آخر الأخبار
موضوعات

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

- هل يمكن للإ نسان أن يغير من أخلاقه ؟

عدد المشاهدات:

إن الإنسان قابل لأن تُنَوّع أخلاقه،
لما كانت الأخلاق تتغير من سيئة إلى حسنة، ومن قبيحة إلى جميلة، ومن رذيلة إلى فضيلة.. كل ذلك بمجاهدة النفس وقهرها علي أنواع التزكية وتناول الأدوية المزيلة لأمراضها من يد الطبيب الروحاني العارف الرباني العالم بأمراض النفوس وأسقامها وعللها، الذي منحه الله حكمة الشريعة وأسرار أحكامها، وجعل له بصرًا يبصر به فكان من المتوسمين، فإذا أراد الله بعبد خيرًا من عليه بهذا العارف الرباني ومنحة التسليم له فأورده موارد الصفا وسلك به مسالك القرب وعلمه مما علمه الله رشدًا حتى يعرف نفسه فيعرف ربه، ومتي عرف نفسه وعرف ربه شهد من نعم الله التي لا تحصي ومنته التي لا تستقصي ما يجذبه بكليته إلى ربه فيحب الله حبًا يشغله عن كل ما سواه ومن سواه، ويسارع إلى محاب الله ومراضيه, فيظهر له أن الله سبحانه وتعالى يحب أخلاقه القدسية وصفاته العلية التي بها القرب منه سبحانه والوصول إليه جل جلاله، فيسارع بحول من الله وقوة لأنه عرف نفسه أنه من طين لازب وأن مازاد علي الطين فهو فضل الله ونعماه، فيقف عند حده معتقدًا أنه من طينة أو ماء مهين ويشهد بقية الجمال الذي جمله الله به من الله ولله، ثم يشهد ما حوله من نعم أحاطت به وأنواع سخرت له من أرض وسماوات ومعادن ونباتات وحيوانات وما بين ذلك من ملائكة وجنات ونعيم وخيرات، كل ذلك مسخر له من الله فضلاً منه وكرماً لا لعمل عمله إذ لاحول ولاقوةإلا بالله. وهل للماء المهين في القرار المكين حول أو قوة؟ تنزه ذو الجلال والإكرام عن أن يكون لأحد عمل سواه، أو يكون لأحد نعمة أو منة غير الله تعالى المنعم المتفضل الوهاب الكريم.

فيحب العبد المؤمن أخلاق الله تعالى ، ويجاهد نفسه وهواه مجاهدة قاهرة علي أن يتخلق بتلك الأخلاق المحبوبة لحبيبه ومولاه الذي من طينة أنشأه وسواه ومن ماء مهين صوّره سبحانه، وبفضله العظيم والاه.

وتقوي عوامل محبته حتى تقهر بشريته وتضعف شهوته ولديها يمكنه أن يتخلق بالأخلاق الربانية، ويتشبه بحبيب الله ومصطفاه، ويكون من أهل معيته المحمدية الذين أثني الله عليهم.

ليس الأمر بصعب علي من يسر الله له الخير، فإن الله جل جلاله له أخلاق جمالية يعامل بها سبحانه من يحب، وأخلاق جلالية يعامل بها من يكره سبحانه الرؤوف الرحيم الحليم الكريم المنعم المتفضل القريب المجيب الحنان المنان.

وهي الأخلاق التي يعامل بها جميع خلقه في الدنيا, قال تعالى ) وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً )(البقرة: من الآية126)، ثم يختص المؤمن بهذا الفضل العظيم يوم القيامة، فاشتراك المؤمن والكافر في رحمة الله في الدنيا لتكون لـه الحجة على جميع خلقه يوم القيامة وليظهر سر قوله تعالى ) وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) في الدنيا لأنها سبقت غضبه، وقد خصصها للمؤمنين يوم القيامة بدليل قوله تعالى) فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) الأعراف: ١٥٦

فهو سبحانه القهار المنتقم شديد البطش القوي المذل المانع الضار، وهي الأخلاق التي يعامل بها من يكره .فالمؤمن المتخلق بأخلاق الله يجمله الله بالرأفة والرحمة والعفو والسماح والشجاعة والكرم والعفة والحنان والعطف والود والفضل والعلم والحلم والشفقة، فيعامل بها أحباب الله أهل الحق معاملة لله، ويجمله الله بأن يجعله متصفا بالقهر والجبروت والقوة والانتقام يعامل بها أعداء الله معاملة لله، فيضع كل خُلُقٍ من أخلاق الله في موضعه، فيكون ذليلاً متواضعًا مسكينًا لأهل الحق مع الرأفة والرحمة والشفقة، وبذل مافي يده معاملة لله ويكون قويًا شجاعًا شديدًا مع أعداء الله حبًا في الله وتخلقًا بأخلاق الله.. وبذلك يكون العبد متخلقًا بالأخلاق الربانية محبًا لله محبوبًا لله.

فإذا رأيت في نفسك هذا فاشكر الله تعالى ، وأعلم أن الله أورد عليك من مواهبه العلية مالا قبل لك أن تناله ولو عُمِّرتَ الدهر وصَرَفتَ أنفاسك وحركاتك في قربات، وشتان بين ما يورده الله عليك وما تورده أنت علي الله، ومَنْ أَنتَ يا مسكين وما عملك؟ وإنما الوارد ما يرد من الله عليك لا ما تورده أنت علي مولاك.

فأنت يا مسكين إن شهدت عملك أشركت بربك وكفرت بوحدة الأفعال، وإن عملك الذي تعمله يجب أن تشهده واردًا من الله، فإنه سبحانه إن أراد أن يوقفك أمامه مواجهًا له في صلاتك أقامك وواجهك، وإن أحب أن تترك شهوتك له بالصوم وفقك، وإن أراد أن يجعل لسانك رطبًا بذكره وقلبك مشرقًا بنوره أعانك ووهب لك، فاحذر أيها السالك أن يكون فرحك بعملك أو اعتمادك علي عملك، فإن ذلك حجاب سميك حجب السالكين وأوردهم موارد البُعدِ عن رب العالمين.

واحذر يا أخي أن تعمل عملاً لتنال حظًا عاجلاً أو نعيمًا آجلاً فإن هؤلاء عباد الأكوان، ومكون الأكوان هو المقصود للمقربين وخير للأبرار من أهل اليمين.

إن للعبادة يا أخي آيات تظهر للعباد وأسرار تلوح لهم فيقفون عندها فتكون عبادتهم حجة عليهم ويوم القيامة يقول الله لهم: إنا خلقناكم لا لعلة، ورزقناكم لا لعلة ولا لغرض، وصورتكم من ماء مهين وقبل ذلك أنشأتكم من الطين، وسخرت لكم مافي السموات ومافي الأرض فضلاً مني وإحسانًا عليكم، فَلِمَ جعلتم علة لعبادتي ولم تخلصوا لذاتي ؟ أفي حاجة أنا إلى عبادتكم إياي ؟ أما سمعتم قولي الذي أنزلته علي حبيبي )أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) ؟ أنا الغني عنكم المتفضل عليكم، أخلصت لكم فضلي بلا علة، ووهبت لكم نعمتي بلا غرض، وأنتم الفقراء المضطرون إلى جنابي ، كيف تشركون بي غيري في طاعتي وعبادتي ؟..

لديها والله تذوب القلوب ويتمني الإنسان أن يكون ترابًا لولا عواطف رحمة الرءوف الرحيم وواسع مغفرة التواب الكريم.

فأخلص يا أخي العبادة لوجه الله، واعلم بعد ذلك أنك لو سألته لبّاك ولو ناديته لاستجاب لك وأعطاك، وهو اللطيف الخبير الكريم الفاعل المختار لما يحب ويشاء ويريد، لا يسئل عما يفعل وهم يسألون).
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير