عدد المشاهدات:
مصطلحات الصوفية عند القشيرى من خلال كتابه : الرسالة القشيرية([1])
اعلم أسعدك الله أن لأهل كل صنعة وأرباب كل معاملة مع بعضهم البعض عبارات وكلمات فى جريان أسرارهم ، وكلمات لا يعرف معناها سواهم . والمراد من وضع العبارات شيئان : أحدهما لحسن تفهيم وتسهيل الغوامض ، لتكون أقرب إلى فهم المريد ، والثانى لكتمان السر عمن لا يكون أهلا لهذا العلم من الناس . والأدلة على ذلك واضحة ، فكما أن أهل اللغة مخصوصون بعبارات موضوعهم مثل : الرفع والنصب والفتح والخفض والجزم والجر والكسر والمنصرف وغير المنصرف وما شابه هذا ، وأهل العروض مخصوصون بعبارات فى موضوعهم مثل : البحور والدوائر والوتد والفاصلة والفرد والزوج وما شابه هذا ، والمحاسبين مخصوصون بعباراتهم مثل : الضرب والجذر والإضافة والتضعيف والتنصيف والجمع والتفريق وما شابه هذا ، والفقهاء مخصوصون بعباراتهم مثل : العلة والمعلول والقياس والاجتهاد والدفع والالتزام وما شابه هذا ، والمحدثين كذلك لهم عباراتهم مثل : المسند والمرسل والآحاد والمتواتر والجرح والتعديل وما شابه هذا ، والمتكلمين لهم أيضا عباراتهم المخصوصة مثل : العرض والجوهر والكل والجزء والجسم والجنس والتحيز والتولى وما شابه هذا فى طريقتهم ويظهرونها لمن يريدون ، ويخفونها عمن يريدون ، فلأبين بعض هذه الكلمات بشرح أكثر ، وأفرق بين هذه الكلمات ، وأبين ما مرادهم من كل منها ، لتتم الفائدة لك إن شاء الله .
1) البواده والهجوم عند القُشَيرى (1/188) : البواده : ما يفجأ قلبك من الغيب على سبيل الوهلة ، إما موجب فرح ، وإما موجب ترح . والهجوم : ما يرد القلب بقوةَّ الوقت ، من غير تصنع منك . ويختلف فى الأنواع على حسب قوَّة الوارد وضعفه . فمنهم من تغيره البواده ، وتصرفه الهواجم . ومنهم من يكون فوق ما يفجؤه حالاً وقوة .
2) التلوين والتمكين عند القُشَيرى (1/189) : التلوين : صفة أرباب الأحوال . التمكين : صفة أهل الحقائق . فما دام العبد فى الطريق فهو صاحب تلوين ، لأنه يرتقى من حال إلى حال ، وينتقل من وصف إلى وصف ويخرج من مرحل ويحصل فى مربع ، فإذا وصل تمكن . واعلم ان التغير بما يرد على العبد يكون لأحد أمرين : إمَّا لقوة الوارد ، أولضعف صاحبه . والسكون من صاحبه لأحد أمرين : إمَّا لقوته ، أو لضعف الوارد عليه .
3) التواجد ، والوجد ، والوجود عند القُشَيرى (1/161) : فالتواجد : استدعاء الوجد بضرب اختيار ، وليس لصاحبه كمال الوجد ؛ إذ لو كان لكان واجدًا ، وباب التفاعل أكثره على إظهار الصفة ، وليست كذلك . فالتواجد : ابتداء الوجد على الوصف الذى جرى ذكره ، وبعد هذا الوجد . والوجد : ما يصادف قلبك ، ويرد عليك بلا تعمد وتكلف ولهذا قال المشايخ : الوجد : المصادفة والمواجيد : ثمرات الأوراد . فكل من ازدادت وظائفه من الله لطائفه .
4) جمع الجمع عند القُشَيرى (1/168) : وجمع الجمع : فوق هذا . يختلف الناس فى هذه الجملة على حسب تباين أحوالهم ، وتفاوت درجاتهم : فمن أثبت نفسه ، وأثبت الخلق ، ولكن شاهد الكل قائمًا بالحق ، فهذا هو : جمع . وإذا كان مختطفًا عن شهود الخلق ، مصطلمًا عن نفسه ، مأخوذًا بالكلية عن الإحساس بكلِّ غير ، بما ظهر ، واستولى من سلطان الحقيقة ، فذاك جمع الجمع . فالتفرقة : شهود الأغيار لله عزَّ وجلَّ . والجمع : شهود الأغيار بالله . وجمع الجمع : الاستهلاك بالكلية ، وفناء الإِحساس بما سوى الله عز وجل عند غلبات الحقيقة . وبعد هذا حالة عزيزة يسميها القوم .
5) الجمع والفرق عند القُشَيرى (1/166) : لفظ " الجمع والتفرقة " يجرى فى كلامهم كثيرًا . وكان الأستاذ أبو على الدقاق يقول : الفرق : ما نسب إليك . والجمع : ما سلب عنك . ومعناه : أن يكون كسبًا للعبد ، من إقامة العبودية ، وما يليق بأحوال البشرية ، فهو : فرق . وما يكون من قبل الحق ، من إبداء معان ، وإسداء لطف وإحسان فهو : جمع هذا أدنى أحوالهم فى الجمع والفرق ، لأنه من شهود الأفعال . فمن أشهده الحق - سبحانه - أفعاله عن طاعاته ومخالفاته فهو : عبد بوصف التفرقة ، ومن أشهده لحق - سبحانه - ما يوليه : من أفعال نفسه سبحانه ، فهو : عبد بشاهد الجمع . فإثبات الخلق من باب التفرقة ، وإثبات الحق من نعت الجمع . ولابد للعبد من الجمع والفرق ، فإن من لا تفرقة له لا عبودية له ، ومن لا جمع له لا معرفة له ، فقوله : " إياك نعبد " إشارة إلى الفرق . وقوله : " وإياك نستعين " إشارة إلى الجمع . وإذا ما خاطب العبد الحق سبحانه ، بلسان نجواه : إما سائلا ، أو داعيًا ، أو مثنيًا ، أو شاكرًا ، أو متنصلاً ، أو مبتهلاً ؛ قام فى محل التفرقة . وإذا أصغى بسره إلى ما يناجيه به مولاه ، واستمع بقلبه ما يخاطبه به ، فيما ناداه ، أو ناجاه ، أو عرفه ، أو لوح لقلبه وأراده ، فهو بشاهد الجمع .
6) الحال عند القُشَيرى (1/154) : والحال عند القوم : معنى يَرِد على القلب ، من غير تعمد منهم ، ولا اجتلاب ، ولا اكتساب لهم ، من : طرب ، أو حزن ، أو بسط ، أو قبض ، أو شوق ، أو انزعاج أو هبة ، أو احتياج . فالأحوال : مواهب ، والمقامات . مكاسب . والأحوال تأتى من عين الجواد ، والمقامات تحصل ببذل المجهود . وصاحب المقام ممكن فى مقامه ، وصاحب الحال مُترقّ عن حاله .
7) الخواطر عند القُشَيرى (1/197) : والخواطر خطاب يَرد على الضمائر ، وهو قد يكون بإلقاء ملك ، وقد يكون بإلقاء شيطان ، ويكون أحاديث النفس ، ويكون من قبل الحق سبحانه . فإذا كان من الملك فهو الإلهام . وإذا كان من قبل النفس ، قيل له ، الهواجس . وإذا كان من قبل الشيطان فهو : الوسواس . وإذا كان من قبل الله سبحانه ، وإلقائه فى القلب ، فهو : خاطر حق . فإذا كان من قبل الملك ، فإنما يعلم صدقهُ بموافقة العلم ، ولهذا قالوا : كل خاطر لا يشهد له ظاهر فهو باطل . وإذا كان من قبل الشيطان فأكثره يدعو إلى المعاصى . وإذا كان من قبل النفس فأكثره ، يدعو إلى اتباع شهوة أواستشعار كبر ، أو ما هو من خصائص أوصاف النفس . واتفق المشايخ على أن من كان أكله من الحرام لم يفرق بين الإلهام والوسواس . وأجمع الشيوخ على أن النفس لا تصدق ، وأن القلب لا يكذب .
8) الذوق والشرب عند القُشَيرى (1/178) : ويعبرون بذلك عما يجدونه من ثمرات التجلى ، ونتائج الكشوفات ، وبوارد الواردات . وأول ذلك : الذوق ، ثم الشرب ، ثم الرىُّ . فصفاء معاملاتهم يوجب لهم ذوق المعانى . ووفاء منازلاتهم يوجب لهم الشرب . ودوام مواصلاتهم يقتضى لهم الرىَّ . فصاحب الذوق متساكر ، وصاحب الشرب سكران ، وصاحب الرىَّ صاح . ومن قوى حبه تسرمد شربه ، فإذا دامت به تلك الصفة لم يورثه الشرب سكرًا ، فكان صاحيًا بالحق ، فانيًا عن كل حظ : لم يتأثر بما يرد عليه ، ولا يتغير عما هو به . ومن صفا سره ، لم يتكدر عليه الشرب . ومن صار الشراب له غذاء له لم يصبر عنه . ولم يبق بدونه .
9) الروح عند القُشَيرى (1/205) : الأرواح مختلف فيها عند أهل التحقيق من أهل السنة : فمنهم من يقول : إنها الحياة . ومنهم من يقول : إنها أعيان مودعة فى هذه القوالب . والأرواح مخلوقة ، ومن قال بقدمها فهو مخطىء خطأً عظيمًا . والأخبار تدل على أنها أعيان لطيفة .
10) الستر والتجلىِّ عند القُشَيرى (1/182) : العوام فى غطاء الستر ، والخواص فى دوام التجلى . فصاحب الستر ، بوصف شهوده ، وصاحب التجلى أبدًا ، بنعت خشوعه . والستر للعوام عقوبة ، وللخواص رحمة ، إذ لولا أنه يستر عليهم ما يكاشفهم به ، لتلاشوا عند سلطان الحقيقة : ولكنه كما يظهر لهم ، يستر عليهم .
11) السرُّ عند القُشَيرى (1/206) : يحتمل أنها لطيفة مودعة فى القالب ، كالأرواح . وأصولهم تقتضى أنها محل المشاهدة ، كما أن الأرواح محل للمحبة ، والقلوبَ محل للمعارف . وقالوا : السر : مالك عليه إشراف ، وسر السرِّ : ما لا اطلاع عليه لغير الحق . وعند القوم : على موجب مواضعاتهم ومتقضى أصولهم : السر ألطف من الروح ، والروح أشرف من القلب . ويقولن : الأسرارُ معتْقة عن رقّ الأغيار من الآثار والأطلال . ويطلق لفظ " السرِّ " على ما يكون مصونًا مكتومًا بين العبد والحق سبحانه ، فى الأحوال . وعليه يحمل قول من قال .
12) الشاهد عند القُشَيرى (1/201) : ما يكون حاضر قلب الإنسان ، وهو ما كان الغالب عليه ذكره ، حتى كأنه يراه ويبصره ، وإن كان غائبًا عنه . فكل ما يستولى على قلب صاحبه ذكره فهو شاهده فإن كان الغالب عليه العلم ، فهو بشاهد العلم . وإن كان الغالب عليه الوجد ، فهو بشاهد الوجد . ومعنى الشاهد : الحاضر ، فكل ما هو حاضر قلبك فهو شاهدك .
13) الشريعة والحقيقة عند القُشَيرى (1/195) : الشريعة : أمر بالتزام العبودية . والحقيقة : مشاهدة الربوبية . فكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة فغير مقبول . وكل حقيقة غير مقيدة بالشريعة فغير مقبول . فالشريعة جاءت بتكليف الخلق ، والحقيقة إنباء عن تصريف الحق . فالشريعة أن تعبده ، والحقيقة أن تشهده . والشريعة قيام بما أمر ، والحقيقة شهود لما قضى وقدر ، وأخفى وأظهر .
14) الصحو والسكر عند القُشَيرى (1/176) : فالصحو : رجوع إلى الإحساس بعد الغيبة . والسكر : غيبة بوارد قوى . والسكر زيادة على الغيبة من وجه ، وذلك أن صاحب السكر قد يكون مبسوطا إذا لم يكن مستوفى فى حال سكره ، وقد يسقط إخطار الأشياء عن قلبه فى حال سكره ، وتلك حال المتساكر ، الذى لم يستوفه الوارد ، فيكون للإحساس فيه مساغ ، وقد يقوى سكره حتى يزيد على الغيبة ، فربما يكون صاحب السكر أشد غيبة من صاحب الغيبة إذا قوى سكره ، وربما يكون صاحب الغيبة أتمَّ فى الغيبة من صاحب السكر ، إذا كان متساكرًا غير مستوف . والغيبة قد تكون للعباد ، بما يغلب على قلوبهم من موجب الرغبة والرهبة ومقتضيات الخوف والرجاء . والسكر لا يكون إلا لأصحاب المواجيد . فإذا كوشف العبد بنعت الجمال حصل السكر ، وطاب الروح ، وهام القلب . واعلم أن الصحو على حسب السكر ، فمن كان سكره بحق ، كان صحوه بحق . ومن كان سكره بحظ مشوبًا ؛ كان صحوه بحظ مصحوبًا . ومن كان محقا فى حاله كان محفوظًا فى سكره . والسكر والصحو يشيران إلى طرف من التفرقة . وإذا ظهر من سلطان الحقيقة علم فصفة العبد الثبور ، والقهر .
15) علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين عند القُشَيرى (1/199) : هذه عبارات عن علوم جلية . فاليقين : هو العلم الذى لا يتداخل صاحبه ريب على مطلق العرف . ولا يطلق فى وصف الحق سبحانه ؛ لعدم التوقيف . فعلم اليقين : هو اليقين ، وكذلك عين اليقين : نفس اليقين ، وحق اليقين ؛ نفس اليقين . فعلم اليقين ، على موجب اصطلاحهم ما كان بشرط البرهان . وعين اليقين ما كان بحكم البيان . وحق اليقين ما كان بنعت العيان . فعلم اليقين لأرباب العقول وعين اليقين لأصحاب العلوم . وحق اليقين لأصحاب المعارف .
16) الغيبة والحضور عند القُشَيرى (1/173) : فالغيبة : غيبة القلب عن علم ما يجرى من أحوال الخلق ، لاشتغال الحس بما ورد عليه ، ثم قد يغيب عن إحساسه بنفسه وغيره ، بوارد من تذكر ثواب ، أو تفكر عقاب . وأما الحضور : فقد يكون حاضرًا بالحق ؛ لأنه إذا غاب عن الخلق حضر بالحق ، على معنى أنه يكون كأنه حاضر ، وذلك لاستيلاء ذكر الحق على قلبه ، فهو حاضر بقلبه بين يدى ربه تعالى ؛ فعلى حسب غيبته عن الحق يكون حضوره بالحق ، فإن غاب بالكلية كان الحضور على حسب الغيبة . فإذا قيل : فلان . حاضر ، فمعناه أنه حاضر بقلبه لربه ، غير غافل عنه ، ولا ساهٍ ، مستديم لذكره . ثم يكون مكاشفًا فى حضوره على حسب رتبته بمعان يخصه الحق سبحانه وتعالى بها . وقد يقال لرجوع العبد إلى إحساسه بأحوال نفسه ، وأحوال الخلق : إنه حضر أى رجع عن غيبته ، فهذا يكون حضورًا بخلق ، والأول حضورًا بحق . وقد تختلف أحوالهم فى الغيبة . فمنهم من لا تمتد غيبته ، ومنهم من تدوم غيبته .
17) الفرق الثانى عند القُشَيرى (1/168) : وهو أن يرد العبد إلى الصحو عند أوقات أداء الفرائض ، ليجرى عليه القيام بالفرائض فى أوقاتها ، فيكون رجوعًا لله تعالى لا للعبد بالعبد : فالعبد يطالع نفسه ، فى هذه الحالة ، فى تصريف الحق سبحانه ، يشهد مبدىء ذاته وعينه بقدرته ، ومجرى أفعاله وأحواله عليه ، بعلمه ومشيئته .
18) الفناء والبقاء عند القُشَيرى (1/170) : أشار القوم بالفناء : إلى سقوط الأوصاف المذمومة . وأشاروا بالبقاء : إلى قيام الأوصاف المحمودة به . وإذا كان العبد لا يخلو عن أحد هذين القسمين ، فمن المعلوم : أنه إذا لم يكن أحدُ القسمين كان القسمَ الآخر لا محالة ، فمن فنى عن أوصافه المذمومة ظهرت عليه الصفات المحمودة ، ومن غلبت عليه الخصال المذمومة استترت عنه الصفات المحمودة . واعلم أن الذى يتصف به العبد : أفعال ، وأخلاق ، وأحوال . فالأفعال : تصرفاته باختياره . والأخلاق : جبلَّة فيه ، ولكن تتغيَّر بمعالجته على مستمرِّ العادة . والأحوال : ترد على العبد على وجه الابتداء ، لكن صفاؤها بعد زكاء الأعمال . فهى كالأخلاق من هذا الوجه ، لأن العبد إذا نازل الأخلاق بقلبه فينفى بجهده سفسافها ، مَنّ الله عليه بتحسين أخلاقه ، فكذلك إذا واظب على تزكية أعماله ، ببذلك وُسعه من الله عليه بتصفية أحواله بل بتوفية أحواله . فمن ترك مذمومَ أفعاله بلسان الشريعة يقال : إنه فنى عن شهواته . فإذا فنى عن شهواته بقى بنيتَّه وإخلاصه فى عبوديته . ومن زَهد فى دنياه بقلبه ، يقال : فنى عن رغبته : فإذا فنى عن رغبته فيها بقى بصدق إنابته . ومن عالج أخلاقه ، فنفى عن قلبه الحسد والحقد ، والبخل ، والشح والغضب ، والكبر ، وأمثال هذا من رعونات النفس ، يقال : فنى عن سوء الخلق . فإذا فنى عن سوء الخلق بقى بالفتوة والصدق . ومن شاهد جريان القدرة فى تصاريف الأحكام ، يقال : فنى عن حسبان الحدثان من الخلق فإذا فنى عن توهم الآثار من الأغيار بقى بصفات الحقِّ . ومن استولى عليه سلطان الحقيقة حتى لم يشهد من الأغيار لا عينًا ولا أثرًا ؛ ولا رسمًا ، ولا طللاً ؛ يقال : إنه فنى عن الخلق وبقى بالحقِّ . ففناء العبد عن أفعاله الذميمة ، وأحواله الخسيسة : بعدم هذه الأفعال . وفناؤه عن نفسه ، وعن الخلق : بزوال إحساسه بنفسه وبهم . فإذا فنى عن الأفعال ، والأخلاق ، والأحوال ، فلا يجوز أن يكون ما فنى عنه من ذلك موجودًا . وإذا قيل : فنى عن نفسه ؛ وعن الخلق ، فنفسه موجودة ، والخلق موجودون . ولكنه لا علم له بهم ولا به ، ولا إحساس ، ولا خبر ، فتكون نفسه موجودة ، والخلق موجودين ولكنه غافل عن نفسه وعن الخلق أجمعين ، غير محس بنفسه وبالخلق .
19) القبض والبسط عند القُشَيرى (1/156) : وهما : حالتان ، بعد ترقىِّ العبد عن حالة الخوف والرجاء . فالقبض للعارف : بمنزلة الخوف للمستأنف . والبسط للعارف بمنزلة الرجاء للمستأنف . ومن الفصل بين القبض والخوف ، والبسط والرجاء : أن الخوف إنما يكون من شىء فى المستقبل ، إما أن يخاف فوت محبوب أو هجوم محذور . وكذلك الرجاء : إنما يكون بتأميل محبوب فى المستقبل ، أو بتطلع زوال محذور وكفاية مكروه فى المستأنف . وأما القبض : فلمعنى حاصل فى الوقت ، وكذلك البسط ، فصاحب الخوف والرجاء : تعلق قلبه فى حالتيه بآجله ، وصاحب القبض والبسط أخذ وقته بوارد غلب عليه فى عاجله .
20) القرب والبعد عند القُشَيرى (1/192) : أوَّل رتبة فى القرب : القربُ من طاعته ، والاتصاف فى دوام الأوقات بعبادته . وأمَّا البعد ، فهو التدنس بمخالفته ، والتجافى عن طاعته . فأوَّل البعد بعد عن التوفيق ، ثم بعد عن التحقيق ، بل البعد عن التوفيق هو البعد عن التحقيق ، فقُرْب العبد أولا قرب بإيمانه وتصديقه ، ثم قرب بإحسانه وتحقيقه . وقرب الحق سبحانه ، ما يخصه اليوم به من العرفان ، وفى الآخرة ما يكرِّمه به من الشهود والعيان ، وفيما بين ذلك من وجوه اللطف والامتنان . ولا يكونُ تقرُب العبد من الحق إلا ببعده عن الخلق ، وهذه من صفات القلوب دون أحكام الظواهر والكون .
