آخر الأخبار
موضوعات

الثلاثاء، 9 يونيو 2015

- التقوى كنز تعريفه ودرجاته

عدد المشاهدات:
تعريف التقوى :
التقوى هي رعاية الأدب خشية الوقوع في الغضب، وهي جماع الفضائل، وهي وصية الله عز وجل إلى خلقه { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } (النساء:131) ووصية رسول الله r إلى أمته فيما رواه أبو ذر [ إتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ]، وقد أشار أتقى الأتقياء وإمام الأصفياء صلوات الله وسلامه عليه وآله إلى صدره : وقال [..التقوى ها هنا ] (أخرجهما الترمذي في البر والصلة). والإمام علي كرم الله وجهه يعرف التقوى فيقول ( التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل ). وقد سئل سيدنا أبو هريرة رضوان الله عليه عن التقوى فقال لسائله : هل أخذت طريقا ذا شوك ؟ قال نعم، قال : فكيف صنعت ؟ قال إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه، قال أبو هريرة : ذاك التقوى. وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : تمام التقوى أن يتقي العبد الله عز وجل حتى يتقيه من مثقال ذرة. ويعرف التقوى سيدنا عمر بن عبد العزيز رضوان الله عليه فيقول ( ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله عز وجل )،والإمام السيد محمد ماضي أبو العزائم رضوان الله عليه يعرف التقوى فيقول

أن تذكر الله فلا تنساه، وأن تطيعه فلا تعصاه، وأن تشكره فلا تكفره، وأن توحده فلا تجحده ،

ويقول

( التقوى خوف يهجم على القلب يجعله يراعي الأدب خشية الوقوع في الغضب ).والعبد إذا اتقى ربه سبحانه وتعالى حاسب نفسه وراقب عظمة العظيم وكبرياءه في كل أنفاسه لعلمه أنه بمعية المولى عز وجل فيقرأ بيقين صادق قول الحق عز وجل { ألم تر أن الله يعلم ما في السموات والأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم } (المجادلة:7). والعبد إذا اتقى ربه واستقام على الجادة كما رسمها رسول الله r ، وحفظ جوارحه الظاهرة من الوقوع فيما يغضب الله سبحانه، وحفظ كذلك حقائقه الباطنة من الوقوع في الغفلة والبعد عن شهود أنوار نور السماوات والأرض تبارك وتعالى .. تنزلت عليه ملائكة الرحمة والنعمة والإلهام والحكمة بما يحبه الله تعالى له في دنياه، ويكون من الذين ذكرهم بقوله { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون  ~   نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ~  نزلا من غفور رحيم } (فصلت:30-32).وقد جمع الله لنا في آية واحدة ما لا يستغني عنه مسلم صادق مع ربه مقبل بنية الإتباع للهادي r وهي آية البر لأن الله تعالى قال { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب } (المائدة:2). ولسائل أن يسأل عن مضمون البر الذي أجمله الله تعالى في هذه الآية، لذلك فصل سبحانه هذا الإجمال في قوله { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من ءامن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وءاتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وءاتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون }(البقرة:177). ومن يكرمه الله بهذه الآية والعمل بمقتضاها ويتحلى بحللها وينطوي قلبه على ما فيها من أسرار إلهية وأنوار ربانية وحقائق فرقانية فإنه بالفقه والتطبيق العملي بما يفقهه من ربه يطهر قلبه وتزكو نفسه وتهيم روحه.
التقوى :

أهل التقوى لهم درجات ومقامات ومنازل لأن التقوى في القرآن كذلك. وما من تقوى إلا وفوقها تقوى لأن المطلوب أن يكون العبد دائما وأبدا على بينة من ربه ليحسن تقواه ويقي نفسه من غضب ربه وسخطه ومقته بتحقيق اتباعه للمصطفى r . ودرجات التقوى هي :

1 - تقوى النار: يقول الله تعالى مخبرا عنها { قوا أنفسكم وأهليكم نارا }(التحريم:6).

2 - تقوى اليوم: يقول الله تعالى فيها { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله }(البقرة :281).

3 - تقوى الرب: يقول الله تعالى فيها { اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا } (لقمان:33).

4 - تقوى الله على الاستطاعة: يقول الله تعالى فيها { فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا } (التغابن:16).

5 - تقوى الله على الحقيقة وهى تقوى القلة لأنها المرتبة العلية التي قال الله تعالى فيها { يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } (آل عمران:102).

قلت أن التقوى درجات بعضها فوق بعض. أورد الله تعالى في آية واحدة وفريدة من كتابه العزيز: الإيمان والعمل الصالح والتقوى والإحسان أكثر من مرة، يقول عز وجل { ليس على الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وءامنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وءامنوا ثم اتقواوأحسنوا والله يحب المحسنين } (المائدة:93) .. إيمان بعد إيمان، وعمل صالح يتلوه عمل صالح، وتقوى فوقها تقوى، درجات ومراتب ومنازل، وهكذا العبد التقي في سيره للوصول إلى معية الرسول، يقول تعالى { يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } (الحشر:18) .. مقامان للتقوى يختلفان عن بعضهما، ولا يلقنك بهذه الأسرار إلا عارف خبير قرآني { الرحمن فسئل به خبيرا }(الفرقان:59)، {ولا ينبئك مثل خبير} (فاطر:14)، فهناك تقوى لأهل مقام الإسلام، وتقوى لأهل مقام الإيمان، وتقوى لأهل مقام  الإحسان، وتقوى لأهل مقام الإيقان وبدرجات الإيقان المختلفة.والناس يتفاوتون بحسب تقواهم، قال تعالى: { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } (الحجرات :13)، وفي حديث أبو هريرة قيل يا رسول الله من أكرم الناس ؟ قال r [ أكرمهم أتقاهم ] (أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء)، قال الإمام أبو العزائم: ( وتقوى كل مسلم بحسب مقامه، فهي عند العصاة التوبة النصوح،وعند العلماء الخشية من الله تعالى، وعند أهل مقام الإحسان مراقبة جلال الله تعالى وعظمته سبحانه حتى يكون المتحقق بمقام الإحسان كأنه في معية الله تعالى يراه حقيقة أو يعتقد أن الله يراه، ومسلم يعتقد أن الله معه بعلمه وسمعه وبصره كيف يغفل عن ذكره أو يتعدى حدوده ).والتقوى أصلها في القلب، قال تعالى { ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } (الحج:32) ، وما دامت في القلوب فلا يطلع على حقيقتها إلا الله عز وجل .. قال r [ إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ] (أخرجه مسلم في البر والصلة).والعبد بتقواه إذا حاسب نفسه ووجد أن الموفق عز وجل قد وفقه لما يحبه ويرضاه .. تقرب إليه سبحانه بالشكر، فالتقوى تعني الشكر بكل درجاته، والصبر بكل مقاماته .. قال الله تعالى للذين شهدوا بدرا { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون } (آل عمران:123) أي اتقوا الله في العقيدة والعبادة والمعاملة والأخلاق، واتقوا الله آناء الليل وأطراف النهار وراقبوا عظمته، واعلموا أنه لا تغيب عنه غائبة ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وأنه أقرب إلى العبد من نفس العبد، بمعنى أن العبد إذا اتقى ربه شكر ربه، وأهل الشكر هم أهل المزيد قال تعالى { لئن شكرتم لأزيدنكم }(إبراهيم:7)، وأهل المزيد في الدنيا هم أهل المزيد في البرزخ وفي القيامة لقوله تعالى { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } (يونس:26) وقوله { لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد } (ق:35)، والشكر قول وعمل، والشكر يشمل الجوارح الظاهرة والحقائق الباطنة، والعبد إذا وفقه الموفق فشكره سبحانه على نعمة التوفيق زاده توفيقا وقربا وعلما لأنه وعد أهل الشكر بالمزيد، كذلك تعني التقوى الصبر بمقاماته ودرجاته فيقول الله تعالى { يا أيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون } (آل عمران:200).ومن المعلوم أن التقوى بمراتبها ومقاماتها هي سبيل الوصول إلى مرضاة الله عز وجل وإلى معية الحبيب المصطفى r . والعبد إذا اتقى ربه في السر والعلن وقاه الله تبارك وتعالى هموم الدنيا وحصنه من غموم الآخرة، وإذا اتقى ربه بكثرة ذكره لحضرته ونور إقباله على جنابه وأقام الصلاة بإخلاص وآتى الزكاة ليطهر نفسه وماله وصام الشهر ابتغاء مرضاة الله وحج البيت ليكون من أهل القرب من القريب المجيب سبحانه وأحسن إلى نفسه وراقب من اتقاه مع عقد قلبه أنه سبحانه علي عظيم غني عن العالمين لا ينتفع بالطاعة ولا يضار بالمعصية .. فتح الفتاح له أبواب الفتح المبين وعلمه العليم من لدنه علما لأنه وعد أهل التقوى بهذا الفضل العظيم في قوله تعالى { واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم } (البقرة:282) وفي قوله سبحانه { يا أيها الذين ءامنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم } (الأنفال:29) والفرقان هو ما به يميز العبد بين الحق والباطل.وكم في القرآن الكريم من آيات تحض المؤمنين الصادقين على تقوى الله تبارك وتعالى في كل عمل من الأعمال وفى كل حال من الأحوال حتى يكون العمل بنور التقوى خالصا لوجه المعبود سبحانه تحقيقا لقوله { فاعبد الله مخلصا له الدين  ~  ألا لله الدين الخالص }(الزمر:2،3). والعبد التقي يحاسب نفسه في دنيا الناس قبل أن يحاسبه الحسيب سبحانه تحقيقا لقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتزينوا للعرض الأكبر، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا ) (رواه الترمذي في صفة القيامة
"لباس التقوى ذلك خير"




اللباس في اللغة هو ما يستر الجسم، والقصد من ستر الجسم ستر عوراته وحمايته من العوامل الخارجة عنه. ومعلوم أن عورات الخلق (بضم الخاء واللام) سوءات، قال تعالى { يا بني ءادم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير } (الأعراف:26) فبين سبحانه أن لباس التقوى خير لأنه يجمل العبد في نظر من يعرفوه في الدنيا، ويقيه نار جهنم بمرارتها وحرارتها في الآخرة ويوصله إلى النعيم، لذلك كانت التقوى هي الغاية من كل العبادات في القرآن الكريم.

وللتقوى مقدمات وضوابط ومسالك وروابط

كطلب العلم النافع،

والذكر الكثير،

والشكر،

والصبر،

والتوبة،

وغير ذلك .. وهذا ما سأبينه لكم بعد عرض موضوع التقوى .. فأقول وبالله التوفيق :التقوى مقام من مقامات الصالحين، وهي تثمر الأعمال الصالحة، وهي سر من أسرار الله عز وجل وهبة كبرى من هباته تبارك وتعالى لا يتفضل بها إلا على أهل سابقة الحسنى، والمعرفة بالله تؤدي إلى تقواه.والتقوى شرط لقبول العبادات .. قال تعالى { إنما يتقبل الله من المتقين }(المائدة:27)، ومعنى هذا أن التكاليف التي كلفنا بها الحق تبارك وتعالى هي في حقيقة الأمر وسيلة لغاية كبرى وهدف عظيم بينه سبحانه لنا في قوله {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } (الذاريات:56).وكل من يقرأ القرآن أو يسمعه يعلم الكثير عن كلمة التقوى،

فالتقوى هي :

الزاد الشهي

والماء الروي

وجنة أهل الآخرة في الدنيا،

والوقاية التي تقي صاحبها من غضب الله تبارك وتعالى وعذابه.ومن راقب ربه في السر والعلن بكثرة ذكره لربه وبسر شكره لمولاه وبصبره على ما قدره وقضاه .. فالله حينئذ يقيه { فوقاه الله سيئات ما مكروا }(غافر:45)،والتقوى في هذا المقام ترفع صاحبها لأنه لا يتقي النار بمعنى الخوف منها لأن معنى ذلك أنه يجتنب المعاصي خوفا على نفسه من النار،أما تقوى الله المذكورة في قوله سبحانه { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون  ~  الذين ءامنوا وكانوا يتقون } (يونس:62،63) فهذه التقوى بمعنى أن تتخذ الله وقاية لك، فهو كافيك ووكيلك وحسيبك ووليك { الله ولي الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور } (البقرة:257) { أليس الله بكاف عبده } (الزمر:36).




التقوى كنز تورثه لأبنائك :

إن حياة الرجل التقي كنز يفتح لأبنائه عند وفاته. وقد صح أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان من أهل الغنى واليسار، فلما تولى الخلافة تنازل عن كل ما يملكه لبيت المال ولم يبق لنفسه إلا قطعة أرض بها نخيل بجوار المدينة المنورة ينفق منها، وخير زوجته ـ وهى ابنة عمه فاطمة بنت عبد الملك بن مروان الذي كان أميرا للمؤمنين، وكانت تتحلى بعقد من اللؤلؤ ثمنه غال جدا وكان هدية لها من والدها - بين البقاء معه وبين أن تهدي هذا العقد لبيت مال المسلمين فاختارت زوجها وتنازلت عن العقد، وكان أميرا مؤمنا محسنا موقنا وحاكما عادلا يراقب مولاه بعدد أنفاسه. ذلكم الأمير لما حضرته الوفاة دخل عليه صديق حميم إسمه ( رجاء بن حَيَوَه ) وطلب منه أن يكتب لأبنائه جزءا من المال الذي أهداه لبيت المال في أول توليته الإمارة حتى لا يدعهم عالة يتكففون الناس - وكان له من الأولاد أربعة عشر ذكورا وإناثا - فنظر إليه نظرة العاتب وقال له أولادي بعد وفاتي إما أن يكونوا من الصالحين وإما أن يكونوا من الطالحين، فإن كانوا من الصالحين فوليهم الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين، وإن كانوا من الطالحين فلا أزيدهم بالمال إلا طلاحا وبعدا. ولم يكتب شيئا لأولاده وتركهم لله الذي يقول {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا } (النساء:9). ونحن نقرأ ونسمع ما ورد في سورة الكهف عندما رفع الخضر الجدار، واعتراض موسى على هذا العمل، قال تعالى { وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا } (الكهف:82). فأراد الله أن يكرم هذين الغلامين بسبب صلاح أبيهما.كلنا نحب أولادنا وأحفادنا لأنهم ذرياتنا التي ننتفع بصلاحها، وقد جعل الله تعالى صلاح أحوالهم نتيجة تقوانا، يقول تعالى { يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ~   يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } (الأحزاب:70 ،71)، ويقول في المتقين {والذين ءامنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء } (الطور:21)، ويقول تعالى { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين ءامنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم  ~   ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من ءابآئهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم  ~   وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم } (غافر:7-9) .. هذا هو دعاء حملة العرش لنا ولأزواجنا ولآبائنا وذرياتنا بسبب تقوانا وإقبالنا على الله. لهذا أقول لكم مرة أخرى إذا أردتم السعادة لأبنائكم والعزة والصلاح والتقوى لهم فعليكم أنتم بتقوى الله وبالإقبال عليه سبحانه.ومن علوم المضنون في التقوى ولباس التقوى .. أملى الإمام أبو العزائم رضي الله عنه - فمن سماته أنه كان يملي على الكتبة الحاضرون بمجلسه أو بعد استدعائه لهم – فقال :لباس يحفظك من الآثار وآخر يحفظك من الأبصار ولباس يحفظك من شيطان الحظ ووحش الشهوة، وبهيم الهوى، وطمع النبات، وجبن الجماد، وهو خير لباس يهبك الله ، به تكون في جنة الشهود ونعيم الوجود من غير كد ولا جهود{ ولباس التقوى ذلك خير } (الأعراف:26). وهذا الثوب القشيب هو الحلة لحفظ مرتبتك عبدا عابدا لرب قادر حكيم معبود، باطن هذه الحلة كمال اليقين بقدره، وظاهرها جمال صفات ربك، فالبسها شاكرا من وهب لك ظاهرها حاضرا بالفضل برتبتك مع من صاغك بيده لتسارع بما وهبك منه إليه، وأعط لكل ذي حق حقه، واحفظ لنفسك حقك تكن عند ربك، ولديها يغنيك ربك بحلة الجمال الموجود منه لك عند كل ما تجهد نفسك في نيله بك والحظ قوله تعالى { لهم ما يشآءون عند ربهم } (الزمر:34 الشورى:22).كن يقظا حيطة من عدوك ، فإنه فتان يخرج أهل الحجاب من جنة الشهود والنعيم فينزع عنهم تلك الحلة المطرزة بجمال معاني الصفات، والحظ خطاب ربك {يا بني ءادم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة } (الأعراف:27)، واتل بروحك ما حذف من هذا الخطاب من معنى: فيخرجكم من الجنة - ينزع عنكم لباسكم - كما أخرج أبويكم. وحفظ تلك الحلة ينزلك إلى الماء المهين أو  إلى مرتبة الطين ولو آنسك الروح الأمين، فإن تنزلك محبوب ربك ومؤانستك محبوبة نفسك، فاحرص على ما يحبه الله واسأله المعونة على ترك ما به يكون الحجب، والله ولي المؤمنين.فر من اللبس إلى لِبس ثياب التقوى، فطهر لباس الإيمان ، وتجمل بريش الإحسان، وطر سائحا في ملكوته الأعلى متجملا بلباس التقوى { يا بني ءادم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم..}وهو الإيمان  {..وريشا..} وهو الإحسان { ..ولباس التقوى..} وهو اليقين الحق  {..ذلك خير } (الأعراف:26) لأنه كمال الأدب في مكانة العبودة، وبها يرفعك الله مكانا عليا - قال تعالى { وأنتم الأعلون } (آل عمران:139 محمد:35) مع قوله جل جلاله { ورفعناه مكانا عليا } (مريم:57) ، فذق حلاوة الأعلى تلحظ ما فيك مما أخفاه عنك وأظهره للملائكة، فأنت مرآة تلك الأنوار، وكيف تشهد الملائكة ما فيك ويحجب العبد عن شهود ما فيه مما به يواليه ؟ والمقبل على الله يقبل الله عليه حتى ينمحي البين من البين وتقع العين على العين. (إهـ)ويظل العبد يترقى في مقامات التقوى بالفضل من رب تبارك وتعالى حتى يدخله مقام { يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } (آل عمران:102)، لم يقل لهم كما قال لغيرهم { فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا } (التغابن:16) لأنهم تخطوا هذا المقام تحقيقا لقول الله تعالى { وألزمهم  كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها }(الفتح:26)، فهو العليم بقلوبهم وما تحمله من معاني الحب لله تبارك وتعالى والفناء في حبيبه ومصطفاه rوإذا ناداهم سبحانه وتعالى بقوله { يا أيها الذين آمنوا..} ذابت قلوبهم من الرهبة واضمحلوا في أعينهم وقالوا من نحن حتى يتفضل علينا بالنداء ويكلفنا ؟ وأصلنا الماء المهين، والطين، والعدم. ومن شهد أصله تولاه ربه ورعاه، وأكرمه وزكاه وطهر قلبه. نادى الله المؤمنين بقوله {..اتقوا الله حق تقاته..} فاتقوْه سبحانه بجميع حواسهم الظاهرة وبحقائقهم الباطنة فأقبلوا عليه سبحانه بكلهم فأقبل عليهم بجماله وجلاله وكماله وتولى أمرهم ظاهرا وباطنا. وصاحب هذا المقام السني والعالي جدا تتناسب تقواه وهذا الأمر، فهو يقي نفسه من الغفلة والبعد في كل نفس من أنفاسه عن شهود أنوار خالقه في الآيات التي بثها سبحانه في الآفاق وفي الأنفس، فهو جليس الحق في يقظته ومنامه، وفي حله وترحاله، يتلقى قلبه من حضرة الحق معاني كلام المتكلم تبارك وتعالى وقلبه متصل وعلى الدوام بصاحب الحضرة المصطفوية r ، ويتنزل عليه من سماء الفضل الإلهي بالعلوم الإلهية مصداقا لقوله عز وجل { ..واتقوا الله ويعلمكم الله }(البقرة:282) والعلم اللدني هبة خالصة وفضل محض يتفضل به سبحانه على من يشاء بلا علة عمل بالرغم من وجود العمل. وصاحب هذا المقام التقَوِي لا نسمع منه إلا الخير لأنه يتحرك ويسكن في دائرة الخير، فيقول سبحانه {..ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } (البقره:132) فقد سلم لمولاه نفسه وزوجه وولده وأهله وكل شأن من شئونه، ليس له مع مولاه مراد لأن مراده فنى في مراد ربه. وهذا الأمر من الله لأحبابه يحمل كلمة (كن) أي كن كما أمرتك وكما وجهتك، فلا يموت أصحاب مقام هذه الآية إلا وهم مُسَلِّمون كما أمرهم الآمر تبارك وتعالى.وأختم حديثي عن التقوى بما أملاه إمامي ومرشدي ومربي روحي أبو العزائم في معنى قول الحق تبارك وتعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته } فقال مفسرا :التقوى من أكمل أعمال القلوب التي عمرت بأنوار علام الغيوب، والتقوى هي أعلى مقامات الخوف، ولا خوف إلا من عظيمٍ يُرجَى ويُخاف. ولما كان فضله العظيم متواليا وآلاؤه الجميلة متواصلة، أكرمهم الله سبحانه وتعالى بالخوف منه حتى تكمل القوى الروحانية والقوى الجسمانية فيحسن بالخوف الإخلاص لجنابه العلي في العمل والصدق في المعاملة ومحاسبة النفس في الحال عند حصول الأحوال حتى تكون واردات المؤمن وخواطره وإرادته ومختاره مراعيا فيها محاب الله ومراضيه ومراقبا فيها عظمة الله وكبرياءه وجلاله. ومتى تجمل القلب بالخوف انبعثت أنوار الخوف من الله تعالى على الجوارح فصار اللسان رطبا بذكر الله والآذان صاغية لتسبيح الكائنات، وعمل بجميع الجوارح في طاعته، وهذا هو المؤمن الكامل الذي كمل معنى ومبنى وصار بدلا من أبدال رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم.وتقوى الله حق تقاته أن نجاهد في الله حق جهاده ولا نخاف فيه لومة لائم، ونقوم لله بالقسط ولو على أنفسنا ووالدينا وأهلينا وأولادنا، وبعبارة أخرى أن نذكر الله فلا ننساه وأن نطيعه فلا نعصاه وأن نشكره فلا نكفره وأن نعبده فلا نجحده .. مع ملاحظة شهود ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) حتى يصفو الورود في حصن الشهود. وليست الآية منسوخة بقوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } (التغابن:16) إذ أن { ما استطعتم } هي عين {حق تقاته} فإن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وأمره إيانا أن نتقيه حق تقاته أي حق التقوى التي أهلنا أن نقوم له سبحانه وتعالى بها.والتقوى تلاحظ عند كل حركة وسكنة وطرفة عين حتى قد يبلغ التقي مقاما يكون فيه الحق معالم بين عينيه لا يتحرك حركة إلا ويراقب رضاه سبحانه وتعالى ويراعي فيها السمع والطاعة لرسول الله r .. هذا هو الذي اتقى الله حق تقاته. وكم من قائم بأكمل القربات من غير رعاية ولا مراقبة وأعماله لا ترفع لأنها عادة وليست عبادة، ولا تكون الأعمال عبادة إلا إذا تجملت بالرعاية والمراقبة، وكم ألبست العبادة بالعادة - قال الله تعالى {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم } (الحج:37) ولما كانت التقوى معراج الوصول لنيل القبول والمأمول، سارعت إليها أنفس الأبرار وفطرت عليها أرواح الأطهار الأخيار. والراغب في الخير يجاهد نفسه أشد المجاهدة حتى يبلغ مقام الأتقياء. ومن أمكنه أن يجاهد نفسه وقصر .. ظلم نفسه. وكل مسلم مؤهل أن يرقى لأعلى مقامات القرب من الله تعالى بمجاهدته نفسه في ذات الله مع رعاية مشهد التوحيد بـ  ( لا حول ولا قوة إلا بالله ).وبالتقوى صار بلال الحبشي ملكا من ملوك أهل الجنة، وسلمان الفارسي سيدا عظيما عند الله تعالى. وكم أعز الله بالتقوى ذليلا ورفع وضيعا، وأذل بالمعصية عظيما رفيعا .. يقول تعالى { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } (الحجرات:13). (إهـ)

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير