عدد المشاهدات:
صحبة الصالحين
اتَّبع الناس منذ عهد الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم العارفين والصالحين لأنهم حكماء فى كل أمورهم، فى أفعالهم وأعمالهم وأقوالهم وجميع أحوالهم، والحكمة فضل من الله يمُن بها على من يشاء من عباده بفضله وجوده ورحمته، ولذلك نجد الحكماء الربانيين يُلخِّصون لنا الكثير فى قليل من اللفظ وفى قليل من العمل أو الحال مما يَعْظم به الأجر! ويُرفع به شأن العبد عند ربه عزوجل بهذا القليل الذى قدَّمه لمولاه عزوجل، قال حبيبى وقرة عينى صلى الله عليه وسلم:
{ قَلِيلُ التَّوْفِيقِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الْعَقْلِ }
ربما يُحصِّل المرء أمثال الجبال من العقل أى العلم لكنه لا يُوفَق للعمل ببعضها، فلا ينال فى الدنيا ما يرجوه ولا فى الآخرة ما يتمناه عند مولاه جل فى علاه، وربما يُحصِّل المرء حكمة واحدة ويوفقه الموفق عزوجل للعمل بها فينال بسببها بركات الدنيا وسعادة الآخرة والمقام العظيم الذى يهواه ويتمناه فؤاده عند مولاه، ولذلك اتبع الناس الصالحين والعارفين والحكماء الربانيين من أجل هذا المراد، فقد اختصر الله عزوجل لهم الكلام اختصاراً!! واختصر لهم الفعال!! واختصر لهم الأحوال!! ... اقتداءاً بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد أهل الكمال .. حيث قال:
{ أُوتِيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ وخَواتِمَهُ، واخْتُصِرَ لي اخْتِصَاراً }
تصحيح النيَّة
ومن هذه الكلمات القليلة التى أسَّس عليها الصالحون والعارفون والحكماء الربانيون أمور الفتح الإلهى والفتح الربانى والفتح النورانى من الله ما قالوه:
{ أول أصل من الأصول تنال به الفتح والوصول، والرفعة عند حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم هو تصحيح النيَّة وصفاء الطويَّة وإخلاص العمل لربِّ البريـَّة }
هذا الأصل لو عمل به الإنسان سعد فى دنياه وأُخراه، فإن أصل الأصول فى كل الأقوال والأعمال والأحوال هو النيَّة المصاحبة له.
والأصل فى النيَّة أن تكون سابقة للعمل؛ لكن من فضل الله عزوجل علينا أنه جعل لمن يسهو وبدأ فى العمل أن يصحح النيَّة أثناء العمل، بل تفضل الله عزوجل علينا وجعل حتى لمن سها عن النيَّة حتى انتهى من العمل أن ينوى ويجدد النيَّة، وهذا فى غير الفرائض؛ لأنه لابد من تصحيح النيَّة قبل بدء الفرائض، فشرط الصلاة أن يصحح النيَّة قبل تكبيرة الإحرام، واستحسن بعض السادة المالكية أن يُطيل الإنسان تكبيرة الإحرام الأولى ليستجمع فيها النيَّة القلبيَّة، وبعضهم استحسن التعجيل بتكبيرة الإحرام لأنه حضَّر النيَّة قبل أن يتدخل الشيطان والنفس فيحبطا عليه ما استحضره من النيَّة.
إذاً العمل الذى يليق بالإنسان هو الذى حدَّده فى قلبه وبدأ فى فعله متوجهاً لربه عزوجل، وصيام الفريضة كذلك، فلابد من جمع النيَّة قبل آذان الفجر لقوله صلى الله عليه وسلم:
{ مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصيامَ من الليلِ، فلا صيامَ لَهُ }
لكن صيام النافلة كان صلى الله عليه وسلم يصبح فيطلب منهم الطعام فإذا قالوا ليس عندنا شئٌ؛ يقول نويت الصيام لله عزوجل، فيصحُّ أن ينوى صيام النافلة أثناء النهار مادام لم يأكل ولم يشرب ولم يصنع ما يبطل الصيام، فالنيَّة فى النافلة والقربات غير النيَّة فى الفرائض، واستندوا فى ذلك إلى قوله صلى الله عليه وسلم:
{ إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعاماً فَلْيَذْكُرْ اسْمَ الله، فَإنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ الله فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ الله أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ } ، وفى رواية:
{ مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ، فلَمَّا ذَكَرَ اسْمَ الله اسْتَقَاءَ مَا في بَطْنِهِ }
لأنه أفسد على الشيطان بنيَّته التى نواها.
هذا الكلام بالنسبة للنوافل والقربات والسنن لكن الفرائض لابد من النيَّة قبلها، وهذا حكمٌ شرعى، لكن ما أريد أن أصل إليه أن الأعمال كما قيل فى الحكمة: { كل الأعمال نَيَّةٌ لا تنضجها إلا النِيَّة } أساس الأرباح والفتح والنجاح فى أى عمل يتوقف على النيَّة، نحن صلينا فى جماعة واحدة والركوع واحد والسجود واحد والقراءة واحدة لكن هل أجر الجميع يتساوى عند الواحد عزوجل؟ لا، قال صلى الله عليه وسلم وقد رأى رجلين يصليان فى مسجده المبارك فقال:
{ قَدْ يَتَوَجَّهُ الرَّجُلاَنِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَنْصَرِفُ أَحَدُهُمَا وَصَلاَتُهُ أَفْضَلُ مِنَ الآخَرِ إِذَا كَانَ أَفْضَلَهَما عَقْلاً، وَيَنْصَرِفُ الآخَرُ وَصَلاَتُهُ لاَ تَعْدِلُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ }
ما سر الفارق بينهما فى الأجر؟ النيَّة ...
فتصحيح النيَّة وصفاء الطوية ودرجة الإخلاص لربِّ البرية، فهذه هى الأسس المرعيَّة التى يتوقف عليها درجات وعظيم الأجر والثواب من ربِّ البرية عزوجل، ولذلك أسس العارفون والصالحون والحكماء الربانيون السير إلى الله والطريق إلى الله وأى عمل صالح يتوجه به العبد إلى مولاه على تصحيح النيَّة قبل أى عمل أو قول أو حكمة أو حال ...
وهذا هو الجهاد الأعظم.
صفاء الطوية
وتصحيح النيَّة يقتضى صفاء الطوية حتى تكون النيَّة خالصة لربِّ البريَّة، لأنه قد يعمل الإنسان أعمال الصالحين ولكن يرجو فى باطنه من وراء هذه الأعمال دنيا دنيَّة أو حب الظهور أو الشهرة أو الجاه، والعمل ظاهره صلاح وتقوى! لكن هل يُرفع بهذا العمل درجات أم يهبط به دركات؟ تعرفون الإجابة! سيهبط به عمله دركات! لماذا؟ لأنه قصد به الخلق ولم يقصد به الخالق سبحانه، والفارق بين هذا وذاك هو فى صلاح القلب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:
{ ألا وإِنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسدُ كلُّه، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجسَدُ كله، أَلا وهِيَ الْقَلْبُ }
ولذلك كان موطن الجهاد الأول لمن أراد الوصول إلى مراد الله أو الوصول إلى فتح الله أو الوصول إلى الدرجات الوهبية التى يتفضل بها الله على الصالحين من عباد الله ... كل ذلك يتأسس على صلاح القلوب، ولذلك أول ورشة يُعرض عليها المرء إذا أراد رضاء الله وقرب الله وفتح الله وعطاء الله ... أن يُدخل قلبه داخل دائرة الإصلاح المحمدية حتى يُصلحوا نواياه وطواياه، ولذا يُحذر الحبيب صلى الله عليه وسلم من أمر خطير يدور حول النوايا وخفىِّ الطوايا فيقول فى شأنه:
{ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلاً سِرّاً فَيَكْتُبُهُ اللَّهُ عِنْدَهُ سَرّاً، فَلاَ يَزَالُ بِهِ الشَّيْطَانُ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِهِ فَيُمْحَىٰ مِنَ السر وَيُكْتَبُ عَلاَنِيَةً، فَإنْ عَادَ فَتَكَلَّمَ الثَّانِيَةَ مُحِيَ مِنَ السر وَالْعَلاَنِيَةِ وَكُتِبَ رِيَاءً }
مع أن عمله فى الأصل كان لله وبإخلاص، ولكن لأنه ربما لا ينتبه لوساوس الشيطان الخفيَّة! ربما فى يوم من الأيام يستفزُّه الهوى أو تضحك عليه النفس فيتحدَّث بما عمله فى الأمس! وللأسف ربما يكون قد وقع فى شرك النفس! ويكون هدف حديثه الشهرة أو الظهور أو السمعة لمن يحدثهم! وهنا الواقعة! فيحبط عمله الذى عمله لمولاه لأنه حدَّث به خلق الله بنيَّة هابطة مذمومة عند مولاه!.
إصلاح القلوب
إذاً تحتاج الأمور لإصلاح القلوب، وإصلاح القلوب هو أول جهاد يجاهد فيه العبد المطلوب، والتوفيق من الله عزوجل لهذا العبد إذا كان محبوباً أن يوفقه لأول خطوة فى الطريق فيصلح قلبه .. ويجعل عمله خالصاً لوجهه الكريم، وحتى يكون من القوم الذين يقول فيهم الله لحبيبه ومصطفاه:
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ )[28 الكهف]
لا يريدون دنيا ولا خلقاً ولا رياءاً ولا سمعة ولا يريدون لا أجراً ولا جنَّة ولا ثواباً وإنما يريدون وجه الله، ولا يبغون من العمل إلا رضاه جلَّ فى علاه، وهذه هى المرتبة العليا ... وهى التى إذا وقف الإنسان على عتبتها المقدسة يكفيه قليل العمل، اسمعوا لقول النبى فى شأن سيدنا أبى ذر وكان من عُبَّاد الصحابة:
{ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إلى المَسِيْحِ عِيْسَى بنِ مَرْيَمَ، إلى بِرِّهِ وصِدْقِهِ وجِدِّهِ،
فَلْيَنْظُرْ إلى أَبي ذرٍّ }
شبيه عيسى بن مريم فى زهده وورعه وتقواه وعبادته لله عزوجل،
وقال له صلى الله عليه وسلم:{ أَخْلِصْ دِينَكَ يَكْفِكَ الْقَلِيلُ مِنَ الْعَمَلِ }
وهذه هى المحكات التى يجاهد الصالحون والصالحات فيها المريدين ليوقفوهم على بداية السير والإنطلاق إلى فتح ربِّ العالمين عزوجل، فمن استمع وجاهد فى هذا المجال شاهد من فتح الله ومن عطاءات الله ومن إكرامات الله ما لا عدَّ له ولا حدَّ له
ويدخل فى قول الله:( لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ) [34 الزمر]
ويدخل فى كرم الله فى قوله:( لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ )[35ق] أى لهم زيادة عن النعيم المقيم فى جنَّة القرب والتكريم عند العزيز الحكيم عزوجل.
إذاً الأصل الأول الذى عليه المعول لمن أراد إصلاح أحواله فى دنياه، ورفعة شأنه عند الله، وأن يكون من أهل الدرجات العلى، وأن يحظى بمقامات الفتح كأن يفتح الله عليه أى باب من أبواب قوله تعالى فى محكم كتابه:
(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) [282 البقرة]
(آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا )[65الكهف]
كل هذه المنح الإلهية والعطايا الربانية المبثوثة فى الآيات القرآنية بابها ولبُّها ومفتاحها وسرها إصلاح القلب والفؤاد، وإصلاح النوايا التى يتزود منها المرء عند قيامه بأى عمل أو قول سواء للخلق أو للحق، فقد يكون العمل فى ظاهره عمل يسير لكنه فى باطنه له عند الله عزوجل أجرٌ كبيرٌ وله فى المقامات العالية سرٌّ خطير.
إذا جاهد السالك والمريد لتصحيح النيَّة - ولا يتم تصحيح النيَّة إلا بعد صفاء الطوية وتطهير القلب بالكلية لربِّ البرية ووضع الإخلاص فى كل عمل وفى كل قول وفى كل حركة وفى كل سكنة لمولاه عزوجل - فتصبح أعماله وأقواله حتى ما كان ظاهره عملٌ دنيوى فله فيها أجر وثواب وقربة عند الله عزوجل، فالنيَّة قبل أى عمل! كأن أنوى قبل الطعام مثلاً أن أتقوى به على طاعة الله أو يكون فيه شفاءٌ أو أتعرف فيه وأنظر فيه إلى عناية الله بى ورعايتها لى مثل قوله فى (24-32عبس):
(فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ )
فإذا نوى الإنسان قبل طعامه فيكون وقت تناول الطعام عبادة لله عزوجل، وإذا فكَّر ليتعرف على نعمة الله عليه كما ذكرنا فى الطعام كان وقت الطعام فتحٌ عليه من علوم الإلهام لأنه سيفكر فى الآية .. وتأتيه العناية ويرزقه الله عزوجل بأسرار من هذه الآية ..، فيرى أسرار الله فى الطعام وهو يتناول هذا الطعام.
حتى النوم، فلو نام الإنسان حتى ولو ليستجم فإنه ينوى بذلك التأهب والاستعداد للمداومة على طاعة الله، لأن الله يعلم أنى لا أستطيع الدوام على حال واحد فدوام الحال لنا من المحال، فتستجم الأعضاء حتى تستعيد النشاط فى طاعة الله وعبادة الله، فيكون النوم هنا عبادة وهذا هو الذى يقول فيه سيدنا رسول الله:
{ مَنْ نَامَ عَلَى تَسْبِيحٍ أَوْ تَكْبِيرٍ أَوْ تَهْلِيلٍ أَوْ تَحْمِيدٍ بُعِثَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ نَامَ عَلَى غَفْلَةٍ بُعِثَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَعَودُوا أَنْفُسَكُمْ الذكْرَ عِنْدَ الْنَّوْمِ }
فالنيَّة عليها المدار! فلو نام وهو ينوى القيام لحزبه من القرآن أو الذكر أو الصلاة فغلبه النوم أو التعب فلم يقم بما نوى، حصًّل الأجر بالنيَّة وانعقاد الطوية:
{مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَينه حَتَّى يصْبَحَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ}
لو صفَّى الإنسان القلب والجَنان فإن الله عزوجل سيدبر له النوايا فى صفاء الطوايا فى كل حركة وسكنة، لأننا عاجزون عن تدبير هذه النوايا، لكن إذا صُفى القلب لله فإن الله يتولاه ويقذف فيه النوايا الطيبة التى ترفعه عند مولاه (70الأنفال):
(إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ )
لو وجد القلوب فيها صفاءٌ ونقاءٌ يقذف فيها من إلهامه، وهذا هو أول الإلهام النافع وأول الإلهام الرافع، بعض الناس يظن أن الإلهام هو أن يقذف الله فى قلبه علوماً تُسكر السامعين!! هذا الإلهام يبحث عنه أهل السمعةو الشهرة وحبِّ الظهور، الذين يحبُّون أن يسمعوا كلمات الإستحسان من الناس والثناء، لكن الإلهام الذى يبحث عنه العارفون هو الإلهام النافع الرافع وهو أن يُلهم الله الإنسان بالنوايا التى تحسن درجاته وأجره عند مولاه عزوجل، أو يلهمه بالإلهام الدافع الذى يدفع النفس ويصدَّها عندما تحاول أن تحركه لمعصية أو لشهوة ظاهرة أو خفيَّة:
إ(ِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ )[201الأعراف]
مبصرون للحقيقة التى يريدونها والتى يريدها الله عزوجل منهم، فالنوايا ليست بأن يجلس الإنسان يعدُّها أو يستحضرها، ولكن النوايا تحتاج إلى صفاء القلب، ولا يكون فيه رغبة إلا فى رضا مولاه، يُكَسِّر صنم الشهرة فى نفسه، ويكسِّر صنم الحظ فى طبعه، ويكسِّر أصنام الآمال الكاسدة والفانية مثل تمنى العلو فى الأرض أو الشأن عند الخلق ... فيمحو كل ذلك ويعتمد على عكاز الصدق فهو الذى يوصله إلى مراد الله عزوجل مع الصادقين فى كل أحوالهم وأفعالهم وأقوالهم:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ( [119التوبة]
منقول من كتاب منهاج الواصلين
لفضيلةالعارف بالله
الشيخ فوزى محمد أبوزيد
حمل الكتاب مجانا
اتَّبع الناس منذ عهد الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم العارفين والصالحين لأنهم حكماء فى كل أمورهم، فى أفعالهم وأعمالهم وأقوالهم وجميع أحوالهم، والحكمة فضل من الله يمُن بها على من يشاء من عباده بفضله وجوده ورحمته، ولذلك نجد الحكماء الربانيين يُلخِّصون لنا الكثير فى قليل من اللفظ وفى قليل من العمل أو الحال مما يَعْظم به الأجر! ويُرفع به شأن العبد عند ربه عزوجل بهذا القليل الذى قدَّمه لمولاه عزوجل، قال حبيبى وقرة عينى صلى الله عليه وسلم:
{ قَلِيلُ التَّوْفِيقِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الْعَقْلِ }
ربما يُحصِّل المرء أمثال الجبال من العقل أى العلم لكنه لا يُوفَق للعمل ببعضها، فلا ينال فى الدنيا ما يرجوه ولا فى الآخرة ما يتمناه عند مولاه جل فى علاه، وربما يُحصِّل المرء حكمة واحدة ويوفقه الموفق عزوجل للعمل بها فينال بسببها بركات الدنيا وسعادة الآخرة والمقام العظيم الذى يهواه ويتمناه فؤاده عند مولاه، ولذلك اتبع الناس الصالحين والعارفين والحكماء الربانيين من أجل هذا المراد، فقد اختصر الله عزوجل لهم الكلام اختصاراً!! واختصر لهم الفعال!! واختصر لهم الأحوال!! ... اقتداءاً بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد أهل الكمال .. حيث قال:
{ أُوتِيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ وخَواتِمَهُ، واخْتُصِرَ لي اخْتِصَاراً }
تصحيح النيَّة
ومن هذه الكلمات القليلة التى أسَّس عليها الصالحون والعارفون والحكماء الربانيون أمور الفتح الإلهى والفتح الربانى والفتح النورانى من الله ما قالوه:
{ أول أصل من الأصول تنال به الفتح والوصول، والرفعة عند حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم هو تصحيح النيَّة وصفاء الطويَّة وإخلاص العمل لربِّ البريـَّة }
هذا الأصل لو عمل به الإنسان سعد فى دنياه وأُخراه، فإن أصل الأصول فى كل الأقوال والأعمال والأحوال هو النيَّة المصاحبة له.
والأصل فى النيَّة أن تكون سابقة للعمل؛ لكن من فضل الله عزوجل علينا أنه جعل لمن يسهو وبدأ فى العمل أن يصحح النيَّة أثناء العمل، بل تفضل الله عزوجل علينا وجعل حتى لمن سها عن النيَّة حتى انتهى من العمل أن ينوى ويجدد النيَّة، وهذا فى غير الفرائض؛ لأنه لابد من تصحيح النيَّة قبل بدء الفرائض، فشرط الصلاة أن يصحح النيَّة قبل تكبيرة الإحرام، واستحسن بعض السادة المالكية أن يُطيل الإنسان تكبيرة الإحرام الأولى ليستجمع فيها النيَّة القلبيَّة، وبعضهم استحسن التعجيل بتكبيرة الإحرام لأنه حضَّر النيَّة قبل أن يتدخل الشيطان والنفس فيحبطا عليه ما استحضره من النيَّة.
إذاً العمل الذى يليق بالإنسان هو الذى حدَّده فى قلبه وبدأ فى فعله متوجهاً لربه عزوجل، وصيام الفريضة كذلك، فلابد من جمع النيَّة قبل آذان الفجر لقوله صلى الله عليه وسلم:
{ مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصيامَ من الليلِ، فلا صيامَ لَهُ }
لكن صيام النافلة كان صلى الله عليه وسلم يصبح فيطلب منهم الطعام فإذا قالوا ليس عندنا شئٌ؛ يقول نويت الصيام لله عزوجل، فيصحُّ أن ينوى صيام النافلة أثناء النهار مادام لم يأكل ولم يشرب ولم يصنع ما يبطل الصيام، فالنيَّة فى النافلة والقربات غير النيَّة فى الفرائض، واستندوا فى ذلك إلى قوله صلى الله عليه وسلم:
{ إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعاماً فَلْيَذْكُرْ اسْمَ الله، فَإنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ الله فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ الله أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ } ، وفى رواية:
{ مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ، فلَمَّا ذَكَرَ اسْمَ الله اسْتَقَاءَ مَا في بَطْنِهِ }
لأنه أفسد على الشيطان بنيَّته التى نواها.
هذا الكلام بالنسبة للنوافل والقربات والسنن لكن الفرائض لابد من النيَّة قبلها، وهذا حكمٌ شرعى، لكن ما أريد أن أصل إليه أن الأعمال كما قيل فى الحكمة: { كل الأعمال نَيَّةٌ لا تنضجها إلا النِيَّة } أساس الأرباح والفتح والنجاح فى أى عمل يتوقف على النيَّة، نحن صلينا فى جماعة واحدة والركوع واحد والسجود واحد والقراءة واحدة لكن هل أجر الجميع يتساوى عند الواحد عزوجل؟ لا، قال صلى الله عليه وسلم وقد رأى رجلين يصليان فى مسجده المبارك فقال:
{ قَدْ يَتَوَجَّهُ الرَّجُلاَنِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَنْصَرِفُ أَحَدُهُمَا وَصَلاَتُهُ أَفْضَلُ مِنَ الآخَرِ إِذَا كَانَ أَفْضَلَهَما عَقْلاً، وَيَنْصَرِفُ الآخَرُ وَصَلاَتُهُ لاَ تَعْدِلُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ }
ما سر الفارق بينهما فى الأجر؟ النيَّة ...
فتصحيح النيَّة وصفاء الطوية ودرجة الإخلاص لربِّ البرية، فهذه هى الأسس المرعيَّة التى يتوقف عليها درجات وعظيم الأجر والثواب من ربِّ البرية عزوجل، ولذلك أسس العارفون والصالحون والحكماء الربانيون السير إلى الله والطريق إلى الله وأى عمل صالح يتوجه به العبد إلى مولاه على تصحيح النيَّة قبل أى عمل أو قول أو حكمة أو حال ...
وهذا هو الجهاد الأعظم.
صفاء الطوية
وتصحيح النيَّة يقتضى صفاء الطوية حتى تكون النيَّة خالصة لربِّ البريَّة، لأنه قد يعمل الإنسان أعمال الصالحين ولكن يرجو فى باطنه من وراء هذه الأعمال دنيا دنيَّة أو حب الظهور أو الشهرة أو الجاه، والعمل ظاهره صلاح وتقوى! لكن هل يُرفع بهذا العمل درجات أم يهبط به دركات؟ تعرفون الإجابة! سيهبط به عمله دركات! لماذا؟ لأنه قصد به الخلق ولم يقصد به الخالق سبحانه، والفارق بين هذا وذاك هو فى صلاح القلب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:
{ ألا وإِنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسدُ كلُّه، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجسَدُ كله، أَلا وهِيَ الْقَلْبُ }
ولذلك كان موطن الجهاد الأول لمن أراد الوصول إلى مراد الله أو الوصول إلى فتح الله أو الوصول إلى الدرجات الوهبية التى يتفضل بها الله على الصالحين من عباد الله ... كل ذلك يتأسس على صلاح القلوب، ولذلك أول ورشة يُعرض عليها المرء إذا أراد رضاء الله وقرب الله وفتح الله وعطاء الله ... أن يُدخل قلبه داخل دائرة الإصلاح المحمدية حتى يُصلحوا نواياه وطواياه، ولذا يُحذر الحبيب صلى الله عليه وسلم من أمر خطير يدور حول النوايا وخفىِّ الطوايا فيقول فى شأنه:
{ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلاً سِرّاً فَيَكْتُبُهُ اللَّهُ عِنْدَهُ سَرّاً، فَلاَ يَزَالُ بِهِ الشَّيْطَانُ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِهِ فَيُمْحَىٰ مِنَ السر وَيُكْتَبُ عَلاَنِيَةً، فَإنْ عَادَ فَتَكَلَّمَ الثَّانِيَةَ مُحِيَ مِنَ السر وَالْعَلاَنِيَةِ وَكُتِبَ رِيَاءً }
مع أن عمله فى الأصل كان لله وبإخلاص، ولكن لأنه ربما لا ينتبه لوساوس الشيطان الخفيَّة! ربما فى يوم من الأيام يستفزُّه الهوى أو تضحك عليه النفس فيتحدَّث بما عمله فى الأمس! وللأسف ربما يكون قد وقع فى شرك النفس! ويكون هدف حديثه الشهرة أو الظهور أو السمعة لمن يحدثهم! وهنا الواقعة! فيحبط عمله الذى عمله لمولاه لأنه حدَّث به خلق الله بنيَّة هابطة مذمومة عند مولاه!.
إصلاح القلوب
إذاً تحتاج الأمور لإصلاح القلوب، وإصلاح القلوب هو أول جهاد يجاهد فيه العبد المطلوب، والتوفيق من الله عزوجل لهذا العبد إذا كان محبوباً أن يوفقه لأول خطوة فى الطريق فيصلح قلبه .. ويجعل عمله خالصاً لوجهه الكريم، وحتى يكون من القوم الذين يقول فيهم الله لحبيبه ومصطفاه:
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ )[28 الكهف]
لا يريدون دنيا ولا خلقاً ولا رياءاً ولا سمعة ولا يريدون لا أجراً ولا جنَّة ولا ثواباً وإنما يريدون وجه الله، ولا يبغون من العمل إلا رضاه جلَّ فى علاه، وهذه هى المرتبة العليا ... وهى التى إذا وقف الإنسان على عتبتها المقدسة يكفيه قليل العمل، اسمعوا لقول النبى فى شأن سيدنا أبى ذر وكان من عُبَّاد الصحابة:
{ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إلى المَسِيْحِ عِيْسَى بنِ مَرْيَمَ، إلى بِرِّهِ وصِدْقِهِ وجِدِّهِ،
فَلْيَنْظُرْ إلى أَبي ذرٍّ }
شبيه عيسى بن مريم فى زهده وورعه وتقواه وعبادته لله عزوجل،
وقال له صلى الله عليه وسلم:{ أَخْلِصْ دِينَكَ يَكْفِكَ الْقَلِيلُ مِنَ الْعَمَلِ }
وهذه هى المحكات التى يجاهد الصالحون والصالحات فيها المريدين ليوقفوهم على بداية السير والإنطلاق إلى فتح ربِّ العالمين عزوجل، فمن استمع وجاهد فى هذا المجال شاهد من فتح الله ومن عطاءات الله ومن إكرامات الله ما لا عدَّ له ولا حدَّ له
ويدخل فى قول الله:( لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ) [34 الزمر]
ويدخل فى كرم الله فى قوله:( لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ )[35ق] أى لهم زيادة عن النعيم المقيم فى جنَّة القرب والتكريم عند العزيز الحكيم عزوجل.
إذاً الأصل الأول الذى عليه المعول لمن أراد إصلاح أحواله فى دنياه، ورفعة شأنه عند الله، وأن يكون من أهل الدرجات العلى، وأن يحظى بمقامات الفتح كأن يفتح الله عليه أى باب من أبواب قوله تعالى فى محكم كتابه:
(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) [282 البقرة]
(آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا )[65الكهف]
كل هذه المنح الإلهية والعطايا الربانية المبثوثة فى الآيات القرآنية بابها ولبُّها ومفتاحها وسرها إصلاح القلب والفؤاد، وإصلاح النوايا التى يتزود منها المرء عند قيامه بأى عمل أو قول سواء للخلق أو للحق، فقد يكون العمل فى ظاهره عمل يسير لكنه فى باطنه له عند الله عزوجل أجرٌ كبيرٌ وله فى المقامات العالية سرٌّ خطير.
إذا جاهد السالك والمريد لتصحيح النيَّة - ولا يتم تصحيح النيَّة إلا بعد صفاء الطوية وتطهير القلب بالكلية لربِّ البرية ووضع الإخلاص فى كل عمل وفى كل قول وفى كل حركة وفى كل سكنة لمولاه عزوجل - فتصبح أعماله وأقواله حتى ما كان ظاهره عملٌ دنيوى فله فيها أجر وثواب وقربة عند الله عزوجل، فالنيَّة قبل أى عمل! كأن أنوى قبل الطعام مثلاً أن أتقوى به على طاعة الله أو يكون فيه شفاءٌ أو أتعرف فيه وأنظر فيه إلى عناية الله بى ورعايتها لى مثل قوله فى (24-32عبس):
(فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ )
فإذا نوى الإنسان قبل طعامه فيكون وقت تناول الطعام عبادة لله عزوجل، وإذا فكَّر ليتعرف على نعمة الله عليه كما ذكرنا فى الطعام كان وقت الطعام فتحٌ عليه من علوم الإلهام لأنه سيفكر فى الآية .. وتأتيه العناية ويرزقه الله عزوجل بأسرار من هذه الآية ..، فيرى أسرار الله فى الطعام وهو يتناول هذا الطعام.
حتى النوم، فلو نام الإنسان حتى ولو ليستجم فإنه ينوى بذلك التأهب والاستعداد للمداومة على طاعة الله، لأن الله يعلم أنى لا أستطيع الدوام على حال واحد فدوام الحال لنا من المحال، فتستجم الأعضاء حتى تستعيد النشاط فى طاعة الله وعبادة الله، فيكون النوم هنا عبادة وهذا هو الذى يقول فيه سيدنا رسول الله:
{ مَنْ نَامَ عَلَى تَسْبِيحٍ أَوْ تَكْبِيرٍ أَوْ تَهْلِيلٍ أَوْ تَحْمِيدٍ بُعِثَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ نَامَ عَلَى غَفْلَةٍ بُعِثَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَعَودُوا أَنْفُسَكُمْ الذكْرَ عِنْدَ الْنَّوْمِ }
فالنيَّة عليها المدار! فلو نام وهو ينوى القيام لحزبه من القرآن أو الذكر أو الصلاة فغلبه النوم أو التعب فلم يقم بما نوى، حصًّل الأجر بالنيَّة وانعقاد الطوية:
{مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَينه حَتَّى يصْبَحَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ}
لو صفَّى الإنسان القلب والجَنان فإن الله عزوجل سيدبر له النوايا فى صفاء الطوايا فى كل حركة وسكنة، لأننا عاجزون عن تدبير هذه النوايا، لكن إذا صُفى القلب لله فإن الله يتولاه ويقذف فيه النوايا الطيبة التى ترفعه عند مولاه (70الأنفال):
(إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ )
لو وجد القلوب فيها صفاءٌ ونقاءٌ يقذف فيها من إلهامه، وهذا هو أول الإلهام النافع وأول الإلهام الرافع، بعض الناس يظن أن الإلهام هو أن يقذف الله فى قلبه علوماً تُسكر السامعين!! هذا الإلهام يبحث عنه أهل السمعةو الشهرة وحبِّ الظهور، الذين يحبُّون أن يسمعوا كلمات الإستحسان من الناس والثناء، لكن الإلهام الذى يبحث عنه العارفون هو الإلهام النافع الرافع وهو أن يُلهم الله الإنسان بالنوايا التى تحسن درجاته وأجره عند مولاه عزوجل، أو يلهمه بالإلهام الدافع الذى يدفع النفس ويصدَّها عندما تحاول أن تحركه لمعصية أو لشهوة ظاهرة أو خفيَّة:
إ(ِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ )[201الأعراف]
مبصرون للحقيقة التى يريدونها والتى يريدها الله عزوجل منهم، فالنوايا ليست بأن يجلس الإنسان يعدُّها أو يستحضرها، ولكن النوايا تحتاج إلى صفاء القلب، ولا يكون فيه رغبة إلا فى رضا مولاه، يُكَسِّر صنم الشهرة فى نفسه، ويكسِّر صنم الحظ فى طبعه، ويكسِّر أصنام الآمال الكاسدة والفانية مثل تمنى العلو فى الأرض أو الشأن عند الخلق ... فيمحو كل ذلك ويعتمد على عكاز الصدق فهو الذى يوصله إلى مراد الله عزوجل مع الصادقين فى كل أحوالهم وأفعالهم وأقوالهم:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ( [119التوبة]
منقول من كتاب منهاج الواصلين
لفضيلةالعارف بالله
الشيخ فوزى محمد أبوزيد
حمل الكتاب مجانا