عدد المشاهدات:
قد وجدنا بفضل الله عزَّ وجلَّ أن المنهج الإسلامي الإصلاحي للأفراد والمجتمعات صالحاً لكل عصر،
ويصلح تطبيقه في كل بيئة وفي كل مجتمع، حيث أنه يواكب أحدث ما وصل إليه العلم الحديث ولا يتعارض معه،
ويأخذ بأحدث الأساليب التي يتم بها وعليها نهضة الأمم والشعوب.
فهذا المنهج يقوم على أساس:
- بناء الفرد أولاً على القيم الإنسانية الفاضلة.
- وقيام المجتمعات على العدالة المطلقة،
- وعلى المساواة في الحقوق والواجبات،
- ويبني الإقتصاد على حرية التملك،
- ويضع نظاماً دقيقاً لتوزيع الثروات، ونظاماً سامياً لتوزيع المكتسبات.
- ويبني سياسة ساسته وحكَّامه على الصراحة والوضوح وعدم اللجوء إلى المكر والخداع والنفاق.
ولهذا تكتسب الآداب قدراً كبيراً في منظومة القيم الإسلامية التي ينبني عليها تقدم الأمم وازدهارها،
وصدق الله تعالى إذ يقول:
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)
(97- النحل)
وقد أعدنا إخراج الكتاب بعد تحديثه بما يناسب الوقت، وإضافة بعض من خطبنا ومحاضراتنا فيما جدَّ من أحداث.
وأخرجنا الكتاب في طبعته الثانية في ثوب جديد، وفى صورة وضع تصور منهجى أو دستور إيماني -
لإصلاح الأفراد والمجتمعات في الإسلام -
أقرب منها كمحاضرات أولقاءات في الموضوع،
مسترشدين في ذلك بقوله تعالى:
(إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)
(88- هود)
أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعل كتابنا هذا معيناً لكل من أراد الصلاح والإصلاح،
وأن يبارك نهضة شعوبنا، وأن يولِّي من يصلح أمورنا،
وأن يطهِّر مجتمعاتنا من النفاق وأهل سوء الأخلاق،
وأن يجعلنا جماعة المؤمنين أجمعين أخوة متآلفين متحابين متعاونين متوادين
عاملين بقول رب العالمين:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
الإصلاح بين المنظور الغربي والإسلام
العالم والإصلاح
في هذا الوقت الحالي الذي تمرُّ به البلاد العربية والبقاع الإسلامية،
حيث حدثت الكثير من الإنتفاضات الشعبية للقضاء على النظم الإستبدادية،
وظهرت رغبة الشعوب القوية في تحويل أنظمة هذه البلاد إلى الحياة الديمقراطية السليمة،
وتطبيق قوانين العدالة الإجتماعية التي أسَّستها ودعت إليها الشريعة الإسلاميَّة،
والأخذ بمتطلبات الحياة العصرية التي توافق التعاليم القرآنية والسُنَّة النبويَّة،
على كافة مناحي الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
وانطلقت الألسنة من عقالها!
وأخذت الناس كلها تتكلم وتتجادل وتتحاور وتتساءل:
أين سبيل الإصلاح وطريق الفلاح؟
كيف يمكن إصلاح أحوال البلاد والعباد .. الأفراد والمجتمعات؟
ما حل ما نحن فيه من معضلات ومشكلات؟
بل ما الطريق لسعادة البشرية؟
السؤال الجديد .. القديم!!!!!
صوتان عاليان: القوة والمال!!!
إخواني الكرام:
عندما يقدح كل واحد منا زناد فكره للبحث عن باب طريق الإصلاح
ويمعن النظر إلى ما يحفل به العالم اليوم من نظريات وفروض أو سلوكيات وأخلاق!
أو صراعات وخلافات وشقاق أو اتفاق!
تري عجباً!!!
ترى أنظمة قائمة لم تكن موجودة منذ سنين!!!
وأخرى قد أنهارت بعد أن كانت ملء السمع والعين!!!
وثالثة تصارع للبقاء!!!
ودول متقدمة وأخرى فقيرة!!!
ومجتمعات تحتضر وأخرى وليدة!!!
وتزداد حيرة الواحد منا وقد يتوه العقل البشري المحدود في خضم ذلك الطوفان الجارف!!
ويتشابك التساؤل!!
كيف السبيل إذاً إلى سعادة البشرية
وهناءة كل إنسان في تلك البرية في وسط تلك الأمواج العاتية؟!!!
ومن وسط كل تلك المعمعة!!! يبرز للعيان، ويصك الآذان صوتان جهوريان!!!
لهما اليوم الغلبة والسلطان وعلو الشأن!!!
المال والقوة!!!
المال ... لا يحتاج لمقال!!!
فقسم من الخلق عريض يدَّعون أن صلاح الحال لا يكون إلا بكثرة المال!
وهكذا يظن الكثيرون بلا جدال!
وصوت القوة هنا ... هى قوة العلم الحديث والحضارة الغربية!
فآخرون كثيرون أيضاً يقولون:
إنما صلاح الحال بأن تميل مع الغرب حيث مال!
حيث تجد القوة والرفعة والمنعة ويفيض عليك الجاه مع الأموال!!
ودعونا نستخدم الأسلوب العلمي ونناقش هذين الرأيين أولاً!!!
لا لكى نفنِّدَهما، ولكن لنرى جوانب الحقِّ فيهما لنحكم بأنفسنا:
هل المال أو قوة الغرب الحديث؛ هل يمسكان مفاتيح إصلاح الأحوال حقاً؟!!!!
هل صلاح الحال بكثرة الأموال؟!!!
وهذا قول الكثيرين هذه الأيام!
يقولون أن إسعاد البشرية في المال! ويدَّعون أنَّ إصلاح الأحوال في مصر بكثرة الأموال!
وأنا أردُّ مباشرة على هؤلاء بسؤالين:
السؤال الأول: لو صحَّ هذا الإدعاء! فلمَ نجد 99% من مشاكل البشر
والقتال والتحاسد والبغض والتآمر بسبب الصراعات على جمع المال والتحكم بمصادر الثروة؟!!!!
أليست الحقيقة!!!!
هل من معارض؟!!!!
ألم يكن معلم البشرية صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه - منبهاً ومحذِّراً مما تجرُّه كثرة الأموال على الناس!!
... بل ويقسم صلى الله عليه وسلم:
(فَوَاللّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ،
فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ)
(صحيح مسلم عن عروة بن الزبير رضى الله عنه)
فكثرة المال تنتهي بالإستكثار من الشهوات والإغراق في الملذات!
والتنافس والحسد والبغضاء والمكر والخديعة!!
وفي النهاية يصمُّ ويعمى!!
ولذا ورد في الأثر أنَّ هارون الرشيد لما بنى قصره المنيع في حاضرة ملكه، وقد زخرف مجالسه وبالغ فيها وفي بنائها،
صنع وليمة عظيمة لا مثيل لها، ودعى وجهاء مملكته، ومنهم الشاعر أبو العتاهيّة بعد توبته، فقال له:
يا أبا العتاهية صف لنا ما نحن فيه من نعيم الدنيا!، فأنشأ يقول:
عش ما بدا لك سالماً ****** في ظل شاهقة القصور
تسعى عليك بما اشتهيت ******* لدى الرواح إلى البكور
فاذا النفوس تقعقعت ****** عن ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقناً ******* ما كنت إلا في غرور
فبكى هارون، فقال وزيره للشاعر معاتباً: طلبك الخليفة لتسرّه، فأحزنته،
فنهاه هارون: أن دعه، فإنه رآنا في عمىً فكره أن يزيدنا منه!!!!!!!
ولكى نتثبَّت؛
دعونا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق الذى علَّمه مولاه ما ينفع أمته إلى يوم لقاه، ..
يانبي الله: أو ليس إذا كثر المال تنصلح الأحوال؟ وتنتهي مشاكل الحياة! هكذا نظنُّ!!
فيرد علينا الخبير صلى الله عليه وسلم:
{ يَشِيبُ ابْنُ آدَمَ وَيَشِيبُ مَعَهُ اثنَتَان: الحِرْصُ وَطُولُ الأَمَلِ }
(متفق عليه عن أنس بلفظ:
(يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَيَبْقَى مِنْهُ اثْنَتَانِ الْحِرْصُ وَالأَمَلُ ))
أى لا! لأنه كلما يشيب ابن آدم يزيد حرصه على الدنيا، ويشيب معه أى يزيد أمله فيها!
وينسى الحميد المجيد عزَّ وجلَّ. وكلما يحصِّل! يريد المزيد ولايشبع !
ويزيدنا صلى الله عليه وسلم بياناً ويقول ضارباً المثل ومجلِّياً الأمر:
{ لَو كَانَ لابن آدَمَ وَادٍ من ذَهَبٍ- وليس جنيهات -
لابتَغَى إلَيه ثَانياً، وَلَو كَانَ لَهُ ثَانٍ، لابتَغَى إليه ثالثاً، ولا يَملأُ جَوفَ ابن آدَمَ إلا التُّرابُ }
أى ببساطة وبلغة الساعة!
لو جاءتنا مساعدات بكلُّ ما في خزانات الدول العربية والأجنبية من أموال وثروات!
فصار لكل واحد في بلدنا واد كامل مملوءاً ذهباً! فلن يكتفى وسيطلب وادياً ثانياً!
لن يشبع الناس!! لأنه مادام وصف الأفراد "ابن آدم" كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث
فلن يشبع من المال، ومن الحرص عليه!! والحرص على عمره وعلى الدنيا وما فيها من متاع!!!!
أما لو صار صفة الأفراد صفة "المؤمن" فشأنه شأنٌ آخر!!!
ولكى نتثبَّت؛ دعونا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو الصادق المصدوق الذى علَّمه مولاه ما ينفع أمته إلى يوم لقاه، ..
يانبي الله: أو ليس إذا كثر المال تنصلح الأحوال؟ وتنتهي مشاكل الحياة! هكذا نظنُّ!!
فيرد علينا الخبير صلى الله عليه وسلم:
{ يَشِيبُ ابْنُ آدَمَ وَيَشِيبُ مَعَهُ اثنَتَان: الحِرْصُ وَطُولُ الأَمَلِ }
(متفق عليه عن أنس بلفظ:
("يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَيَبْقَى مِنْهُ اثْنَتَانِ الْحِرْصُ وَالأَمَلُ ))
أى لا! لأنه كلما يشيب ابن آدم يزيد حرصه على الدنيا، ويشيب معه أى يزيد أمله فيها!
وينسى الحميد المجيد عزَّ وجلَّ.
وكلما يحصِّل! يريد المزيد ولايشبع!!!
ويزيدنا صلى الله عليه وسلم بياناً ويقول ضارباً المثل ومجلِّياً الأمر:
{ لَو كَانَ لابن آدَمَ وَادٍ من ذَهَبٍ- وليس جنيهات -
لابتَغَى إلَيه ثَانياً، وَلَو كَانَ لَهُ ثَانٍ، لابتَغَى إليه ثالثاً، ولا يَملأُ جَوفَ ابن آدَمَ إلا التُّرابُ }
(زاد المعاد في هدي خير العباد، روى فى الصحيحين)
أى ببساطة وبلغة الساعة!
لو جاءتنا مساعدات بكلُّ ما في خزانات الدول العربية والأجنبية من أموال وثروات!
فصار لكل واحد في بلدنا واد كامل مملوءاً ذهباً! فلن يكتفى وسيطلب وادياً ثانياً!
لن يشبع الناس!! لأنه مادام وصف الأفراد "ابن آدم"
كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث
فلن يشبع من المال، ومن الحرص عليه!!
والحرص على عمره وعلى الدنيا وما فيها من متاع!!!!
أما لو صار صفة الأفراد صفة "المؤمن" فشأنه شأنٌ آخر!!!
والسؤال الثاني - لمن يدَّعُون أن كثرة الأموال تصلح الأحوال:
هل رأيتم المجتمعات التي كثرت أموالها وأصاب أهلها تخمة المال قد انصلحت أحوالها؟
وعاش أهلوها في سعادة حقة لا ينغصها عليهم شىء؟
أم أنهم أيضاً أصابتهم أمراض أخرى، ربما أشدُّ فتكاً وضراوة!؟
أظنكم جميعاً تعرفون الإجابة! شرقاً وغرباً .. شمالاً وجنوباً! ..
المال وحده .. مفسدة!!!
ولذلك لو رسمنا سبل إصلاح الحال على معالجة نقص المال، وتوفير الرفاهية في كل مجال
فستجدون أنَّ كلَّ هذه الأمور شأنها مثل طبيب أتاه مريضٌ عنده دمِّلٍ في جسمه امتلأ بالقيح والصديد،
فوصف له علاجاً مسكِّناً خارجياً بمرهم،
فهل هذا العلاج الظاهري سينهي الداء؟
لا!!!! ربما يرتاح المريض وقتاً قصيراً! لكن لا يلبث أن يعاوده الداء وأشدَّ مما كان!
فالمسكِّنات ليست حلاً!!!
لذلك فالطبيب الناجح هو من يقتلع أصل ومكمن الداء مِنْ جسدِ مَنْ به هذا الداء ... لا الذى يعالج العرض الناتج عن الداء!
فكثرة المال فحسب! ليست إلا علاجاً ظاهرياً ومسكنا خارجياً لأعراض مرض المجتمع!
فإذاً ليست السعادة ولا صلاح الحال بكثرة المال!
والآن فلنأتِ إلى الصوت الثاني العالي!
والذي يرغي ويزبد ويصيح ليفرض على الناس الإصلاح بـ
(قوة وعلم الغرب وحضارته الحديثة)!
وإلا وصموا معارضيهم بالتخلف والرجعية والحياة في القرون الوسطى!
وربما جيَّشوا لهم الجيوش! الباطنة حيناً! والمتلوِّنة حيناً! والحقيقية حيناً آخر!!!
هل قوة الثقافة الغربية الحديثة هي الحل؟
ولنلج معاً هذا الرواق من كتاب الحل،
هل إنهاء مشاكل البشرية وإسعاد الإنسانية هو الثقافة العلمية الحديثة؟ وقوة الحياة الغربية المتحررة؟!
هل صدقوا في زعمهم ذلك؟
هل السعادة في العلم والحياة الغربية وما أنتجته عقولهم من قوانين وضعية ومفاهيم آنيَّة أسموها الحلم الغربى؟
ذلك النموذج الذي يحاولون فرضه اليوم على العالم كله بالترغيب أو بالترهيب،
بدعوى أنهم يمنحون الخلق إكسير السعادة ومفتاح جنة الدنيا؟
بل ويضحون بأبنائهم فيرسلون الجيوش والأساطيل لتدَّك حصون الطغاة،
ويحرروا الخلق من الإستبداد والفساد والدين والرجعية أيضاً!!
فيبيدوا الفقر وينشروا الديمقراطية والإصلاح!
ولا بأس لو قتل من هؤلاء الهمج بضع عشرات أو مئات الألوف أو دمرت مدن بأكملها
فهذا ثمن زهيد للحرية والحياة الجديدة!!!!
وهذا الزعم أن قوة الثقافة والحياة الغربية هو الحلُّ سيأخذ منا ردَّاً أطول لتشعب الحجج! وكثرة الخداع واللجج!
وأنا أجيب على هؤلاء وأقول:
أولاً: لو أن البشرية اتبعت الثقافة العلمية الحديثة بعد تقنينها بالأخلاق الدينية، ربما تؤدي إلى السعادة،
لكنها إذا أطلقت بدون قيود دينية - وهذا بيت القصيد فيما يريدون فرضه -
كانت - كما ترى في أماكن كثيرة - سبباً رئيسياً لتدمير المجتمعات الإنسانية ولو بعد حين!!!
وخذوا أمثلة على ذلك من العلم والحياة الغربية الحديثة!
فالعلم الحديث عندما نستطلع رأيه في الكثير من الأمور الحياتية المتنوعة!
تجده يكاد يتفق على أضرار كثير منها، وخطرها وأثرها المدمر على المجتمع وأفراده وعلاقاته، وسعادته في النهاية!
ولكنى أسأل:
هل استطاع نفوذ العلم الحديث، أو قوة المجتمعات الغربية وسلطانها ..
هل تمكنوا من منع تلك الأمور المتفق على تمام العلم بأضرارها مع توفُّر القوة اللازمة لمنعها؟!!
دلائل على فشل العلم والثقافة الغربية
للأسف! النتيجة فاشلة! فاشلة!!
عجز العلم - الذى هو دين أوربا وأمريكا الآن!!
فهم يدعون أن دينهم هو العلم وما قرره العلم من حقائق ثابتة وقوانين مقننة ومؤسسة على الملاحظة والتجربة،
ويجعلونها هي الدين الذي يحرصون عليه ويدعون إليه -
فشل العلم وفشلت القوة وفشلت الثقافة الغربية الحديثة، وفشلت الحياة الغربية حتى في أرقى الدول تقدمًا وحضارة ومدنية،
فشلوا في منع الكثير مما اتفقوا جميعاً على ضرره،
بل وأحياناً كثيرة ما اسْتُغِلَ العلمُ نفسه، وروَّضَ لخدمة مصالح فئة ما.
والدلائل على ما نقول لا تعدُّ ولا تحدُّ، ولكن نكتفى بذكر نماذج متنوعة على ذلك،
ثم نتناول بعضها بقليل من التفصيل على سبيل المثال:
- الخمور والدخان والمخدرات: تعاطى/زراعة/صناعة/ إتجار.
- إباحية وتقنين الممارسات الجنسية بكل أنواعها من الجنس العابر والجنس الجماعى والمثلية وغيرها ولكل فئات المجتمع!!.
- صناعة وتجارة الجنس: المواقع، الأندية، البيوت، الأفلام، الكتب، المجلات، الألعاب، الأدوية، والمنشطات.
- حمل الأسلحة النارية الشخصية بغرض الدفاع عن النفس.
- من أخرج الإيدز من المختبر للشارع؟! من تسبب في جنون البقر وأنفلونزا الخنازير والطيور! ويعدُّ الآن أنفلونزا الخيول؟!
- من الذى أجبر العالم - زوراً وقهراً - على شراء لقاحات أنفلونزا الخنازير
وباع للعالم كله بلايين الكمامات وملايين أطنان المطهرات من إنتاج المصانع الأمريكية والأوربية؟!
- من الذى يقود حملة تقويض مؤسسة الزواج في العالم كله؟ ويدمر صلة الأرحام ويجعل العقوق حقوق؟!
- من الذى أوهم العالم أنه بحلول الثانية الأولى لسنة 2000م ستسقط الطائرات وتنطلق الصواريخ النووية
بسبب صفر سنة 2000 الذى سيعيد برامج أجهزة العالم لسنة 1900م فيهلك العالم؟!
وباعوا للعالم برامج تعالج ذلك بالمليارات من شركات البرمجة الأوربية والأمريكية وثبت كذب ذلك.
- من يشجع الربا والمؤسسات المالية ونشاطاتها والتى كان لها اليد الطولى في الأزمات المالية العالمية وما أفرزته من نتائج؟
- من الذى يقود تجارة السلاح في العالم كله؟ وعندهم في مخازنهم من الأسلحة ما تكفى لإبادة العالم ألاف المرات؟؟
وسنتناول بعضاً مما ذكرناه بشرح مبسط لنعلم أين أخذهم العلم الغربى الحديث في طريق السعادة والإصلاح!
لنرى كيف فشل في إنقاذهم من هلاكات محققة! قبل أن نستورده على أنه المنقذ والمصلح والربَّان!
فشل محاولة تحريم الخمر في أمريكا
أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية في عشرينات وأوائل ثلاثينات القرن الماضي ميزانية هائلة للقضاء على الخمر،
ففى 1919 أصْدرت قوانين صارمة لمن يتعاطى الخمر أو يتجر فيها، وجندت الدولة كل الدعايات اللازمة لتنفير الأمريكيين من الخمر.
ولكن لم تفلح لا القوانين الصارمة! ولا الجهود الطائلة!! ولا التكاليف المهولة في منع الخمر!!!
بل وجاءت النتيجة عكسية!!
فزادت نسبة المتعاطين لها والمتاجرين بها!!! وتفاقم الأمر، وامتلأت السجون!!!
وبعد يأسهم من تحريمها وتجريمها! وفشلهم في حمل المجتمع على ذلك! لم يجدوا حلاً إلا أن يتراجعوا ويلغوا قوانين تحريمها،
وفى سنة 1933 أبيحت الخمرُ مرة أخرى! بعد أربع عشرة سنة من التجربة الفاشلة!!
إباحة التدخين وتجميله دعائياً مع ضرره القاطع!
والتدخين السبب الأول للوفيات في العالم كله! وهو من أكبر بنود استزاف أموال الناس في العالم بلا فائدة!
ولكنه الباب الأعظم للأرباح الخيالية لأباطرة مزارع الدخان، وشركات التبغ الإمريكية والأوروبية!
وهو أيضاً الشيطان الأكبر الذى يصيب الناس في العالم كله بأمراض التنفس والقلب والدم، فتستمر تروس مصانع الأدوية تعمل بلا توقف،
ليستمر تدفق نهر المال إلى خزائنهم! وليذهب العالم إلى الهاوية!
فأين صدق العلم؟! وأين احترام مبادىء الحياة البشرية؟! أين السعادة المنشودة؟!!!
إباحة المخدرات وتقديمها في هولندا!
ومثالاً ثالثاً على المخدرات! فمع كل قوانين تحريمها وتجريمها! تأتي بعض الدول المتقدمة كهولندا وغيرها وتبيحها!
بل وتقدمها مجاناً لمتعاطيها! لأنَّ جميع وسائل الردع قد فشلت!
فقال علماؤها ومشرعوها وساستها: لا طائل من المنع! أبيحوها! لتوقفوها!!
والعالم كله يعلم - ولم يعد سراً - مَن المستفيد من تجارة وزراعة نباتات المخدرات، ومن استخلاصها وتوزيعها!
إنهم قادة العالم وسادته من اليهود النافذين في أمريكا وأوربا! والمتحكمين في قرارات المجالس العالمية! بل والمنظمات الدولية!
وفضيحة مديرى منظمة الصحة العالمية وتآمرهم لإجبار العالم على شراء مصل أنفلونزا الطيور والخنازير من شركات الدواء لم تُنْسَ بعد!
وما خفي كان أعظم!
فقد عجز علمهم الحديث مع قوة حضارتهم عن حمايتهم من جشعهم! أو أن يصلح شأنهم! أو أن يقودهم للمجتمع المثالى!.
تحطم خرافة حرية ممارسة الجنس بأمان!
ومثالاً رابعاً أن الغرب كله أشاع وقنَّن!! أن الثقافة الجنسية العلمية الحديثة مع التطور الطبي ووسائل الحماية،
كافية جداً لحماية أفراد المجتمع من أضرار الأمراض الجنسية المهلكة لأفراده
نتيجة الإباحية الجنسية التى يجعلونها علامة على تطورهم وتحررهم من القيود الدينية!
فهل حمتهم الثقافة الجنسية الحديثة من أخطار الإباحية أو الجنس العابر؟!
هل وهبهم العلم السعادة المنشودة تحت وهم (حرية الأفراد حقٌّ مطلق!)؟!!!
وستار (حماية الشباب من مضار الكبت الجنسي)؟!!!
وإدعاء (حق الفتيات والنساء في الإجهاض إذا حصلن على حمل غير مرغوب)؟!!!
ولأن هذا موضوع هام جداً وبالذات هذه الأيام لشبابنا الذين ربما يظنُّ بعضهم
أن السعادة وإنصلاح الأحوال في أن يعيشوا تلك الحياة الغربية الحديثة من الجنس بلا رادع ولا رابط
تحت ستار المدنية الراقية والتطور الإجتماعي والتحرر من الرجعية أو العقد أو الضوابط الدينية!!!
ولما كنت قد تناولت الردَّ على هذا في محاضراتى المختلفة، ولكني هنا استبدلته بـ "وشهد شاهد من أهلها!"
فلن أورد ردودى وإنما سأنقل الردَّ من أحد أكثر الكتب مبيعاً في أمريكا في 2011
وهو كتاب أسمه الأصلى: (Generations in Danger!) أى { أجيال في خطر }
وطبع بالعربية تحت عنوان: { الإباحيَّة ليست حلاً }
لمؤلفته د. ماريان جروسمان عالمة النفس الأمريكية الشهيرة
التى تردُّ محطِّمةً فكرة الجنس الآمن،
أو أنَّ حياة الغرب المتحررة من القيود هى جنَّة الشباب وواحة السعادة، فتقول:
( إن عدوى متنقِّلة إسمها "إتش بى فى" المسببة للأيدز هى الأكثر شيوعاً كمرض جنسي،
وبعض أنواع عدوى الأمراض الجنسية خطير وممكن أن يتسبب في السرطان،
ولكن هذا الفيروس يكاد يقف وراء كل إصابة بسرطان عنق الرحم ،
الذى يقتل سنوياً حوالي أربعة ألاف إمرأة في أمريكا، وهو تقريبا نفس عدد ضحايا مرض الإيدز أيضاً).
وتتساءل د. جروسمان:
(لماذا يصاب هذا العدد الكبير بالفيروس مع وجود الثقافة الجنسية المكثفة والمحمومة؟!!
بل إنَّ تعليم ثقافة "الجنس الآمن" يبدأ أحياناً من السادسة الإبتدائية!!!
لماذا لا تفلح التعاليم مع توفر وسائل الحماية في كل مكان وبالمجان! للطلاب؟ لماذا ينتشر الفيروس؟)
وتجيب – وننقل باختصار:
(لأن مجال الصحة التناسلية قد تمَّ إختراقه بإيدلوجيات تروِّج بشدة لمبدأ الإباحية والتجريبية،
فبدلاً من استهداف منع العدوى كما كنا سابقاً؛ أصبح هدفنا تقليل المخاطر بترويج ما يعرف بفكرة الجنس الآمن، وهى فكرة قد ثبت فشلها،
وأنا أقول في مواجهة ذلك:
إن عدوى "الإتش بى فى" قابلة للتجنب تماماً،
وهى ليست بتبعة محتَّمة للنشاط الجنسي كما تدَّعي نشرات التثقيف الصحى الجامعية في أمريكا لتقنع الشباب أن الفيروس يصيب الكلَّ وقتاً ما،
وهذا منافِ للحقيقة؛
فعلى الرغم من كثرة أمراض الجنس وعددها 25 مرضاً متنوعاً، ومع وجود 25 مليون حالة إصابة جديدة منها و20 مليون إصابة بالإيدز سنوياً،
وأيضاً إصابة 43% من فتيات الجامعة بأمريكا ممن قمن بالفحص الطبى بالفيروس القاتل وهن مرشحات لسرطان عنق الرحم،
فمع هذا كله؛
فإن الذين يتمتعون بحماية كاملة من الإصابة هم من لم يمارسوا الجنس حتى الزواج!! وإذا ما تزوجوا التزموا الإخلاص الجنسي).
وفى موضع آخر تقول:
(وبعد أن كنا في الثمانينات نعتبر الشذوذ والسادية والمازوكية من الإضطرابات العقلية، أصبحت رابطة النفس الأمريكية لا تصنفها كذلك
إلا إذا سببت لصاحبها قلقاً أو إعاقة، وأصبحت نشاطات المثليَّة (الشذوذ) تعتبر ترفيهاً في عرف إدارة الجامعة).
ونهاية تكشف السرَّ وتقول:
(وفي كتاب عن تلك الحالة الخطيرة كتب رئيس سابق للرابطة النفسية الأمريكية يقول:
يوجد الآن لدينا الإحساس الباطن بالترويع الفكرى الموجود تحت مظلة الصواب السياسى ،
وهو ما صرح به مؤخراً بعض علماء النفس وراء الكواليس؛
أن مجال علم النفس وعلم الإجتماع قد تمت السيطرة عليه من قبل أجندة ليبرالية متطرفة،
وأن بعض وجهات النظر تتعرض للتشهير والقمع، وهناك قصص رعب من الإسكات والتهديد)،
وأضافت جروسمان:
(لقد كنت أحتفظ بآرائي لنفسي من الخوف، وكنت أختبىء في الخزانة
ولكن طفح الكيل ولم أعد أتحمل شعور الغضب! ولذلك قدمت هذا الكتاب للنشر) انتهى،
... ولا تعليق .................
إذاً رأينا أنَّ العلم الحديث وحده، أو النهج الغربي للحياة الحديثة ليس هو سبيل الإصلاح أو السعادة المنشودة للأفراد والمجتمعات ..
فأين السبيل إذاً؟ ..
وكيف الطريق لإصلاح وخلاص الأفراد والمجتمعات؟
ولنجيب على ذلك فلنلج الآن إلى رواق المدخل أو التمهيد للإجابة - أخي الكريم -
وهو رواق عجيب تهبُّ علينا منه نسمات الغيوب مما أنبأنا به الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم،
أولاً: من يقود قاطرة الإصلاح؟
أرسى الإسلام المبدأ الأساسي والمنطلق الأول للتغيير - أو بلغة العصر - لإصلاح الأفراد والمجتمعات
كيف صنع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كياناً جديداً لأمته؟
ويصلح تطبيقه في كل بيئة وفي كل مجتمع، حيث أنه يواكب أحدث ما وصل إليه العلم الحديث ولا يتعارض معه،
ويأخذ بأحدث الأساليب التي يتم بها وعليها نهضة الأمم والشعوب.
فهذا المنهج يقوم على أساس:
- بناء الفرد أولاً على القيم الإنسانية الفاضلة.
- وقيام المجتمعات على العدالة المطلقة،
- وعلى المساواة في الحقوق والواجبات،
- ويبني الإقتصاد على حرية التملك،
- ويضع نظاماً دقيقاً لتوزيع الثروات، ونظاماً سامياً لتوزيع المكتسبات.
- ويبني سياسة ساسته وحكَّامه على الصراحة والوضوح وعدم اللجوء إلى المكر والخداع والنفاق.
ولهذا تكتسب الآداب قدراً كبيراً في منظومة القيم الإسلامية التي ينبني عليها تقدم الأمم وازدهارها،
وصدق الله تعالى إذ يقول:
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)
(97- النحل)
وقد أعدنا إخراج الكتاب بعد تحديثه بما يناسب الوقت، وإضافة بعض من خطبنا ومحاضراتنا فيما جدَّ من أحداث.
وأخرجنا الكتاب في طبعته الثانية في ثوب جديد، وفى صورة وضع تصور منهجى أو دستور إيماني -
لإصلاح الأفراد والمجتمعات في الإسلام -
أقرب منها كمحاضرات أولقاءات في الموضوع،
مسترشدين في ذلك بقوله تعالى:
(إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)
(88- هود)
أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعل كتابنا هذا معيناً لكل من أراد الصلاح والإصلاح،
وأن يبارك نهضة شعوبنا، وأن يولِّي من يصلح أمورنا،
وأن يطهِّر مجتمعاتنا من النفاق وأهل سوء الأخلاق،
وأن يجعلنا جماعة المؤمنين أجمعين أخوة متآلفين متحابين متعاونين متوادين
عاملين بقول رب العالمين:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
الإصلاح بين المنظور الغربي والإسلام
العالم والإصلاح
في هذا الوقت الحالي الذي تمرُّ به البلاد العربية والبقاع الإسلامية،
حيث حدثت الكثير من الإنتفاضات الشعبية للقضاء على النظم الإستبدادية،
وظهرت رغبة الشعوب القوية في تحويل أنظمة هذه البلاد إلى الحياة الديمقراطية السليمة،
وتطبيق قوانين العدالة الإجتماعية التي أسَّستها ودعت إليها الشريعة الإسلاميَّة،
والأخذ بمتطلبات الحياة العصرية التي توافق التعاليم القرآنية والسُنَّة النبويَّة،
على كافة مناحي الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
وانطلقت الألسنة من عقالها!
وأخذت الناس كلها تتكلم وتتجادل وتتحاور وتتساءل:
أين سبيل الإصلاح وطريق الفلاح؟
كيف يمكن إصلاح أحوال البلاد والعباد .. الأفراد والمجتمعات؟
ما حل ما نحن فيه من معضلات ومشكلات؟
بل ما الطريق لسعادة البشرية؟
السؤال الجديد .. القديم!!!!!
صوتان عاليان: القوة والمال!!!
إخواني الكرام:
عندما يقدح كل واحد منا زناد فكره للبحث عن باب طريق الإصلاح
ويمعن النظر إلى ما يحفل به العالم اليوم من نظريات وفروض أو سلوكيات وأخلاق!
أو صراعات وخلافات وشقاق أو اتفاق!
تري عجباً!!!
ترى أنظمة قائمة لم تكن موجودة منذ سنين!!!
وأخرى قد أنهارت بعد أن كانت ملء السمع والعين!!!
وثالثة تصارع للبقاء!!!
ودول متقدمة وأخرى فقيرة!!!
ومجتمعات تحتضر وأخرى وليدة!!!
وتزداد حيرة الواحد منا وقد يتوه العقل البشري المحدود في خضم ذلك الطوفان الجارف!!
ويتشابك التساؤل!!
كيف السبيل إذاً إلى سعادة البشرية
وهناءة كل إنسان في تلك البرية في وسط تلك الأمواج العاتية؟!!!
ومن وسط كل تلك المعمعة!!! يبرز للعيان، ويصك الآذان صوتان جهوريان!!!
لهما اليوم الغلبة والسلطان وعلو الشأن!!!
المال والقوة!!!
المال ... لا يحتاج لمقال!!!
فقسم من الخلق عريض يدَّعون أن صلاح الحال لا يكون إلا بكثرة المال!
وهكذا يظن الكثيرون بلا جدال!
وصوت القوة هنا ... هى قوة العلم الحديث والحضارة الغربية!
فآخرون كثيرون أيضاً يقولون:
إنما صلاح الحال بأن تميل مع الغرب حيث مال!
حيث تجد القوة والرفعة والمنعة ويفيض عليك الجاه مع الأموال!!
ودعونا نستخدم الأسلوب العلمي ونناقش هذين الرأيين أولاً!!!
لا لكى نفنِّدَهما، ولكن لنرى جوانب الحقِّ فيهما لنحكم بأنفسنا:
هل المال أو قوة الغرب الحديث؛ هل يمسكان مفاتيح إصلاح الأحوال حقاً؟!!!!
هل صلاح الحال بكثرة الأموال؟!!!
وهذا قول الكثيرين هذه الأيام!
يقولون أن إسعاد البشرية في المال! ويدَّعون أنَّ إصلاح الأحوال في مصر بكثرة الأموال!
وأنا أردُّ مباشرة على هؤلاء بسؤالين:
السؤال الأول: لو صحَّ هذا الإدعاء! فلمَ نجد 99% من مشاكل البشر
والقتال والتحاسد والبغض والتآمر بسبب الصراعات على جمع المال والتحكم بمصادر الثروة؟!!!!
أليست الحقيقة!!!!
هل من معارض؟!!!!
ألم يكن معلم البشرية صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه - منبهاً ومحذِّراً مما تجرُّه كثرة الأموال على الناس!!
... بل ويقسم صلى الله عليه وسلم:
(فَوَاللّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ،
فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ)
(صحيح مسلم عن عروة بن الزبير رضى الله عنه)
فكثرة المال تنتهي بالإستكثار من الشهوات والإغراق في الملذات!
والتنافس والحسد والبغضاء والمكر والخديعة!!
وفي النهاية يصمُّ ويعمى!!
ولذا ورد في الأثر أنَّ هارون الرشيد لما بنى قصره المنيع في حاضرة ملكه، وقد زخرف مجالسه وبالغ فيها وفي بنائها،
صنع وليمة عظيمة لا مثيل لها، ودعى وجهاء مملكته، ومنهم الشاعر أبو العتاهيّة بعد توبته، فقال له:
يا أبا العتاهية صف لنا ما نحن فيه من نعيم الدنيا!، فأنشأ يقول:
عش ما بدا لك سالماً ****** في ظل شاهقة القصور
تسعى عليك بما اشتهيت ******* لدى الرواح إلى البكور
فاذا النفوس تقعقعت ****** عن ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقناً ******* ما كنت إلا في غرور
فبكى هارون، فقال وزيره للشاعر معاتباً: طلبك الخليفة لتسرّه، فأحزنته،
فنهاه هارون: أن دعه، فإنه رآنا في عمىً فكره أن يزيدنا منه!!!!!!!
ولكى نتثبَّت؛
دعونا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق الذى علَّمه مولاه ما ينفع أمته إلى يوم لقاه، ..
يانبي الله: أو ليس إذا كثر المال تنصلح الأحوال؟ وتنتهي مشاكل الحياة! هكذا نظنُّ!!
فيرد علينا الخبير صلى الله عليه وسلم:
{ يَشِيبُ ابْنُ آدَمَ وَيَشِيبُ مَعَهُ اثنَتَان: الحِرْصُ وَطُولُ الأَمَلِ }
(متفق عليه عن أنس بلفظ:
(يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَيَبْقَى مِنْهُ اثْنَتَانِ الْحِرْصُ وَالأَمَلُ ))
أى لا! لأنه كلما يشيب ابن آدم يزيد حرصه على الدنيا، ويشيب معه أى يزيد أمله فيها!
وينسى الحميد المجيد عزَّ وجلَّ. وكلما يحصِّل! يريد المزيد ولايشبع !
ويزيدنا صلى الله عليه وسلم بياناً ويقول ضارباً المثل ومجلِّياً الأمر:
{ لَو كَانَ لابن آدَمَ وَادٍ من ذَهَبٍ- وليس جنيهات -
لابتَغَى إلَيه ثَانياً، وَلَو كَانَ لَهُ ثَانٍ، لابتَغَى إليه ثالثاً، ولا يَملأُ جَوفَ ابن آدَمَ إلا التُّرابُ }
أى ببساطة وبلغة الساعة!
لو جاءتنا مساعدات بكلُّ ما في خزانات الدول العربية والأجنبية من أموال وثروات!
فصار لكل واحد في بلدنا واد كامل مملوءاً ذهباً! فلن يكتفى وسيطلب وادياً ثانياً!
لن يشبع الناس!! لأنه مادام وصف الأفراد "ابن آدم" كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث
فلن يشبع من المال، ومن الحرص عليه!! والحرص على عمره وعلى الدنيا وما فيها من متاع!!!!
أما لو صار صفة الأفراد صفة "المؤمن" فشأنه شأنٌ آخر!!!
ولكى نتثبَّت؛ دعونا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو الصادق المصدوق الذى علَّمه مولاه ما ينفع أمته إلى يوم لقاه، ..
يانبي الله: أو ليس إذا كثر المال تنصلح الأحوال؟ وتنتهي مشاكل الحياة! هكذا نظنُّ!!
فيرد علينا الخبير صلى الله عليه وسلم:
{ يَشِيبُ ابْنُ آدَمَ وَيَشِيبُ مَعَهُ اثنَتَان: الحِرْصُ وَطُولُ الأَمَلِ }
(متفق عليه عن أنس بلفظ:
("يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَيَبْقَى مِنْهُ اثْنَتَانِ الْحِرْصُ وَالأَمَلُ ))
أى لا! لأنه كلما يشيب ابن آدم يزيد حرصه على الدنيا، ويشيب معه أى يزيد أمله فيها!
وينسى الحميد المجيد عزَّ وجلَّ.
وكلما يحصِّل! يريد المزيد ولايشبع!!!
ويزيدنا صلى الله عليه وسلم بياناً ويقول ضارباً المثل ومجلِّياً الأمر:
{ لَو كَانَ لابن آدَمَ وَادٍ من ذَهَبٍ- وليس جنيهات -
لابتَغَى إلَيه ثَانياً، وَلَو كَانَ لَهُ ثَانٍ، لابتَغَى إليه ثالثاً، ولا يَملأُ جَوفَ ابن آدَمَ إلا التُّرابُ }
(زاد المعاد في هدي خير العباد، روى فى الصحيحين)
أى ببساطة وبلغة الساعة!
لو جاءتنا مساعدات بكلُّ ما في خزانات الدول العربية والأجنبية من أموال وثروات!
فصار لكل واحد في بلدنا واد كامل مملوءاً ذهباً! فلن يكتفى وسيطلب وادياً ثانياً!
لن يشبع الناس!! لأنه مادام وصف الأفراد "ابن آدم"
كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث
فلن يشبع من المال، ومن الحرص عليه!!
