عدد المشاهدات:
ما العلامة التى نراها ونشهدها ويشهدها المرء فى نفسه والتى تُعرِّف المرء أن قلبه أصبح صالحاً؟ .... إذا برئ من أوصاف النفاق وأخلاق المنافقين .. لديها يصبح قلبه سليماً وحاله مستقيماً، وأصبح الولى الكريم عزوجل يتولاه.
وأوصاف النفاق هذه يقول فيها النبى فيما ترويه كتب الحديث:
{ أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فيهِ كانَ منافقاً خالصاً، ومَنْ كانَ فيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كانتْ فيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وفى رواية: إذَا اؤتُـمِنَ خَانَ }
نفاقٌ فى الأقوال ونفاقٌ فى الأعمال أعاذنا الله فى كلِّ حال! فقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى العشاء يوماً فسأل: أين فلان؟ قالوا: لم يحضر، قال:أعلم ذلك: { بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ شُهُودُ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ لاَ يَسْتَطِيعُونَهَا } .
فعلى السالك الذى يريد فتح الله أن يُخَلِّص نفسه من أوصاف النفاق، وهذا هو أول جهاد للنفس، فلا يكذب وإن كان فى لهو أو لعب، فقد قال صلى الله عليه وسلم:
{ إِني لأَمْزَحُ وَلاَ أَقُولُ إِلاَّ حَقّاً }
ولا يَعِدْ حتى ولو طفلاً صغيراً ثم يخلفه، إسمعوا لقول عبد الله بن عامررضى الله عنه:
{ جاءَ رسولُ الله بَيْتَنَا وأَنَا صَبِيٌّ صغيرٌ، فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ فقالتْ لِي أُمِّي: يا عبدَ الله تعالَ أُعْطِيكَ، فقالَ رسولُ الله: مَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟، قالتْ: أَرَدْتُ أَنْ أُعْطِيَهُ تمراً، قالَ: أما إنَّكَ لَوْ لَمْ تَفْعَلِي كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ }
بل وأعجب من ذلك، فقد دخل على السيدة عائشة يوما وهى تفلِّى رأس أخيها سيدنا عبد الرحمن بن أبى بكر وتقصع أظفارها على غير شيىء فتجعل لها صوتاً كقصع قملة، فنبهها أن هذا الفعل نوعٌ من الكذب أيضاً فقال:
{ مَهْلاً يَا عَائِشَةُ، أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ هَذَا مِنْ كَذِبِ الأَنَامِلِ }
إلى أن يصبح مراقباً مولاه فى جميع أحواله ويصبح ظاهر الإنسان كباطنه، لأن تأثير النفاق أنه يجعل ظاهر الإنسان غير باطنه، فقد قال صلى الله عليه وسلم:
{ إِنَّ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ. الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَـؤُلاَءِ بِوَجْهٍ }
لكن المسلم ظاهره كباطنه، والمؤمن باطنه خير من ظاهره، فقد يكون ظاهره كظاهر عمر رضى الله عنه فى الشدة لكن باطنه كان رحمة، فالإنسان قد يكون شديداً على أولاده لكن هذه الشدَّة حبٌّ لهم ورحمة بهم، فهذا باطنه أفضل من ظاهره بالنسبة لهم وكذلك المؤمن باطنه خير من ظاهره بالنسبة لإخوانه المسلمين أجمعين.
ولذلك الصلاح هو صلاح القلوب، إذا صلحت القلوب واجهك علام الغيوب وفتحت لك كل مواهبه الظاهرة والباطنة لأن الله قال فى[36الإسراء]:
إ(ِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)وقال صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى يكشف سرَّ إنغلاق القلوب وعمى البصر:
{ لَوْلا أن الشَّيَاطين يَحُومُونَ على قُلُوبِ بَنِي آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات } ، وفى رواية: {الشَّيَاطِينُ يَحُومُونَ عَلَى أَعْيُنِ بَنِي آدَمَ، لاَ يَتَفَكَّرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ، وَلَوْلاَ ذَاكَ لَرَأَوْا العَجَائِبَ}
إذاً الجهاد ليس فى الأوراد، ولكنه فى تصحيح خطوط الإمداد التى تأتيك بالمدد من عند المنعم الجواد، فمهما كررت الورد وخطوط المدد من الله مقطوعة! فإذاً العطايا الإلهية ممنوعة، وهذا ما نراه فى أكثر المسلمين، فما أكثر المصلين اليوم لكن أين المصلى الذى يفرح بضيافة مولاه؟! وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه:
{ إِنَّ بُـيُوتِي في أَرْضِي المساجِدُ، وإِنَّ زُوَّارِي فيها عُمَّارُها، فطُوبَى لِعَبْدِ تَطَهَّرَ في بَـيْتِهِ، ثم زَارَنِي في بَـيْتِي، فَحَقَّ عَلَى المَزُورِ أنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ }
قوله "تطهر فى بيته" أخذناها على الظاهر أى الوضوء لكنه يقصد القلب، الظاهر مع الباطن، البيت الذى سينزل فيه وينظر فيه هو القلب، فقد قال صلى الله عليه وسلم:
{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ }
أنت تطهر الظاهر من أجل المصلين معك لا يرون منك ولا يشمون إلا ريحاً طيباً ومنظراً مليحاً، لكن الله عزوجل يطَّلع على القلب فلابد أن تطهِّر معهم القلب.
"وحقٌ على المزور أن يكرم زائره" والإكرام هنا هو أن يعطينى إلهاماً وخشوعاً وحضوراً ويذيقنى حلاوة الإيمان وأحسُّ بها وأنا فى الصلاة؛ ويعطينى إخلاصاً ويعطينى صدقاً ويعطينى صفة من الصفات الإلهية النورانية والتى وصف الله بها كُمَّل الصالحين وهى التى إذا وجدها الإنسان فإنه يدخل فى ديوان الصالحين ويفرح بالله عزوجل ويصبح فى صلاة دائمة:
(الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ )[23المعارج]، فالناس تصلى خمس فرائض، لكن هناك أناس يصلون طوال اليوم، كيف؟
هناك وصلٌ دائمٌ بينهم وبين الله، طوال وقته قلبه ذاكرٌ لله، وكلما يذكر الله يذكره الله بتفضلاته وبعواطفه وبرحمته وبحنانته وبعطاءاته وبهباته، ولذلك يقول الإمام أبوالعزائم رضى الله عنه وأرضاه فى ذلك:
والعارف الفرد محبوب لخالقه فات المقامات تحقيقاً وتمكينا
فى كل نفس له نورٌ يواجه من حضرة الحق تحقيقاً وتعيينا
فى كل نفس يذكر الله ويأتيه الرد من عطاء الله، والعطاء قد يكون نور ملكوتى، أو قد يكون نور ذاتى، أو قد يكون إلهام عن طريق المَلَك، أو قد يكون إلهام عن طريق روح القُدُس، أو قد يكون إلهام فى مقام اللدنية: (وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا )[65الكهف] أو قد يكون إلهام عن طريق الحضرة الذاتية (وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ )[282 البقرة]، إذاً يكون دوماً فى عطاءات وفى هبات وفى تفضلات لأن قلبه يواصل حضرة الذات وبالتالى تكون خطوط الإمداد بينه وبين الله عزوجل فيها صلة وفيها اتصال دائم مع حضرة الله.
إذاً يجب على المريد قبل أن يبدأ ويواصل مولاه أن يصحح خطوط الإمداد التى بينه وبين الله، يصحح القلب ويصفِّيه وينقَّيه حتى يرقِّيه الله عزوجل ويتنزل بأنواره العلية فيه، ثم يبدأ بعد ذلك ويواليه بلطائفه القدسية وبأنواره الذاتية وبعلومه الغيبية حتى أنه بعد ذلك إذا نطق؛ يكون شأنه شأن من قال فيهم خير البرية صلى الله عليه وسلم:
{ اتَّقُوا فِرَاسَةَ المُؤْمِنِ، فإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ الله، ثُمَّ قَرَأَ ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) ، ويروى الإمام الترمذى رضى الله عنه، ما قاله صلى الله عليه وسلم فى شأن عمر:
{ إِن الله تَعَالى جَعَل الحقَّ على لِسانِ عُمر وقَلْبِه }
أى أن الذى ينطق ليس عمر ولكن الحق هو الذى ينطق على لسان عمر، ولذلك كان ينزل القرآن فى أكثر من واقعة على رأيه، لأنه ليس له فى نفسه رأى ولكن كان الله عزوجل هو الذى يواليه ويتولاه وينطق على لسانه بما يحبه ويرضاه عزوجل.
غير ذلك يكون جهاد يجعل صاحبه دائماً فى صدود وفى بعاد، وهذا ما يعانى منه كثير من السالكين والمريدين، وأحياناً من يدَّعون أنهم أفراد أو أوتاد!! .. لماذا؟ لأنه لم يؤَصِّل الأصل الأول والذى عليه المعوِّل وهو قلبٌ تقىٌ نقىٌ تبرز منه النوايا خالصة لوجه الله فى أى نظرة عين أو حركة إصبع! وفى أى خطوة قدم! أو وضع أى عضو من الأعضاء فى أى ناحية من الأنحاء! لا يتحرك عضو إلا بأمر القلب!
كيف؟ لأن هذه الأعضاء جنود منفذون، وهم سبعة أعضاء وهى العين والأذن واللسان واليد والرجل والفرج والبطن بعدد أبواب النار:
فإذا كان الحُكم للقلب أصبحوا أبواباً للجنة، وأبواب الجنة ثمانية، فإذا كان الحكم للنفس وهى التى تصدر الأوامر فإن هذه الأعضاء ستصبح فى غفلة وفى معصية وفى بعد وفى قطيعة عن الله وتكون هنا أبواباً لجهنم، فهذه الأعضاء غير مسئولة ولذلك ستأتى يوم القيامة وتشهد عليك:
(وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )[21 فصلت]
(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )[65يس]
فالأعضاء تصبح شهوداً والشاهد لا يحاسب على أنه مجرم، ولكن المجرم هو الذى أصدر الأوامر ... فصلاح الإنسان يتوقف على من بيده دفة الأمور فى هذا الإنسان، وهو الذى يصدر الأوامر للجوارح لكى تنفذ!
إذا كان من يصدرها النفس فيكون الإنسان كما قال الله عزوجل:
( وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) [الشمس]، وإذا سلَّم القياد للقلب بعد صفاءه ونقاءه وتطهيره فإن القلب يتلقى مباشرة من الربِّ بغير واسطة وسيأمر الجوارح بما فيه رضا الرب عزوجل، وتصبح حركات وسكنات الإنسان داخلة فى قول الله لحبيبه ومصطفاه:
(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )[الأنعام] .
إذاً صلاح الجوارح يحتاج إلى صلاح القلب، وصلاح الأعمال يحتاج إلى صلاح النيَّة، وصلاح النيَّة يتوقف على صلاح القلب، وقبول العمل عند الله يتوقف على الإخلاص، والإخلاص من القلب، فالمرجع كله إذاً والمدار على القلب!! ولذلك يكون الإعلان العام يوم القيامة فى دائرة القضاء الإلهى:
{ مَنْ عَمِلَ لِي عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَهُوَ لَهُ كُلُّهُ، وفى رواية- فَهُوَ لَهُ كُلُّهُ وَأنا مِنْهُ بَرِيءٌ - وَأَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشرْكِ }
منقول من كتاب منهاج الواصلين
لفضيلةالعارف بالله
الشيخ فوزى محمد أبوزيد
حمل الكتاب مجانا
وأوصاف النفاق هذه يقول فيها النبى فيما ترويه كتب الحديث:
{ أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فيهِ كانَ منافقاً خالصاً، ومَنْ كانَ فيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كانتْ فيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وفى رواية: إذَا اؤتُـمِنَ خَانَ }
نفاقٌ فى الأقوال ونفاقٌ فى الأعمال أعاذنا الله فى كلِّ حال! فقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى العشاء يوماً فسأل: أين فلان؟ قالوا: لم يحضر، قال:أعلم ذلك: { بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ شُهُودُ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ لاَ يَسْتَطِيعُونَهَا } .
فعلى السالك الذى يريد فتح الله أن يُخَلِّص نفسه من أوصاف النفاق، وهذا هو أول جهاد للنفس، فلا يكذب وإن كان فى لهو أو لعب، فقد قال صلى الله عليه وسلم:
{ إِني لأَمْزَحُ وَلاَ أَقُولُ إِلاَّ حَقّاً }
ولا يَعِدْ حتى ولو طفلاً صغيراً ثم يخلفه، إسمعوا لقول عبد الله بن عامررضى الله عنه:
{ جاءَ رسولُ الله بَيْتَنَا وأَنَا صَبِيٌّ صغيرٌ، فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ فقالتْ لِي أُمِّي: يا عبدَ الله تعالَ أُعْطِيكَ، فقالَ رسولُ الله: مَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟، قالتْ: أَرَدْتُ أَنْ أُعْطِيَهُ تمراً، قالَ: أما إنَّكَ لَوْ لَمْ تَفْعَلِي كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ }
بل وأعجب من ذلك، فقد دخل على السيدة عائشة يوما وهى تفلِّى رأس أخيها سيدنا عبد الرحمن بن أبى بكر وتقصع أظفارها على غير شيىء فتجعل لها صوتاً كقصع قملة، فنبهها أن هذا الفعل نوعٌ من الكذب أيضاً فقال:
{ مَهْلاً يَا عَائِشَةُ، أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ هَذَا مِنْ كَذِبِ الأَنَامِلِ }
إلى أن يصبح مراقباً مولاه فى جميع أحواله ويصبح ظاهر الإنسان كباطنه، لأن تأثير النفاق أنه يجعل ظاهر الإنسان غير باطنه، فقد قال صلى الله عليه وسلم:
{ إِنَّ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ. الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَـؤُلاَءِ بِوَجْهٍ }
لكن المسلم ظاهره كباطنه، والمؤمن باطنه خير من ظاهره، فقد يكون ظاهره كظاهر عمر رضى الله عنه فى الشدة لكن باطنه كان رحمة، فالإنسان قد يكون شديداً على أولاده لكن هذه الشدَّة حبٌّ لهم ورحمة بهم، فهذا باطنه أفضل من ظاهره بالنسبة لهم وكذلك المؤمن باطنه خير من ظاهره بالنسبة لإخوانه المسلمين أجمعين.
ولذلك الصلاح هو صلاح القلوب، إذا صلحت القلوب واجهك علام الغيوب وفتحت لك كل مواهبه الظاهرة والباطنة لأن الله قال فى[36الإسراء]:
إ(ِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)وقال صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى يكشف سرَّ إنغلاق القلوب وعمى البصر:
{ لَوْلا أن الشَّيَاطين يَحُومُونَ على قُلُوبِ بَنِي آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات } ، وفى رواية: {الشَّيَاطِينُ يَحُومُونَ عَلَى أَعْيُنِ بَنِي آدَمَ، لاَ يَتَفَكَّرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ، وَلَوْلاَ ذَاكَ لَرَأَوْا العَجَائِبَ}
إذاً الجهاد ليس فى الأوراد، ولكنه فى تصحيح خطوط الإمداد التى تأتيك بالمدد من عند المنعم الجواد، فمهما كررت الورد وخطوط المدد من الله مقطوعة! فإذاً العطايا الإلهية ممنوعة، وهذا ما نراه فى أكثر المسلمين، فما أكثر المصلين اليوم لكن أين المصلى الذى يفرح بضيافة مولاه؟! وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه:
{ إِنَّ بُـيُوتِي في أَرْضِي المساجِدُ، وإِنَّ زُوَّارِي فيها عُمَّارُها، فطُوبَى لِعَبْدِ تَطَهَّرَ في بَـيْتِهِ، ثم زَارَنِي في بَـيْتِي، فَحَقَّ عَلَى المَزُورِ أنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ }
قوله "تطهر فى بيته" أخذناها على الظاهر أى الوضوء لكنه يقصد القلب، الظاهر مع الباطن، البيت الذى سينزل فيه وينظر فيه هو القلب، فقد قال صلى الله عليه وسلم:
{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ }
أنت تطهر الظاهر من أجل المصلين معك لا يرون منك ولا يشمون إلا ريحاً طيباً ومنظراً مليحاً، لكن الله عزوجل يطَّلع على القلب فلابد أن تطهِّر معهم القلب.
"وحقٌ على المزور أن يكرم زائره" والإكرام هنا هو أن يعطينى إلهاماً وخشوعاً وحضوراً ويذيقنى حلاوة الإيمان وأحسُّ بها وأنا فى الصلاة؛ ويعطينى إخلاصاً ويعطينى صدقاً ويعطينى صفة من الصفات الإلهية النورانية والتى وصف الله بها كُمَّل الصالحين وهى التى إذا وجدها الإنسان فإنه يدخل فى ديوان الصالحين ويفرح بالله عزوجل ويصبح فى صلاة دائمة:
(الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ )[23المعارج]، فالناس تصلى خمس فرائض، لكن هناك أناس يصلون طوال اليوم، كيف؟
هناك وصلٌ دائمٌ بينهم وبين الله، طوال وقته قلبه ذاكرٌ لله، وكلما يذكر الله يذكره الله بتفضلاته وبعواطفه وبرحمته وبحنانته وبعطاءاته وبهباته، ولذلك يقول الإمام أبوالعزائم رضى الله عنه وأرضاه فى ذلك:
والعارف الفرد محبوب لخالقه فات المقامات تحقيقاً وتمكينا
فى كل نفس له نورٌ يواجه من حضرة الحق تحقيقاً وتعيينا
فى كل نفس يذكر الله ويأتيه الرد من عطاء الله، والعطاء قد يكون نور ملكوتى، أو قد يكون نور ذاتى، أو قد يكون إلهام عن طريق المَلَك، أو قد يكون إلهام عن طريق روح القُدُس، أو قد يكون إلهام فى مقام اللدنية: (وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا )[65الكهف] أو قد يكون إلهام عن طريق الحضرة الذاتية (وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ )[282 البقرة]، إذاً يكون دوماً فى عطاءات وفى هبات وفى تفضلات لأن قلبه يواصل حضرة الذات وبالتالى تكون خطوط الإمداد بينه وبين الله عزوجل فيها صلة وفيها اتصال دائم مع حضرة الله.
إذاً يجب على المريد قبل أن يبدأ ويواصل مولاه أن يصحح خطوط الإمداد التى بينه وبين الله، يصحح القلب ويصفِّيه وينقَّيه حتى يرقِّيه الله عزوجل ويتنزل بأنواره العلية فيه، ثم يبدأ بعد ذلك ويواليه بلطائفه القدسية وبأنواره الذاتية وبعلومه الغيبية حتى أنه بعد ذلك إذا نطق؛ يكون شأنه شأن من قال فيهم خير البرية صلى الله عليه وسلم:
{ اتَّقُوا فِرَاسَةَ المُؤْمِنِ، فإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ الله، ثُمَّ قَرَأَ ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) ، ويروى الإمام الترمذى رضى الله عنه، ما قاله صلى الله عليه وسلم فى شأن عمر:
{ إِن الله تَعَالى جَعَل الحقَّ على لِسانِ عُمر وقَلْبِه }
أى أن الذى ينطق ليس عمر ولكن الحق هو الذى ينطق على لسان عمر، ولذلك كان ينزل القرآن فى أكثر من واقعة على رأيه، لأنه ليس له فى نفسه رأى ولكن كان الله عزوجل هو الذى يواليه ويتولاه وينطق على لسانه بما يحبه ويرضاه عزوجل.
غير ذلك يكون جهاد يجعل صاحبه دائماً فى صدود وفى بعاد، وهذا ما يعانى منه كثير من السالكين والمريدين، وأحياناً من يدَّعون أنهم أفراد أو أوتاد!! .. لماذا؟ لأنه لم يؤَصِّل الأصل الأول والذى عليه المعوِّل وهو قلبٌ تقىٌ نقىٌ تبرز منه النوايا خالصة لوجه الله فى أى نظرة عين أو حركة إصبع! وفى أى خطوة قدم! أو وضع أى عضو من الأعضاء فى أى ناحية من الأنحاء! لا يتحرك عضو إلا بأمر القلب!
كيف؟ لأن هذه الأعضاء جنود منفذون، وهم سبعة أعضاء وهى العين والأذن واللسان واليد والرجل والفرج والبطن بعدد أبواب النار:
فإذا كان الحُكم للقلب أصبحوا أبواباً للجنة، وأبواب الجنة ثمانية، فإذا كان الحكم للنفس وهى التى تصدر الأوامر فإن هذه الأعضاء ستصبح فى غفلة وفى معصية وفى بعد وفى قطيعة عن الله وتكون هنا أبواباً لجهنم، فهذه الأعضاء غير مسئولة ولذلك ستأتى يوم القيامة وتشهد عليك:
(وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )[21 فصلت]
(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )[65يس]
فالأعضاء تصبح شهوداً والشاهد لا يحاسب على أنه مجرم، ولكن المجرم هو الذى أصدر الأوامر ... فصلاح الإنسان يتوقف على من بيده دفة الأمور فى هذا الإنسان، وهو الذى يصدر الأوامر للجوارح لكى تنفذ!
إذا كان من يصدرها النفس فيكون الإنسان كما قال الله عزوجل:
( وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) [الشمس]، وإذا سلَّم القياد للقلب بعد صفاءه ونقاءه وتطهيره فإن القلب يتلقى مباشرة من الربِّ بغير واسطة وسيأمر الجوارح بما فيه رضا الرب عزوجل، وتصبح حركات وسكنات الإنسان داخلة فى قول الله لحبيبه ومصطفاه:
(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )[الأنعام] .
إذاً صلاح الجوارح يحتاج إلى صلاح القلب، وصلاح الأعمال يحتاج إلى صلاح النيَّة، وصلاح النيَّة يتوقف على صلاح القلب، وقبول العمل عند الله يتوقف على الإخلاص، والإخلاص من القلب، فالمرجع كله إذاً والمدار على القلب!! ولذلك يكون الإعلان العام يوم القيامة فى دائرة القضاء الإلهى:
{ مَنْ عَمِلَ لِي عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَهُوَ لَهُ كُلُّهُ، وفى رواية- فَهُوَ لَهُ كُلُّهُ وَأنا مِنْهُ بَرِيءٌ - وَأَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشرْكِ }
منقول من كتاب منهاج الواصلين
لفضيلةالعارف بالله
الشيخ فوزى محمد أبوزيد
حمل الكتاب مجانا