فصار قريبك , وانتسب بما تقربت به إلى الله فصار من نسبك .
* الأخ من لا تتكلف وله ولا تخشى الشر منه , استوى عندك السر والعلن معه , وا،ت عظيم في عينه وقلبه في كل أحوالك , من يسر وعسر وبعد وقرب , إن شددت يسر وإن يسرت هابك , سروره أن تكون مسروراً , هذا هو الأخ ( وقليل ماهم ) فهذا الأخ هو الوارث للأحوال والعلوم والأسرار , فإذا كان من أهل نسبك كان ذلك أكمل وأجمل وذلك هو الفضل العظيم , وإنما هى متشابهة توجب القرب بعد الحب , فالرقى إلى المقام بعد الحال , والوصول فالكمال .
أسأل الله أن يجملنا بأخلاقه , وأن يمنحنا عنايته , وأن يواجهنا بواجهه الجميل , إنه مجيب الدعاء .
الرفيق في الطريق :-
أيها السالك مسالك الوصول , الساعي بتوفيق الله تعالي الي مقام الشهود, عليك بالأخ الصادق المخلص في الطلب , المجد المحافظ علي الادب , واجعل سريرتك صافية من جهتة , وكن له كما تكون لشيخك , فان الشيخ أيها الانسان يحجبك عنه هيبتة , وعزمة في نصيحتك علي الهفوات والصغائر من كماله وحسن أدبه . فكن في سيرك الأول متوجها لأخ سبقك في صحبة هذا الشيخ , لعلمة بما يحبة منك وما يبغضه , ولا تنتقد علي هذا الصاحب في العمل تراه , خصوصا بالنسبة للشيخ , فانه أعلم منك بما يحبه الشيخ , بل سلم له جميع ذلك , واياك أن تعاتبه او تعاقبه , أو ترفع شكوي فيه للشيخ , أو تخاصم أحدا من إخوانك , أو تعادي منهم احدا , أو تفوه بإشهار عيب من عيوبهم – خصوصا أمام الشيخ – وتكلف ستر عورتهم , وغض الطرف عن عيوبهم , وخذ منهم ما
تراه من جميل الصفات وكمل الأخلاق , وكلما قدمك هذا الأخ أمام الشيخ , فاحفظ ادبك معه , واجعله أرفع منك مقام , فللمشايخ أحوال يمتحنون بها أخلاق مريديهم , ويفيضون المدد للمريد علي قدر أخلاقه , والله سبحانه وتعالي أعلم .
* مراتب الأخوان :-
من سبقك ولو بيوم في صحبة الشيخ فله عليك فضل السابقية , ثم تصلهم بقدر مجاهداتهم وبذلهم وموالاتهم وكمال اتباعهم وحسن أخلاقهم وصدق تسليمهم , فقد يفضل الواحد على الألف لما اختص به من الفضائل والكمالات , وهذا الفضل يجب على الأخوان أن يتناسوه فيما بينهم , بمعنى أن الأخ الفاضل الذى ميزه الله بأكبر خصال الخير لا يشهد لنفسه فضلاً على إخوانه , إنما ذلك أمر تشهد به الإخوان له , فلا يغتر به , بل يزداد في تواضعه , وفي رغبته , وفي إقباله وفي مجاهداته , فإن الكمالات الإلهية لا نهاية لها , المواهب الربانية لا حصر لها , فمن وقف عند حد منها رضي لنفسه بالنقص مع تيسير الكمال له .
* وعلى الأخوان أن يعتقدوا الإحسان في غيرهم , والنقص في أنفسهم , وأن يغضوا عيون البحث عن عيوب بعضهم , ويصموا آذان التنقيب عن نقائض بعضهم , فإن المريد ليس رسولا معصزما , ولا ملكاً نوارنيا مجرداً عن لوازم البشرية . وعلى كل أخ أن يشتغل بتطهير نفسه , وتزيتها من عيوبها , وأن ينظر لنفسه بالانتقاد أو البحث عن دسائسها ومساوئها , وينظر لكمالات إخوانه ليتكمل بها , ومحاسنهم ليتجمل بها , وهذا سبيل السلف الصالح من أهل الحب والصدق والإخلاص .
* فضائل الأخوة في الله :
عن ابن مسعود رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المتحابون في الله عز وجل على عمود من ياقوت حمراء , في رأس العمود سبعون ألف غرفة , مشرفون على أهل الجنة , يضئ حسنهم لأهل الجنة , كما تضئ الشمس لأهل الدنيا , عليهم ثياب سندس خضر , مكتوب على جباههم : هؤلاء المتحابون في الله عز وجل "
* وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن حول العرش منابر من نور عليها قوم لباسهم نور ووجوهم نور و ليسوا بأنبياء ولا شهداء , يغبطهم الأنبياء والشهداء , فقالوا : يا رسول الله صفهم لنا , فقال : هم المتحابون في الله عز وجل , والمتجالسون في الله تعالى , والمتزاورون في الله تعالى " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبعة يظلهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله , منهم كذا وكذا واثنان تآخيا في الله عز وجل , اجتمعا على ذلك وتفرقا " .
وكان الفضل بن عياض وغيره يقول : نظر الأخ إلى وجه أخيه على المودة والرحمة عبادة .
* بم تصح الأخوة في الله :
لا تصح الأخوة في الله عز وجل إلا بما شرط فيها من الرحمة في الأجتماع , والخلطة عند الأفتراق بظهور النصيحة , واجتناب الغيبة وتمام الوفاء , ووجود الأنس وفقد الجفاء , وارتفاع الوحشة , ووجود الأنبساط , وزوال الأحتشام . وقال عليه الصلاة والسلام : " أحب اإخوان إلي الله عز وجل أرفقهما بصاحبه " , وقال ابن عباس في وصيته لمجاهد : لا تذكر أخاك إذا تغيب عنك إلا بمثل ما تحب أن تذكر به إذا غبت , وأعفه بما تحب أن تعفى به , وقال آخر : ما ذكر أخ لى في غيبته إلا تصورت نفسى في صورته , فقلت فيه ما أحب أن يقال في , فهذا حقيقة في صدق الإسلام , لا يكون مسلما حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه .
وعن بعض الحكماء : من جعل نفسه فوق قدره عند الإخوان أثم وأثموا ومن جعل نفسه في قدره تعب وأتعبهم , ومن جعلها دون قدره سلم وسلموا .
وفي الأخبار : اثنان عزيزان ولا يزدادان إلا عزة , درهم حلال , وأخ تسكن إليه .
وقد كان أبو الدرداء يقول : إذا تغير أخوك رحاله عما كان فلا تدعه لأجل ذلك , فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم اخرى . وفي حديث عمر وقد سأل عن أخ كان قد آخاه , فخرج إلى الشام , فسأل عنه بعض من قدم عليه فقال : ذلك اخو الشيطان , قال : مه , قال إنه قارف الكبائر حتى وقع في الخمر , فقال : إذا أردت الخروج فأخبرنى , قال فكتب إليه : " بسم الله الرحمن الرحيم , حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب " الآية , ثم عاتبه تحت ذلك وعذله , فلما قرأ الكتاب قال : صدق الله ونصح لى عمر , قال : فتاب ورجع .
*وقال عليه الصلاة والسلام : " مازا ر رجل أخاه في الله عز وجل شوقاً إلأيه ورغبة في لقائه , إلا ناداه ملك من خلفه : طبت وطابت لك الجنة " , وعن عطاء كان يقول: تفقدوا إخوانكم بعد ثلاث , فإن كانوا مرضى فعودوهم , وإن كانوا مشاغيل فأعينوهم , وإن كانوا نسوا فذكروهم و وقال الحنف بن قيس : ثلاث خلال تجلب بهن المحبة , الأنصاف في المعاشرة , والمواساة في الشدة , والأنطواء على المودة . فأول ما تصح المحبة في الله أن لا يكون لضد ذلك من صحبة لأجل معصيته , ولا على حظ من دنياه , ولا لسبب موافقته على هواه , ولا لأجل ارتفاقه اليوم لمنافعه ومصالحه في أحواله ولا يكون ذلك مكافأة على إحسان أحسن به إليه , ولا لنعمة ويد يجزيه عليها , فهذه ليس فيها
طريق إلى الله تعالى ولا للآخرة , لأنها طرقات الدنيا ولأسباب الهوى , فإذا سلم من هذه المعانى فهذا أول المحبة لله تعالى . ولا يقدح في الإخوة لله تبارك وتعالى أن يحبه لحسن خلقه , وفضل أدبه , وحسن حلمه , وكمال عقله , وكثرة احتماله وصبره , أو لوجود الأنس به , وارتفاع الوحشة منه , وإنما يخرجه عن حقيقة الحب في الله أن يحبه لما يكون دخلا في الدين , ووليجة في طرائق المؤمنين , ولما أنفصل عنه ولم يكن متصلاً به مثل الأنعام والأفضال ووجود الإرتفاق , فهذا الحب لا يمنع القلب وجده لما جبل الطبع عليه , ولبغض من كان بضده ممن أساء اليه . وحقيقة الحب في الله عز وجل أن لا يحسده على دين ولا دنيا , كما لا يحسد نفسه عليهما , وأن يؤثره بالدين والدنيا إذا كان محتاجا إليهما كنفسه , وهذان شرطا الحب في الله عز وجل اللذين ذكرهما الله تعالى في قوله : " يحبون من هاجر إليهم ".
* ثم وصف محبتهم إذا يصف حقاً ويمدح محقاً فقال تعالى : " ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا " , يعنى من دين ودنيا , ثم قال تعالى في الشرط الثانى : " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " , ولا تصح مؤخاة مبتدع في الله تعالى ولا محبة فاسق يصحب على فسوقه , ولا محبة فقير أحب غنياً لآجل دنياه , ولا ما يناله من عاجل مناه , وليس الإخاء كف الأذى لأن هذا واجب الإخاء الصبر على الأذى .
وكانت طائفة من الصوفية لا يصطحبون إلا على استواء أربع معان , لا يترجح بعضها , ولا يكون فيها اعتراض من وهى :
إن أكل أحدهم النهار كله لم يقل له صاحبه صم .
وإن صلى الليل أجمع لم يقل له أحد نم بعضه .
وتستوى حالاته عنده فلا مزيد لأجل صيامه وقيامه , ولا نقصان لأجل إفطاره ونومه , فإذا كان عنده يزيد بالعمل وينقص بترك العمل فالفرقة أسلم للدين .
وقد كان الأخوان يتهافتون على العلوم والأعمال وعلى التلاوة والأذكار .
وبهذه المعانى تحسن الصحبة وتحق المحبة , وكانوا يجدون من المزيد من ذلك والنفع به في العاجل والآجل مالا يجدونه في التخلى والأنفراد , من تحسين الأخلاق , وتلقيح العقول , ومذاكرة العلوم , وهذا لا يصح إلا لأهله , وهم أهل سلامة الصدور , والرضا بالميسور مع وجود الرحمة , وفقد الحسد ووجد التناصر , وعدم التظاهر , وسقوط التكلف ودوام التآلف , وقد ضم الله عز وجل الصديق إلى الأهل ووصله بهم , ثم رفع الأخ وقدمه على الصديق وهو قوله عز وجل : " أو ما ملكتم مفاتحه " .
* نصيحة للأخوان :
آخى تباعد عن أخلاق أبليس وهى : الحسد , والكبر , والطمع , وحب الشهرة والسمعة , وأذية الخلق , والغيبة والنميمة , والكذب والزور و وإشاعة الفاحشة في إخوانك المؤمنين , واحب لجميع إخوانك ما تحبه لنفسك , ودع الفساد , وتباعد عن أخلاق البهائم من الحرص , والبخل و والأنتقام , والحيل , والمكر والخداع , والتملق , والزنا , وشرب الخمر و والتهاون بحقوق الناس . وتخلق بأخلاق الملائكة بتأدية المأمورات , والتباعد عن المنهيات , واحفظ الرأس وما وعى من العينين والأذنين واللسان والنف . والجسم وما حوى من اليدين والقلب والبطن والفرج والرجلين .واحكم يأخى أنك من أكابر الأولياء الله تعالى , المحفوظين بعين عنايته و لأن الله لا يوفق لهذه إلا صفوته من أوليائه , وهو الموفق الهادى سبحانه وتعالى , وأدم الشكر على لنعمته تعطى المزيد , والله سبحانه ولى المؤمنين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
* من أحبك لذاتك عاداك , ومن أحب الله ورسوله فيك دام أنسه بك .
*أخوك من أذا غفلت ذكرك , واذا ذكرت أعانك .
* ما أجهل من خسر الرجال ليكتسب المال , وأجهل منه من خسر المال ليخاصم الرجال , وشر منهما من خسر دينه ليكتسب الدنيا , والعاقل يبدل ماله ليكتسب أخوانه , ويبذل نفسه ليكتسب دينه . * الأخ الذي ينتظر عطائك فهو أخ لعطائك , ومثل هذا خذه سائلا مسكينا تتقرب الي الله فيه .
* الأخ الصالح كنزك عند فقرك
* كن أقرب إلى أخيك عندما تراه قريبا من إبليس
* خير إخوانك من كانوا في ميزانك
*خير الأخوان من فقه إيرادتك , وفهم إشارتك , ونفذ أوامرك .
*شر الأخوان من إذا أرضيته مدح وإذا أغضبته قدح
* لا تثق إلا بالله , وإحتاط من الناس بسوء الظن , ولا تنفذ سوء الظن في إخوانك إلا بعد التبصرة .
* الأحسان واجب عليك إلى أخيك ولو تحققت منه الأساءة , فكيف تسئ إليه مع تشكك في قصده ؟
* ليس كل أخ في الطريق معك في منزلته , لنهم درجات فعلى المريد أن يصطفى من إخوانه أخاً يعلوا بمجالسته حاله , وتزكوا بمخاطبته نفسه ,ويعامل جميع أخوانه بحسب مراتبهم , ليكون روحاً لهم معينة على ما هم فيه , فيمدح المبتدئ على حسن عمله والواصل على حاله , ويتنزل لكل أخ حتى تأتلف القلوب وتنشرح الصدور , ويتألف الجسد كاملاً , لكل عضو فيه وظيفة يقوم بها , وبذلك تدوم الألفة وتزداد المحبة ويطيب لكل أخ وقته , ويصفوا حاله ويطمئن قلبه .