21) اللوائح ، والطوالع ، واللوامع عند القُشَيرى (1/186) : قال الأستاذ رضى الله عنه : هذه الألفاظ متقاربة المعنى ، لا يكاد يحصل بينها كبير فرق . وهى من صفات أصحاب البدايات الصاعدين فى الترقى بالقلب ، فلم يدم لهم بعد ضياء شموس المعارف . فاللوائح كالبروق ، ما ظهرت حتى استترت . واللوامع : أظهر من اللوائح : ليس زوالها بتلك السرعة ، فقد تبقى اللوامع وقتين وثلاثة . والطوالع : أبقى وقتًا ، وأقوى سلطانا ، وأدوم مكثًا ، وأذهب للظلمة وأنفى للتهمة ، لكنها موقوفة على خطر الأفول ، ليست برفيعة الأوج ، ولا بدائمة المكث ، ثم أوقات حصولها وشيكة الارتحال ، وأحوال أفولها طويلة الأذيال . وهذه المعانى ، التى هى : اللوائح واللوامع والطوالع ، تختلف فى القضايا ، فمنها ما إذا مات لم يبق عنها أثر ، كالشوارق إذا أفلت ، فكأنَّ الليل كان دائمًا . ومنها ما يبقى عنه أثر ، فإن زال رقمه بقى ألمه ، وإن غربت أنواره بقيت آثاره فصاحبه بعد سكون غلباته يعيش فى ضياء بركاته ، فإلى أن يلوح ثانيا يرجى وقته على انتظار عوده ، ويعيش بما وجد فى كونه .
22) المحاضرة ، والمكاشفة ، والمشاهدة عند القُشَيرى (1/184) : المحاضرة ابتداء ، ثم المكاشفة ، ثم المشاهدة . فالمحاضرة : حضور القلب ، وقد يكون بتواتر البرهان ، وهو بعدُ وراء الستر ، وإن كان حاضرًا باستيلاء سلطان الذكر . ثم بعده . المكاشفة : وهو حضوره بنعت البيان غير مفتقر فى هذه الحالة إلى تأملُّ الدليل ، وتطلب السبيل ، ولا مستجير من دواعى الريب . ولا محجوب من نعت الغيب . ثم المشاهدة : وهى حضور من غير بقاء تهمة .
23) المحو والإثبات عند القُشَيرى (1/180) : المحو : رفع أوصاف العادة : والإثبات : إقامة أحكام العبادة . فمن نفى عن أحواله الخصال الذميمة ، وأتى بدلها بالأفعال والأحوال الحميدة ، فهو صاحب محو وإثبات . وينقسم إلى محو الزلة عن الظواهر ، ومحو الغفلة عن الضمائر ، ومحو العلة عن السرائر ، ففى محو الزلة : إثبات المعاملات ؛ وفى محو الغفلة : إثبات المنازلات . وفى محو العلة إثبات المواصلات . هذا محو وإثبات بشرط العبودية . وأما حقيقة المحو والإثبات ، فصادران عن القدرة : فالمحو : ما ستره الحق ونفاه والإثبات ما أظهره الحق وأبداه . والمحو والإثبات مقصوران على المشيئة . قال الله تعالى : " يمحو الله ما يشاء ويثبت " . قيل : يمحو عن قلوب العارفين ذكر غير الله تعالى ، ويثبت على ألسنة المريدين ذكر الله " ، ومحو الحق لكل أحد وإثباتهُ على ما يليق بحاله .
24) المقام عند القُشَيرى (1/153) : والمقام : ما يتحقق به العبد بمنازلته من الآداب : مما يتوصَّل إليه بنوع تصرف ، ويتحقق به بضرب تطلُّب ، ومقاساة تكلف . فمقام كل أحد : موضع إقامته عند ذلك ، وما هو مشتغل بالرياضة له . وشرطه : أن لا يرتقى من مقام إلى مقام آخر ، ما لم يستوف أحكام ذلك المقام ، فإن من لا قناعة له لا تصح له التوكل ومن لا توكل له لا يصح له التسليم ، وكذلك من لا توبة له لا تصح له الإنابة ، ومن لا ورع له لا يصح له الزهد . والمقام : هو الإقامة ، كالمُدخل بمعنى الإدخال ، والمخرج بمعنى الإخراج ولا يصحُّ لأحد منازلة مقام إلا بشهود إقامة الله تعالى إياه بذلك المقام ، ليصحَّ بناء أمره على قاعدة صحيحة .
25) النفَس عند القُشَيرى (1/196) : النفَس : ترويح القلوب بلطائف الغيوب ، وصاحب الأنفاس أرق وأصفى من صاحب الأحوال ، فكان الوقت مبتدئًا ، وصاحب الأنفاس منتهيًا ، وصاحب الأحوال بينهما . فالأحوال وسائط ، والأنفاس نهاية الترقىِّ . فالأوقات لأصحاب القلوب ، والأحوال لأرباب الأرواح ، والأنفاس لأهل السَّرائر .
26) النفْس عند القُشَيرى (1/203) : نفْس الشىء فى اللغة : وجودُه . وعند القوم : ليس المراد من إطلاق لفظ النفْس الوجودَ ، ولا القالب الموضوع . إنما أرادوا بالنفس : ما كان معلولا من أوصاف العبد ومذمومًا من أخلاقه وأفعاله . ثم إن المعلولات من أوصاف العبد على ضربين : أحدهما : ما يكون كسبًا له ؛ كمعاصيه ومخالفاته . والثانى : أخلاقه الدنيئة ، فهى أنفسها مذمومة ، فإذا عالجها العبد ونازلها ، تنتفى عنه بالمجاهدة تلك الأخلاق على مستمر المادة . والقسم الأوَّل من أحكام النفس : ما نهى عنه نهى تحريم ، أو نهى تنزيه . وأما القسم الثانى ، من قسمى النفس : فسفساف الأخلاق ، والدنىء منها هذه حدُّه على الجملة .
27) الهيبة والأنس عند القُشَيرى (1/159) : وهما : فوق القبض والبسط . فكما أن القبض : فوق رتبة الخوف . والبسط : فوق منزلة الرجاء . فالهيبة : أعلى من القبض والأنس أتم من البسط ، وحق الهيبة الغيبة ، فكل هائب غائب .
28) الوارد عند القُشَيرى (1/200) : ما يرد على القلوب من الخواطر المحمودة ، مما لا يكون بتعمد العبد ، وكذلك ما لا يكون من قبيل الخواطر ، فهو أيضًا : وراد . ثم قد يكون وارد من الحق ، ووارد من العلم . فالواردات أعم من الخواطر ؛ لأن الخواطر تختص بنوع الخطاب ، أو ما يتضمن معناه . والواردات تكون : وارد سرور ، ووارد حزن ، ووارد قبض ؛ ووارد بسط ، إلى غير ذلك من المعانى .
29) الوقت عند القُشَيرى (1/151) : حقيقة الوقت عند أهل التحقيق : حادث متوهم علق حصوله على حادث متحقق فالحادث المتحقق ، وقت للحادث المتوهم ، تقول : آتيك رأس الشهر ، فالإتيان متوهم ورأس الشهر حادث متحقق . فرأس الشهر وقت الإتيان .
------------------
([1]) الرسالة القشيرية ، بتحقيق فضيلة الإمام الدكتور عبد الحليم محمود ، مصر : دار المعارف
اعلم أسعدك الله أن لأهل كل صنعة وأرباب كل معاملة مع بعضهم البعض عبارات وكلمات فى جريان أسرارهم ، وكلمات لا يعرف معناها سواهم . والمراد من وضع العبارات شيئان : أحدهما لحسن تفهيم وتسهيل الغوامض ، لتكون أقرب إلى فهم المريد ، والثانى لكتمان السر عمن لا يكون أهلا لهذا العلم من الناس . والأدلة على ذلك واضحة ، فكما أن أهل اللغة مخصوصون بعبارات موضوعهم مثل : الرفع والنصب والفتح والخفض والجزم والجر والكسر والمنصرف وغير المنصرف وما شابه هذا ، وأهل العروض مخصوصون بعبارات فى موضوعهم مثل : البحور والدوائر والوتد والفاصلة والفرد والزوج وما شابه هذا ، والمحاسبين مخصوصون بعباراتهم مثل : الضرب والجذر والإضافة والتضعيف والتنصيف والجمع والتفريق وما شابه هذا ، والفقهاء مخصوصون بعباراتهم مثل : العلة والمعلول والقياس والاجتهاد والدفع والالتزام وما شابه هذا ، والمحدثين كذلك لهم عباراتهم مثل : المسند والمرسل والآحاد والمتواتر والجرح والتعديل وما شابه هذا ، والمتكلمين لهم أيضا عباراتهم المخصوصة مثل : العرض والجوهر والكل والجزء والجسم والجنس والتحيز والتولى وما شابه هذا فى طريقتهم ويظهرونها لمن يريدون ، ويخفونها عمن يريدون ، فلأبين بعض هذه الكلمات بشرح أكثر ، وأفرق بين هذه الكلمات ، وأبين ما مرادهم من كل منها ، لتتم الفائدة لك إن شاء الله .
1) البواده والهجوم عند القُشَيرى (1/188) : البواده : ما يفجأ قلبك من الغيب على سبيل الوهلة ، إما موجب فرح ، وإما موجب ترح . والهجوم : ما يرد القلب بقوةَّ الوقت ، من غير تصنع منك . ويختلف فى الأنواع على حسب قوَّة الوارد وضعفه . فمنهم من تغيره البواده ، وتصرفه الهواجم . ومنهم من يكون فوق ما يفجؤه حالاً وقوة .
2) التلوين والتمكين عند القُشَيرى (1/189) : التلوين : صفة أرباب الأحوال . التمكين : صفة أهل الحقائق . فما دام العبد فى الطريق فهو صاحب تلوين ، لأنه يرتقى من حال إلى حال ، وينتقل من وصف إلى وصف ويخرج من مرحل ويحصل فى مربع ، فإذا وصل تمكن . واعلم ان التغير بما يرد على العبد يكون لأحد أمرين : إمَّا لقوة الوارد ، أولضعف صاحبه . والسكون من صاحبه لأحد أمرين : إمَّا لقوته ، أو لضعف الوارد عليه .
3) التواجد ، والوجد ، والوجود عند القُشَيرى (1/161) : فالتواجد : استدعاء الوجد بضرب اختيار ، وليس لصاحبه كمال الوجد ؛ إذ لو كان لكان واجدًا ، وباب التفاعل أكثره على إظهار الصفة ، وليست كذلك . فالتواجد : ابتداء الوجد على الوصف الذى جرى ذكره ، وبعد هذا الوجد . والوجد : ما يصادف قلبك ، ويرد عليك بلا تعمد وتكلف ولهذا قال المشايخ : الوجد : المصادفة والمواجيد : ثمرات الأوراد . فكل من ازدادت وظائفه من الله لطائفه .
4) جمع الجمع عند القُشَيرى (1/168) : وجمع الجمع : فوق هذا . يختلف الناس فى هذه الجملة على حسب تباين أحوالهم ، وتفاوت درجاتهم : فمن أثبت نفسه ، وأثبت الخلق ، ولكن شاهد الكل قائمًا بالحق ، فهذا هو : جمع . وإذا كان مختطفًا عن شهود الخلق ، مصطلمًا عن نفسه ، مأخوذًا بالكلية عن الإحساس بكلِّ غير ، بما ظهر ، واستولى من سلطان الحقيقة ، فذاك جمع الجمع . فالتفرقة : شهود الأغيار لله عزَّ وجلَّ . والجمع : شهود الأغيار بالله . وجمع الجمع : الاستهلاك بالكلية ، وفناء الإِحساس بما سوى الله عز وجل عند غلبات الحقيقة . وبعد هذا حالة عزيزة يسميها القوم .
5) الجمع والفرق عند القُشَيرى (1/166) : لفظ " الجمع والتفرقة " يجرى فى كلامهم كثيرًا . وكان الأستاذ أبو على الدقاق يقول : الفرق : ما نسب إليك . والجمع : ما سلب عنك . ومعناه : أن يكون كسبًا للعبد ، من إقامة العبودية ، وما يليق بأحوال البشرية ، فهو : فرق . وما يكون من قبل الحق ، من إبداء معان ، وإسداء لطف وإحسان فهو : جمع هذا أدنى أحوالهم فى الجمع والفرق ، لأنه من شهود الأفعال . فمن أشهده الحق - سبحانه - أفعاله عن طاعاته ومخالفاته فهو : عبد بوصف التفرقة ، ومن أشهده لحق - سبحانه - ما يوليه : من أفعال نفسه سبحانه ، فهو : عبد بشاهد الجمع . فإثبات الخلق من باب التفرقة ، وإثبات الحق من نعت الجمع . ولابد للعبد من الجمع والفرق ، فإن من لا تفرقة له لا عبودية له ، ومن لا جمع له لا معرفة له ، فقوله : " إياك نعبد " إشارة إلى الفرق . وقوله : " وإياك نستعين " إشارة إلى الجمع . وإذا ما خاطب العبد الحق سبحانه ، بلسان نجواه : إما سائلا ، أو داعيًا ، أو مثنيًا ، أو شاكرًا ، أو متنصلاً ، أو مبتهلاً ؛ قام فى محل التفرقة . وإذا أصغى بسره إلى ما يناجيه به مولاه ، واستمع بقلبه ما يخاطبه به ، فيما ناداه ، أو ناجاه ، أو عرفه ، أو لوح لقلبه وأراده ، فهو بشاهد الجمع .
6) الحال عند القُشَيرى (1/154) : والحال عند القوم : معنى يَرِد على القلب ، من غير تعمد منهم ، ولا اجتلاب ، ولا اكتساب لهم ، من : طرب ، أو حزن ، أو بسط ، أو قبض ، أو شوق ، أو انزعاج أو هبة ، أو احتياج . فالأحوال : مواهب ، والمقامات . مكاسب . والأحوال تأتى من عين الجواد ، والمقامات تحصل ببذل المجهود . وصاحب المقام ممكن فى مقامه ، وصاحب الحال مُترقّ عن حاله .
7) الخواطر عند القُشَيرى (1/197) : والخواطر خطاب يَرد على الضمائر ، وهو قد يكون بإلقاء ملك ، وقد يكون بإلقاء شيطان ، ويكون أحاديث النفس ، ويكون من قبل الحق سبحانه . فإذا كان من الملك فهو الإلهام . وإذا كان من قبل النفس ، قيل له ، الهواجس . وإذا كان من قبل الشيطان فهو : الوسواس . وإذا كان من قبل الله سبحانه ، وإلقائه فى القلب ، فهو : خاطر حق . فإذا كان من قبل الملك ، فإنما يعلم صدقهُ بموافقة العلم ، ولهذا قالوا : كل خاطر لا يشهد له ظاهر فهو باطل . وإذا كان من قبل الشيطان فأكثره يدعو إلى المعاصى . وإذا كان من قبل النفس فأكثره ، يدعو إلى اتباع شهوة أواستشعار كبر ، أو ما هو من خصائص أوصاف النفس . واتفق المشايخ على أن من كان أكله من الحرام لم يفرق بين الإلهام والوسواس . وأجمع الشيوخ على أن النفس لا تصدق ، وأن القلب لا يكذب .
8) الذوق والشرب عند القُشَيرى (1/178) : ويعبرون بذلك عما يجدونه من ثمرات التجلى ، ونتائج الكشوفات ، وبوارد الواردات . وأول ذلك : الذوق ، ثم الشرب ، ثم الرىُّ . فصفاء معاملاتهم يوجب لهم ذوق المعانى . ووفاء منازلاتهم يوجب لهم الشرب . ودوام مواصلاتهم يقتضى لهم الرىَّ . فصاحب الذوق متساكر ، وصاحب الشرب سكران ، وصاحب الرىَّ صاح . ومن قوى حبه تسرمد شربه ، فإذا دامت به تلك الصفة لم يورثه الشرب سكرًا ، فكان صاحيًا بالحق ، فانيًا عن كل حظ : لم يتأثر بما يرد عليه ، ولا يتغير عما هو به . ومن صفا سره ، لم يتكدر عليه الشرب . ومن صار الشراب له غذاء له لم يصبر عنه . ولم يبق بدونه .
9) الروح عند القُشَيرى (1/205) : الأرواح مختلف فيها عند أهل التحقيق من أهل السنة : فمنهم من يقول : إنها الحياة . ومنهم من يقول : إنها أعيان مودعة فى هذه القوالب . والأرواح مخلوقة ، ومن قال بقدمها فهو مخطىء خطأً عظيمًا . والأخبار تدل على أنها أعيان لطيفة .
10) الستر والتجلىِّ عند القُشَيرى (1/182) : العوام فى غطاء الستر ، والخواص فى دوام التجلى . فصاحب الستر ، بوصف شهوده ، وصاحب التجلى أبدًا ، بنعت خشوعه . والستر للعوام عقوبة ، وللخواص رحمة ، إذ لولا أنه يستر عليهم ما يكاشفهم به ، لتلاشوا عند سلطان الحقيقة : ولكنه كما يظهر لهم ، يستر عليهم .
11) السرُّ عند القُشَيرى (1/206) : يحتمل أنها لطيفة مودعة فى القالب ، كالأرواح . وأصولهم تقتضى أنها محل المشاهدة ، كما أن الأرواح محل للمحبة ، والقلوبَ محل للمعارف . وقالوا : السر : مالك عليه إشراف ، وسر السرِّ : ما لا اطلاع عليه لغير الحق . وعند القوم : على موجب مواضعاتهم ومتقضى أصولهم : السر ألطف من الروح ، والروح أشرف من القلب . ويقولن : الأسرارُ معتْقة عن رقّ الأغيار من الآثار والأطلال . ويطلق لفظ " السرِّ " على ما يكون مصونًا مكتومًا بين العبد والحق سبحانه ، فى الأحوال . وعليه يحمل قول من قال .
12) الشاهد عند القُشَيرى (1/201) : ما يكون حاضر قلب الإنسان ، وهو ما كان الغالب عليه ذكره ، حتى كأنه يراه ويبصره ، وإن كان غائبًا عنه . فكل ما يستولى على قلب صاحبه ذكره فهو شاهده فإن كان الغالب عليه العلم ، فهو بشاهد العلم . وإن كان الغالب عليه الوجد ، فهو بشاهد الوجد . ومعنى الشاهد : الحاضر ، فكل ما هو حاضر قلبك فهو شاهدك .
13) الشريعة والحقيقة عند القُشَيرى (1/195) : الشريعة : أمر بالتزام العبودية . والحقيقة : مشاهدة الربوبية . فكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة فغير مقبول . وكل حقيقة غير مقيدة بالشريعة فغير مقبول . فالشريعة جاءت بتكليف الخلق ، والحقيقة إنباء عن تصريف الحق . فالشريعة أن تعبده ، والحقيقة أن تشهده . والشريعة قيام بما أمر ، والحقيقة شهود لما قضى وقدر ، وأخفى وأظهر .
14) الصحو والسكر عند القُشَيرى (1/176) : فالصحو : رجوع إلى الإحساس بعد الغيبة . والسكر : غيبة بوارد قوى . والسكر زيادة على الغيبة من وجه ، وذلك أن صاحب السكر قد يكون مبسوطا إذا لم يكن مستوفى فى حال سكره ، وقد يسقط إخطار الأشياء عن قلبه فى حال سكره ، وتلك حال المتساكر ، الذى لم يستوفه الوارد ، فيكون للإحساس فيه مساغ ، وقد يقوى سكره حتى يزيد على الغيبة ، فربما يكون صاحب السكر أشد غيبة من صاحب الغيبة إذا قوى سكره ، وربما يكون صاحب الغيبة أتمَّ فى الغيبة من صاحب السكر ، إذا كان متساكرًا غير مستوف . والغيبة قد تكون للعباد ، بما يغلب على قلوبهم من موجب الرغبة والرهبة ومقتضيات الخوف والرجاء . والسكر لا يكون إلا لأصحاب المواجيد . فإذا كوشف العبد بنعت الجمال حصل السكر ، وطاب الروح ، وهام القلب . واعلم أن الصحو على حسب السكر ، فمن كان سكره بحق ، كان صحوه بحق . ومن كان سكره بحظ مشوبًا ؛ كان صحوه بحظ مصحوبًا . ومن كان محقا فى حاله كان محفوظًا فى سكره . والسكر والصحو يشيران إلى طرف من التفرقة . وإذا ظهر من سلطان الحقيقة علم فصفة العبد الثبور ، والقهر .
15) علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين عند القُشَيرى (1/199) : هذه عبارات عن علوم جلية . فاليقين : هو العلم الذى لا يتداخل صاحبه ريب على مطلق العرف . ولا يطلق فى وصف الحق سبحانه ؛ لعدم التوقيف . فعلم اليقين : هو اليقين ، وكذلك عين اليقين : نفس اليقين ، وحق اليقين ؛ نفس اليقين . فعلم اليقين ، على موجب اصطلاحهم ما كان بشرط البرهان . وعين اليقين ما كان بحكم البيان . وحق اليقين ما كان بنعت العيان . فعلم اليقين لأرباب العقول وعين اليقين لأصحاب العلوم . وحق اليقين لأصحاب المعارف .
16) الغيبة والحضور عند القُشَيرى (1/173) : فالغيبة : غيبة القلب عن علم ما يجرى من أحوال الخلق ، لاشتغال الحس بما ورد عليه ، ثم قد يغيب عن إحساسه بنفسه وغيره ، بوارد من تذكر ثواب ، أو تفكر عقاب . وأما الحضور : فقد يكون حاضرًا بالحق ؛ لأنه إذا غاب عن الخلق حضر بالحق ، على معنى أنه يكون كأنه حاضر ، وذلك لاستيلاء ذكر الحق على قلبه ، فهو حاضر بقلبه بين يدى ربه تعالى ؛ فعلى حسب غيبته عن الحق يكون حضوره بالحق ، فإن غاب بالكلية كان الحضور على حسب الغيبة . فإذا قيل : فلان . حاضر ، فمعناه أنه حاضر بقلبه لربه ، غير غافل عنه ، ولا ساهٍ ، مستديم لذكره . ثم يكون مكاشفًا فى حضوره على حسب رتبته بمعان يخصه الحق سبحانه وتعالى بها . وقد يقال لرجوع العبد إلى إحساسه بأحوال نفسه ، وأحوال الخلق : إنه حضر أى رجع عن غيبته ، فهذا يكون حضورًا بخلق ، والأول حضورًا بحق . وقد تختلف أحوالهم فى الغيبة . فمنهم من لا تمتد غيبته ، ومنهم من تدوم غيبته .
17) الفرق الثانى عند القُشَيرى (1/168) : وهو أن يرد العبد إلى الصحو عند أوقات أداء الفرائض ، ليجرى عليه القيام بالفرائض فى أوقاتها ، فيكون رجوعًا لله تعالى لا للعبد بالعبد : فالعبد يطالع نفسه ، فى هذه الحالة ، فى تصريف الحق سبحانه ، يشهد مبدىء ذاته وعينه بقدرته ، ومجرى أفعاله وأحواله عليه ، بعلمه ومشيئته .
18) الفناء والبقاء عند القُشَيرى (1/170) : أشار القوم بالفناء : إلى سقوط الأوصاف المذمومة . وأشاروا بالبقاء : إلى قيام الأوصاف المحمودة به . وإذا كان العبد لا يخلو عن أحد هذين القسمين ، فمن المعلوم : أنه إذا لم يكن أحدُ القسمين كان القسمَ الآخر لا محالة ، فمن فنى عن أوصافه المذمومة ظهرت عليه الصفات المحمودة ، ومن غلبت عليه الخصال المذمومة استترت عنه الصفات المحمودة . واعلم أن الذى يتصف به العبد : أفعال ، وأخلاق ، وأحوال . فالأفعال : تصرفاته باختياره . والأخلاق : جبلَّة فيه ، ولكن تتغيَّر بمعالجته على مستمرِّ العادة . والأحوال : ترد على العبد على وجه الابتداء ، لكن صفاؤها بعد زكاء الأعمال . فهى كالأخلاق من هذا الوجه ، لأن العبد إذا نازل الأخلاق بقلبه فينفى بجهده سفسافها ، مَنّ الله عليه بتحسين أخلاقه ، فكذلك إذا واظب على تزكية أعماله ، ببذلك وُسعه من الله عليه بتصفية أحواله بل بتوفية أحواله . فمن ترك مذمومَ أفعاله بلسان الشريعة يقال : إنه فنى عن شهواته . فإذا فنى عن شهواته بقى بنيتَّه وإخلاصه فى عبوديته . ومن زَهد فى دنياه بقلبه ، يقال : فنى عن رغبته : فإذا فنى عن رغبته فيها بقى بصدق إنابته . ومن عالج أخلاقه ، فنفى عن قلبه الحسد والحقد ، والبخل ، والشح والغضب ، والكبر ، وأمثال هذا من رعونات النفس ، يقال : فنى عن سوء الخلق . فإذا فنى عن سوء الخلق بقى بالفتوة والصدق . ومن شاهد جريان القدرة فى تصاريف الأحكام ، يقال : فنى عن حسبان الحدثان من الخلق فإذا فنى عن توهم الآثار من الأغيار بقى بصفات الحقِّ . ومن استولى عليه سلطان الحقيقة حتى لم يشهد من الأغيار لا عينًا ولا أثرًا ؛ ولا رسمًا ، ولا طللاً ؛ يقال : إنه فنى عن الخلق وبقى بالحقِّ . ففناء العبد عن أفعاله الذميمة ، وأحواله الخسيسة : بعدم هذه الأفعال . وفناؤه عن نفسه ، وعن الخلق : بزوال إحساسه بنفسه وبهم . فإذا فنى عن الأفعال ، والأخلاق ، والأحوال ، فلا يجوز أن يكون ما فنى عنه من ذلك موجودًا . وإذا قيل : فنى عن نفسه ؛ وعن الخلق ، فنفسه موجودة ، والخلق موجودون . ولكنه لا علم له بهم ولا به ، ولا إحساس ، ولا خبر ، فتكون نفسه موجودة ، والخلق موجودين ولكنه غافل عن نفسه وعن الخلق أجمعين ، غير محس بنفسه وبالخلق .
19) القبض والبسط عند القُشَيرى (1/156) : وهما : حالتان ، بعد ترقىِّ العبد عن حالة الخوف والرجاء . فالقبض للعارف : بمنزلة الخوف للمستأنف . والبسط للعارف بمنزلة الرجاء للمستأنف . ومن الفصل بين القبض والخوف ، والبسط والرجاء : أن الخوف إنما يكون من شىء فى المستقبل ، إما أن يخاف فوت محبوب أو هجوم محذور . وكذلك الرجاء : إنما يكون بتأميل محبوب فى المستقبل ، أو بتطلع زوال محذور وكفاية مكروه فى المستأنف . وأما القبض : فلمعنى حاصل فى الوقت ، وكذلك البسط ، فصاحب الخوف والرجاء : تعلق قلبه فى حالتيه بآجله ، وصاحب القبض والبسط أخذ وقته بوارد غلب عليه فى عاجله .
20) القرب والبعد عند القُشَيرى (1/192) : أوَّل رتبة فى القرب : القربُ من طاعته ، والاتصاف فى دوام الأوقات بعبادته . وأمَّا البعد ، فهو التدنس بمخالفته ، والتجافى عن طاعته . فأوَّل البعد بعد عن التوفيق ، ثم بعد عن التحقيق ، بل البعد عن التوفيق هو البعد عن التحقيق ، فقُرْب العبد أولا قرب بإيمانه وتصديقه ، ثم قرب بإحسانه وتحقيقه . وقرب الحق سبحانه ، ما يخصه اليوم به من العرفان ، وفى الآخرة ما يكرِّمه به من الشهود والعيان ، وفيما بين ذلك من وجوه اللطف والامتنان . ولا يكونُ تقرُب العبد من الحق إلا ببعده عن الخلق ، وهذه من صفات القلوب دون أحكام الظواهر والكون .
21) اللوائح ، والطوالع ، واللوامع عند القُشَيرى (1/186) : قال الأستاذ رضى الله عنه : هذه الألفاظ متقاربة المعنى ، لا يكاد يحصل بينها كبير فرق . وهى من صفات أصحاب البدايات الصاعدين فى الترقى بالقلب ، فلم يدم لهم بعد ضياء شموس المعارف . فاللوائح كالبروق ، ما ظهرت حتى استترت . واللوامع : أظهر من اللوائح : ليس زوالها بتلك السرعة ، فقد تبقى اللوامع وقتين وثلاثة . والطوالع : أبقى وقتًا ، وأقوى سلطانا ، وأدوم مكثًا ، وأذهب للظلمة وأنفى للتهمة ، لكنها موقوفة على خطر الأفول ، ليست برفيعة الأوج ، ولا بدائمة المكث ، ثم أوقات حصولها وشيكة الارتحال ، وأحوال أفولها طويلة الأذيال . وهذه المعانى ، التى هى : اللوائح واللوامع والطوالع ، تختلف فى القضايا ، فمنها ما إذا مات لم يبق عنها أثر ، كالشوارق إذا أفلت ، فكأنَّ الليل كان دائمًا . ومنها ما يبقى عنه أثر ، فإن زال رقمه بقى ألمه ، وإن غربت أنواره بقيت آثاره فصاحبه بعد سكون غلباته يعيش فى ضياء بركاته ، فإلى أن يلوح ثانيا يرجى وقته على انتظار عوده ، ويعيش بما وجد فى كونه .
22) المحاضرة ، والمكاشفة ، والمشاهدة عند القُشَيرى (1/184) : المحاضرة ابتداء ، ثم المكاشفة ، ثم المشاهدة . فالمحاضرة : حضور القلب ، وقد يكون بتواتر البرهان ، وهو بعدُ وراء الستر ، وإن كان حاضرًا باستيلاء سلطان الذكر . ثم بعده . المكاشفة : وهو حضوره بنعت البيان غير مفتقر فى هذه الحالة إلى تأملُّ الدليل ، وتطلب السبيل ، ولا مستجير من دواعى الريب . ولا محجوب من نعت الغيب . ثم المشاهدة : وهى حضور من غير بقاء تهمة .
23) المحو والإثبات عند القُشَيرى (1/180) : المحو : رفع أوصاف العادة : والإثبات : إقامة أحكام العبادة . فمن نفى عن أحواله الخصال الذميمة ، وأتى بدلها بالأفعال والأحوال الحميدة ، فهو صاحب محو وإثبات . وينقسم إلى محو الزلة عن الظواهر ، ومحو الغفلة عن الضمائر ، ومحو العلة عن السرائر ، ففى محو الزلة : إثبات المعاملات ؛ وفى محو الغفلة : إثبات المنازلات . وفى محو العلة إثبات المواصلات . هذا محو وإثبات بشرط العبودية . وأما حقيقة المحو والإثبات ، فصادران عن القدرة : فالمحو : ما ستره الحق ونفاه والإثبات ما أظهره الحق وأبداه . والمحو والإثبات مقصوران على المشيئة . قال الله تعالى : " يمحو الله ما يشاء ويثبت " . قيل : يمحو عن قلوب العارفين ذكر غير الله تعالى ، ويثبت على ألسنة المريدين ذكر الله " ، ومحو الحق لكل أحد وإثباتهُ على ما يليق بحاله .
24) المقام عند القُشَيرى (1/153) : والمقام : ما يتحقق به العبد بمنازلته من الآداب : مما يتوصَّل إليه بنوع تصرف ، ويتحقق به بضرب تطلُّب ، ومقاساة تكلف . فمقام كل أحد : موضع إقامته عند ذلك ، وما هو مشتغل بالرياضة له . وشرطه : أن لا يرتقى من مقام إلى مقام آخر ، ما لم يستوف أحكام ذلك المقام ، فإن من لا قناعة له لا تصح له التوكل ومن لا توكل له لا يصح له التسليم ، وكذلك من لا توبة له لا تصح له الإنابة ، ومن لا ورع له لا يصح له الزهد . والمقام : هو الإقامة ، كالمُدخل بمعنى الإدخال ، والمخرج بمعنى الإخراج ولا يصحُّ لأحد منازلة مقام إلا بشهود إقامة الله تعالى إياه بذلك المقام ، ليصحَّ بناء أمره على قاعدة صحيحة .
25) النفَس عند القُشَيرى (1/196) : النفَس : ترويح القلوب بلطائف الغيوب ، وصاحب الأنفاس أرق وأصفى من صاحب الأحوال ، فكان الوقت مبتدئًا ، وصاحب الأنفاس منتهيًا ، وصاحب الأحوال بينهما . فالأحوال وسائط ، والأنفاس نهاية الترقىِّ . فالأوقات لأصحاب القلوب ، والأحوال لأرباب الأرواح ، والأنفاس لأهل السَّرائر .
26) النفْس عند القُشَيرى (1/203) : نفْس الشىء فى اللغة : وجودُه . وعند القوم : ليس المراد من إطلاق لفظ النفْس الوجودَ ، ولا القالب الموضوع . إنما أرادوا بالنفس : ما كان معلولا من أوصاف العبد ومذمومًا من أخلاقه وأفعاله . ثم إن المعلولات من أوصاف العبد على ضربين : أحدهما : ما يكون كسبًا له ؛ كمعاصيه ومخالفاته . والثانى : أخلاقه الدنيئة ، فهى أنفسها مذمومة ، فإذا عالجها العبد ونازلها ، تنتفى عنه بالمجاهدة تلك الأخلاق على مستمر المادة . والقسم الأوَّل من أحكام النفس : ما نهى عنه نهى تحريم ، أو نهى تنزيه . وأما القسم الثانى ، من قسمى النفس : فسفساف الأخلاق ، والدنىء منها هذه حدُّه على الجملة .
27) الهيبة والأنس عند القُشَيرى (1/159) : وهما : فوق القبض والبسط . فكما أن القبض : فوق رتبة الخوف . والبسط : فوق منزلة الرجاء . فالهيبة : أعلى من القبض والأنس أتم من البسط ، وحق الهيبة الغيبة ، فكل هائب غائب .
28) الوارد عند القُشَيرى (1/200) : ما يرد على القلوب من الخواطر المحمودة ، مما لا يكون بتعمد العبد ، وكذلك ما لا يكون من قبيل الخواطر ، فهو أيضًا : وراد . ثم قد يكون وارد من الحق ، ووارد من العلم . فالواردات أعم من الخواطر ؛ لأن الخواطر تختص بنوع الخطاب ، أو ما يتضمن معناه . والواردات تكون : وارد سرور ، ووارد حزن ، ووارد قبض ؛ ووارد بسط ، إلى غير ذلك من المعانى .
29) الوقت عند القُشَيرى (1/151) : حقيقة الوقت عند أهل التحقيق : حادث متوهم علق حصوله على حادث متحقق فالحادث المتحقق ، وقت للحادث المتوهم ، تقول : آتيك رأس الشهر ، فالإتيان متوهم ورأس الشهر حادث متحقق . فرأس الشهر وقت الإتيان .
------------------
([1]) الرسالة القشيرية ، بتحقيق فضيلة الإمام الدكتور عبد الحليم محمود ، مصر : دار المعارف