عدد المشاهدات:
- علم
البدء فهو بداية معرفة إيجاد الخليقة وكيفية بدايتها. اعلم أن الأشياء كلها كانت
موجودة في علم الله منذ الأزل القديم الذي لا بداية له، ثم تفضلت حضرة الإرادة
الإلهية فخصصت الممكنات التي ستوجد من حضرة العلم الأزلي بالكيفية التي ستوجد بها
من زمان ومكان ومن صورة واضحة المعالم من الحدود والهيئة، ثم تفضلت حضرة القدرة العلية
فأوجدتها وأظهرتها على النسق الذي خصصته الإرادة.
- وحضرة
القدرة هي التي ابتدأت الكائنان معنويةٌ كانت أو مادية وعليه فكل كائن من عالم
الروح أو المادة بدايته ساعة إيجاده وإبرازه إلى عالم الظهور الروحاني أو الحسي.
- ولقد
ابتدأ الله إيجاد المخلوقات، وافتتح الله الموجودات بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
فهو أول الإرادة الإلهية، وهو أول نور ظهر من حضرة العلم الإلهي لِيُظهر كنوز
الأحدية من حضرات خفائها الأزلية، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن
فَيَكُونُ﴾، [40، النحل].
ولما
سأل سيدنا جابر رسول الله عن أول شيء خلقه الله قال له: {نور
نبيك يا جابر}.[1]
ومن
هنا نعلم أن الله أراد بذلك إفهام العوالم كلها أن بدايتها وأصلها نور رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عمها الله به، كما أن رحمته
صلى الله عليه وآله وسلم
قد شملت جميع العالمين.
- وقوله:
(كان الله ولا شيء معه)؟.إن الأشياء وإن كانت معلومة لحضرة العلم الإلهي من الأزل
القديم إلا أنها معدومة العين والذات حتى خصصتها الإرادة وأبرزتها القدرة، مع
العلم أن هذه الأشياء ليس لها وجود حقيقي بجوار وجود الحق تبارك وتعالى، لأن وجودها ليس لذاتها ولا من
ذاتها وإنما كان وجودها منه سبحانه وتعالى،
ومن أجله عزَّ شأنه،
فإن الله أوجد العوالم من العدم ليظهر جلَّ شأنه لها لا لتظهر هذه العوالم، وأن
هذه الأشياء مُبتَدأة ومُحْدَثَه ولم يكن لها وجود قديم مع الله عزَّ وجلَّ.
كذلك
فإن هذه الأشياء لا قدرة لها على مصاحبة الحق تبارك وتعالى لأنها ليست من ذاته ولا من صفاته
في شيء، وإن نسبتها إليه عزَّ شأنه
نسبة الموجود والمخلوق للخالق والحادث للقديم المُحَدِثْ جلَّ شأنه، وإن كلمة (كان) في هذا الحديث
الشريف دلت على الوجود الأزلي لذات الله سبحانه وتعالى ولم تكن فعلاً من الأفعال التي
تدل على ما مضى من الزمان لأن الزمان مخلوق لله، وكينونته جلَّ شأنه قائمة بذاته سبحانه وتعالى من غير أولية زمان.
- أما
الأسماء الإلهية فليس لها بداية يعرفها أحد من المخلوقات، لأنها قديمة قِدَم
المُسَمَى وهو الله سبحانه وتعالى،
كما أن هذه الأسماء ليس لها من نهاية، لأنها متعلقة بذات الحق تبارك وتعالى، وأنها صفات له جلَّ جلاله لا تنفصل عنه.
هذا
وإن كان الله قد تفضل فوهب بعض عباده من معاني هذه الأسماء والصفات على قدر
استعدادهم وقواهم الروحانية، حتى اتصفوا بهذه المعاني على قدر ما تحملوا
منها، فإن ذلك فضل من الله عليهم، ورحمة
من الله بهم، ليقوموا بالخلافة عن الرب جلَّ جلاله في هذه الأرض.
وإن
الاسم الذاتي له عزَّ شأنه
هو (الله) فقد تفرد به الرب جلَّ جلاله،
وقد اختص به الحق لنفسه عزَّ شأنه، فلم يعط أحدًا من خلقه حرفًا واحدًا من هذا
الاسم الأعظم، ولم يتسم به أحد من مخلوقاته لا حقيقة ولا فرضًا ولا وهما ولا
خيالاً، وذلك لأن الحق سبحانه وتعالى
لم يرد شيئا من ذلك فكان اسم الجلالة بحق هو الاسم الأكبر والأكمل والأقدس والأعظم
للذات العلية جلَّ علاها
وجميع الأسماء الأخرى إنما هي صفات لهذا الاسم المعظم جلَّ كبرياءه. والله ورسوله أعلم.
قصة الخلق
إن
الله خلق الإنسان الأول وهو آدم في ظلمة الطين، وهي ظلمة مادية وفي ظلمة الجهل وهي
ظلمه معنوية، ولما نفخ الله فيه الروح وأحياه وجعله إنسانًا سويًا أخرجه بهذه
النفخة من ظلمة الطين والعناصر الميتة إلى نور الحياة والحس والإدراك والحركة
ثم أخرجه الله من ظلمة الجهل فعلمه الأسماء
كلها، وعلمه أمورًا كثيرة هو في أمس الحاجة إليها لينتفع بها ويتعامل بها مع
العوالم من حوله، وذلك كل كائن قد خلقه الله في ظلمة، حتى يعلم العقلاء من
المخلوقات فضل الله الأعظم عليهم، وإخراجهم من ظلمات العدم وظلمات العناصر وظلمات
الجهل إلى نور الإيمان وإلى نور الحياة وإلى نور العلم قال الله تعالى: ﴿وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ
أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ
وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، [78، النحل].
وأعظم
الناس شكرًا لله من شكره على هذه المنن التي امتن الله بها عليه، اللهم ألهمنا
شكرك ولا تُنسنا ذكرك واستعملنا في طاعتك يا رب العالمين.
لما
خلق الله الخلق في ظلمة تتناسب مع بدايتة خلقهم، فقد خلق الله عالم الروح في ظلمة
العدم، وعندما خلقه الله أدرك فضل الله عليه، وإحسانه إليه بإخراجه من ظلمة العدم
إلى نور الوجود، وقد أعطاه الله حسًا روحانيًا، وعقلاً روحانيا به يدرك نفسه،
ويتلقى عن الله ما ينفعه وما يبدد أمامه غياهب الظلمة التي كان فيها.
وعندما
خلق الله الخلق من العناصر كانت العناصر كلها ظلامًا، وقد جمع الله تلك العناصر
وألف بينها قال الله تعالى: ﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ
خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ﴾، [6، الزمر].
والظلمات الثلاث هي ظلمة المادة التي تكون منها هذا الخلق، وظلمة بطن الأم التي
تكون فيها، وظلمة الجهل فإنه لا يدري شيئا عن حكمة خلقه وسر إيجاده وهو في أثناء
تكوينه وخلقه قال الله تعالى: ﴿ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا﴾،
[17، نوح].
ولقد
سماه الله ماءً مهينًا لأنه لا ينفع للشرب ولا للعلاج ولا ينتفع أحد به في عمل من
الأعمال، ثم جعله الله نطفة في رحم الأمهات، والنطفة هي الدفقة من هذا الماء تندفع
في رحم الأم، ثم يخلق الله هذه النطفة علقة متعلقة في جدار الرحم، ثم كبرت فكانت
مضعة، أي قدر قطعة اللحم التي يمضغها الإنسان ثم خلق الله هذه المضغة عظامًا رقيقة
جدًا، وهي أصل بنية الإنسان، ثم كسا الله هذه العظام لحمًا فكان قطعة واحدة ثم
أنشأه خلقًا آخر، فشق له اليدين والرجلين والسمع والبصر والأنف والفرج وكذلك
الأعضاء الداخلية من المعدة والأمعاء والكبد والطحال والقلب والرئة وجميع الأجهزة
حتى صار خلقًا كاملاً وبديعًا ثم نفخ الله فيه الروح فتحرك في رحم الأم بعد سكونه،
واحتيا بعد مواته، فتبارك الله أحسن الخالقين فتلك هي قصة الخلق العجيبة فقد قال
بعض الحكماء:
والذي حارت البرية فيه حيوان مستحدث من جماد
فقد
حوى خلق هذا الإنسان عجائب الملك والملكوت وروائع الحياة والموت حتى كان بحق آية
الآيات وخلاصة الكائنات.
لفضيلة العارف بالله
الشيخ محمد على سلامة
مدير أوقاف بور سعيد سابقا