آخر الأخبار
موضوعات

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

- ما هى الكرامة والإستقامة ؟

عدد المشاهدات:
تعريف الكرامة
الكرامة هي تكريم الله العبد بما يقربه به إليه، أو إظهار خوارق العادات على يد العبد ليهدي به غيره من غير قصد، فإذا قصد السالك أن تظهر لـه آية لينال الشهرة أو ليحصل لنفسه مالا أو جاها كان مضلا، لأن الله أخذ المواثيق على الرسل أن يظهروا المعجزة ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور ، وأخذ العهود من الأولياء أن يحفظوا الكرامة، فإذا أظهرها سبحانه ليكرم غيرهم بالهداية والتوبة فذلك فضله تعالى. وأفضل إكرام يكرم الله به أولياءه هي الاستقامة، والاستقامة عند العلماء خير من ألف كرامة ، والكرامات التي يدعيها المشعبذون أهل الجهالة ليوهموا الناس أنهم على تقوى من الله. والله سبحانه وتعالى لا يصلح عمل المفسدين. ومن أجل ذلك أنكر العلماء الكرامة من غير المستقيمين، ولم ينكر العلماء إكرام الله لأهل الاستقامة كما أكرم مريم ابنه عمران بالطعام والفاكهة، وأكرم والدة الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة ميلاده بما هو معلوم، وأكرم كثيرا من أوليائه بالنجاة من الوحوش والظلمة، وأكرم بهم ذريتهم كما في حادثة موسى عليه السلام والخضر من رفع الجدار، ولا ينكر إكرام الله لأهل الإيمان عند التجائهم إليه سبحانه أحد من المسلمين، ولكننا ننكر على أهل البدع المضلة المخالفين للكتاب والسنة، وكم أكرمنا ربنا وأغاثنا في كل أحوالنا بما لا نستحق، فله الحمد وله الشكر.

ومن ظن أن الكرامة غير الاستقامة فليس بمؤمن على بصيرة، وكم خدع هؤلاء المشعبذون جهلاء فأضلوهم عن الصراط المستقيم، وإني أعيذ إخواني من هؤلاء الضلال، وقد التبست الكرامة بأعمال هؤلاء الضلال فاعتقد فيهم أهل الجهالة اعتقادا جعلهم يطيعونهم حتى في ترك الصلاة والصيام وفي إباحة المحرمات ظنا منهم أن هذا هو الدين.

ومسلم يعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء بصريح القرآن ويقرأ الكتاب والسنة، ويأتيه شيطان ضال مضل يهدم أركان الإسلام ويبيح ما حرمه القرآن ويبيح الأعراض ويقبل منه.. لا يكون مسلما أبدا، وكيف لا؟ والله تعالى يقول (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ )(البقرة: 43) ويقول ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )(آل عمران: 97)، ثم يقبل منهم بعد ذلك من يدعي الإسلام محاربة القرآن والسنة.. نعوذ بالله من غضب الله ومن الكفر بعد الإيمان.

الكرامة أن يكرم الله المؤمنين بالاعتصام بالكتاب والسنة ويعصمهم من الفتن المضلة والأهواء المذلة.
 لا يجب إظهاره الكرامة أبدا،

و أن خرق عوائد النفس بترك المألوف بالإرشاد الصحيح وإحياء موات القلوب بالعلم المؤيد بنور الحق أفضل عند الله ورسوله من ألف كرامة.

 الاستقامة التي هي أفضل من الكرامة.

الاستقامة :
خروج عن المعهود، ومفارقة الرسوم والعادات، والقيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصدق. والاستقامة في الوقت: أن تشهد قيامه ، والاستقامة في الأقوال: بترك الغيبة، وفي الأفعال: بنفي البدعة وفي الأعمال: بنفي الفترة، وفي الأحوال : بنفي الحجة.

والاستقامة:
طلب الإقامة في محبة الله ومراضيه، ولا يتحقق بها إلا من تحقق بخالص التوحيد وتناول صافي شراب الموحدين، لأن التمكين في مقام التوحيد تتميز به الحضرتان وتجلى به المكانتان، فيتحقق العبد برتبته الحقيقة أمام ربه البديع القادر الحكيم. ولابد للعبيد من لبسة يلبسونها ومعان يتكلمون بها ليتحققوا بكمال العبودية أمام السيد العظيم والولي الكبير المتعال، لأن السيد الكبير المتعال جل جلاله غني عن الخلق أجمعين، وكلهم فقراء إليه، فهو تنزه وتعالى لا يجانسهم ولا يشاكلهم ولا يمازحهم لأنه سبحانه وتعالى لا جنس لـه فيتجنس به ولا شكل لـه فيتشكل به، ولا تتصوره العقول ولا تتخيله الأفكار ولا تحوم حول قدس عزته وجبروته العقول والأوهام، ظهرت معاني صفاته في أحكام ما أمر لأنه الآمر القادر، ونهي لأنه الحكيم القاهر، وكلف لأنه الملك القوى، وبين سلب إقامة لحجته على عباده، وهو القاهر فوق عباده، يريد الشيء إرادة تكوين فيقدره سبحانه وتعالى، وينهي عنه ابتلاء منه وهو المبلي جل جلاله، ويحب الشيء ويأمر به ولا يقدره سبحانه على من لم يشأ أن يهديه وهو العزيز المنتقم، لا حجة لعبد عليه لأنه الملك المتصرف في ملكه مما يشاء، ولا ظلم ينسب إليه سبحانه لأنه خلق من شاء لما شاء، قال تعالى ) إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ)(الرعد: 27).

فلا العلم بخالص التوحيد يجعل العبد مهملا، لأن العليم بخالص التوحيد هو الحكيم القادر الناهي، ولا اليقين بحقيقة التقدير يجعل لعبد حجة عليه جل جلاله إذا نسب الله تعالى القبيح إلى العبد وعاقبة عليه، لأنه جل جلاله أرسل الرسل بالبينات وصدقهم فيما جاءوا به من قبله بالمعجزات حتى ثبت للخلق أجمعين أن أحدا لا يعمل هذا العمل إلا رب العالمين، ولا يجريه إظهارا إلا على يد صادق أمين، إذ لو كانوا كاذبين فيما جاءوا لما صدقهم سبحانه بالمعجزة الخارقة للعادة.. وهب لعباده العقول التي تميز بين المعجزة والكهانة، حتى قامت الحجة القاصمة أن غير المستقيم ولي الشيطان الرجيم ولو بلغ من العلم نهايته ومن الكشف غايته، لأن العلم يجري مجراه والحكم يجب العمل بمقتضاه، فلا العالم- مهما بلغ- تكون لـه الحجة على الله، وعالم لا يخشى الله هو الجاهل حقا.. قال تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )(فاطر: 28).

والاستقامة:
مراد الله تعالى المحبوب لحضرته العلية والسير بسير العلم المطلوب للعبد، وشتان بين مراد الله تعالى من العبد ومراد العبد من نفسه، فالعبد يطلب الكرامة والله سبحانه وتعالى يطلب الاستقامة. ومن قدم مراده على مراد ربه كان جاهلا عند العلماء بالله وإن ظن أنه عالم- قال الله تعالى (ُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(البقرة: 105)

والسعيد حقا من سبقت لـه الحسنى فوفقه الله للاستقامة وأعانه، والمحجوب حقا من ظن أنه يحسن عملا فطلب الكرامة، قال تعالى ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ )(الزمر: 9).

والعالم حقا من هجم به علمه على عين اليقين فانتشله الله من أوحال التوحيد فكان حاله في مزيد، جاء في الأثر: (من لم يكن في زيادة فهو في نقصان، ومن كان في نقصان فالنار أولى به)، وقال الله تعالـى لـرسوله صلـى الله عليه وسلم ) وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(طـه: 114).

وعلم بمحو الآثار والآيات عندنا هو علم الأطفال، فمن لم يكن في مزيد من العلم حتى يثبت ما أثبته الله ويسارع إلى مرضاته ومحابه فهو في جهل، قال الله تعالى: ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (الاسراء: 85).

فيجب علينا أن نسارع إلى الاستقامة عملا بعلم الله وإن جهلنا الحكمة، فإنما نحن مكلفون لنطيع الأمر- ففقهنا الحكمة أو جهلناها، وكل علم ينتج شهودا يخالف الاستقامة هو جهالة وضلالة.
وكيف لا يكون كذلك وصاحبه يحكم بعلمه على علم ربه ويخالف شهوده حكم ربه جل جلاله وهو الخسران المبين؟

إلا من صال عليه الحق صولة فسلب منه ما وهب، ولديه يسقط عنه ما أوجب، وهم الموتى وإن كانت أجسامهم تتحرك، الذين اقتطعتهم المحبة من غير سكينة فصيرتهم أرواحا بلا أشباح، لا يتألمون مما يتألم به الناس ولا يتلذذون بما يتلذذ الناس به، وهم أهل الاطصلام بمشاهدة التوحيد بالتوحيد، لا يشهدون لأنفسهم وجودا.. فكيف يشهدون مقتضيات الوجود؟! تجلت لهم الأسماء والصفات فحجبت أنوارها الكائنات فغابوا عن أنفسهم بمنفسهم، وعن مقتضيات قلوبهم بمقلبها، وليست دعوى يدعيها السالك ولا تكلفا بتكلفة مريد الحق، وإنما هي حال قاهرة عن سجية صادقة بعد تزكية النفوس وشوقها إلى القريب القدوس، وليس هؤلاء أئمة للمتقين ولا هداة للأمة، لأن القوة التي بها التكليف سلبت والحقيقة التي بها التعريف قويت، خرست ألسنتهم لاستغراقهم في شهود الواحد، وصمت آذانهم عن غيره، وحجبت أبصارهم عن سواه سر قوله تعالى: ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ )(البقرة: 115) وقوله تعالى (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ )(الذريات: 50). والفار إلى الله من نفسه، المستوحش من وجوده، كيف يأنس بغيره أو يرى وجودا لسواه؟! فإذا رد إلى الخلق وأنس بهم وفارقته الاستقامة كان داعيا إلى الضلالة ناهجا سبيل الغواية، نعوذ بالله منهم. ومحبوب الله تعالى إذا رده إلى خلقه جمله بحلل حبيبه ومصطفاه وسلك به على الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فكان صورة محمدية كاملة، يمثله صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، مشكاة لمصباح أشرق زيته وصفت زجاجته ، عمله السنة، وقوله الحكمة، وحاله المحبة، والتوكل على الله، والتفويض لله، والشكر بكلام الله ، والفرار إلى الله، والمسارعة إلى مراضي الله ومحابه..

وهو الإمام الذي يظهره الله، فترى جسمه في الأرض بين الناس وقلبه معلق بالملأ الأعلى، أنفاسه ريحان ملائكة الله وأعماله زينة الفردوس الأعلى، توحدت همومه فصارت هما واحدا في الله، لو غاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه نفسا لعد نفسه مشركا، وهو الفرد الذي لا تفارقه الاستقامة وإن كانت أحواله توجب الملامة، حصن الله شهوده بالسنة بحقيقة ما تفضل به عليه من المنة، خفيت إشارته لأنها من غوامض أسرار التوحيد، ووضحت عبارته لأنها بيان المبدئ المعيد- قال تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ )خَلَقَ الْأِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (الرحمن1 :4). عبارته شفاء للقلوب، وأحواله التنويع للنفوس، وإشاراته تلويح عن الغيوب، لا يقهره حاله لأنه مقهور بقهر الحكيم القادر، محصن في حصن حكم اللطيف الخبير العليم، تجلت لـه صفات أهل معية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لو همت نفسه بمخالفة في صغيرة أو كبيرة تداركته عناية الولي القريب سر قوله تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ )(البقرة: 257) ، إذا أظهره الله في الوجود فتح به عيون القلوب وأطلق به الألسنة بالحكم وأسرار الغيوب، نوع به النفوس وزكاها وطهرها من لبسها، وبالأخلاق الطاهرة والاستقامة حلاها، سر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (العلماء مصابيح الأرض وخلفاء الأنبياء وورثتي وورثة الأنبياء).


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير