عدد المشاهدات:
قال الله تعالى مخبراً عن إبليس (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا) سورة النساء آية 119،
والأمانى جمع أمنية والأمنية تصوير شىء فى النفس تشتهى حصوله، وأغلبها من باب التخمين والظن وقد تكون بعد الروية، والاستناد إلى الأمانى أكبر خدع الشيطان التى يدخل بها على السالك فى طريق الله تعالى وما أفسد قلوب السالكين إلا الأمانى وكيف لا وهو لعنة الله عليه يقول: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا) سورة النساء آية 119،
وقد نهى الله تعالى الرسل عن الأمانى مع اعتقاد أنهم صلوات الله وسلامه عليهم لا يتمنون إلا الهداية للخلق وصفاء قلوبهم، وإقبالهم على الله تعالى، ومع ذلك فقد قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فى أُمْنِيَّتِهِ) سورة الحج آية 52، وإن كان (تمنى) هنا بمعنى قرأ وتلا، إلا أنه فيه من الأمنية ما فيه لهداية الخلق، ومع ذلك فالشيطان يلقى للسامعين ما لا يتكلم به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين،
الخلوة بالنفس
فاحذر أيها السالك المسترشد أيدنى الله وإياك بروحانية رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن تتصور نفسك فى خلوتك أو فى مجتمعك شيئاً فتشتهيه، وسد هذا المنفذ الشيطانى عنك بأن تنظر إلى الدنيا بعين البصيرة محتقراً لها ولما فيها إلا ذكر الله وما والاه، فإذا هجم عدو الله وعدوانا وحرك النفس إلى التخمين والظن وجعلها تجول جولة الأمانى،
فأكبح جماحها بالنظر إلى ما فى نفسك، وما فى السموات والأرض من بدائع صنع الله وعجائب آيات الله وغرائب حكمة الله، فأن أبت عليك فتصور نشأتك الأولى نطفة ونهايتك الأخيرة فى الدنيا جيفة، وأنك ستتطور فى بطن أمك البرزخ بعد تطورك فى بطن أمك الدنيا ثم تقوم من بطن البرزخ إلى وطن الآخرة مولوداً ولادة جديدة قال تعالى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)
سورة إبراهيم آية 48، فتجرد يا أخى عن بشريتك وتخل عن إبليسيتك، وأسبح فى شهود تلك الحقائق مقبلاً فاراً من أمنيتك حتى تتجلى لك أنوار قوله تعالى: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا)
سورة نوح آية 14، واحفظ أنفاسك فى كل طور ووطن فإن مان ومنا من مادة واحدة، والمين الكذب وكذلك الأمنية.
وإنما المريد السالك من يكون بين حالين:
- إما عامل بيديه فى نفع لنيل خير لنفسه ولأخوته المؤمنين
- أو عامل ببدنه وقلبه فى قيام بمأمورية أو سابح بنفسه فى ملكوت الله الأعلى مستجلياً بنور اليقين أنوار آيات الله تعالى بعد تزكية النفس وفراره بالإخلاص إلى الله تعالى بعد تزكية النفس وفراره بالإخلاص إلى الله تعالى فانياً عن الإخلاص، وكل وقت غير هذين الوقتين فهو عليه لا له.
. دسائس الأمانى
ومن تمنى شغل نفسه وجسمه عن القيام بما أحبه ويحبه الله تعالى وأضاع نفائس أنفاسه فيما لا ينفع ولا يضر ـ يأتى الشيطان لعنة الله عليه، للسالك المخلص المقبل على الله بكليته الفانى عن عمله وحاله ومقامه فيلج على قلبه ويقول له أن لك حالاً تؤثر على النفوس ومقاماً يسلب أحوال الرجال وعملاً يوجب لك الإكرام عند الله والفوز بالجنة، ويفتح عليه أبواب تلك الأمانى فيقول تحصل لك كرامات وأنوار كذا، وشهرة كذا، وتقبل عليك الوجوه، ثم تقوى تلك الأمانى حتى يفسد عليه وقته وحاله ويصبح وقد أضاع أنفاسه ونفائسه أن كان من أهل السلوك، وإن كان ممن حجبته الحظوظ يصبح منتفخ الأوداج مرتفع الصدر مزدرياً بإخوانه بما حسنته له أمانيه مغروراً بما أدخله عليه الشيطان من الظن والتخمين فيوهم الناس ويخوفهم ويدعى الدعاوى الباطلة.
ومن دسائس الأمانى أن يأتى الشيطان فى قلب السالك المسكين موسوساً له أنه لو فعل كذا وكذا من الحيل والشعوذة والخدع، لأقبل عليه الناس وواسوه فيضيع أنفاسه بغير جدوى، ومن خدعه للمريد أن يوسوس إليه أن كثرة الطاعات والعبادات جعلت لك المنزلة عند الناس والجاه والمال ...فأكثر منها، فيبيت لذلك يذكر الله ويصلى وهو مشرك فى عمله، وقد بلغ ببعض أهل الجهالة من السالكين أن يذكر فى الليل بعض أسماء الله آلافاً ويكون قدر الله له خيراً، فيقول هذا بسبب ذكرى وسهرى، وقد يغلبه النوم فى ليلة ويكون الله لم يقدر له خيراً أو قدر عليه بلية فيقول هذا من ترك العمل، فيقوى داعى الشرك فى قلبه وينسى الإخلاص لله والعمل لوجهه الكريم، مع أن أهل الكفر بالله لهم الجاه والمنزلة والسلطان فى الأرض، وهى مهواة الضلال.
وقد يدخل عليه الشيطان من باب الأمانى فيقول إن فلاناً أذاك فاذكر الليلة كذا اسماً من أسماء الله عليه، ويبيت طوال الليل يذكر ليضر من آذاه، وقد يقدر الله شراً لمن دعا عليه فيقوى غروره ويجعلها كرامة ليرهب بها الخلق، وينسى الجاهل المسكين أن تلك الأمانى مفسدة للإيمان مزلقة للسالكين، وقد بنتشر ذكره فيقبل عليه الناس ليدعو على أعدائهم فيكون آلة من آلات الشيطان، وقد يأتيه الشيطان فى حال الأمانى فيقول أنك تبلغ مبلغ شيخيك وقد تزيد عليه، ودليل ذلك ما وهب الله لك من العمل والحال وإقبال الخلق، فتشبه به وطالب الناس أن يقوموا لك كما قاموا له، فتقوى تلك الأمانى حتى يصطفى بعض السالكين الذين لا علم لهم فيغرهم حتى ينصبوا له ويشتغلوا بعداوة إخوانهم ليبلغوه أمنيتهم الكاذبة،
وقد يأتيه الشيطان فيصور له أنه يتزوج فلانة الغنية وأن والدها يزوجها له فليفوز بالبركة والخير ويستريح هو بها من عناء فقد الزوجة والمال، وكل هذه أمانى أهل الغرور، وقد يدخل الشيطان على السالك بالأمانى عن طريق أترك الأعمال فيقول إن إقبال الخلق لا يكون إلا بأن تكون مثل الأولياء السابقين الذين تركوا الأعمال فجائتهم الأحوال،
وقد يلبس عليه الحق بالباطل فيقول لابد من الفناء والتجريد فيقع فيما حرم الله ويترك ما فرض الله ويحسب أنه تجرد، وأما أهل الله الصالحون فلهم أمانى أخرى يدخل عليهم منها الشيطان تخفى على كمل الرجال، منها أن يتمنوا هداية الخلق وتأليف بعض الملوك أو الوزراء أو الأمراء ابتغاء وجه الله تعالى، ويظنون أن تأليفهم وإقبالهم ينتج إقبال العامة على الله تعالى ويتأولون ذلك بما أخذ من السنة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (أكرموا ذوى الهيئات)وقوله صلى الله عليه وسلم: (أنزلوا الناس منازلهم)وما كان يفعله صلى الله عليه وسلم من تأليف أكابر قريش، وفى هذا الحال يقوى باعث نزغة فى قلوبهم فيتوددون إليهم ويغضون أبصارهم عن هفواتهم تأليفاً لهم مع البشاشة والطلاقة ودوام البشائر، فقد ينتج هذا العمل ضد مقصودهم ويحصل لهم المضرة بسبب ذلك، ممن تساهلوا معهم ولو لم يكن إلا ميل القلب أو ضياع الأنفاس لكفى ذلك مضرة،
ومن تلك الأمانى ما يدعو بعض أهل المقامات إلى أن يشتد على الملوك وأمراء والوزراء ابتغاء وجه الله تعالى، متمنياً إقبالهم على الله تعالى فينتج ضد ما يقصد وكان يظن أن له مأخذاً من السنة وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان يغضب لله ويرضى لله وأن عمر بن الخطاب كان لا تأخذه فى الله لومة لائم ولكن هذا مقام وذاك مقام.
قال الشاعر:
تحنن على هداك الإله فإن لكل مقام مقال
فقد كان عمر بن الخطاب لا تأخذه فى الله لومة لائم، والله مكنه من أن يمحو كل عمل يغضب الله تعالى بالقوة والفعل، وكم من أمنية دخلت على قلب الرجال من تساهل للتأليف أدى إلى ما يغضب الله، ومن تشديد للإقبال على الله أدى إلى التنفير والاختلاف والتفرقة عن الحق،
ومنهم من يدخل عليه الشيطان فيقول له قم فامح البدعة وأحى السنة فيصيح تلك الصيحة غير عالم بما وضعه الله تعالى من الأسباب اللازمة لتلك الدعوة والأوقات المناسبة لها والإخوان الذين هم أعوان له على نيلها، فيصيح صيحة المتمنى فلا يلبث إلا وقد اسكت مرغماً ويظن أن له مآخذ من الكتاب والسنة منها أن كل رسول من رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم قام منفرداً فى قومه ومنها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامكُمْ)سورة محمد آية 7، ومنها قوله (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) سورة العنكبوت آية 69، ولكن كل ذلك لابد أن يكون بالحكمة التى أرادها الحكيم الخبير وبالأواسط أى الأسباب التى وضعها الله القادر الحكيم حتى ينتج الخير المراد، وأنت تعلم أن الله جل جلاله خلق السموات والأرض فى ستة أيام وهو قادر سبحانه أن يخلقها فى أقل من لمح البصر ولكنه قادر حكيم فوضع الأسباب بحكمة وقدرة.
ومن خدعه فى الآمانى أن يصور لأولياء الله تعالى إن أباحوا بالحكمة العلية أقبل عليهم الخلق وكثر أهل الحق وقل أهل الباطل وبذلك تتجدد السنة وتعلو الكلمة، وتقوى تلك الأمنية فى نفوسهم فيبيحون بالحكمة فيتلقاها غير أهلها من أهل النفوس اللقسة فتنزل الحكمة فى قلوب نجسة ونفوس شريرة فيفهمون الحكمة على قدر نجاستهم كما قال تعالى: (هُوَ الذى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فى الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)سورة آل عمران آية 7،
وقد ابتليت بأمثال هؤلاء حتى حصل منهم ما يخالف الكتاب والسنة من الاعتقاد وترك الفرائض والسنن ومخالفتى فى صريح الآية ودعوى أنهم أتباعى بالباطل غفر الله لى ولهم، فتكون تلك الأمنية فى الحقيقة بلية.
وهناك أمانى أخرى يدخل الشيطان على الرجال تخفى على أهل المقامات العلية، والتحفظ منها ملازمة المرشد والأدب له والاهتداء بوصاياه ودوام حفظ مكانة السالك معه حتى يبيحها له عند مناسباتها.
دواء الآمانى
قال الله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) سورة الإسراء 82، فالقرآن هو الدواء والشفاء من كل تلك الأسقام، فعلى المريد السالك بل على الواصل المتمكن أن يرتل كل يوم من القرآن على الأقل جزءاً وعلى الأكثر سبعة أجزاء ليتمكن من رعاية الأدب فى التلاوة وملاحظة المعانى مستحضراً أنه يسمع كلام الله تعالى ليفهم سر الخطاب أمراً ونهياً ووعداً ووعيداً، ويتأمل فى القصص ليعلم أعمال من عجل الله لهم النقمة فيتحفظ منها مستعينا بالله تعالى وينظر إلى الدنيا بعين تشهد حقيقتها من خبر الله عنها وخصوصاً فى مثل قوله تعالى: () سورة آية 14، وفى قوله تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)سورة التكاثر آية 1-2، وفى أمثالها من الآيات حتى تنقش تلك الأسرار على جوهر نفسه الزكية فتكون حصناً لها من الوقوع فى تلك المهاوى عند مقتضياتها البشرية والإبليسية أو البهيمية- قال تعالى: (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)سورة آل عمران أية 101، ومن هجر القرآن سد عليه ميزاب الفضل العظيم النازل من السماء والمتوالى بفضل الله إليه، ولا شك يا أخى أن المرتل للقرآن جليس الله تعالى- قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)سورة العنكبوت آية 45، فسرها بعض العارفين بأن الله يذكر العبد عند ذكر العبد ربه بتلاوة القرآن فى الصلاة أو فى غيرها.
ويلى هذا الدواء فى نيل الشفاء إن شاء الله تعالى، الالتجاء إلى الصلاة عند ظهور علامات مرض النفس كما يلتجاء من أحزنه شأن من شئون الدنيا إلى الصلاة وهى السنة، وسقم النفس أشد بلاء من مصائب الدنيا فليتوضأ المؤمن ويحسن وضوءه ويقوم للصلاة خاشع القلب مبتهلاً إلى الله تعالى ويكثر الدعاء فى السجود أن الله تعالى يفرغ قلبه من تلك الأمانى المفسدة.
ويلى هذا الدواء دواء أظنه إن شاء الله تعالى يعيد العافية للنفس وهو استحضار الموت وشدته والقبر ووحشته والسؤال وهوله والنار وآلامها ثم يتذكر المؤمن عند الله تعالى المقبول لديه من البشائر عند الموت من الوسعة فى القبر والسياحة بروحه فى رياض الفردوس والعناية بجسمه وروحه عند قيامه من قبره وإكرام الله له بالبراق يوم البعث وجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم فى دار البقاء فيزيل الله عن قلبه ظلمة تلك الأمانى وتشرق عليه أنوار التوحيد.
ويلى هذا الدواء دواء لمن لا عزيمة له وهو اعتزال كل موجب لتلك الأمانى والبعد عن كل شاغل عن الرب جل جلاله ما دام يعلم أن فى اعتزاله الخلق أنسا لقلبه وصفاء لسره.
وهناك أدوية أخرى وهى ترك المألوفات وكثرة الصيام وصحبة الفقراء والمساكين الذين برؤيتهم يرى نعمى الله عليه ومجالسة أهل العاهات والبلايا، هذه الأدوية كلها إذا لم يوجد المرشد الطبيب الروحانى الذى يجب على السالك أن يكاشفه بكل أسراره وخواطره ليعالجه بما ناسب حاله، وعجباً لإنسان يخاف على فقد صحته فيسارع إلى الطبيب ولو كان كافراً فيكشف له عورته ولا يحافظ على مداواة الأمراض التى بإهمالها يخلد بها فى جهنم، وأعجب من هذا أن الإنسان يعادى والده وأبنه إذا علم أنه نقص من ماله شيئاً، ويحب أعدى عدوه الذى ينقص دينه وإيمانه فقد يصاحب أهل الأهواء المفسدين أو الأغنياء المتكبرين ويبيع دينه حباً فيهم لينالوا خيرا ويفرح بما يغضب الله ويغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرضى من لا خلاق لهم، وقد يبيع دينه ليرضى كافراً أعوذ بالله من العمى ومن الأمانى التى توقع فى غضب الله تعالى، وقدر ركب دواء لكل تلك الأمراض وهو المحافظة على العمل بالسنة وعليها، وقراءة تراجم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياء الله تعالى المخلصين التابعين لهم بإحسان، وهجر كل أخ يشغلك عن الحق... والله تعالى أسأل أن يحفظنى وإخوتى المؤمنين جميعاً من الذنوب الموجبة للنقمة ومن الذنوب التى تغير النعم، وأسأله سبحانه وتعالى أن يمنحنى ويمنحهم الاستقامة والكرامة والعناية.. آمين.
أعلم أيها الأخ المسترشد أيدنى الله وإياك بروحانية رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإنسان نفس وجسم وحس، وبلاء الإنسان فى كل الأمراض النفسانية، فى الإنسان من الحس، ومن ملك حسه وقهره بالقرآن والسنة ويرى ربه سبحانه ويبلغ الدرجات العلية أن يكون ربانياً روحانياً عالماًً راسخاً فى العلم لأن الحس يقهر العقل والنفس والجسم، وهو باب الشيطان الذى يدخل منه على القلب، وذلك لأنه كان له غذاء يتغذى به فى الجنة وهو مسراته ببهاء جمال الحق وبهجته بأنوار التجليات التى تبهر العقول بضيائها الملكوتى فلما أن تمكن الشيطان من آدم عليه السلام فى الجنة كن سبباً فى معصية آدم وأكله من الشجرة فغضب الله على إبليس ولعنه لأنه من جسم نارى لا يصلح لخير ثم غضب على آدم وتاب عليه لأنه من طين وحكم عليه أن يعيش بكد وعناء، وغضب على الحس فحرمه من غذائه الذى كان يتغذى به فى الجنة حتى يعود إليها أن اختاره الله تعالى فهو فى غاية الجشع إلى غذائه يفتش عليه ولا يجده فيوقع نفسه النفس والجسم فيما يغضب الله تعالى، فهو وتلك القوة التى هى الحس منتشرة فى جميع الجسد وجنودها السمع والبصر والشم والذوق والمس والفرج والبطن فهى تقهر العقل، ولا يقوى على مدافعتها إلا إذا أعانه الله تعالى ووفق من يشاء فيهب له النور الذى تستبين به سبل الله تعالى وتظهر بشاعة الذنوب والمعاصى وقبحها ولديها فقد يقهر العقل الحس وقليل ما هم، لذلك أقول لك يا أخى.. أن الأمانى لابد منها للإنسان مادام الحس وقد يفقد الإنسان الحس وهو حى وليس الحى يلازم مادامت الحياة فإن بعض الناس قد يفقد سمعه وبصره وقد يفقد ذكره ويديه بالأمراض ويفقده بالنوم، وقد يفقده بما يحزن حزناً شديداً أو يفرح فرحاً شديداً وليس بمصيب من قال أن الحس لا يفارق الحياة فإنه قد يفارقها كما قررت لك، وإذا تقرر ذلك فيمكنك أيها المسترشد أن تجاهد نفسك أكبر الجهاد بالمراقبة والرعاية حتى لا يؤثر عليك الحس تأثيرا يوقع فى الخطيئة ونسيان يوم الحساب وجاهده لتلوح لك آيات الله يوم جلية فيما تراه وتسمعه وتشمه وتذوقه وتلمسه وتتخيله وتتوهمه فتكون آيات الله أقرب إليك من كل ملموس بأى قوة من القوى الحسية، وقد ترقى إلى مقام فوق ذلك حتى تفقد الحس الذى به شهود الآيات بدوام جلاء جوهر نفسك بالتزكية وبدوام عناية الله بك حتى ترى وجه ربك حيث وليت وجهك وتكون عند ذلك ملكوتياً لا ترى إلا ملكوت السموات والأرض وكما أن للسالك قبساً يقتبسه من أنوار الملكوت حال مجاهدته حسه فإن الحس قد يقلى سلطانه على السالكين فيوقعه فى السيئات فإذا تذكر أسرع إلى التوبة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)سورة الأعراف آية 201، وقال تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا)سورة النساء آية 31،
وقال صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)وكل سالك لا يسلم من السيئات ولو بنسيان ذكر الله تعالى أو اشتغاله بالنوافل وترك الواجبات التى يقتضيها الوقت قال دواد عليه السلام:ـ (البار يسقط سبع مرات فى اليوم)ومعنى ذلك والله أعلم أن الأعضاء السبعة لابد لكل عضو منها من السقوط فى كل يوم ولو مرة ولو بترك القيام بشكر الله على سوابغ الآلاء المتوالية على كل عضو من أعضائه فى كل نفس بل وعلى كل شعرة وعظم وعرق فإن عرقاً صغيراً لو تنبه لجعل الحياة مرة بما يناله الإنسان من أصغر عرق فى جسمه، وفى الجسم مئات من العروق ساكنة لو ضرب منها عرق ليتمنى الإنسان موته وهو يغفل عن النعم المحيطة به وفى نفسه قال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)سورة النحل آية 18،
فإذا كان البار يسقط سبع مرات فى اليوم فكيف بالفاجر؟!. ومن هذا نفهم قوله صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل الجنة أحدكم بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمته)ـ ومعنى ذلك أن الأعمال الصالحة فعل الله فى العبد وهى آجل نعمة من نعم الله علينا يعجز الإنسان عن شكرها، ومن غفل عن تلك الملاحظة فهو تارك للشكر على النعم الغزيرة وقد قرر الله تعالى الخطاب ليعم فضله على الناس بالعفو والمغفرة والتوبة ـ أسال الله سبحانه وتعالى أن يمنحنى وأهلى وأولادى وأخوانى العفو والعافية فى الدين والدنيا والآخرة وأن يعينا على شكره وذكره أنه مجيب الدعاء.
الامام محمد ماضى ابو العزائم
والأمانى جمع أمنية والأمنية تصوير شىء فى النفس تشتهى حصوله، وأغلبها من باب التخمين والظن وقد تكون بعد الروية، والاستناد إلى الأمانى أكبر خدع الشيطان التى يدخل بها على السالك فى طريق الله تعالى وما أفسد قلوب السالكين إلا الأمانى وكيف لا وهو لعنة الله عليه يقول: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا) سورة النساء آية 119،
وقد نهى الله تعالى الرسل عن الأمانى مع اعتقاد أنهم صلوات الله وسلامه عليهم لا يتمنون إلا الهداية للخلق وصفاء قلوبهم، وإقبالهم على الله تعالى، ومع ذلك فقد قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فى أُمْنِيَّتِهِ) سورة الحج آية 52، وإن كان (تمنى) هنا بمعنى قرأ وتلا، إلا أنه فيه من الأمنية ما فيه لهداية الخلق، ومع ذلك فالشيطان يلقى للسامعين ما لا يتكلم به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين،
الخلوة بالنفس
فاحذر أيها السالك المسترشد أيدنى الله وإياك بروحانية رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن تتصور نفسك فى خلوتك أو فى مجتمعك شيئاً فتشتهيه، وسد هذا المنفذ الشيطانى عنك بأن تنظر إلى الدنيا بعين البصيرة محتقراً لها ولما فيها إلا ذكر الله وما والاه، فإذا هجم عدو الله وعدوانا وحرك النفس إلى التخمين والظن وجعلها تجول جولة الأمانى،
فأكبح جماحها بالنظر إلى ما فى نفسك، وما فى السموات والأرض من بدائع صنع الله وعجائب آيات الله وغرائب حكمة الله، فأن أبت عليك فتصور نشأتك الأولى نطفة ونهايتك الأخيرة فى الدنيا جيفة، وأنك ستتطور فى بطن أمك البرزخ بعد تطورك فى بطن أمك الدنيا ثم تقوم من بطن البرزخ إلى وطن الآخرة مولوداً ولادة جديدة قال تعالى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)
سورة إبراهيم آية 48، فتجرد يا أخى عن بشريتك وتخل عن إبليسيتك، وأسبح فى شهود تلك الحقائق مقبلاً فاراً من أمنيتك حتى تتجلى لك أنوار قوله تعالى: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا)
سورة نوح آية 14، واحفظ أنفاسك فى كل طور ووطن فإن مان ومنا من مادة واحدة، والمين الكذب وكذلك الأمنية.
وإنما المريد السالك من يكون بين حالين:
- إما عامل بيديه فى نفع لنيل خير لنفسه ولأخوته المؤمنين
- أو عامل ببدنه وقلبه فى قيام بمأمورية أو سابح بنفسه فى ملكوت الله الأعلى مستجلياً بنور اليقين أنوار آيات الله تعالى بعد تزكية النفس وفراره بالإخلاص إلى الله تعالى بعد تزكية النفس وفراره بالإخلاص إلى الله تعالى فانياً عن الإخلاص، وكل وقت غير هذين الوقتين فهو عليه لا له.
. دسائس الأمانى
ومن تمنى شغل نفسه وجسمه عن القيام بما أحبه ويحبه الله تعالى وأضاع نفائس أنفاسه فيما لا ينفع ولا يضر ـ يأتى الشيطان لعنة الله عليه، للسالك المخلص المقبل على الله بكليته الفانى عن عمله وحاله ومقامه فيلج على قلبه ويقول له أن لك حالاً تؤثر على النفوس ومقاماً يسلب أحوال الرجال وعملاً يوجب لك الإكرام عند الله والفوز بالجنة، ويفتح عليه أبواب تلك الأمانى فيقول تحصل لك كرامات وأنوار كذا، وشهرة كذا، وتقبل عليك الوجوه، ثم تقوى تلك الأمانى حتى يفسد عليه وقته وحاله ويصبح وقد أضاع أنفاسه ونفائسه أن كان من أهل السلوك، وإن كان ممن حجبته الحظوظ يصبح منتفخ الأوداج مرتفع الصدر مزدرياً بإخوانه بما حسنته له أمانيه مغروراً بما أدخله عليه الشيطان من الظن والتخمين فيوهم الناس ويخوفهم ويدعى الدعاوى الباطلة.
ومن دسائس الأمانى أن يأتى الشيطان فى قلب السالك المسكين موسوساً له أنه لو فعل كذا وكذا من الحيل والشعوذة والخدع، لأقبل عليه الناس وواسوه فيضيع أنفاسه بغير جدوى، ومن خدعه للمريد أن يوسوس إليه أن كثرة الطاعات والعبادات جعلت لك المنزلة عند الناس والجاه والمال ...فأكثر منها، فيبيت لذلك يذكر الله ويصلى وهو مشرك فى عمله، وقد بلغ ببعض أهل الجهالة من السالكين أن يذكر فى الليل بعض أسماء الله آلافاً ويكون قدر الله له خيراً، فيقول هذا بسبب ذكرى وسهرى، وقد يغلبه النوم فى ليلة ويكون الله لم يقدر له خيراً أو قدر عليه بلية فيقول هذا من ترك العمل، فيقوى داعى الشرك فى قلبه وينسى الإخلاص لله والعمل لوجهه الكريم، مع أن أهل الكفر بالله لهم الجاه والمنزلة والسلطان فى الأرض، وهى مهواة الضلال.
وقد يدخل عليه الشيطان من باب الأمانى فيقول إن فلاناً أذاك فاذكر الليلة كذا اسماً من أسماء الله عليه، ويبيت طوال الليل يذكر ليضر من آذاه، وقد يقدر الله شراً لمن دعا عليه فيقوى غروره ويجعلها كرامة ليرهب بها الخلق، وينسى الجاهل المسكين أن تلك الأمانى مفسدة للإيمان مزلقة للسالكين، وقد بنتشر ذكره فيقبل عليه الناس ليدعو على أعدائهم فيكون آلة من آلات الشيطان، وقد يأتيه الشيطان فى حال الأمانى فيقول أنك تبلغ مبلغ شيخيك وقد تزيد عليه، ودليل ذلك ما وهب الله لك من العمل والحال وإقبال الخلق، فتشبه به وطالب الناس أن يقوموا لك كما قاموا له، فتقوى تلك الأمانى حتى يصطفى بعض السالكين الذين لا علم لهم فيغرهم حتى ينصبوا له ويشتغلوا بعداوة إخوانهم ليبلغوه أمنيتهم الكاذبة،
وقد يأتيه الشيطان فيصور له أنه يتزوج فلانة الغنية وأن والدها يزوجها له فليفوز بالبركة والخير ويستريح هو بها من عناء فقد الزوجة والمال، وكل هذه أمانى أهل الغرور، وقد يدخل الشيطان على السالك بالأمانى عن طريق أترك الأعمال فيقول إن إقبال الخلق لا يكون إلا بأن تكون مثل الأولياء السابقين الذين تركوا الأعمال فجائتهم الأحوال،
وقد يلبس عليه الحق بالباطل فيقول لابد من الفناء والتجريد فيقع فيما حرم الله ويترك ما فرض الله ويحسب أنه تجرد، وأما أهل الله الصالحون فلهم أمانى أخرى يدخل عليهم منها الشيطان تخفى على كمل الرجال، منها أن يتمنوا هداية الخلق وتأليف بعض الملوك أو الوزراء أو الأمراء ابتغاء وجه الله تعالى، ويظنون أن تأليفهم وإقبالهم ينتج إقبال العامة على الله تعالى ويتأولون ذلك بما أخذ من السنة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (أكرموا ذوى الهيئات)وقوله صلى الله عليه وسلم: (أنزلوا الناس منازلهم)وما كان يفعله صلى الله عليه وسلم من تأليف أكابر قريش، وفى هذا الحال يقوى باعث نزغة فى قلوبهم فيتوددون إليهم ويغضون أبصارهم عن هفواتهم تأليفاً لهم مع البشاشة والطلاقة ودوام البشائر، فقد ينتج هذا العمل ضد مقصودهم ويحصل لهم المضرة بسبب ذلك، ممن تساهلوا معهم ولو لم يكن إلا ميل القلب أو ضياع الأنفاس لكفى ذلك مضرة،
ومن تلك الأمانى ما يدعو بعض أهل المقامات إلى أن يشتد على الملوك وأمراء والوزراء ابتغاء وجه الله تعالى، متمنياً إقبالهم على الله تعالى فينتج ضد ما يقصد وكان يظن أن له مأخذاً من السنة وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان يغضب لله ويرضى لله وأن عمر بن الخطاب كان لا تأخذه فى الله لومة لائم ولكن هذا مقام وذاك مقام.
قال الشاعر:
تحنن على هداك الإله فإن لكل مقام مقال
فقد كان عمر بن الخطاب لا تأخذه فى الله لومة لائم، والله مكنه من أن يمحو كل عمل يغضب الله تعالى بالقوة والفعل، وكم من أمنية دخلت على قلب الرجال من تساهل للتأليف أدى إلى ما يغضب الله، ومن تشديد للإقبال على الله أدى إلى التنفير والاختلاف والتفرقة عن الحق،
ومنهم من يدخل عليه الشيطان فيقول له قم فامح البدعة وأحى السنة فيصيح تلك الصيحة غير عالم بما وضعه الله تعالى من الأسباب اللازمة لتلك الدعوة والأوقات المناسبة لها والإخوان الذين هم أعوان له على نيلها، فيصيح صيحة المتمنى فلا يلبث إلا وقد اسكت مرغماً ويظن أن له مآخذ من الكتاب والسنة منها أن كل رسول من رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم قام منفرداً فى قومه ومنها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامكُمْ)سورة محمد آية 7، ومنها قوله (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) سورة العنكبوت آية 69، ولكن كل ذلك لابد أن يكون بالحكمة التى أرادها الحكيم الخبير وبالأواسط أى الأسباب التى وضعها الله القادر الحكيم حتى ينتج الخير المراد، وأنت تعلم أن الله جل جلاله خلق السموات والأرض فى ستة أيام وهو قادر سبحانه أن يخلقها فى أقل من لمح البصر ولكنه قادر حكيم فوضع الأسباب بحكمة وقدرة.
ومن خدعه فى الآمانى أن يصور لأولياء الله تعالى إن أباحوا بالحكمة العلية أقبل عليهم الخلق وكثر أهل الحق وقل أهل الباطل وبذلك تتجدد السنة وتعلو الكلمة، وتقوى تلك الأمنية فى نفوسهم فيبيحون بالحكمة فيتلقاها غير أهلها من أهل النفوس اللقسة فتنزل الحكمة فى قلوب نجسة ونفوس شريرة فيفهمون الحكمة على قدر نجاستهم كما قال تعالى: (هُوَ الذى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فى الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)سورة آل عمران آية 7،
وقد ابتليت بأمثال هؤلاء حتى حصل منهم ما يخالف الكتاب والسنة من الاعتقاد وترك الفرائض والسنن ومخالفتى فى صريح الآية ودعوى أنهم أتباعى بالباطل غفر الله لى ولهم، فتكون تلك الأمنية فى الحقيقة بلية.
وهناك أمانى أخرى يدخل الشيطان على الرجال تخفى على أهل المقامات العلية، والتحفظ منها ملازمة المرشد والأدب له والاهتداء بوصاياه ودوام حفظ مكانة السالك معه حتى يبيحها له عند مناسباتها.
دواء الآمانى
قال الله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) سورة الإسراء 82، فالقرآن هو الدواء والشفاء من كل تلك الأسقام، فعلى المريد السالك بل على الواصل المتمكن أن يرتل كل يوم من القرآن على الأقل جزءاً وعلى الأكثر سبعة أجزاء ليتمكن من رعاية الأدب فى التلاوة وملاحظة المعانى مستحضراً أنه يسمع كلام الله تعالى ليفهم سر الخطاب أمراً ونهياً ووعداً ووعيداً، ويتأمل فى القصص ليعلم أعمال من عجل الله لهم النقمة فيتحفظ منها مستعينا بالله تعالى وينظر إلى الدنيا بعين تشهد حقيقتها من خبر الله عنها وخصوصاً فى مثل قوله تعالى: () سورة آية 14، وفى قوله تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)سورة التكاثر آية 1-2، وفى أمثالها من الآيات حتى تنقش تلك الأسرار على جوهر نفسه الزكية فتكون حصناً لها من الوقوع فى تلك المهاوى عند مقتضياتها البشرية والإبليسية أو البهيمية- قال تعالى: (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)سورة آل عمران أية 101، ومن هجر القرآن سد عليه ميزاب الفضل العظيم النازل من السماء والمتوالى بفضل الله إليه، ولا شك يا أخى أن المرتل للقرآن جليس الله تعالى- قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)سورة العنكبوت آية 45، فسرها بعض العارفين بأن الله يذكر العبد عند ذكر العبد ربه بتلاوة القرآن فى الصلاة أو فى غيرها.
ويلى هذا الدواء فى نيل الشفاء إن شاء الله تعالى، الالتجاء إلى الصلاة عند ظهور علامات مرض النفس كما يلتجاء من أحزنه شأن من شئون الدنيا إلى الصلاة وهى السنة، وسقم النفس أشد بلاء من مصائب الدنيا فليتوضأ المؤمن ويحسن وضوءه ويقوم للصلاة خاشع القلب مبتهلاً إلى الله تعالى ويكثر الدعاء فى السجود أن الله تعالى يفرغ قلبه من تلك الأمانى المفسدة.
ويلى هذا الدواء دواء أظنه إن شاء الله تعالى يعيد العافية للنفس وهو استحضار الموت وشدته والقبر ووحشته والسؤال وهوله والنار وآلامها ثم يتذكر المؤمن عند الله تعالى المقبول لديه من البشائر عند الموت من الوسعة فى القبر والسياحة بروحه فى رياض الفردوس والعناية بجسمه وروحه عند قيامه من قبره وإكرام الله له بالبراق يوم البعث وجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم فى دار البقاء فيزيل الله عن قلبه ظلمة تلك الأمانى وتشرق عليه أنوار التوحيد.
ويلى هذا الدواء دواء لمن لا عزيمة له وهو اعتزال كل موجب لتلك الأمانى والبعد عن كل شاغل عن الرب جل جلاله ما دام يعلم أن فى اعتزاله الخلق أنسا لقلبه وصفاء لسره.
وهناك أدوية أخرى وهى ترك المألوفات وكثرة الصيام وصحبة الفقراء والمساكين الذين برؤيتهم يرى نعمى الله عليه ومجالسة أهل العاهات والبلايا، هذه الأدوية كلها إذا لم يوجد المرشد الطبيب الروحانى الذى يجب على السالك أن يكاشفه بكل أسراره وخواطره ليعالجه بما ناسب حاله، وعجباً لإنسان يخاف على فقد صحته فيسارع إلى الطبيب ولو كان كافراً فيكشف له عورته ولا يحافظ على مداواة الأمراض التى بإهمالها يخلد بها فى جهنم، وأعجب من هذا أن الإنسان يعادى والده وأبنه إذا علم أنه نقص من ماله شيئاً، ويحب أعدى عدوه الذى ينقص دينه وإيمانه فقد يصاحب أهل الأهواء المفسدين أو الأغنياء المتكبرين ويبيع دينه حباً فيهم لينالوا خيرا ويفرح بما يغضب الله ويغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرضى من لا خلاق لهم، وقد يبيع دينه ليرضى كافراً أعوذ بالله من العمى ومن الأمانى التى توقع فى غضب الله تعالى، وقدر ركب دواء لكل تلك الأمراض وهو المحافظة على العمل بالسنة وعليها، وقراءة تراجم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياء الله تعالى المخلصين التابعين لهم بإحسان، وهجر كل أخ يشغلك عن الحق... والله تعالى أسأل أن يحفظنى وإخوتى المؤمنين جميعاً من الذنوب الموجبة للنقمة ومن الذنوب التى تغير النعم، وأسأله سبحانه وتعالى أن يمنحنى ويمنحهم الاستقامة والكرامة والعناية.. آمين.
أعلم أيها الأخ المسترشد أيدنى الله وإياك بروحانية رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإنسان نفس وجسم وحس، وبلاء الإنسان فى كل الأمراض النفسانية، فى الإنسان من الحس، ومن ملك حسه وقهره بالقرآن والسنة ويرى ربه سبحانه ويبلغ الدرجات العلية أن يكون ربانياً روحانياً عالماًً راسخاً فى العلم لأن الحس يقهر العقل والنفس والجسم، وهو باب الشيطان الذى يدخل منه على القلب، وذلك لأنه كان له غذاء يتغذى به فى الجنة وهو مسراته ببهاء جمال الحق وبهجته بأنوار التجليات التى تبهر العقول بضيائها الملكوتى فلما أن تمكن الشيطان من آدم عليه السلام فى الجنة كن سبباً فى معصية آدم وأكله من الشجرة فغضب الله على إبليس ولعنه لأنه من جسم نارى لا يصلح لخير ثم غضب على آدم وتاب عليه لأنه من طين وحكم عليه أن يعيش بكد وعناء، وغضب على الحس فحرمه من غذائه الذى كان يتغذى به فى الجنة حتى يعود إليها أن اختاره الله تعالى فهو فى غاية الجشع إلى غذائه يفتش عليه ولا يجده فيوقع نفسه النفس والجسم فيما يغضب الله تعالى، فهو وتلك القوة التى هى الحس منتشرة فى جميع الجسد وجنودها السمع والبصر والشم والذوق والمس والفرج والبطن فهى تقهر العقل، ولا يقوى على مدافعتها إلا إذا أعانه الله تعالى ووفق من يشاء فيهب له النور الذى تستبين به سبل الله تعالى وتظهر بشاعة الذنوب والمعاصى وقبحها ولديها فقد يقهر العقل الحس وقليل ما هم، لذلك أقول لك يا أخى.. أن الأمانى لابد منها للإنسان مادام الحس وقد يفقد الإنسان الحس وهو حى وليس الحى يلازم مادامت الحياة فإن بعض الناس قد يفقد سمعه وبصره وقد يفقد ذكره ويديه بالأمراض ويفقده بالنوم، وقد يفقده بما يحزن حزناً شديداً أو يفرح فرحاً شديداً وليس بمصيب من قال أن الحس لا يفارق الحياة فإنه قد يفارقها كما قررت لك، وإذا تقرر ذلك فيمكنك أيها المسترشد أن تجاهد نفسك أكبر الجهاد بالمراقبة والرعاية حتى لا يؤثر عليك الحس تأثيرا يوقع فى الخطيئة ونسيان يوم الحساب وجاهده لتلوح لك آيات الله يوم جلية فيما تراه وتسمعه وتشمه وتذوقه وتلمسه وتتخيله وتتوهمه فتكون آيات الله أقرب إليك من كل ملموس بأى قوة من القوى الحسية، وقد ترقى إلى مقام فوق ذلك حتى تفقد الحس الذى به شهود الآيات بدوام جلاء جوهر نفسك بالتزكية وبدوام عناية الله بك حتى ترى وجه ربك حيث وليت وجهك وتكون عند ذلك ملكوتياً لا ترى إلا ملكوت السموات والأرض وكما أن للسالك قبساً يقتبسه من أنوار الملكوت حال مجاهدته حسه فإن الحس قد يقلى سلطانه على السالكين فيوقعه فى السيئات فإذا تذكر أسرع إلى التوبة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)سورة الأعراف آية 201، وقال تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا)سورة النساء آية 31،
وقال صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)وكل سالك لا يسلم من السيئات ولو بنسيان ذكر الله تعالى أو اشتغاله بالنوافل وترك الواجبات التى يقتضيها الوقت قال دواد عليه السلام:ـ (البار يسقط سبع مرات فى اليوم)ومعنى ذلك والله أعلم أن الأعضاء السبعة لابد لكل عضو منها من السقوط فى كل يوم ولو مرة ولو بترك القيام بشكر الله على سوابغ الآلاء المتوالية على كل عضو من أعضائه فى كل نفس بل وعلى كل شعرة وعظم وعرق فإن عرقاً صغيراً لو تنبه لجعل الحياة مرة بما يناله الإنسان من أصغر عرق فى جسمه، وفى الجسم مئات من العروق ساكنة لو ضرب منها عرق ليتمنى الإنسان موته وهو يغفل عن النعم المحيطة به وفى نفسه قال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)سورة النحل آية 18،
فإذا كان البار يسقط سبع مرات فى اليوم فكيف بالفاجر؟!. ومن هذا نفهم قوله صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل الجنة أحدكم بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمته)ـ ومعنى ذلك أن الأعمال الصالحة فعل الله فى العبد وهى آجل نعمة من نعم الله علينا يعجز الإنسان عن شكرها، ومن غفل عن تلك الملاحظة فهو تارك للشكر على النعم الغزيرة وقد قرر الله تعالى الخطاب ليعم فضله على الناس بالعفو والمغفرة والتوبة ـ أسال الله سبحانه وتعالى أن يمنحنى وأهلى وأولادى وأخوانى العفو والعافية فى الدين والدنيا والآخرة وأن يعينا على شكره وذكره أنه مجيب الدعاء.
الامام محمد ماضى ابو العزائم