والحرص على عمره وعلى الدنيا وما فيها من متاع!!!!
أما لو صار صفة الأفراد صفة "المؤمن" فشأنه شأنٌ آخر!!!
والسؤال الثاني - لمن يدَّعُون أن كثرة الأموال تصلح الأحوال:
هل رأيتم المجتمعات التي كثرت أموالها وأصاب أهلها تخمة المال قد انصلحت أحوالها؟
وعاش أهلوها في سعادة حقة لا ينغصها عليهم شىء؟
أم أنهم أيضاً أصابتهم أمراض أخرى، ربما أشدُّ فتكاً وضراوة!؟
أظنكم جميعاً تعرفون الإجابة! شرقاً وغرباً .. شمالاً وجنوباً! ..
المال وحده .. مفسدة!!!
ولذلك لو رسمنا سبل إصلاح الحال على معالجة نقص المال، وتوفير الرفاهية في كل مجال
فستجدون أنَّ كلَّ هذه الأمور شأنها مثل طبيب أتاه مريضٌ عنده دمِّلٍ في جسمه امتلأ بالقيح والصديد،
فوصف له علاجاً مسكِّناً خارجياً بمرهم،
فهل هذا العلاج الظاهري سينهي الداء؟
لا!!!! ربما يرتاح المريض وقتاً قصيراً! لكن لا يلبث أن يعاوده الداء وأشدَّ مما كان!
فالمسكِّنات ليست حلاً!!!
لذلك فالطبيب الناجح هو من يقتلع أصل ومكمن الداء مِنْ جسدِ مَنْ به هذا الداء ... لا الذى يعالج العرض الناتج عن الداء!
فكثرة المال فحسب! ليست إلا علاجاً ظاهرياً ومسكنا خارجياً لأعراض مرض المجتمع!
فإذاً ليست السعادة ولا صلاح الحال بكثرة المال!
والآن فلنأتِ إلى الصوت الثاني العالي!
والذي يرغي ويزبد ويصيح ليفرض على الناس الإصلاح بـ
(قوة وعلم الغرب وحضارته الحديثة)!
وإلا وصموا معارضيهم بالتخلف والرجعية والحياة في القرون الوسطى!
وربما جيَّشوا لهم الجيوش! الباطنة حيناً! والمتلوِّنة حيناً! والحقيقية حيناً آخر!!!
هل قوة الثقافة الغربية الحديثة هي الحل؟
ولنلج معاً هذا الرواق من كتاب الحل،
هل إنهاء مشاكل البشرية وإسعاد الإنسانية هو الثقافة العلمية الحديثة؟ وقوة الحياة الغربية المتحررة؟!
هل صدقوا في زعمهم ذلك؟
هل السعادة في العلم والحياة الغربية وما أنتجته عقولهم من قوانين وضعية ومفاهيم آنيَّة أسموها الحلم الغربى؟
ذلك النموذج الذي يحاولون فرضه اليوم على العالم كله بالترغيب أو بالترهيب،
بدعوى أنهم يمنحون الخلق إكسير السعادة ومفتاح جنة الدنيا؟
بل ويضحون بأبنائهم فيرسلون الجيوش والأساطيل لتدَّك حصون الطغاة،
ويحرروا الخلق من الإستبداد والفساد والدين والرجعية أيضاً!!
فيبيدوا الفقر وينشروا الديمقراطية والإصلاح!
ولا بأس لو قتل من هؤلاء الهمج بضع عشرات أو مئات الألوف أو دمرت مدن بأكملها
فهذا ثمن زهيد للحرية والحياة الجديدة!!!!
وهذا الزعم أن قوة الثقافة والحياة الغربية هو الحلُّ سيأخذ منا ردَّاً أطول لتشعب الحجج! وكثرة الخداع واللجج!
وأنا أجيب على هؤلاء وأقول:
أولاً: لو أن البشرية اتبعت الثقافة العلمية الحديثة بعد تقنينها بالأخلاق الدينية، ربما تؤدي إلى السعادة،
لكنها إذا أطلقت بدون قيود دينية - وهذا بيت القصيد فيما يريدون فرضه -
كانت - كما ترى في أماكن كثيرة - سبباً رئيسياً لتدمير المجتمعات الإنسانية ولو بعد حين!!!
وخذوا أمثلة على ذلك من العلم والحياة الغربية الحديثة!
فالعلم الحديث عندما نستطلع رأيه في الكثير من الأمور الحياتية المتنوعة!
تجده يكاد يتفق على أضرار كثير منها، وخطرها وأثرها المدمر على المجتمع وأفراده وعلاقاته، وسعادته في النهاية!
ولكنى أسأل:
هل استطاع نفوذ العلم الحديث، أو قوة المجتمعات الغربية وسلطانها ..
هل تمكنوا من منع تلك الأمور المتفق على تمام العلم بأضرارها مع توفُّر القوة اللازمة لمنعها؟!!
دلائل على فشل العلم والثقافة الغربية
للأسف! النتيجة فاشلة! فاشلة!!
عجز العلم - الذى هو دين أوربا وأمريكا الآن!!
فهم يدعون أن دينهم هو العلم وما قرره العلم من حقائق ثابتة وقوانين مقننة ومؤسسة على الملاحظة والتجربة،
ويجعلونها هي الدين الذي يحرصون عليه ويدعون إليه -
فشل العلم وفشلت القوة وفشلت الثقافة الغربية الحديثة، وفشلت الحياة الغربية حتى في أرقى الدول تقدمًا وحضارة ومدنية،
فشلوا في منع الكثير مما اتفقوا جميعاً على ضرره،
بل وأحياناً كثيرة ما اسْتُغِلَ العلمُ نفسه، وروَّضَ لخدمة مصالح فئة ما.
والدلائل على ما نقول لا تعدُّ ولا تحدُّ، ولكن نكتفى بذكر نماذج متنوعة على ذلك،
ثم نتناول بعضها بقليل من التفصيل على سبيل المثال:
- الخمور والدخان والمخدرات: تعاطى/زراعة/صناعة/ إتجار.
- إباحية وتقنين الممارسات الجنسية بكل أنواعها من الجنس العابر والجنس الجماعى والمثلية وغيرها ولكل فئات المجتمع!!.
- صناعة وتجارة الجنس: المواقع، الأندية، البيوت، الأفلام، الكتب، المجلات، الألعاب، الأدوية، والمنشطات.
- حمل الأسلحة النارية الشخصية بغرض الدفاع عن النفس.
- من أخرج الإيدز من المختبر للشارع؟! من تسبب في جنون البقر وأنفلونزا الخنازير والطيور! ويعدُّ الآن أنفلونزا الخيول؟!
- من الذى أجبر العالم - زوراً وقهراً - على شراء لقاحات أنفلونزا الخنازير
وباع للعالم كله بلايين الكمامات وملايين أطنان المطهرات من إنتاج المصانع الأمريكية والأوربية؟!
- من الذى يقود حملة تقويض مؤسسة الزواج في العالم كله؟ ويدمر صلة الأرحام ويجعل العقوق حقوق؟!
- من الذى أوهم العالم أنه بحلول الثانية الأولى لسنة 2000م ستسقط الطائرات وتنطلق الصواريخ النووية
بسبب صفر سنة 2000 الذى سيعيد برامج أجهزة العالم لسنة 1900م فيهلك العالم؟!
وباعوا للعالم برامج تعالج ذلك بالمليارات من شركات البرمجة الأوربية والأمريكية وثبت كذب ذلك.
- من يشجع الربا والمؤسسات المالية ونشاطاتها والتى كان لها اليد الطولى في الأزمات المالية العالمية وما أفرزته من نتائج؟
- من الذى يقود تجارة السلاح في العالم كله؟ وعندهم في مخازنهم من الأسلحة ما تكفى لإبادة العالم ألاف المرات؟؟
وسنتناول بعضاً مما ذكرناه بشرح مبسط لنعلم أين أخذهم العلم الغربى الحديث في طريق السعادة والإصلاح!
لنرى كيف فشل في إنقاذهم من هلاكات محققة! قبل أن نستورده على أنه المنقذ والمصلح والربَّان!
فشل محاولة تحريم الخمر في أمريكا
أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية في عشرينات وأوائل ثلاثينات القرن الماضي ميزانية هائلة للقضاء على الخمر،
ففى 1919 أصْدرت قوانين صارمة لمن يتعاطى الخمر أو يتجر فيها، وجندت الدولة كل الدعايات اللازمة لتنفير الأمريكيين من الخمر.
ولكن لم تفلح لا القوانين الصارمة! ولا الجهود الطائلة!! ولا التكاليف المهولة في منع الخمر!!!
بل وجاءت النتيجة عكسية!!
فزادت نسبة المتعاطين لها والمتاجرين بها!!! وتفاقم الأمر، وامتلأت السجون!!!
وبعد يأسهم من تحريمها وتجريمها! وفشلهم في حمل المجتمع على ذلك! لم يجدوا حلاً إلا أن يتراجعوا ويلغوا قوانين تحريمها،
وفى سنة 1933 أبيحت الخمرُ مرة أخرى! بعد أربع عشرة سنة من التجربة الفاشلة!!
إباحة التدخين وتجميله دعائياً مع ضرره القاطع!
والتدخين السبب الأول للوفيات في العالم كله! وهو من أكبر بنود استزاف أموال الناس في العالم بلا فائدة!
ولكنه الباب الأعظم للأرباح الخيالية لأباطرة مزارع الدخان، وشركات التبغ الإمريكية والأوروبية!
وهو أيضاً الشيطان الأكبر الذى يصيب الناس في العالم كله بأمراض التنفس والقلب والدم، فتستمر تروس مصانع الأدوية تعمل بلا توقف،
ليستمر تدفق نهر المال إلى خزائنهم! وليذهب العالم إلى الهاوية!
فأين صدق العلم؟! وأين احترام مبادىء الحياة البشرية؟! أين السعادة المنشودة؟!!!
إباحة المخدرات وتقديمها في هولندا!
ومثالاً ثالثاً على المخدرات! فمع كل قوانين تحريمها وتجريمها! تأتي بعض الدول المتقدمة كهولندا وغيرها وتبيحها!
بل وتقدمها مجاناً لمتعاطيها! لأنَّ جميع وسائل الردع قد فشلت!
فقال علماؤها ومشرعوها وساستها: لا طائل من المنع! أبيحوها! لتوقفوها!!
والعالم كله يعلم - ولم يعد سراً - مَن المستفيد من تجارة وزراعة نباتات المخدرات، ومن استخلاصها وتوزيعها!
إنهم قادة العالم وسادته من اليهود النافذين في أمريكا وأوربا! والمتحكمين في قرارات المجالس العالمية! بل والمنظمات الدولية!
وفضيحة مديرى منظمة الصحة العالمية وتآمرهم لإجبار العالم على شراء مصل أنفلونزا الطيور والخنازير من شركات الدواء لم تُنْسَ بعد!
وما خفي كان أعظم!
فقد عجز علمهم الحديث مع قوة حضارتهم عن حمايتهم من جشعهم! أو أن يصلح شأنهم! أو أن يقودهم للمجتمع المثالى!.
تحطم خرافة حرية ممارسة الجنس بأمان!
ومثالاً رابعاً أن الغرب كله أشاع وقنَّن!! أن الثقافة الجنسية العلمية الحديثة مع التطور الطبي ووسائل الحماية،
كافية جداً لحماية أفراد المجتمع من أضرار الأمراض الجنسية المهلكة لأفراده
نتيجة الإباحية الجنسية التى يجعلونها علامة على تطورهم وتحررهم من القيود الدينية!
فهل حمتهم الثقافة الجنسية الحديثة من أخطار الإباحية أو الجنس العابر؟!
هل وهبهم العلم السعادة المنشودة تحت وهم (حرية الأفراد حقٌّ مطلق!)؟!!!
وستار (حماية الشباب من مضار الكبت الجنسي)؟!!!
وإدعاء (حق الفتيات والنساء في الإجهاض إذا حصلن على حمل غير مرغوب)؟!!!
ولأن هذا موضوع هام جداً وبالذات هذه الأيام لشبابنا الذين ربما يظنُّ بعضهم
أن السعادة وإنصلاح الأحوال في أن يعيشوا تلك الحياة الغربية الحديثة من الجنس بلا رادع ولا رابط
تحت ستار المدنية الراقية والتطور الإجتماعي والتحرر من الرجعية أو العقد أو الضوابط الدينية!!!
ولما كنت قد تناولت الردَّ على هذا في محاضراتى المختلفة، ولكني هنا استبدلته بـ "وشهد شاهد من أهلها!"
فلن أورد ردودى وإنما سأنقل الردَّ من أحد أكثر الكتب مبيعاً في أمريكا في 2011
وهو كتاب أسمه الأصلى: (Generations in Danger!) أى { أجيال في خطر }
وطبع بالعربية تحت عنوان: { الإباحيَّة ليست حلاً }
لمؤلفته د. ماريان جروسمان عالمة النفس الأمريكية الشهيرة
التى تردُّ محطِّمةً فكرة الجنس الآمن،
أو أنَّ حياة الغرب المتحررة من القيود هى جنَّة الشباب وواحة السعادة، فتقول:
( إن عدوى متنقِّلة إسمها "إتش بى فى" المسببة للأيدز هى الأكثر شيوعاً كمرض جنسي،
وبعض أنواع عدوى الأمراض الجنسية خطير وممكن أن يتسبب في السرطان،
ولكن هذا الفيروس يكاد يقف وراء كل إصابة بسرطان عنق الرحم ،
الذى يقتل سنوياً حوالي أربعة ألاف إمرأة في أمريكا، وهو تقريبا نفس عدد ضحايا مرض الإيدز أيضاً).
وتتساءل د. جروسمان:
(لماذا يصاب هذا العدد الكبير بالفيروس مع وجود الثقافة الجنسية المكثفة والمحمومة؟!!
بل إنَّ تعليم ثقافة "الجنس الآمن" يبدأ أحياناً من السادسة الإبتدائية!!!
لماذا لا تفلح التعاليم مع توفر وسائل الحماية في كل مكان وبالمجان! للطلاب؟ لماذا ينتشر الفيروس؟)
وتجيب – وننقل باختصار:
(لأن مجال الصحة التناسلية قد تمَّ إختراقه بإيدلوجيات تروِّج بشدة لمبدأ الإباحية والتجريبية،
فبدلاً من استهداف منع العدوى كما كنا سابقاً؛ أصبح هدفنا تقليل المخاطر بترويج ما يعرف بفكرة الجنس الآمن، وهى فكرة قد ثبت فشلها،
وأنا أقول في مواجهة ذلك:
إن عدوى "الإتش بى فى" قابلة للتجنب تماماً،
وهى ليست بتبعة محتَّمة للنشاط الجنسي كما تدَّعي نشرات التثقيف الصحى الجامعية في أمريكا لتقنع الشباب أن الفيروس يصيب الكلَّ وقتاً ما،
وهذا منافِ للحقيقة؛
فعلى الرغم من كثرة أمراض الجنس وعددها 25 مرضاً متنوعاً، ومع وجود 25 مليون حالة إصابة جديدة منها و20 مليون إصابة بالإيدز سنوياً،
وأيضاً إصابة 43% من فتيات الجامعة بأمريكا ممن قمن بالفحص الطبى بالفيروس القاتل وهن مرشحات لسرطان عنق الرحم،
فمع هذا كله؛
فإن الذين يتمتعون بحماية كاملة من الإصابة هم من لم يمارسوا الجنس حتى الزواج!! وإذا ما تزوجوا التزموا الإخلاص الجنسي).
وفى موضع آخر تقول:
(وبعد أن كنا في الثمانينات نعتبر الشذوذ والسادية والمازوكية من الإضطرابات العقلية، أصبحت رابطة النفس الأمريكية لا تصنفها كذلك
إلا إذا سببت لصاحبها قلقاً أو إعاقة، وأصبحت نشاطات المثليَّة (الشذوذ) تعتبر ترفيهاً في عرف إدارة الجامعة).
ونهاية تكشف السرَّ وتقول:
(وفي كتاب عن تلك الحالة الخطيرة كتب رئيس سابق للرابطة النفسية الأمريكية يقول:
يوجد الآن لدينا الإحساس الباطن بالترويع الفكرى الموجود تحت مظلة الصواب السياسى ،
وهو ما صرح به مؤخراً بعض علماء النفس وراء الكواليس؛
أن مجال علم النفس وعلم الإجتماع قد تمت السيطرة عليه من قبل أجندة ليبرالية متطرفة،
وأن بعض وجهات النظر تتعرض للتشهير والقمع، وهناك قصص رعب من الإسكات والتهديد)،
وأضافت جروسمان:
(لقد كنت أحتفظ بآرائي لنفسي من الخوف، وكنت أختبىء في الخزانة
ولكن طفح الكيل ولم أعد أتحمل شعور الغضب! ولذلك قدمت هذا الكتاب للنشر) انتهى،
... ولا تعليق .................
إذاً رأينا أنَّ العلم الحديث وحده، أو النهج الغربي للحياة الحديثة ليس هو سبيل الإصلاح أو السعادة المنشودة للأفراد والمجتمعات ..
فأين السبيل إذاً؟ ..
وكيف الطريق لإصلاح وخلاص الأفراد والمجتمعات؟
ولنجيب على ذلك فلنلج الآن إلى رواق المدخل أو التمهيد للإجابة - أخي الكريم -
وهو رواق عجيب تهبُّ علينا منه نسمات الغيوب مما أنبأنا به الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم،
الفصل الثاني
مدخل إلى المَنْهَجُ الإسلامي في الإِصْلاحِ
إطلالة من وراء الغيوب!
إن رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم قد نفذ ببصيرته النورانية من خلال حجب الزمان والمكان،
وأطلعه مصرِّف الأكوان سبحانه وتعالى على ما سيكون في مستقبل الزمان!
فأخبرنا صلى الله عليه وسلم عن أيامنا هذه، وخبَّرنا ما سيحدث لنا فيها،
وما سيحدث بيننا وحولنا! وكأنه يعيش بين ظهرانينا، فقد قال صلى الله عليه وسلم:
{ ستكونُ فِتَنٌ }
(سنن الدارمي عن على رضى الله عنه وكرم الله وجهه)
ووصفها صلى الله عليه وسلم وصف الرائى بعينيه فقال في روايات عدة:
(فِتَنٌ كَقِطِعَ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا وَيُمْسِي مُؤْمِنًا،
وَيَبِيعُ قَوْمٌ دِينَهُمْ بِعَرَضِ الدُّنْيَا)
(مصنف ابن أبي شيبة عن أنس رضى الله عنه)
وأخبر بتلبُّسها على الناس واشتباهها عليهم فقال:
{ مشتبهةٌ كوجوهِ البقَر، لا تدرون أيُّها من أيِّ الفتن }
(نعيم بن حماد عن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه)
وأخبر أيضاً بترادفها وبتتابعها واشتدادها:
{ يتبَعُ آخِرُها أولَها، الآخرَةُ أشدُّ من الأُولى }
(عنْ أبي مُوَيْهِبَةَ ، مولى رسولِ اللَّهِ - رضى الله عنه - سنن الدارمي)
ووصف صلى الله عليه وسلم شدة تأثيرها قائلاً:
{ فتَصْدُمُ الرَّجُلَ كَصَدْمِ جِباهِ فُحُولِ الثِّيرَانِ }
(عن جُندب بن سُفيانَ رضى الله عنه ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَجِيلَةَ - مصنف بن أبي شيبة)
يكفي هذا؛ ثم نعود لحديث عليّ رضى الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم:
(ستكونُ فِتَنٌ، قلتُ: وَمَا المخرجُ مِنْهَا، قالَ: كتابُ اللَّهِ،
كتابُ اللَّهِ فيهِ نبأُ مَا قبلَكُم وخَبَرُ مَا بعدَكُم، وحُكْمُ ما بينكُم،
هُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بالهزلِ،
هُوَ الذي منْ تركَهُ مِنْ جبارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابتغَى الهُدَى في غيرِهِ أضلَّهُ اللَّهُ،
فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ المتينُ، وَهُوَ الذِكْرُ الحكيمُ، وَهُوَ الصراطُ المستقيمُ،
وَهُوَ الذي لا تزيغُ بِهِ الأهواءُ، ولا تلتبِسُ بِهِ الألسنةُ، ولاَ يشبَعُ مِنْهُ العلماءُ،
ولا يَخْلَقُ عنْ كَثرةِ الردّ، وَلاَ تنقَضِي عجائبُهُ،
وَهُوَ الذي لم ينتهِ الجنُّ إذْ سَمِعَتْهُ أنْ قالوا: {إنَا سَمعنا قرآناً عَجباً}،
هُوَ الذي مَنْ قالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ عمل بِهِ أُجِرَ،
وَمَنْ دَعَا إليهِ هُدِيَ إلَى صراطٍ مستقيمٍ)
(سنن الدارمي عن على رضى الله عنه وكرم الله وجهه، ومثله فى الترمذى)
وسأزيدكم حديثا فوق هذا الحديث! وهو حديث شريف أنتم أيضا تعرفونه جميعاً منذ الصغر بل تحفظونه بروايات!! قال صلى الله عليه وسلم:
{ إِنِّي قد خَلَّفْتُ فِيْكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا، أو عَمِلْتُمْ بِهِمَا: كتابَ الله وسُنَّتِي، ولَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحوضَ }
(المستدرك على الصحيحين، والسنن الكبرى للبيهقي عن أبى هريرة رضى الله عنه)
وما الجديد هنا؟!! كلنا نعرف أن الإصلاح في الكتاب والسنة! والسبيل من الكتاب والسنة!
والواقع يحكى أنَّ القرآن وكتب الحديث صارا في كل مكان في المساجد والبيوت والسيارات والجيوب!
نسخاً ورقية، وأخرى رقمية على المحمول والكمبيوتر وغيرها!
وصرنا ما شاء الله! قد كثر القراء والحفَّاظ والفقهاء والوعاظ! ما أكثر التسجيلات والفضائيات وقرآن يتلى بالليل والنهار!
وما أكثر الإذاعات والإنترنت! والمعاهد العلمية والجامعات الدينية! ودور التحفيظ والجماعات الدينية! وحتى كل ما هو وراء الخيال!
هذا هو الواقع!!!!!!!
فلمَ زادت الأغلال وساءت الأحوال؟!
لِمَ يزداد الحفاظ والقرَّاء ويتزايد الجهَّال ويزيد الفقراء؟!
لِمَ يزداد الوعَاظ ويقل الإتعاظ؟!
لِمَ لمَّا استوطنت علوم الدين ديارنا رحلت الراحة السعادة عن بيوتنا؟!
لمَ يهرب المسلمون من الديار لموطن الكفَّار والفجَّار؟!!!
ويرفض هؤلاء أن يأتوا بلادنا إلا بقدر ما ينهبون ثرواتنا ويسلبونا خيراتنا!
ويزرعوا المزيد من الشقاق والبغضاء بيننا؟!.
ما الأمر إذاً؟!!!!!!!
وكيف صرنا إلى ما نحن فيه؟
هل هى إزدواجية نحياها؟ أم قضية التبست علينا فحواها؟
هل خطة الإصلاح واضحة؟ أم هو فقط تشدُّقٌ بالكلام أو إلقاء الملام!
أم بحث عن أدوار في الزحام؟
.. هل هو كل هذا معاً؟
أم اختلطت الحلول وأظلتنا فتن نبوءة الرسول؟ أليست تلك هى الفتنة أيها الناس؟!
أليس هذا هو الإشتباه والإلتباس الذى حذَّرنا منه سيد الناس؟!
فتنٌ مشتبهةٌ كوجوه البقر! ألا تكاد الرؤوس تتحطم من هول ما يجرى!
وصرنا كمن صدمتهم فحول الثيران!
ونكتفي بتلك الإطلالة عبر الغيوب الآن بعد عودتنا للواقع المدان!
وتعالوا لنستكمل معاً جولتنا عبر المدخل إلى الإصلاح! ولنا فيها سؤالان:
أولاً: من يقود مهمة الإصلاح؟
ثانياً: ما أساس أو ما سرُّ النهضة الإصلاحية على الحقيقة؟
أولاً: من يقود قاطرة الإصلاح؟
أرسى الإسلام المبدأ الأساسي والمنطلق الأول للتغيير - أو بلغة العصر - لإصلاح الأفراد والمجتمعات
في أول آية نزلت من كتاب الله تعالى بقوله تبارك اسمه وتعالى جدُّه:
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ)
(1: 4 - العلق)
فكانت أول كلمة من القرآن يعلِّمها صلى الله عليه وسلم لمن آمن به هي: (اقرأ)
وكانت أول آيات صدح بها نبيُّ الإسلام في آذان البشرية في جدب تلك البرية التى خرج منها سيد الأنبياء
لهداية البشرية جمعاء، ورفع العنت عنها والشقاء
هى: الأمر بالعلم والتعلُّم، وإعمال العقل كما جاء أمر السماء!!!
وقد كان سيِّد المرسلين صلى الله عليه وسلم دائماً ما يقول لإصحابه وللأمة من بعدهم:
(إِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلمًا)
(ابن ماجة عن ابن عمروٍ رضى الله عنها)
ولذا كان من هديه في تربية أصحابه أن يجمعهم من وقت لآخر
ليزكِّي نفوسهم ويرقِّق قلوبهم، ويصحِّح أحوالهم، ويزيدهم علماً بربِّهم .. وبكتاب ربِّهم .. وبنبيهم .. وبشرعهم،
تطبيقاً لقول الله عزَّ وجلَّ:
(عِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا)
(63- النساء).
إنها التربية الإيمانية المستمرة _ أو إن شئت أن تقول بلغة العصر:
التنمية البشرية المستدامة على الأسس النبوية والمفاهيم القرآنية!
فكان صلى الله عليه وسلم - إجمالاً - يربيهم ويعلمهم قولاً وفعلاً كيف يصلحون أنفسهم
فيكونوا نواة إصلاح أسرهم، فمجتمعهم الصغير، فالكبير! وهذا عين القصد من الدين،
لأن الإصلاح هو رِسَالَةُ المُرْسَلِين والنبيين في كلَّ وقت وحين!
ذلك لأن الله جعل تأسيس إصلاح أمور الدنيا والدين على الأنبياء والمرسلين،
فإن ذهبوا ينوب عنهم في تطبيق مناهجهم لإصلاح العباد والبلاد العلماء العاملون
بالشرائع التى جاء بها الأنبياء والمرسلون.
ولذلك فإن السبيل المحقق للنجاح والصلاح والإصلاح
هو السبيل الذى جاء به رسول الملك الفتاح صلى الله عليه وسلم،
ومن يقود المهمة ويقوم عليها هم العلماء العاملون،
فالإصلاح هو رسالة العلماء والصالحين والأولياء، من بدء الدنيا إلى أن يرث الله عزَّ وجلَّ الأرض والسماء،
ولذا ورد في الحديث الشريف:
(الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَـاءِ)
(جامع المسانيد والمراسيل، ابن النجار عن أنس رضى الله عنه)
و ... (العلماءُ خُلَفاءُ اَلأنْبيَـاءِ)
(مجمع الزوائد عن أبي الدرداء)
هل الرسل والأنبياء أو علماء الدين سيبنون المصانع أو العمارات!
أو يستصلحون أرضاً ويملئوها بالزراعات؟ أم سيحضرون لنا ذهباً وجنيهات؟!
وقد سبق وأجبنا في الفصل السابق أن المال وحدهُ لا يصنع الإصلاح،
ولكن وحتى لا يتوهَّم أحدٌ من تساؤلنا
أننا نقلل من شأن من سيشيدون المصانع أو العمارات أو يقيموا الزراعات،
فإننى أقول:
أن أمر سبيل إصلاح الأفراد والمجتمعات لا ينتهي عند العلماء العاملين ورثة الأنبياء والمرسلين،
الذين يرسمون للأمة منهج الإصلاح المبين،
ولكنهم بلغة اليوم يضعون الدستور الأساسي لخطة الإصلاح،
فيُقعِّدون القواعد والركائز والأسس التي تبنى عليها كلُّ برامج الصلاح والإصلاح!
فالعلماء العاملون بالدين يضعون دستور إصلاح الأمة على نهج المرسلين بما يناسب الزمان والمكان.
أما الوسائل التنفيذية والمذكرات التفسيرية والحلول العملية والتطبيقية لتلك الخطط الإصلاحية في المناحى الحياتية
تكون كما قال عزَّ وجلَّ:
(فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)
(43- النحل)
فعلى الأمة كلها إن أرادت الصلاح والإصلاح أن تتبع منهاج العلماء العاملين القائم على الشرع والدين،
ثم تجعل الأمة مرجعيتها بعد ذلك في كل ناحية من نواحي حياتها لأهل الذكر في تلك الناحية،
أى كما نقول اليوم: (لأهل العلم والعلماء والخبرة والدراية)
وهذا يوجِّه أفهامنا إلى أنه لتكون خطط الإصلاح والنهضة شاملة ودائمة ومتطورة ومؤيدة من الله!
فلا بد للأمة أن ترسم خطط تربية أبناءها لتصنع كوادرها العلمية
وأهل الذكر الذين يدينون لها ولدستور إصلاحها بالولاء من الألف للياء.
فهى خططٌ إصلاحية وتربوية متكاملةٌ متَّفقة مع الدين، وسنة سيد المرسلين، وفقه أهل اليقين من العلماء العاملين،
وقد فصَّلنا ما يخصُّ تربية الأبناء بجلاء في كتابنا: (تربية القرآن لجيل الإيمان).
وهنا تحضرنى كلمات قليلة للسيد/ مهاتير محمد رائد النهضة الحديث لدولة ماليزيا
والذي استطاع أن يقود مسيرة الإصلاح في العصر الحديث لتلك الدولة من خلال الفهم الإسلامي الصادق والمستنير قال فيها:
(إن أول ما دعا إليه القرآن هو: (اقرأ)، وهذا لا يعنى أن نقرأ القرآن وحده،
ولكن هى دعوة للمعرفة التى لا يمكن أن تجعلنا نتجاهل أهمية التعليم والذى يتطلب ألا نعمل بمفردنا وننأى عن معرفة كل شيء)
(من مقال نشر بالأخبار 20/2/12 للأستاذ جلال دويدار بعنوان : روشتة علاج ماليزية لأوجاع مصر الثورة)
ثانياً: التربية الإيمانية سرٌّ النهضَة الإصلاحية
كيف صنع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كياناً جديداً لأمته؟
كيف غيَّر حالهم وبدَّل واقعهم؟
وما الأساس الذي أرساه ليحدث هذا التغيير والتبديل الدائم والمستمر؟
كيف حوّلهم صلى الله عليه وسلم من أحوال الجاهلية التي كانوا غارقين فيها
وجمَّلهم بأحوال مختلفة مازالت موضع عجبٍ كلِّ البرية من يومها وإلى يوم الدين؟!
إن النبى صلى الله عليه وسلم تمكَّن في مجتمع المدينة وفيما يقرب من العشر سنوات أصلح الأفراد جميعهم، فالأُسر، فالمجتمع كله،
ومنه انطلقوا إلى الوجود بأسره
بالتربية الإيمانية التي وضع صلى الله عليه وسلم من خلالها الأسس الراسخة للإصلاح
قولاً وعملاً في جميع النواحى بدءاً من العقيدة إلى أى تفصيل شئت.
ثمَّ انتقل صلى الله عليه وسلم للرفيق الأعلى وتعداد أمته مائة وأربعة وعشرون ألفاً،
منهم ثمانية ألاف من البارزين على درجاتهم،
ثم انطلقت تلك الأمة الوليدة وأحثَّت السير على نفس المنهاج
ليصلحوا أحوال العباد، وينشروا الخير والحقَّ والعدل في البلاد،
وتبعهم أسلافهم من بعدهم على نفس الأسس التربوية الإيمانية،
حتى تمكنت أمة الإسلام في سنوات قلَّة من إزاحة الأمم الكبرى عن عروشها!
وتربعت هى على عرش الوجود الإنساني والأخلاقي والإجتماعي والإقتصادي والعلمي والعسكري والتنموي في العالم كله!
(من أراد التفصيل فليقرأ كتابنا{ كونوا قرآنا يمشى بين الناس}، الباب الخامس والسادس: ص 165-243.)
بل - ولكى نعلم أنَّ هذا الذي صنعه بهم صلى الله عليه وسلم قابلٌ للتطبيق في كل زمان ومكان –
نجد أيضاً أنَّ الأمة نفسها كلما حاقت بها شديد الظلمات نجد لها وقفة تهُبُّ فيها من سُباتها
وتنفض غبار الكسل واللامبالاة عن شبابها، وتهُبُّ فتستعيد أمجادها !! ..
حدث ذلك كثيراً وأنتم تعلمون ذلك جيداً بمطالعة تاريخنا العظيم !
فما السر؟!
هناك قاعدة للإنطلاق! كلما عادت لها الأمة وأنطلقت منها تجاوزت كبوتها! ونالت مرادها! .. وسادت زمانها! ..
واستمرت على تسيُّدها ما حافظت عليها،
فإذا فترت عزيمتها، وقلَّت همَّتها، وحادت عن السبيل ضاعت هيبتها وتلاشت سيادتها شيئاً فشيئاً حتى تصبح كثرتها كغثاء السيل! كما نرى!!!
فما السرُّ في ذلك؟
ما سرّ نهضة الأمة في عصر النبى وصحابته الأخيار؟
وما سرّ نهوض الأمة من كبوتها تارة في مواجهة المغول؟ وتارة في مواجهة الصليبيين؟
ومرة مع الدولة العثمانية التى اجتاحت أوروبا كلها ناشرة للإسلام؟ وغيرها من المرَّات والمرَّات التى ظهرت فيها قوة الإرادة
ما السرُّ في ذلك كله؟!!!
ولأسهِّل الأمر عليكم وأقرِّب لكم المسألة، سأسألكم:
ما أول الأمور التى علَّمها النبى للأمة؟
هل علمهم الصلاة التى هى عماد الدين؟ لا .... لم يعلمهم الصلاة أولاً!
بل جلس معهم صلى الله عليه وسلم اثنى عشرة عاماً في دار الأرقم بن أبي الأرقم إلى أن فرضت الصلاة –
لأن الصلاة فرضت قبل الهجرة بعام، والرسول صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاثة عشر عاماً –
فماذا كان يفعل معهم كل تلك الأوقات؟؟ ماذا كان يعلِّمهم؟ أو يقول لهم؟
كان صلى الله عليه وسلم يربِّيهم! .. وهذا هو السرُّ .. هذا هو سرُّ النهضة ... التَّربية الإيمانية!
كان يزكِّي النفوس .. ينقِّى القلوب، .. يطهِّر الصدور!!
وبإجمالٍ يربِّي أصحابه على الخلق القويم والنهج المستقيم!
أى يقوم بتشكيل عالم أصحابه الداخلي "القلوب" تشكيلاً متكاملاً على أسس الدين الجديد،
كان عليهم أن يتمُّوا ذلك داخلياً قبل أن ينطلقوا لإعادة تشكيل واقعهم خارجياً،
وهذا هو لبُّ سرِّ الإصلاح والتنفيذ العملي
الذى طبقه صلى الله عليه وسلم لقول المنعم الفتَّاح لدعاة التغيير والنجاح والفلاح والإصلاح:
(إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)
(10الرعد)
وفي ذلك يقول د. محمد عمارة:
(وعلى إمتداد المرحلة المكية- ثلاثة عشر عاماً- أى أكثر من نصف عمر الرسالة-
كانت الصناعة الثقيلة التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم
هي إعادة صياغة الإنسان، بإقامة الأصول وتجسيدها في القلة المؤمنة،
وفي دار الأرقم بن أبي الأرقم –
مدرسة النبوة والمؤسسة التربوية الأولى في تاريخ الإسلام-
كانت صياغة القلوب والعقول بخلق القرآن وقيم الإسلام)
(مجلة الأزهر 4/2012، مقالة بعنوان: المنهج الإسلامي فى الإصلاح)
وقد نظرتُ بفكرٍ ويقين في هذا الأمر!! فاستجليت صورة سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم
فوجدت الأمر الجامع لشتات الأمة، وبزوغ أنوارها، وإظهار فتوة وبطولة شبابها،
وانتصارها على أعدائها، وتحطيمها لكل من يريد كيدها لا يحدث
إلا على أيدي رجال تربُّوا على منهج الحبيب صلى الله عليه وسلم، وأخذوا بالأمة معهم على ذلك النهج.
فالأمر الفصل هو في التربية الإيمانية اليقينية
التى رسَّخ بذورها ووضع أحكامها ومبادئها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن بعده ساروا على هديه في ذلك،
هذه التربية التى بدأها صلى الله عليه وسلم مع صحبه الأجلة
وتدور أولاً: على القيم الإيمانية والمكارم الأخلاقية التي أثنى عليها الله وامتدحها في كتابه،
والتى كان عليها في سلوكه وفعاله وكل أحواله رسوله صلى الله عليه وسلم.
- فالتربية الإيمانية اليقينية لا تعتمد على المال! ولا على قوة التكنولوجيا!
ولا خيرات الأرض! ولا قوة العِدَد والآلات! ولا صلابة الأجسام! ولا القوة العددية.
- ولكن تعتمد على صلابة النفس في التخلق بأخلاق الله والتمسك بقيم كتابه،
والتشبه في كل حالٍ برسول الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وقيمه،
وأهمها وأبرزها الوصول إلى درجة اليقين الذى يصحبه الزهد في الدنيا والعمل لإرضاء رب العالمين عزَّ وجلَّ،
فإن المسلمين ما أُخذوا ولا غُلبوا في زمان من الأزمنة إلا بالتنافس في الدنيا
والتحلل والتفسخ من الأخلاق الكريمة التي أمر بها الله والقيم التي جاءنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
التربية الإيمانية مفجِّر الطاقات الربانيَّة
*****************
وعلى هذه الأسس الفعَّالة ربّى النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه الأجلاء بإتقان محكم،
ففجّر فيهم هذه الطاقات الربانية التي استودعها فيهم رب البرية،
وكل إنسان فيه طاقات لايعلمها إلا الكريم الخلاق،
لكن أغلب الخلق يتكاسل ويتخاذل ويظلّ حتى يأتيه الموت ولم يستغل عُشر معشار الطاقات التى أودعها فيه الخلاق عزَّ وجلَّ،
بل ويسلِّمها كما هي لله عزَّ وجلَّ!!! سلَّم الأجهزة عند وفاته كما هي لم يستخدمها .
فالداعى صاحب البصيرة هو الذى يُفجر هذه الطاقات فيمن حوله حتى يصير الرجل العادى من أصحابه بعشر:
(إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ)
(65 - الأنفال)
فيكون الرجل بكم؟!! بعشرة، وهذا كان حال جند المسلمين الذين رباهم سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم ،
ولذلك عندما تنظر في معاركهم تجد محققٌ فيهم قول الله:
(كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)
(249 - البقرة)
في كل المعارك أم لا؟!! نعم .. في كل المعارك!! بهذه الشاكلة - وعندك التاريخ ابحث فيه واشهد -
لم يقاتلوا لمغنم أو دنيا، ولم يجاهدوا لمصالح عاجلة أو شهوات فانية، ولا طلباً للزعامة ولا الرياسة ولا للفخر والمباهة والرياء!
لأنهم تربُّوا على الإخلاص في قصدهم وفي كل أحوالهم وفي جهادهم .
وهذا بالفعل ما نفتقر إليه كمسلمين الآن في كل مكان،
الكل ينافس إمَّا لمنصب أو مصلحة أو منفعة! للفخر أو الرياء والسمعة والشهرة!
لكن لو التنافس كله لله، هل سيحدث إختلاف؟ لن يحدث أبداً!
إذاً لماذا الإختلاف؟
لتنوع المقاصد وتضارب المآرب، ولو كان مقصد الكلِّ ربِّ الكلِّ عزَّ وجلَّ، ما حدث إختلاف!
ما إختلاف النفوس والقصد واحد **** والصراط الســوى للمتواجد
من كتاب: (إصلاح الأفراد والمجتمعات فى الإسلام)
لفضيلة الشيخ/ فوزى محمد أبو زيد
رئيس الجمعية العامة للدعوة إلى الله
بجمهورية مصر العربية
ومن اراد المزيد