عدد المشاهدات:
تعريف العلم:
العلم: هو تصور النفس رسوم المعلوم في ذاتها، بعد صفاء جوهرها بالتهذيب والتصديق والتسليم. ومن البديهي الجلي، أن العلوم كلها شريفة سواء كانت نظرية أو عملية، وفيها عز وشرف في الدنيا والآخرة. وأشرفها وأجلها وأنفعها ما به نيل السعادتين وخير النشأتين، وهو علم معرفة الإنسان نفسه وحقيقة جوهره وما تتصرف به الأمور حالا بعد حال، إلى أن يبلغ إلى قصارى غايته التي هي متمناه، وهي أن يلقى ربه في الدنيا بعين اليقين قبل الموت القهري بالموت الإرادي، الذي هو كمال تزكية النفس وعلم حقيقة التوحيد، وأما في الآخرة بعد فراق الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: » من عرف نفسه عرف ربه « وقال عليه الصلاة والسلام: » إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا « وقال الله تعالى: ) هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ((1) وقال سبحانه: ) وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ((2) وقال سبحانه: ) أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ((3).
أهمية العلم
وأعلم أيها السالك المسترشد أن هذا الباب من العلم، هو طهور ذوي الألباب، ومعراج الوصول، وعنصر الحكمة، ونور المعرفة، فجاهد نفسك واجتهد في طلبه من العارفين به، فإنك به تنال شرف الدنيا وسعادة الآخرة. وقد بين القرآن الكريم والسنة المطهرة شرف هذا العلم، وقد شرحت جملا منه في كتاب: ( شراب الأرواح ) خصوصا في تهذيب النفوس، وبيان كيفية ما يتصرف به الإنسان من الأمور حالا بعد
حال، وما يصير إليه الإنسان بعد مفارقة الدنيا إلى يوم البعث مما ورد في الكتاب العزيز وفي السنة .
واعلم أيها السالك أن أشرف الأمور التي ينالها الإنسان في الدنيا، وأعلى مرتبة يبلغ إليها بجسمه قبل الموت، هي سرير الملك والعز والسلطان على أجساد أبناء جنسه، والقهر والغلبة بالقوة الغضبية، وهذا– لا شك– يفنى ويزول، ويكون له الحسنى إن أحسن، والمغفرة أو العذاب إن أساء .
ولكن الإنسان قد يبلغ بنفسه من المراتب العلية والدرجات الرفيعة أن يخصه الله تعالى ويصطفيه بالفضل المحض وسابقة الحسنى، بأن يجعله رسولا منه إلى عباده يفضله بالوحي، وهو فضل عظيم من الله تعالى لا تبلغه النفوس بمجاهدة ولا تناله برياضة ) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ((1) هذا هو الشرف الحقيقي والمجد الحقيقي والعز الحقيقي والسعادة الحقيقية، وقد تبلغ النفس بكمال تزكيتها وصفاء جوهرها إلى كمال التصديق بالرسول صلى الله عليه وسلم وبما جاء به والاقتداء بهديه فتبلغ السعادتين، وتكون من الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء، هذا كله لأن الإنسان إنما هو جملة مجموعة من جسد جسماني في أحسن الصور، ومن نفس روحانية من أفضل النفوس، ولكل من جسمه وروحه غاية إليها ينتهي، ونهاية إليها يرتقي، ولا يتسنى للإنسان أن يرتقي إلى معارج القرب، ويحظى بمشاهدة الرب سبحانه وبفهم أسراره وبكشف آياته، إلا بالعلم الذي به يعرف نفسه كما قررت لك، والله ولي التوفيق .
علم الوصال وعلم الأعمال:
العلم إدراك المعلوم على ما هو عليه، أو بوجه ما، وهو علم إدراك الكونيات من خواص الأشياء مفردة ومركبة واستخدام تلك الخواص فيما خلقت له الأشياء، ويلزمه العلم بمقدمات العلوم العقلية .
ومن العلم علم هو الفهم، وهو علم الأحكام الشرعية والعرفية من عبادات ومعاملات وأخلاق وعادات، ومن العلم علم هو إدراك عجز المتعلم عن إدراك المعلوم، بعد اليقين بعلم آياته وآثاره القائمة مقام الحجة القاطعة على كمالاته العلية وهو العلم بالله .
1- العلم الذي هو للوصال:
إذا تقرر هذا فالعلم الذي هو للوصال العلم بالله من طرقه الموصلة، وطرقه الموصلة أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلام الله تعالى بتسليم وانقياد، ثم العمل بما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم مع الإخلاص الكامل، ثم الاقتداء بعالم عامل متمكن من علوم التوحيد واليقين وأسرار السنة وعلم السير وأعمال الأئمة، ويكون الاقتداء بأكمل وجوهه وأتم شروطه حتى لا يخرج عن أوامره ولا يتحول عن إرشاده ولا يخالف إشاراته، ويكون له كالطفل الصغير مع والده، يطيعه فيما يعلم سره وما لا يعلم سره إطاعة عن اطمئنان قل وإخلاص ضمير وسلامة نية .
فإذا توفرت تلك الأساسات الثلاثة التي هي سماع الأخبار والعمل والاقتداء بالإمام المرشد، وأشرقت عليه أنوار العلم بالله، فيعلم ما لم يكن يعلم ) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ((1) ويرفعه الله درجات في المشاهدات، ويكاشفه أسرار الغيوب الملكوتية، حتى يترقى إلى مقامات العزة ومنازلات الجبروت، فتجلى له حقائق صادقة، وتلوح له أنوار قدسية بها يعلم العلم الذي لا جهل بعده ولا جهل فيه، علم العجز عن الإدراك وهو الإدراك، وهذا هو العلم الموصل، وطرقه المتقدمة بيان أساساتها وشرح مقدماتها يحتاج إلى أسفار، وإن شاء الله تعالى سأكتب رسالة تبين مجمل هذا .
2- العلم الذي هو للأعمال :
أما العلم الذي هو للعمل فهو علم الأحكام الشرعية والعلم بالعلوم الضرورية للعمران، ويعبر عنه بالحكمة العملية التي لابد فيها من العمل، ومنه علم الأخلاق وتزكية النفوس، وعلم المعاملات، ومعرفة الآداب العرفية والعوائد، فمن تعلم العلم الخاص بالعمل ولم يعمل فليس بعالم، ولكنه كالشمعة يضيء لغيره ويحرق نفسه، ومن لم يتعلم العلم الموصل قبل كل شيء، فإيمانه ناقص وإن صلى وصام وزكى وحج .
فعلى المريد أن يبدأ بما أوجبه الله تعالى أولا، وهو العلم بالله والتمكن من معرفة الواجب له سبحانه، والمستحيل عليه سبحانه، ويجتهد في تلقي علوم اليقين وأسرار التوحيد ومواجيد أهل الحب وأحوال أهل القرب لينال الفوز، ثم يتعلم الأحكام بعد معرفة الحاكم سبحانه ليعمل بخشية ومراقبة لجلالة ورهبة من عظمته ورغبة في جماله،
وبذلك يكون عبدا مسلما مؤمنا محسنا موقنا، والله سبحانه يمنحنا حقيقة الإيمان بجاه المصطفى صلى الله عليه وسلم .
الوصول :
الوصول وجدان باعث الوله إلى التخلق بأخلاق الربوبية، بعظيم المجاهدة في التخلي عن الفطر والأخلاق الحيوانية والإبليسية، مع اللذة بالآلام والطرب عند فوات ما يلائم تلك القوى – مما حرصت على نيله – وبذله عند نواله فرحا بمفارقته مسرورا بما استعاضة عنه، حتى تنمو المشابهة، وتتم الفطرة على ألفة ما ينافره، والرغبة فيما يؤلمه، مع وجدان الباعث على طلبه، والداعي له من توفر الشهوة، ووجود القدرة على تنجيز ما يلائم ولو كان ضروريا، فيكون مع الرغبة فيه راغبا عنه، ومع الاحتياج إليه غنيا عنه، وبهذا يكون قائما بمعاني القرآن بالمشابهة، محفوظا بالمجاهدة، وهو وصول السالكين، فيكون جهادهم التحفظ بسور الحفظ عن تعدي حدود المكانة لا حدود الأحكام، لأنهم محفوظون من تعدي حدود الأحكام بنص قوله تعالى: ) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ((1)، وهو بداية للمقربين الذين كوشفوا بتلك المعاني في أنفسهم وفي السموات والأرض، أشرقت أنوار لطائف سريرتهم على الجوارح العاملة فسلبت ظلال الوهم، وأفياء الهوى والحظ، فجهادهم عن مشاهدة التوحيد بالتوحيد، فهم بعيون السريرة غرقوا في عين الوحدة، وبأبصارهم شهدوا سر الحكمة، وبينهما برزخ لا يبغيان، فلا عباب مشاهد التوحيد يبغي على برزخ الحكمة فيفنى حقيقة العبودة، ولا مكفوف موج الحكمة يبغي على مسجور القدرة فيحجب أنوار التحقيق، وهو الجهاد الأكبر، لأنه في ذات الله تعالى، وإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
العلم: هو تصور النفس رسوم المعلوم في ذاتها، بعد صفاء جوهرها بالتهذيب والتصديق والتسليم. ومن البديهي الجلي، أن العلوم كلها شريفة سواء كانت نظرية أو عملية، وفيها عز وشرف في الدنيا والآخرة. وأشرفها وأجلها وأنفعها ما به نيل السعادتين وخير النشأتين، وهو علم معرفة الإنسان نفسه وحقيقة جوهره وما تتصرف به الأمور حالا بعد حال، إلى أن يبلغ إلى قصارى غايته التي هي متمناه، وهي أن يلقى ربه في الدنيا بعين اليقين قبل الموت القهري بالموت الإرادي، الذي هو كمال تزكية النفس وعلم حقيقة التوحيد، وأما في الآخرة بعد فراق الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: » من عرف نفسه عرف ربه « وقال عليه الصلاة والسلام: » إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا « وقال الله تعالى: ) هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ((1) وقال سبحانه: ) وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ((2) وقال سبحانه: ) أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ((3).
أهمية العلم
وأعلم أيها السالك المسترشد أن هذا الباب من العلم، هو طهور ذوي الألباب، ومعراج الوصول، وعنصر الحكمة، ونور المعرفة، فجاهد نفسك واجتهد في طلبه من العارفين به، فإنك به تنال شرف الدنيا وسعادة الآخرة. وقد بين القرآن الكريم والسنة المطهرة شرف هذا العلم، وقد شرحت جملا منه في كتاب: ( شراب الأرواح ) خصوصا في تهذيب النفوس، وبيان كيفية ما يتصرف به الإنسان من الأمور حالا بعد
حال، وما يصير إليه الإنسان بعد مفارقة الدنيا إلى يوم البعث مما ورد في الكتاب العزيز وفي السنة .
واعلم أيها السالك أن أشرف الأمور التي ينالها الإنسان في الدنيا، وأعلى مرتبة يبلغ إليها بجسمه قبل الموت، هي سرير الملك والعز والسلطان على أجساد أبناء جنسه، والقهر والغلبة بالقوة الغضبية، وهذا– لا شك– يفنى ويزول، ويكون له الحسنى إن أحسن، والمغفرة أو العذاب إن أساء .
ولكن الإنسان قد يبلغ بنفسه من المراتب العلية والدرجات الرفيعة أن يخصه الله تعالى ويصطفيه بالفضل المحض وسابقة الحسنى، بأن يجعله رسولا منه إلى عباده يفضله بالوحي، وهو فضل عظيم من الله تعالى لا تبلغه النفوس بمجاهدة ولا تناله برياضة ) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ((1) هذا هو الشرف الحقيقي والمجد الحقيقي والعز الحقيقي والسعادة الحقيقية، وقد تبلغ النفس بكمال تزكيتها وصفاء جوهرها إلى كمال التصديق بالرسول صلى الله عليه وسلم وبما جاء به والاقتداء بهديه فتبلغ السعادتين، وتكون من الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء، هذا كله لأن الإنسان إنما هو جملة مجموعة من جسد جسماني في أحسن الصور، ومن نفس روحانية من أفضل النفوس، ولكل من جسمه وروحه غاية إليها ينتهي، ونهاية إليها يرتقي، ولا يتسنى للإنسان أن يرتقي إلى معارج القرب، ويحظى بمشاهدة الرب سبحانه وبفهم أسراره وبكشف آياته، إلا بالعلم الذي به يعرف نفسه كما قررت لك، والله ولي التوفيق .
علم الوصال وعلم الأعمال:
العلم إدراك المعلوم على ما هو عليه، أو بوجه ما، وهو علم إدراك الكونيات من خواص الأشياء مفردة ومركبة واستخدام تلك الخواص فيما خلقت له الأشياء، ويلزمه العلم بمقدمات العلوم العقلية .
ومن العلم علم هو الفهم، وهو علم الأحكام الشرعية والعرفية من عبادات ومعاملات وأخلاق وعادات، ومن العلم علم هو إدراك عجز المتعلم عن إدراك المعلوم، بعد اليقين بعلم آياته وآثاره القائمة مقام الحجة القاطعة على كمالاته العلية وهو العلم بالله .
1- العلم الذي هو للوصال:
إذا تقرر هذا فالعلم الذي هو للوصال العلم بالله من طرقه الموصلة، وطرقه الموصلة أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلام الله تعالى بتسليم وانقياد، ثم العمل بما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم مع الإخلاص الكامل، ثم الاقتداء بعالم عامل متمكن من علوم التوحيد واليقين وأسرار السنة وعلم السير وأعمال الأئمة، ويكون الاقتداء بأكمل وجوهه وأتم شروطه حتى لا يخرج عن أوامره ولا يتحول عن إرشاده ولا يخالف إشاراته، ويكون له كالطفل الصغير مع والده، يطيعه فيما يعلم سره وما لا يعلم سره إطاعة عن اطمئنان قل وإخلاص ضمير وسلامة نية .
فإذا توفرت تلك الأساسات الثلاثة التي هي سماع الأخبار والعمل والاقتداء بالإمام المرشد، وأشرقت عليه أنوار العلم بالله، فيعلم ما لم يكن يعلم ) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ((1) ويرفعه الله درجات في المشاهدات، ويكاشفه أسرار الغيوب الملكوتية، حتى يترقى إلى مقامات العزة ومنازلات الجبروت، فتجلى له حقائق صادقة، وتلوح له أنوار قدسية بها يعلم العلم الذي لا جهل بعده ولا جهل فيه، علم العجز عن الإدراك وهو الإدراك، وهذا هو العلم الموصل، وطرقه المتقدمة بيان أساساتها وشرح مقدماتها يحتاج إلى أسفار، وإن شاء الله تعالى سأكتب رسالة تبين مجمل هذا .
2- العلم الذي هو للأعمال :
أما العلم الذي هو للعمل فهو علم الأحكام الشرعية والعلم بالعلوم الضرورية للعمران، ويعبر عنه بالحكمة العملية التي لابد فيها من العمل، ومنه علم الأخلاق وتزكية النفوس، وعلم المعاملات، ومعرفة الآداب العرفية والعوائد، فمن تعلم العلم الخاص بالعمل ولم يعمل فليس بعالم، ولكنه كالشمعة يضيء لغيره ويحرق نفسه، ومن لم يتعلم العلم الموصل قبل كل شيء، فإيمانه ناقص وإن صلى وصام وزكى وحج .
فعلى المريد أن يبدأ بما أوجبه الله تعالى أولا، وهو العلم بالله والتمكن من معرفة الواجب له سبحانه، والمستحيل عليه سبحانه، ويجتهد في تلقي علوم اليقين وأسرار التوحيد ومواجيد أهل الحب وأحوال أهل القرب لينال الفوز، ثم يتعلم الأحكام بعد معرفة الحاكم سبحانه ليعمل بخشية ومراقبة لجلالة ورهبة من عظمته ورغبة في جماله،
وبذلك يكون عبدا مسلما مؤمنا محسنا موقنا، والله سبحانه يمنحنا حقيقة الإيمان بجاه المصطفى صلى الله عليه وسلم .
الوصول :
الوصول وجدان باعث الوله إلى التخلق بأخلاق الربوبية، بعظيم المجاهدة في التخلي عن الفطر والأخلاق الحيوانية والإبليسية، مع اللذة بالآلام والطرب عند فوات ما يلائم تلك القوى – مما حرصت على نيله – وبذله عند نواله فرحا بمفارقته مسرورا بما استعاضة عنه، حتى تنمو المشابهة، وتتم الفطرة على ألفة ما ينافره، والرغبة فيما يؤلمه، مع وجدان الباعث على طلبه، والداعي له من توفر الشهوة، ووجود القدرة على تنجيز ما يلائم ولو كان ضروريا، فيكون مع الرغبة فيه راغبا عنه، ومع الاحتياج إليه غنيا عنه، وبهذا يكون قائما بمعاني القرآن بالمشابهة، محفوظا بالمجاهدة، وهو وصول السالكين، فيكون جهادهم التحفظ بسور الحفظ عن تعدي حدود المكانة لا حدود الأحكام، لأنهم محفوظون من تعدي حدود الأحكام بنص قوله تعالى: ) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ((1)، وهو بداية للمقربين الذين كوشفوا بتلك المعاني في أنفسهم وفي السموات والأرض، أشرقت أنوار لطائف سريرتهم على الجوارح العاملة فسلبت ظلال الوهم، وأفياء الهوى والحظ، فجهادهم عن مشاهدة التوحيد بالتوحيد، فهم بعيون السريرة غرقوا في عين الوحدة، وبأبصارهم شهدوا سر الحكمة، وبينهما برزخ لا يبغيان، فلا عباب مشاهد التوحيد يبغي على برزخ الحكمة فيفنى حقيقة العبودة، ولا مكفوف موج الحكمة يبغي على مسجور القدرة فيحجب أنوار التحقيق، وهو الجهاد الأكبر، لأنه في ذات الله تعالى، وإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .