آخر الأخبار
موضوعات

الاثنين، 9 مايو 2016

اليوم الخامس من أيام الله: يوم البعث والنشور

عدد المشاهدات:
وهو اليوم الذي يحيي الله فيه الموتى من قبورهم، ويعيدهم إلى حالتهم التي ماتوا عليها. قال صلى الله عليه وسلم: {يبعث الإنسان على ما مات عليه}[1].
فلا تتبدل صورتهم وهيئتهم عن ما كانت عليه قبل الموت، حتى لا ينكر أحد نفسه ولا ينكره أهله وإخوانه والناس الذين كانوا يعيشون معه.
وإذا أراد الله أن يبعث الناس، أمر الأرض بما فيها من بحار وجبال وسهول ووديان وصحارى وقفار، وهواء وأرجاء وأجواء أن تجمع عناصر كل إنسان إلى بعضها، لأنه لو صار هباءاً وذرَّات، تفرقت في جميع أرجاء الأرض، لجمع بفعل الجاذبية التي استودعها الله في ذرات كل كائن، وذلك عند زلزله الأرض واهتزازها. لأن الإنسان لم يخرج منها، إذ أنه موجود فيها. قال تعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾، [1-2،الزلزلة].
فإذا ما جمعت تلك العناصر إلى بعضها، أمر الله السماء أن تمطر ماءا كمنى الرجال، يختلط بهذه العناصر حتى تكون طينا، ويتمدد هذا الطين على هيئته التي كان عليها قبل الموت، ويرسل الله عليه الرياح فتجففه، والحرارة فتسوية حتى يصير كالفخار، ثم يأمر الله الملك الموكل بالنفخ في الصور. فينفخ فيه، فتطير كل روح إلى جسدها لا تخطئه فتدخل إليه: ﴿فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾، [68،الزمر].  وكما قال تعالى: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾، [29،الأعراف].
وهذا اليوم أشار الله إليه بقوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، [56،الروم].

وذلك ردًا على منكري البعث الذين يدَّعون أنهم لم يمكثوا في الأرض إلا ساعة، واحدة لم يتمكنوا فيها من معرفة الله ورسوله وما انزله الله عليهم. فرد عليهم أهل العلم والإيمان بأنهم كاذبون في ادعائهم، وأنهم لبثوا في الأرض إلى يوم البعث، ولكنهم جهلوا بذلك لعدم قبولهم هذه المعارف والحقائق في الدنيا من أهل العلم والإيمان.
ويوم البعث يسمى يوم القيامة، ويوم الرجوع إلى الله، ويوم الساعة، ويوم الميعاد. قال الله تعالى: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾، [29،الأعراف]. وقال جل شأنه: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ﴾، [104،الأنبياء]. وقال سبحانه: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾، [43،المعارج].
وسيكون الخلائق يوم البعث على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: يقومون من قبورهم إلى الجنة، وهم الصديقون والشهداء، والصالحون والمقربون، وأهل اليمين، وهم عامة المؤمنين الذين ماتوا على توبة صادقة، وكانوا في الدنيا من أهل الإيمان والعمل الصالح، وإن كانوا يتفاوتون في درجات الجنة. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾، [107،الكهف].
وهذا النوع من الناس لا يشهدون أهوال يوم القيامة، ولا يخافون ولا يحزنون: ﴿أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾، [82،الأنعام]. ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾، [103،الأنبياء].
والنوع الثاني: يقومون من قبورهم إلى النار والعياذ بالله، وهم الكافرون والمشركون، والضالون والمغضوب عليهم. وهؤلاء لا ينظر الله إليهم ولا يكلمهم ولهم عذاب أليم. قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾، [105،الكهف].
وقال جلَّ شانه: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ ﴾، [39-41،الرحمن].
وهؤلاء يشهدون الأهوال الشديدة، والمصائب الفظيعة، والمخاوف والأحزان والآلام القاتلة، وهم مسوقون ومقهورون إلى جهنم والعياذ بالله، وقد تمنى كل منهم أن يكون ترابا، ولكن هيهات... هيهات، فإن قلوبهم تتقطع من الحسرة، وأكبادهم تتفتت من الأسف، ولا يغنى عنهم ذلك من العذاب شيئا. وإسقاطهم من الحساب والمساءلة لأنهم أهملوا عقولهم وقلوبهم ومشاعرهم التي منحها الله لهم، بل إنهم استعملوها في محاربة من وهبها لهم، فكانوا أضل من الوحوش الضارية والحشرات السامة التي يقتلها الإنسان بمجرد رؤيتها، لأنها لا خير فيها بالمرة.
وهناك صنفٌ من المجرمين في الدنيا لا تفيد محاسبته، ولا تجدي مساءلته لأن نفسه قد تمرَّست على الإجرام، واستمرأته، وصار لا يعيش إلا على القنص والسفك وارتكاب الفظائع، وقد جعل الله جزاءه في الدنيا سرعة التخلص منه لعدم الأمل في إصلاحه. وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، [33،المائدة].
وإن الحكمة من الحساب هي إقرار العدالة في الحكم، وإظهار الحق والصواب حتى يري المحاسب أنه قد اخذ حقه ولم يُظلم شيئا.
ولكن الكافر بالله ورسوله وكتبه واليوم الآخر، قد أهدر حقه ونصيبه، كما أنه أضاع حق الله وحق رسله، فلم يكن له نصيب بالمرة في أي شيء يطالب به، حتى إنه يحكم على نفسه يوم القيامة أن عذاب النار هو أقل جزاء له على كفره بالله وإصراره عليه. قال تعالى: ﴿اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾، [14،الإسراء].
والنوع الثالث من الناس يوم القيامة هم أهل الحساب، وهم المسلمون الذين ارتكبوا المخالفات ولم يتوبوا المخالفات ولم يتوبوا إلى الله منها، وماتوا على ذلك، وهؤلاء أمرهم مفوض إلى الله عزَّ وجلَّ، إن شاء عذَّبهم، وإن شاء عفا عنهم. والحساب له مواقف كثيرة، وأنواع متفاوتة. فمن الناس من يحاسبه الله سرا ومنهم من يحاسبه الله جهرا، ومنهم من يحاسبه الله حسابا يسيرا ومنهم من يحاسبه الله جهرًا، ومنهم من يحاسبه الله حسابا يسيرا ومنهم من يحاسبه الله حسابا عسيرا، ومنهم من يقرره الله على أعماله فيقرها ويقبل الله اعتذاره ويأذن له في دخول الجنة، ومنهم من يشفع له الشفعاء فيعفو الله عنه بتلك الشفاعة، ومنهم من يسامحه أصحاب المظالم فيدخله الله الجنة بذلك، ومنهم من يدفع الله عنه لأصحاب الحقوق حقوقهم ثم يدخله الجنة، ومنهم من يستغيث برسول الله فيغيثه الله برسوله، ومنهم من يستجير بالله فيجيره الله، وهو سبحانه: ﴿وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ﴾، [88،المؤمنون]. ومنهم من تزيد حسناته على سيئاته وهو كذلك من الناجين، أما من زادت سيئاته على حسناته، فإما أن يدركه الغوث من ناحية، وإما أن يأخذ نصيبه من العذاب ثم يدخل الجنة بعد ذلك.
ولكن الله سبحانه سبقت رحمته غضبه، وسبق عفوه عقابه، وسبق حلمه مؤاخذته، وذلك الفضل كله لأهل الحساب الذين يحاسبهم الله على إعمالهم.




[1] أبو داود وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد.
منقول من كتاب أيام الله 
لفضيلة الشيخ محمد على سلامة
وكيل وزارة الاوقاف ببورسعيد سابقا
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير