عدد المشاهدات:
قوله تعالى : "الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ"(17).
"الصابرين"
الصبر لغة ثبات جند فى مقاومة عدو لهم ، والصبر هنا هو ثبات جند الروح والعقل والنفس والمطمئنة اللوامة ف مجاهدة النفس الأمارة بالسوء والحظ والهوى والطمع والحسد وكل الرذائل ، فإذا ثبت جيش الحق أمام جيش الباطل وصف الإنسان بأنه صابر.
والصبر يحسن فى مواطنين : صبر على طاعة الله ، وصبر على ترك معاصيه –سبحانه–فالصبر يكون فى القيام بالمأمورات والانتهاء عن المنهيات . أما فى الأقدار فليس للصبر مقام على فيها وإنما المقام العلى لأهل الرضا عن الله فيها.
والصبر هو حبس النفس عن عمل ما أمر الله به وعلى ترك ما نهى الله ، فالصابرون هم الذين جملهم الله بتلك المعانى جمالا نفذت به نفوسهم المطمئنة من أقطار السموات والأرض بسلطان اليقين الحق ، حتى شهدوا ما فوق ذلك من جمال وجلال وبهاء الله تعالى ، وقد يبلغ بالصابرين المقام حتى يكون الله تعالى معهم . وفى الحديث عن على بن أبى طالب قالe: [الصبر نصف الإيمان] وذلك لأن الإيمان تخلية وتحلية فالصبر تحمل مضض المجاهدة فى تزكية النفس وتخليتها عن رذائلها ، فإذا تجردت النفس وصفا جوهرها واجهت عالم الغيب العلي فتمثلته وكانت بحالة من الكمال بحيث ترى أن الله تعالى معها.
"والصادقين"
والصدق يكون فى القول والحال والعمل والنوايا : أما الصدق فى القول فمعلوم وهو أن يخبر المتكلم خبر مطابقا ، أما الصدق فى الحال فإنه الانفعالات التى تظهر على الهيكل عند تأدية الخبر أو عند سماع ما يفهم من الانفعالات التى تعترى الشخص عند إقامته الحجة والدلائل على صدق ما يخبر به . أما الصدق فى العمل فهو قيام الإنسان فى عمله بعامل يؤثر لى قلوب الشاهدين له.
أما الصدق فى النوايا والمقصود : فهو انبلاج الحقائق لروح الإنسان انبلاجا يجعله صادقا فى نيته عند الله تعالى وعند الخلق.
ولما كان الصدق كائنا فى كل الأعمال والأقوال والأحوال والنوايا ناسب أن يكون بعد الصبر ، لأن الصبر مقدم بالحقيقة ولولاه ما قام لإنسان بعظائم الأمور وصغائرها . وقد ثبت لك أن الصبر يكون لله وفى الله وبالله ، ولكن لا يكون عن الله إلا عند الكفار به سبحانه وتعالى.
وبعد الصبر يلزم أن يكون الصدق ، فإن العالم لا يعمل إلا ليفوز بالخير المقصود ، فإذا لم يكن ثم صدق اعتورته الشكوك والريب ، فإن أدى العمل مع تلك الشكوك والريب حرم أجره ،وقد يتوانى ويتلهى عنه بما يقوم بالقلب من علامات الشك والريب والتكذيب الذى يعتريه.
وقد ورد فى القرآن الثناء الجميل على الصادقين ،حتى أخبر أن الصادقين جملهم الله بتلك الصفة منه –جل جلاله –بقوله تعالى : "وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا"([95]) و "أصدق" أفعل تفضيل يدل على أن هناك صادقين والله أصدقهم . فوضع نفسه مع الصادقين فى مقام الفوقية ثناء منه سبحانه على أهل الصدق ، والواو هنا واو المدح لأن تلك الصفات السبع كلها لفرد واحد ، وليست واو العطف لأنها لو كانت واو العطف للزم التغاير كما تقول جاء زيد وعمرو وأكلت اللبن وشربت الماء.
"والقانتين"
تقدم شرح القانتين ، ولكنى لا أخلى الموضوع من مزيد لك . لما كان الصبر كما قدمت لك حبس النفس على محاب الله ومراضيه، والله –جل جلاله –ينعم علينا فى كل نفس نعما لا تحصى ، لزم أن يكون ذلك الحبس مستديما ليصلح من الصابر الشكر على نعماه ، ويكون القانت هنا المستديم على الإقامة فى محاب الله ومراضيه.
ولكن القنوت الذى اصطلح عليه الفقهاء : هو الدعاء بعد الركوع أو قبله فى صلاة المغرب أو الوتر ، وهو مشهور فى الفقه ويسمى القنوت ، وهذه التسمية اصطلاحا عند الفقهاء ، وكانeإذا حزبه أمر قنت فى الصبح وفى المغرب وفى الوتر ، وكان يترك هذا القنوت كثيرا إذا لم يكن هناك ما يدعو إليه ، وقد كان يقنت بالدعاء على من قتلوا الحفاظ من أكابر قريش بعد غزوة أحد : [اللهم العن فلانا وفلانا] . فأنزل الله عليه : "لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ"([96]) فتركeالدعاء عليهم.
فالقانتون هم الذين كشف الله عن عيون بصائرهم سحب الجهالة والغفلة والهوى والطمع والحظ ، حتى شهدوا الدنيا على ما هى عليه والآخرة على ما هى عليه ، وشهدوا كمال الله تعالى وجلاله وجماله ، فأفردوه –سبحانه- بالعبادة دائمين عيها محافظين على أدائها بشروطها وآدابها وأناتها.
والقنوت هو دوام رعاية واجب الوقت ، ولا يراعى واجب الوقت إلا أهل العلم بالله ، فإن للوقت واجبا وحكما ، وواجب الوقت يقدم شرعا على حكم الوقت ، ودليل ذلك بسيط جدا لأن المسلم إذا وقف يصلى العصر عند غروب الشمس بحيث لا يسع الوقت إلا قدر ركعة ويخرج العصر من الأداء إلى القضاء ، فرأى رجلا أعمى يخشى عليه أن يتردى فى بئر ترك الصلاة وأسرع لينجيه لأن ذلك واجب الوقت ، فيكونون فى كبائر وهم فى عمل القربات لجهلهم ذلك الواجب المقدس.
"والمنفقين"
لما كان الصبر والصدق مما يجب على الإنسان أن يحصل العلم بهما حتى تتكون منهما فطرة النفس بعد نقش علمهما على جوهرها ، ويكون بذلك مؤهلا للمسارعة الى محاب الله ومراضيه فى نفسه وماله وأهله وولده –وكان المال شقيق النفس –وقد قدم الله فى النفقة آيات كثيرة فى سورة البقرة وبين وجوهها وفضلها وجزاءها ، حتى بلغ الجزاء في النفقة أن ضرب الله به مثلا ، فقال : "مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ"([97]) وزاد على ذلك بقوله : "وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ".
فالنفقة هى بذل الفضل للمحتاج مطلقا ولو كان عاصيا ، وفيها فريضة وهى إخراج زكاة الأموال وإعطاؤها لأصحابها الذين بينهم الله تعالى ، ثم بر الوالدين فصلة الرحم ، فإكرام الضيف والجار حتى ينال بذلك أنواعا من الجمال الإلهي.
النوع الأول : أنه تخلق بخلق الله من حيث الكرم فهو الكريم وصفته الكرم.
النوع الثاني : أنه وثق بما فى يد الله بعد التوكل عليه.
النوع الثالث: أن ملىء قلبه رحمة بإخوانه المسلمين.
"وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ"
ما كانت النفقة دالة على كمال التوكل والثقة بالله تعالى –وهو القسم المالى –ناسب أن يذكر تعظيم الله وإجلاله بعدها فذكر المستغفرين بالأسحار. والسحر : هو آخر الليل قبل طلوع الفجر الصادق ، وهو الوقت الذى يتسلط فيه الشيطان على الإنسان فيقهره بالنوم.
فإذا استيقظ فى هذا الوقت فكأنه حارب نفسه الأمارة بالسوء وطبعة الخبيث وقهر شيطانه ، لأن هذا الوقت تقوى فيه الشهوة للنوم فلا يقوم فيه إلا من عظم أمر الله واشتاق إلى أن يشهد القريب المجيب سميعا لدعائه مجيبا له كما قالe: [أن الله ينزل فى كل ليلة قبل طلوع الفجر إلى سماء الدنيا ، فيقول : هل من سائل فأعطيه ، هل من مستغفر فأغفر له ، هل من داع فأستجيب له].
حتى إذا طلع الفجر أشرقت أنوار انفجار الحقائق الإلهية بانفجار أنوار الصباح فشهد أنوار التنزل الإلهي ، قال تعالى : "المستغفرون بالأسحار هم الذين يصلون الفجر والعشاء فى جماعة" وقد ورد فى الأثر : [من صلى العشاء والفجر فى جماعة فقد قام الليل كله] تفسيرا لقوله تعالى : "وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا"([98]) أى يصلون العشاء والفجر فى جماعة فيكتب الله لهم قيام الليل.
وكان ابن مسعود يقوم فى الثلث الأخير من الليل ويجلس فيصلى ثم يقول لغلامه : يا نافع اسحرنا ؟ فيقول : لا ، فيقوم فيصلى . فإذا قال اسحرنا جلس يستغفر الله ويقول : اللهم أمرتنا فأطعنا فأغفر لنا كما وعدتنا.
وكان الصحابة يستغفرون فى السحر بسيد الاستغفار . وسيد الاستغفار قولهe: [ اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتنى وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استعطت . أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لى فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت].
من أحب وسعة الرزق ونسيئة العمر فليقل سبعين مرة : "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أستغفر الله" فى وقت السحر.
وفى الاستغفار بالأسحار تعظيم لجلال الله ولأمره سبحانه ، ومن عظم هذا الجناب العلى عظمة لله بين خلقه ، ورفعه يوم القيامة حتى يشرف على حظائر قدسه ، قال تعالى : "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا"([99]) . وقد ذكرت لك فيما سبق أن التوبة لا يكبر عليها رسول من أولى العزم ، وأن الولاية لا يصغر عليها مؤمن مذنب ، لأن الولاية فرع الإيمان وما أعطى الله الأصل لعبد إلا أهل لأعلى مقامات القرب مما يتفرع عن الإيمان.
الامام المجدد محمد ماضى ابو العزائم
"الصابرين"
الصبر لغة ثبات جند فى مقاومة عدو لهم ، والصبر هنا هو ثبات جند الروح والعقل والنفس والمطمئنة اللوامة ف مجاهدة النفس الأمارة بالسوء والحظ والهوى والطمع والحسد وكل الرذائل ، فإذا ثبت جيش الحق أمام جيش الباطل وصف الإنسان بأنه صابر.
والصبر يحسن فى مواطنين : صبر على طاعة الله ، وصبر على ترك معاصيه –سبحانه–فالصبر يكون فى القيام بالمأمورات والانتهاء عن المنهيات . أما فى الأقدار فليس للصبر مقام على فيها وإنما المقام العلى لأهل الرضا عن الله فيها.
والصبر هو حبس النفس عن عمل ما أمر الله به وعلى ترك ما نهى الله ، فالصابرون هم الذين جملهم الله بتلك المعانى جمالا نفذت به نفوسهم المطمئنة من أقطار السموات والأرض بسلطان اليقين الحق ، حتى شهدوا ما فوق ذلك من جمال وجلال وبهاء الله تعالى ، وقد يبلغ بالصابرين المقام حتى يكون الله تعالى معهم . وفى الحديث عن على بن أبى طالب قالe: [الصبر نصف الإيمان] وذلك لأن الإيمان تخلية وتحلية فالصبر تحمل مضض المجاهدة فى تزكية النفس وتخليتها عن رذائلها ، فإذا تجردت النفس وصفا جوهرها واجهت عالم الغيب العلي فتمثلته وكانت بحالة من الكمال بحيث ترى أن الله تعالى معها.
"والصادقين"
والصدق يكون فى القول والحال والعمل والنوايا : أما الصدق فى القول فمعلوم وهو أن يخبر المتكلم خبر مطابقا ، أما الصدق فى الحال فإنه الانفعالات التى تظهر على الهيكل عند تأدية الخبر أو عند سماع ما يفهم من الانفعالات التى تعترى الشخص عند إقامته الحجة والدلائل على صدق ما يخبر به . أما الصدق فى العمل فهو قيام الإنسان فى عمله بعامل يؤثر لى قلوب الشاهدين له.
أما الصدق فى النوايا والمقصود : فهو انبلاج الحقائق لروح الإنسان انبلاجا يجعله صادقا فى نيته عند الله تعالى وعند الخلق.
ولما كان الصدق كائنا فى كل الأعمال والأقوال والأحوال والنوايا ناسب أن يكون بعد الصبر ، لأن الصبر مقدم بالحقيقة ولولاه ما قام لإنسان بعظائم الأمور وصغائرها . وقد ثبت لك أن الصبر يكون لله وفى الله وبالله ، ولكن لا يكون عن الله إلا عند الكفار به سبحانه وتعالى.
وبعد الصبر يلزم أن يكون الصدق ، فإن العالم لا يعمل إلا ليفوز بالخير المقصود ، فإذا لم يكن ثم صدق اعتورته الشكوك والريب ، فإن أدى العمل مع تلك الشكوك والريب حرم أجره ،وقد يتوانى ويتلهى عنه بما يقوم بالقلب من علامات الشك والريب والتكذيب الذى يعتريه.
وقد ورد فى القرآن الثناء الجميل على الصادقين ،حتى أخبر أن الصادقين جملهم الله بتلك الصفة منه –جل جلاله –بقوله تعالى : "وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا"([95]) و "أصدق" أفعل تفضيل يدل على أن هناك صادقين والله أصدقهم . فوضع نفسه مع الصادقين فى مقام الفوقية ثناء منه سبحانه على أهل الصدق ، والواو هنا واو المدح لأن تلك الصفات السبع كلها لفرد واحد ، وليست واو العطف لأنها لو كانت واو العطف للزم التغاير كما تقول جاء زيد وعمرو وأكلت اللبن وشربت الماء.
"والقانتين"
تقدم شرح القانتين ، ولكنى لا أخلى الموضوع من مزيد لك . لما كان الصبر كما قدمت لك حبس النفس على محاب الله ومراضيه، والله –جل جلاله –ينعم علينا فى كل نفس نعما لا تحصى ، لزم أن يكون ذلك الحبس مستديما ليصلح من الصابر الشكر على نعماه ، ويكون القانت هنا المستديم على الإقامة فى محاب الله ومراضيه.
ولكن القنوت الذى اصطلح عليه الفقهاء : هو الدعاء بعد الركوع أو قبله فى صلاة المغرب أو الوتر ، وهو مشهور فى الفقه ويسمى القنوت ، وهذه التسمية اصطلاحا عند الفقهاء ، وكانeإذا حزبه أمر قنت فى الصبح وفى المغرب وفى الوتر ، وكان يترك هذا القنوت كثيرا إذا لم يكن هناك ما يدعو إليه ، وقد كان يقنت بالدعاء على من قتلوا الحفاظ من أكابر قريش بعد غزوة أحد : [اللهم العن فلانا وفلانا] . فأنزل الله عليه : "لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ"([96]) فتركeالدعاء عليهم.
فالقانتون هم الذين كشف الله عن عيون بصائرهم سحب الجهالة والغفلة والهوى والطمع والحظ ، حتى شهدوا الدنيا على ما هى عليه والآخرة على ما هى عليه ، وشهدوا كمال الله تعالى وجلاله وجماله ، فأفردوه –سبحانه- بالعبادة دائمين عيها محافظين على أدائها بشروطها وآدابها وأناتها.
والقنوت هو دوام رعاية واجب الوقت ، ولا يراعى واجب الوقت إلا أهل العلم بالله ، فإن للوقت واجبا وحكما ، وواجب الوقت يقدم شرعا على حكم الوقت ، ودليل ذلك بسيط جدا لأن المسلم إذا وقف يصلى العصر عند غروب الشمس بحيث لا يسع الوقت إلا قدر ركعة ويخرج العصر من الأداء إلى القضاء ، فرأى رجلا أعمى يخشى عليه أن يتردى فى بئر ترك الصلاة وأسرع لينجيه لأن ذلك واجب الوقت ، فيكونون فى كبائر وهم فى عمل القربات لجهلهم ذلك الواجب المقدس.
"والمنفقين"
لما كان الصبر والصدق مما يجب على الإنسان أن يحصل العلم بهما حتى تتكون منهما فطرة النفس بعد نقش علمهما على جوهرها ، ويكون بذلك مؤهلا للمسارعة الى محاب الله ومراضيه فى نفسه وماله وأهله وولده –وكان المال شقيق النفس –وقد قدم الله فى النفقة آيات كثيرة فى سورة البقرة وبين وجوهها وفضلها وجزاءها ، حتى بلغ الجزاء في النفقة أن ضرب الله به مثلا ، فقال : "مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ"([97]) وزاد على ذلك بقوله : "وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ".
فالنفقة هى بذل الفضل للمحتاج مطلقا ولو كان عاصيا ، وفيها فريضة وهى إخراج زكاة الأموال وإعطاؤها لأصحابها الذين بينهم الله تعالى ، ثم بر الوالدين فصلة الرحم ، فإكرام الضيف والجار حتى ينال بذلك أنواعا من الجمال الإلهي.
النوع الأول : أنه تخلق بخلق الله من حيث الكرم فهو الكريم وصفته الكرم.
النوع الثاني : أنه وثق بما فى يد الله بعد التوكل عليه.
النوع الثالث: أن ملىء قلبه رحمة بإخوانه المسلمين.
"وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ"
ما كانت النفقة دالة على كمال التوكل والثقة بالله تعالى –وهو القسم المالى –ناسب أن يذكر تعظيم الله وإجلاله بعدها فذكر المستغفرين بالأسحار. والسحر : هو آخر الليل قبل طلوع الفجر الصادق ، وهو الوقت الذى يتسلط فيه الشيطان على الإنسان فيقهره بالنوم.
فإذا استيقظ فى هذا الوقت فكأنه حارب نفسه الأمارة بالسوء وطبعة الخبيث وقهر شيطانه ، لأن هذا الوقت تقوى فيه الشهوة للنوم فلا يقوم فيه إلا من عظم أمر الله واشتاق إلى أن يشهد القريب المجيب سميعا لدعائه مجيبا له كما قالe: [أن الله ينزل فى كل ليلة قبل طلوع الفجر إلى سماء الدنيا ، فيقول : هل من سائل فأعطيه ، هل من مستغفر فأغفر له ، هل من داع فأستجيب له].
حتى إذا طلع الفجر أشرقت أنوار انفجار الحقائق الإلهية بانفجار أنوار الصباح فشهد أنوار التنزل الإلهي ، قال تعالى : "المستغفرون بالأسحار هم الذين يصلون الفجر والعشاء فى جماعة" وقد ورد فى الأثر : [من صلى العشاء والفجر فى جماعة فقد قام الليل كله] تفسيرا لقوله تعالى : "وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا"([98]) أى يصلون العشاء والفجر فى جماعة فيكتب الله لهم قيام الليل.
وكان ابن مسعود يقوم فى الثلث الأخير من الليل ويجلس فيصلى ثم يقول لغلامه : يا نافع اسحرنا ؟ فيقول : لا ، فيقوم فيصلى . فإذا قال اسحرنا جلس يستغفر الله ويقول : اللهم أمرتنا فأطعنا فأغفر لنا كما وعدتنا.
وكان الصحابة يستغفرون فى السحر بسيد الاستغفار . وسيد الاستغفار قولهe: [ اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتنى وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استعطت . أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لى فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت].
من أحب وسعة الرزق ونسيئة العمر فليقل سبعين مرة : "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أستغفر الله" فى وقت السحر.
وفى الاستغفار بالأسحار تعظيم لجلال الله ولأمره سبحانه ، ومن عظم هذا الجناب العلى عظمة لله بين خلقه ، ورفعه يوم القيامة حتى يشرف على حظائر قدسه ، قال تعالى : "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا"([99]) . وقد ذكرت لك فيما سبق أن التوبة لا يكبر عليها رسول من أولى العزم ، وأن الولاية لا يصغر عليها مؤمن مذنب ، لأن الولاية فرع الإيمان وما أعطى الله الأصل لعبد إلا أهل لأعلى مقامات القرب مما يتفرع عن الإيمان.
الامام المجدد محمد ماضى ابو العزائم