عدد المشاهدات:
- تهذيب حب التملك عند الطفل
زين الله في نفوس البشر حب الملذات من مختلف الطيبات، فقال I مبيناً ذلك: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران:14]، فهذه الشهوات زينت في النفوس، ولا مجال لانتزاعها، وليس صحيحاً ما يقال بأن حب الامتلاك ليس غريزياً، بل هو مما تحدثه البيئة في نفس الفرد، فالآية واضحة في رد هذا الزعم، ولا يعني هذا إغفال دور البيئة في تقوية حب التملك وتنميته، أو تضعيفه وتخفيف حدته, ولكنها ليست الموجد الأصلي لهذا الميل والحب عند الإنسان.
وهذا الميل الفطري في نفس الإنسان يمكن أن يكون خطيراً إذا لم يحد بحدود، ويقيد بقيود, فلربما تمنى الإنسان ملك كل شيء، وانطلق في ذلك يبتلع من كل صوب حقاً وباطلاً دون ما عقل أو روية.
ولهذا المعنى يشير عليه الصلاة والسلام محذراً من الاسترسال وراء هذه الرغبة النفسية الجامحة, فيقول: ((لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً, ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب))، فهذا الاندفاع وراء إشباعه هذه الشهوة لن يتحقق فيشعر صاحبه بالغنى, حتى يصل إلى قبره فيمتلئ جوفه بالتراب. ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام واصفاً حقيقة الغنى: ((ليس الغنى عن كثرة العرض؛ ولكن الغنى غنى النفس)), وذلك لأن المندفع وراء حب التملك بدون عقل ولا روية, لن يشعر بالغنى والاكتفاء, بل يطلب المزيد بلا حدود فهو في حقيقة الأمر فقير مع كثرة ما يملك. أما من رضي بما قسمه الله له عاملاً وآخذاً بأسباب الرزق في غير تكلف وحرص,فإن قلبه يمتلئ بالغنى والاطمئنان لما كتب له وما رزق. أما الآخر فلن يشعر بذلك, ولو ملك كنوز الدنيا,لأن الشعور بالفقر قد تأصل في نفسه, وصعب تخلصه منه بعد ذلك, لهذا كان تأصيل الوالد لمفهوم الملكية وحدودها في نفس ولده منذ الطفولة أمراً في غاية الأهمية, فكما هو يعلمه ويدربه على الإنفاق, ويُكرِّه إليه البخل والشح بما عنده, كذلك يقنعه ويعرفه بحدود ملكيته, ويؤدبه على احترام ملكيات غيره.
فالولد الصغير في بداية نشأته، خاصة دون سن السادسة لا يميز بين ما هو له وما هو لغيره، فتراه يندفع يطلب كل ما ترغب فيه نفسه، فيأخذ لعبة هذا، ويطالب بثوب أحد إخوته زاعماً أنه ثوبه، وربما وجد قطعة نقدية على الأرض فأخذها ونسبها لنفسه، فلا يستطيع الولد بدون التوجيه والتربية الصحيحة أن يعرف كيف يضبط ميوله ورغباته الجامحة.
والأب يبدأ مع ولده في تأصيل مبدأ تحديد الملكيات من خلال تحديد ملكيات الولد أولاً؛ ليعرف ما له من أشياء، وما لغيره من ممتلكات فيحترمها ولا يتعدى عليها، فيُعرِّف الأب ولده ما يخصه من حاجيات كالملابس والألعاب وغيرهما من خصوصياته، ويحاول أن يفهمه أن هذا له يتصرف فيه كيف يشاء. ويفضل أن تكون تلك الممتلكات في حجرة خاصة به دون غيره، أو في خزانة تخصه وحده. وبهذه الخطوة يكون الأب قد حدد للولد وأفهمه حدود ملكياته الخاصة، ويكون الولد نفسه قد فهم ذلك، حيث قد وضعت أدواته وما يخصه في مكان يعرفه ويمكنه التصرف فيها كما يحب. فإن حدث أن تعدى أحد إخوته على ممتلكاته، وحاول أن يأخذ منها شيئاً، فبرز له الولد ومنعه فإنه بذلك يكون قد علم فعلاً حدود ممتلكاته وحاجاته الخاصة، وأنه ليس لأحد أن يأخذ منها إلا بإذنه وموافقته، فإن حاول هو نفسه أن يتعدى على خصوصيات أحد إخوته فمنع، فإن ذلك يكون بمثابة درس عملي يعرف به الولد حدود ممتلكاته، ويعلم أنه ليس له حق في ممتلكات غيره، كما أنه ليس لغيره حق في خصوصياته وما يملك، ويحاول الأب قدر المستطاع أن لا تكون ألعاب الأطفال مشاعة بينهم دون تحديد أصحابها، لئلا يفقد الطفل معرفة ما له وما ليس له.
ويمكن للوالد أن يشبع رغبة ولده في حب التملك بأن يعطيه بعض النقود، أو المصروف اليومي ويوجهه إلى أفضل السبل للإنفاق، ويتركه يشتري بعض ما يحب من ألعاب، أو حلوى، أو غير ذلك ليحس الولد بأن له ممتلكاته الخاصة، ولديه القدرة على التصرف فيها، فإذا رأى ممتلكات غيره من الأطفال لم يعبأ بها، ولم يكترث لها، وعلم أنها لا تخصه، وليس له فيها حق.
ولا بأس أن يعطى الولد فرصة للادخار، وجمع بعض المال، ولكن يفهم ويفرق له بين الادخار المحمود، والشح المذموم، ثم يسمح له باستغلال بعض ما جمع في شراء ممتلكات جديدة، فيشبع بذلك رغبته في حب التملك.
زين الله في نفوس البشر حب الملذات من مختلف الطيبات، فقال I مبيناً ذلك: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران:14]، فهذه الشهوات زينت في النفوس، ولا مجال لانتزاعها، وليس صحيحاً ما يقال بأن حب الامتلاك ليس غريزياً، بل هو مما تحدثه البيئة في نفس الفرد، فالآية واضحة في رد هذا الزعم، ولا يعني هذا إغفال دور البيئة في تقوية حب التملك وتنميته، أو تضعيفه وتخفيف حدته, ولكنها ليست الموجد الأصلي لهذا الميل والحب عند الإنسان.
وهذا الميل الفطري في نفس الإنسان يمكن أن يكون خطيراً إذا لم يحد بحدود، ويقيد بقيود, فلربما تمنى الإنسان ملك كل شيء، وانطلق في ذلك يبتلع من كل صوب حقاً وباطلاً دون ما عقل أو روية.
ولهذا المعنى يشير عليه الصلاة والسلام محذراً من الاسترسال وراء هذه الرغبة النفسية الجامحة, فيقول: ((لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً, ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب))، فهذا الاندفاع وراء إشباعه هذه الشهوة لن يتحقق فيشعر صاحبه بالغنى, حتى يصل إلى قبره فيمتلئ جوفه بالتراب. ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام واصفاً حقيقة الغنى: ((ليس الغنى عن كثرة العرض؛ ولكن الغنى غنى النفس)), وذلك لأن المندفع وراء حب التملك بدون عقل ولا روية, لن يشعر بالغنى والاكتفاء, بل يطلب المزيد بلا حدود فهو في حقيقة الأمر فقير مع كثرة ما يملك. أما من رضي بما قسمه الله له عاملاً وآخذاً بأسباب الرزق في غير تكلف وحرص,فإن قلبه يمتلئ بالغنى والاطمئنان لما كتب له وما رزق. أما الآخر فلن يشعر بذلك, ولو ملك كنوز الدنيا,لأن الشعور بالفقر قد تأصل في نفسه, وصعب تخلصه منه بعد ذلك, لهذا كان تأصيل الوالد لمفهوم الملكية وحدودها في نفس ولده منذ الطفولة أمراً في غاية الأهمية, فكما هو يعلمه ويدربه على الإنفاق, ويُكرِّه إليه البخل والشح بما عنده, كذلك يقنعه ويعرفه بحدود ملكيته, ويؤدبه على احترام ملكيات غيره.
فالولد الصغير في بداية نشأته، خاصة دون سن السادسة لا يميز بين ما هو له وما هو لغيره، فتراه يندفع يطلب كل ما ترغب فيه نفسه، فيأخذ لعبة هذا، ويطالب بثوب أحد إخوته زاعماً أنه ثوبه، وربما وجد قطعة نقدية على الأرض فأخذها ونسبها لنفسه، فلا يستطيع الولد بدون التوجيه والتربية الصحيحة أن يعرف كيف يضبط ميوله ورغباته الجامحة.
والأب يبدأ مع ولده في تأصيل مبدأ تحديد الملكيات من خلال تحديد ملكيات الولد أولاً؛ ليعرف ما له من أشياء، وما لغيره من ممتلكات فيحترمها ولا يتعدى عليها، فيُعرِّف الأب ولده ما يخصه من حاجيات كالملابس والألعاب وغيرهما من خصوصياته، ويحاول أن يفهمه أن هذا له يتصرف فيه كيف يشاء. ويفضل أن تكون تلك الممتلكات في حجرة خاصة به دون غيره، أو في خزانة تخصه وحده. وبهذه الخطوة يكون الأب قد حدد للولد وأفهمه حدود ملكياته الخاصة، ويكون الولد نفسه قد فهم ذلك، حيث قد وضعت أدواته وما يخصه في مكان يعرفه ويمكنه التصرف فيها كما يحب. فإن حدث أن تعدى أحد إخوته على ممتلكاته، وحاول أن يأخذ منها شيئاً، فبرز له الولد ومنعه فإنه بذلك يكون قد علم فعلاً حدود ممتلكاته وحاجاته الخاصة، وأنه ليس لأحد أن يأخذ منها إلا بإذنه وموافقته، فإن حاول هو نفسه أن يتعدى على خصوصيات أحد إخوته فمنع، فإن ذلك يكون بمثابة درس عملي يعرف به الولد حدود ممتلكاته، ويعلم أنه ليس له حق في ممتلكات غيره، كما أنه ليس لغيره حق في خصوصياته وما يملك، ويحاول الأب قدر المستطاع أن لا تكون ألعاب الأطفال مشاعة بينهم دون تحديد أصحابها، لئلا يفقد الطفل معرفة ما له وما ليس له.
ويمكن للوالد أن يشبع رغبة ولده في حب التملك بأن يعطيه بعض النقود، أو المصروف اليومي ويوجهه إلى أفضل السبل للإنفاق، ويتركه يشتري بعض ما يحب من ألعاب، أو حلوى، أو غير ذلك ليحس الولد بأن له ممتلكاته الخاصة، ولديه القدرة على التصرف فيها، فإذا رأى ممتلكات غيره من الأطفال لم يعبأ بها، ولم يكترث لها، وعلم أنها لا تخصه، وليس له فيها حق.
ولا بأس أن يعطى الولد فرصة للادخار، وجمع بعض المال، ولكن يفهم ويفرق له بين الادخار المحمود، والشح المذموم، ثم يسمح له باستغلال بعض ما جمع في شراء ممتلكات جديدة، فيشبع بذلك رغبته في حب التملك.