عدد المشاهدات:
فتن العصر
قد كانت الفتن في العصر الماضي في الشهوات وفي الحظوظ والأهواء والملذات لكن الفتنة الأعظم في هذا العصر الفكر وهذه تؤدي كما قال صلي الله عليه وسلم {يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا ً}[1] لماذا؟ بسبب الفكر فهذه البلبلة والإثارة التي سببتها الفضائيات وشبكة الإنترنت ووسائل الإعلام والقُوى المتعددة في المجتمع من ذوي الأهواء والنزعات والميول وليست خالصة لوجه الله كل ذلك يسبب البلبلة في المجتمع إذاً ما العمل في هذا العصر؟ هناك جملة من الوصايا سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أكدَّ عليها
الوصية الأولى
فالناس تُقحم نفسها في الجدال في كل مكان وزمان والجدال لا يأتي بنتيجة في النهاية لأن كل واحد من أهل هذا العصر معجب برأيه ومتشبث به ولن يتخلى عنه إذاً ما الفائدة من الجدل؟لذا يجب ألا تشغل نفسك بغيرك وعليك نفسك وإذا أردت أن تشغل نفسك بغيرك فاشغل نفسك بمن لا يؤمن وحاول أن تهديه للإسلام فهذا خير لك من أن تشغل نفسك بمن آمن بفكر وأصر عليه ولا تستطيع أن تزحزحه قدر أنملة عما هو مُصر عليه في فكره لكن لا شأن لنا إن كان هذا شيعي أو سلفي أو صوفي لأننا في الوسطية التي اختارها الله لنا في القرآن {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}
الوصية الثانية
قال صلي الله عليه وسلم {أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ}[2] أهم شىء في هذا الزمان أن يمسك الإنسان بزمام اللسان فلا يتكلم الإنسان إلا في ضوء قول الله {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ} وإذا نطق للخلق أجمعين فيكون هديه {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}وإذا تحدث مع المؤمنين فيكون هديه {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} مَن فعل ذلك أضمن له عند الله أنه سيكون من كُمَّل أوليائه هذه روشتة سهلة لكنها سهلة لمن يعينه الله لأن الإنسان دائماً يميل إلى الثرثرة وإلى الإكثار من الكلام وإلى إضاعة الوقت في اللغو إذا كان صفة المؤمنين {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} فما بالك بمن يريد أن يكون من المحسنين أو الموقنين فماذا يعمل؟ واللغو كما قيل هو الكلام الذي لا يُفيد كالكلام في السياسة والتعليقات التي لا تلزم على الانتخابات فيما لا يفيد وغير ذلك والمؤمن ليس يشغله إلا الإقبال على الله أو المهمة التي كلَّفه بها الله وهي إظهار جمال دين الله لخلق الله جلَّ في علاه والذي لا يتكلم إلا نادراً نُسميه حكيم وهل هناك لقب أفضل منذ ذلك؟ قال صلي الله عليه وسلم {مَنْ صَمَتَ نَجَا}[3] إذاً الذي ينجو في هذا الزمان من يحافظ على الصمت مع الخلق لو صدقت النية فإن الله يوفر للإنسان كل ما يحتاجه بلا سبب وإنما من رب البرية قد يقول البعض: كيف أجمع بين الصمت وبين الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟ أولاً تأمر نفسك وتنهى نفسك ثم الأقرب فالأقرب ابدأ بنفسك ثم أهلك ثم الأقرب فالأقرب لكن المصيبة أن يأمر الناس وينهى الناس وهو لم ينته ولم يمتثل فيأمر الناس بالحجاب والنقاب وابنته تمشي وعورتها ظاهرة ويتكلم عن قيمة الوقت في حياة المسلم ثم يجلس على القهوة ويلعب الدومينو أو الشطرنج إذاً يجب أن يكون أولاً هو قدوة في هذا الأمر
الوصية الثالثة
عليك بالقرآن لأنه حبل النجاة الذي أنزله الله في الأكوان وهذه مشكلة تواجه الصالحين كيف يسوقوا المسلمين إلى مداومتهم على تلاوة كتاب الله لأن كثير من المسلمين لا يقرأون القرآن إلا في رمضان وبعد رمضان يأخذون أجازة من القرآن لماذا؟ هل وجدت الخير في كتاب غيره؟ هل وجدت البر في تركه؟ هل وجدت ضراً في الاستمرار في تلاوته وقراءته؟ ألم تتنزل عليك الخيرات؟ ألم تأتيك البركات؟ ألم يحطك الله بالعطاءات والنفحات؟ عليك بالقرآن والقرآن يسره الله لنا في هذا الزمان {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} فمن لم يستطع القراءة يسمع فإذا ركبت سيارة فسماعه متوفر في مسجل السيارة ويتوفر سماعة في التليفون المحمول فلا يوجد شيء يمنع عن القرآن المهم {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } فالقرآن حصن الأمان لأهل هذا الزمان
الوصية الرابعة
دوام الاجتماع مع الصادقين الذين صدقوا في إتباعهم للنبي الأمين لأنهم يحفظون أحوال الخلق في هذا الزمان من الخزعبلات الفكرية ومن الموجات الإلحادية ومن الأفكار النفسية التي لا تليق بالعبد نحو رب البرية ومن كل الأشياء المخزية ولذلك قال لنا الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} لأن الإنسان دائماً يتشاكل - وإن لم يدري - مع من يخالطه ويجالسه ويصاحبه فلا يوجد عدوى تُعدي الإنسان قدر عدوى الأخلاق والسلوكيات التي ينقلها من المجالسين ولذلك لا بد للإنسان أن يختار من يجالسه أو يؤانسه ليحفظ نفسه من الخطأ والزلل ولا يضمن العصمة والحفظ من الخطأ والزلل وهو يجلس مع الهالكين أو البعداء أو التعساء لأن اللسان أحياناً يتكلم بما لا تريده ولا تستطيع منعه ولكن الحفظ يأتي بمجالسة الصادقين أما رفقاء السوء فيجب البعد عنهم بالكلية ولذلك عندما جاء رجل لأحد الحكماء وقال له: أريد أن أسلك الطريق إلى الله فقال له (طريق الله مصاحبة الأخيار ومفارقة الأشرار والسير على المناهج والسنن والآثار)
بشرى الحبيب صلي الله عليه وسلم
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم {سَأَلْتُ رَبِّي ثَلاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَيْنِ وَلَمْ يُعْطِنِي وَاحِدَةً سَأَلْتُهُ أَنْ لا يَقْتُلَ أُمَّتِي بِسَنَةِ جُوعٍ فَيَهْلَكُوا فَأَعْطَانِي وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِي وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِي}[1]
وهذا ما نراه حادثا الآن كل المشاكل التي في ديارنا وبلادنا ما سببها؟ إخواننا مع إخواننا , المسلمين مع المسلمين، المصريين مع المصريين ، هذا ينتسب إلى حزب وهذا ينتسب إلى حزب آخر وهذا ينتسب إلى جبهة وهذا ينتسب إلى فئة لكنهم في النهاية أهل وطن واحد وبلد واحد ومعظمهم أهل دين واحد وهو دين الإسلام لِمَ الخلاف؟ للوصول إلى المناصب للحصول على المكاسب والذين يريدون الحصول على المناصب والوصول إلى المكاسب لا يهتمون بأمر الرعية إن جاعوا فلا يهمهم شأنهم أو تعروا فلا ينشغلوا بتغطيتهم أو ساءت الأحوال فلا يهتموا بأمرهم كل ما يهتمون به تحقيق مصالحهم الذاتية ومآربهم الشخصية وهذا هو البلاء الذي وقعنا فيه الآن وليس لهذا البلاء من كاشفة إلا أن يجتمعوا على رأي واحد ويتحدوا على فكر واحد ويختاروا فئة منهم أو واحداً منهم ويختار جماعة منهم يتفقون على العمل لله لصالح هذا البلد ولخدمة الفقراء والمساكين وينحون أمر الجماعات والأحزاب جانباً قاتل الله الأحزاب وليستمعوا إلى قول الله {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} الأنعام159
نهج أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم
ليتهم ينتهجون نهج أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما انتقل الرسول صلي الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى واجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليختاروا واحداً منهم يخلف رسول الله وسمع بذلك المهاجرين سار أبو بكر وعمر وأبو عبيدة رضي الله عنهم إلى السقيفة ورأى أبو بكر بما معه من نور الله ما يدور في نفوس الأنصار فأطفأ هذه النار وقال: يا معشر الأنصار أنتم الوزراء ونحن الأمراء قالوا: رضينا يا أبا بكر يريدون أن يكون لهم شيء فأعطاهم (أنتم الوزراء ونحن الأمراء) ثم قال في فناء عن نفسه وعن مجده الشخصي: يا قوم بايعوا أبو عبيدة فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ}[2] وقال أبو عبيدة: كيف أتولى وأنت فينا وأنت الذي أمرك الرسول أن تخلفه في الصلاة عند مرضه وأنت صاحبه في الغار وأنت صديقه في كلام السماء؟ فقال أبو بكر: بايعوا عمر بن الخطاب فإني سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول {قَدْ كَانَ فِيمَا خَلا قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ مِنْهُمْ فَهُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ }[3] ويقول {مَا سَلَكَ عُمَرُ وَادِيًا قَطُّ فَسَلَكَهُ الشَّيْطَانُ}[4] فقال عمر رض الله عنه : ويل لعمر وأم عمر إن تولى الخلافة على أبي بكر - كانوا يتدافعونها - واتفقوا على أبي بكر وخرجوا وأمرهم جميع لم يهاجموا بعض ولم يشنعوا على بعض في الفضائيات أو يتهموا بعضاً بالمخازي والفضائح ويرفعون الجنح والجرائم الكبرى على بعضهم في المحاكم والجنايات لأن هذا ليس من أخلاق الإسلام ولا من تعاليم المسلمين نحتاج في هذه الآونة يا أحباب الله ورسوله إلى أن نقضي على هذه الفتنة ولا نزكيها فلا تجلس مع أخ لك أو قريب لك أو صديق لك وتجادل عن حزب وتدخل معه في خصومة أو تدخل معه في جدال لأن الجدال دائماً وأبداً يوغر الصدور ويورث السخائم في النفوس ولماذا نجادل عن هذا وذاك؟ نحن جميعا إخوة جعلنا الله في كتاب الله إخوة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} الحجرات10 وكل ما نبغيه نريد فئة تؤمن بالله وتخش الله وتتقيه تمسك أمور هذه البلاد وترعى مصالح الفقراء والمساكين إن كانوا من هذا الحزب أو ذاك المهم أنهم يسعون لمصالح العباد ولمنافع البلاد فلم نكبد أنفسنا المشقة البالغة ونتقاتل في القرى؟ ونتحزب في المدن ونتنافس في كل مكان ونصارع أنفسنا ونجالد بشدة مع أن هذا أمر لا ينبغي أن يكون بين أهل الإيمان؟ نريد أن نعمل جميعا بقول الله {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} آل عمران103 أنا أقول ذلك لأني رأيت إخواني المسلمين في كل البلاد مشغولين بهذه السفاسف لا حديث لهم إلا في هذا الكلام ولا يقطعون الليل في قراءة القرآن أو ذكر الله أو الصلاة لله ولكن في مشاهدة البرامج التي نعلمها جميعاً والتي تمتلئ بالسب على فلان والتنقيص من قدر فلان والاختصام لفلان والانتصار لفلان أمور تشتت الأذهان وتشتت البال وتجعل المسلمين أجمعين في نكال ووبال على الدوام نريد أن نقضي على هذه الإحن وعلى هذه الفتن وندعو الجميع إلى الألفة والمودة والمحبة ونتفق على رأي جميع قبل أن يضيع هذا البلد من بيننا ونحن حضور فيه كيف يكون حالنا إذا سقط هذا البلد؟
منقول من كتاب [الأشفية النبوية للعصر]