عدد المشاهدات:
-المعرفة الذوقية عند الصُّوفيَّة
يرشد القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إلى نوع من المعرفة، ليس طريقه الحس، وليس طريقه العقل، ولا يستمد صراحة من الكتب المقدسة، ذلك النوع في أبسط صورة وأعمها وأشملها هو الرؤيا.
فليست الرؤيا معرفة حسية، وليست معرفة عقلية، وليست معرفة مصدرها الكتب المقدسة، ويبين الحديث الشريف مصدرها فيقول: ((الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)).
فقد قرب الله تعالى على خلقه بأن أعطاهم أنموذجاً من خاصية النبوة، وهو النوم، إذ النائم يدرك ما سيكون من الغيب، إما صريحاً، وإما في كسوة مثال يكشف عنه التعبير، والنبوة هي الأخرى ليست معرفة حسية، وليست معرفة عقلية، إنها ليست تجربة، وليست منطقاً، ولكنها وحي من الله.
والقرآن غاص بهذا النمط من المعرفة الإلهية، إنه غاص بذكر الأنبياء والرسل الذين كلمهم الله وحياً، أو من وراء حجاب، أو بإرسال الرسل إليهم أعني الملائكة.
فتزكية النفس وتطهيرها، والتقرب إلى الله، يسمو بالإنسان إلى عالم من الروحانية تستشرف فيه النفس إلى الملأ الأعلى، فتفيض عليها منه نفحات وإلهامات، ومعرفة لا تتأتى لذوي النفوس المادية، الذين شغلوا بالدنيا عن الدين، وبالمادة عن الله.
وفي ذلك يقول الإمام الغزالي في كتابه ((المنقذ من الضلال)): ((ثم إني لما فرغت من هذه العلوم، أقبلت بهمتي على طريق الصوفية، وعلمت أن طريقتهم إنما تتم بعلم وعمل، وكان حاصل عملهم قطع عقبات النفس، والتنزه عن أخلاقها المذمومة، وصفاتها الخبيثة، حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى، وتحليته بذكر الله، وكان العلم أيسر عليّ من العمل، فإبتدأت بتحصيل علمهم، من مطالعة كتبهم، مثل ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي رحمه الله، وكتب الحارث المحاسبى والمتفرقات المأثورة عن الجنيد، والشبلي، وأبي يزيد البسطامي، قدس الله أرواحهم وغير ذلك من كلام مشايخهم، حتى أطلعت على كنه مقاصدهم العلمية، وحصلت ما يمكن أن يحصل من طريقهم بالتعلم والسماع، فظهر لي أن خواص خواصهم ما لا يمكن الوصول إليه بالتعلم، بل بالذوق، والحال، وتبدل الصفات.
وكم من الفرق بين أن يعلم حد الصحة، وحد الشبع، وأسبابهما وشروطهما، وبين أن يكون صحيحاً وشبعاناً ، وبين أن يعرف حد السكر وعلمه وهو سكران، وما معه من علمه من شئ، والصاحي يعرف حد السكر وأركانه، وما معه من السكر من شئ، والطبيب في حالة المرض يعرف حداً للصحة، وأسبابها وأدويتها، وهو فاقد الصحة، كذلك فرق بين أن تعرف حقيقة الزهد وشروطها، وأسبابها، وبين أن يكون حالك الزهد، وعزوف النفس عن الدنيا.
فعلمت يقيناً أنهم أرباب الأحوال، لا أصحاب الأقوال وأن ما يمكن تحصيله بطريق العلم فقد حصلته، ولم يبق إلا ما لا سبيل إليه بالسماع والتعلم، بل بالذوق والسلوك)).
يرشد القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إلى نوع من المعرفة، ليس طريقه الحس، وليس طريقه العقل، ولا يستمد صراحة من الكتب المقدسة، ذلك النوع في أبسط صورة وأعمها وأشملها هو الرؤيا.
فليست الرؤيا معرفة حسية، وليست معرفة عقلية، وليست معرفة مصدرها الكتب المقدسة، ويبين الحديث الشريف مصدرها فيقول: ((الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)).
فقد قرب الله تعالى على خلقه بأن أعطاهم أنموذجاً من خاصية النبوة، وهو النوم، إذ النائم يدرك ما سيكون من الغيب، إما صريحاً، وإما في كسوة مثال يكشف عنه التعبير، والنبوة هي الأخرى ليست معرفة حسية، وليست معرفة عقلية، إنها ليست تجربة، وليست منطقاً، ولكنها وحي من الله.
والقرآن غاص بهذا النمط من المعرفة الإلهية، إنه غاص بذكر الأنبياء والرسل الذين كلمهم الله وحياً، أو من وراء حجاب، أو بإرسال الرسل إليهم أعني الملائكة.
فتزكية النفس وتطهيرها، والتقرب إلى الله، يسمو بالإنسان إلى عالم من الروحانية تستشرف فيه النفس إلى الملأ الأعلى، فتفيض عليها منه نفحات وإلهامات، ومعرفة لا تتأتى لذوي النفوس المادية، الذين شغلوا بالدنيا عن الدين، وبالمادة عن الله.
وفي ذلك يقول الإمام الغزالي في كتابه ((المنقذ من الضلال)): ((ثم إني لما فرغت من هذه العلوم، أقبلت بهمتي على طريق الصوفية، وعلمت أن طريقتهم إنما تتم بعلم وعمل، وكان حاصل عملهم قطع عقبات النفس، والتنزه عن أخلاقها المذمومة، وصفاتها الخبيثة، حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى، وتحليته بذكر الله، وكان العلم أيسر عليّ من العمل، فإبتدأت بتحصيل علمهم، من مطالعة كتبهم، مثل ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي رحمه الله، وكتب الحارث المحاسبى والمتفرقات المأثورة عن الجنيد، والشبلي، وأبي يزيد البسطامي، قدس الله أرواحهم وغير ذلك من كلام مشايخهم، حتى أطلعت على كنه مقاصدهم العلمية، وحصلت ما يمكن أن يحصل من طريقهم بالتعلم والسماع، فظهر لي أن خواص خواصهم ما لا يمكن الوصول إليه بالتعلم، بل بالذوق، والحال، وتبدل الصفات.
وكم من الفرق بين أن يعلم حد الصحة، وحد الشبع، وأسبابهما وشروطهما، وبين أن يكون صحيحاً وشبعاناً ، وبين أن يعرف حد السكر وعلمه وهو سكران، وما معه من علمه من شئ، والصاحي يعرف حد السكر وأركانه، وما معه من السكر من شئ، والطبيب في حالة المرض يعرف حداً للصحة، وأسبابها وأدويتها، وهو فاقد الصحة، كذلك فرق بين أن تعرف حقيقة الزهد وشروطها، وأسبابها، وبين أن يكون حالك الزهد، وعزوف النفس عن الدنيا.
فعلمت يقيناً أنهم أرباب الأحوال، لا أصحاب الأقوال وأن ما يمكن تحصيله بطريق العلم فقد حصلته، ولم يبق إلا ما لا سبيل إليه بالسماع والتعلم، بل بالذوق والسلوك)).
من كتاب الصوفيه فى القرآن والسنه
☀لفضيله الشيخ فوزى محمد ابوزيد