آخر الأخبار
موضوعات

الأربعاء، 23 نوفمبر 2016

- أوصاف أدعياء التصوف

عدد المشاهدات:
أوصاف الأدعياء
إن الذي جعل كثيراً من الناس يهاجمون الصوفية...وينعون على التصوف وأهله، هو ظهور كثير من الأدعياء، الذين اتخذوا الطريق مغنماً ومكسباً، فزينوا ظاهرهم للناس لخراب سرائرهم، وباعوا الدّين بالدنيا، وعملوا أعمال الآخرة بالدنيا، فذهبت أنوار الطريق، ومحيت أسراره، وانطمست معالمه، وجُهلت أحوال أهله، وحُجبت الامدادات السماوية، والفيوضات الربانية، التي كانت تُفاض على القلوب العامرة باليقين، والأبدان العاملة بسنة سيد المرسلين، والعقول الجائلة في الفكر في آيات السموات والأراضين، والأنفس السابحة في ملكوت السموات والأرض، والأرواح المواجهة لقدس الجبروت، فأصبحت أجسامهم بلا أرواح. كل ذلك بالاشتغال بالدنيا عن الآخرة، فكثر الحفاظ والمرشدون، وقلّ الراغبون والطالبون، يقرأون القرآن لا يتجاوز حناجرهم، يجلسون مجالس الأنبياء، والقلوب قلوب الشياطين.
فقد اشتغل هؤلاء بأمور لا تمت إلى طريق القوم بصلة، وجعلوها أساس الطريق:
- منهم من جعل لطريقته زياً خاصاً بها، إذا لبسها المريد صار من أهل هذا الطريق، وإن كان لم يتحقق باطناً بأحوال أهلها.
- ومن الدعاة الجهلاء من يجلسون في وسط العامة: ... فيذكرون اسم ولي من أولياء الله، يبثّون عنه الأقاصيص المفيدة بأنه ينفع ويضر، وأن من اتبعه يكثر ماله وولده، وأن من زار قبره تُقضى حوائجه، ويموت أعدائه، ويذكرون لهم من الكرامات، ما هو حق وباطل، حتى يرغب الناس.
- فيكون الضرر بذلك من جهتين : من جهة أنهم يتبعون طريقة لعاجل فان، فيكونون ممن يعبدون الله على حرف، ومن جهة أخرى أنهم يتبعونه لينتفعوا به من الجهة التي لا يمكنه أن ينفع نفسه ولا غيره منها، لأن النافع هو الله، ويحرمون النفع من الجهة التي يُنتفع منها، لأن الله أقامه سبباً للنفع فيها، وهي جهة تلقي العلوم، وفهم فقه القرآن الكريم، وتزكية النفس، وفهم أسرار التوحيد، وكشف حِكم الأحكام، أو التجمل بعلوم اليقين، مما به السعادة الأبدية، التي لا تُذكر الدنيا بجانبها بشئ، إلا كما يذكر العدم من الوجود، وقد يحصل ضرر ثالث لا يقل عن هذين الضررين، وهو أن يكون الرجل الذي يدعون إليه متوفياً، وليست له كتب علمية ينفع بها من يقتدى به، فيحصل الضرر لمن اتبعه، بحرمانه من طلب الرجل العالم، الذي جعله الله نوراً، وأوجب الانتفاع بعلمه، والاقتداء بعمله.
- ومنهم من يشغلون أنفسهم بالمفاضلة بين فلان وفلان، أو التعصب لشخص على آخر لحظ، أو هوى مستكن في نفسه.
- ومنهم من ينتسبون للعلم أو الطريق، ويجعلون العلم أو الطريق باباً من أبواب جلب الدنيا.
- ومنهم من يستعملون المخدرات في مجالسهم، ليفسدوا على الناس القوى التي بها إدراك الحكمة العالية، ويخدعون بها أهل التسليم، ليستدرجونهم، إلى أن يتمكنوا من قلوبهم، فيتصرفون في أموالهم، ويلعبون بعقائدهم.
- ومنهم من يأمر أتباعه بترك العلم والتعليم، وترك الوظائف والرواتب، بل وترك الأعمال الشرعية، موهماً أن ذلك يحجب عن الأنوار، ونعم فإنه يحجب عن الأنوار الإبليسية.
- ومنهم من سلم لأهل الجذب الذين أفناهم الحب عن سوى المحبوب، وبلغت بهم الرياضية والتزكية مبلغاً جعلهم روحانيين، حتى صاروا بحيث يعملون أعمالاً لا تقبلها العقول، كترك الأكل زمناً، وكبغض الدنيا وما فيها، وكتحمل الحر والبرد، وكالفرار إلى الصحاري وغير ذلك، فسلموا لهم معتقدون أنهم مرشدون، وتركوا أهل العلم بالله والمعرفة، وهؤلاء المنجذبون بكليتهم إلى الجناب العالي، ليسوا أئمة للمتقين، ولا هداة للمسلمين، ولكنهم مُنحوا الحب والوجد والمعرفة لأنفسهم خاصة، وهم أبدال الأنبياء وليسوا أبدالاً للرسل، وقد قال في شأنهم سيدي محي الدين بن عربي رضى الله عنه :
لا تقتدي بمن زالت شريعته              ولو جاء بالأنبا عن الله
وقد نبه إلى هذه الحقيقة الإمام أبو العزائم رضي الله عنه فقال في كتابه: ((الشفاء من مرض التفرقة)) ص 25 :
((وإن كثير من السالكين يميلون إلى الذين اختطفتهم العناية فيقلدونهم فيضلون، وليس المجذوب إماماً للمتقين، وإنما هو رجل اختطفته العناية من الأزل، ومن اقتدى بالمجذوب في سيره لم ينتفع بحال من الأحوال)).
ثم يوجه رضى الله عنهإلى كيفية معاملتهم فيقول في كتابه: ((مذكرة المرشدين)) ص 64 :
((وإني ليسرني أن المسلم يعامل هؤلاء معاملة الأطفال الرضع، فيرحمهم، ويشفق عليهم إكراماً لله ورسوله، ولا يقتدى بهم، فإن اقتداءه بهم، يصير به هالكاً، لأن لهم مواجيد ومشاهد ملكوتية، ومكاشفات عن حضرة العزة والجبروت، بها سكروا، وإليها جُذبوا، وفيها فنوا، وعن سواها غابوا، فمن اقتدى بهم وقلّدهم - مع ما هو فيه من طمس البصيرة، وفساد السريرة، والحجاب عن مشاهد القدس - فقد هلك وأهلك غيره)).
فإن المجذوب الحقيقي، الصادق في حاله مع الله، لابد أن يرده الله إلى بشريته في أوقات الصلاة، حتى يؤديها، ولا يخرج عن الشريعة طرفة عين مع كمال جذبه، أما من يتخطى حواجز الشريعة، فقد يكون إنسان عنده خلل في قواه العقلية، فهو معتوه، ولا يمت إلى الجذب الحقيقي بصلة.
فالجذب هو تعلق القلوب بشدة بالحبيب المحبوب، ولما كان المقصد هو رضاء المحبوب، فكان أول شئ يفعله المجذوب، أن ينفذ ما طلبه منه علام الغيوب، في كلامه المكتوب، ومن لم يفعل ذلك فهو مغلوب أو معيوب، لا يجب على العقلاء إتباعه أو تقليده، ولو أخبرهم بصريح الغيوب.
- ومنهم من يتمسكون في إمامة الطريق بابن الشيخ ولو كان ليس مؤهلاً لهذا المقام، فقد اختلط عندهم أمر الوراثة الإلهية، بالوراثة الشرعية، فجعلوا الإبن الصلب، الذي ورَّثته الشريعة ما خلّفه الأب من مقتنيات الدنيا، هو الذي يرث الأحوال الوهبية، والعلوم اللدنية، وغفلوا عن أن هذه وراثة الكتاب التي يصطفي الله  عزوجل لها من يشاء من الأحباب، وإليها الإشارة بقوله سبحانه:
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا . فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ . ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ(  فاطر
وفي ذلك يقول الإمام أبو العزائم رضى الله عنهفي كتابه: (مذكرة المرشدين) ص 64:
((وبعض أهل الطريق - إذا مات المرشد، أو مات الشيخ المأذون بالطريق - يسلمون لأحد أولاده أو أقاربه، وهذا أمر حسن، لو أن من سلّموا له يكون على شئ من العلم والعمل والحال، واجتهد في تحصيل ما به كمال نفسه، ونفع غيره، وحافظ على الاقتداء بالمرشد محافظة حقيقية في القول والعمل والحال، أما إذا سلموا لابن المرشد، أو أحد أقاربه، وكان صبياً لم يبلغ الحلم، أو كبيراً على غير استقامة، بعيداً عن معرفة الطريق وأهله، فإنهم بذلك يكونوا عرّضوا من اقتدوا به للهلاك، وأهلكوا أنفسهم، لأنهم بذلك يجعلوه يغتر بنفسه، ويتكبر على العلم، ويحتقر العلماء، ولا يزيده الإقبال عليه، إلا غروراً وبُعْداً عن الله، وكأنهم بذلك أساءوا إلى مرشدهم، فإنه جملهم بالعلم والعمل والحال، وهم لم يحسنوا إليه في أولاده وأهله، وكان الواجب عليهم، أن يجتهدوا في تربية ابن الأستاذ، أو من يكونوا من أهله، تربية حقيقية، علماً وتهذيباً وعملاً؛ حتى يكون لسان صدق لوالده، وارثاً لعلومه وأحواله.
وإني لأعجب من رجل لا يرضى أن يجعل الحصرم من العنب زبيباً، ويرضى أن يجعل الطفل الصغير، المؤهل للتربية والتهذيب والتعليم مرشداً عظيماً، ويظن أنه يحسن صنعاً ...، إلى أن قال رضي الله تعالى عنه: ... إن الله سبحانه وتعالى، حكم في كتابه العزيزفي ميراث الأرض خاصاً لمخصوصين، وحكم في ميراث السماء أنه فضله يؤتيه لمن يشاء، فحكم سبحانه تعالى في خير الدنيا بما هو واضح، وحكم في ميراث الأنبياء والمرسلين، والفضل العظيم، بأنه لمن يشاء:
( ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ.)
وقد سار على هذا النهج الصوفية العظام:
كالشيخ منصور الباز البطائحي رضى الله عنه، الذي آثر بالخلافة من بعده، ولد أخته سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه، مفضلاً إياه على ولده، رغم غضب زوجته من ذلك، ولكنه أثبت لها ولأتباعه، صدق فراسته، عندما أحضرهما معاً، وطلب من كل واحد منهما على حدة، أن يحضر حملاً من حشائش الأرض، فذهب ابنه وعاد بسرعة، بكم هائل ينوء بثقله، ليثبت مهارته وجدارته، وأبطأ سيدي أحمد الرفاعي، حتى أرسل الشيخ في استدعائه، فجاء وليس معه شئ ، فسأله الشيخ أمام الحشود المنتظرة، لم لم تُحضر ما طلبت منك ؟ ، فقال رضى الله عنه: كلما هممت بقطع نبتة، سمعتها تذكر الله  عزوجل ،
فأستحي من الله أن أقطعها، فأقام بذلك الحجة على صدق فراسة شيخه رضى الله عنه.
وهذا الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه- مع كثرة ولده - يسلم الراية من بعده، لسيدي أبي العباس المرسي، وسيدي أبو العباس المرسي رضى الله عنه- مع صلاح أبنائه - يعطي الخلافة من بعده، لسيدي ياقوت العرش رضى الله عنه.
- ومنهم من يتمسك بأن مشيخة الطريق، لا تحق إلا لمن انتسب ظاهراً إلى الدوحة النبوية الطاهرة، وإن كان غير كفء للقيام بهذه المهمة، ويستندون في ذلك إلى الحديث الشريف الذي يقول: ((أبقيت فيكم ثقلين لن تضلوا بعدهما، كتاب الله وأهل بيتي)). وقد بيّن حقيقة ما يقصده سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث رجل من أهل البيت الطاهرين هو الإمام أبو العزائم رضي الله عنه في كتابه (الفرقة الناجية) ص 21 فقال: بعد ذكر الحديث: ((والمراد بأهل البيت حملة العلم بالله سبحانه وتعالى، الذين كاشفهم الله تعالى بظاهر القرآن وباطنه، وحدّه ومطلعه، ممن جملهم الله بحقيقة النسب المحمدي الروحاني بدليل قوله  صلى الله عليه وسلم : ((سَلْـمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَـيْت)) (رواه الطبراني والحاكم عن عمرو بن عوف)، وتبنّيه  صلى الله عليه وسلم  زيداً رضي الله عنه، وقوله  صلى الله عليه وسلم : ((أدخل الإسلام بلالاً في نسبي)) (رواه النسائي وابن ماجة وأحمد والدرامي والحاكم عن أنس) فالمعّول في طريق القوم على الاتصال بالنسب الروحاني، والسر النوراني، فإذا تجمل المريد بصفات شيخه الروحانية من حبّ ووجد وصدق وورع وزهد واخبات وخشوع، وتوكل ورضا وتسليم وغيرها، تُفاض عليه الجمالات الوهبية، والكمالات المحمدية، والأنوار العرفانية، لثبوت نسبه الروحاني، واتصاله بأصله النوراني. وهذا هو النسب الذي يقول فيه  صلى الله عليه وسلم : ((نحن معاشر الأنبياء، لا نوّرث درهماً ولا ديناراً، وإنما نوّرث علماً ونوراً))، ولما كان العلماء ورثة الأنبياء، فالوراثة الحقيقية في هذه المعاني والكمالات الروحانية، لا تكون لمجرد الأنساب الطينية، وإنما لاتصال الأرواح النورانية، والتشابه في الكمالات المحمدية، والانتظام في رحاب أهل المعية القرآنية، وممن ورث مقام القطبانية، ولم يكونوا من الدوحة النبوية الطاهرة بالنسب الظاهر، خلق كثير، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، سيدي أبو العباس المرسي الخزرجي الأنصاري، وسيدي ياقوت العرش الحبشي وسيدي أبو الحسن البكري الصديقي وغيرهم كثير.
- ومنهم الذين يوهمون الناس، أنهم وصلوا إلى مقامات المعرفة، ويأمرونهم بإتباعهم، ويؤثّرون عليهم تأثيراً بليغاً، حتى يتصرفون فيهم كما يحلوا لهم، وذلك لسلب أموالهم.
- ومنهم الذين يشربون المسكرات بحجة هداية العاصين.
- ومنهم الذين يجمعون بين النساء والرجال في مكان واحد.
- ومنهم الذين يطلبون من مريديهم التسليم للشيخ على أي حال كان، وفيهم يقول الإمام أبو العزائم رضي الله عنه في كتابه (دستور السالكين) ص 60: ((بعض من لا بصيرة لهم في الدين، ومن لم يسبق لهم تحصيل العلم، يقتدون ببعض أدعياء الطريق، فيُدخلون في قلوبهم أن التسليم للشيخ - مهما كان وعلى أي حال كان - خير، ولا يصل السالك إلى الله إلا بالتسليم للشيخ، ثم يعملون أمام المريدين صريح الحرام، أو يقولون صريح الكفر، ويأمرون بترك الفرض والسنة، وينهون عن الأعمال الشرعية، فيسلم لهم أهل الجهالة تسليم الأعمى، لاعتقادهم أنهم أهل الحقيقة، وأنهم ارتقوا عن الشريعة، ويضربون مثلاً يدل على كمال جهالتهم فيقولون: ((إن كان شيخك حمار امسك ذيله)) مبالغة في التسليم الأعمى، وكم من فئة من الناس استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله)).

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير