آخر الأخبار
موضوعات

الأحد، 17 فبراير 2019

- الفريضة الغائبة

عدد المشاهدات:
هناك فريضة على كل مسلم في هذا الزمان والناس في غفلة عنها: نحن نعلم أن الفرائض عندنا هي: الصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، والزكاة، والحج. هذه عبادات لله!! لكن هناك فريضة - في هذا الزمان - للمؤمنين مع المؤمنين. ما الفريضة التي علينا -كلِّنا - لإخواننا المؤمنين أجمعين الآن؟
نحن نعلم أن الفرائض عندنا هي: الصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، والزكاة، والحج. هذه عبادات لله!! لكن هناك فريضة - في هذا الزمان - للمؤمنين مع المؤمنين. ما الفريضة التي علينا -كلِّنا - لإخواننا المؤمنين أجمعين الآن؟
الفريضة التي علينا لإخواننا المؤمنين جميعا الآن: أن نسعى لجمع صفوف المؤمنين، ونحارب الفُرقة والشتات والخلافات المنتشرة بين المؤمنين في أي بلد أو أي مكان. مرض التفرقة، مرض الفرقة، مرض الانقسام، هذا أكبر مرض، وأكبر خطر على دين الإسلام، حتى أن الذين يريدون الدخول في الإسلام تحدث لهم حَيْرَة، ويحتارون فيقولون: الإسلام السني؟ أم الإسلام الوهابي؟ أم الإسلام الشيعي؟! أصبحنا فِرَقاً!! وكل الفرق اسمها الإسلام، ونحن السبب في هذا!! لذا نحن جميعاً مطالبون - وهي فريضة على الجميع – بالعمل بقول الله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ﴾ [103آل عمران].
وسْعَةُ الدِّين
وهذه تقتضي أن نعلم أن دين الله عزَّ وجلَّ - الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم - واسع، يسع الناس جميعاً - في زمانه وبعد زمانه، في كل الأماكن، وفي كل الدول - نساءً ورجالاً، صغاراً وشيوخاً. يسع الجميع إلى يوم القيامة!! فلا يوجد مَنْ يستطيع أن ينفِّذ كُلَّ ما جاء به النبيُّ الكريم صلى الله عليه وسلم. أنا أنفِّذُ جانب من هذه الجوانب، لكن لا أستطيع أن أنفذ كل الجوانب!!
لكن أين تقع المشكلة؟ أنا أخذتُ جانباً من جوانب رسول الله، وأخي أخذ جانباً آخر من عمل رسول الله، وأخي الثالث أخذ عملاً ثالثاً من أعمال رسول الله، لكن المشكلة التي جدَّتْ في هذا الزمان هي العَصَبِيَّة !!! فكل إنسان يعتقد أن رأيه هو الصواب، ورأى إخوانه الآخرين هو الخطأ. لِمَ يا أخي؟!! ما دام هذا واردٌ عن رسول الله، وذاك واردٌ عن رسول الله!! وأنت أخذت رأياً، فقل: هذه وجهة نظري، أو هذا الرأي الذي أرتضيه، أو هذا الرأي الذي أميل إليه، لكن لا تفرض رأيك على الآخرين. اعرض رأيك لكن لا تفرض، لأن كل إنسان له ما يلائمه، ويلائم قدراته وطاقاته من شرع الله عزَّ وجلَّ.
نضرب لذلك مثالاً: الرسول صلى الله عليه وسلم في هيئة الوقوف للصلاة - وهى هيئة وأمْرٌ لا يجب أن نختلف فيه أبداً - كان صلى الله عليه وسلم أحياناً يضع يده اليمنى على كوع يده اليسرى على قلبه، وأحياناً يضع يده اليمنى على كوع يده اليسرى على سُرَّته، وأحياناً كان يُسْبِلُ يديه، هل تستطيع أن تقوم بكل هذه الحركات في صلاة واحدة؟ لا.
الأئمة الأعلام وثَّقوا الروايات التي رَوَتْ هذه الحالات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل رَجُلٍ منهم استحسن هيئة وجعلها قائمة في هيئة الصلاة التي بحثها ودرسها وأبانها في فقهه للناس:
الإمام مالك مذهبه منتشر في بلاد الصعيد بمصر، وفى بلاد المغرب العربي -- تونس والجزائر والمغرب وليبيا - فمعظمهم يتبع المذهب المالكي، اختار الإمام مالك إسدال اليدين في الصلاة، أي: أن الإنسان يقف وذراعيه بجواره. والإمام الشافعي ينتشر مذهبه في الوجه البحري في مصر، اختار الإمام الشافعي أن يضع الإنسان يده اليمنى على كوع يده اليسرى على قلبه، هو اختار هذه الهيئة وارتضاها. والإمام أبو حنيفة ومعظم سكان المدن كانوا حنفية، لأن الدولة العثمانية كانت تتخذ المذهب الحنفي مذهباً رسمياً لها، الإمام أبو حنيفة يضع يده اليمنى على كوع يده اليسرى على سُرَّته، والذي يصلي بأي هيئة من هذه الهيئات الثلاث هل تصح صلاته أم لا تصح؟ تصح لأنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ما يعكر الصفو هو أن إنساناً يأتي ويقول: إن الهيئة التي أفعلها هي الهيئة الصحيحة وما عداها خطأ، ومن يتخذ هيئة غيرها لا تَصِحُّ صلاته ولن تُقبل!!!
أولاً: هو تدَخَّل فيما ليس له، لأن القبول عند الله عزَّ وجلَّ ، ولا ينبغي لرجل من المسلمين أجمعين أن يتآلى على الله ويقول: أن الله قَبَلَ فلاناً وردَّ فلاناً، لأن هذه أمور قلبية، والقلوب لا يطَّلِعُ عليها إلاَّ حضرة علاَّم الغيوب عزَّ وجلَّ.
ثانياً: هذه هيئة من هيئات الصلاة لماذا نثير فرقة بين المسلمين بسببها؟!!
والآن جاء مجموعة من الشباب المستحدثين قالوا: إن الأئمة رجال ونحن رجال فلماذا نذهب للشافعي أو لأبي حنيفة أو مالك؟ نحن نأخذ من الدِّين مباشرة وننفذ! وهل معك مؤهلات الاجتهاد؟
وأول مؤهل لا بد أن تكون حافظاً للقرآن والسُنَّة، وتعرف تفسير كلام القرآن والسُنَّة بلغة العرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - لأن الكلمة قد يكون لها تفسير في عصر رسول الله وفى عصرنا يتغير تفسيرها ومعناها، ولو فسرتها بالعصر الحالي ستكون مخطئًا في متابعة البشير النذير صلى الله عليه وسلم - ولا بد من معرفة أسباب نزول الآيات، ولا بد من معرفة سُنَّة النبي العدنان، وتستطيع أن تميز بين الحديث الصحيح والضعيف والمتواتر. لا بد أن يكون معك آلة الاجتهاد، فإذا لم تكن تملك آلة الاجتهاد فينبغي أن تُسَلِّم لمجتهد وتتعلم منه، إلى أن تتعلم أنت الاجتهاد.
على سبيل المثال: أولادنا الشباب قرؤوا في توصيف سادتنا العلماء الأجلاء في هيئة الصلاة، فقرؤوا: (يضع يده اليمنى على كوع يده اليسرى)، فوضعوا أيديهم على المرفق، لأنهم اعتقدوا أن الكوع هو المرفق، قال الله تعالى: ﴿فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [6المائدة].
اسمه المرفق وليس الكوع، إذاً ما الكوع الذي يقول به العلماء ويقصدونه؟ إنه الرسغ، إذاً الذي يجتهد لابد أن يكون عارفاً بدلالات الألفاظ كما كانت في عصر حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، لأنه عصر الوحي وزمن نزول الشرع، لكن لو سأستخدم المعنى العام الموجود الآن فأكون هنا قد أخطأت في إتباع الشرع. إذاً لا بد أن ننتبه لمثل هذه الأمور.
والأصول الموجودة بين المسلمين لا خلاف فيها بين المسلمين أجمعين - والحمد لله - أما الهوامش التي تثير المشاكل والفُرقة بين المسلمين، لماذا نختلف فيها؟ ما دمنا مجتمعين ومتفقين على أن الصلوات خمسٌ، والصبح ركعتان، والظهر والعصر أربع، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع، ومتفقون على وقت هذه الصلوات، لأن التوقيت الذي وقَّته هو الله وقال لنا: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾. [103النساء]. إذاً لماذا الخلاف؟!
أنا أود أن أصلي ركعتين سُنَّة قبل الظهر، وآخر يريد أن يصلي أربع ركعات، هذا وارد وذاك وارد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان يُصلي أحياناً قبل الظهر ركعتين، وأحيانا كان يصلي أربع ركعات.
أنا أريد أن أصلي أربع ركعات قبل العصر، وآخر لا يريد أن يصلى نافلة قبل العصر، هل عليه وزر؟ ليس عليه وزر ولا ذنب، لأن السنن كلها خير، من فعل هذا الخير له ثوابه، والذي سيترك هذا الخير ليس عليه عقاب ولا وزر ولا مسئولية ولا شيء أبداً !! متى يكون عليه وزر؟ إذا ترك الفريضة، لكن مادامت نافلة لماذا نختلف في النوافل؟
نريد أن نصلي ركعتين سُنة بعد آذان المغرب وقبل الصلاة، والناس الذين في المسجد لا يصلون قبل المغرب ويقيمون الصلاة بعد الآذان مباشرة، لماذا نختلف؟ الخلاف أشد فتنة تحدث في الأرض بين عباد الله عزَّ وجلَّ المؤمنين.
موسى وقومه
الله عزَّ وجلَّ ضرب لنا مثالاً كريماً على نبيِّه الكليم وأخيه هارون عليهما وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة وأتم السلام. سيدنا موسى خرج مع قومه بني إسرائيل من مصر، وكانوا اثني عشرة عائلة، وكلُّ عائلة عددها خمسون ألفاً، أي أن عددهم كلَّهم ستمائة ألف، إلى أن وصلوا إلى خليج السويس، وشاهدوا فرعون خلفهم فقالوا: سيلحق بنا فرعون!!: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [61الشعراء]. فقال لهم: ﴿كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [62الشعراء]. قال له الله: ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ [63الشعراء].
كل عائلة لها طريق، كيف سيمشون وقاع البحر طين؟! لكن الله عزَّ وجلَّ سلَّط الشمس على هذا الطين فجففته في الوقت والحال!! ولذلك قال له الله: ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا﴾ [77طه]. يبساً: يعنى جافاً، ومشوا فيه، وبين كل طريق وطريق جَمَّد الله الماء، جَمَّدها من يقول للشيء كن فيكون!! فقالوا: يا موسى نحن لا نرى بعضنا، ونريد أن نطمئن على باقي إخواننا، فضرب لهم البحر فأصبح في الماء المتجمِّد نوافذ ينظرون منها إلى بعضهم البعض، ويتحدثون مع بعضهم وهم سائرون، هل هناك معجزات أكبر من هذه؟!!.
لكنهم - قاتلهم الله - بعد أن أغرق الله لهم فرعون وجنوده قال موسى لهارون: أنا ذاهب إلى ربي لأتلقى الألواح، وامكث معهم حتى أعود، وذهب لتلقي الوحي من الله. سيدنا هارون فوجئ لما عبروا البحر ووجدوا جماعة يصنعون أصناماً على هيئة أبقار ويعبدونها، فقالوا: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة!! حتى تعلموا أنهم يستحقون غضب الله جل في علاه، لأنهم قوم بهت وقوم لا تصل حقيقة الإيمان إلى قلوبهم أبداً، وأراد الله أمراً، لأنهم قبل خروجهم من مصر أوعزوا إلى النساء أن تذهب كل واحدة منهن إلى صديقتها المصرية وتقول لها: إن غداً هو عيدنا - لأنهم خرجوا من مصر يوم عيدهم - وأريد أن تعطيني ذهبك على سبيل السلف للبسه يوم العيد، وأرده لك مرة أخرى، وأخذن ذهب المصريات وخرجوا به.
والله عزَّ وجلَّ يُعَلِّمنا، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكد لنا: أن كل مال جاء من حرام ينفق في الذنوب والآثام، وانظروا إلى المجتمع كلِّه، كلُّ مال جاء من حرام يسلط الله جامعه على إنفاقه في الذنوب والآثام، يشتري به بانجو، أو يشتري به بيرة، أو يشتري به حشيشاً، أو يشتري به هيروين، أو يشتري به حبوب هلوسة، لأنه جاء من طريق حرام. لكن إنسان سيأتي بالمال من طريق حلال هل سيشترى به سيجارة؟ لا، يستحي من الله أن ينفق قرشاً حلالاً في شراء سيجارة تضرُّ نفسه وبدنه، ويحرق بِها ماله، لأنه لابد أن ينفق المال فيما يرضي الله عزَّ وجلَّ.
فلما طلب بنو إسرائيل إلهاً كان معهم موسى السامري، وكان بن خالة سيدنا موسى. عندما كان فرعون يذبح الذكور، أم موسى السامري أخذته وتركته في الغابة خوفاً عليه من فرعون، فأنزل الله له الأمين جبريل، وجاء له بغزالة أخذت ترضعه حتى شبَّ ونمى.
وموسى الكليم أوحى الله إلى أمِّه أن تضعه في التابوت وتضعه في البحر - وكان بَيْتُهم على البحر - وتربطه بحبل، كلما جاع جذبت الحبل وأرضعته ثم تعيده للتابوت، حتى إذا جاء جنود فرعون ليفتشوا البيت لم يجدوا شيئاً، شاءت إرادة الله عزَّ وجلَّ أن تأتي موجة شديدة فقطعت الحبل، ومشى التابوت إلى أن وصل إلى شاطئ قصر فرعون، فأخذه فرعون وربَّاه، ولم يقبل المرضعات، وكانت أخته ترقبه، فقالت لهم: أنا عندي المرضعة، فأرضعته أمُّه - لأنه في رعاية من الله - وهو في بيت فرعون، ولذلك قال بعض الصالحين:
فَمُوسَى الَّذِي رَبَّاهُ جِبْرِيلُ كَافِرٌ   وَمُوسَى الَّذِي رَبَّاهُ فِرْعَوْنُ مُرْسَلٌ
موسى السامري رأى سيدنا جبريل - لأنه هو الذي كان يربيه - ورآه عندما نزل ليؤيد سيدنا موسى، فأخذ السامري حفنة تراب من الموضع الذي وطئه سيدنا جبريل وقال لهم: أنا سأصنع لكم إلهاً، لكن هاتوا الذهب الذي معكم كلَّه - انظر المال الذي جُمع من حرام يُصرف في الذنوب والآثام - فجمع ما معهم من ذهب وأساله، ووضع عليه التراب الذي معه وصنع لهم إلهاً.
وعندما عاد سيدنا موسى وجد قومه يعبدون الصنم، فأمسك برأس سيدنا هارون وبلحيته ويريد أن يضربه، وقال له: تركتهم مؤمنين وأعود فأجدهم كافرين: فسيدنا هارون قال له: ﴿يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [94طه]، أنا لا أريد أن أفرِّقهم حتى تأتي وتغير هذا المنكر ويعودوا كما كانوا، لكن لو أنا تصرفت كانوا سينقسمون إلى فئتين، والفُرْقة ليس لها علاج، وهذا هو الشاهد الذي أردت أن أُبَيِّنه!
سيدنا هارون تركهم كفاراً حتى لا يفترقوا، لأن أكبر داء تصاب به الأمة هو داء الفرقة التي نراها الآن، وأصبحت الفرقة الآن زائدة عن الحدِّ. هذه الجماعة جعلت لها راية، ولهم مُفتين، وتلك الجماعة لهم أمراء، والجماعة الأخرى لها فكر آخر، وكل جماعة تحاول هدم فكر الأخرى!!
لماذا يا إخواني والإسلام واضح وضوح الشمس؟!! وكلنا كجماعة المسلمين لا نختلف أبداً على الأصول، الخلافات الهامشية التي في الفروع نؤجلها إلى وقت تتجمع فيه الأمة ويتجمع شملها، لكن في الظروف الراهنة يجب على كبار القوم من -هنا ومن هنا - أن يجتمعوا على أسس مشتركة، نقضي بها على الفرقة في الهوامش والخلافات التي في أشياء ليست أصلية - ولا حتى فرعية - في دين الله عزَّ وجلَّ، حتى نعمل جميعاً بقول الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ [103آل عمران].
واجب المسلم نحو أخيه المسلم
المسلم مأمور بأن يَمُدَّ يده إلى أخيه حتى لو رآه ابتعد عن طريق الله وغفل ووقع في المعاصي، لا أعنفه ولا أقسو عليه، ولا أشدد عليه، لأنني إذا عنَّفته سيقول لي: ليس لك شأن بي، وسيتركني ويمشى. لكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أصحاب النهج الطيب. ذهب جماعة لسيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه وقالوا له: أخوك فلان - الذي آخى بينك وبينه حضرة النبي صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى الشام وشرب الخمر فماذا ستفعل؟ هل تهجره؟ قال لا: (كن أقرب إلى أخيك عندما يكون قريباً من إبليس). لأنني لو تركته سينفرد به الشيطان ويجهز عليه، ويصبح من جنوده ومن أتباعه!!
أنا لابد أن أمدَّ يدي إليه لأجذبه من وساوس الشيطان، وهواجس النفس، ثم ضرب لهم مثالاً وقال لهم: (أرأيتم لو أن أخاً لكم وقع في بئر، ماذا كنتم فاعلين؟ قالوا: نمدُّ يدنا إليه لنخرجه. قال: كذلك أخوك إذا وقع في الذنب)
إخواننا المسلمون والمؤمنون في صدورهم نور (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ومهما يكون عاتياً وجباراً، إلا أنه يخضع إذا استمع إلى آيات من كتاب الله بشفقة وعطف ورحمة وحنان، لا يريد مَنْ يشدِّد عليه، أو يغلظ عليه، أو يقسو عليه، لكن يريد الذي يأخذه بالرفق واللين ليردَّه إلى صفوف المسلمين.
وأنتم تشهدون جميعاً، لو شخص معه مجموعة من الحيوانات يخرج بها، وواحدة منها ابتعدت! كيف يعيدها؟ هل يعيدها بالعصا؟ لا، وإنما يأخذها بالسَّكِينَة، ويأخذ لها شيئاً من الأكل وينتظرها حتى تأكل، ثم يأخذها باللطف واللين !!
وكذلك العُصاة والمذنبين الذين بيننا يحتاجون إلى اللطف واللين. لا أقول له: أنت كافر، أو أنت ذاهب إلى جهنم، سيقول لك: لا شأن لك، وأنا لا أملك هذه ولا تلك، لا يوجد مسلم - مهما علا شأنه - يستطيع أن يحكم على واحد من المسلمين يقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) بالكفر، أو بأنه من أهل جهنم المخلدين فيها، لأن الحكم في هذه لله. إذاً ماذا علينا؟ علينا أن نذهب لإخواننا ونعيدهم للإسلام.
سيدنا عمر كان له أخٌ في الشام، وأنتم تعلمون أن سيدنا عمر كان شديداً في الحق، فقالوا له: أخوك الذي ذهب إلى الشام شرب الخمر، فقال لهم: أحضروا لي كتاباً وقلماً، وكَتَبَ: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [1-3غافر]. إذا وصلك كتابي هذا فتب إلى الله وارجع إلى حضرة الله. ما هذا؟ الدين النصيحة، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم قال لنا: (الدين النصيحة) والأَوْلى بالنصيحة البعيد عن حضرة الله الذي ترك منهج الله، الذي أهمل في الصلاة، والذي لا يؤدي الزكاة. والنصيحة تكون بالحكمة والموعظة الحسنة.
فإذا قمنا جميعاً بالحكمة والموعظة الحسنة نجمع صفوف المسلمين، ونوحِّد شمل المؤمنين، حتى نكون قوة أمام جموع الكافرين والمشركين واليهود ومن عاونهم أجمعين. وهذا هو أول واجب علينا في هذا الزمان، وأول فريضة فرضها علينا الرحمن نحو إخواننا المؤمنين: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ [103آل عمران].
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

موقع فضيلة مولانا الشيخ فوزى محمد أبوزيد
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير