آخر الأخبار
موضوعات

الجمعة، 21 أكتوبر 2016

- ما سرّ نهوض الأمة في عصر النبي وصحابته الأخيار؟

عدد المشاهدات:
 أحوال المسلمين الآن
من ينظر في أحوال المسلمين الآن - على اختلاف دولهم، وتنوع شعوبهم –
يجد غُمّة شديدة تُحيط بهم، احتار المحللون في توصيفها، وذهب المفكرون كل مذهب في تفسير أسبابها،
وأخذ الحكماء يتلمسون السُبل للخروج منها، واستعادة الأمة الإسلامية لمكانتها التي تليق بها،
والتي وضعها فيها ربُّ البرية عزَّ وجلَّ.ويزيد العجب إذا نظرنا إلى أحوال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حوله، وكيف حوَّلهم صلى الله عليه وسلم من الأحوال الجاهلية إلى أحوال تجملوا بها
مازالت موضع عجبٍ من كل البرية إلى يوم الدين،

وأيضاً نجد الأمة كلما حاقت بها شديد الظلمات نجد لها وقفة تهب فيها من سُباتها، وتنفض غبار الكسل واللامبالاة من شبابها، وتـهُب فتستعيد أمجادها، حدث ذلك كثيراً، وأنتم تعلمون ذلك بمطالعة تاريخنا العظيم.

سرُّ نهوض الأمة
ما سرّ نهوض الأمة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار؟ وما سرّ نهوض الأمة من كبوتها؟ تارة في مواجهة المغول، وتارة في مواجهة الصليبيين،
ومرة في ظهور الدولة العثمانية التي اجتاحت أوروبا كلها ناشرة لدين الله وهو الإسلام،
وغيرها من المرات التي ظهرت فيها قوة الإرادة؟

التربية اليقينية
نظرتُ بفكرٍ ويقين في هذا الأمر .. فاستجليت صورة سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم،
فوجدت الأمر الجامع لشتات الأمة، وبزوغ أنوارها، وإظهار فتوة وبطولة شبابها، وانتصارها على أعدائها، وتحطيمها لكل من يريد كيدها، لا يحدث إلا على أيدي رجال تربَّوا على منهج الحبيب صلى الله عليه وسلم.فالأمر الفصل هو في التربية اليقينية التي رسَّخ بذورها، ووضع أحكامها ومبادئها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده ساروا على هديه في ذلك ..

القيم الايمانية
هذه التربية التي بدأها صلى الله عليه وسلم مع صحبه الأجلة وتدور أولاً على القيم، القيم الإيمانية والمكارم الأخلاقية التي أثنى عليها الله، والتي امتدحها في كتابه عزَّ وجلَّوالتي كان عليها في سلوكه وفعاله وكل أحواله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا تعتمد على المال، ولا تعتمد على قوة التكنولوجيا، ولا تعتمد على خيرات الأرض، ولا تعتمد على قوة العدد، ولا تعتمد على صلابة الأجسام، ولا تعتمد على قوة الأعداد، ولكن تعتمد على صلابة النفس في التخلق بأخلاق الله، والتمسك بالقيم التي جاءت في كتاب الله،
والتشبه في كل الأحوال بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وقيمه.
وأهمها وأبرزها الوصول إلى درجة اليقين الذي يصحبه الزهد في الدنيا، والعمل لإرضاء رب العالمين عزَّ وجلَّ، فإن المسلمين ما أُخذوا ولا غُلبوا في زمان من الأزمنة إلا بالتنافس في الدنيا،
والتحلل والتفسخ من الأخلاق الكريمة التي جاء بها الله، والقيم التي أتانا بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رجالات التربية
كان القائد يُرسل لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في ميدان القتال طالبا المدد، فعلى سبيل المثال أرسل له سيدنا سعد بن أبي وقاصٍ في موقعة القادسية في بلاد العراق يطلب المدد، فأرسل إليه رجلٌ واحد وقال له في رسالة مرفقة: (أرسلت إليك المقداد بن عمرو ولن يُغلب جيشٌ فيه المقداد بن عمرو)وصدقت فراسته، فإن العدو تناوش الجيش وهمَّ بعض أفراد الجيش بالتخاذل والرجوع للخلف،
فصاح المقداد وهجم بمفرده على الجيش المتقدم من الفرس وتحمَّس لخروجه نفرٌ من المسلمين
وكان ذاك سبب النصر.يقول في ذلك الإمام محي الدين بن عربي رضي الله عنه:
(لو ظهرت روح أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه، لهزمت جيشاً بأكمله)
ليست العبرة بالجسم وقوة الجسم .. ولكن العبرة في الروح التي تسكن هذا الجسم،
يقول في ذلك الإمام الشافعي رضي الله عنه:
علىّ ثيابٌ لو يُباع جميعها بفلسٍ *** كان الفلــس منهــــن أكثــــرا
وبينهما نفسٌ لو يُقاس ببعضها *** نفوس الورى كانت أعزّ وأكبرا
وما ضرَّ نصلَ السيف إخلاقُ غمده *** إذا كان عضباً حيث وجهته فرى

ليس المهم الزّى، ولا المهم في المظهر!! ولكن المهم من يسكن في هذا المظهر الذي فيه اليقين، وفيه التمكين، وفيه صدق الإيمان، وفيه صلابة العقيدة التي تلقاها من حضرة النبي، أو من ينوب عنه صلوات الله وتسليماته عليه.وحاصر عمرو بن العاص حصن بابليون في مصر، وطال الحصار،
وعلم أن الروم جاءهم مدد .. وبلغ عددهم مائة وعشرين ألف مقاتل،
وكان جملة ما معه من جنود المسلمين أربعة آلاف، فأرسل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطلب المدد، فأرسل إليه عمر رضي الله عنه أربعة آلاف جنديّ، ومعهم أربعة رجال،
وأرسل مع الجيش رسالة قال فيها: (أرسلت إليك أربعة آلاف جندي، وأربعة رجال هم:
الزبير بن العوام ومسلمة بن مخلد وعبادة بن الصامت والمقداد بن الأسود، وكل رجل منهم بألف
فيكون جيشك إثني عشر ألفا، ولا يُهزم جيش من إثنى عشر ألف مقاتل)،
(أخرجه أحمد عن ابن عباس)

الرجل بألف
فالرجل بألف، هذا المعنى مُقتبسٌ من قول الله تعالى:(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) (120النحل)رجلٌ واحد .. ولكن يساوى أمة، ليس في مظهره ولا قوته البدنية، ولكن في جوهره وخبره وقوته الروحانية وصلابته القلبية،
ونفسه القدسية التي غُذِّيت بما عند الله عزَّ وجلَّ من اليقين.ربَّىَ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الأجلاء على هذا، ففجَّر فيهم هذه الطاقات الربانية التي استودعها فيهم رب البرية، وكل إنسان فيه طاقات لا يعلمها إلا الكريم الخلاق، لكن أغلب الخلق يتكاسل ويتخاذل ويظل حتى يأتيه الموت
ولم يستغل عُشر معشار ما فيه من طاقات أودعها فيه الخلاق عزَّ وجلَّ ، وهى موجودة فيه ويسلمها كما هي لله عزَّ وجلَّ.

من كتاب: (شراب أهل الوصل)
لفضيلة الشيخ/ فوزي محمد أبو زيد
رئيس الجمعية العامة للدعوة إلى الله - جمهورية مصر العربية
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير