آخر الأخبار
موضوعات

الأحد، 30 أكتوبر 2016

- هل الاجتماع على الخلق مع السلامة منهم خير؟ أم العزلة عن الناس خير؟

عدد المشاهدات:
أختلف أئمة الفرقة الناجية فى: هل الاجتماع على الخلق مع السلامة منهم خير؟ أم العزلة عن الناس خير؟ فكان رأى أكثرهم أن الاجتماع بالخلق مع السلامة منهم صفة الكمل المتمكنين المتجملين بالأخلاق، لأن اجتماعهم على الناس يكسبون به مكاسب روحانية منها: تحملهم أذية الخلق، ومنها بذل النصيحة للعالم، وفضل العلم والجاه والمال، والسعى فى الإصلاح، ودفع المظالم، كل ذلك بعد الجهاد فى سبيل الله-ولا يستوى القاعد والمجاهد فى سبيل الله عند الله، وأما الذين اعتزلوا الخلق فإنهم فضلاً عن تركهم القيام بما لابد لهم منه من طلب العلم والمعاش وشهود الجماعات ومعاونة أهل الحاجة فإنهم فى عمل كثيره قليل العمل مع الناس إلا إذا كانت معاشرة الناس تؤدى إلى ما يغضب الله تعالى فالعزلة خير.



وتفصيل هذا الموضوع: أن من قوى على معاشرة الناس وتمكن من السلامة منهم فالأولى له الاجتماع على الناس، ومن لم يقوى على معاشرتهم فالأولى العزلة له إلا ما لابد له منه.



ولما كان على كل مسلم لكل مسلم حق تقتضيه الشئون، وكانت تلك الحقوق تسمى الآداب الإسلامية التى يسارع لها من تزكت نفسه وتأدب بآداب القرآن الكريم، أرى أن السلم يجاهد نفسه الجهاد الأكبر حتى يتأدب بالآداب المحمدية وأن يجتهد أن يعاشر الناس ويجالسهم لينتفع وينفع ويتمرن على المجتمعات التى تكسبه الثواب فى الآخرة وحسن الأحدوثة فى الدنيا- خصوصاً إذا كان مطالباً بنفقة لزوجة وأولاد وأقارب أو كان عالماً أو ذا صنعة مفيدة لإخوته المؤمنين- فيجب عليه أن يجاهد نفسه حتى يكون متجملاً بالأخلاق التى تجعله محبوباً عند الناس، أما من كان مسترشداً على يد مرشد فو مع الأستاذ بالخيار: إن أمره الأستاذ بالعزلة بادر إليها، وإن أمره بمعاشرة الخلق ومجالستهم سارع إليها.



ولما كانت الآداب التى تجملت بها الفرقة الناجية من التشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم الرءوف الرحيم بعشرائه وجلسائه الحريص على تأليف القلوب عليه كان الواجب على كل مسلم أن يتأدب بتلك الآداب الفاضلة وأن يتجمل بتلك الأخلاق الكاملة حتى يفوز بجميل الثواب يوم القيامة ولسان الصدق فى الآخرين.



حسن المجالسة:

أما حسن المجالسة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما يتجالس المتجالسان بالأمانة فلا يحل لأحدهما أن يفشى على أخيه ما يكره)فآدابها: ألا يعين ظالماً على ظلمه، ولا يفتح باب شر على أحد من الناس أمام من يمكنه أن يؤذيه، ولا يذكر غائباً بسوء إلا إذا كان متفضحاً وسئل عنه على سبيل نصيحة أو مشورة، ويلزم أن يغض بصره فى المجالس عن عورات المجلس خصوصاً إذا جلس مع رجال ونساء، فيجب عليه أن لا يحدق ببصره إلى النساء ولا أن يصغى بأذنه إلى أثنين يتكلمان فى المجلس إلا إذا دعياه إلى سماع الكلام.



ومن آداب المجالسة: أن لا يتكلم سراً مع جليسه إذا كان معهما ثالث فإن ذلك يحزنه، ولا يتكلم بلغة لا يفهمها الثالث، وليتجنب واللمز والهمز والإشارة باليد أو بالعين أو باللسان- قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) سورة الحجرات آية 11 وعلى كل مسلم أن يكون بشوش الوجه لمجالسيه ما داموا فى خير، فإذا تكلموا فى غير الخير فالواجب عليه أن يذكرهم بحكمة ويبين لهم شر التكلم فيما يضر ولا ينفع أو يصمت إن خاف عنادهم أو يفارق المجلس أن كان ذلك لا ضرر فيه عليه.



ومن آداب المجالسة أن يجتهد المسلم فى إدخال السرور على جليسه بقدر استطاعته فلا يذكر عورة من عوراته يريد بها احتقاره، ولا ينتقد عليه فى عمل مباح عمله- قال صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليقول الكلمة فى المجلس لا يلقى لها بالاً يضحك بها الناس يهوى بها فى النار سبعين خريفاً)وجلساء الرجل: إما أن يكون مضطراً أن يجالسهم أو غير مضطر، أما الذين لابد من مجالستهم كمن معه فى مزرعته أو مصنعه أو شركاؤه فى تجارة أو معه فى بيت واحد، فإخوانك الذين معك فى المزرعة أو المصنع أو التجارة يلزمك أن تجتهد فى استجلاب مودتهم لك وحبهم بما يمكنك مما لا يغضب الله سبحانه وتعالى ولا يخالف السنة، ويجب عليك أن تحفظ لسانك عن ذكر عوراتهم وهفواتهم أمامهم أو خلفهم، فإن كل إنسان لا يخلو من عيوب يجتهد أن يخفيها عن الناس ولكنها تظهر قهراً عنه، وكما أنك يا أخى تحب أن تخفى صغائرك وهفواتك عن الناس، فالواجب عليك أن تخفى هفوات أخيك وصغائره وعيوبه عن الناس وعنه فى حضوره ما دامت لا تضره دنيا ولا ديناً، فإن كانت تلك الأعمال مما يضره دنيا أو دينا فالواجب عليك أن تختلى به وتنصحه بطريقة يقبلها لا تريد بذلك احتقاره ولا تهديده والتنديد به.



ومن أكمل صفات رجال الفرقة الناجية أن يحفظوا أسرار المجالس، ومن أقبح صفات أهل النقائص أن الرجل يجلس فى المجلس ثم يقوم منه فينشر أخباره لكل من لقيه، وقد يبلغ الجهل ببعض الحمقى أنهم ينشرون معاصيهم ورذائلهم حتى خلوتهم بنسائهم- يقول صلى الله عليه وسلم: (المجالس بالأمانات)وورد أن أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل أسبل الله عليه ستره فكشف عنه ستر الله، ومعنى ذلك أن الرجل يعمل المعصية ليلاً أو فى خفاء عن الناس ثم يخرج فيذكر عمله للناس، ومن محاسن الآداب فى المجالسة أن لا يتجسس المؤمن ولا يتحسس، وأن يجتهد أن يجعل فى كل مجلس جلس فيه عملاً صالحاً يرفع له من ذكر الله أو نصيحة أخ أو رد غيبة عن أخ صالح أو توبة عن ذنب علمه فى المجلس.



ومن أداب المجالسة أن يتباعد الرجل عن الجلوس بجوار زوجة غيره، ولا يسارع إلى قضاء حوائجها ما دام معها محرم لها، ولا يلامس جسدها لمعونتها فى مشى أو ركوب أو نزول إلا إذا كان محرماً لها، وإذا دعت الضرورة أن يتكلم معها يجب أن يجعلها خلفه على يمينه أو يساره إذا كان واقفاً، وإن كان جالساً يجب أن يجلسها إن استطاع فى الجهة التى لا تكون مواجهة له بل يجعل محل نظره الجهة التى لا يراها فيها، وإن دعت الضرورة أن يواجهها بوجهه فعليه أن يغمض بصره أو يطأطأ رأسه أو يلفت عنقه، فإن عمله هذا مرضاة لله محمدة عند الناس موجبة لمحبة الخلق وثقتهم وموجبة لكمال حياء المرأة، فإن الأصل فى المرآة الحياء، وإنما يقوى عندها إذا تجمل الرجل به أمامها.



ومن الآداب أن لا تختلى بامرأة أجنبية منك مهما وثقت من نفسك، فإنك أعلم بنفسك من غيرك، فإذا كنت واثقاً من نفسك أن خلوتك بها لا تشغل قلبك ولا تنقض وضوءك لما تراقبه من الخوف من الله سبحانه ومن عقوبته، فهل المرآة بلغت ذلك؟ فإن لم تخف على نفسك يا أخى فخف عليها أن توقعها فى المعاصى.



ومن أداب المجالسة أن يجتهد المسلم فى حفظ لسانه مما يخجل من ذكر العورات، وإذا كان لابد من ذكر شىء من العورات فليعبر عنه بكناية أو إشارة.



ومن الآداب التى يرعاها السلم أن لا يطمع فيما فى يد أخيه ويجتهد أن لا يخسره شيئاً مما له، والأولى أن يكون متفضلاً مسارعاً إلى فعل الخير مساعداً أخاه بماله ونفسه، فإن ذلك من أخلاق المؤمنين الذين يمنحهم الله فضله ورحمته ورضوانه.



وأساس المجالسة التسامح، فإن الرجل المتسامح الكريم الأخلاق إذا سمع كلمة من مجالس تكدره أو رأى عملاً يكدره وحمله من أخيه على أجمل محامله فيدوم بذلك الصفاء.



ومعلوم أن أكثر الخصومات والمنازعات قد تنتج من كلمة يقولها الجليس لجليسه بسلامة نية فيردها عليه بحماقة ويتأولها شر تأويل فتوقد نار البغضاء، ومعظم النار من مستصغر الشرر، فقد يقول الأخ الكلمة الثقيلة على أذن أخيه لا يقصد بها إلا خيراً، ولو حمل الأخ كلمة أخيه على أجمل محامله لدام الصفاء والوفاء ولكن المسلمون كالجسد الواحد كما شبههم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن اللسان شر أبواب جهنم- يقول صلى الله عليه وسلم: (وهل يكب الناس على مناخرهم فى النار إلا حصائد ألسنتهم)وقال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فى السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) سورة أبراهيم آية 24-27.



إذا أردت يا أخى أن تؤاخى إخوان صفاء وخلان وفاء فاجتهد أن تصفى لك إخواناً من المساجد ومن مجالس العلم النافع ومن أهل التقوى، وكل أخ غير هؤلاء فهو عليك لا لك، وكل جليس لا تدعوك الضرورة إلى مجالسته غير هؤلاء فهو مرض ينبغى أن يفارقه الإنسان بحكمة حكيم خصوصاً شياطين الإنس الذين يعينون على معصية الله ومخالفة رسول الله  صلى الله عليه وسلم فإنهم ألد الأعداء وأسوء الجلساء، وقد أمرنا الدين بالاجتماع وعين لنا مكان الاجتماع وزمانه لتدوم صحتنا ونجدد بهجتنا وتقوى أمتنا- قال صلى الله عليه سلم: (ثلاثة من المروءة فى الحضر: تلاوة كتاب الله عز وجل، وعمارة مساجده، واتخاذ الإخوان فى الله تعالى)وكان سعيد بن العاص يقول للجليس: على ثلاث، إذا دنا رحبت به، وإذا حدث أقبلت عليه، وإذا جلس أوسعت له، وقال أبو جعفر محمد بن على لأبنه جعفر رضى الله عنهم: لا تصحبن من الناس خمسة واصحب من شئت: الكذاب فإنك منه على غرور وهو مثل الثراب يقرب منك البعيد ويبعد منك القريب، والأحمق فإنك لست منه على شىء يريد أن ينفعك فيضرك، والبخيل فإنه يقطع بك أحوج ما تكون إليه، والجبان فإنه يسلمك ماله ونفسه عند الشدة، والفاجر فإنه يبيعك بأكلة أو بأقل منها-قلت وما أقل منها؟ قال: الطمع.



ومثل الناس كمثل الشجر:

منهم من له ظل وليس فيه ثمر، وهذا الذى فيه نفع من الدنيا ولا ثمر له فى العقبى ويحتاج إليه فى وقت.ومنهم من فيه ثمر وليس فيه ظل، وهذا يصلح للآخرة ولا يصلح للدنيا. ومنهم من فيه ظل وثمر، فهذا الذى يصلح للدين والدنيا وهو أعزها. ومنهم من لا ظل له ولا ثمر وهذا هو الذى لا يُحتاج إليه فمثله فى الشجر مثل شجر الفضا (وهو شجر البرية التى تسميه العامة أم غيلان) تمزق الثياب لا طعام فيه ولا شراب فهؤلاء من الناس لا يضر ولا ينفع- مثله قال الله تعالى: (يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) الحج آية 13.



فأهل الفرقة الناجية من الصوفية

فأهل الفرقة الناجية من الصوفية يخافون الله فى خلقه ولا يخافون الخلق فى الله. وهكذا يحبون الله فى خلقه ولا يحبون الخلق فى الله. ويتقربون إلى الله فى خلقه ولا يتقربون إلى الخلق فى الله.. فهم فى جميع أحوالهم يعاملون الله فى خلقه.



منحهم الله الرأفة والرحمة بالوراثة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمحافظة على كمال إتباعه صلى الله عليه وسلم والإقتداء به، فتراهم يحرصون فى مجالستهم مع الخلق ومعاشرتهم على الفوز برضوان الله الأكبر ببذل ما فى وسعهم من الخير لجليسهم وعشيرهم، فهم العلماء الرحماء الحكماء، يراقبون الله فى كل أنفاسهم ولحظاتهم ويسارعون إلى مغفرة من ربهم وجنة عرضها السموات والأرض ويتعاونون على البر والتقوى قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) سورة المائدة آية 2، أحبوا لكل أخ من المسلمين ما يحبونه لأنفسكم، وباءوا بإيثار جليسهم وعشيرهم بالخير على أنفسهم كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)سورة الحشر آية 9، يجوع الرجل منهم ليشبع أخاه، ويتعب ليريحه، ويسهر لينام أخوه.. لا يقصدون بذلك من الخلق جزاء ولا شكورا كما قال : (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) سورة الإنسان آية 9 ولهم فى تلك المعاملة مشاهد روحية مراقبات عن عين اليقين، فهم فى مزيد من المسارعة والتعاون لأن الله سبحانه وتعالى يواجههم فى كل أحوالهم مواجهة يقوى بها حالهم وإقبالهم ورغبتهم فى الله وما عند الله.



ومن آداب المجالسة أن يجلس الجليس يفسح لأخيه عند احتياجه لذلك قبل أن يلتمس أخوه منه، ومن أكمل الآداب أن الجالس ينزل القادم منزلة من التكرمة خصوصاً إذا كان ذا شيبة أو عالماً أو صاحب المنزل أو ذا سلطان فيتنحى له عن المجلس المناسب له مع غض البصر وعدم إظهار التفضل عليه.



ومن آداب المجالسة أن لا يجلس الرجل على محل تكرمة الرجل فى منزله إلا بعد إذنه له، ولا ينصرف من المجلس حتى يستأذن، لأن كل تلك الآداب تقوى روابط المحبة، وبها ينال العبد رضوان الله تعالى ورضوان رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاء إخوته المؤمنين.



ومن آداب المجالسة أن يتوقى الجالس الغضب ولو حصل له ما يغضب، فإنه ربما غضب بما يغضب فأدى غضبه إلى ما لا يرضى الله ورسوله، وليدفع بالتى هى أحسن كما قال تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هى أَحْسَنُ فَإِذَا الذى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) سورة فصلت آية 34.



ومن آدابهم فى المجالسة أن يجتهد كل واحد منهم فى أن يدخل السرور على قلوب جميع جلسائه، وكانوا إذا جلسوا أو نطق أصغرهم سناً صغوا جميعاً إليه لكمال آدابهم ولطمع أن ينطق بحكمة، وكان أصغر الناس فى مجالسهم أعظمهم ما دام على الحق، وأعظمهم أصغرهم إن وقع فى باطل مع كمال آدابهم، فإن تلك الآداب كانوا يبتغون بها وجه الله تعالى، كانوا إذا سمعوا امرأة تتكلم قالوا أنصتوا عسى أن تنطق بخير.



شغلوا بالله سبحانه وتعالى فاتسعت قلوبهم وانشرحت صدورهم ودام أنسهم بالله تعالى، حسن ظنهم فى الله تعالى حتى غلب عليهم حسن الظن فكانوا إذا سمعوا شراً من غيرهم أولوه إلى الخير وأساءوا ظنهم بأنفسهم يئسوا من أن ينالهم نفع أو ضر من الخلق فاستوت عندهم حالة الخلق تعظيماً واحتقاراً وإقبالاً وإدباراً وقامواً بما عليهم من الحقوق لغيرهم ابتغاء مرضاة الله، ولم يطالبوا غيرهم بالحقوق التى هى لأنفسهم كما قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون هينون لينون)وكما قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) سورة الفرقان آية 63.



ومن أداب المجالسة ما ورد أن بعض بنى أمية جلس فى مجلس أحد خلفائهم فقال: إن الناس يبالغون فى على بن أبى طالب وفى علمه وحكمته وإنى قدر رأيته بالأمس فى النوم ووجدته دون ما يخبرون به عنه- فقال: وماذا رأيت؟ قال: رأيته فنبذته وسببته فعقد لسانه سلاماً سلاماً وقال: ما ترك من أهل الحكمة شيئاً.. أراد قوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) سورة الفرقان آية 63، فهذه حالتهم ولو مع الجاهل فى الرؤيا المنامية. وسب رجل سيدنا أبا هريرة فقال له: يا هذا إن أغضبت الله فى فإنى أرضى الله فيك. وقال رجل لرجل مرة يا كافر- فقال له: أشهد أن لا إله إلا الله- فقال يا منافق: فقال تبت إلى الله ورجعت إلى الله- فقال أريد أن أغضبك- فقال : من بين لى عيوبى أرضانى.



وآداب المجالسة تتفاوت بحسب مراتب الجالسين، ومجملها أنك إذا جلست مع العالم فأمسك لسانك وأصغ، وإذا جلست مع الولى فأمسك قلبك لترد عليك واردات الحق، وإذا جمع الله والولاية والعلم فى رجل فأمسك قلبك ولسانك، وإذا جلست مع ذى سلطان فجمل له ظاهرك واكتم سره وألن له الكلام فى النصيحة وغض بصرك عن حرمه، وإذا جالست العامة فتجنب المزح والمنافسة فى شىء يسارعون إليه واستخدمهم بما يشرح صدورهم منك إن استطعت، وإذا جلست مع من ليسوا على مذهبك فسلم لهم مذهبهم ولا تعارضهم بمذهبك فإن مذهباً لا يعارض مذهباً، وإذا سئلت فجاوب على قدر السؤال.



ومن آدابهم أنهم إذا مدحوا فى المجالس شكروا الله الذى أظهر الجميل وستر القبيح، وإذا ذم رجل رجلاً من الصوفية قال اللهم إن كان صادقاً فاغفر لى وإن كان كاذباً فاغفر له.. تشبها بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء رجل إلى سيدنا ومولانا الحسن بن على عليهما السلام فقال: يا ابن بنت رسول الله إن فلاناً سبك أمام الخليفة- فقال: اللهم إن كان صادقاً فاغفر لى وإن كان كاذباً فاغفر له، ومن علم أن أعماله وأقواله وأحواله محصاة عليه وأنه سيسأل عنها يوم القيامة بخل بأنفاسه أن يصرفها إلا فى طاعة الله، ومن أحب أن يكون كريماً عند الله محبوباً لجنابه العلى لا يضره احتقار الخلق له ولا يفرحه تعظيمهم إياه، والمؤمن يظهر كمال إيمانه فى ثلاثة مواطن: فى البر والصلة بأقاربه، وفى المسارعة إلى علم ما أوجبه الله، وفى حسن مجالسته ومعاشرته، ومن لم يستطيع أن يقهر نفسه لتتجمل بتلك الآداب فالأولى له أن يخدم الدواب سنين حتى يكتسب منها الصبر والتواضع والطاعة ودفع المضرة وجلب المنفعة، ورجل يكون البهيم الأعجم أكمل منه أدباً هو رجل على مدارج الهاوية.



آدابهم مع من تحت رعايتهم:

رحمتهم بالعمال الذين ولاهم الله أمورهم:

الرحمة بالعمال هى أم صفات  مكارم الأخلاق، لأن معاملة العمال بالحنانة والعاطفة والرفق دليل على رقة القلب وعلم الإنسان بأنه عبد لمولاه، وأن الذى رأسه على هؤلاء قادر أن يجعله أجيراً حقيراً فيشكر المنعم بالإكرام لعماله والإحسان إلى المحتاجين بمعونته وإلى القائمين بخدمته، فإنهم شركاؤه فى الإنسانية مشاكلوه فى الآدمية يسرهم ما يسره من الرحمة، فإذا شاهد هذا المشهد حفظ الله عليه النعم ووسع له الرياسة حتى يجعله سيد أهل عصره وعظيم أهل زمانه، ويزيد على ذلك ما يناله من الفضل العظيم والنعيم المقيم عنده فى دار الخلد فى جوار الله ومعية رسله صلى الله وسلم عليهم أجمعين.



وتلك المعاملة بأن يحملهم دون طاقتهم ولا يعاقبهم إذا تساهوا، بل يضع نفسه موضعهم وما يحب أن يعامل به يعاملهم به ويغض بصره عن هفواتهم ويديم لهم البشر والانشراح والتنشيط حتى يكون عملهم عن قلب مخلص وضمير مستريح فيفوز بنجاح عمله ومحبة عماله وتعزيز جنابه وحسن السمعة فى الدنيا والمثوبة فى الآخرة- قال صلى الله عليه وسلم: (لا تنزع الرحمة إلا من شقى)وقال عليه الصلاة والسلام: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء)وقال صلى الله عليه وسلم: ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر)وقال صلى الله عليه وسلم: (ما  من امرئ مسلم يخذل امرئ مسالماً فى موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله تعالى فى موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ مسلم ينصر مسلماً فى موضع ينتقص من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله فى موطن يحب فيه نصرته)وقال صلى الله عليه وسلم: (من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة)قال صلى الله عليه وسلم: (المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس: سفك دم حرام أو فرج حرام أو اقتطاع مال بغير حق)وقال عليه الصلاة والسلام: (إن من أعظم ألأمانة عند الله يوم القيامة: الرجل يفضى إلى امرأته وتفضى إليه وينشر سرها)وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم مرآة أخيه فإن رأى به أذى فليمط عنه)وفى رواية (المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن يكف عنه ضيعته ويحوطه من ورائه).



كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعاملون مواليهم معاملتهم لأبنائهم كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذا كان فى سفر ركب ومشى مولاه ثم نزل فأركب مولاه ومشى ثم أنزله ومشى معه وأراح الراحلة، ورأى أمير المؤمنين عمر أبا ذر ومعه غلام له عليه حلة أجمل من الحلة التى على أبى ذر فقال أمير المؤمنين: ما هذا يا أبا ذر؟ (كأنه يعنفه) فقال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعى غلام لى أسود فأساء فقلت له يا إبن السوداء فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه سلم مغضباً وقال: (أعيرته بسواد أمه.. إخوانكم خولكم، أطعموهم مما تطعمون وألبسوهم مما تلبسون وحملوهم ما يطيقون)أو كما قال صلى الله عليه وسلم.



كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رحماء بالدواب فضلاً عن بنى الإنسان، يشهدون عناية الله فى كل ما ينتفعون به فيخافون الله فى كل شىء ويطلبون رحمة الله لرحمتهم بعباده وبذلك مكن الله لهم فى الأرض وأعلى بهم كلمته وأحيا بهم سنته وأذل لهم فراعنة الأرض وقياصرها لأنهم تخلقوا بأخلاق الله تعالى فكانوا رضى الله عنهم رحماء حكماء حلماء علماء نظروا إلى من ولاهم الله عليهم نظر رحمة وحنانة وشكروا الله على نعمته فانزلوا الكبير منزلة الوالد والصغير منزلة الابن والمساوى منزلة الأخ وقاموا لكل واحد بما يجب له عليهم غير مشددين فى طلب ما لهم من الواحب فصفت قلوب الموالى وزكت أنفسهم ورضى الله عن الجميع.



وأهل الفرقة الناجية يجاهدون أنفسهم ليتشبهوا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل أحوالهم وكم من عالم كان يسىء الخلق مع رئيسه ولا يرى منه إلا اللطف والرفق والشفقة فيسأل فيقول أنا أحق بحسن الخلق منه شكراً لله على ما تفضل به عليه، وسوء الخلق سبب فى زوال النعمة ونزول النقمة نعوذ بالله من سوء الخلق.



آدابهم فى صلة الرحم:

قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أى الناس أفضل- قال: (أتقاهم لله وأوصلهم لرحمه وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر)وقال عليه الصلاة والسلام: (أفضل الفضائل أن تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتفصح عمن ظلمك)، هذه الصلة توصلك إلى الله تعالى والى الناس وتقربك من الخالق وخلقه، وبها تجد لك ظهيراً من الله ومن عباده ويمن الله بها عليك بالبر من حضرته العلية ومن جميع خلقه ويتعطف عليك بتلك العاطفة قلوب العالم أجمع فتكون بذلك سيداً مطاعاً فى أقاربك ووالداً رحيماً لأنك، بها تكون متخلقاً بأخلاق الرسل عليهم الصلاة والسلام معاناً عند الشدة منصوراً عند المخاصمة فتعيش سعيداً بيسير تبديه وقليل من فضلك توليه وتكون لك اليد العليا والمقام الأعلى، فما أقل ما تصل به أعظم ما يصل إليك.



والصوفية يحرصون أن يكونوا كأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن من أين لهم ذلك وإن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وصلوا أرحاماً كانت كافرة وأبروا أهل الشرك تخلقاً بأخلاق الله تعالى وأخلاق رسوله صلى الله عليه وسلم واقتداء بسيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أبر حليمة السعدية قبل إسلامها والصوفية إنما يصلون أو يبرون إخوة مؤمنين وآباء مؤمنين لهم حق الإسلام وحق الأرحام.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير