عدد المشاهدات:
الفرق بين العلم والإيمان:
إن الله تعالى قد أكثر ذكر المؤمنين في القرآن بالمدح والثناء الجميل عليهم ووعدهم الثواب الجزيل في الدنيا والآخرة جميعا، وهكذا أيضا قد أكثر ذكر الكافرين بسوء الثناء عليهم والزجر والتهديد والوعيد في الدنيا والآخرة جميعا. فنريد أن نبين من المؤمن حقا ومن الكافر حقا؟ إذ كان هذا أمرا قد التبس على كثير من أهل العلم، حتى صار يكفِّر بعضهم بعضا، ويلعن بعضهم بعضا بغير علم ولا بيان. لكن من أجل أن كثيرا من أهل العلم لا يعرفون الفرق بين العلم والإيمان، احتجنا أن نبين ما الفرق بينهما؟ وذلك أن كثيرا من المتكلمين يسمون الإيمان علما، ويقولون هو علم من طريق السمع وما يعلم بالقياس فهو علم من طريق العقل. فأريد أن أبين حقيقة العلم.
لما كان المعلوم لا يكون علما للنفس إلا إذا تصورت النفس رسوم هذا المعلوم في ذاتها، فالعلم هو تصور النفس رسوم المعلوم في ذاتها.
ولما كانت أخبار الرسل عليهم الصلاة والسلام عن الله تعالى، بما يجب على الناس أنيصدقوا به من معاني الكمالات الإلهية وتنزيه ذاته عز وجل وما وصف به نفسه سبحانه وتعالى، لا يمكن للنفوس أن تتصور رسومه وتتبين معانيه قبل الإقرار والتصديق وتزكية النفس وتطهيرها من كثافة الجهل وظلمات العقائد الباطلة، والآراء الفاسدة والآمال المبعدة، والحظوظ والأهواء، كان الإيمان هو الإقرار والتصديق بدون تصور رسوم المعلوم في ذات النفس.
وبذلك يظهر التفاوت بين العلم والإيمان. ومن أجل هذا دعت الأنبياء أممهم إلى الإقرار أولا، ثم طالبوهم بالتصديق بعد البيان، ثم حثوهم على طلب المعارف الحقيقية بدليل قول الله تعالى عز وجل: ) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ((1) ولم يقل: يؤمنون بالشهود، ثم حثهم على طلب العلم بقوله تعالى: ) فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ((2)
) يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ((1) ثم مدح فقال: ) يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ((2). وقال تعالى: ) الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ ((3) وكفى بهذا فرقا بين العلم والإيمان .
فيجب أن أبين شرائط الإيمان وصفات المؤمنين ليعلم كل إنسان هل هو مؤمن حقا أو شاك مرتاب؟ لأن المؤمنين هم ورثة الأنبياء وتلاميذهم، وأن الأنبياء لم يورثوا دراهم ودنانير بل ورثوا هديا وعلما وعبادة، فمن أخذ بها فقد نال حظا جزيلا كما ذكر الله جل ثناؤه: ) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ((4). وقال الله تعالى: ) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ((5).
حقيقة العلم والإيمان :
أريد أن أبين حقيقة العلم والإيمان فأقول: إن العلم هو صورة المعلوم في نفس العالم، والإيمان هو التصديق لمن هو أعلم منك بما يخبرك عما لا تعلم. واعلم أنه رُب صورة في نفس العالم ليس لها وجود في الكون المحسوس، فنحتاج أن ننظر في هذا الباب نظرا شافيا، فإن الشك يدخل الشبه على العلماء من هذا الباب.
وأما الإيمان فهو التصديق للمخبر فيما قال وأخبر عنه، ولكن رُب مخبر بخلاف ما في نفسه فيكون كذابا إن كان قاصدا لذلك، ورب مصدق أيضا لكاذب، وهذا أيضا يحتاج إلى نظر شاف، لأن الشبهة تدخل على القائلين والمستمعين في هذا الباب.
نتائج الإيمان:
اعلم أيها السالك المسترشد أن الإيمان يورث العلم، لأنه متقدم الوجود على العلم، ومن أجل هذا دعت الأنبياء عليهم السلام الأمم إلى الإقرار بما أخبرتهم، والتصديق بما كان غائبا عنهم عن إدراك حواسهم وتصور أوهامهم، فإذا أقروا بألسنتهم سموهم عند ذلك المؤمنين، ثم طالبوهم بتصديق القلب كما ذكر الله تعالى: ) وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ((6) فإذا وقع التصديق بالقلب سموهم الصديقين، كما قال الله تبارك وتعالى: ) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ((7) .
أول الإيمان:
هو تصديق الأنبياء للملائكة فيما يخبرونهم عنه مما هو فوق إدراك النفوس البشرية الزكية قبل أن تخبرهم الملائكة، فالتصديق بأخبار الملائكة من الرسل عليهم الصلاة والسلام أول الإيمان، وذلك قبل أن تخبرهم الملائكة، فالتصديق سابق عن الخبر كما قال الله تعالى: ) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ((1) الخ .
واعلم أن الملائكة محتاجون إلى الإيمان فهم متفاوتون في درجات العلوم، كما أخبر الله تعالى عنهم فقال: ) وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ((2) لأن أشرف الملائكة حملة العرش الذين هم في أعلى المقامات في العلوم، وهم أيضا محتاجون إلى الإيمان كما أخبر عنهم سبحانه فقال جل ثناؤه: ) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ((3).
وأنت أيها الراغب في السعادة محتاج إلى الإيمان والتصديق بقول المخبر لك الذي هو فوقك في العلم وأعلى منك في المعارف، لأنك إن لم تؤمن بما يخبرك به حرمت أشرف العلوم وأجل المعارف، وأعلم أنه ليس لك طريق إلى تصديق المخبر لك في أول الأمر إلا حسن الظن بصدقه، ثم على مر الأزمان تظهر لك حقيقة ذلك، فلا تطالبه بالبرهان في أوله، ولكن سلم له وذق من لطيف عباراته وجميل إشارته وعليِّ أحواله وشريف أعماله، ما به تتروح روحك وتزكو نفسك، وينكشف لبصيرتك صدق ما يقول وحقيقة ما يفعله، والله الموفق لك.
تفاوت المؤمنين:
إن القرآن الكريم بيَّن أن المؤمنين درجات، وأن أهل العلم درجات، لأن الإنسان لا يبلغ درجة في العلم إلا ويلوح له فوقها درجات لم يبلغها بعد كما ذكر الله تعالى بقوله: ) وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ((4) فهو من أجل هذا يحتاج إلى الإقرار به والتصديق بقول من هو أعرف وأعلم منه، وإذ قد بان لك فضل العالم والمؤمن، والعلم والإيمان، لزم لنا أن نبين أنواع الناس بالنسبة للعلم والإيمان.
أنواع الناس:
أنواع الناس بالنسبة للمعارف أربعة:
1- نوع رزق العلم ولم يرزق الإيمان.
2- ونوع رزق الإيمان ولم يرزق العلم.
3- وفريق قد وفر حظه منهما جميعا فضلا من الله تعالى.
4- وفريق حرم العلم والإيمان.
ودليل ذلك قوله تعالى: ) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ((1) فأخبر سبحانه بهذا عن أشرفهم في المعارف، إذ كان علم البعث والقيامة من أشرف العلوم.
وأما الذين أوتوا الإيمان ولم يرزقوا العلم فهم المقرُّون بما في كتب الأنبياء عليهم السلام من أخبار البعث وأمر المبدأ والمعاد، وأحوال الملائكة ومقاماتهم، وحديث البعث والقيامة، والحشر والنشر والحساب والميزان والصراط، وجزاء الأعمال في النشأة والآخرة، ونعيم الجنان وما شاكلها من الأمور الغائبة عن الحواس، البعيدة من تصور الأوهام. وهم مع قلة عملهم ساكنة نفوسهم لما أخبرت به الأنبياء، وما أشاروا به من الثواب في الميعاد ونعيم الجنان. ومصدقون لهم في السر والإعلان، راغبون فيها طالبون لها عاملون من أجلها، ولكنهم تاركون البحث عنها والتشوف لها والنظر في حقائقها، كيف وأين ومتى ولم ؟؟ وإليهم أشار بقوله: ) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ((2) لهم الأمن واليمن والأمان والإيمان.
وأما الذين رزقوا حظا من العلم ولم يرزقوا الإيمان، فهم طائفة من الناس نظروا في كتب الفلاسفة والحكماء وبحثوا عنها وارتاضوا بما فيها من الهندسة والتنجيم والطب والمنطق والجدل والطبيعيات وما شاكلها، فأعجبوا بها وتركوا النظر في كتب القرآن الشريف والسنة، والبحث عن أسرار الحكم والأحكام الشرعية والكشف عن خفيات مرموزات الآيات القرآنية والإشارات النبوية، فعميت عليهم الأنباء وانطمست بصيرتهم، فهم شاكون في حقائقها، ومتحيرون في معرفة معانيها، جاهلون بلطيف أسرارها، غافلون عن عظيم شأنها، وإليهم أشار بقوله تعالى: ) فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ((3).
وأما الذين حرموا العلم والإيمان جميعا من طائفة من الذين أترفوا في هذه الحياة الدنيا، وهم مشغولون الليل والنهار في طلب شهواتها، مغرورون بعاجل حلاوات لذات نعيمها، تاركون لطلب الآداب معرضون عن العلم وأهله، غافلون عن أمر الديانات وأحكام الشرائع ومفروضات السنن، التي الغرض منها نجاة النفس وطلب الآخرة، وإليهم أشار بقوله تعالى: ) وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ((1) وقال سبحانه وتعالى: ) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ((2). وقال تعالى:)وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ((3).
فأما الذين أوتوا من العلم والإيمان حظا جزيلا، فهم إخواننا المتقون الذين يخشون الله، والذين إليهم أشار سبحانه وتعالى بقوله: ) يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ((4) وقد بيَّنا عن مذهبهم وأخلاقهم وآرائهم فيما كتبناه من العقائد والأخلاق والمعاملات، فانظروا فيها أيها الراغبون نوال الحظوة، فلعلكم بفهم معانيها والعمل بها – بمعونة الله وحسن التوفيق وبروح منه – تكونون من أهل المشاهد القدسية والدرجات العلية، وتهتدون لطريق ملكوت السماء وتنظرون إلى الملأ الأعلى، وتساقون إلى الجنة زمرا.
إن الله تعالى قد أكثر ذكر المؤمنين في القرآن بالمدح والثناء الجميل عليهم ووعدهم الثواب الجزيل في الدنيا والآخرة جميعا، وهكذا أيضا قد أكثر ذكر الكافرين بسوء الثناء عليهم والزجر والتهديد والوعيد في الدنيا والآخرة جميعا. فنريد أن نبين من المؤمن حقا ومن الكافر حقا؟ إذ كان هذا أمرا قد التبس على كثير من أهل العلم، حتى صار يكفِّر بعضهم بعضا، ويلعن بعضهم بعضا بغير علم ولا بيان. لكن من أجل أن كثيرا من أهل العلم لا يعرفون الفرق بين العلم والإيمان، احتجنا أن نبين ما الفرق بينهما؟ وذلك أن كثيرا من المتكلمين يسمون الإيمان علما، ويقولون هو علم من طريق السمع وما يعلم بالقياس فهو علم من طريق العقل. فأريد أن أبين حقيقة العلم.
لما كان المعلوم لا يكون علما للنفس إلا إذا تصورت النفس رسوم هذا المعلوم في ذاتها، فالعلم هو تصور النفس رسوم المعلوم في ذاتها.
ولما كانت أخبار الرسل عليهم الصلاة والسلام عن الله تعالى، بما يجب على الناس أنيصدقوا به من معاني الكمالات الإلهية وتنزيه ذاته عز وجل وما وصف به نفسه سبحانه وتعالى، لا يمكن للنفوس أن تتصور رسومه وتتبين معانيه قبل الإقرار والتصديق وتزكية النفس وتطهيرها من كثافة الجهل وظلمات العقائد الباطلة، والآراء الفاسدة والآمال المبعدة، والحظوظ والأهواء، كان الإيمان هو الإقرار والتصديق بدون تصور رسوم المعلوم في ذات النفس.
وبذلك يظهر التفاوت بين العلم والإيمان. ومن أجل هذا دعت الأنبياء أممهم إلى الإقرار أولا، ثم طالبوهم بالتصديق بعد البيان، ثم حثوهم على طلب المعارف الحقيقية بدليل قول الله تعالى عز وجل: ) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ((1) ولم يقل: يؤمنون بالشهود، ثم حثهم على طلب العلم بقوله تعالى: ) فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ((2)
) يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ((1) ثم مدح فقال: ) يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ((2). وقال تعالى: ) الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ ((3) وكفى بهذا فرقا بين العلم والإيمان .
فيجب أن أبين شرائط الإيمان وصفات المؤمنين ليعلم كل إنسان هل هو مؤمن حقا أو شاك مرتاب؟ لأن المؤمنين هم ورثة الأنبياء وتلاميذهم، وأن الأنبياء لم يورثوا دراهم ودنانير بل ورثوا هديا وعلما وعبادة، فمن أخذ بها فقد نال حظا جزيلا كما ذكر الله جل ثناؤه: ) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ((4). وقال الله تعالى: ) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ((5).
حقيقة العلم والإيمان :
أريد أن أبين حقيقة العلم والإيمان فأقول: إن العلم هو صورة المعلوم في نفس العالم، والإيمان هو التصديق لمن هو أعلم منك بما يخبرك عما لا تعلم. واعلم أنه رُب صورة في نفس العالم ليس لها وجود في الكون المحسوس، فنحتاج أن ننظر في هذا الباب نظرا شافيا، فإن الشك يدخل الشبه على العلماء من هذا الباب.
وأما الإيمان فهو التصديق للمخبر فيما قال وأخبر عنه، ولكن رُب مخبر بخلاف ما في نفسه فيكون كذابا إن كان قاصدا لذلك، ورب مصدق أيضا لكاذب، وهذا أيضا يحتاج إلى نظر شاف، لأن الشبهة تدخل على القائلين والمستمعين في هذا الباب.
نتائج الإيمان:
اعلم أيها السالك المسترشد أن الإيمان يورث العلم، لأنه متقدم الوجود على العلم، ومن أجل هذا دعت الأنبياء عليهم السلام الأمم إلى الإقرار بما أخبرتهم، والتصديق بما كان غائبا عنهم عن إدراك حواسهم وتصور أوهامهم، فإذا أقروا بألسنتهم سموهم عند ذلك المؤمنين، ثم طالبوهم بتصديق القلب كما ذكر الله تعالى: ) وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ((6) فإذا وقع التصديق بالقلب سموهم الصديقين، كما قال الله تبارك وتعالى: ) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ((7) .
أول الإيمان:
هو تصديق الأنبياء للملائكة فيما يخبرونهم عنه مما هو فوق إدراك النفوس البشرية الزكية قبل أن تخبرهم الملائكة، فالتصديق بأخبار الملائكة من الرسل عليهم الصلاة والسلام أول الإيمان، وذلك قبل أن تخبرهم الملائكة، فالتصديق سابق عن الخبر كما قال الله تعالى: ) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ((1) الخ .
واعلم أن الملائكة محتاجون إلى الإيمان فهم متفاوتون في درجات العلوم، كما أخبر الله تعالى عنهم فقال: ) وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ((2) لأن أشرف الملائكة حملة العرش الذين هم في أعلى المقامات في العلوم، وهم أيضا محتاجون إلى الإيمان كما أخبر عنهم سبحانه فقال جل ثناؤه: ) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ((3).
وأنت أيها الراغب في السعادة محتاج إلى الإيمان والتصديق بقول المخبر لك الذي هو فوقك في العلم وأعلى منك في المعارف، لأنك إن لم تؤمن بما يخبرك به حرمت أشرف العلوم وأجل المعارف، وأعلم أنه ليس لك طريق إلى تصديق المخبر لك في أول الأمر إلا حسن الظن بصدقه، ثم على مر الأزمان تظهر لك حقيقة ذلك، فلا تطالبه بالبرهان في أوله، ولكن سلم له وذق من لطيف عباراته وجميل إشارته وعليِّ أحواله وشريف أعماله، ما به تتروح روحك وتزكو نفسك، وينكشف لبصيرتك صدق ما يقول وحقيقة ما يفعله، والله الموفق لك.
تفاوت المؤمنين:
إن القرآن الكريم بيَّن أن المؤمنين درجات، وأن أهل العلم درجات، لأن الإنسان لا يبلغ درجة في العلم إلا ويلوح له فوقها درجات لم يبلغها بعد كما ذكر الله تعالى بقوله: ) وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ((4) فهو من أجل هذا يحتاج إلى الإقرار به والتصديق بقول من هو أعرف وأعلم منه، وإذ قد بان لك فضل العالم والمؤمن، والعلم والإيمان، لزم لنا أن نبين أنواع الناس بالنسبة للعلم والإيمان.
أنواع الناس:
أنواع الناس بالنسبة للمعارف أربعة:
1- نوع رزق العلم ولم يرزق الإيمان.
2- ونوع رزق الإيمان ولم يرزق العلم.
3- وفريق قد وفر حظه منهما جميعا فضلا من الله تعالى.
4- وفريق حرم العلم والإيمان.
ودليل ذلك قوله تعالى: ) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ((1) فأخبر سبحانه بهذا عن أشرفهم في المعارف، إذ كان علم البعث والقيامة من أشرف العلوم.
وأما الذين أوتوا الإيمان ولم يرزقوا العلم فهم المقرُّون بما في كتب الأنبياء عليهم السلام من أخبار البعث وأمر المبدأ والمعاد، وأحوال الملائكة ومقاماتهم، وحديث البعث والقيامة، والحشر والنشر والحساب والميزان والصراط، وجزاء الأعمال في النشأة والآخرة، ونعيم الجنان وما شاكلها من الأمور الغائبة عن الحواس، البعيدة من تصور الأوهام. وهم مع قلة عملهم ساكنة نفوسهم لما أخبرت به الأنبياء، وما أشاروا به من الثواب في الميعاد ونعيم الجنان. ومصدقون لهم في السر والإعلان، راغبون فيها طالبون لها عاملون من أجلها، ولكنهم تاركون البحث عنها والتشوف لها والنظر في حقائقها، كيف وأين ومتى ولم ؟؟ وإليهم أشار بقوله: ) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ((2) لهم الأمن واليمن والأمان والإيمان.
وأما الذين رزقوا حظا من العلم ولم يرزقوا الإيمان، فهم طائفة من الناس نظروا في كتب الفلاسفة والحكماء وبحثوا عنها وارتاضوا بما فيها من الهندسة والتنجيم والطب والمنطق والجدل والطبيعيات وما شاكلها، فأعجبوا بها وتركوا النظر في كتب القرآن الشريف والسنة، والبحث عن أسرار الحكم والأحكام الشرعية والكشف عن خفيات مرموزات الآيات القرآنية والإشارات النبوية، فعميت عليهم الأنباء وانطمست بصيرتهم، فهم شاكون في حقائقها، ومتحيرون في معرفة معانيها، جاهلون بلطيف أسرارها، غافلون عن عظيم شأنها، وإليهم أشار بقوله تعالى: ) فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ((3).
وأما الذين حرموا العلم والإيمان جميعا من طائفة من الذين أترفوا في هذه الحياة الدنيا، وهم مشغولون الليل والنهار في طلب شهواتها، مغرورون بعاجل حلاوات لذات نعيمها، تاركون لطلب الآداب معرضون عن العلم وأهله، غافلون عن أمر الديانات وأحكام الشرائع ومفروضات السنن، التي الغرض منها نجاة النفس وطلب الآخرة، وإليهم أشار بقوله تعالى: ) وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ((1) وقال سبحانه وتعالى: ) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ((2). وقال تعالى:)وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ((3).
فأما الذين أوتوا من العلم والإيمان حظا جزيلا، فهم إخواننا المتقون الذين يخشون الله، والذين إليهم أشار سبحانه وتعالى بقوله: ) يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ((4) وقد بيَّنا عن مذهبهم وأخلاقهم وآرائهم فيما كتبناه من العقائد والأخلاق والمعاملات، فانظروا فيها أيها الراغبون نوال الحظوة، فلعلكم بفهم معانيها والعمل بها – بمعونة الله وحسن التوفيق وبروح منه – تكونون من أهل المشاهد القدسية والدرجات العلية، وتهتدون لطريق ملكوت السماء وتنظرون إلى الملأ الأعلى، وتساقون إلى الجنة زمرا.
الامام محمد ماضى ابو العزائم
الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد
الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد