عدد المشاهدات:
مقام بر الوالدين والآداب لهما
لست في مقام تقرير حقيقة خفية، ولكنها ثابتة شرعًا وعقلاً وجبلة، وتؤثر علي القلوب والحواس تأثيراً يؤدي إلى الإنفعال النفساني والجسماني بالعواطف والاعتقاد والانقياد، وبالغيرة والحمية..
مالى وللتكلم في واجب فطرت علي مراعاته النفوس الكريمة!! وجبلت علي القيام به العقول السليمة؟! حتي صار من المقرر عقلاً وعادة، أن الولد إذا لم يقم لوالديه فيما من شأنه أن يقوم به أهل العواطف ظلم أمه.
والوالد والوالدة هما مظهر الشفقة والرحمة والحنان والبر والإمداد والإيجاد الإلهي ،لذلك فقد أوجب الله الشكر لهما، وجعل رسول الله ﴿ص وآله﴾ الجنة تحت أقدام الأمهات، وجعل الوالد علي باب الجنة. قال الله سبحانه وتعالى )وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) (النساء: 36)، وقال تعالى )قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً )(الأنعام: 151)، وقال تعالى )وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً )(الاسراء: 23) وقال تعالى )وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) لقمان: ١٤.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال رجل يارسول الله من أحق بحسن صحابتي أو صحبتي . قال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك)
وقال ﴿ص وآله﴾ : (رغم أنفه رغم أنفه. قيل من يا رسول الله؟. قال: من أدرك والديه عنده الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة).
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت: (قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت عليَّ وهي راغبة أفأصلها؟ قال: صليها).
وفي الحديث الحسن عن رسول الله ﴿ص وآله﴾ أنه قال: (رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي ﴿ص وآله﴾ يقول: (الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فحافظ علي الباب أو ضيع)
وقال﴿ ص وآله﴾: (من أصبح مرضيًا لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى الجنة ومن أمسي فمثل ذلك وإن كان واحدًا فواحد, وإن ظلما وإن ظلما وإن ظلما، ومن أصبح مسخطاً لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى النار ومن أمسي فمثل ذلك وإن كان واحداً فواحد وإن ظلما وإن ظلما وإن ظلما)
وقال ﴿ ص وآله﴾: (إن الجنة يوجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم).
هذه الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة قد بينت لنا حقوق الوالدين وشرحت لنا مقدار السعادة التي ينالها الولد ببرهما، والشقاء الذي يناله العاق.
ومن الآداب للوالدين:
أن تبذل مالك وتحفظ مالهما، وتأكل بعد أكلهما، وتنام بعد نومهما، وتلبس بعد لبسهما، وتجتهد أن تعمل ما يسرهما ولو كانا كافرين، وعليك أن لا تخالفهما إلا إن جاهداك علي أن تشرك بالله ما ليس لك به علم فالواجب عليك أن لا تطيعهما كما قال تعالى )وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ) لقمان: ١٥.
وإياك أن يدفعك الطمع فتوفر مالك وتنفق من مالهما، أو تأخذ من مالهما شيئا تدخره لنفسك أو أولادك، أو تجمل امرأتك بشيء لم تجمل به والدتك فإن ذلك عقوق تعذب به يوم القيامة وتعاقب به في الدنيا بعقوق أولادك لك.
وكن علي يقين أن برك لوالديك سعادة لك في الدنيا بالعافية في بدنك والنسيئة في عمرك والسعة في رزقك ونجابة أولادك وسرورك بهم ولو تحققت ذلك يا أخي لبذلت النفس والنفيس في إدخال السرور علي والديك فإنك لا تدري متي يفارقانك.
وأكمل الآداب أن الصغير لا يطلب من والديه شيئًا إلا إذا احتاج إليه وعجز عن نيله بنفسه، فإن أعطي له ما طلب شكر وفرح، وإن أعطي له دون ما طلب قبل بدون أن يُظهر ما لا يُرضي من علامات الحزن أو الكلام.
وعليه أن يسارع في بذل ما في يده لإخوته ليرضي والديه وأن يحفظ لإخوته ما معهم. وعليه أن يسارع إلى طاعة الوالدين وخدمتهما وتنفيذ أوامرهما والعمل بوصاياهما، ويجتهد ألا يأكل إلا بعد أكلهما، ولا ينام إلا بعد نومهما، وبستيقظ قبل قيامهما ليتولي خدمتهما، ويمشي أمامهما ليلاً ليقيهما، وورائهما نهارًا تواضعًا وأن يعادي عدوهما ويواصل حبيبهما ما لم يكن آثما ويجعل أوقات فراغه كلها في مراقبتهما حتى ينال بذلك صالح الدعاء منهما بالحب الخالص ليكون ذلك رقيًا له عند الله وفوزًا وسعادة.
ومن الآداب ألا يكون سبباً في تكدير صفو والديه بعمل ما يكرهانه في المنزل وخارجه وإن كان الوالد له زوجة أخري فإن حقه لا يسقط عن الولد بزواجه غير أمه فيجب عليه ألا يدعوه غضبه لأمه أن يسقط الحق الواجب عليه لوالده، فإن رضاء الوالدة في غضب والده مما يوجب مقت الله تعالى ، بل يلاحظ حقوق والدته وزوال ما في نفسها من الحزن ويقوم لوالده بحقوقه مختفيًا عن والدته حتى لايغير قلب واحد منهما عليه، وهذه من الكمالات النفسية.
إذا قصر الوالد في القيام بشئون ولده فمن الأدب أن يرجع الولد باللوم علي نفسه وأن يتجمل لوالده بما يعيد له الرحمة الأولي ، فإن رحمة الوالدين لا تنكر ولا يسلبها من القلب إلا عمل قبيح يحصل من الولد ربما لجهله يراه حسنا ًمنه.
قد يكون الوالد سخيًا وصالاً لأقاربه فيكره ابنه ذلك ويظاهره فتنزع رحمة الوالد من قلبه، وقد يكون الوالد ميالاً للزواج فيكره الولد منه ذلك لجهالته، والأدب يقتضي علي الولد أن يتجمل لوالده بكل أنواع الجمال ويطيعه إلا إذا أمره بإثم فإنه يعتذر إليه.
أيها الولد الذي جعل الرحمة تنزع من قلب والده وتبدل بقسوة وجفوة لابد أن يكون من عملك في ذات والدك أو سوء معاملة لزوجته أو من يحب. أنا أعتقد أن النساء يبغضن اولاد الرجال ويسعين لكيدهن، ولكن الحكيم العاقل البار يتجمل بأنواع الجمالات لوالده ولزوجة والده ولأحباب والده من التواضع والخدمة والمسارعة إلى عمل ما يسر وإظهار الإخلاص وذكر ما قل من أعمال البر ونسيان ماعظم من أعمال الشر. ولا أشك أن من تخلق بتلك الأخلاق ألفته الوحوش فضلاً عن الوالد وزوجته.
يابني : لا خلاص لك من شرور الدنيا وعذاب الآخرة إلا بتحمل أصعب الصعوبات وأشد الشدائد في نيل رضاء والديك والتأدب لهما بما يليق بهما. وإن نفَسًا واحدًا تري نفسك لا تتحمل تلك الشدائد فتعادي والديك : يكون من فعل ذلك سجل علي نفسه الشقاء.
لو تصورت يا أخي كيف كانا يفرحان بك صغيرًا ويبذلان نفائس أموالهما لسرورك وكيف تحملت والدتك في حملك ورضاعك وفي تمريضك وما تحمله والدك في تربيتك.. لبذلت وسعك لتسرهما وتكرمهما ليموتا راضيين عنك داعيين لك وتعيش بعدهما مطمئن القلب بأنك ستنال الخير ببركة دعائهما والذرية الصالحة البارة ببركة رضاهما مع ما يحصل لك من البهجة والسرور عندما تتذكر أنك أحسنت إلى والديك وأن الله سبحانه وتعالى سيدخلك الجنة مع الأبرار البارين، تلك البهجة يا أخي خير من الدنيا وما فيها.
وأظنك تقول يا أخي : أبنائي وزوجتي . أنت مسكين لا تعلم أرزقت بهم ليكونا لك خيرا ًفي الدنيا والآخرة أو شقاء لوالديهما في الدنيا والآخرة؟ فكيف يا أخي تترك الأمر الجلي البينة سعادته، وهو بر والديك الذين أحسنا إليك وأوجب الله عليك أن تقوم لهما بالإحسان, وتجتهد في الأمر المشكوك فيه الذي لا تعلم عاقبته وهو أن تدخر لأبنائك وتهمل الحقوق الواجبة لوالديك أعاذنا الله وإياك يا أخي مما يوجب المقت والسخط.
ولو أنك ادخرت لأبنائك نفسا ًعالية ترفعهم عن سفاسف الأمور وعقلاً ذكيًا يعقلهم عن مهاوي المقت، وخلقًا جميلاً حسنًا تحسن به معاشرتهم لأرحامهم وأقاربهم وكنزا ًمن الدين يمنحهم الله به من السعادة في الدنيا والآخرة لكان خيرًا من نفائس الأموال وكنوز الذهب والفضة .
ومن بر الوالدين بعد موتهما:
الاستغفار لهما، والصلاة عليهما، وصلة الأرحام التي تدلي إليهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما. قال مالك ابن ربيعة: بينما نحن عند رسول الله ﴿ص وآله﴾ إذ جاءه رجل من بني سلمه فقال: يا رسول الله هل بقي علي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد وفاتهما؟ قال: (نعم.. الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما)
ومن إكرامهما في حياتهما أن تبر يمينهما، فتري الفاسق الغوي إذا مات والداه أو أحدهما دعاه الطمع الأشعبي والغرور بالدنيا ونسيان يوم الحساب أن يقوم فيحارب إخوته وأخواته ويعتقد أنه لا عدو له في الأرض إلا أبناء والديه ما ذلك إلا لأن الجهل أنزل المال عنده منزلة الإله المعبود الذي يأمره فيطيعه، ومن الضلال من يسلك الناس علي إخوته الأشقاء أو أبناء العلات ليستريح من منافستهم له في هذا العرض الزائل. ولعمري إن هذا العمل لا يعمله رجل من أهل الجنة ولا من ذاق حلاوة الإيمان.
كن يا أخي علي يقين أنك إن بررت والديك بعد موتهما بصلة أرحامهما أن الله تعالى يبارك لك بركة تدوم لك حتى تكون في الفردوس الأعلي, ومن اعتز بمال يفني, وملك يزول، ورياسه تتحول، ورياش يبلي ، واستعان بأهل الزور والبهتان، فقطع أرحامه ليكثر ماله فرحًا بالمال والسيادة والرياسة: كان كمن عرض نفسه لشقاء الدنيا، فإن قطيعة الرحم تعجل عقوبتها في الدنيا خصوصا وأن قطيعة الرحم عقوق للوالدين وعقوق الوالدين موجب لسوء الخاتمة والعياذ بالله.
والأرحام في الأصل كل من لك به قرابة توصلها بك أمك نسبة للرحم، ولكن العرف الشرعي أطلق اللفظ وجعلها عامة لكل من لك به قرابة تدلي إلى أمك وأبيك.
وجعل قرابة الأم أولي بحسن العاطفة وإن كان للعصبة تأثير علي النعرة بالنسب والحمية للقرابة.
فابدأ أيها الأخ أيدك الله بالتوفيق بصلة أرحامك معتقدًا أن ذلك سعادة لك في الدنيا والآخرة، وليكن ذلك بقدر استطاعتك، وابدأ بنفسك ثم بمن تعول.
ومن يدفعه الأمل إلى الطمع فيقصر في حقوق الصلة فيحتال لسلب ما في أيديهم فيكون قد ارتكب جريمتين جريمة التلصص وجريمة قطيعة الرحم، واللص الذي يتلصص علي الأجنبي أقل وزرًا منه.
كيف يكون سرورك أيها الأخ إذا أنت أكرمت إخوتك وأقاربك وتحققت أن الله تعالي يكرمك في الدنيا بأن يجعل في قلوب أبنائك الرحمة والعاطفة بعضهم لبعض وشهدت ذلك في حياتك، وانتقلت إلى الدار الآخرة شاكرًا ربك علي ما وهب لك من التعاطف والتواصل والتآلف والمساعدة والمسارعة إلى جلب الخير لبعضهم ودفع الضر عن بعضهم، وانتقلت إلى البرزخ فوجدت قبرك روضة من رياض الجنة فكمل سرورك وتمت بهجتك؟
ثم انظر ياأخي للعاق لوالديه القاطع لرحمه كيف تصب عليه البلايا في الدنيا صبًّا بكثرة القضايا والخصومات، ثم جعل الله له أبناء فجرة يبددون ما جمع في حياته وينغصون عيشته بما يقع بينهم من الخصومات والعداوة وما يناله من قبيح أعمالهم من الناس حتي يتمني أنه لم يكن تزوج. وأنه يوجد في الدنيا فيعيش طول عمره في شقاء وكبائر حتي يفارق الدنيا فينتقل من آلام بدنية فكرية إلى حفرة من حفر النار- نعوذ بالله من قطيعة الأرحام- ولا يصبر أبناؤه حتي يواروه التراب بل تقع بينهم المنازعات والمخاصمات، وربما تلاكموا وتضاربوا بالعصي وتزاحموا علي تفتيش الحجرة التي هو فيها وربما وطئوه بالنعال وهو ملقى بينهم وهو الذين كان يسهر ليجمع لهم ويخاصم أقاربه ليجدد لهم.. انظر ياأخي بعينك عاقبة هذا الأمل ونتائج هذا الطمع.
صل رحمك ياأخي ليرحمك الرحمن، وأكرم أقاربك ليقربك القريب، وبر والديك ليبرك البر الودود قال تعالى ) وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى )(النساء: من الآية36)، وقال سبحانه )فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) محمد: ٢٢ وقال ﴿ ص وآله﴾: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في عمره فليصل رحمه).
ومن الآداب الواجبة عليك لوالديك
أن تبر أهل ود أبيك ممن كان يودهم ويحبهم. ولا تتشبه ياأخي بمن أبعدهم الله عن أعمال الخير الذين إن تمكنوا أساءوا أهل ود والديهم، لأنه قد يكون للرجل ولد سيء الأدب ويكون والده متزوجًا امرأة غير أمه وتكون محظية عنده محبوبة لديه ولم ترزق من أبيه بأولاد، فإذا مات أبوه قام فجعلها أعدي أعدائه وشر ألدائه ولم يراع حقوق والده. وقد يكون للوالد عامل مخلص في عمله محافظ علي أمواله، ويكون الولد مسرفًا فيشدد عليه العامل وهو صادق أمين، فإذا تمكن المسرف من المال أو الميراث حارب العامل الصدوق الأمين وطرده من عمله ولم يراع حقوق والده.
وقد ورد عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان راكباً علي جمل فمر به أعرابي فنزل عن الجمل وقابله وحياه، ثم أخذ بزمام الجمل وأعطاه إياه وانصرف، فقيل له ما هذا؟ قال: هذا الرجل كان يُضحك والدي كلما رآه، فأحببت أن أبر والدي بإكرام من كان يضحك والدي لرؤيته.. وهكذا فليكن البر، ومن هذا الإمام يؤخذ. فقم ياأخي بإكرام أهل ود أبيك لتكون بارًا، وكن علي يقين أنك تفوز بالمسرات في الدنيا والسعادة في الآخرة، والله يمنحني وإياك التوفيق لما يحب ويرضى.
لست في مقام تقرير حقيقة خفية، ولكنها ثابتة شرعًا وعقلاً وجبلة، وتؤثر علي القلوب والحواس تأثيراً يؤدي إلى الإنفعال النفساني والجسماني بالعواطف والاعتقاد والانقياد، وبالغيرة والحمية..
مالى وللتكلم في واجب فطرت علي مراعاته النفوس الكريمة!! وجبلت علي القيام به العقول السليمة؟! حتي صار من المقرر عقلاً وعادة، أن الولد إذا لم يقم لوالديه فيما من شأنه أن يقوم به أهل العواطف ظلم أمه.
والوالد والوالدة هما مظهر الشفقة والرحمة والحنان والبر والإمداد والإيجاد الإلهي ،لذلك فقد أوجب الله الشكر لهما، وجعل رسول الله ﴿ص وآله﴾ الجنة تحت أقدام الأمهات، وجعل الوالد علي باب الجنة. قال الله سبحانه وتعالى )وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) (النساء: 36)، وقال تعالى )قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً )(الأنعام: 151)، وقال تعالى )وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً )(الاسراء: 23) وقال تعالى )وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) لقمان: ١٤.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال رجل يارسول الله من أحق بحسن صحابتي أو صحبتي . قال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك)
وقال ﴿ص وآله﴾ : (رغم أنفه رغم أنفه. قيل من يا رسول الله؟. قال: من أدرك والديه عنده الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة).
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت: (قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت عليَّ وهي راغبة أفأصلها؟ قال: صليها).
وفي الحديث الحسن عن رسول الله ﴿ص وآله﴾ أنه قال: (رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي ﴿ص وآله﴾ يقول: (الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فحافظ علي الباب أو ضيع)
وقال﴿ ص وآله﴾: (من أصبح مرضيًا لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى الجنة ومن أمسي فمثل ذلك وإن كان واحدًا فواحد, وإن ظلما وإن ظلما وإن ظلما، ومن أصبح مسخطاً لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى النار ومن أمسي فمثل ذلك وإن كان واحداً فواحد وإن ظلما وإن ظلما وإن ظلما)
وقال ﴿ ص وآله﴾: (إن الجنة يوجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم).
هذه الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة قد بينت لنا حقوق الوالدين وشرحت لنا مقدار السعادة التي ينالها الولد ببرهما، والشقاء الذي يناله العاق.
ومن الآداب للوالدين:
أن تبذل مالك وتحفظ مالهما، وتأكل بعد أكلهما، وتنام بعد نومهما، وتلبس بعد لبسهما، وتجتهد أن تعمل ما يسرهما ولو كانا كافرين، وعليك أن لا تخالفهما إلا إن جاهداك علي أن تشرك بالله ما ليس لك به علم فالواجب عليك أن لا تطيعهما كما قال تعالى )وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ) لقمان: ١٥.
وإياك أن يدفعك الطمع فتوفر مالك وتنفق من مالهما، أو تأخذ من مالهما شيئا تدخره لنفسك أو أولادك، أو تجمل امرأتك بشيء لم تجمل به والدتك فإن ذلك عقوق تعذب به يوم القيامة وتعاقب به في الدنيا بعقوق أولادك لك.
وكن علي يقين أن برك لوالديك سعادة لك في الدنيا بالعافية في بدنك والنسيئة في عمرك والسعة في رزقك ونجابة أولادك وسرورك بهم ولو تحققت ذلك يا أخي لبذلت النفس والنفيس في إدخال السرور علي والديك فإنك لا تدري متي يفارقانك.
وأكمل الآداب أن الصغير لا يطلب من والديه شيئًا إلا إذا احتاج إليه وعجز عن نيله بنفسه، فإن أعطي له ما طلب شكر وفرح، وإن أعطي له دون ما طلب قبل بدون أن يُظهر ما لا يُرضي من علامات الحزن أو الكلام.
وعليه أن يسارع في بذل ما في يده لإخوته ليرضي والديه وأن يحفظ لإخوته ما معهم. وعليه أن يسارع إلى طاعة الوالدين وخدمتهما وتنفيذ أوامرهما والعمل بوصاياهما، ويجتهد ألا يأكل إلا بعد أكلهما، ولا ينام إلا بعد نومهما، وبستيقظ قبل قيامهما ليتولي خدمتهما، ويمشي أمامهما ليلاً ليقيهما، وورائهما نهارًا تواضعًا وأن يعادي عدوهما ويواصل حبيبهما ما لم يكن آثما ويجعل أوقات فراغه كلها في مراقبتهما حتى ينال بذلك صالح الدعاء منهما بالحب الخالص ليكون ذلك رقيًا له عند الله وفوزًا وسعادة.
ومن الآداب ألا يكون سبباً في تكدير صفو والديه بعمل ما يكرهانه في المنزل وخارجه وإن كان الوالد له زوجة أخري فإن حقه لا يسقط عن الولد بزواجه غير أمه فيجب عليه ألا يدعوه غضبه لأمه أن يسقط الحق الواجب عليه لوالده، فإن رضاء الوالدة في غضب والده مما يوجب مقت الله تعالى ، بل يلاحظ حقوق والدته وزوال ما في نفسها من الحزن ويقوم لوالده بحقوقه مختفيًا عن والدته حتى لايغير قلب واحد منهما عليه، وهذه من الكمالات النفسية.
إذا قصر الوالد في القيام بشئون ولده فمن الأدب أن يرجع الولد باللوم علي نفسه وأن يتجمل لوالده بما يعيد له الرحمة الأولي ، فإن رحمة الوالدين لا تنكر ولا يسلبها من القلب إلا عمل قبيح يحصل من الولد ربما لجهله يراه حسنا ًمنه.
قد يكون الوالد سخيًا وصالاً لأقاربه فيكره ابنه ذلك ويظاهره فتنزع رحمة الوالد من قلبه، وقد يكون الوالد ميالاً للزواج فيكره الولد منه ذلك لجهالته، والأدب يقتضي علي الولد أن يتجمل لوالده بكل أنواع الجمال ويطيعه إلا إذا أمره بإثم فإنه يعتذر إليه.
أيها الولد الذي جعل الرحمة تنزع من قلب والده وتبدل بقسوة وجفوة لابد أن يكون من عملك في ذات والدك أو سوء معاملة لزوجته أو من يحب. أنا أعتقد أن النساء يبغضن اولاد الرجال ويسعين لكيدهن، ولكن الحكيم العاقل البار يتجمل بأنواع الجمالات لوالده ولزوجة والده ولأحباب والده من التواضع والخدمة والمسارعة إلى عمل ما يسر وإظهار الإخلاص وذكر ما قل من أعمال البر ونسيان ماعظم من أعمال الشر. ولا أشك أن من تخلق بتلك الأخلاق ألفته الوحوش فضلاً عن الوالد وزوجته.
يابني : لا خلاص لك من شرور الدنيا وعذاب الآخرة إلا بتحمل أصعب الصعوبات وأشد الشدائد في نيل رضاء والديك والتأدب لهما بما يليق بهما. وإن نفَسًا واحدًا تري نفسك لا تتحمل تلك الشدائد فتعادي والديك : يكون من فعل ذلك سجل علي نفسه الشقاء.
لو تصورت يا أخي كيف كانا يفرحان بك صغيرًا ويبذلان نفائس أموالهما لسرورك وكيف تحملت والدتك في حملك ورضاعك وفي تمريضك وما تحمله والدك في تربيتك.. لبذلت وسعك لتسرهما وتكرمهما ليموتا راضيين عنك داعيين لك وتعيش بعدهما مطمئن القلب بأنك ستنال الخير ببركة دعائهما والذرية الصالحة البارة ببركة رضاهما مع ما يحصل لك من البهجة والسرور عندما تتذكر أنك أحسنت إلى والديك وأن الله سبحانه وتعالى سيدخلك الجنة مع الأبرار البارين، تلك البهجة يا أخي خير من الدنيا وما فيها.
وأظنك تقول يا أخي : أبنائي وزوجتي . أنت مسكين لا تعلم أرزقت بهم ليكونا لك خيرا ًفي الدنيا والآخرة أو شقاء لوالديهما في الدنيا والآخرة؟ فكيف يا أخي تترك الأمر الجلي البينة سعادته، وهو بر والديك الذين أحسنا إليك وأوجب الله عليك أن تقوم لهما بالإحسان, وتجتهد في الأمر المشكوك فيه الذي لا تعلم عاقبته وهو أن تدخر لأبنائك وتهمل الحقوق الواجبة لوالديك أعاذنا الله وإياك يا أخي مما يوجب المقت والسخط.
ولو أنك ادخرت لأبنائك نفسا ًعالية ترفعهم عن سفاسف الأمور وعقلاً ذكيًا يعقلهم عن مهاوي المقت، وخلقًا جميلاً حسنًا تحسن به معاشرتهم لأرحامهم وأقاربهم وكنزا ًمن الدين يمنحهم الله به من السعادة في الدنيا والآخرة لكان خيرًا من نفائس الأموال وكنوز الذهب والفضة .
ومن بر الوالدين بعد موتهما:
الاستغفار لهما، والصلاة عليهما، وصلة الأرحام التي تدلي إليهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما. قال مالك ابن ربيعة: بينما نحن عند رسول الله ﴿ص وآله﴾ إذ جاءه رجل من بني سلمه فقال: يا رسول الله هل بقي علي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد وفاتهما؟ قال: (نعم.. الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما)
ومن إكرامهما في حياتهما أن تبر يمينهما، فتري الفاسق الغوي إذا مات والداه أو أحدهما دعاه الطمع الأشعبي والغرور بالدنيا ونسيان يوم الحساب أن يقوم فيحارب إخوته وأخواته ويعتقد أنه لا عدو له في الأرض إلا أبناء والديه ما ذلك إلا لأن الجهل أنزل المال عنده منزلة الإله المعبود الذي يأمره فيطيعه، ومن الضلال من يسلك الناس علي إخوته الأشقاء أو أبناء العلات ليستريح من منافستهم له في هذا العرض الزائل. ولعمري إن هذا العمل لا يعمله رجل من أهل الجنة ولا من ذاق حلاوة الإيمان.
كن يا أخي علي يقين أنك إن بررت والديك بعد موتهما بصلة أرحامهما أن الله تعالى يبارك لك بركة تدوم لك حتى تكون في الفردوس الأعلي, ومن اعتز بمال يفني, وملك يزول، ورياسه تتحول، ورياش يبلي ، واستعان بأهل الزور والبهتان، فقطع أرحامه ليكثر ماله فرحًا بالمال والسيادة والرياسة: كان كمن عرض نفسه لشقاء الدنيا، فإن قطيعة الرحم تعجل عقوبتها في الدنيا خصوصا وأن قطيعة الرحم عقوق للوالدين وعقوق الوالدين موجب لسوء الخاتمة والعياذ بالله.
والأرحام في الأصل كل من لك به قرابة توصلها بك أمك نسبة للرحم، ولكن العرف الشرعي أطلق اللفظ وجعلها عامة لكل من لك به قرابة تدلي إلى أمك وأبيك.
وجعل قرابة الأم أولي بحسن العاطفة وإن كان للعصبة تأثير علي النعرة بالنسب والحمية للقرابة.
فابدأ أيها الأخ أيدك الله بالتوفيق بصلة أرحامك معتقدًا أن ذلك سعادة لك في الدنيا والآخرة، وليكن ذلك بقدر استطاعتك، وابدأ بنفسك ثم بمن تعول.
ومن يدفعه الأمل إلى الطمع فيقصر في حقوق الصلة فيحتال لسلب ما في أيديهم فيكون قد ارتكب جريمتين جريمة التلصص وجريمة قطيعة الرحم، واللص الذي يتلصص علي الأجنبي أقل وزرًا منه.
كيف يكون سرورك أيها الأخ إذا أنت أكرمت إخوتك وأقاربك وتحققت أن الله تعالي يكرمك في الدنيا بأن يجعل في قلوب أبنائك الرحمة والعاطفة بعضهم لبعض وشهدت ذلك في حياتك، وانتقلت إلى الدار الآخرة شاكرًا ربك علي ما وهب لك من التعاطف والتواصل والتآلف والمساعدة والمسارعة إلى جلب الخير لبعضهم ودفع الضر عن بعضهم، وانتقلت إلى البرزخ فوجدت قبرك روضة من رياض الجنة فكمل سرورك وتمت بهجتك؟
ثم انظر ياأخي للعاق لوالديه القاطع لرحمه كيف تصب عليه البلايا في الدنيا صبًّا بكثرة القضايا والخصومات، ثم جعل الله له أبناء فجرة يبددون ما جمع في حياته وينغصون عيشته بما يقع بينهم من الخصومات والعداوة وما يناله من قبيح أعمالهم من الناس حتي يتمني أنه لم يكن تزوج. وأنه يوجد في الدنيا فيعيش طول عمره في شقاء وكبائر حتي يفارق الدنيا فينتقل من آلام بدنية فكرية إلى حفرة من حفر النار- نعوذ بالله من قطيعة الأرحام- ولا يصبر أبناؤه حتي يواروه التراب بل تقع بينهم المنازعات والمخاصمات، وربما تلاكموا وتضاربوا بالعصي وتزاحموا علي تفتيش الحجرة التي هو فيها وربما وطئوه بالنعال وهو ملقى بينهم وهو الذين كان يسهر ليجمع لهم ويخاصم أقاربه ليجدد لهم.. انظر ياأخي بعينك عاقبة هذا الأمل ونتائج هذا الطمع.
صل رحمك ياأخي ليرحمك الرحمن، وأكرم أقاربك ليقربك القريب، وبر والديك ليبرك البر الودود قال تعالى ) وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى )(النساء: من الآية36)، وقال سبحانه )فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) محمد: ٢٢ وقال ﴿ ص وآله﴾: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في عمره فليصل رحمه).
ومن الآداب الواجبة عليك لوالديك
أن تبر أهل ود أبيك ممن كان يودهم ويحبهم. ولا تتشبه ياأخي بمن أبعدهم الله عن أعمال الخير الذين إن تمكنوا أساءوا أهل ود والديهم، لأنه قد يكون للرجل ولد سيء الأدب ويكون والده متزوجًا امرأة غير أمه وتكون محظية عنده محبوبة لديه ولم ترزق من أبيه بأولاد، فإذا مات أبوه قام فجعلها أعدي أعدائه وشر ألدائه ولم يراع حقوق والده. وقد يكون للوالد عامل مخلص في عمله محافظ علي أمواله، ويكون الولد مسرفًا فيشدد عليه العامل وهو صادق أمين، فإذا تمكن المسرف من المال أو الميراث حارب العامل الصدوق الأمين وطرده من عمله ولم يراع حقوق والده.
وقد ورد عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان راكباً علي جمل فمر به أعرابي فنزل عن الجمل وقابله وحياه، ثم أخذ بزمام الجمل وأعطاه إياه وانصرف، فقيل له ما هذا؟ قال: هذا الرجل كان يُضحك والدي كلما رآه، فأحببت أن أبر والدي بإكرام من كان يضحك والدي لرؤيته.. وهكذا فليكن البر، ومن هذا الإمام يؤخذ. فقم ياأخي بإكرام أهل ود أبيك لتكون بارًا، وكن علي يقين أنك تفوز بالمسرات في الدنيا والسعادة في الآخرة، والله يمنحني وإياك التوفيق لما يحب ويرضى.