عدد المشاهدات:
أصل مرض الأمة الإسلامية ناشئ من ثلاثة أنواع: أمراء السوء. وعملاء الفتنة ودعاة الجهالة.
1- أمراء السوء:
أمراء السوء مالوا إِلي الترف والطمع والغرور، وتقريب أهل المفاسد، وسرعة الغضب والانتقام، وإِذلال المصلحين، ومعادة العلماء العاملين والأشراف المتقين، والنفور من الموعظة، والتبر علي العاملين بالتقوي، والاشتغال باللهو واللعب والغفلة عن أمور العامة، والظلم في جمع الأموال، والإهمال في إقامة الحدود؛ لأنهم لا يبالون بعمل المنكر. وساعدهم علي ذلك علماء السوء الذين اتخذوهم أعوانا لهم، وأيدي لتنجيز شهواتهم، وسيوفا لقطع الحق وإحقاق الباطل، فشغلهم الظلم عن الإعداد للأعداء كما قال سبحانه: (الأنفال 60) وصار الأمير لا عدوَّ له إِلا النصحاء الأمناء من المسلمين، فقاومهم وأضعف قوته، حتى استولي الأعداء علي ثغور المسلمين لخلوها من الحصون المانعة والجيوش الراغبة في الدار الآخرة لأن الناس علي دين ملوكهم، وبشغله أهملت الصناعات والتجارات لاشتغال الأمة بالوشايات، وتفرقة كلمتهم بالتحزب.
2-علماء الفتنة:
ثم قام علماء السوء فتقربوا إِلي الأمراء بجدل الكلام، وتأويل السنة والكتاب بما يهواه الأمير، وما ينالون به المنزلة العالية والسيادة والشرف، حتي يكون الْمُفْتُونَ بالضلالة، والدَّلون علي غير الهدي مع إِهمالهم للأعمال الشرعية، والازدراء بالفقراء والعمال وأهل الذَّكر من العارفين، وأهل علوم اليقين. وقد بلغ بهؤلاء الضالين المضلين أن ابتدعوا في الدين بِدَعاً فرقوا بها بين المسلمين، وأوقعوا المسلمين في تفكير بعضهم ولعن بعضهم، حتي بلغ حالهم من العداوة والبغضاء أن تساهلوا في أمور الجماعة وإِحياء الكلمة وتجديد أمور السُّنَّة، حتي ذَلوُّا وخُذِلوا وتمكن منهم العدو، وداخلهم الشيطان فصاروا تبعا بعد أن كانوا أئمة وسادة لجميع العالم. كل ذلك للطع في الدنيا وإِيثارها علي الآخرة، وترك الحق وراء ظهورهم طمعا فيما لا ينفع في الدنيا ولا في الآخرة من الشهوة والسمعة وتفوذ الكلمة، ودعاهم الطمع والغرور وطلب زهرة الدنيا إِلي أن ألَّفوا كتبا في بدعهم يردون فيها علي أهل الإخلاص والصدق والتوكل والعلم اليقين والعمل بالحق، وسعوا في الأرض ينفَّرون المسلمين من أئمتهم وقادتهم، حتى إِذا تسلط الكافر علي المسلمين تركوا أمراء المسلمين وقاموا لِذمَّهم وموالاة المتسلطين عليهم لنوال الرتب والشرف والأموا والجاه والرفعة. فوا عجباً لكلاب الدنيا الظاهرين في حلل المؤمنين، المتجملين بجمال العلماء الراسخين كيف لا ينهاهم نُهاهم ولا تمنعهم عقولهم ولا معقولاتهم ولا أحكام دينهم عن الغرور بالدنيا وهدم أركان الدين؟ ولا بد أن تظهر الحقيقة في يوم ما والله غالب علي أمره.
2- دعاة الجهالة:
دعاة الجهالة إِن لم يساووا علماء السوء في جلب المضرة علي المسلمين فهم أضر منهم لأنهم يموَّهون علي العامة أنهم الدعاة إلي الله تعالي، الوارثون لأحوال الأقطاب والإبدال وبموَّهون عليهم أنهم يمكنهم النفع والضر، ويلفتون المسلمين عن العمل الواجب عليهم شرعا وعقلا من العلم والعمل للدنيا. ثم إِنهم بجهلهم يوهمون أ، التوكل ترك الأعمال، وأن الرضا عدم المعرضة وترك الناس يعملون ما شاءوا. ومنهم من يتقرب إِلي الأمرا أو المتسلطين فيكونون أعوانا لهم علي حب العامة لهم والرضا بأحكامهم وأعمالهم، بل ويفهمونهم أن هذا هو الخير، وأن هذا فضل من الله ونعمة، وهو في الحقيقة سخط من الله ونقمة. ثم إِنهم لطمعهم يوقعون العامة في بغض العلماؤ والأتقياء والدعاة إِلي الخير، فتحصل التفرقة ويقوم كل فريق لمناوأة الآخر فتتفرق الجماعة، ويسارع كل فريق إِلي المتسلطين أو الأمراء فيستعينون بهم علي أهل الحق، حتي يضعف القائمون بالحق ويختفون وينشر الباطل. وأول فتنة حصلت فتنة مسيلمة الكذاب، ثم حوادث الخوارج، ثم ينب أمية، ثم بني العباس، ولكن كان نور الكتاب والسنة مشرقا علي جميع المسلمين.
دواء ذلك لمرض:
من نظر بعين العبرة في مرض المسلمين الآن وما أصابهم يجد ذلك ناشئا عن تلك الأسباب المتقدمة. ودواء ذلك المرض أن يتحد الأمراء والعلماء والدعاة بالقلب واللسان علي العمل بكتاب الله تعالي وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم وإحياء سيرة السلف مع الزهد في الدنيا، والتوبة ببذل أنفسهم وأموالهم في إحياء سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم بالحكمة والموعظة الحسنة. وإِلا فالله سبحانه وتعالي له عباد أحبهم وأحبوه يجعل إحياء ذلك الأمر علي يديهم، لأم الله غيور علي دينه وسنته وكتابه وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم. وما الله بغافل عما يعمل الظالمون. أسأل الله تعالي أن يوفقنا لما يحب من القول والعمل والحال، وأن يجمع قلوبنا علي الحق، وأن يهب لنا عناية يحيي بها السن إِنه مجيب الدعاء، وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم.
تجدد الإسلام سعادة المسلمين
حال المسلمين فيما مضي:
المسلمون وإِن كانوا قليلا في العدد والعدد، وكان أهل المعمورة أعداء لهم يناوئونهم ويكيدون لهم حتي جيرانهم وأقاربهم، ومع ذلك كانت تميل التيجان من علي رؤوس الأكاسرة والقياصرة والتابعة هيبة لهم ورهبة منهم. خامر الرعب قلوب الملوك في قصورهم، والخوف قلوب الشجعان في أكمل لأمتهم، حتي كان المسلم المنفرد كخميس جرار، فأخضعوا الأمم للحق وقادوا العالم وسادوهم. كان القرآن حاكمهم إِذا قال لهم أقيموا أقاموا ولو علي جمر الغضا، ولو قال لهم أقدموا أقدموا ولو علي الموت، فكانوا لا بأكلون إِلا إِذا أمرهم القرآن، ولا يتكلمون إِلا إِذا أمرهم القرآن، فالقرآن هو الإمام والقدوة. وأميرهم أعلمهم بأسرار القرآن وأكملهم في العمل بالقرآن. فإذا سها نبهوه، وإِذا نسي ذكروه، فإذا خالف خلعوه. وإِن حكم القرآن بقتله قتلوه، لأن الحاكم الحقيقي والحكم العدل هو القرآن، فما مضت فترة قصيرة من الزمن إِلا والعالم جميعه إِما مسلمين أو خاضعون أهل ذمة للمسلمين. كان المسلم إِذا عمل عملا وقيل له: لم عملت هذا؟ يقول: أمرني القرآن، فيسأله عن الأمر فيخبره به، فيقول: إِني أفهم في هذه الآية غير تلك، فبقول: إِن رسول الله صلي الله عليه وسلم بيَّنها بعمله أو قوله كذا، فيسلَّم له أخوه ويعمل بعمله وعلمه. هكذا كانوا. كلامهم بالقرآن وعملهم بالقرآن، لاءم ذلك نفوسهم أوْ لم يلائمها.
سعدوا وسادوا ليس في الآخرة فقط بل- واللهِ- وفي الدنيا قبل الآخرة، ملكوا الممالك فلم تخرجهم عن التواضع لله تعالي ولرسوله صلي الله عليه وسلم، ودانت لهم الأكاسرة والقياصرة وصاروا أرقاء يباعون في الأسواق وتباع نساؤهم. فكان ذلك أشد في قلوبهم موعظة وعلما بدناءة الدنيا وحقارتها فزهدوا فيها، ورغبوا في الدار التي لا يزول نعيمها ولا يبلي جديدها.
عمل العلماء:
قام العلماء بالواجب عليهم فزهدوا الدنيا وخالفوا أهلها، وكانوا قدوة حسنة أمام أفراد الأمة حتي في زمن الخلفاء الراشدين، كان أبو ذر الغفاري وأبو هريرة وسلمان الفارسي وغيرهم يكتبون لعمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعاً يخوَّفونه من الدنيا فيقبل منهم وخالفوا عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقام أسامة بن زيد لعليّ بن أبي طالب عندما قال له إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: (مَنْ كُنْتُ مَوْلاَه فَعَلِيّ مَوْلاَهُ) وطلب منه موالاته علي معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين أنت مولاي ولكني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول لي: ( أقَتَلْتَ رَجُلاً يَقُولُ لاَ إِله إِلاَّ الله؟) فأنا لا أواليك في هذا الأمر. وقال محمد بن الحنيف رضي الله عنه في يوم صفين: إِنها لفتنة، وأراد أن لا يقاتل فوكزه بكعب الرمح وقال: أتكون فتنة أبوك قائدها؟ وما حصل لمعاوية رضي الله عنه من النساء اللاتي كنّ يمدحن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ويذممن معاوية رضي الله عنه. وما فعله ابن جريح مع المنصور. وما فعله الفضيل مع الرشيد ومالك بن أنس معه مما هو مشهور. كل ذلك كان عمل العلماء. وقد ضُرب أبو حنيفة علي تولية القضاء مرارا حتي رضي أن يكون عدادا للطوب خوفا علي نفسه من معاونة الخلفاء مع أنهم كانوا أئمة الهدي. كل هذا نذر من كثير من عمل العلماء الذين رضوا بخدمة العلم والفقر إيثارا للآخرة علي الدنيا ورغبة في النجاة منها.
وكان المسلمون في هذا العصر لا يمضي يوم إِلا وتفتح فيه الممالك، وتدخل الأمم في الإسلام رغبة وحبا في التمسك به لا رهبة ولا خوفا علي ضياع مال أو هلاك نفس، ولكن شاهدوا من المسلمين حكما عادلا، وعملا مقبولا للعقول، وحالا تميل إِليه النفوس، وزهدا فيما في أيدي الناس، وسلامة ضمير، وإعلانا بالحق والنصيحة لكل إِنسان حتي كان يُضرب الشريفُ الأمير قصاصا إِذا ضرب أحقر أهل الذمة، مع الرحمة العامة والشفقة الحقيقة والمعاملة الطيبة. فكان المسلم يعامل الذمي كما يعامل أهله. إِن كان كبيرا وقَّره، وإِن كان ضغيرا عطف عليه ورحمه، فعشقتهم النفوس ومالت إليهم العقول، إِلا أكابرهم من أهل السيادة الدنيئة الذين خافوا علي سيادتهم، فإنهم تعصبوا لدينهم حفظا للسيادة الفانية. هكذا كانوا وبهذا يكون من بعدهم.
الامام محمد ماضى ابو العزائم
1- أمراء السوء:
أمراء السوء مالوا إِلي الترف والطمع والغرور، وتقريب أهل المفاسد، وسرعة الغضب والانتقام، وإِذلال المصلحين، ومعادة العلماء العاملين والأشراف المتقين، والنفور من الموعظة، والتبر علي العاملين بالتقوي، والاشتغال باللهو واللعب والغفلة عن أمور العامة، والظلم في جمع الأموال، والإهمال في إقامة الحدود؛ لأنهم لا يبالون بعمل المنكر. وساعدهم علي ذلك علماء السوء الذين اتخذوهم أعوانا لهم، وأيدي لتنجيز شهواتهم، وسيوفا لقطع الحق وإحقاق الباطل، فشغلهم الظلم عن الإعداد للأعداء كما قال سبحانه: (الأنفال 60) وصار الأمير لا عدوَّ له إِلا النصحاء الأمناء من المسلمين، فقاومهم وأضعف قوته، حتى استولي الأعداء علي ثغور المسلمين لخلوها من الحصون المانعة والجيوش الراغبة في الدار الآخرة لأن الناس علي دين ملوكهم، وبشغله أهملت الصناعات والتجارات لاشتغال الأمة بالوشايات، وتفرقة كلمتهم بالتحزب.
2-علماء الفتنة:
ثم قام علماء السوء فتقربوا إِلي الأمراء بجدل الكلام، وتأويل السنة والكتاب بما يهواه الأمير، وما ينالون به المنزلة العالية والسيادة والشرف، حتي يكون الْمُفْتُونَ بالضلالة، والدَّلون علي غير الهدي مع إِهمالهم للأعمال الشرعية، والازدراء بالفقراء والعمال وأهل الذَّكر من العارفين، وأهل علوم اليقين. وقد بلغ بهؤلاء الضالين المضلين أن ابتدعوا في الدين بِدَعاً فرقوا بها بين المسلمين، وأوقعوا المسلمين في تفكير بعضهم ولعن بعضهم، حتي بلغ حالهم من العداوة والبغضاء أن تساهلوا في أمور الجماعة وإِحياء الكلمة وتجديد أمور السُّنَّة، حتي ذَلوُّا وخُذِلوا وتمكن منهم العدو، وداخلهم الشيطان فصاروا تبعا بعد أن كانوا أئمة وسادة لجميع العالم. كل ذلك للطع في الدنيا وإِيثارها علي الآخرة، وترك الحق وراء ظهورهم طمعا فيما لا ينفع في الدنيا ولا في الآخرة من الشهوة والسمعة وتفوذ الكلمة، ودعاهم الطمع والغرور وطلب زهرة الدنيا إِلي أن ألَّفوا كتبا في بدعهم يردون فيها علي أهل الإخلاص والصدق والتوكل والعلم اليقين والعمل بالحق، وسعوا في الأرض ينفَّرون المسلمين من أئمتهم وقادتهم، حتى إِذا تسلط الكافر علي المسلمين تركوا أمراء المسلمين وقاموا لِذمَّهم وموالاة المتسلطين عليهم لنوال الرتب والشرف والأموا والجاه والرفعة. فوا عجباً لكلاب الدنيا الظاهرين في حلل المؤمنين، المتجملين بجمال العلماء الراسخين كيف لا ينهاهم نُهاهم ولا تمنعهم عقولهم ولا معقولاتهم ولا أحكام دينهم عن الغرور بالدنيا وهدم أركان الدين؟ ولا بد أن تظهر الحقيقة في يوم ما والله غالب علي أمره.
2- دعاة الجهالة:
دعاة الجهالة إِن لم يساووا علماء السوء في جلب المضرة علي المسلمين فهم أضر منهم لأنهم يموَّهون علي العامة أنهم الدعاة إلي الله تعالي، الوارثون لأحوال الأقطاب والإبدال وبموَّهون عليهم أنهم يمكنهم النفع والضر، ويلفتون المسلمين عن العمل الواجب عليهم شرعا وعقلا من العلم والعمل للدنيا. ثم إِنهم بجهلهم يوهمون أ، التوكل ترك الأعمال، وأن الرضا عدم المعرضة وترك الناس يعملون ما شاءوا. ومنهم من يتقرب إِلي الأمرا أو المتسلطين فيكونون أعوانا لهم علي حب العامة لهم والرضا بأحكامهم وأعمالهم، بل ويفهمونهم أن هذا هو الخير، وأن هذا فضل من الله ونعمة، وهو في الحقيقة سخط من الله ونقمة. ثم إِنهم لطمعهم يوقعون العامة في بغض العلماؤ والأتقياء والدعاة إِلي الخير، فتحصل التفرقة ويقوم كل فريق لمناوأة الآخر فتتفرق الجماعة، ويسارع كل فريق إِلي المتسلطين أو الأمراء فيستعينون بهم علي أهل الحق، حتي يضعف القائمون بالحق ويختفون وينشر الباطل. وأول فتنة حصلت فتنة مسيلمة الكذاب، ثم حوادث الخوارج، ثم ينب أمية، ثم بني العباس، ولكن كان نور الكتاب والسنة مشرقا علي جميع المسلمين.
دواء ذلك لمرض:
من نظر بعين العبرة في مرض المسلمين الآن وما أصابهم يجد ذلك ناشئا عن تلك الأسباب المتقدمة. ودواء ذلك المرض أن يتحد الأمراء والعلماء والدعاة بالقلب واللسان علي العمل بكتاب الله تعالي وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم وإحياء سيرة السلف مع الزهد في الدنيا، والتوبة ببذل أنفسهم وأموالهم في إحياء سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم بالحكمة والموعظة الحسنة. وإِلا فالله سبحانه وتعالي له عباد أحبهم وأحبوه يجعل إحياء ذلك الأمر علي يديهم، لأم الله غيور علي دينه وسنته وكتابه وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم. وما الله بغافل عما يعمل الظالمون. أسأل الله تعالي أن يوفقنا لما يحب من القول والعمل والحال، وأن يجمع قلوبنا علي الحق، وأن يهب لنا عناية يحيي بها السن إِنه مجيب الدعاء، وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم.
تجدد الإسلام سعادة المسلمين
حال المسلمين فيما مضي:
المسلمون وإِن كانوا قليلا في العدد والعدد، وكان أهل المعمورة أعداء لهم يناوئونهم ويكيدون لهم حتي جيرانهم وأقاربهم، ومع ذلك كانت تميل التيجان من علي رؤوس الأكاسرة والقياصرة والتابعة هيبة لهم ورهبة منهم. خامر الرعب قلوب الملوك في قصورهم، والخوف قلوب الشجعان في أكمل لأمتهم، حتي كان المسلم المنفرد كخميس جرار، فأخضعوا الأمم للحق وقادوا العالم وسادوهم. كان القرآن حاكمهم إِذا قال لهم أقيموا أقاموا ولو علي جمر الغضا، ولو قال لهم أقدموا أقدموا ولو علي الموت، فكانوا لا بأكلون إِلا إِذا أمرهم القرآن، ولا يتكلمون إِلا إِذا أمرهم القرآن، فالقرآن هو الإمام والقدوة. وأميرهم أعلمهم بأسرار القرآن وأكملهم في العمل بالقرآن. فإذا سها نبهوه، وإِذا نسي ذكروه، فإذا خالف خلعوه. وإِن حكم القرآن بقتله قتلوه، لأن الحاكم الحقيقي والحكم العدل هو القرآن، فما مضت فترة قصيرة من الزمن إِلا والعالم جميعه إِما مسلمين أو خاضعون أهل ذمة للمسلمين. كان المسلم إِذا عمل عملا وقيل له: لم عملت هذا؟ يقول: أمرني القرآن، فيسأله عن الأمر فيخبره به، فيقول: إِني أفهم في هذه الآية غير تلك، فبقول: إِن رسول الله صلي الله عليه وسلم بيَّنها بعمله أو قوله كذا، فيسلَّم له أخوه ويعمل بعمله وعلمه. هكذا كانوا. كلامهم بالقرآن وعملهم بالقرآن، لاءم ذلك نفوسهم أوْ لم يلائمها.
سعدوا وسادوا ليس في الآخرة فقط بل- واللهِ- وفي الدنيا قبل الآخرة، ملكوا الممالك فلم تخرجهم عن التواضع لله تعالي ولرسوله صلي الله عليه وسلم، ودانت لهم الأكاسرة والقياصرة وصاروا أرقاء يباعون في الأسواق وتباع نساؤهم. فكان ذلك أشد في قلوبهم موعظة وعلما بدناءة الدنيا وحقارتها فزهدوا فيها، ورغبوا في الدار التي لا يزول نعيمها ولا يبلي جديدها.
عمل العلماء:
قام العلماء بالواجب عليهم فزهدوا الدنيا وخالفوا أهلها، وكانوا قدوة حسنة أمام أفراد الأمة حتي في زمن الخلفاء الراشدين، كان أبو ذر الغفاري وأبو هريرة وسلمان الفارسي وغيرهم يكتبون لعمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعاً يخوَّفونه من الدنيا فيقبل منهم وخالفوا عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقام أسامة بن زيد لعليّ بن أبي طالب عندما قال له إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: (مَنْ كُنْتُ مَوْلاَه فَعَلِيّ مَوْلاَهُ) وطلب منه موالاته علي معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين أنت مولاي ولكني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول لي: ( أقَتَلْتَ رَجُلاً يَقُولُ لاَ إِله إِلاَّ الله؟) فأنا لا أواليك في هذا الأمر. وقال محمد بن الحنيف رضي الله عنه في يوم صفين: إِنها لفتنة، وأراد أن لا يقاتل فوكزه بكعب الرمح وقال: أتكون فتنة أبوك قائدها؟ وما حصل لمعاوية رضي الله عنه من النساء اللاتي كنّ يمدحن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ويذممن معاوية رضي الله عنه. وما فعله ابن جريح مع المنصور. وما فعله الفضيل مع الرشيد ومالك بن أنس معه مما هو مشهور. كل ذلك كان عمل العلماء. وقد ضُرب أبو حنيفة علي تولية القضاء مرارا حتي رضي أن يكون عدادا للطوب خوفا علي نفسه من معاونة الخلفاء مع أنهم كانوا أئمة الهدي. كل هذا نذر من كثير من عمل العلماء الذين رضوا بخدمة العلم والفقر إيثارا للآخرة علي الدنيا ورغبة في النجاة منها.
وكان المسلمون في هذا العصر لا يمضي يوم إِلا وتفتح فيه الممالك، وتدخل الأمم في الإسلام رغبة وحبا في التمسك به لا رهبة ولا خوفا علي ضياع مال أو هلاك نفس، ولكن شاهدوا من المسلمين حكما عادلا، وعملا مقبولا للعقول، وحالا تميل إِليه النفوس، وزهدا فيما في أيدي الناس، وسلامة ضمير، وإعلانا بالحق والنصيحة لكل إِنسان حتي كان يُضرب الشريفُ الأمير قصاصا إِذا ضرب أحقر أهل الذمة، مع الرحمة العامة والشفقة الحقيقة والمعاملة الطيبة. فكان المسلم يعامل الذمي كما يعامل أهله. إِن كان كبيرا وقَّره، وإِن كان ضغيرا عطف عليه ورحمه، فعشقتهم النفوس ومالت إليهم العقول، إِلا أكابرهم من أهل السيادة الدنيئة الذين خافوا علي سيادتهم، فإنهم تعصبوا لدينهم حفظا للسيادة الفانية. هكذا كانوا وبهذا يكون من بعدهم.
الامام محمد ماضى ابو العزائم