آخر الأخبار
موضوعات

الخميس، 3 نوفمبر 2016

- مقاصد القلوب وهممها

عدد المشاهدات:
قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبل على كل كلام الحكيم، ولكن يقبل على همه وهواه الحديث). لما كان القلب محل نظر الحق سبحانه وتعالى، ومنه تنبعث الأوامر للأعضاء فيصرفها حيث شاء، وقد ينبعث منه الأمر بالخير وهو يقصد الشر كما يفعل المنافق أو المتملق أو المخادع أو المخاتل، فإن جوارحه تتكيف بكيفية حسنة تعين على مراده، ولكن القلب مخفى فيه غير ذلك، وقد تتكيف الأعضاء بصورة تنفر الناظر وتخفيه وتغضبه، والقلب مخفى فيه كل خير، ومكنون فيه الرأفة والحنانة، كما يحصل من الوالد الشفيق أو الأخ الرفيق عند نصحه ولده أو صديقه، أو نهيه عن قبيح حصل منه، فإن بواعث الشفقة والرحمة إذا اندفعت من القلب قضت على الجوارح بالشدة والقسوة، فالحكيم قد يهتم بعمل لله خالص، ويميل هواه إلى مراد الله، ولكن يدعوه مقتضى الوقت أن يعمل هذا العمل بحالة ربما ظن منه الجاهل بها أنه منافق أو مراء، أو مخالف للشرع، وحكم عليه بذلك.

وهو فى عمله هذا من المقربين إلى الله المحبوبين لله، وإن كان ظاهر عمله يومىء إلى مخالفة باطنه، فإن الحكماء قضت عليهم أنوار الحكمة أن ينشروا الخير بين الناس، ويظهروا الفضيلة ويدلوا الناس على مناهج البر وموارد الوصول، بالأساليب التى يرون نجاحها، ما دامت مباحة شرعاً ولو كانت مبتذلة عرفا، غير مبالين بما يلم بهم من لائمة الخلق؛ ما دامت مقاصد القلوب وهممها إعلاء كلمة الله، والمحافظة على حدوده. وهو مسلك من المسالك التى ينبغى لكل مرشد أن يتجمل به، بحيث أنه يراقب قلبه سراً وعلناً، ويحاسب نفسه فى أصغر الصغائر وأكبر الكبائر، ويجاهد هواه فى ذات الله تعالى، مجاهدة تجعل قلبه لا يهم إلا الله، ولا يهوى إلا الله، مستصغراً كل حظ لغيره، مستهيناً بكل هوى لغيره، وعليه– مع هذا الصفاء الذى يحصل لقلبه– أن يكون حكيماً فى صفائه، فيحتاط من الناس بظاهرة، خشية من حصول الوحشة بينهم بسوء ظن أو بسوء عمل.



وتلك الحيطة بظاهر الأعضاء، مع سلامة القلب من الأحقاد، وحفظه من الغلول، وتطهيره من المنافسة فيما لا بقاء له من العرض الزائل، فيجعل أخاه كنفسه إلا أنه شخص آخر، يحب له ما يحب لنفسه، باذلاً له ما يحبه من ماله، زاهداً فى جميع ما معه وما عنده، محافظة على أخائه، حتى يتحقق هو لك بمثل ما تحققت به، فإذا تحقق بذلك قبلت منه ما تشرح صدره بقبوله منه، وبذلت له ما يشرح صدره بقبوله، ملاحظاً فى ذلك الحيطة بالمحافظة على إخائه، فلا تسلك معه مسلك ظنه، ولا تمكنه منك فى حالة ربما أدت إلى سوء ظنك به، حتى يدوم الإخاء فى الله تعالى، ولا يكون ذلك خالصاً لله تعالى إلا إذا بذلت له كل ذلك للقرب إلى الله، ونوال فضل الله ورضوانه سبحانه، لا لغرض آخر، فإن الأخ إذا صفنا لك وصفوت له لله تعالى، كنت به فى معية الله تعالى، وبلغت به منازل المقربين بما تبذله لله، وما تقدمه لله فى ذاته، والله أعلم.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير