عدد المشاهدات:
أوجب الصوفية رضى الله عنهم أن المريد السالك فى طريق الله يجب أن يكون ذا بصيرة يقظاً حتى يحفظه الله من العدو الرجيم ومن فطر نفسه ومقتضيات طبعه.
قال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) سورة الأنعام آية 112، وقال سبحانه (يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) سورة الأعراف آية 27، وقال جل جلاله (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) سورة النحل آية 98، وقال عز وجل (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الذى يُوَسْوِسُ فى صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) سورة الناس آية 1-6، وقال صلى الله عليه وسلم: (أعدى عدوك نفسك التى بين جنبيك)وقال تنزهت ذاته (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) سورة فاطر آية 6.
يظهر من الآيات المقدسة والحديث الشريف أن للإنسان عدواً هو الشيطان وله أعداء آخرون وأعدى عدوه نفسه التى بين جنبيه فهى أشر عليه من الشيطان إذا أخذنا معناه من اسمه فقد يكون من شاط يشيط أى هلك وضل أو شيطة أى احتراق ومعنى ذلك أنه يهلك ويضل ويحرق أو من شطن والشطن الحبل القوى أو البعد وفيه معنى الجذب بالحبل إلى الضلال والهلاك،ومعنى البعد عن الله تعالى.
ولما كان الشيطان لا ينفك يوسوس للإنسان ويسعى بين الناس بالتحريض والتفرقة والإفساد والإضلال والناس بحسب نفوسهم فمنهم من نفسه كالسائل القابل للالتهاب، ومنهم من نفسه كالسائل الذى يطفئ شعلة النار، ومنهم المعدن القابل للحرارة عند أدنى ملامسة ومنهم من لا يقبلها وأن مسته، ومن النفوس نفوس نورانية روحانية كالشمس المضيئة تذهب الظلمات مهما تكاثفت فتشرق أنوارها كأسفار الصبح قبل طلوع الشمس فكيف إذا طلعت، ولذلك كانت نفس الإنسان القابلة للالتهاب أو قابلة للحرارة أعدى عدو له من الشيطان لأنها إن لم تقبل لم يكن للشيطان عليها سلطان.
فإن النفوس الطيبة الطاهرة تقبل من العلماء الربانيين الذين قبلوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبلغ شأنا تقبل فيه من الملك بطريق الإلهام أو بالرؤيا الصالحة أو بالنور الذى يجعله الله فى القلب أو بالفقه الذى يهبه الله لمن شاء من عباده الصالحين وقد تبلغ مقاماً بعد هذا حتى يكون العبد مع الله والله تعالى معه فيبلغ به المقام حتى يسمع بالله ويبصر بالله ويتكلم بالله ويبطش بالله كما أن من النفوس نفوساً تخلد إلى الأرض فتكون شراً من إبليس ويكون إبليس لها سمعاً وبصراً ولساناً ويداً ورجلاً وبطناً وفرجاً.
أقول شراً من إبليس لأنها يكون لها تأثير على مجانسها من الناس أشد من تأثير إبليس لأن الله تعالى يقول: (الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فى سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فى سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) سورة النساء آية 76 ويقول الله تعالى بالنسبة للإنسان: (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فى الْأَصْفَادِ) سورة إبراهيم آية 49 فشيطان الإنس أضر على الإنسان من شيطان الجن وقد قدمه الله تعالى فى الذكر مشنعاً عليه بقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) سورة الأنعام آية 112 وقدم شياطين الجن عند الاستعاذة به سبحانه منها بقوله تعالى: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) سورة الناس آية 6 وهنا إشارة لا يكون السالك سالكاً حقاً إلا إذا فك له رمز الشيطان وعداوته له ونفسه وأنها أعدى عدوه وفهم معنى الولى والنبى والرسول وسر السجود لآدم وامتناع إبليس لعنة الله عليه... حتى يعد الأسلحة اللازمة لمحاربة أعدائه فى السلوك الذين يحاربونه بأقوى الأسلحة خوفاً من أن يظفروا به فيجعلونه عبداً لهم وهو يسارع أن يكون عبداً للقادر الحكيم المنعم المتفضل العفو الغفور التواب.
ومن جهل معنى إبليس ومعنى الشيطان ومعنى امتناعه عن السجود ومعنى كون نفسه أعدى عدوه ربما زل فى طريقه أو ضل ومن جهل معنى الولى والنبى ومعنى النبى والرسول ثم زاغ وجعل جلال ربه وجماله وعظمته وكبرياءه هلك فى وحلة التوحيد لأنه لم يميز بين المراتب ولم يحفظ الله بالعلم من ظلمة التشبيه وجهل التنزيه.
وقد بينت تلك المعانى كلها فيما سبق من الكتب فى مواضعه فراجعه فإن كثيراً من السالكين يجهل تلك المعانى فيزين له إبليس الباطل بحسب ما يناسب نفس السالك، فيفتنه فتنة ينتج عنها إضلال كثيرين من الخلق مع اعتقاده أنه على الحق الصريح قال تعالى: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فى بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) سورة النور آية 40 وهنا أبين لك سبل الغواية التى يسلكها عدو الله وعدوانا ليكون إماماً لمن أضلهم الله إلى النار أعاذنى الله وأولادى وأخوانى المسلمين من شره.
أولها: الطمع
أولهما الطمع لأنه الباب الذى دخل منه على أبينا آدم عليه السلام لأن آدم عليه السلام طمع فى الخلد فظفر منه إبليس بتلك الغرة فهجم عليه من جهتها، وأنت تعلم كيف سعى بهمة حتى أوقعه فى معصية الله بأكله من الشجرة فكان ما كان مما تعلمه وكم أزل العلم رجالاً فأوقعهم فى معصية الله وإزالة الملك والسلطان وإزالة اللذة التى بها الحياة الحقيقية.
والطمع هو أمل يدعوا إليه إما لنيل شهوة أو سيادة أو أثرة أو انتقام من عدو، وليس بطمع عمل فرداً ومجتمع لنيل ما يستحقونه من المجد أو الشرف دنيا أو ديناً مع إعداد العدة والعدد، بل ذلك حق واجب أن يطالب به الفرد والمجتمع وما يطالبنا الله به ويطالبنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبنا هذا ليس طمعاً.
وإعمال رسل الله حجة لنا فأنهم كانوا يطالبون بحق طالبهم الله به، وكذلك أهل النفوس الزكية والعقول الكاملة والهمم العالية يطالبون أنفسهم أن تقوم بما أوجبه الله سبحانه وتعالى عليهم وبما طلبه سبحانه منهم من العمل بما يجب من إعلاء كلمته وتجديد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الطمع المحمود فى طريقنا وقد شرحته فى اصطلاح الرجال.
وهنا أتكلم على الطمع المذموم: كل طمع يؤدى نيله إلى معصية الله أو السعى له إلى معصيته سبحانه فهو باب من أبواب الشيطان يدخل منه على القلب فيفسده وإنما الطمع المحمود الطمع فى نيل فضل الله تعالى ورحمته والطمع فى الإقبال على الله تعالى والقبول منه سبحانه والطمع فى المسارعة إلى النفع العام مع حسن النية والإخلاص فى العمل والصدق فى المعاملة، ومتى طمع المسلم فيما هو شهوة أو لذة، ذل نفسه لغير الله تعالى وتساهل فى دينه وفى شرفه وفى عرضه والتفت عن الله بوجهه فيلتفت الله عنه.
ومن نظر إلى من هو فوقه فى الدين والعلم والتقوى وإلى من هو دونه فى الدنيا سد هذا المنفذ فى وجه الشيطان فشكر الله على ما أنعم عليه وطمع فى مواهب الله العلية التى تفضل بها على أهل محبته فيكون طمعه طمع أولياء الله وشكره على ما أنعم الله به عليه عمل أحباب الله.
-2-
وما ضل سالك فى سلوكه إلا بالطمع:
إما فى كرامة يجريها الله على يده، أو فى إقبال الناس عليه، أو فى نيل ما فى أيديهم، أو فى شهرة يكتسبها، أو أسقاط نظير أو مثيل له.
كل هذا من عمل الشيطان ليبعد السالك عن الله تعالى، أعاذنى الله وإخوانى من شره.
أما غير السالك فللشيطان عليه تأثير من هذه الجهة، فيجعله يطمع فى نيل شهواته حلالاً كانت أو حراماً وجمع الأموال أو ادخارها طمعاً فى البقاء ومعادة الناس للوظائف حتى يسعى بكل جهده فى إذلال غيره وأذيته، كل ذلك من الطمع، وهو من المدارج التى يتدرج عليها إبليس لإفساد القلوب والنوايا والقصود، فيجعل الأخ يعادى أخاه والرجل يعادى أبنه والصحاب يسعى فى إهلاك صاحبه فيفرق بين القلوب، كل ذلك بالطمع أعاذنى الله وإخوانى من طمع فى غير فضل الله ورحمته سبحانه وتعالى ونيل رضوانه الأكبر والفوز بجوار حبيبه ومصطفاه فى مقعد صدق عند مليك مقتدر.
فأنبه السالك فى أن يسد تلك المنافذ بعزيمة الإقبال على الله تعالى والاستعانة به سبحانه وتعالى، مجاهداً نفسه، معتقداً أن الدنيا وما فيها لا تساوى عند الله جناح بعوضة، وأن الذى قدره سبحانه أزلاً للسالك لا يمنعه أحد ولو اجتمع الجن والإنس، فيرضى عن الله تعالى.
وإن بعض السالكين يكون عنده ما يكفيه لخمس سنين ويدعوه الطمع إلى دوام الفكر والحزن، وذلك من سعى الشيطان لعنه الله، وإن بعض السالكين لا يكن عنده إلا قوت يومه وهو آنس بالله فرح بإقبال الله عليه وتوفيقه إياه لمحابه ومراضيه، أسأل الله تعالى أن يمنحنا جماله وفضله العظيم بفضله، ويعيننا على شكره وحسن عبادته، ويكرمنا وأهلنا وإخواننا إنه مجيب الدعاء، ومن ذاق حلاوة التوحيد لا يطمع فيما يفنى ويكون طمعه فيما يبقى.
ثانياً: الحسد
الكلام على الحسد
قال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) سورة النساء آية 54.
الحسد هو داء إبليس العضال، وهو شر الرذائل وأساس المفاسد والدرك الأسفل من النار، وهو خلق الشيطان من الإنس والجن، ومن كان فيه هذا الخلق فهو شيطان الإنس وهو أضر على المسلمين من شيطان الجن، لأن الحسد تمنى زوال نعمى الغير ليختص بها الحسود دون غيره، وصاحب هذا الخلق مرتكب من الرذائل شرها ومن المفاسد أضرها ومن القبائح أبشعها، لأنه ينسب ربه إلى الظلم ويثبت لنفسه استحقاق الخير، فينازع ربه جل جلاله فى رداء الكبرياء وإزار العظمة، ويسعى فى أذية المسلم فى غير جريرة، فيكون عدواً لله عدواً لرسول الله عدواً لنفسه عدواً لإخوته المؤمنين.
والحسد يأكل الجسد، والمحسدة مفسدة، والحسود لا يسود، وسلع الشيطان التى يروجها فى أسواق الشهوات أربع وهى: الحسد للعلماء، والكيد للنساء، والظلم للحكام، والخيانة للتجار وبئست البضاعة.
وله نوافذ يدخل منها على قلب السالك بالحسد منها نظره إلى عمله وحاله وسابقيته، وهذا النظر يجعله ينظر إلى إخوانه بعين الاحتقارـ فإن منَّ الله عليه بذوق أو وجدٍ أو بحسن مراقبة أو رعاية أو محاسبة أو شهود أو شوق أو فقه فى دين الله دعته نفسه إلى أنه أوْلى بهذا منهم وأحق به لسابقيته ومجاهدته:
فيحسدهم أولاً، ويقوى عامل الحسد فى قلبه حتى ينقلب فيكون شيطاناً، فيوقع بين الإخوان بالعداوة والبغضاء كذباً، ثم تقوى شرارة الشيطان فى قلبه حتى ينكر عليهم ويرميهم بما ليس فيهم وينقصهم أمام المرشد ذاكراً سابقيته وأعماله وخدمه للمرشد وناسياً أن تلك السابقية والأعمال والخدم لو كانت خالصة لوجه الله لأقبل الله عليه بوجهه وآنسه بجماله وجمله بالمقامات العلية والأحوال السنية وحفظه من لمة الشيطان الرجيم.
وقد يبلغ به الفساد الأكبر مبلغاً حتى يخرج من الإيمان من حيث لا يعلم كما خرج إبليس، فإنه تمنى زوال نعمة آدم لينالها، فلما لم ينجح أنكر على ربه سبحانه وتعالى فخالف أمره، وأراد أن يقيم على الله سبحانه الحجة فقال: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) سورة الأعراف آية 12، فانظر إلى نار الحسد كيف تحرق الإيمان، وأججت الشرارة فى قلب إبليس حتى طرده الله ولعنه، ودامت حتى وقف أمام ربنا سبحانه وقال: (اجعلنى من المنظرين) وقال: (لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) سورة الحجر آية 39 ، وكذلك الحسود يقوى فيه موجب الحسد حتى يكون فى الدرك الأسفل من النار، فيكون شراً من إبليس أعاذنى وأهلى وإخوانى المسلمين جميعاً.
وقد يدخل عليه الحسد من نسيان يوم الحساب، فيعتقد أن الدنيا هى دار الحيوان والبهجة واللذة والبقاء والراحة، ويجهل أنها دار العناء والبلاء والمجاهدة وخلاص النفس من مهاوى الغضب والعذاب، فإذا نسى السالك يوم الحساب مالت نفسه إلى الدنيا وطلبها والعمل لها والمسارعة إلى نيل حطامها الفانى وسلبها من يد من يسرها الله له وقدرها، فلا ينال منها إلا ما قدره له، ويحسد أهل الثراء ويكون ممن شنع الله عليهم بقوله : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا) سورة الإسراء آية 18، فيأكل الحسد كل حسناته، وقد يأكل العقيدة مع ما أكل، أعاذنى الله وأهلى وأولادى وإخوانى من هذا الداء العضال.
وكل سالك قال أنا، وقع فى العنا، ولا يقولها إلا من أعمى الله بصيرته فنظر إلى عمله المردود عليه وعباداته التى لم تقبل وقرباته التى لم تكن لله، ولأنه لو أخلص فيها لرفعت إلى الله تعالى وغابت عن بصيرته وبصره، ولما شاهدها لنفسه، لأنه بإخلاصه يذكره الله نعمه عليه من أول النطفى إلى يومه الذى هو فيه ويشهده فضله العظيم عليه من العرش إلى الفرش، قال الله تعالى: (إِنَّ فى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ التى تَجْرِي فى الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) سورة البقرة آية 164، أقول قولى هذا لمن فقه قوله: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) سورة فاطر آية 10، ومن فهم عن الله تعالى معنى هذه الآية ورأى قربات أو عبادات أو أعمالاً فقد ظلم نفسه بدعوى الفهم عن الله تعالى، وهذا النوع من الكبائر، أعنى الحسد، أحق أن يعالجه السالكون بأشد المجاهدات.
ومن ذاق حلاوة التوحيد وتيقن أن المقدر هو الله والمعطى هو الله والمانع هو الله، وعلم أن النعمة والفتح والفقه والحال فضل الله تعالى يتفضل به على من يشاء لا بعمل ولا لنسب ولا لمجاهدة، تعرض لفضل الله وغض بصره عن الحسد وشكر الله تعالى على نعم لا تحصى، ولكن لعن الله إبليس يقعد على الصراط كالجبل أمام السالك فيصده عن الحق، ويدخل فى قلبه فينفخ فيه نفخة الباطل ليطفئ نور الإيمان والتوحيد، فيرى السالك عمله وقرباته وخدماته وينسى نعم الله عليه بالعلم والاستقامة والذكر والمذاكرة.
-3-
ثم يرى المسكين نعم الله وإحسانه عليه ونعماً منه على الله ويطالب الله بحقوقه ولو تبصر أنه كان بولة من أبيه وبولة من أمه ثم تفضل الله عليه بما لا يحصى من النعم وأن الموفق له والهادى والمعين والمتفضل بالعلم والحال والحكمة هو الله لا غيره لا لعلة دعته إلى ذلك تنزه، ولا لغرض إلى العبد دعاه تنزه وتقدس بل بمحض فضله وإحسانه افتتح إيجادناً وبكرمه افتتح إمدادنا وكيف يرضى السالك أن يبدل نعمة الله كفراً وشكراً الله شراً وبطراً، أعوذ بالله من الحسد مصدره إبليس ونتيجته اللعنة والطرد وكيف يرضى السالك أن يكون مع إبليس وهو يسارع أن يكون مع الله ورسول الله وقد بينت مضار الحسد فى كتاب أصول الوصول فى باب مخصوص.
وقد يدخل إبليس على السالك من باب الحسد فيفهم أن مرشده خير الخلق أجمعين فإذا لقى دالاً على الله خيراً من مرشده ورأى إقبال الناس عليه حسده وأنكر عليه وسعى فى تفريق الناس عنه فيكون صاداً عن سبيل الله متكبراً على الحق، وتقوى تلك الشرارة فى قلبه حتى يوقع الناس فى الشر ويجعل المسلمين يشتغلون بما يغضب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وقد شنع الله على أهل الحسد بقوله تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فى الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) سورة الأعراف آية 146 والسالك ضالته المنشودة الحكمة إن كان سالكاً حقاً متى وجدها التقطها على لسان من صدرت منه كائناً من كان وليس بالسالك من يحصر نعمى الله وفضله فى واحد من الخلق وأن العلم كله فى العالم كله.
وقد يدخل إبليس على السالك من البلايا، و ينال غيره من الخير فى الطريق فيقول أنى أعمل أكثر منه ولم أنل خيراً من الدنيا ولم أر رؤيا كما رأى ولم أنال خيراً كما نال فيفتح على نفسه باب الشر: قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) سورة الحج آية 11.
وقد يدخل على السالك من باب أخفى من هذا: من ذلك أنه يناله خير فيأتيه الشيطان ويدخل فى قلبه أن فلاناً من أخوانه يكره له الخير ويتمنى زواله منه فيحسده على هذا ويسعى فى أذيته بمجرد الظن الذى لا يخطر على قلب أخيه ويقوى الحسد حتى يظاهره بالعداوة ويوقع أخاه فيما كان لا يشعر به.
وقد يدخل عليه من باباً هو شر الأبواب كلها : فقد يأمره المرشد بعمل من الأعمال بأن كان فى الأسباب فيأمره بالتجريد أو فى التجريد فيأمره بالأسباب، أو كان نائباً عن المرشد فيقيم غيره نائباً عنه لمقتضيات اقتضاها واجب الوقت فيأتيه الشيطان فيقول له أن المرشد سمع فيك كلاماً فيعادى أخوانه ثم يقوى هذا الحسد حتى ينكر على المرشد ويسعى فى تفرقة أخوانه كبراً وعلواً وفساداً فى الأرض وهو أضر أنواع الحسد على السالك ولا يبتلى به إلا الذين لم تسبق لهم الحسنى أعاذنى الله وأخوانى من كيد الشيطان ودسائسه.
وهناك منافذاً أخرى يدخل منها الشيطان من حيث لا يعلم السالك المسكين لا تخفى على ذى بصيرة لذلك أنبه أخوانى السالكين جميعاً أن يعرضوا خواطرهم وأمراضهم على المرشد قبل قوة سلطانها على القلب وأن يجتهدوا أن لا يخفوا عن المرشد أمراضهم مهما كانت قبيحة ليداويهم بما يناسب من العلاج والشافى هو الله أسال الله تعالى أن يعيذنا بوجهه الكريم من الشيطان الرجيم وأن يجملنا بفضله وكرمه بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وآلنا وأولادنا والمسلمين جميعاً.
الشفاء من الطمع والحسد:
قدمت لك الأدوية النافعة من الطمع: وهنا أبين لك دواء يجب أن يقوم به السالك والله تعالى هو الشافى.
أعلم أنه من مبادئ الطريق تحقيق السالك أن المرشد بمعناه والد رءوف رحيم حريص على خير السالك الخير الحقيقى الذى هو خير له فى دنياه وآخرته وأنه أعلم به بما به كمال نفسه وجسمه الكمال الذى يبلغ به مقامات القرب ومنازل الحب ليفوز بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مقعد صدق عند مليك مقتدر ويسعد بالسعادة الحقيقية الدائمة من غير سابق سؤالاً ولا عقاب.
ومعلوم أن السالك إنما اتصل بالمرشد لا لينال وجاهة فى الدنيا ولا شهرة بين الناس ولا وسعة فى ماله وإنما اتصل به لتستبين له سبل الله ويتضح له الصراط المستقيم فيسلك عليه بالله تعالى ويتلقى منه أسرار الحكمة فى إيجاده وإمداده حتى يعرف نفسه ما هى وما هى عيوبها وكمالاتها، وإذا كملت ما الذى تفوز به من الخير والسعادة وإذا لم تكمل ما الذى تناله من الشر والعذاب وهى بدايتها ونهايتها حتى تنكشف له علم يقين أو عين يقين أو حق يقين حقيقتها ومكانتها فى مراتب الوجود ومقامها الأخير الذى ترقى عليه وتناله بفضل الله تعالى ومقرها إن هى أهملت وخالفت أحكام الله سبحانه ووصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدرك الأسفل من النار حتى يحصل له الشوق المزعج إلى نيل كمالاته والخوف المحرق من الوقوع فى النقائص فيفر من كل ما يشغله عن الله من حظ أو شهوة أو هوى أو جاه أو شهره أو مال أو أهل أو ولد فراره من النار الحمية تتصل بجسمه لما ينكشف له حقائق الأشياء وأسرار الأحكام الشرعية وسر النشأة الأولى والنشأة الآخرة وما ينبلج له من أنوار البدء وأنوار الإعادة فيلوح له فى كل نفس نوراً يؤجج شوقه ونار محبته تجذبه بكليته إلى الملكوت الأعلى فيفر مسارعاً إلى مغفرة من ربنا سبحانه وجنة عرضها السموات والأرض، ومن كل ما تميل إليه النفوس النجسة حتى من نفوذ الكلمة والجلوس على عرش الملك وحتى من كلمة (كن) هذا الأصل هو الذى يجب عليه السالك فى طريق الله الراغب فى نيل القرب منه الباذل ماله ونفسه فى نيل رضوانه تنزه وتقدست ذاته.
ومن دسائس الشيطان التى تعوق السالك عن السير
ثالثاً :الحرص
ومن دسائس الشيطان التى تعوق السالك عن السير فى طريق الله تعالى نوع من الحرص قال أطال الله عمره ونفعنا به آمين:
الحرص نوعان محمود ومذموم فالمحمود هو الشفقة والرحمة والرأفة التى تدعو إلى القيام بما ينال به الخير دنيا وديناً وآخرة لكل العالم ولا يكون بأكمل معانيه إلا فى فرد واحد هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه الحريص على نجاة العالم أجمع الرءوف الرحيم بالمؤمنين وقد تحمل من البلاء فى سبيل ذلك ما لا يتحمله كل رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم ومع هذا فكان صلى الله عليه وسلم يقول: (رب أهد قومى فإنهم لا يعلمون)وكم أهلك الله تعالى إمما بالدعاء عليهم من الرسل عليهم الصلاة والسلام فظهرت حقيقة شفقته على العالم أجمع التى هى الحرص عليهم، وكل من له شفقة على آخرين يحرص على خيرهم.
والحرص المذموم هو الشره الذى يجعل صاحبه يسارع فى نيل ما لا يستحق غير مبال بضرر الغير وأذيته وعمل ما يمكنه من الحيلة والبطش فيستعمل خدع القوى الشهوانية وافتراس القوى السبعية إن لم يتحصل على ما يحرص عليه، هذا كله إن لم يقوى سلطان القوى الروحانية.
وقد كانت تلك الأمراض الثلاث التى هى الطمع والحسد والحرص: أول أمراض نشأت فى العالم أجمع، فكان الطمع من أبينا آدم والحسد من عدونا وعدو الله إبليس لعنة الله عليه، والحرص من ابن آدم الذى قتل أخاه حرصاً على زواج أخته.
أتكلم عن هذا المرض فى السالكين فإن قبحه فى غيرهم ظاهر جلى. ولم تسفك دماء بريئة ولم تبح أعراض عفيفة ولم تنهب أموال محصنة إلا بمرض الحرص أعاذنى الله وأولادى وأخوانى من الحرص على ما يغضب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأساله سبحانه وتعالى إن يهب لنا الخير الحقيقى والإقبال على حضرته والقبول منه.
أسباب الحرص عند السالكين:
السالك فى بدايته مقبل بكليته على تزكية نفسه وطهارتها لينال القرب من الله وفضله سبحانه ورضاه، ولكن عدو السالكين إبليس لا يتركه فى سيرة بل يقعد له على صراطه المستقيم، فإذا منحه الله نعمة من حكمة أو حال أو آية أو رؤيا صالحة أو إقبال الخلق عليه أو ثنائهم عليه فرح بالنعمة وحرص أن يعمل حرصاً على بقائها وحفظها له ناسياً قصده الأول ومطلبه العلى ثم تقوى وسوسته فى قلب السالك حتى يلقى فى قلبه أن تلك النعمة قد يزاحمه فيها غيره فتسلب منه لجهله أن فضل الله العظيم يسع العالم أجمعين.
ولو أن كل ذرة من الثرى وقطرة من الماء وهب الله لها من النعم ما لا يحصيه العادون لما نقص من خزائن فضل الله شىء، فينتقل السالك بعد أن كان فرحاً بالنعمة حريصاً عليها مشغولاً بها عن المنعم إلى أن يكون حريصاً عليها من أن يسلبها غيره من الخلق فيقع فى معاداة الخلق والسعى إلى ضررهم من غير ذنب إلا للحرص الذى دعاه إليه شيطانه.
والمريد فى الحقيقة طالب الحق فيجب ألا يحرص إلا على نيل رضاه سبحانه وفضله العظيم، ولا يعمل إلا ابتغاء وجهه الكريم، فإذا قوى هذا الحرص فى قلب السالك قد يدعوه إلى عمل ابن آدم الأول وإذا بلغ السالك فى المرض حتى أقبلت عليه وجوه الخلق حرص على تلك البلية فاستعمل الخلق آلة للفساد والبلية، وما حصلت العداوة والشحناء والبغضاء بين السالكين وبين من سادوا إلا بسبب الحرص، وهذه بلية من أكبر البلايا التى أصابت أهل السيادة والعلم والسلوك، وكم قتل الرجل أخاه وقتل الولد والده وقتل المسلم أخاه حرصاً على أن ينال ما فى يد الآخر من النعمة وكم سعى جاهل بقلبه عالم بلسانه للتشنيع على نظيره أو على خير منه حرصاً على الشهرة أو السيادة أو الوظيفة.
مضرة الحرص:
قد يحرص السالك على نيل مرتبة سمع بها أو مقام علمه فيعمل الأعمال الفادحة غير متوسط فى سلوكه حريصاً على هذا العمل متهاوناً فى كل واجب عليه لغيره حتى يضر نفسه ويفسد صحته ويعصى ربه، كل ذلك من الحرص الذى يعينه عليه الشيطان، وكم من مقبل أدبر ومسارع أبطأ وعامل للخير عمل الشر بسبب الحرص، والحرص يجعل صاحبه يعادى أحب الناس إليه ويقاطع أبر الناس به ويظاهر ارحم الناس به، ولو علم السالك أنه افتتح سلوكه رغبة فى العمل بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسارعة إلى الفوز بالنجاة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وزهداً فى الدنيا وحرصاً على نيل الخير الحقيقى، لراقب الله فى عمله ولحاسب نفسه، لكن لعن الله الشيطان حيث يقول (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) سورة ص آية 83 وكيف يحرص المريد على ما يفنى ويترك ما يبقى ويهتم بما يبعده عن الله ويهمل ما يقربه إلى الله.
دواء الحرص
انفع علاج للحرص أخذ جرعة من طهور (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سورة فاطر آية 2 والتدبير فى قوله تعالى (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فى الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) سورة الحديد آية 20 وقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ) سورة يونس آية 7 وقوله سبحانه (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ) سورة آل عمران آية 14 ودهان تلك الجروح بالمرهم المركب من قوله صلى الله عليه وسلم: (أن هذا الدين ميتن فأوغلوا فيه برفق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهر أبقى)والتوقى من الحظ والهوى بالحمية فى حصون قوله صلى الله عليه وسلم: (الناس هلكى إلا العالمين والعالمون هلكى إلا المخلصين والمخلصون على خطر عظيم)فيحتمى بحصون الحمية من أن يغذى قلبه بخاطر حيوانى أو بوارد حظ خفى أو بخاطر أى باطل أو بقصد ما يفنى ويكتفى بالأغذية التى يتناولها من الكتاب والسنة مجاهداً نفسه أكبر الجهاد والله تعالى الشافى سبحانه.
الحرص لابد منه لأنه من فطر النفوس فاجتهد أن يكون حرصك حرصاً محموداً، فأحرص أن تحب لأخوتك ما تحب لنفسك وأن تحسن إلى من أساء إليك وتصل من قطعك، وتحب فى الله وتحافظ على حدود الله، وتفرح بنعمة الله لغيرك وتسال الله دوامها وتشكره عليها، لأن المسلم خزانة المسلمين، وإن أنعم الله عليك بنعمة فأسأل الله أن يعينك بها على طاعته، وأفرح بفضل الله وبرحمته عليك شاكراً الله، مقبلاً على المنعم جل جلاله غير مشغول بنعمته عنه، فإنه غفور يكره أن يشتغل عباده عنه بنعمته، إنما يتفضل بنعمته ليجذب لها أهل محبته إلى الإقبال عليه سبحانه.