آخر الأخبار
موضوعات

الخميس، 17 نوفمبر 2016

- الفــلاح والحكيـــم

عدد المشاهدات:
الفــلاح والحكيـــم
الفلاح: إلى متى يارباه هذا العسر إذا ما انقضت أزمة تبعتها أخرى, وإذا ما انتهت حرب نشبت حروب, وإذا ما تخلصنا من مأزق تولانا مأزق ضيق عالي, آفة زراعية, أو كربة نفسية .

الحكيم : رويدك ياهذا :
لاَ تَيْأَسَنْ فَبَعْدَ الْعُسْرِ تَيْسِيرُ إِنَّ الْعِبَادَ لَهُمْ رَبٌّ يُدَبِّرُهُمْ
مِنَ الإِلهِ وَبَعْدَ الْكَسْرِ تَجْبِير  وَفَوْقَ تَدْبِيرِهِمْ لِلَّهِ تَدْبِيرُ
 
تقول : توالت الأزمات, وتتابعت الكربات, ومالك لم تذكر نعم الله من أرزاق وأقوات وطيبات وحسنات !!  ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً {19} إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً {20} وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً﴾ صدق الله العظيم سورة المعارج أية 19 . ترفل ياهذا في نعم لا حصر لها, وتنفر بمجرد حصول مالا تأنس إليه !! حقيقة أن الإنسان بطبعه خلق ميالا للكسب, ولوعا بالمسرة, ولكن لابد لهذا من ثمن هو مشاق الحياة وغضاضة العيش .

تشكو أزمات ويشكوها معك بنو آدم, أما دروا أن ذلك ما قرفته أيديهم ومشتهيات نفوسهم من تطوحاتهم في سبل الغرور, وارتمائهم في أحضان الشهوات, ولما لم يصلوا لغاية عاودوا فتناهشوا بعضهم حبا في الاستئثار

 بالنافع, وقاموا وأنت منهم يتذمرون ويشكون وهم المقترفون المتسولون, قال رسول الله ﴿ rوآله﴾" كما تكونوا  يول  عليكم" نبيئه بالغة تخبرنا أنه كيفما يكون عليه الإنسان من الحالة زراعية أو تجارية أو نفسانية كانت أو خيرية يحاسب عليها, فاشك نفسك لنفسك, وفوض أمرك لربك .

الفلاح: قول صحيح وعظة صادقة, ولكنك لو علمت أيها الحكيم أنك تعالج بدنا بعد ما نخرته الأمراض, وتوالت به عليه العلل, وقل معه الأمل, وانقطع فيه الرجاء . تحاول صحيحا ولكن مع غير صحيح, بقولك مسلم, وبنصحك راض, إلا أني لا أمل لي في أن أعالج كثيرا مع هذه الحالة, وكان أولى بك أن تنتشلني من المرض, وبعد ذلك تؤنب ..مثلك أيها الواعظ معي كالسائح الذي أبصر غريقا يتخبط في الماء يطفو به الأمل, ويغوص به اليأس, فأخذ السائح في تقريعه وفي إساءته على أن من لم يحسن السباحة لا يتعرض للبحار . فناداه الغريق بألفاظ يقطعها اليأس : نجني وبعد ذلك لك ما بدا لك, فإنك بذلك تزيد همي وتقرب أجلي, أما كفاك محاربة أمواج ومعاناة أرياح وتقطع أنفاس !! قال له السائح : صدقت, ورجع من حيث أتى فتغلب عليه الماء وكان من المغرقين.  لومك هذا معي كحكاية هذا السائح, ولكن كان الغريق يحارب عدوا واحدا وهو الماء, وأنا أحارب جيشا من فوارس الدهر.

الحكيم: يظهر لي أنك أقدر مني وأحق بالوعظ عني, ولكن ياأخاه ما الذي دهاك وضاعف بلواك ؟ إذا عرفت السبب بطل العجب .

الفلاح : خلقت مع أمثالي من سكان الريف على فطرتي وفطرتهم نرضى بالقليل ونكتفي بالقليل, وكانوا كلما تطوحوا ناحية من التظاهر سرت سيرهم, والمرء بطبعه مقلد, وبفطرته محب لنفسه, فإذا تمكنت أن تستأصل ذلك من طبع بني الإنسان كنت أحق بهذا اللوم وأولى .

 تدرجت كغيري باعا ثم ذراعا, وواصلت السير وما التفت غير بعيد إلا ورأيت صعوبة الرجوع وبعد الشقة, وكان قد حاول دون ذلك ذئاب الإنسانية : من يأكلون أموال الناس بالباطل بين المرابي فلان والراهق فلان والطامع فلان, هذا مع دافع من النفس إلى مواصلة السير, والنفس أعدى عدوك التي بين جنبيك, عصت الله فعذبت نفسها وأطاعت الشيطان فأنت, وأن أبناء هذه النفس .

الحكيم: حسنا تقول, وكل شيء تستحسنه فهو كذلك بما تصنع له من التعليلات, أو تستقبحه فهو كذلك بما تستشهد به من الأسباب, غير أنه لا يستوي الحق والباطل, ولا تستوي الظلمات والنور, فيا أخاه لو لم تغوك الغواية لكنت غيرك الآن . الخير واقع والشر واقع غير أن هناك خلافا بين الأمرين, وتبيانا بين السبيلين, فلو كنت من طبعك توفق لكليهما لبلوته لا محالة, لأني أخاطب الآن مواقفا للخير, لأن النفس بطبعها فيها استعداد كثير لذلك, كما فيها من غيره, والمرء على ما يقوم من نفسه عليه, وهو فرد في مجموع, ومجموع في فرد, وهبه الله قوة مدركة, وعينا بصيرة, فما عذره بعد ذلك ؟!

الفلاح : هبني كما قلت, فما هو الحكم الآن ؟ .

الحكيم: الحكم عندي ياأخاه أن يستعجم عودك فإن كان خلافه ما يطيب لك وهو لا شك كذلك, هان عليك أن تقف وقفة الحازم متدبرا فيما كان وما سيكون, مسكنا لمهيجاتك بما ينفع من صحيح المسكنات, فتسكنه اضطراباتك فتقف معك حالتك ما علمك الدهر, وحسب الدهر ما ترتاح إليه النفس من رواياته الدائمة التمثيل, وفصوله المتتابعة, والتاريخ يعيد نفسه, والليالي بعضها شهود, وأنت بما استأنسته فيك من غزارة المعرفة وبعد النظر, وإن كانت جمحت بك الأيام وشط بك الغرور, فهذا لا يزيدك إلا دراية بما أنت, والاستقامة خير مبدأ, والقرآن خير دليل ، والله ولي الصابرين, فهو رب العالمين وأرحم الراحمين .

الفلاح : ﴿قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ﴾ صدق الله العظيم سورة المائدة أية 100  بقولك هذا أيها الحكيم شفيت علتي, وكأني بتعاليمك هذه أنيب اليوم ولم يسبقك من سبقت نصيحته نصيحتك, ولقد بعثك الله لهدايتي وهو خير الراشدين .

مواضع العبرة والعظة في هذه القصة

في قصة ( الفلاح والحكيم ), بيان للأسلوب الأمثل في الدعوة إلى الله تعالي, وهو الأسلوب الذي بينه القرآن المجيد في قوله تعالى : ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ .

( فالحكيم ), في هذه القصة رمز للدعاة الهداة رواد الدعوة الإسلامية الوسطية, الذين يأخذون بأيدي أبناء الأمة بعيدا عن البغاة والغلاة .

فلقد استطاع ( الحكيم ) .. بكل صبر وحكمة وحلم وأناة, أن يهدي ( الفلاح), الذي يرمز للمسلم الراغب في النجاة والذي يحتاج إلى حكيم يبين له آداب السلوك إلى ملك الملوك, ويكشف له معارج المقربين,  ويسقيه بعد ذلك من الطهور المدار على قلوب الأبرار وهذا ( الفلاح ) ..الذي يمثل المسلم الراغب في الوصول, كغريق يتخبط في ماء البحر, كما عبر عن نفسه, يطفو به الأمل, ويغوص به اليأس, يحتاج إلى من يمد له طوق النجاة لانتشاله من حيرته ...بدلا من لومه وتعنيفه .

إن الأمة الإسلامية اليوم في حاجة إلى أسلوب ( الحكيم ) ومنهجه في الدعوة, خاصة وأن الأمة باتت تعاني من أساليب البغاة والغلاة !! .

( البغاة ), الذين خرجوا على إجماع الأمة وشقوا عصا الطاعة, وصار همهم التكفير والتشريك والتحقير للمسلمين .

( والغلاة ), من المتمصوفة الذين تركوا التكاليف الشرعية, وزعموا الوصول للحقيقة بترك الشريعة .

ولا وصول إلا بمنهج (الحكيم) كما بينه الإمام المجدد أبوالعزائم في قصة (الفلاح والحكيم ) .
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير