آخر الأخبار
موضوعات

الأحد، 30 أكتوبر 2016

- الآداب للوالدين وشباب الاسلام

عدد المشاهدات:
ليست فى مقام تقرير حقيقة خفية ولكنها ثابتة شراعاً وعقلاً، وجلية تؤثر على القلوب والحواس تأثيراً يؤدى إِلى الانفعال النفسانى والجسمانى بالعواطف والاعتقاد والانقياد وبالغيرة والحمية. مالى وللتكلم فى واجب فطرت على مراعاته النفوس الكريمة!! وجبلت على القيام به العقول السليمة، حتى صار من المقرر عقلاً وعادة أن الولد إِذا لم يقم لوالديه فيما من شأنه أن يقوم به أهل العواطف ظلم أمه.

وسمعت أن بعض أولياء الله المتوسمين جلس فى مجلس فرأى رجلاً يؤذى والده فذم الناس أم العاق، فقال الولى: الولد من ظهر أبيه إِلا أن أباه كثير الحلف بالطلاق. فيظهر من هذا أن المرأة إِذا حفظت فرجها وحفظ الرجل لسانه من يمين الفسق وبطنه من الحرام رزقه الله بأولاد بررة يكونون له كعينه ويديه ورجليه.



وبعيشك أيها الأخ هل تتصور أن إِنساناً عاقلاً يتوهم أن اليد اليمنى تضر اليسارى أو تضر الرأس أو العين وهى جزء من الجسد؟ لا أشك أنك تقول لا! لا أتصور ذلك، إِذاً فكيف تتصور أن خلاصة الجسد الحقيقية بل وثمرة شجرته تؤذى الأصل؟ إِلا أن تكون من أصل آخر لا يجمعها عليه أصول دانية ولا عالية. فالوالد العاق إِما أن يكون من حرام عملاً أو غذاء أو قولاً، لأن الولد زهرة الشجرة التى هى الوالد والوالدة.

والوالد والوالدة هما مظهر الشفقة والرحمة والحنان والبر والإِمداد والإِيجاد الإِلهى، ولذلك فقد أوجب الله الشكر لهما، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة تحت أقدام الأمهات وجعل الوالد على باب الجنة. قال سبحانه وتعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) سورة النساء آية 36، وقال الله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ التى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) سورة الأنعام آية 151 وقال سبحانه وتعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) سورة الإِسراء آية 23 وقال سبحانه وتعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إلى الْمَصِيرُ) لقمان آية 14وقال صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: (قال رجل: يا رسول اللهِ مَنْ أَحَقُّ بحُسن صحابتى- أو صُحبتى؟ -قال: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أمك)وقال صلى الله عليه وسلم: (رَغِمَ أنْفهُ، رَغِمَ أنفه، رغم أنفه، قيل: مَنْ يا رسولَ الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة)وعن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها أنها قالت: قدِمت علىَّّ أمَّى وهى مشركة فى عهد قريش فقلت: يا رسول الله إِن أمى قدِمت علىُّ وهى راغبة أفأصِلُها؟ قال: (نعم، صليها). وفى الحديث الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رضا الرب فى رضا الوالد، وسخط الرب فى سخط الوالد)وعن أبى الدر داء رضى الله عنه أنه قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: (الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فحافظ على الباب أو ضيَّع)هذه الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة قد بينت لنا حقوق الوالدين وشرحت لنا مقدار السعادة التى تنالها ببرهما والشقاء الذى يناله العاق).

ومن كمال البر أن تبذل مالك وتحفظ ما لهما، وتأكل بعد أكلهما، وتنام بعد نومهما، وتلبس بعد لبسهما، وتجتهد أن تعمل ما يسرهما ولو كانا كافرين، حتى لو طلبا منك أن تسقيهما الخمر فاسقيهما، وعليك أن لا تخالفهما إِلا إن جاهداك على أن تشرك بالله ما ليس لك به علم فالواجب عليك أن لا تطيعهما كما قال: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إلى ثُمَّ إلى مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة لقمان آية 15، وإياك أن يدفعك الطمع فتوفر مالك وتنفق من مالهما أو تأخذ من مالهما شيئاً تدخره لنفسك أو لأولادك، وتجمل امرأتك بشىء لم تجمل به والدتك، فإِن ذلك عقوق تعذب به يوم القيامة وتعاقب به فى الدنيا بعقوق أولادك لك.

وكن على يقين أن برك لوالديك سعادة لك فى الدنيا بالعافية فى بدنك والنسيئة فى عمرك والوسعة فى رزقك ونجابة أولادك وسرورك بهم، ولو تحققت ذلك يا أخى لبذلت النفس والنفيس فى إِدخال السرور على والديك، فإنك لا تدرى متى يفارقاك.

لو تصورت يا أخى كيف كانا يفرحان بك صغيراً، ويبذلان نفائس أموالهما لسرورك، وكيف تحملت والدتك فى حملك ورضاعك وفى تمريضك، وما تحمَّله والدك فى تربيتك لبذلت وسعك لتسرهما وتكرمهما ليموتا راضين عنك، داعيين لك، وتعيش بعدهما مطمئن القلب بأنك ستنال الخير ببركة دعائهما، والذرية الصالحة ببركة رضاهما، مع ما يحصل لك من البهجة والسرور عندما تتذكر أنك أحسنت إِلى والديك وأن الله سبحانه وتعالى سيدخلك الجنة مع الأبرار البارين. تلك البهجة يا أخى خير من الدنيا وما فيها.



وأظنك تقول: أبنائى وزوجتى، أنت يا مسكين لا تدرى أهم أبناؤك حقاً أم التصقوا بك، ولا تعلم أرزقت بهم ليكونوا لك خيراً فى الدنيا والآخرة أو شقاء لوالديهما فى الدنيا والآخرة، فكيف يا أخى تترك الأمر الجلىّ خيره، البينة سعادته، وهو بر والديك الذين أحسنا إِليك وأوجب الله عليك أن تقوم لهما بالإِحسان، وتجتهد فى الأمر المشكوك فيه الذى لا تعلم عاقبته وهو أن تدخر لأبنائك وتهمل الحقوق الواجبة عليك لوالديك؟ أعاذنى الله وإِياك يا أخى مما يوجب المقت والسخط.

ولو أنك ادخرت لأبنائك نفساً عالية ترفعهم عن سفاسف الأمور، وعقلاً ذكياً يعقلهم عن مهاوى المقت، وخلقاً جميلاً حسناً تحسن به معاشرتهم لأرحامهم وأقاربهم، وكنزاً من الدين يمنحهم الله به السعادة فى الدنيا والآخرة، لكان خيراً من نفائس الأموال وكنوز الذهب والفضة.



والله تعالى يا أخى يجعلنى وإِياك من الأبرار البارين لوالديهم إِنه مجيب الدعاء وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

-----------------

ومن بر الوالدين بعد موتهما الاستغفار لهما والصلاة عليهما، وصلة الأرحام التى توصل بهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، ومن إكرامهما فى حياتهما أن تبر يمينهما فترى الفاسق إِذا مات والداه أو أحدهما دعاه الطمع الأشبعى والغرور بالدنيا ونسيان يوم الحساب أن يقوم فيحارب أخواته وإخوانه، ويعتقد أنه لا عدو فى الأرض إِلا أبناء والديه، ما ذلك إِلا لأن الجهل أنزل المال عنده منزلة الإِله المعبود الذى يأمره فيطيعه.

ومن الضلال من يسلط الناس على إِخوته الأشقاء أو أبناء العلات ليستريح من منافستهم له فى هذا العرض الزائل.

ولعمرى أن هذا العمل لا يعمله رجل من أهل الجنة ولا من ذاق حلاوة الإِيمان.

كن يا أخى على يقين أنك إِن بررت والديك بعد موتهما بصلة أرحامهما، أن الله تعالى يبارك لك بركة تدوم لك حتى تكون فى الفردوس الأعلى، ومن اغتر بمال يفنى وملك يزول ورياسة تتحول ورياش يبلى واستعان بأهل الزور والبهتان فقطع أرحامه ليكثر ماله فرحاً بالمال والسيادة والرياسة، كان كمن عرض نفسه لشقاء الدنيا، فإِن قطيعة الرحم تعجل عقوبتها فى الدنيا، خصوصاً وأن قطيعة الرحم عقوق للوالدين، وعقوق الوالدين موجب لسوء الخاتمة نعوذ بالله.

أحق ما يجب للوالدين بعد موتهما دوام الصلاة عليهما والاستغفار لهما خصوصاً عقب الصلوات الخمس وعقب مجالس الذكر والعلم، ويلى هذا الواجب واجب مقدس أوجبه الشرع وفطرت عليه النفوس الفاضلة وهو صلة أرحامهما، والأرحام فى الأصل كل من لك به قرابة توصلها بك أمك نسبة للرحم، ولكن العرف الشرعى أطلق اللفظ وجعلها عامة لكل من لك قرابة تدلى إِلى أمك أو أبيك، وجعل قرابة الأم أولى بحسن العاطفة وإِن كان للعصبة تأثير على النعرة بالنسب والحمية للقرابة، فابدأ أيها الأخ أيدك الله بالتوفيق بصلة أرحامك معتقداً أن ذلك سعادة لك فى الدنيا والآخرة، وليكن ذلك بقدر استطاعتك.

وابدأ بنفسك ثم بمن تعول. ومن يدفعه الأمل إِلى الطمع فيقصَّر فى حقوق الصلة ويحتال فى سلب ما فى أيديهم فيكون قد ارتكب جريمتين، جريمة التلصص وجريمة قطيعة الرحم واللص الذى يتلصص على الأجنبى أقل وزراً منه.كيف يكون سرورك أيها الأخ إِذا أنت أكرمت إِخوتك وأقاربك وتحققت أن الله تعالى يكرمك فى الدنيا بأن يجعل فى قلوب أبنائك الرحمة والعاطفة لبعضهم وشهدت ذلك فى حياتك، وانتقلت إِلى الدار الآخرة شاكراً ربك على ما وهبهم من التعاطف والتواصل والتآلف والمساعدة والمسارعة إِلى جلب الخير لبعضهم ودفع الضر عن بعضهم، وانتقلت إِلى البرزخ فوجدت قبرك روضة من رياض الجنة فكمل سرورك وتمت بهجتك، ولم يكن ذلك كله يا أخى إِلا لقيامك بالواجب لوالديك وأقاربك بما تفضل الله به عليك من حسن العناية والتوفيق لما يحب.



ثم انظر يا أخى للعاق لوالديه القاطع لرحمه كيف تصب عليه البلايا صباً بكثرة القضايا والخصومات، ثم يجعل الله له أبناء فجرة يبددون ما جمع فى حياته، وينغصون عيشه بما يقع بينهم من الخصومات والعداوات، وما يناله منهم من قبيح أعمالهم مع الناس حتى يتمنى أنه لم يكن تزوج، بل وأنه لم يوجد فى الدنيا، فيعيش طول عمره فى شقاء وكبائر حتى يفارق الدنيا فينتقل من آلام بدنية فكرية إِلى حفرة من حفر النار، نعوذ بالله من قطيعة الأرحام. ولا يصبر أبناؤه حتى يواروه فى التراب، بل تقع بينهم المنازعات والمخاصمات، وربما تلاكموا وتضاربوا بالعصى وتزاحموا على تفتيش الحجرة التى هو فيها، وربما وطئوه بالنعال وهو ملقى بينهم وهو الذين كان يسهر ليجمع لهم ويخاصم أقاربه ليجدد لهم.انظر يا أخى بعينك عاقبة هذا الأمل ونتائج هذا الطمع. صِلْ رَحِمَكَ يا أخى ليرحمك الرحمن، وأكرم أقاربك ليقرَّبك القريب، وبِرَّ والديك ليبرك البر الودود، قال الله تعالي: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) سورة النساء آية 36 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الأَْرْضِ وَتُقَطَّعُواْ أَرْحَامَكُمْ)وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يُبْسَطَ له فى رزقه وينسا له فى أثره، فليصل رحمه)وقال صلى الله عليه وسلم: (خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقوى الرحمن فقال: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك، قالت: بلى يا ربى، قال: فذاك)وقال صلى الله عليه سلم: (لا يدخل الجنة قاطع الرحم)(أحاديث صحيحة). وفى الحديث الحسن يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع رحم)وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من ذنب أَحْرَى أن يعجَّل الله لصاحبه العقوبةَ فى الدنيا مع ما يدَّخر له فى الآخرة من البغى وقطيعة الرحم).

يجب عليك يا أخى أن تبر أَهْلَ وُدَّ أبيك ممن كان يودهم ويحبهم، ولا تتشبه يا أخى بمن أبعدهم الله عن أعمال الخير الذين إِذا تمكنوا أساءوا إِلى أهل ود والديهم، واضرب لك مثلاً: قد يكون للرجل ولد يسىء الأدب ويكون لوالده إِخوان صدق فيشددون على الولد، يأمرون والده بالتشديد عليه ليتحسن مستقبله، فيظن الجاهل أن ذلك الرجل العاقل صديق أبيه يعين أباه على مضرته، فإِذا توفى أبوه قام فحارب صديق أبيه وآذاه. وقد يكون الرجل متزوجاً امرأة غير أمه وتكون محظية عند والده محبوبة لديه ولم ترزق من أبيه بأولاد، فإِذا مات أبوه قام فجعلها أعدى أعدائه وأشر أَلِدَّائه ولم يراع حقوق والده، وقد يكون للوالد عامل مخلص فى عمله له محافظ على أمواله، ويكون الولد مسرفاً فيشدد عليه العامل وهو صادق أمين، فإِذا تمكن المسرف من المال أو الميراث حارب العامل الصدوق الأمين وطرده من عمله ولم يراع حقوق والده. وقد ورد عن سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنهما وأرضاهما أنه كان راكباً على جمل فمرّ به أعرابى فنزل عن الجمل فقابله وحياه، ثم أخذ بزمام الجمل وأعطاه إياه وانصرف، فقيل له: ما هذا؟ قال: هذا الرجل كان يضحك والدى إِذا رآه فأحببت أن أبر والدى بإكرام من كان يضحك لرؤيته. وهكذا فليكن البر ومن هذا الإِمام يؤخذ. فقم يا أخى بإِكرام أهل ود أبيك لتكن باراً. ومن كمال البر وفاء عهودهما بأن تفى لهما بما عاهدا عليه بعد موتهما، وكن على يقين أنك تفوز بالمسرات فى الدنيا والسعادة فى الآخرة، والله تعالى يمنحنى وإياك التوفيق لما يحب ويرضى إِنه مجيب الدعاء.



يا بنىُّ، لا تجهل من أنت ولا ما يجب عليك ولا ما يجب لك، لعلك يا بنى تظن أنك بما تجده من عواطف أمك وأبيك ومن حرصهما على سرورك وخيرك ومن بذل نفائس أموالهما فيما فيه راحة بدنك وزيادة صحتك أن ذلك واجب عليهما أو حق لازم عليهما لك، فتجهل قدرك وتنسى قدر النعمة عليك من ربك، فتقوم مطالباً بحقوق توهمتها لم يوجبها الشرع ولم يستحسنها العقل، فتكلف والدتك بخدمتك أو تغضب عليها إِن تهاونت بشأنك، أو تأبى أن تلبس أو تأكل ما قدم لك، أو تستقل ما أكرماك به، فتكون كالذباب الذى يطزف حول النار لا رضى بضوئها وحرارتها حتى يسقط فى لهبها، فإِنك يا بنى إِن توهمت ذلك وقادتك رحمتهما وحنانتهما وعواطفهما لارتكاب شىء من ذلك، أسرع بأن تعلم منزلتك وأنب إِلى ربك تائباً وإِلى والديك متذللاً متملقاً. لَمْ يبذلا لك ما بذلا من المال والنفس لواجب عليهما، بل لأنك زهرة شجرتهما ومرآة حقيقتهما، فإِن نظرت إِليهما بنظر الابن للوالدين نظر تعظيم وإِطاعة لأمرهما وحب لهما ورغبة فى نوال رضاهما، منَّ الله عليك بأن جعل عاطفتهما عليك فى مزيد، وجعلك لهما ظهيراً ونصيراً بعد كبرك، فتكون لهما والداً شفوقاً ويكونا لك كولدين رحيمين. وتكون قد قمت بالواجب عليك لله ولرسوله وللوالدين.



يا بنى، إِن والديك لهما عليك بعد الله تعالى المنة، وقد اكتسبا من التجارب علوماً تجهلهاـ فإِياك يا بنى أن تجتمع على أمثالك الصغار فيحسَّنون لك ما يقبَّحه والدك مما قد تراه حسنا فى سنك، فإِن ذلك ينتج احتقارك لوالديك ومخالفتك لأمرهما والكذب عليهما والمضرة لمن اتصف بهذا. يا بنى إِنك فى صغر سنك تستحسن أشياء هى فى الحقيقة قبيحة، وتستقبح أشياء هى فى الحقيقة حسنة، فجاهد يا بنى نفسك أن تتروى قبل العمل، وأن تستشير والديك قبل الإِقدام، وتعلَّم يا بنى الملاحظة وتباعد عن كل ما يضطرك أن تكذب على والديك، بل اترك كل عمل يلجئك أن تستحى منه إِذا رآك غيرك. ثم اعمل بعد ذلك ما شئت. فإن أعمالك يا بنى إِن صدرت عن تقليدك لوالديك الحكيمين أو عن روية وملاحظة ولو كان العلم خطأ فإنك لا ترى نفسك ذليلاً عند تأديبك عليه، بل تقبل اللوم والتأديب بسرور لأنك تحب الحسن من كل شىء، وتكره القبيح من كل شىء. يا بنى لا تضيع أوقات شبابك وفراغك من هموم الدنيا ما دام والداك قائمين بما لابد لك منه، أجهد نفسك يا بنى فى هذا الزمن لتتحصل على ما به تكون من أهل الشرف والمجد من العلوم الدينية، ومن الأغنياء عن شرار الخلق بالصناعات والفنون، ومن المحترمين المعظمين عند الناس بالأخلاق والآداب، قبل أن تضطر لشغل قلبك وتعب بدنك فى جلب ما لابد لك منه من قوت ولباس ومسكن وزوجة وخادم. يا بنى، من شب على شىء شاب عليه. تجنب صحبة الشرار والعلم الموجب للعار، وأجعل لعبك فيما ينفع فى منزل والديك من خدمتهما عند فراغك من التعليم، وتنظيم منزلك ونظافة ثيابك ومكانك، لتكون عوناً لوالديك من طفوليتك. وإِذا منّ الله عليك بأن جعلك غنياً عن أشرار خلقه عالماً فكن رجلاً خارج المنزل، فإِذا دخلت على والديك فكن طفلاً كما كنت أولاً، عبداً كما كنت سابقاً تُملك ولا تَملك، واجعلهما يدبران لك شأن داخليتك وإِن أخطآ، وحسَّن شأن خارجيتك فإِنك لا تدرى متى يأتيهما الموت.



لعلك يا بنى إِذا تزوجت صارت زوجتك أحب إِليك من أبيك وأمك وأخوتك، وهى إِنما رضيت بك لأنك قوى سوىّ غنى، ولو ذهبت صفة من تلك الصفات ذهبت معها وكانت حرباً على زوجها، فاصحب زوجتك حذراً منها، واعلم أن حظك منها كحظ الحمار من الأتيان وكن عبداً لله مطيعاً لوالديك. يا بنى بعض الضالين الذين حرموا الكمالات الإِنسانية يتهاون بشأن والديه ويعتنى بشأن زوجته، أعوذ بالله أن أكون منهم أو تكون منهم، فإنهم عبيد لشهواتهم، وعباد الدراهم والدنانير أقرب منهم للإنسانية. انظر إِلى والديك تراك غصن شجرتهما وصورة حقيقتهما وخلاصة حياتهما، فلا تعبد يا بنى شهوتك وتكفر بربك سبحانه وتعق والديك، واجعل والديك فى أعلى المراتب من قلبك، واجعل زوجتك كالمرحاض تأتيها عند الحاجة، وأكرمها بقدر تلك الحاجة، وقم لها بما فرض الله تعالى وما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تنس الفضل بينك وبينها، ولا تجعلها سبباً فى عقوق والديك وقطيعة رحمك، فإِن الإِنسان لا يدرى لعله يجمع المال ويحرم منه أرحامه ثم تحوزه الزوجة وتنفقه على زوج أجنبى. أحب يا بنى زوجة أبيك وإِن كانت كدراً لوالدتك برًّا بوالدك، إلا أن توفيت والدتك فاجعلها فى منزلتها وأحبب إِخواتك منها كحبك لإِخوتك، واجعلهم لك أنصاراً وأعواناً وكنوزاً وجمالاً لتكون كثراً بهم. اجتهد يا بنى إِن كان ورَّثك والدك مجداً وشرفاً أن تحافظ على ميراث والدك، وأن تجتهد فى أن تزيده وتنميه ليحى والدك، وإِن ورثك مالاً وعقاراً اكتسبته بنفسك لتورثه لأولادك كما ورثك أبوك، وعليك أن تجعل أهل بلدك يعلمون أن هذا العقار والمال ميراث أبيك لك ليحيى ذكر أبيك، وأن هذا المال والعقار هو ما اكتسبته بنفسك لتحى ذكرك، واجتهد أن تورث أبناءك هذا المبدأ الشريف ليدوم عقار المسلمين ومالهم فى خزائن المسلمين. واعمل يا بنى أن بعض أهل الغواية الأنذال المفسدين الذين هم مرض فى جسم العائلات يتمنى الخبيث منهم أن يموت والده ليرث ماله، فإذا مات والده قام فبذل المال فى شهواته وحظوظه حتى إِذا لم يبق فى يده ما يستعين به ندم ولات حين ندم، فتمنى أن والده عاش له بعد أن أحوجته الضرورة إِلى خدمة من كان خادماً عنده، أو أرتكب ما به يحشر إِلى السجون أعاذنى الله وإِياك يا بنى من أعمال الأشرار وفعل الخبثاء إِنه مجيب الدعاء. وإِلى هنا أقول لك أيها الولد البار: اجتهد فى صحبة العلماء العاملين، وداوم على مجالسة الأتقياء الصالحين وتعلم منهم وتشبه بهم، والله يتولانى وإِياك إِنه ولى المؤمنين و صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الامام المجدد محمد ماضى ابوالعزائم
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير