عدد المشاهدات:
السياسي والحكيم والغشيم
السياسة : تدبير المنزل والمدن والمملكة, مأخوذة من ساس يسوس سياسة أي أصلح إدارة المنزل أو المدينة أو المملكة, لجلب المنافع ودفع المضرات مع رعاية الرحمة العامة بالمجتمع الإنساني.
فإن خرجت السياسة عن أصلها كانت ظلماً وجوراً وكيداً ومثال السياسة الحقة ما فعله الصديق يوسف علية السلام مع أخوته, من أخذ أخيه منهم لينالوا الخير العام في المستقبل وعمل تلك التدابير لنيل الخير مع الإخلاص سياسة, وقد مدحه الله عليها فقال ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ سورة يوسف آية 76 وأما ما يسميه الناس الآن سياسة فهو كسياسة القط مع الفأر أعاذنا الله وإخواننا منها .
الحكمة: هي وضع الشيء في محله واستعمال كل شيء فيما وضع له مع رعاية الشريعة المطهرة .
الغشم, التسليم من غير روية ولا نظر .
الغشيم, بين أبنائه وحفدته وأقاربه في مزارعه ومصانعه وأسواق تجارته في هناء وصفاء.
السياسي, نظر إلى نفسه وأبنائه وأقاربه نظرة إعجاب, فكره أن يعملوا عملاً نافعاً لغيرهم وأحب أن يتسيطر بالقوة القاهرة على الغشيم ومن معه, وكان عند الغشيم رجل حكيم .
السياسي, جمع الجيش وهجم على الغشيم
الحكيم, رأى الغشيم خرج من غير تدبير ليقابل السياسي فمنعه وقال : دعهم يدخلون البلاد واجمع قومك وأعد العدة حتى إذا فرحوا بالنصرة وملكوا بعض القرى أمكنك أن تحصن قومك وبلادك, وترسم طريقة حكيمة تستأصل بها هذا الجيش الظالم .
الغشيم, سلم له وأقامه إماما.
الحكيم, أمر بإخلاء القرى أمام العدو.
السياسي, تيقن النصرة وأمن جانب الغشيم .
الحكيم, أنزل قومه في مكان محصن, ثم أمر بالسلاح فحمل وأقام أهل الرأي قواداً, وأمرهم بالصبر حتى يصدر أمره ورسم المناورة بروية, فأرسل قسما خلف جيش السياسي من طريق مجهول وأبقي قسما داخل البلد وجعل قسما جناحًا أيمن وقسمًا أيسر, ثم أرسل الطلائع وأمرهم بالهزيمة أمام الجيش.
السياسي, فرح جداً وأمر الجيش بالتقدم من غير روية, معتقداً أنه تمكن من عدوه, فأبعد في داخل البلاد معتقداً تحصيل ضروريات الجيش من البلاد فتفرق جيشه من السرعة والبطء فرحاً بالغنائم .
الحكيم, انتهز تلك الفرصة وأمر الجناحين والقسم الذي خلف العدو أن يلتقوا في نقطة كذا.
السياسي, لم يشعر إلا وقد أحاطت به الجنود فلم يجد له نجاة إلا بالهزيمة أمامه معتقداً عدم القوة الاحتياطية فهلك أكثر جيشه ولما أن وصل إلى داخل البلاد قابله الجيش الاحتياطي فأسر البقية وبعد ذلك اصطلحوا على شروط مخصوصة .
الغشيم, علم أن هذا الفوز بإتباع الحكيم فأمر قومه أن يحافظوا على أوامر الحكيم ليدوم لهم الملك والمجد.
السياسيرجع حزيناً واعتقد أن الغشيم مادام مقتديا بهذا الحكيم لا يمكن أن يتمكن منه فجمع قومه وطلب أن يكيدوا معه للغشيم كيدا يخرجونه عن إتباع الحكيم ليتمكنوا منه ويجعلوا الجميع عبيدا له, فحضر معه إبليس في صورة إنسان, وقال : الرأي عندي أن ترسلوا لهم ما يفسد عقولهم, ويضر صحتهم ويضيع أموالهم, وبذلك يخالفون الحكيم فنملكهم . فسألوه : ما هي تلك الأشياء ؟ وما الطريق في انتشارها بينهم ؟ فقال أما ما يزيل العقل فالخمر والحشيش والبنج .
وأما ما يفسد الصحة فالعاهرات خصوصاً المريضات بالزهري, وأما ما يضيع المال فانتشار الربا ولهذه الأشياء رابع لا بد منه وهو التفرقة بينهم .
السياسي, ( سأله ) من أنت ؟
إبليس : أنا العدو اللدود للغشيم .
السياسي: لم عاديته ؟
إبليس: إنه أطاع عدوي الحكيم, فأمره بالمخالفة بعد أن كانوا جميعاً عبيداً لي .
السياسي: كيف نتمكن من انتشار تلك المفاسد بينهم ؟
إبليس: ترسل أولاً تلك المفاسد إلى كبرائهم, فإذا تمكنوا من الكبراء قلدهم الأتباع, والأمير إذا فعل قبيحا لا ينكر عليه ولا يقدر أن يمنع من ارتكابه .
السياسي: أرسل تلك الأنواع المضرة في طريق الخفاء, فأرسل نساء عاهرات بآلات الطرب ومعهن الخمر إلى الحكام, فانتشرت تلك المضار بسرعة حتى تناسي الناس وصايا الحكيم.
السياسي, أرسل رجالاً من أهل الخبث يحملون تلك الأشياء في الأسواق لتباع علناً, بعد أن يقدم كل واحد منهم هدية لحاكم المدينة التي يحل فيها ويتردد عليه صباح مساء ليعلم أهل المدينة أنه محسوب الحاكم .
آثار الحكيم, كان في المدينة تلاميذ للحكيم, فصاحوا صيحة النصيحة, فأصغى إليهم أهل التسليم وقالوا : هذا يخالف وصايا الحكيم فيجب مصادرته ورد الحاملين له .
وفود السياسي, الحاملون للشرور – أسرع كل واحد منهم إلى الحاكم في مدينته وقالوا له : كيف يصفوا لك الملك وفي المدينة حزب ويسعى في سلب الملك ويعصب عليك قومك؟ فتدارك الأمر واقتلهم شر قتلة .
الغشيم, قبل منهم الكلام وعظم عليه الأمر فأرسل للحكام المشتركين معه في حب تلك المضار, أن يسجنوا من تظاهر ضد الرؤساء فقبضوا على تلاميذ الحكيم واعتقلوهم .
وفود السياسي, تمكنوا من القوم فأزالوا عقولهم, وأضروا أبدانهم وأضاعوا أموالهم وعقاراتهم حتى بلغ من جنونهم أنهم اعتقدوا أن السياسي ورجاله أرحم بهم من والديهم .
الغشيم وقومه, تفرقوا حتى صاروا يمدحون السياسي بما قام به لهم من المصالح والإصلاح ويذم بعضهم بعضا وهم في هاوية الذل لا يشعرون بمكايد السياسة .
السياسي, لم يرض بإفساد العقول ولا بضعف الأجسام ولا بتحصيل الأموال ولكنه سعى لمحو الدين والأخلاق فجمع العقلاء لهذا الغرض فجاء إبليس وجلس معه, فرجعوا إليه فأمرهم بأن يبذلوا المال للغشماء الجهلاء من أعدائهم ويخرجوهم من الدين ويجعلوهم آلة في ذم دينهم بين قومهم ومدح غيره ويظهروا أن الذي يخرج من الدين ينال المال الكثير والجاه ثم نشروا بين القوم زخارف الأباطيل وأكاذيب الأضاليل وأظهروا أنفسهم بأنهم رحماء بالحيوانات وبالمرضى ليسلبوا عقول البسطاء بغرورهم فتمكنوا من إضلال رجال من أهل دينهم ، فادعوا أنهم من دين الأمة وأنهم ارتدوا عنه, ونشروا المفاسد والأكاذيب فلم يرق ذلك عند الأمة, ولكنهم لما أصابهم من ضرر المفاسد المنتشرة بينهم لم يتمكنوا من دفع هذا الشر, لأن السياسي استولى على الأسلحة والأمتعة .
القوي القهار خالق السموات والأرض غضب على السياسي وقومه, لأنه لم يرضهم أن يقهروا عباده ويفسدوا بلاده بل قاموا فكذبوه وكذبوا رسوله ﴿ rوآله﴾ فغار لدينه غيرة منتقم قهار فأوقع نار الحرب الانتقامية بينهم, ونظر إلى عباده نظرة حنان وأيقظ قلوبهم إلى وصايا الحكيم .
الغشيم, تذكر مجده وملكه وبحث بروية كيف نال هذا الملك وبأي شيء سلب منه ؟ ! فتحقق أنه ما قهر السياسي قومه وتسلط عليه إلا بإهمال المحافظة على وصايا الحكيم ومازال مجده وملكه وسلطانه إلا بترك وصايا الحكيم فأطلق تلاميذ الحكيم من السجون وجلس بين أيديهم ذليلاً يبكي ويتوب إلى الله, وطلب منهم أن يغيروا كل ما خالف وصايا الحكيم وأن يعيدوا الأمر إلى الماضي الذي وضعه الحكيم فعرضوا كل شيء في المملكة على القرآن والسنة, ومحوا أنواع الشرور كلها وقامت الأمة من نومة الغفلة ورقدة الجهالة .
السياسي, جمع عقلاء جميع مملكته ليتدارك الأمر فجاء إبليس فقالوا : ماذا ترى ؟ فقال لا رأي لي أعداؤكم رجعوا إلى القوي القهار الحكم العدل الذي يهب الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء ولطم على وجهه ونتف لحيته وفر يدعوا بالويل و الثبور .
تلاميذ الحكيم انتشروا بين قومهم فقام في كل بلد حكيم أو صورة للحكيم وكأن لسان حال الأمة ينادي
وصار كل فرد منهم هو المعني بقول الشاعر
وصار كل فرد منهم حكيماً, لأنه اتبع الحكيم الأكبر ﴿صلى الله عليه وسلم, فاستخلفهم الله في الأرض, ومكن لهم ينهم الذي ارتضى لهم, فساسوا العالم أجمع بالعدل والرحمة, ومحا الله الظلم وأهله, والعاقبة للمتقين .
مواضع العبرة والعظة في هذه القصة
في قصة ( السياسي والحكيم والغشيم ) يشخص الإمام المجدد أبو العزائم uأزمة الأمة الإسلامية تشخيصًا شاملاً ودقيقًا وكاملاً .
فالسياسي, في هذه القصة رمز لأعداء الإسلام من الأوربيين والأمريكان وغيرهم, الذين يستطيعون بدهائهم ومكرهم وخداعهم إفساد أحوال المسلمين من حكام وعلماء وشعوب .. ويقيمون أنظمة ديكتاتورية متسلطة عن طريق انقلابات عسكرية لمنع الحرية عن المجتمعات الإسلامية لأنهم يعلمون أن المسلمين إذا أعطوا الحرية الحقة عادت لهم حضارتهم ودولتهم وقوتهم ... وهم يفسدون حكام السوء في البلاد الإسلامية وكذلك الشعوب عن طريق الخمور والمخدرات وأماكن اللهو والعهارة وإفساد التعليم ونظمه ونشر البنوك الربوية والسياحة والعري وإقامة أحزاب سياسية هلامية تتناحر فيما بينهما على مصالحها الشخصية وتتنكر لمصلحة الأمة .... وهذه وسائل برع فيها الإنجليزي قديما .. والأمريكان حديثاً, يدعمهم في ذلك اليهود من وراء حجاب .
وأما الحكيم, فهو رمز للعالم الرباني والعارف الروحاني والوارث المحمدي الذي يجدد للأمة أمر دينها والذي يحزنه حال الأمة المتردي بسبب حماقة الحاكم ( الغشيم ) وتسليمه لأعداء الأمة فيقف موقف الناصح للحاكم ( الغشيم ) ويحذره من دسائس أعداء الأمة ومكائدهم وشعاراتهم وصلحهم ووعودهم الكاذبة .
أما الغشيم، فهو رمز ( لحكام السوء ) الذين يسلمون للأعداء عن غير فكر ولا روية ولا وعي وتدعوهم حماقتهم وجهالتهم إلى معاداة المصلحين ، ومعاداة العلماء العاملين وينخدعون بأقوال أعداء الأمة ، ويصدقون وعودهم الكاذبة ، وسلامهم الخادع وحديثهم الماكر عن حقوق الإنسان ، والشرعية الدولية ، والنظام العالمي .. وكل هم الحاكم ( الغشيم ) هو الحفاظ على كرسي الحكم ولو بموالاة الأعداء ومعاداة الحكماء !!
وكأني بالإمام المجدد أبي العزائم يختصر التاريخ السياسي للأمة الإسلامية ويكشف أمراض الأمة في أمسها ويومها باقتدار واختصار ! !
وما زالت أمة الإسلام تعاني حتى الآن من السياسي الغربي ( الأمريكي والإنجليز ... الخ ) وتعاني من ( الغشيم ) أي حكام السوء المتصدرين للسلطة ، ولا علاج لهذه الأمة إلا بالتلقي من الحكيم إن أرادت عودة مجدها ودوام عزها .
السياسة : تدبير المنزل والمدن والمملكة, مأخوذة من ساس يسوس سياسة أي أصلح إدارة المنزل أو المدينة أو المملكة, لجلب المنافع ودفع المضرات مع رعاية الرحمة العامة بالمجتمع الإنساني.
فإن خرجت السياسة عن أصلها كانت ظلماً وجوراً وكيداً ومثال السياسة الحقة ما فعله الصديق يوسف علية السلام مع أخوته, من أخذ أخيه منهم لينالوا الخير العام في المستقبل وعمل تلك التدابير لنيل الخير مع الإخلاص سياسة, وقد مدحه الله عليها فقال ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ سورة يوسف آية 76 وأما ما يسميه الناس الآن سياسة فهو كسياسة القط مع الفأر أعاذنا الله وإخواننا منها .
الحكمة: هي وضع الشيء في محله واستعمال كل شيء فيما وضع له مع رعاية الشريعة المطهرة .
الغشم, التسليم من غير روية ولا نظر .
الغشيم, بين أبنائه وحفدته وأقاربه في مزارعه ومصانعه وأسواق تجارته في هناء وصفاء.
السياسي, نظر إلى نفسه وأبنائه وأقاربه نظرة إعجاب, فكره أن يعملوا عملاً نافعاً لغيرهم وأحب أن يتسيطر بالقوة القاهرة على الغشيم ومن معه, وكان عند الغشيم رجل حكيم .
السياسي, جمع الجيش وهجم على الغشيم
الحكيم, رأى الغشيم خرج من غير تدبير ليقابل السياسي فمنعه وقال : دعهم يدخلون البلاد واجمع قومك وأعد العدة حتى إذا فرحوا بالنصرة وملكوا بعض القرى أمكنك أن تحصن قومك وبلادك, وترسم طريقة حكيمة تستأصل بها هذا الجيش الظالم .
الغشيم, سلم له وأقامه إماما.
الحكيم, أمر بإخلاء القرى أمام العدو.
السياسي, تيقن النصرة وأمن جانب الغشيم .
الحكيم, أنزل قومه في مكان محصن, ثم أمر بالسلاح فحمل وأقام أهل الرأي قواداً, وأمرهم بالصبر حتى يصدر أمره ورسم المناورة بروية, فأرسل قسما خلف جيش السياسي من طريق مجهول وأبقي قسما داخل البلد وجعل قسما جناحًا أيمن وقسمًا أيسر, ثم أرسل الطلائع وأمرهم بالهزيمة أمام الجيش.
السياسي, فرح جداً وأمر الجيش بالتقدم من غير روية, معتقداً أنه تمكن من عدوه, فأبعد في داخل البلاد معتقداً تحصيل ضروريات الجيش من البلاد فتفرق جيشه من السرعة والبطء فرحاً بالغنائم .
الحكيم, انتهز تلك الفرصة وأمر الجناحين والقسم الذي خلف العدو أن يلتقوا في نقطة كذا.
السياسي, لم يشعر إلا وقد أحاطت به الجنود فلم يجد له نجاة إلا بالهزيمة أمامه معتقداً عدم القوة الاحتياطية فهلك أكثر جيشه ولما أن وصل إلى داخل البلاد قابله الجيش الاحتياطي فأسر البقية وبعد ذلك اصطلحوا على شروط مخصوصة .
الغشيم, علم أن هذا الفوز بإتباع الحكيم فأمر قومه أن يحافظوا على أوامر الحكيم ليدوم لهم الملك والمجد.
السياسيرجع حزيناً واعتقد أن الغشيم مادام مقتديا بهذا الحكيم لا يمكن أن يتمكن منه فجمع قومه وطلب أن يكيدوا معه للغشيم كيدا يخرجونه عن إتباع الحكيم ليتمكنوا منه ويجعلوا الجميع عبيدا له, فحضر معه إبليس في صورة إنسان, وقال : الرأي عندي أن ترسلوا لهم ما يفسد عقولهم, ويضر صحتهم ويضيع أموالهم, وبذلك يخالفون الحكيم فنملكهم . فسألوه : ما هي تلك الأشياء ؟ وما الطريق في انتشارها بينهم ؟ فقال أما ما يزيل العقل فالخمر والحشيش والبنج .
وأما ما يفسد الصحة فالعاهرات خصوصاً المريضات بالزهري, وأما ما يضيع المال فانتشار الربا ولهذه الأشياء رابع لا بد منه وهو التفرقة بينهم .
السياسي, ( سأله ) من أنت ؟
إبليس : أنا العدو اللدود للغشيم .
السياسي: لم عاديته ؟
إبليس: إنه أطاع عدوي الحكيم, فأمره بالمخالفة بعد أن كانوا جميعاً عبيداً لي .
السياسي: كيف نتمكن من انتشار تلك المفاسد بينهم ؟
إبليس: ترسل أولاً تلك المفاسد إلى كبرائهم, فإذا تمكنوا من الكبراء قلدهم الأتباع, والأمير إذا فعل قبيحا لا ينكر عليه ولا يقدر أن يمنع من ارتكابه .
السياسي: أرسل تلك الأنواع المضرة في طريق الخفاء, فأرسل نساء عاهرات بآلات الطرب ومعهن الخمر إلى الحكام, فانتشرت تلك المضار بسرعة حتى تناسي الناس وصايا الحكيم.
السياسي, أرسل رجالاً من أهل الخبث يحملون تلك الأشياء في الأسواق لتباع علناً, بعد أن يقدم كل واحد منهم هدية لحاكم المدينة التي يحل فيها ويتردد عليه صباح مساء ليعلم أهل المدينة أنه محسوب الحاكم .
آثار الحكيم, كان في المدينة تلاميذ للحكيم, فصاحوا صيحة النصيحة, فأصغى إليهم أهل التسليم وقالوا : هذا يخالف وصايا الحكيم فيجب مصادرته ورد الحاملين له .
وفود السياسي, الحاملون للشرور – أسرع كل واحد منهم إلى الحاكم في مدينته وقالوا له : كيف يصفوا لك الملك وفي المدينة حزب ويسعى في سلب الملك ويعصب عليك قومك؟ فتدارك الأمر واقتلهم شر قتلة .
الغشيم, قبل منهم الكلام وعظم عليه الأمر فأرسل للحكام المشتركين معه في حب تلك المضار, أن يسجنوا من تظاهر ضد الرؤساء فقبضوا على تلاميذ الحكيم واعتقلوهم .
وفود السياسي, تمكنوا من القوم فأزالوا عقولهم, وأضروا أبدانهم وأضاعوا أموالهم وعقاراتهم حتى بلغ من جنونهم أنهم اعتقدوا أن السياسي ورجاله أرحم بهم من والديهم .
الغشيم وقومه, تفرقوا حتى صاروا يمدحون السياسي بما قام به لهم من المصالح والإصلاح ويذم بعضهم بعضا وهم في هاوية الذل لا يشعرون بمكايد السياسة .
السياسي, لم يرض بإفساد العقول ولا بضعف الأجسام ولا بتحصيل الأموال ولكنه سعى لمحو الدين والأخلاق فجمع العقلاء لهذا الغرض فجاء إبليس وجلس معه, فرجعوا إليه فأمرهم بأن يبذلوا المال للغشماء الجهلاء من أعدائهم ويخرجوهم من الدين ويجعلوهم آلة في ذم دينهم بين قومهم ومدح غيره ويظهروا أن الذي يخرج من الدين ينال المال الكثير والجاه ثم نشروا بين القوم زخارف الأباطيل وأكاذيب الأضاليل وأظهروا أنفسهم بأنهم رحماء بالحيوانات وبالمرضى ليسلبوا عقول البسطاء بغرورهم فتمكنوا من إضلال رجال من أهل دينهم ، فادعوا أنهم من دين الأمة وأنهم ارتدوا عنه, ونشروا المفاسد والأكاذيب فلم يرق ذلك عند الأمة, ولكنهم لما أصابهم من ضرر المفاسد المنتشرة بينهم لم يتمكنوا من دفع هذا الشر, لأن السياسي استولى على الأسلحة والأمتعة .
القوي القهار خالق السموات والأرض غضب على السياسي وقومه, لأنه لم يرضهم أن يقهروا عباده ويفسدوا بلاده بل قاموا فكذبوه وكذبوا رسوله ﴿ rوآله﴾ فغار لدينه غيرة منتقم قهار فأوقع نار الحرب الانتقامية بينهم, ونظر إلى عباده نظرة حنان وأيقظ قلوبهم إلى وصايا الحكيم .
الغشيم, تذكر مجده وملكه وبحث بروية كيف نال هذا الملك وبأي شيء سلب منه ؟ ! فتحقق أنه ما قهر السياسي قومه وتسلط عليه إلا بإهمال المحافظة على وصايا الحكيم ومازال مجده وملكه وسلطانه إلا بترك وصايا الحكيم فأطلق تلاميذ الحكيم من السجون وجلس بين أيديهم ذليلاً يبكي ويتوب إلى الله, وطلب منهم أن يغيروا كل ما خالف وصايا الحكيم وأن يعيدوا الأمر إلى الماضي الذي وضعه الحكيم فعرضوا كل شيء في المملكة على القرآن والسنة, ومحوا أنواع الشرور كلها وقامت الأمة من نومة الغفلة ورقدة الجهالة .
السياسي, جمع عقلاء جميع مملكته ليتدارك الأمر فجاء إبليس فقالوا : ماذا ترى ؟ فقال لا رأي لي أعداؤكم رجعوا إلى القوي القهار الحكم العدل الذي يهب الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء ولطم على وجهه ونتف لحيته وفر يدعوا بالويل و الثبور .
تلاميذ الحكيم انتشروا بين قومهم فقام في كل بلد حكيم أو صورة للحكيم وكأن لسان حال الأمة ينادي
إِنَّا لَنَرْخُصُ يَوْمَ الرَّوْعِ أَنْفُسَنَا
إِنْ تَبْتَدِرْ غَايَةً يَوْمًا لِمَكْرُمَةٍ
وَإِنْ نُسَامُ بِهَا فَي الأَمْنِ أَغْلِينَا
تَلْقَ السَّوَابِقَ مِنَّا وَالْمُصَلِّينَا
وصار كل فرد منهم هو المعني بقول الشاعر
وَيَارَبِّ يَوْمَ ذَوْبِ لْغَشِّ نَارَهُ
وَقَفْتُ وَمَا فِي الْمَوْتِ شَكٌ لِوَاقِفٍ
تَمُرُّ بِكَ الأَبْطَالُ كَلْمَى هَزِيمَةً
فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ صَارِمٌ أَوْ ضَارِمُ
كَأَنَّكَ فِي جَفْنِ الرَّدَى وَهُمْ نَائِمُ
وَوَجْهُكَ وَضَّاحٌ وَثَغْرُكَ بَاسِمُ
وصار كل فرد منهم حكيماً, لأنه اتبع الحكيم الأكبر ﴿صلى الله عليه وسلم, فاستخلفهم الله في الأرض, ومكن لهم ينهم الذي ارتضى لهم, فساسوا العالم أجمع بالعدل والرحمة, ومحا الله الظلم وأهله, والعاقبة للمتقين .
مواضع العبرة والعظة في هذه القصة
في قصة ( السياسي والحكيم والغشيم ) يشخص الإمام المجدد أبو العزائم uأزمة الأمة الإسلامية تشخيصًا شاملاً ودقيقًا وكاملاً .
فالسياسي, في هذه القصة رمز لأعداء الإسلام من الأوربيين والأمريكان وغيرهم, الذين يستطيعون بدهائهم ومكرهم وخداعهم إفساد أحوال المسلمين من حكام وعلماء وشعوب .. ويقيمون أنظمة ديكتاتورية متسلطة عن طريق انقلابات عسكرية لمنع الحرية عن المجتمعات الإسلامية لأنهم يعلمون أن المسلمين إذا أعطوا الحرية الحقة عادت لهم حضارتهم ودولتهم وقوتهم ... وهم يفسدون حكام السوء في البلاد الإسلامية وكذلك الشعوب عن طريق الخمور والمخدرات وأماكن اللهو والعهارة وإفساد التعليم ونظمه ونشر البنوك الربوية والسياحة والعري وإقامة أحزاب سياسية هلامية تتناحر فيما بينهما على مصالحها الشخصية وتتنكر لمصلحة الأمة .... وهذه وسائل برع فيها الإنجليزي قديما .. والأمريكان حديثاً, يدعمهم في ذلك اليهود من وراء حجاب .
وأما الحكيم, فهو رمز للعالم الرباني والعارف الروحاني والوارث المحمدي الذي يجدد للأمة أمر دينها والذي يحزنه حال الأمة المتردي بسبب حماقة الحاكم ( الغشيم ) وتسليمه لأعداء الأمة فيقف موقف الناصح للحاكم ( الغشيم ) ويحذره من دسائس أعداء الأمة ومكائدهم وشعاراتهم وصلحهم ووعودهم الكاذبة .
أما الغشيم، فهو رمز ( لحكام السوء ) الذين يسلمون للأعداء عن غير فكر ولا روية ولا وعي وتدعوهم حماقتهم وجهالتهم إلى معاداة المصلحين ، ومعاداة العلماء العاملين وينخدعون بأقوال أعداء الأمة ، ويصدقون وعودهم الكاذبة ، وسلامهم الخادع وحديثهم الماكر عن حقوق الإنسان ، والشرعية الدولية ، والنظام العالمي .. وكل هم الحاكم ( الغشيم ) هو الحفاظ على كرسي الحكم ولو بموالاة الأعداء ومعاداة الحكماء !!
وكأني بالإمام المجدد أبي العزائم يختصر التاريخ السياسي للأمة الإسلامية ويكشف أمراض الأمة في أمسها ويومها باقتدار واختصار ! !
وما زالت أمة الإسلام تعاني حتى الآن من السياسي الغربي ( الأمريكي والإنجليز ... الخ ) وتعاني من ( الغشيم ) أي حكام السوء المتصدرين للسلطة ، ولا علاج لهذه الأمة إلا بالتلقي من الحكيم إن أرادت عودة مجدها ودوام عزها .