عدد المشاهدات:
صفات الشيخ الكامل
هو الرجل العالم العامل الذى وهبه الله عز وجل النور الكاشف للظلومات والشبهات ومنحه الفقه فى دين الله وتأويل المتشابهات وفك رموز الخفيات من آيات القراءن وحديث رسول الله وهو الفرد الذى تتنزل عليه الفيوضات من العلوم الوهبيه زياده على ما حصله من العلوم الكسبية والاجتهادية وهو العبد الذى اتاه الله رحمه فى قلبه بعباد الله حتي قام يبزل كل ما لديه بإخراج الناس من الظلومات الى النور ويبين لهم معاني الدين الحنيف يجدد أثار السنه المطهرة ويعيد الى الاذهان ما خفي من هدي الائمه ومن درس من آداب وأحول وسلوك السلف الصالح رضى الله عنهم وللمرشد صفات كثيره يتعرف بها عليه اشار اليها الله عز وجل فى قوله ( فوجد عبد من عبادنا اتيناه رحمه من عندنا وعلمناه من لدنا علما ) فهو رجل يبين للناس كلام الله عزوجل وحديث رسول الله بما يناسب عقولهم مع الرحمة بهم بالحكمة الرشيدة والبصيرة النافذة قول سبحانه ( قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) بلغ به الكمال إتباعه لسيدنا رسول الله مقاما لايقدر ان يلتفت عن رسول الله طرفه عين ولا اقل ولا ان يخالفه فى اى شىء مهما كان صغيرا علمه الله علما من لدنه سبحانه وتعالى وهذا العلم ينفع الله به الناس فى زمانه وانه علم قريب العهد بالله قد أكرم به من حضره الله عز وجل وهذا العلم يقوم به الحجة على المعاندين والمجادلين وتتضح به الطريقة والمحجه للمؤمنين والمسترشدين ورث عن رسول الله علوم الشريعة وعلوم الطريقة وعلوم الحقيقة جعله الله خبيرا بمعاني تجليات الحق تبارك وتعالى وعليما بأسراره القدسية وجعله الله حفيظا على هذه الاسرار فلا يبيح منها شيئا الا لأهلها بقدر طاقاتهم وحسب حاجاتهم قال تعالى ( الرحمن فاسأل به خبيرا ) قائما لله بالحق لا يتزحزح عنه وان خالفه الناس أجمعين قلبه مع الله ورسوله وان كان جسمه مشغولا بالإعمال الكونية أو بهداية الناس إلى الله فهو مع الحق بسره ومع الخلق بجسمه رجلا أذل نفسه للمؤمنين والمؤمنات واعزها على أهل الكفر أجمعين هذا الرجل هو بغيه كل مؤمن ومقصد كل محسن وأمل كل فرد من أهل الصفاء والإخلاص وان الكل يبحث عنه ويسعي فى طلبه
اخلاقه
أما الأخلاق فهي أخلاق الله عز وجل وأخلاق الرسول الأعظم ان يكون حكيما رحيما على النفوس معتقدا عند الناس مشهودا بأتباع السنة والعمل يهما متباعدا عما ينفر القلوب من كل الأعمال والأحول والأخلاق وان يكون متمكنا من أصول التوحيد طبيبا حاذقا بأمراض النفوس خبيرا بمداراه الناس فاهما منزله كل إنسان له معرفه بسيمات الناس التي تدل على خفى طباعهم وغرائزهم ومكنون أخلاقهم يؤلف الناس ويتحمل أذاهم حتي يألفوه ويرغبهم فى الأخلاق الكريمة يجاهد نفسه ليعمل أولا بعلمه ثم يدعوا الناس إلى ذلك لا يفرق بين الناس بسبب الفقر أو الغني أو الجاه أو النسب فى الإقبال عليهم والبشاشة لهم لا يستحي إذا كان لا يعلم ان يقول لا أعلم لا يستحي ان يطلب العلم من من فوقه دون التعصب لشيخه بذل ما فى اليد للناس تأليفا لهم وعدم التطلع إلي مافى أيديهم ترك الجدال مره واحده إلا ما كان لبيان حكمه من الإحكام الشرعية مختلفا فيه ويكون بالتي هي أحسن الصبر على جفوه من يدعوهم والإحسان إلى المسيء وصله القاطع وتأليف النافع تباعد بالكلية عن تنفير الخلق أو نيه السوء أو قصد الشر أو التكلم بما لا يليق من قبيح الكلام فى غيبه الناس أو في مواجهتهم والتباعد عن سماع الشر فى حق الناس والمسارعة الى فعل الواجبات والفضائل والمكرمات والشفقة والاجتهاد فى دفع المصائب وتخفيف الآلام والغضب لله والرضي لله والحب فى الله والبغض لله دعوه الخلق على قدر عقولهم مداراه الناس والتحصين بحصون الشريعة
علومه ومعارفه ...
لابد للشيخ ان يكون عارفا بالعلوم التي يحتاج إليها الناس ويزوق أسرار الأحوال والمقامات ومن علومه علم الآيات ويقصد بها العلامات الدالة على قدره الله عز وجل فى الكون وفى الإنسان وهي المشار إليها إلى قول الله عز وجل ( سنريهم آياتنا فى الأفاق وفى أنفسهم حتي يتبين لهم انه الحق ) وفى ذلك يقول سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فى السماء طائر يطير بجناحيه الا ذكر لنا عنه علما ..
1- علم تذكيه النفوس وهو العلم الذي تصفو به النفس من شوائب الرياء وعلائق الحق وأضرار الحسد وبواعث الحظ والهوى حتي تنال مقام الإخلاص ولا تحقق العبادة الغاية منها الا بعد تزكيه النفوس وتصفيتها لقول الله عز وجل ( قد افلح من تزكي و ذكر اسم ربه فصلى ) وهذا هو الطور الهام الذى جاهد فيه رسول الله الأصحاب حتى فطرت على الصفاء والوفاء وذلك لمده اثنا عشر سنه حتي تأهلت النفوس لعباده حضره الله فبدأ نزول العبادات بالصلاة وغيرها ...
2- علم الكتاب وهو علم الأحكام الشرعية فى العبادات والمعاملات والأخلاق والأسر والمجتمعات والسلم والحرب وهو ما يسمي الآن بعلم الفقه
3- علم الحكمه وهول العلم الذى يهبه الله عز وجل للإنسان فيكون حكيما فى تصرفاته بليغا فى أحواله وهيئاته مسددا فى أقواله وتحركاته حتي يكاد الناس غير الحاسدين الحاقدين لا يرون فيه عيبا فى أحواله وأفعاله هذا نتيجه التوفيق فقد اخبر الله عز وجل إن صاحب الحكمة قد أعطاه الله البر والفضل الكبير فى قوله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتي الحكمة فقد أؤتي خيرا كثيرا ..
4- العلم الوهبى وهو ما ينتج عن الإخلاص فى تنفيذ الأعمال والصدق فى المتابعة لسيدنا رسول الله حيث يفاض على صاحب هذا القلب علوم وهببيه وأسرار من باب قول الله عز وجل (واتقوا الله وليعلمكم الله) قول الرسول عليه الصلاة والسلام ( من عمل بما علم ورثه الله بما لايكن يعلم ) وهذا العلم حقائق صادقه فى صدور العارفين فينقلوها الى خاصة المحبين ولما كان العلماء ورثه الأنبياء ائمه اهل الطريق لأنهم الذين يقومون بتربيه مريديهم وتهذيب سلوكهم وتجميل اخلاقهم وهذا دأب الصالحين فى كل زمان ومكان .
أوصاف الداعي الحكيم
للداعي الحكيم أوصافٌ وعلاماتٌ كثيرة يُعرف بها، أشار إلى بعضها الإمام الغزالي رضى الله عنه في إحياء علوم الدين فقال: ( وقيل: خَمْسٌُ من الأخلاق، هي من علامات علماء الآخرة - مفهومة من خمس آيات من كتاب الله عزَّ وجلََّ : "الخشية، والخشوع، والتواضع، وحسن الخلق، وإيثار الآخرة على الدنيا - وهو الزهد".
فأما الخشية فمن قوله تعالى: ] إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [(28-فاطر)، وأما الخشوع فمن قوله: ]خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً [(199-آل عمران)، وأما التواضع فمن قوله: ] وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [(88-الحجر)، وأما حسن الخلق فمن قوله تعالى: ] فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ [(159-آل عمران)، وأما الزهد فمن قوله عزَّ وجلََّ: ]وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا[(80-القصص)).
ويمكن إجمال أوصاف الداعي الحكيم فيما يلي:
أولاً: التواضع لله تعالى في كل حال، وخصوصاً عند رواية العلم أو بيانه بالكتابة أو الدراسة. فالتواضع أكمل علامة للعلماء، لأنها تدل على حقيقة الخشية من الله تعالى، وقد حصر الله تعالى خشيته في العلماء، لأن شأن العالم العارف لنفسه بنفسه الممتلئ من معرفة ربه، المتحلي بواردات قدسه ألا يرى لنفسه حالاً ولا مقالاً، بل يرى نفسه أقل من كل شئ، وهذا هو النظر التام، كما قيل:
إذا زاد علم المرء زاد تواضعاً
وإذا زاد جهل المرء زاد ترفُّعاً
وفي الغصن من حمل الثمار مثاله
فإن يعزُّْ عن حمل الثمار تمنّعاً
ثانياً: الحلم والأناة، لأنهما خصلتان يحبهما الله تعالى، وإذا تجرد منهما العالم هلك، لأنه يتصف بالحماقة والعجلة، فالعجلة توقعه في الخطأ، والحماقة تنفر منه الخلق والحقّ، فيكون ضاراً، وقد يُبْتلى - إذا لم يتصف بالحلم والأناة - بالإعجاب برأيه والتعصب له، فيجادل من خالفه ويؤيّد رأيه بالحجج - ولو كان باطلاً.
ثالثاً: يُعلِّمُ الناس على قدر عقولهم . إن من أكمل صفات العلماء أن يُعلِّموا كل فريق من الناس ما لابد لهم منه، ويخفوا الحكمة إلا عن أهلها، كما قيل:{ لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم، ولا تعلموها غير أهلها فتظلموها }، ومن علّم الحكمة لغير أهلها فتح على نفسه باباً من الشرّ، وعلى المسلمين باباً من الفتنة. فالعالم الربانيُّ يُعلِّمُ الناس على قدر عقولهم ويداريهم كما قال صلى الله عليه وسلم: { كلَّموا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون!، أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله؟ } (رواه البخاري موقوفاً على الإمام عليٍّ كرَّم الله وجهه، ورفعه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من طريق أبي النعيم).
.رابعاً: السكينة والرحمة، فإن السكينة دليل على التمكين، وبرهان على الرسوخ في العلم، والرحمة من أخص صفات العلماء، بحكم الوراثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمل صفاته صلوات الله وسلامه عليه ما أثبتها الله تعالى له بقوله:]حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [ (128-التوبة). وقدَّم الله عزَّ شأنه الرحمة في الإيتاء على العلم للعالم الرباني فقال سبحانه وتعالى:] آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا [ (65-الكهف).
خامساً: العمل بالعلم في السر والجهر. إنمن أجلّ علامة العلماء الربانيين، العمل بالعلم في السر والجهر؛ خشية من الله تعالى، والأخذ بالعزائم - ولو كان في ذلك ما تكرهه نفوسهم، أو تتألم منه أبدانهم - إرضاء لله تعالى، ولا يأخذون بالرخص من غير أسبابها، وذلك لكمال اقتدائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان - فيما يروى عنه صلوات الله وسلامهعليه - يأخذ نفسه بالأشد، ويأمر غيره بالأيسر، ولذلك كان كُمَّل أصحابه رضوان الله عليهم يقتدون بفعاله قبل أقواله، لأن الإقتداء بأفعاله عزيمة.
سادساً: التحفظ من أن يرى رأياً فيحكم به من غير أن يتثبت من أنه حكم الله تعالى، وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو أنه مأخوذ بالاستنباط من الكتاب والسنة، أو من عمل أئمة السلف، أو له نظير أو شبيه من أعمال السلف رضوان الله عليهم.
سابعاً: الاجتهاد في سدّ باب الذرائع والفتن، وإراحة أفكار المسلمين من الاشتغال بما يضرُّ ولا ينفع، الأمر الذي سبَّبَ فرقة المسلمين، ووقوع العداوة والشحناء بينهم، وجعل غير المسلمين يظنّون أن الدين الإسلامي مؤسس على التعصب لأشياء لا حقائق لها. ومثال ذلك فتح باب التفاضل بين الصحابة والعلماء، أو في الآراء والمذاهب والاعتقادات.
وكذلك فتح باب الفتن بالتكلم فيما سكت الله عنه، وسكت عنه رسوله رحمة بالمسلمين، فلم يحرّمها، فيقوم هؤلاء الذين تحصَّلوا على قشور من أحكام الشريعة المطهرة، وينصبُّوا بكليتهم على فتح أبواب الشُّبَه، وشغل المسلمين بما يضر ولا ينفع!!
ناهيك عن الفظاظة في الأخلاق، والغلظة في الطباع، والسخف في القول عند الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر!! متذرعين بحجة أن هذا من الدين، وأن هذه نصيحة، وأن هذه الطريقة الشرعية التي أمر الله بها.
ويجهلون أنهم بذلك وقعوا في كبائر لا تحصى؛ منها مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه، ومخالفة سنته في الدعوة، وتنفير عباد الله ووقوعهم في بغض الدين وبغض أهله، وظنوا أنهم أحسنوا!!! وربما كان الذي يدعون إليه من الأمور المرغّب فيها خلاف الأولى، أو كان الذي ينهون عنه أيضاً خلاف الأولى. وذلك في مثل نهيهم عن الاجتماع على ذكر الله، أو قراءة سورة الكهف في المساجد يوم الجمعة، وما شابه ذلك.
ثامناً: أن يكون أكثر بحثه عن علم الأعمال، وعما يفسدها ويشوش القلب، ويهيج الوسواس، ويثير الشرّ، فإن أصل الدين التوقي من الشر ولذلك قيل:
عرفت الشَّرَّ لا للشَّرِّ لكن لتوقِّيه ومن لا يعرف الشَّرَّ من الناس يقع فيه
ولأن الأعمال الفعلية قريبة، وأعلاها المواظبة على ذكر الله تعالى بالقلب واللسان، وإنما الشأن في معرفة ما يفسدها ويشوشها، وهذا مما تكثر شعبه ويطول تفريعه، وكل ذلك مما يغلب مسيس الحاجة إليه، وتعم به البلوى في سلوك طريق الآخرة،
ولقد كان الحسن البصري رحمه الله أشبه الناس كلاماً بكلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأقربهم هدياً من الصحابة رضي الله عنهم، وكان أكثر كلامه في خواطر القلب، وفساد الأعمال، ووساوس النفس، والصفات الخفيَّة الغامضة من شهوات النفس. وقد قيل له: (يا أبا سعيد إنك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك!! فمن أين أخذته؟ قال: من حذيفة بن اليمان رضى الله عنه).
وقيل لحذيفة: نراك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك من الصحابة!! فمن أين أخذته؟ قال:{ خصَّني به رسول اللهصلى الله عليه وسلم: كان الناس يسألونه عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه، وعلمت أن الخير لا يسبقني علمه }، وقال مرة: { فعلمت أن مَنْ لا يعرف الشرَّ لا يعرف الخير }، وفي لفظ آخر: { كان يقولون: يا رسول الله، ما لمن عمل كذا وكذا؟ يسألونه عن فضائل الأعمال، وكنت أقول: يا رسول الله، ما يُفسد كذا وكذا؟ فلما رآني أسأله عن آفات الأعمال خصَّني بهذا العلم } (أخرجه البخاري ومسلم).
وكان حذيفة رضى الله عنه أيضاً- قد خُص بعلم المنافقين، وأُفرد بمعرفة علم النفاق وأسبابه، ودقائق الفتن، فكان عمر وعثمان وأكابر الصحابة رضى الله عنهم يسألونه عن الفتن العامة والخاصة. وكان عمر رضى الله عنهإذا دُعى إلى جنازة ليصلي عليها نظر، فإن حضر حذيفة صلَّى، وإلا ترك. وكان يُسَمَّى: صاحب السر.
فالعناية بمقامات القلب وأحواله دأب علماء الآخرة، لأن القلب هو الساعي إلى قرب الله تعالى، فيهتمون بمعرفة صفات القلب وتطهيره عن الأخلاق المذمومة.
تاسعاً: أن يكون اعتماده في علومه - بعد تحصيل ما يلزم، كما أشرنا آنفاً - على حكمته وبصيرته وإدراكه بصفاء قلبه، لا على الصحف والكتب، ولا على تقليد ما يسمعه من غيره. وكان سيدي أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه يقول لأتباعه - مادحاً أهل علوم الإلهام رضى الله عنهم أجمعين: ( حدثونا بما فتح الله عليكم، لا بما نقلتموه عن غيركم ).
فإذا قلَّد صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم فيما أمر به وقاله، فينبغي أن يكون حريصاً على فهم أسراره، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعله إلا لسرٍّ فيه، ولا يكون عالماً إلا إذا كان شديد البحث عن أسرار الأعمال والأقوال، فإن اكتفى بحفظ ما يُقال كان وعاءاً للعلم، ولا يكون عالماً.
عاشراً: أن يكون شديد التوقي من محدثات الأمور، وإن اتفق عليها الجمهور، فلا يغرنَّه إطباق الخلق على ما أحدث بعض الصحابة رضى الله عنهم، وليكن حريصاً على التفتيش عن أحوال الصحابة وسيرتهم وأعمالهم، وما كان فيه أكثر هَمُّهم، فقد كان ذلك في الخوف والحزن، والتفكر والمجاهدة، ومراقبة الظاهر والباطن، واجتناب دقيق الإثم وجليله، والحرص على إدراك خفايا شهوات النفس ومكايد الشيطان، إلى غير ذلك من علوم الباطن.
واعلم تحقيقاً أن أعلم أهل الزمان وأقربهم إلى الحقِّ أشبههم بالصحابة، وأعرفهم بطريق السلف، فمنهم أُخذ الدين. ولذلك قال الإمام علي رضى الله عنه لَمَّا قيل له: خالفت فلاناً!، قال كرم الله وجهه: { خيرنا أتبعنا لهذا الدين }.
وما أجمل حديث التستري رضى الله عنه عن العلماء العاملين، والأولياء المحققين، ومكانتهم، حيث يقول: {قال الله لآدم: يا آدم إني أنا الله لا إله إلا أنا، فمن رجا غير فضلي وخاف غير عدلي لم يعرفني. يا آدم: إن لي صفوة وضنائن وخيرة من عبادي أسكنتهم صلبك، بعيني من بين خلقي، أعزهم بعزي، وأقربهم من وصلي، وأمنحهم كرامتي، وأبيح لهم فضلي، وأجعل قلوبهم خزائن كتبي، وأسترهم برحمتي، وأجعلهم أماناً بين ظهراني عبادي، فبهم أمطر السماء، وبهم أنبت الأرض، وبهم أصرف البلاء.
هم أوليائي وأحبائي، درجاتهم عالية، ومقاماتهم رفيعة، وهِمَمُهُم بي متعلقة. صحَّتْ عزائمهم، ودامتْ في ملكوت غيبي فكرتُهم، فارتَهنتْ قلوبُهم بذكري، فسقيتهم بكأس الأنس صرف محبتي، فطال شوقهم إلى لقائي، وإنِّي إليهم أشد شوقاً.
يا آدم من طلبني من خلقي وجدني، ومن طلب غيري لم يجدني، فطوبى يا آدم لهم ثم طوبى، ثم طوبى لهم وحسن مآب. يا آدم هم الذين إذا نظرت إليهم هان عليَّ غفران ذنوب المذنبين لكرامتهم عليَّ } ( حلية الأولياء، عن سهل بن عبدالله).
وقال أيضاً: إن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام: { يا داود: إذا رأيت لي طالباً فَكُنْ له خادماً }. فكان داودعليه السلاميقول في مزاميره: { وَاهًا لهم! يا ليتني عاينتهم!!، يا ليت خدّي موطأ نعلهم!! }.
قال سهل بن عبد الله ذلك، ثم اصفرَّ لونُهُ وجعل يقول: ( جعل الله نبيَّه وخليفته خادماً لمن طلبه لو عقلت - وما أظنَّك تعقل - قدر أولياء الله وطلابه!! ولو عرفت قدرهم لاستغنمتَ قربهم ومجالستهم، وبرَّهم وخدمتهم وتعاهدهم ) (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج 10 ص 193، 194).
.
***************
وَصِـيَّة[1]
((هذه الوصية نقلناها بتصرف من كتاب مذكرة المرشدين والمسترشدين
للإمام أبي العزائم رضى الله عنه لشمولها وأهميتها))
أخي الداعي: يا مَنْ وهبه الله تعالى العلم والحكمة وجمال الأخلاق، وأعانه على صرف الأوقات في عمل القربات والطاعات.
أخي: أعلم - حفظني الله وإياك من حبِّ الدنيا والرغبة فيما فيها - أن تلك الإقامة التي أنت مقيم فيها، هي: وظيفة العلماء الربانيين، والأمناء الروحانيين ورثة رسل الله عليهم الصلاة والسلام وأبدال الصديقين والشهداء؛ فمن أقامه الله تعالى مقام رسله جعل له علامات، هي الحجج المؤيدة لصدق إقامته، والبراهين التي في قوة تصديق الله أنه سبحانه قد منَّ عليه بميراث الرسل عليهم الصلاة والسلام وتلك العلامات هي:
الحرص على عباد الله من أن يقع أحدهم فيما يُغضب الله بسببهم، والرأفة والرحمة بالمؤمنين، ولين الجانب، والخلق العظيم، والصبر على جفوة مَنْ يَدْعُونهم، ودعوة الخلق كلُّ على قدر عقله، ومداراة الناس، والغضب في الله، والإحسان إلى المسئ، وصلة القاطع، وتأليف النافر، وترك الجدال مرة واحدة - إلا ما كان لبيان حكم من الأحكام الشرعية مختلف فيه، ويكون بالتي هي أحسن، والتباعد بالكلية عن تنفير الخلق، أو عن نية السوء، أو قصد الشرِّ أو العزم عليه، أو التكلم بما لا يليق من قبيح الكلام في غيبة الناس أو في مواجهتهم، والتباعد عن سماع الشرِّ في حق الناس، والزُّهد فيما في أيديهم، وبذل ما في اليد لهم تألّفاً لهم، والمسارعة إلى فعل الواجبات والفضائل والمكرمات، ومنافستهم في ذلك حتى يقلِّدوا الداعي.
والشفقة عليهم، والاجتهاد في دفع المصائب عنهم، وتخفيف آلامهم، ومشاركتهم في مهماتهم - مشاركة عملية بالمال والنفس، وذكر محاسنهم، وستر عيوبهم في غيبتهم، والاجتهاد في تنبيههم لترك المعاصي التي يقع فيها بعضهم، وعمل الفضائل التي تركها بعضهم - بطريق محفوظ من أن يتوهم أحدهم أنه مقصود بالذات، خشية من التنفير، بل يكون بتنبيه عام يبين فيه قبح المعصية وسوء عاقبتها، ويبين حسن الفضيلة وجميل مآلها.
فهذه الأخلاق هي التي يجب أن يكون عليها المتصف بصفات الداعي إلى الله، أو النائب عنه لأنها من أخص صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخادم إذا ناب عن سيده يلزمه أن لا يخالفه، فإن خالفه هلك أو أهلك. فمن أقامه الله بدلاً عن الصديقين والشهداء، ونائباً عن العلماء الربانيين، ثم غلبته نفسه فغضب أو شتم آخر أو سبَّه، أو كرهه بقلبه، أو ظن في أخيه سوءاً، أو قطع أخاً له لغرض من أغراض الدنيا أو لِعِلَّةٍ من عِلَلِ الحظوظ، أو تهاون بواجب، أو ترك المنافسة في عمل الخيرات ونافس في عمل الشرور.
من كان هكذا، فكأنه يريد أن لا يقبل فضل الله ونعمته، لأن هذا الفضل العظيم يمنح بالفضل من الله تعالى، ويدوم ذلك الفضل بمراعاة تلك المعاني، ونعوذ بالله من حال عَبْدٍ يتفضل الله عليه فيأبى فضل الله، وينعم الله عليه فيرد نعمة الله.
أيها العالم الرباني: بِمَ صرت عالماً؟ قل معي:]هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي [(40-النمل). نعم! فعليك أن تشكر ربكجلَّ جلاله بمجاهدة نفسك، حتى تتصف بصفات أهل الفضل. احذر أن تمنح الفضل بالفضل، وتنسى المتفضِّل وفضله، فيسلب - والعياذ بالله - الفضل بالعدل، واستعذ بالله - أيها الداعي - من السلب بعد العطاء.
توددّ إلى الأباعد، وأحسن إلى الأقارب، وغض بصرك عن عيوب إخوانك المؤمنين، واستر زلَلَهم، واعف عن مسيئهم، واصفح عن ظالمهم، واشكر الله الذي جعلك من أهل الفضل عِلْماً وخُلقاً وحالاً وعملاً.
وتحقق أن أجمل نعمة ينعم الله بها على عبده، ويدوم بها الفضل العظيم، ويبقى في ذريته بعده: هي أن ينعم الله عليك بجميل الأخلاق، وأن يملكك نفسك فلا تخرج بك عن طاعة الله، ولا توقعك في معاصي الله. وبذلك يحبُّك الله، وملائكة الله، ورسل الله، ويحبك الناس أجمعون، إلا مَنْ كرهك لأنك على الحقِّ وهو على الباطل في الاعتقاد والرأي والعمل، فلا يكرهك أحدٌ من الخلق لحماقة لأنك حليم، ولا يكرهك لعمل سوء لأنك رحيم، ولا يكرهك لجفاء وقوة لأنك رءوف، ولا يكرهك لبخل لأنك كريم، ولا يكرهك لنفور منك لأنك صفوح عفو، ولا يكرهك لطمع منك لما في أيديهم لأن الله أغناك عن شرار خلقه وجعل غناك في قلبك، ولا يكرهك لترك واجب لمسارعتك لعمل الواجب والمندوب، ولا يكرهك لسوء أدب لخشيتك من الله.
وتحقق أن بغض الناس - خصوصاً الأقارب، وبالأخص الوالدين والأولاد - دليل على أنك من أهل الكبائر القلبية أو البدنية. فبادر بسرعة وتُبْ إلى الله، وجاهد نفسك متخلقاً بأخلاق العلماء الربانيين، والعارفين الروحانيين، ليدوم لك الفضل العظيم في الدنيا، وفي البرزخ، وفي الآخرة، وتدبر قوله تعالى: ) إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [ (11-الرعد). أسأل الله تعالى الحفظ والسلامة، والنعم والإحسان، والفضل العظيم، والمعونة على الشكر إنه مجيب الدعاء.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
هو الرجل العالم العامل الذى وهبه الله عز وجل النور الكاشف للظلومات والشبهات ومنحه الفقه فى دين الله وتأويل المتشابهات وفك رموز الخفيات من آيات القراءن وحديث رسول الله وهو الفرد الذى تتنزل عليه الفيوضات من العلوم الوهبيه زياده على ما حصله من العلوم الكسبية والاجتهادية وهو العبد الذى اتاه الله رحمه فى قلبه بعباد الله حتي قام يبزل كل ما لديه بإخراج الناس من الظلومات الى النور ويبين لهم معاني الدين الحنيف يجدد أثار السنه المطهرة ويعيد الى الاذهان ما خفي من هدي الائمه ومن درس من آداب وأحول وسلوك السلف الصالح رضى الله عنهم وللمرشد صفات كثيره يتعرف بها عليه اشار اليها الله عز وجل فى قوله ( فوجد عبد من عبادنا اتيناه رحمه من عندنا وعلمناه من لدنا علما ) فهو رجل يبين للناس كلام الله عزوجل وحديث رسول الله بما يناسب عقولهم مع الرحمة بهم بالحكمة الرشيدة والبصيرة النافذة قول سبحانه ( قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) بلغ به الكمال إتباعه لسيدنا رسول الله مقاما لايقدر ان يلتفت عن رسول الله طرفه عين ولا اقل ولا ان يخالفه فى اى شىء مهما كان صغيرا علمه الله علما من لدنه سبحانه وتعالى وهذا العلم ينفع الله به الناس فى زمانه وانه علم قريب العهد بالله قد أكرم به من حضره الله عز وجل وهذا العلم يقوم به الحجة على المعاندين والمجادلين وتتضح به الطريقة والمحجه للمؤمنين والمسترشدين ورث عن رسول الله علوم الشريعة وعلوم الطريقة وعلوم الحقيقة جعله الله خبيرا بمعاني تجليات الحق تبارك وتعالى وعليما بأسراره القدسية وجعله الله حفيظا على هذه الاسرار فلا يبيح منها شيئا الا لأهلها بقدر طاقاتهم وحسب حاجاتهم قال تعالى ( الرحمن فاسأل به خبيرا ) قائما لله بالحق لا يتزحزح عنه وان خالفه الناس أجمعين قلبه مع الله ورسوله وان كان جسمه مشغولا بالإعمال الكونية أو بهداية الناس إلى الله فهو مع الحق بسره ومع الخلق بجسمه رجلا أذل نفسه للمؤمنين والمؤمنات واعزها على أهل الكفر أجمعين هذا الرجل هو بغيه كل مؤمن ومقصد كل محسن وأمل كل فرد من أهل الصفاء والإخلاص وان الكل يبحث عنه ويسعي فى طلبه
اخلاقه
أما الأخلاق فهي أخلاق الله عز وجل وأخلاق الرسول الأعظم ان يكون حكيما رحيما على النفوس معتقدا عند الناس مشهودا بأتباع السنة والعمل يهما متباعدا عما ينفر القلوب من كل الأعمال والأحول والأخلاق وان يكون متمكنا من أصول التوحيد طبيبا حاذقا بأمراض النفوس خبيرا بمداراه الناس فاهما منزله كل إنسان له معرفه بسيمات الناس التي تدل على خفى طباعهم وغرائزهم ومكنون أخلاقهم يؤلف الناس ويتحمل أذاهم حتي يألفوه ويرغبهم فى الأخلاق الكريمة يجاهد نفسه ليعمل أولا بعلمه ثم يدعوا الناس إلى ذلك لا يفرق بين الناس بسبب الفقر أو الغني أو الجاه أو النسب فى الإقبال عليهم والبشاشة لهم لا يستحي إذا كان لا يعلم ان يقول لا أعلم لا يستحي ان يطلب العلم من من فوقه دون التعصب لشيخه بذل ما فى اليد للناس تأليفا لهم وعدم التطلع إلي مافى أيديهم ترك الجدال مره واحده إلا ما كان لبيان حكمه من الإحكام الشرعية مختلفا فيه ويكون بالتي هي أحسن الصبر على جفوه من يدعوهم والإحسان إلى المسيء وصله القاطع وتأليف النافع تباعد بالكلية عن تنفير الخلق أو نيه السوء أو قصد الشر أو التكلم بما لا يليق من قبيح الكلام فى غيبه الناس أو في مواجهتهم والتباعد عن سماع الشر فى حق الناس والمسارعة الى فعل الواجبات والفضائل والمكرمات والشفقة والاجتهاد فى دفع المصائب وتخفيف الآلام والغضب لله والرضي لله والحب فى الله والبغض لله دعوه الخلق على قدر عقولهم مداراه الناس والتحصين بحصون الشريعة
علومه ومعارفه ...
لابد للشيخ ان يكون عارفا بالعلوم التي يحتاج إليها الناس ويزوق أسرار الأحوال والمقامات ومن علومه علم الآيات ويقصد بها العلامات الدالة على قدره الله عز وجل فى الكون وفى الإنسان وهي المشار إليها إلى قول الله عز وجل ( سنريهم آياتنا فى الأفاق وفى أنفسهم حتي يتبين لهم انه الحق ) وفى ذلك يقول سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فى السماء طائر يطير بجناحيه الا ذكر لنا عنه علما ..
1- علم تذكيه النفوس وهو العلم الذي تصفو به النفس من شوائب الرياء وعلائق الحق وأضرار الحسد وبواعث الحظ والهوى حتي تنال مقام الإخلاص ولا تحقق العبادة الغاية منها الا بعد تزكيه النفوس وتصفيتها لقول الله عز وجل ( قد افلح من تزكي و ذكر اسم ربه فصلى ) وهذا هو الطور الهام الذى جاهد فيه رسول الله الأصحاب حتى فطرت على الصفاء والوفاء وذلك لمده اثنا عشر سنه حتي تأهلت النفوس لعباده حضره الله فبدأ نزول العبادات بالصلاة وغيرها ...
2- علم الكتاب وهو علم الأحكام الشرعية فى العبادات والمعاملات والأخلاق والأسر والمجتمعات والسلم والحرب وهو ما يسمي الآن بعلم الفقه
3- علم الحكمه وهول العلم الذى يهبه الله عز وجل للإنسان فيكون حكيما فى تصرفاته بليغا فى أحواله وهيئاته مسددا فى أقواله وتحركاته حتي يكاد الناس غير الحاسدين الحاقدين لا يرون فيه عيبا فى أحواله وأفعاله هذا نتيجه التوفيق فقد اخبر الله عز وجل إن صاحب الحكمة قد أعطاه الله البر والفضل الكبير فى قوله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتي الحكمة فقد أؤتي خيرا كثيرا ..
4- العلم الوهبى وهو ما ينتج عن الإخلاص فى تنفيذ الأعمال والصدق فى المتابعة لسيدنا رسول الله حيث يفاض على صاحب هذا القلب علوم وهببيه وأسرار من باب قول الله عز وجل (واتقوا الله وليعلمكم الله) قول الرسول عليه الصلاة والسلام ( من عمل بما علم ورثه الله بما لايكن يعلم ) وهذا العلم حقائق صادقه فى صدور العارفين فينقلوها الى خاصة المحبين ولما كان العلماء ورثه الأنبياء ائمه اهل الطريق لأنهم الذين يقومون بتربيه مريديهم وتهذيب سلوكهم وتجميل اخلاقهم وهذا دأب الصالحين فى كل زمان ومكان .
أوصاف الداعي الحكيم
للداعي الحكيم أوصافٌ وعلاماتٌ كثيرة يُعرف بها، أشار إلى بعضها الإمام الغزالي رضى الله عنه في إحياء علوم الدين فقال: ( وقيل: خَمْسٌُ من الأخلاق، هي من علامات علماء الآخرة - مفهومة من خمس آيات من كتاب الله عزَّ وجلََّ : "الخشية، والخشوع، والتواضع، وحسن الخلق، وإيثار الآخرة على الدنيا - وهو الزهد".
فأما الخشية فمن قوله تعالى: ] إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [(28-فاطر)، وأما الخشوع فمن قوله: ]خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً [(199-آل عمران)، وأما التواضع فمن قوله: ] وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [(88-الحجر)، وأما حسن الخلق فمن قوله تعالى: ] فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ [(159-آل عمران)، وأما الزهد فمن قوله عزَّ وجلََّ: ]وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا[(80-القصص)).
ويمكن إجمال أوصاف الداعي الحكيم فيما يلي:
أولاً: التواضع لله تعالى في كل حال، وخصوصاً عند رواية العلم أو بيانه بالكتابة أو الدراسة. فالتواضع أكمل علامة للعلماء، لأنها تدل على حقيقة الخشية من الله تعالى، وقد حصر الله تعالى خشيته في العلماء، لأن شأن العالم العارف لنفسه بنفسه الممتلئ من معرفة ربه، المتحلي بواردات قدسه ألا يرى لنفسه حالاً ولا مقالاً، بل يرى نفسه أقل من كل شئ، وهذا هو النظر التام، كما قيل:
إذا زاد علم المرء زاد تواضعاً
وإذا زاد جهل المرء زاد ترفُّعاً
وفي الغصن من حمل الثمار مثاله
فإن يعزُّْ عن حمل الثمار تمنّعاً
ثانياً: الحلم والأناة، لأنهما خصلتان يحبهما الله تعالى، وإذا تجرد منهما العالم هلك، لأنه يتصف بالحماقة والعجلة، فالعجلة توقعه في الخطأ، والحماقة تنفر منه الخلق والحقّ، فيكون ضاراً، وقد يُبْتلى - إذا لم يتصف بالحلم والأناة - بالإعجاب برأيه والتعصب له، فيجادل من خالفه ويؤيّد رأيه بالحجج - ولو كان باطلاً.
ثالثاً: يُعلِّمُ الناس على قدر عقولهم . إن من أكمل صفات العلماء أن يُعلِّموا كل فريق من الناس ما لابد لهم منه، ويخفوا الحكمة إلا عن أهلها، كما قيل:{ لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم، ولا تعلموها غير أهلها فتظلموها }، ومن علّم الحكمة لغير أهلها فتح على نفسه باباً من الشرّ، وعلى المسلمين باباً من الفتنة. فالعالم الربانيُّ يُعلِّمُ الناس على قدر عقولهم ويداريهم كما قال صلى الله عليه وسلم: { كلَّموا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون!، أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله؟ } (رواه البخاري موقوفاً على الإمام عليٍّ كرَّم الله وجهه، ورفعه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من طريق أبي النعيم).
.رابعاً: السكينة والرحمة، فإن السكينة دليل على التمكين، وبرهان على الرسوخ في العلم، والرحمة من أخص صفات العلماء، بحكم الوراثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمل صفاته صلوات الله وسلامه عليه ما أثبتها الله تعالى له بقوله:]حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [ (128-التوبة). وقدَّم الله عزَّ شأنه الرحمة في الإيتاء على العلم للعالم الرباني فقال سبحانه وتعالى:] آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا [ (65-الكهف).
خامساً: العمل بالعلم في السر والجهر. إنمن أجلّ علامة العلماء الربانيين، العمل بالعلم في السر والجهر؛ خشية من الله تعالى، والأخذ بالعزائم - ولو كان في ذلك ما تكرهه نفوسهم، أو تتألم منه أبدانهم - إرضاء لله تعالى، ولا يأخذون بالرخص من غير أسبابها، وذلك لكمال اقتدائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان - فيما يروى عنه صلوات الله وسلامهعليه - يأخذ نفسه بالأشد، ويأمر غيره بالأيسر، ولذلك كان كُمَّل أصحابه رضوان الله عليهم يقتدون بفعاله قبل أقواله، لأن الإقتداء بأفعاله عزيمة.
سادساً: التحفظ من أن يرى رأياً فيحكم به من غير أن يتثبت من أنه حكم الله تعالى، وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو أنه مأخوذ بالاستنباط من الكتاب والسنة، أو من عمل أئمة السلف، أو له نظير أو شبيه من أعمال السلف رضوان الله عليهم.
سابعاً: الاجتهاد في سدّ باب الذرائع والفتن، وإراحة أفكار المسلمين من الاشتغال بما يضرُّ ولا ينفع، الأمر الذي سبَّبَ فرقة المسلمين، ووقوع العداوة والشحناء بينهم، وجعل غير المسلمين يظنّون أن الدين الإسلامي مؤسس على التعصب لأشياء لا حقائق لها. ومثال ذلك فتح باب التفاضل بين الصحابة والعلماء، أو في الآراء والمذاهب والاعتقادات.
وكذلك فتح باب الفتن بالتكلم فيما سكت الله عنه، وسكت عنه رسوله رحمة بالمسلمين، فلم يحرّمها، فيقوم هؤلاء الذين تحصَّلوا على قشور من أحكام الشريعة المطهرة، وينصبُّوا بكليتهم على فتح أبواب الشُّبَه، وشغل المسلمين بما يضر ولا ينفع!!
ناهيك عن الفظاظة في الأخلاق، والغلظة في الطباع، والسخف في القول عند الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر!! متذرعين بحجة أن هذا من الدين، وأن هذه نصيحة، وأن هذه الطريقة الشرعية التي أمر الله بها.
ويجهلون أنهم بذلك وقعوا في كبائر لا تحصى؛ منها مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه، ومخالفة سنته في الدعوة، وتنفير عباد الله ووقوعهم في بغض الدين وبغض أهله، وظنوا أنهم أحسنوا!!! وربما كان الذي يدعون إليه من الأمور المرغّب فيها خلاف الأولى، أو كان الذي ينهون عنه أيضاً خلاف الأولى. وذلك في مثل نهيهم عن الاجتماع على ذكر الله، أو قراءة سورة الكهف في المساجد يوم الجمعة، وما شابه ذلك.
ثامناً: أن يكون أكثر بحثه عن علم الأعمال، وعما يفسدها ويشوش القلب، ويهيج الوسواس، ويثير الشرّ، فإن أصل الدين التوقي من الشر ولذلك قيل:
عرفت الشَّرَّ لا للشَّرِّ لكن لتوقِّيه ومن لا يعرف الشَّرَّ من الناس يقع فيه
ولأن الأعمال الفعلية قريبة، وأعلاها المواظبة على ذكر الله تعالى بالقلب واللسان، وإنما الشأن في معرفة ما يفسدها ويشوشها، وهذا مما تكثر شعبه ويطول تفريعه، وكل ذلك مما يغلب مسيس الحاجة إليه، وتعم به البلوى في سلوك طريق الآخرة،
ولقد كان الحسن البصري رحمه الله أشبه الناس كلاماً بكلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأقربهم هدياً من الصحابة رضي الله عنهم، وكان أكثر كلامه في خواطر القلب، وفساد الأعمال، ووساوس النفس، والصفات الخفيَّة الغامضة من شهوات النفس. وقد قيل له: (يا أبا سعيد إنك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك!! فمن أين أخذته؟ قال: من حذيفة بن اليمان رضى الله عنه).
وقيل لحذيفة: نراك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك من الصحابة!! فمن أين أخذته؟ قال:{ خصَّني به رسول اللهصلى الله عليه وسلم: كان الناس يسألونه عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه، وعلمت أن الخير لا يسبقني علمه }، وقال مرة: { فعلمت أن مَنْ لا يعرف الشرَّ لا يعرف الخير }، وفي لفظ آخر: { كان يقولون: يا رسول الله، ما لمن عمل كذا وكذا؟ يسألونه عن فضائل الأعمال، وكنت أقول: يا رسول الله، ما يُفسد كذا وكذا؟ فلما رآني أسأله عن آفات الأعمال خصَّني بهذا العلم } (أخرجه البخاري ومسلم).
وكان حذيفة رضى الله عنه أيضاً- قد خُص بعلم المنافقين، وأُفرد بمعرفة علم النفاق وأسبابه، ودقائق الفتن، فكان عمر وعثمان وأكابر الصحابة رضى الله عنهم يسألونه عن الفتن العامة والخاصة. وكان عمر رضى الله عنهإذا دُعى إلى جنازة ليصلي عليها نظر، فإن حضر حذيفة صلَّى، وإلا ترك. وكان يُسَمَّى: صاحب السر.
فالعناية بمقامات القلب وأحواله دأب علماء الآخرة، لأن القلب هو الساعي إلى قرب الله تعالى، فيهتمون بمعرفة صفات القلب وتطهيره عن الأخلاق المذمومة.
تاسعاً: أن يكون اعتماده في علومه - بعد تحصيل ما يلزم، كما أشرنا آنفاً - على حكمته وبصيرته وإدراكه بصفاء قلبه، لا على الصحف والكتب، ولا على تقليد ما يسمعه من غيره. وكان سيدي أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه يقول لأتباعه - مادحاً أهل علوم الإلهام رضى الله عنهم أجمعين: ( حدثونا بما فتح الله عليكم، لا بما نقلتموه عن غيركم ).
فإذا قلَّد صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم فيما أمر به وقاله، فينبغي أن يكون حريصاً على فهم أسراره، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعله إلا لسرٍّ فيه، ولا يكون عالماً إلا إذا كان شديد البحث عن أسرار الأعمال والأقوال، فإن اكتفى بحفظ ما يُقال كان وعاءاً للعلم، ولا يكون عالماً.
عاشراً: أن يكون شديد التوقي من محدثات الأمور، وإن اتفق عليها الجمهور، فلا يغرنَّه إطباق الخلق على ما أحدث بعض الصحابة رضى الله عنهم، وليكن حريصاً على التفتيش عن أحوال الصحابة وسيرتهم وأعمالهم، وما كان فيه أكثر هَمُّهم، فقد كان ذلك في الخوف والحزن، والتفكر والمجاهدة، ومراقبة الظاهر والباطن، واجتناب دقيق الإثم وجليله، والحرص على إدراك خفايا شهوات النفس ومكايد الشيطان، إلى غير ذلك من علوم الباطن.
واعلم تحقيقاً أن أعلم أهل الزمان وأقربهم إلى الحقِّ أشبههم بالصحابة، وأعرفهم بطريق السلف، فمنهم أُخذ الدين. ولذلك قال الإمام علي رضى الله عنه لَمَّا قيل له: خالفت فلاناً!، قال كرم الله وجهه: { خيرنا أتبعنا لهذا الدين }.
وما أجمل حديث التستري رضى الله عنه عن العلماء العاملين، والأولياء المحققين، ومكانتهم، حيث يقول: {قال الله لآدم: يا آدم إني أنا الله لا إله إلا أنا، فمن رجا غير فضلي وخاف غير عدلي لم يعرفني. يا آدم: إن لي صفوة وضنائن وخيرة من عبادي أسكنتهم صلبك، بعيني من بين خلقي، أعزهم بعزي، وأقربهم من وصلي، وأمنحهم كرامتي، وأبيح لهم فضلي، وأجعل قلوبهم خزائن كتبي، وأسترهم برحمتي، وأجعلهم أماناً بين ظهراني عبادي، فبهم أمطر السماء، وبهم أنبت الأرض، وبهم أصرف البلاء.
هم أوليائي وأحبائي، درجاتهم عالية، ومقاماتهم رفيعة، وهِمَمُهُم بي متعلقة. صحَّتْ عزائمهم، ودامتْ في ملكوت غيبي فكرتُهم، فارتَهنتْ قلوبُهم بذكري، فسقيتهم بكأس الأنس صرف محبتي، فطال شوقهم إلى لقائي، وإنِّي إليهم أشد شوقاً.
يا آدم من طلبني من خلقي وجدني، ومن طلب غيري لم يجدني، فطوبى يا آدم لهم ثم طوبى، ثم طوبى لهم وحسن مآب. يا آدم هم الذين إذا نظرت إليهم هان عليَّ غفران ذنوب المذنبين لكرامتهم عليَّ } ( حلية الأولياء، عن سهل بن عبدالله).
وقال أيضاً: إن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام: { يا داود: إذا رأيت لي طالباً فَكُنْ له خادماً }. فكان داودعليه السلاميقول في مزاميره: { وَاهًا لهم! يا ليتني عاينتهم!!، يا ليت خدّي موطأ نعلهم!! }.
قال سهل بن عبد الله ذلك، ثم اصفرَّ لونُهُ وجعل يقول: ( جعل الله نبيَّه وخليفته خادماً لمن طلبه لو عقلت - وما أظنَّك تعقل - قدر أولياء الله وطلابه!! ولو عرفت قدرهم لاستغنمتَ قربهم ومجالستهم، وبرَّهم وخدمتهم وتعاهدهم ) (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج 10 ص 193، 194).
.
***************
وَصِـيَّة[1]
((هذه الوصية نقلناها بتصرف من كتاب مذكرة المرشدين والمسترشدين
للإمام أبي العزائم رضى الله عنه لشمولها وأهميتها))
أخي الداعي: يا مَنْ وهبه الله تعالى العلم والحكمة وجمال الأخلاق، وأعانه على صرف الأوقات في عمل القربات والطاعات.
أخي: أعلم - حفظني الله وإياك من حبِّ الدنيا والرغبة فيما فيها - أن تلك الإقامة التي أنت مقيم فيها، هي: وظيفة العلماء الربانيين، والأمناء الروحانيين ورثة رسل الله عليهم الصلاة والسلام وأبدال الصديقين والشهداء؛ فمن أقامه الله تعالى مقام رسله جعل له علامات، هي الحجج المؤيدة لصدق إقامته، والبراهين التي في قوة تصديق الله أنه سبحانه قد منَّ عليه بميراث الرسل عليهم الصلاة والسلام وتلك العلامات هي:
الحرص على عباد الله من أن يقع أحدهم فيما يُغضب الله بسببهم، والرأفة والرحمة بالمؤمنين، ولين الجانب، والخلق العظيم، والصبر على جفوة مَنْ يَدْعُونهم، ودعوة الخلق كلُّ على قدر عقله، ومداراة الناس، والغضب في الله، والإحسان إلى المسئ، وصلة القاطع، وتأليف النافر، وترك الجدال مرة واحدة - إلا ما كان لبيان حكم من الأحكام الشرعية مختلف فيه، ويكون بالتي هي أحسن، والتباعد بالكلية عن تنفير الخلق، أو عن نية السوء، أو قصد الشرِّ أو العزم عليه، أو التكلم بما لا يليق من قبيح الكلام في غيبة الناس أو في مواجهتهم، والتباعد عن سماع الشرِّ في حق الناس، والزُّهد فيما في أيديهم، وبذل ما في اليد لهم تألّفاً لهم، والمسارعة إلى فعل الواجبات والفضائل والمكرمات، ومنافستهم في ذلك حتى يقلِّدوا الداعي.
والشفقة عليهم، والاجتهاد في دفع المصائب عنهم، وتخفيف آلامهم، ومشاركتهم في مهماتهم - مشاركة عملية بالمال والنفس، وذكر محاسنهم، وستر عيوبهم في غيبتهم، والاجتهاد في تنبيههم لترك المعاصي التي يقع فيها بعضهم، وعمل الفضائل التي تركها بعضهم - بطريق محفوظ من أن يتوهم أحدهم أنه مقصود بالذات، خشية من التنفير، بل يكون بتنبيه عام يبين فيه قبح المعصية وسوء عاقبتها، ويبين حسن الفضيلة وجميل مآلها.
فهذه الأخلاق هي التي يجب أن يكون عليها المتصف بصفات الداعي إلى الله، أو النائب عنه لأنها من أخص صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخادم إذا ناب عن سيده يلزمه أن لا يخالفه، فإن خالفه هلك أو أهلك. فمن أقامه الله بدلاً عن الصديقين والشهداء، ونائباً عن العلماء الربانيين، ثم غلبته نفسه فغضب أو شتم آخر أو سبَّه، أو كرهه بقلبه، أو ظن في أخيه سوءاً، أو قطع أخاً له لغرض من أغراض الدنيا أو لِعِلَّةٍ من عِلَلِ الحظوظ، أو تهاون بواجب، أو ترك المنافسة في عمل الخيرات ونافس في عمل الشرور.
من كان هكذا، فكأنه يريد أن لا يقبل فضل الله ونعمته، لأن هذا الفضل العظيم يمنح بالفضل من الله تعالى، ويدوم ذلك الفضل بمراعاة تلك المعاني، ونعوذ بالله من حال عَبْدٍ يتفضل الله عليه فيأبى فضل الله، وينعم الله عليه فيرد نعمة الله.
أيها العالم الرباني: بِمَ صرت عالماً؟ قل معي:]هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي [(40-النمل). نعم! فعليك أن تشكر ربكجلَّ جلاله بمجاهدة نفسك، حتى تتصف بصفات أهل الفضل. احذر أن تمنح الفضل بالفضل، وتنسى المتفضِّل وفضله، فيسلب - والعياذ بالله - الفضل بالعدل، واستعذ بالله - أيها الداعي - من السلب بعد العطاء.
توددّ إلى الأباعد، وأحسن إلى الأقارب، وغض بصرك عن عيوب إخوانك المؤمنين، واستر زلَلَهم، واعف عن مسيئهم، واصفح عن ظالمهم، واشكر الله الذي جعلك من أهل الفضل عِلْماً وخُلقاً وحالاً وعملاً.
وتحقق أن أجمل نعمة ينعم الله بها على عبده، ويدوم بها الفضل العظيم، ويبقى في ذريته بعده: هي أن ينعم الله عليك بجميل الأخلاق، وأن يملكك نفسك فلا تخرج بك عن طاعة الله، ولا توقعك في معاصي الله. وبذلك يحبُّك الله، وملائكة الله، ورسل الله، ويحبك الناس أجمعون، إلا مَنْ كرهك لأنك على الحقِّ وهو على الباطل في الاعتقاد والرأي والعمل، فلا يكرهك أحدٌ من الخلق لحماقة لأنك حليم، ولا يكرهك لعمل سوء لأنك رحيم، ولا يكرهك لجفاء وقوة لأنك رءوف، ولا يكرهك لبخل لأنك كريم، ولا يكرهك لنفور منك لأنك صفوح عفو، ولا يكرهك لطمع منك لما في أيديهم لأن الله أغناك عن شرار خلقه وجعل غناك في قلبك، ولا يكرهك لترك واجب لمسارعتك لعمل الواجب والمندوب، ولا يكرهك لسوء أدب لخشيتك من الله.
وتحقق أن بغض الناس - خصوصاً الأقارب، وبالأخص الوالدين والأولاد - دليل على أنك من أهل الكبائر القلبية أو البدنية. فبادر بسرعة وتُبْ إلى الله، وجاهد نفسك متخلقاً بأخلاق العلماء الربانيين، والعارفين الروحانيين، ليدوم لك الفضل العظيم في الدنيا، وفي البرزخ، وفي الآخرة، وتدبر قوله تعالى: ) إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [ (11-الرعد). أسأل الله تعالى الحفظ والسلامة، والنعم والإحسان، والفضل العظيم، والمعونة على الشكر إنه مجيب الدعاء.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد