آخر الأخبار
موضوعات

الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

- من هو العارف بالله؟

عدد المشاهدات:
العارف بالله
العلوم الإلهية أسرار غامضة، تدرك لقوى خاصة بالإنسان، تلك القوى التي هي     نور العقل الكامل، الذي لم يقهره عامل الأخلاق الإنسانية، ولا باعث الطبع   الحيواني، ولا داعي الحظ الإبليسي، بل تجرد عن لوازم الانفعالات الحيوانية، وداعيات  المنافسات العمرانية، وإن اشتغل لضروريات الحياة، فإنها لابد منها من وجوهها    الفاضلة، بل المراد عدم الاشتغال بالكمالات التي تميل النفس إلى الانفراد بها دون غيرها  من بين نوعها، الناتجة عن حب الذات، والأمل في البقاء .

فإذا تخلى الإنسان عن تلك المقدمات المنتجة للمفاسد الخلقية، وتحقق أنه عضو    لمجموع الوجود الحي، متمم له، وأنه به يحيى حياة طيبه، فخدم الكل لصالح نفسه،     متحققا بأن الكل هو عينة، وذاق لذة أنه نافع نفعا عاما، أنس بكل شيء، واستأنس          به أنساً يدفعه إلى التنعم بمزاياه وخواصه، وتجردت نفسه من دواعي المضار، وبواعث    الفساد، فتزكى وتتطهر من نية السوء، وقصد المضار، وانشرح صدره بكل بني    نوعه، وبذلك يحفظ من الشر منهم، ويحفظون من شره، فيستريح قلبه ويشتغل بما    يقربه إلى ربه، لأن أعضاءه مطهرة من النجس، وفكره صاف من شواغل الخلق،     فيميل بكليته إلى الله تعالى مخلصا صادقا، حتى يمنحه الله تعالى واردات الإحسان .

وهذا يترقى إلى مقام القرب، ويذوق حلاوة الحب، فتنكشف له غوامض العلوم،   التي لا يلمسها إلا مطلوب، وتلوح عليه أنوار الربوبية فيعلم الحق، وينكشف له   الحق، وعندها يتحقق بأنه عارف بالحق، ويترقى إلى مراتب المعرفة، حتى ينتهي إلى  مقام العجز عن إدراك الحقيقة .

فالعارف من عرف الحق كشفا وعلما، وعجز عن الحقيقة كشفا وعلما، وهي   الرتبة التي بعدها يعد العارف عبدا كاملا لله تعالى، متحققا بمقام العبودية، والله ولي   المؤمنين :

العارفون لهم ظهرت حقيقتُهم   فجملتهم بعلم الحق خشيتُهم
بعلمهم نفسهم علموا مقامَ علا   فأوقفتهم على الآداب رهبتُهم
عرفوا نفوسَهمُ ذلا ومسكنةً    وقد حباهم فدامت فيه رغبتُهم
عكفوا عليه بإخلاص فواجههم   بالوجهِ فانبلجت من ذاك نشوتهم
الله معبودهُم وهو المراد لهم   وقد رأت نورهَ علناً بصيرتهم
وجنةُ الخلدِ لو ظهرت بطلعتها  لفارقت حُسْنَها بالزهد همتهم
لا كفؤ لله يحجبهم فيبعدهم    أحد تنزه تعلمه سريرتهم
هو الولِيُّ تولاهم فحصنهم    عن العوالمِ قد رُفعت مكانتهم
الذلُّ عزهم والجهلُ علمُهم  وخشيةُ الله بهجتُهم ولذتهم
رضوا عن الله في الدنيا فجملهم   منهم بحق يقين فيه نعمتهم
أنسوا بما استوحش الجهالُ منه وقد  صحت بدايتُهم طابت نهايتهم
لم تستفزهم الدنيا وبهجتُها   والوجهُ مشهدهم والكونُ آياتهم
تدرعوا باليقين الحق واتشحوا    بالصدق حتى به دامت معيتهم
ومرجعُ الكلِّ لله العليِّ على   حق اليقين وقد وضحت طريقتهم
لم يلتفت أحدٌ منهم لعاجلهٍ   والكل لله قد خلصت سريرتهم 
يارب صلِّ على طه وعترتِه    وآلهِ الغرِّ من رفعت مكانتُهم

أنس العارف بالله وحده :

الأنس بهجة النفس لمطلوب متمنى، مع الأمن من الزوال والعقوبة، والعارف مقبل

 على الله بكله سبحانه بعين يقين، عن رسوخ في علم يقين، وجاذب عناية إلهية، فلا  يصرفه عن الإقبال على جناب القدس الأعلى شيء من حظ أو هوى أو ملكوت، لأن في    ذلك وحشة له، وألم فراق يعتريه، يجعله حزين القلب، منقبض الصدر نافرا فارا.  ولذلك ترى العارف يفر من كل من لم يشهد فيه مشهدا إلهياً يأنس به، ولذلك قال     سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ((1) وقال:            ) فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ((2) وقد يفر العارف من نفسه إذا شغلته بمجاهدتها في حظ،      فإنه يفر إلى قمم الجبال، حتى لا ترى نفسه ما تتمناه إذا اطمأن إلى الله، فإذا سمِعْتَ     أن عارفا ترك العمل أو ترك الطعام، وفر إلى القفار، فلا تنكر، فإنه يتلذذ من كل مؤلم         إذا استأنست في عمل المؤلم بالله سبحانه وتعالى

الأنسُ بعد سكون القلبِ بالله   هو الرضا لأخي وجد وأواه
وهو السعادة في الدنيا وآجلةٍ   والأنسُ بالدونِ للمعبودِ واللاهي
أنسٌ به القربُ للقدسِ العليِّ على   براقِ وُدِّ منا الإقبالِ والجاه
يحيى سعيدا به في حصن خالقه   منعما بمعاني وصفه الباهي
الأنسُ بالله أغناه وأسعده   والحظ بالدونِ للمحجوبِ والساهي
دامت معيته بالحقِّ واتصلت   بالقدس همته بغير تناهي

 الامام محمد ماضى ابو العزائم

الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزى محمد ابوزيد
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير