عدد المشاهدات:
المعاملة:
المعاملة مراقبة تحث على استحضار نتائج الأعمال بالنسبة الصادرة له ومنه وبه، حتى تتمثل النتائج قبل العمل، فتدفع إليه أو عنه، ويكون العمل مكسوا بحلل الكمال مع السرور والفرح به، لا من حيث أنه صادر عن العامل، بل لأنه محبوب للحق سبحانه، منتج مرضاته، ويكون الترك للعمل لكراهته وبغضه، لا لأنه عمل، بل لأنه منهى عنه مبغوض للحق، ويكون العامل فى أرقى مراتب المجاهدة، وأسمى مقامات المشاهدة إذ لا تطيب المجاهدة إلاَّ لأهل المشاهدة.
لما كانت المعاملات منها البين فى الأمر أو النهى عنه، والخفى الذى يدق عن إدراك المستبصرين من دقائق المعاملات، وخفيات الأخلاق، ودسائس الحظ والهوى، وجب على العامل الذى يريد النجاة والسلامة، أو الرضا والكرامة، أن يكون متمكناً من معرفة الأحكام الشرعية، التى لا غنى عنها له، من حيث العقيدة والعبادات والأخلاق والمعاملات، ثم لا بد له أن يتباعد عن عمل كل مالم يستبن له فيه وجه الحق، من حظر أو إباحة، فإذا تزكت نفسه وصح حاله، لزمه أن يتلقى عن قلبه بعد صحة القصد وإخلاص النية لله تعالى، فيترك ما يريبه إلى ما لا يريبه، ولديها يعامل مولاه فى معاملته لنفسه وأهله ووالديه وأقاربه والناس أجمعين، بل وفى كل حى، فيخاف الله فى خلقه بما فيهم نفسه، ويرضيه سبحانه فيهم، ويتقرب إليه سبحانه فيهم، بحسب ما تقتضيه حالة القربى القربة، من إكرام، أو أقامة حد، أو ما أشبهه. وهى المعاملة الكاملة التى يكون فيها العامل ربانياً، وينال حظوة معية الله سبحانه له، بعد تحققه بمعيته لله، وهو القريب من القريب، المجيب للمستجيب لله، المخلص.
ولما كانت خفيات النفوس ودقائق الحظ مبهمة على المستجدين، لزم للسالك أن يصحب عارفاً بالله تعالى، عالماً بالشبه الخفية ورعونات النفس، وببواعث الحظ والهوى، وبنفثات الشياطين، حتى يتلقى عنه أسرار الحكمة، ويستبين له به سبيل الرشاد، حتى يحفظ فى سيره وسلوكه من مزعجات النفوس وحاجبات الأنوار عن القلوب، ومن أوهام السوء الباعثة عن الأمل القاطع والحظ الحاجب المنصبغ بصورة الحق، وبذلك يترقى فى معارج الوصول، وينشل من أوحال التوحيد، ومن الرياء فى العمل، ومن البعد بالأمل، حتى يكون عبداً صرفاً لذات الله، عاملاً من عمال الله سبحانه وتعالى، وراغباً فيما عنده، راهباً من عظموته وجلاله على صراطه المستقيم ومنهج شرعه القويم، وسنة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
معاملة القلوب
الأعمال البدنية التى اعتادتها الأعضاء فى آنات مخصوصة بدون ملاحظة قلبية ولا استحضار لموجب بعث على عملها، برهان على غفلة العامل، حتى ينتبه القلب بما يرد عليه من نور العلم بسر مراد الآمر سبحانه وتعالى فى أحكامه، ويباشر اليقين لطائف القلب مباشرة تجعله مشاهدا حكما، بحيث لو كشف الحجاب لما ازداد. ولديها يكون العمل عن وجد وحضور ويقظة قلب، ويقين بمقتضى واجب الوقت، وعندها لا يلتبس عليه عمل لصدور الأعمال عن القلب المتلقى عن الرب، المنكشفة له معيته سبحانه وتعالى، فلا ينبعث عن هذا القلب إلا ما يرضيه جلت قدرته، كان فى ذلك لذة العامل أو ألمه.
ولذلك نرى لأهل القلوب عند تمكنهم من هذا المقام أعمالا اقتضاها الوقت نتجت إما عن حال دعا إلى التمكن من مقام العبودية، يخيل لمن رآه أنه مخالف للقيود الشرعية، أو أصيب فى عقله مثل: خروج الرجال عن التسبب، وميلهم إلى التجريد والتخوشن، حتى يكون مبتذلا فى أعين الخلق، فيطيب وقته مع الله تعالى، وإما نتج عن خوف من غفلة يدعو إليها مقامه، مثل من يخرج عن حد الاعتدال الشرعى والوسط أمام من عهدوا منه الكمال، لينفر الخلق عنه خشية إدخال الغرور عليه، وحرمانه من الود الإلهى، فيقع فى الشر الذى يسهل الخروج منه، خوفا من الوقوع فيما هو أشر منه، الغفلة والغرور.
وهكذا، لأهل القلوب ممن يقهرهم حالهم قبل تناول الشراب الطهور ومن الرب سبحانه شراب وراثة الرسل عليهم الصلاة والسلام. لهم ملاحظات فى أعمالهم، يحفظون بها حالهم مع مولاهم سبحانه وتعالى، وإن كان فى ذلك محاربة للقوى البشرية لحبها للشهرة والسؤدد، وحرصها على جمع الدنيا وهو أخفى الجهاد وأكبره، أما الوارث فهو– لتمكنه من حاله– تراه دائما مجملا ظاهره بالحلل المحمدية، مألوفا لأنه يخالق الخلق ويداريهم، لأنه انكشفت له سيما الخلق فينازلهم على قدر عقولهم.
وأهل القلوب يحنون إلى النفس الواحد يتنفسونه فى خلوة عن الناس، بفكر أو ذكر أو عمل بر أو قربة، فإذا اجتمع الخلق ستروا أعمالهم وأحوالهم إلا ما وجب شرعا، وربما توسعوا فى المباح، وربما مما به تنوير قلوبهم، ودوام مشاهدتهم، وليس ذلك بتكلف، إذ المتكلف بعيد عن العلم فكيف يكون مشاهداً؟ والمتكلف إما يكون مرتكب كبيرة، وهو الذى يتكلف أعمال الرجال ليقال إنه رجل، أو هالك ملعون وهو الذى يتكلف أعمال الرجال التي تقرب إلى منازل الوصال، ليجمع ما يزول من الاموال وتكون له السلطة والعلو فى الأرض بغير الحق.
إنما أهل القلوب من لم تقع أعين بصيرتهم إلا على نور المكون، حتى– لشدة شروق نوره من علىّ عظمته وكبريائه– صغرت فى أعينهم الدنيا والآخرة وصار ما هو لذة لغيرهم ألما لهم، وما هو ألم لهم لذة لغيرهم، فإن فتحت لهم كنوز السموات والأرض، وتزينت لهم الفردوس الأعلى، لبخلوا أن يلتفتوا لأستغراقهم فى شهود مولاهم، اللهم إلا إذا ألفتهم إليها به فشهدوها بعده، وشهدوه فيها، فكيف يكون هذا تكلفا؟ أو بابا من أبواب شر يلجه أهل الغرورإنما هذا فضل الله يؤتيه من يشاء فمن فتح الله له بابا من أبواب معاملة القلوب، فليستيقظ، فإنه على صراط أحد من السيف، وأدق من الشعرة، وليحاسب نفسه محاسبة من يعتقد أنه لو غفل نفساً لهلك أبداً، وملاحظته لنفسه أن يبحث عن همه وهواه، فإن كان فى مرضاة الله تعالى فبها، وإلا رجع لعمل الجوارح والاجتماع بالخلق وتزكية نفسه، والله الموفق.
المعاملة مراقبة تحث على استحضار نتائج الأعمال بالنسبة الصادرة له ومنه وبه، حتى تتمثل النتائج قبل العمل، فتدفع إليه أو عنه، ويكون العمل مكسوا بحلل الكمال مع السرور والفرح به، لا من حيث أنه صادر عن العامل، بل لأنه محبوب للحق سبحانه، منتج مرضاته، ويكون الترك للعمل لكراهته وبغضه، لا لأنه عمل، بل لأنه منهى عنه مبغوض للحق، ويكون العامل فى أرقى مراتب المجاهدة، وأسمى مقامات المشاهدة إذ لا تطيب المجاهدة إلاَّ لأهل المشاهدة.
لما كانت المعاملات منها البين فى الأمر أو النهى عنه، والخفى الذى يدق عن إدراك المستبصرين من دقائق المعاملات، وخفيات الأخلاق، ودسائس الحظ والهوى، وجب على العامل الذى يريد النجاة والسلامة، أو الرضا والكرامة، أن يكون متمكناً من معرفة الأحكام الشرعية، التى لا غنى عنها له، من حيث العقيدة والعبادات والأخلاق والمعاملات، ثم لا بد له أن يتباعد عن عمل كل مالم يستبن له فيه وجه الحق، من حظر أو إباحة، فإذا تزكت نفسه وصح حاله، لزمه أن يتلقى عن قلبه بعد صحة القصد وإخلاص النية لله تعالى، فيترك ما يريبه إلى ما لا يريبه، ولديها يعامل مولاه فى معاملته لنفسه وأهله ووالديه وأقاربه والناس أجمعين، بل وفى كل حى، فيخاف الله فى خلقه بما فيهم نفسه، ويرضيه سبحانه فيهم، ويتقرب إليه سبحانه فيهم، بحسب ما تقتضيه حالة القربى القربة، من إكرام، أو أقامة حد، أو ما أشبهه. وهى المعاملة الكاملة التى يكون فيها العامل ربانياً، وينال حظوة معية الله سبحانه له، بعد تحققه بمعيته لله، وهو القريب من القريب، المجيب للمستجيب لله، المخلص.
ولما كانت خفيات النفوس ودقائق الحظ مبهمة على المستجدين، لزم للسالك أن يصحب عارفاً بالله تعالى، عالماً بالشبه الخفية ورعونات النفس، وببواعث الحظ والهوى، وبنفثات الشياطين، حتى يتلقى عنه أسرار الحكمة، ويستبين له به سبيل الرشاد، حتى يحفظ فى سيره وسلوكه من مزعجات النفوس وحاجبات الأنوار عن القلوب، ومن أوهام السوء الباعثة عن الأمل القاطع والحظ الحاجب المنصبغ بصورة الحق، وبذلك يترقى فى معارج الوصول، وينشل من أوحال التوحيد، ومن الرياء فى العمل، ومن البعد بالأمل، حتى يكون عبداً صرفاً لذات الله، عاملاً من عمال الله سبحانه وتعالى، وراغباً فيما عنده، راهباً من عظموته وجلاله على صراطه المستقيم ومنهج شرعه القويم، وسنة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
معاملة القلوب
الأعمال البدنية التى اعتادتها الأعضاء فى آنات مخصوصة بدون ملاحظة قلبية ولا استحضار لموجب بعث على عملها، برهان على غفلة العامل، حتى ينتبه القلب بما يرد عليه من نور العلم بسر مراد الآمر سبحانه وتعالى فى أحكامه، ويباشر اليقين لطائف القلب مباشرة تجعله مشاهدا حكما، بحيث لو كشف الحجاب لما ازداد. ولديها يكون العمل عن وجد وحضور ويقظة قلب، ويقين بمقتضى واجب الوقت، وعندها لا يلتبس عليه عمل لصدور الأعمال عن القلب المتلقى عن الرب، المنكشفة له معيته سبحانه وتعالى، فلا ينبعث عن هذا القلب إلا ما يرضيه جلت قدرته، كان فى ذلك لذة العامل أو ألمه.
ولذلك نرى لأهل القلوب عند تمكنهم من هذا المقام أعمالا اقتضاها الوقت نتجت إما عن حال دعا إلى التمكن من مقام العبودية، يخيل لمن رآه أنه مخالف للقيود الشرعية، أو أصيب فى عقله مثل: خروج الرجال عن التسبب، وميلهم إلى التجريد والتخوشن، حتى يكون مبتذلا فى أعين الخلق، فيطيب وقته مع الله تعالى، وإما نتج عن خوف من غفلة يدعو إليها مقامه، مثل من يخرج عن حد الاعتدال الشرعى والوسط أمام من عهدوا منه الكمال، لينفر الخلق عنه خشية إدخال الغرور عليه، وحرمانه من الود الإلهى، فيقع فى الشر الذى يسهل الخروج منه، خوفا من الوقوع فيما هو أشر منه، الغفلة والغرور.
وهكذا، لأهل القلوب ممن يقهرهم حالهم قبل تناول الشراب الطهور ومن الرب سبحانه شراب وراثة الرسل عليهم الصلاة والسلام. لهم ملاحظات فى أعمالهم، يحفظون بها حالهم مع مولاهم سبحانه وتعالى، وإن كان فى ذلك محاربة للقوى البشرية لحبها للشهرة والسؤدد، وحرصها على جمع الدنيا وهو أخفى الجهاد وأكبره، أما الوارث فهو– لتمكنه من حاله– تراه دائما مجملا ظاهره بالحلل المحمدية، مألوفا لأنه يخالق الخلق ويداريهم، لأنه انكشفت له سيما الخلق فينازلهم على قدر عقولهم.
وأهل القلوب يحنون إلى النفس الواحد يتنفسونه فى خلوة عن الناس، بفكر أو ذكر أو عمل بر أو قربة، فإذا اجتمع الخلق ستروا أعمالهم وأحوالهم إلا ما وجب شرعا، وربما توسعوا فى المباح، وربما مما به تنوير قلوبهم، ودوام مشاهدتهم، وليس ذلك بتكلف، إذ المتكلف بعيد عن العلم فكيف يكون مشاهداً؟ والمتكلف إما يكون مرتكب كبيرة، وهو الذى يتكلف أعمال الرجال ليقال إنه رجل، أو هالك ملعون وهو الذى يتكلف أعمال الرجال التي تقرب إلى منازل الوصال، ليجمع ما يزول من الاموال وتكون له السلطة والعلو فى الأرض بغير الحق.
إنما أهل القلوب من لم تقع أعين بصيرتهم إلا على نور المكون، حتى– لشدة شروق نوره من علىّ عظمته وكبريائه– صغرت فى أعينهم الدنيا والآخرة وصار ما هو لذة لغيرهم ألما لهم، وما هو ألم لهم لذة لغيرهم، فإن فتحت لهم كنوز السموات والأرض، وتزينت لهم الفردوس الأعلى، لبخلوا أن يلتفتوا لأستغراقهم فى شهود مولاهم، اللهم إلا إذا ألفتهم إليها به فشهدوها بعده، وشهدوه فيها، فكيف يكون هذا تكلفا؟ أو بابا من أبواب شر يلجه أهل الغرورإنما هذا فضل الله يؤتيه من يشاء فمن فتح الله له بابا من أبواب معاملة القلوب، فليستيقظ، فإنه على صراط أحد من السيف، وأدق من الشعرة، وليحاسب نفسه محاسبة من يعتقد أنه لو غفل نفساً لهلك أبداً، وملاحظته لنفسه أن يبحث عن همه وهواه، فإن كان فى مرضاة الله تعالى فبها، وإلا رجع لعمل الجوارح والاجتماع بالخلق وتزكية نفسه، والله الموفق.