عدد المشاهدات:
من جوامع
الكلم للإمام المجدد
السيد محمد ماضى أبو
العزائم
العِبَارَاتُ : لَا تَفِي بِالكَلَمَالَاتِ
الإِلَهِيَّةِ ، بَل وَلَا بِالكَلَمَالَاتِ المُحَمَّدِيَّةِ ، إِلَّا
بِمُشَاهَدَةٍ بِنُورِ الإِيمَانِ ، وَتَسِليٍم حَقٍّ وَفِقهٍ للبَيَانِ !
الذَّاتُ الإِلَهِيَّةُ : فِي عَمَاءِ العَمَاءِ ، وَغَيبِ الغَيبِ ، وَظُلمَةِ
الظُّلمَةِ ـ مَا تَعلَمُهُ عَنهَا ذَرَّةُ تُرابٍ هُوَ مَا يَعلَمُهُ أَكمَلُ
مُرسَلٍ ! اللهُ : هُوَ الإِسمُ الأعظَمُ الوَاجِبُ الوُجُودُ لِذَاتِهِ ! اللهُ :
لَا يَعرِفُهُ إِلَّا مَن تَعَرَّفَ إِلَيهِ ، وَلَا يُوَحِّدُهُ إِلَّا مَن
تَوَحَّدَ لَهُ ، وَلَا يُؤمِنُ بِهِ إِلَّا مَن لُطِّفَ لَهُ ، وَلَا يَصِفُهُ
إِلَّا مَن تَجَلَّى لِسِرِّهِ ، وَلَا يَخلُصُ لَهُ إِلَّا مَن جَذَبَهُ إِليهِ !
اللهُ (تَعَالَى) : لَيسَ بِجِسمٍ مُصَوَّرٍ ، وَلَا جَوهَرٍ مَحدُودٍ مُقَدَّرٍ ،
وَإِنَّهُ لَا يُمَاثِلُ الأَجسَامَ ، لَا فِي التَّقدِيرِ ، وَلَا قَبُولِ
الانقِسَامِ ، وَإِنَّهُ تَعَالَى لَيسَ بِجَوهَرٍ ، وَلَا تَحُلُّهُ الجَوَاهِرُ
، وَلَا بِعَرضٍ وَلَا تَحُلُّهُ الأَعرَاضُ ، بَل لَا يُمَاثِلُ مَوجُودًا ،
وَلَا يُمَاثِلُهُ مَوجُودُ ، وَلَيسَ كَمِثلِهِ شَيءُ ، وَلَا هُوَ مِثلُ شَيءٍ !
اللهُ : نِعمَ الرَّبُّ لَنَا فِي جَمِيع أُمُورِنَا ، وَسَعَادَتُنَا أَن نَكُونَ
نِعمَ العَبِيدُ لَهُ فِي كُلِّ أَدوَارِنَا ! اللهُ (تَعَالَى) : لَا يَدخُلُ
تَحتَ الأَحكَامِ ، وَلَا يُلزِمُهُ مَا حَكَمَ بِهِ عَلَى الأَنَامِ.! ز .
اللهُ (تَعَالَى) : مُنَزَّهُ عَنِ
التَّأَثِيرِ وَالتَّأَثُّرِ ، عَلِيُّ أَن يَكُونَ فِي كَونِهِ مَا لَا يُرِيدُ ،
أَو يَحدُثَ فِيهِ مَا لَا يَشَاءُ ، بَلِ الكُلُّ بِمُرَادِهِ وَمَشِيئَتِهِ
كَائِنُ ، وَعَن حَضرَةِ عِلِمِهِ صَادِرُ ، أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمًا ، وَأَحصَى
كُلَّ شَيءٍ عَدَدًا ! اللهُ (سُبحَانَهُ وَتَعَالَى) لَا يَرَى فِي ذَاتِهِ
إِلَّا لَهُ ، وَكُلُّ مَا عَدَاهُ لَا يَرَاهُ إِلَّا فِي غَيرِهِ ، وَالأَغيَارُ
مَرَاءٍ ، وَالمَرَائِي المَبَانِى ، وَالصُّوَرةُ مَعَانٍ ، وَالمَشَاهِدُ
ثَلَاثَةُ : رَؤيَةُ مَبَانٍ فَقَط وَهَذِهِ رُؤيَةُ الجُهَلَاءِ ، وَرُؤيَةُ
مَعَانٍ فِي مَبَانٍ : وَهِىَ رُؤيَةُ أَهلِ الإِيمَانِ ، وَرُؤيَةُ مَعَانٍ فَقَط
: وَهِىَ رُؤيَةُ الفَردِ الكَامِلِ ! مَن زَعَمَ أَنَّ اللهَ فِي شَيءٍ أَو مِن
شَيءٍ ، أَو عَلَى شَيءٍ ـ فَقَد أَشرَكَ ؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ عَلَى شَيءٍ كَانَ
مَحمُولًا ؛ أَو فِي شَيءٍ كَانَ مَحصُورًا ؛ أَو مِن شَيءٍ كَانَ مُحدَثًا . !
اللهُ ( تَعَالَى) مَعَ مَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَينَا مِن هَذَا الفَضلِ العَظِيِم
، وَعَدَنَا عَلَى عِبَادَتِهِ فِي جِوارِهِ العَلِيِّ بِالنَّعِيمِ المُقِيمِ ،
فَوَاعَجَبًا لَنَا !! كَيفَ ننسَاهُ وَهُوَ أَقرَبُ إِلَينَا مِنَّا ، أَو
نَلتَفِتُ عَنهُ وَهُوَ غَنِيُّ عَنَّا ؟!! ! اللهُ (سُبحَانَهُ) : يُحِبُّ أَن
يَرَى مِنكَ صِفَاتِكَ الَّتِي بِهَا أَنتَ عَبدُ لَهُ ، كَمَا أَنَّكَ تُحِبُّ
أَن تَرَى مِنهُ المَعَانِي الَّتِي بِهَا هُوَ رَبُّ لَكَ . ! الإِلَهُ : مَن
تَأَلَّهَ لَهُ الخَلقُ ذُلًّ وَافِتقَارًا وَاضطِرَارًا وَفَقراً !
الإِلَهُ : أَحَدُ لَا يَتَرَكَّبُ مِن
نَاسُوتٍ وَلَا هُوتٍ ! الإِلهُ : هُوَ الغَنِيُّ عَمَّا سِواهُ ، المُفتَقِرُ
إِليهِ كُلُّ مَن عَدَاهُ ! الإِلهُ : مَن يَألهُ إِلَيهِ النَّاسُ جَمِيعاً
فَلَاُ يُنكِرُ أُلُوُهِيَّتَهُ أَحَدُ مِنَ الخَلقِ ! الإِلهُ : مَن أَلِهَ
إِليهِ النَّاسُ مُتَحَيِّرِينَ مُتَنَسِّكِينَ ، وَهُوَ مَن يَلجَأُ إِليهِ
العَالَمُ ! الأُلُوُهِيَّةُ : هِيَ الصِّفَةُ الَّتِي لَا يُنَازعُ اللهَ فِيهَا
أَحَدُ ، فَتَحَقق بِصِفَاتِكَ يَمنَحكَ صِفَاتِهِ ! بَينَ المَحوِ وَإِثبَاتِ
بَرزَخُ ، فَلَا مَحوَ إِلَّا لِمَن ثَبَتَ وًجًودُهُ ، وَلَا يُقَالُ لِمَن
وُجُودُهُ لِذَاتِهِ ثَابِتُ ، وَلَكِن يُقَالُ لِمَن وُجُودُهُ لِغَيرِهِ لِأَنَّهُ
يَعتَريهِ المَحوُ ! ذَاتُ اللهِ مَجهُولَةُ لَا تُعرَفُ ، نَكِرَةُ لَا تُوصَفُ !
الذَّاتُ الأَحَدِيَّةُ لَهَا أَربَعَةُ تَجَلِّيَّاتٍ : الأَوَّلُ ، الآخِرُ ،
الظَّاهِرُ ، البَاطِنُ . إِذَا تَجَلَّت بِالأَوَّلِ جَذَبَت ، وَإِذَا تَجَلَّت
بِالآخِرِ أَكرَمَت وَأَنعَمَت ، وَإِذَا تَجَلَّت بِالظَّاهِرِ أبَانَت
وَأَظهَرَت ، وَإِذَا تَجَلَّت بِالبَاطِنِ مَحَقَت ؛ وَرَسُولُ اللهِ مَجلًى
لِلذَّاتِ الأَحَدِيَّةِ ، مَظهَرُ فِي أَربَعِ صُوَرٍ : أَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ
وَعُثمَانَ الذَّاتِ الأَربَعِ ! عَلَى حَسَبِ ظُهُورِ كُلِّ وُجهَةٍ مِن وُجَهِ
الذَّاتِ الأَربَعِ ! تَنَزَّهَتِ الذَّاتُ الأَحَدِيَّةِ أَن تَكُونَ وَسِيلَةً
لِغيرِهَا ، وَالكُلُّ ظ وَسَائِلُ لَهَا !
لِشَرِيعَةِ الرَّسُولِ
الَّذِي هُوَ فِي عَصرِهِ أَو قَلبِهِ ! الوَلِيُّ : هُوَ إِنسَانُ وَفَّقَهُ
اللهُ (تَعَالَى) لِلعَمَلِ بِشَرِيعَةِ اللهِ (سُبحَانَهُ) !
لَحظَةٌ مِنَ العَالِمِ لِلعَالَمِ خَيرٌ
مِن أَربَعِينَ سَنَةً مَطَرًا ! الفَردُ : لَا تُفَارِقُهُ الإِستِقَامَةُ وَإِن
كَانَت أَحوَالُهُ تُوجِبُ المَلَامَةَ ، حَطَّنَ اللهُ شُهُودَهُ بِالسُّنَةِ
بِحَقِيقَةِ مَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيهِ مِنَ المِنَّةِ ! إِذَا أَظهَرَ اللهُ
الفَردَ فِي الوُجُودِ ، فَتَحَ بِهِ عُيُونَ القُلُوبِ ، وَأَطلَقَ بِهِ
الأَلسِنَةَ بِالحِكَمِ وَأَسرَارِ الغُيُوبِ ! الصُّورَةُ المُحَّمَدِيَّةُ
الكَامِلَةُ : عَبدُ يُمَثِلُهُ
( r ) ظَاهِرًا
وَبَاطِنًا ، فَهُوَ مِشكَاةٌ لِمِصبَاحٍ أَشرَقَ زَيتُهُ ، وَصَفَت زُجَاجَتُهُ ،
عَمَلُهُ السُّنَةُ ، وَقَولُهُ الحِكمَةُ ، وَحَالُهُ المَحَّبَةُ ! النَّاسُ
قِسمَانِ : طَالِبُ دَنيَا وَطَالِبُ دِينٍ ، وَأَشَدُّ النَّاسِ طَمَعًا فِي
الدُّنيَا لَا يَطلُبُهَا إِلَّا عِندَ الإِمَامِ ، وَأَشَدُّ النَّاسِ حِرصًا
عَلَى الدَّينِ لَا يَطلُبُهُ إِلَّا بِالإِمَامَ ! الوَرَثَة : أَشبَةُ
بِالمَرَائِي ، فَإِنَّ المِرآةَ الأَوُلَى الَّتِي وَجَهَتِ الحَقِيقَةِ
المُحَمَّدِيَةَ وَرُسِمَت فِيهَا صُورَتُهُ ( r ) لَا فَرقَ بَينهَا وَبَينَ آخِرِ مِرآةٍ رُسِمَت فِيهَا تِلكَ
الصُّورَةُ ، وَلَكِنَّ التَفَاوُتَ بَينَ الظَّرفِ و الظَّرفِ لَا المَظرُوفِ ،
وَبَينَ الإِنَاءِ وَالإِنَاءِ لَا مَا فِيهَا ، والصُّورَةُ لَم تَتَغَيَّر
فَهِيَ هَيِ ، وَتَكُونُ المِرآةُ بِحَسَبِ زَمَانِهَا ، فَخَيرُ مِرآةٍ تَكُونُ
فِي خَيرِ زَمَانٍ وَكُلُّهَا خَيرُ ! الوَارِثُونَ : قَلِيلُ ؛ لِأَنَّهُم فِي
مَقَامِ الِآصطِفَاءِ ، وَالمُقتَطَعُونَ : كَثِيرُ ؛ لِأَنَّهُم فِي مَقَامِ
الِآجِتَباءِ
!
لَيسَ كُلُّ دَاعٍ دَعِيًا ، وَلَيسَ كَلُّ
دَاعٍ صَاحِبِ دَعوَةٍ ، وَلَكِن لِكُلِّ دَعوَةٍ رِجَالٌ هِيَ أَعلَمُ بِهُم
مِنهُم ! ادعَ نَفسَكَ إِلَى اللهَ ،فَإِنَ انقَادَت فَادعُ غَيرِكَ ! مَن دَعَا
نَفسَهُ فَقَهَرَتُهُ كَيفَ يَدعُو غَيرَهُ فَيُطِيعَهُ ؟! ادعُوا إِلَى
التَّوحِيدِ أَهلَ الجَاهِلِيَّةِ ، وَالشِّركِ الظَّاهِرِ ! لَا تَمحُوُا
التَّوحِيدَ أَو تَنظُرُوا السُّنَةُ بِأَخلَاقِ الشَّيَاطِينِ ! لَا تَفتَح عَلَى
نَفسِكَ بَابَ الشَّكِّ وَالخِلَافِ ، فَتَكُونَ عَرَّضتَ نَفسَكَ لِلإِتلَافِ !
لَا تُخَاصِم وَلَا تُجَادِل أَحَدًا فِي الدِّينِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحبِطُ
الأعمَالَ ، وَلَا تُمَارِ أَحدًا فِي شُبُهَاتِ القُرآنِ فَإِنَ ذَلِكَ يَقرَعُ
بَابَ الضَّلَالِ ، وَإِذَا أَلجَأَكَ أَمرٌ إِى المَحَاجَّةِ فَلتَكُن سَائِلًا مُتَمِسكًا
بِآدَابِ السُؤَالِ . ! آفَةُ العَقِيدَةِ : الشُّبهَةُ ، وَآفَةُ العِبَادَةِ :
الشَّهوَةُ . ! الشُّبهَةُ : مَفسَدَةٌ لِلعَقَائِدِ ، والشَّهوَةُ : مَفسَدَةٌ
لِلعِبَادَاتِ . ! إِذَا جَهِلتَ حُكَمًا مِن أَحكَامِهِ ، فَتَضَرَّع فِي
إِفهَامِهِ ، أَو كِلهُ إِلَى جَهلِكَ الأَوَّلِ حَتَّى يُعَلِّمَكَ الأَوَّلُ !
الدَّاعِي يَدعُو لَا لِيهتَدِيَ جَمِيعُ الخَلقِ ، وَلَكِن لَيظهَرَا الحَقُّ
فَيَتَّبِعَهُ أَهلُهُ ، وَيُنكِرَهُ أَعدَاؤُهُ ، وَالسُّعَادَةُ لِمَنِ اهتَدَى
، والشَّقَاءُ لِمَنِ اعتَدَى
!
إِنَّ الأَمِرَ بِالمَعرُوفِ النَّاهِيَ
عَنِ المُنكَرِ الجَاهِلَ بِأُسُلُوبِ الدَّعوَةِ يَضُرُّ النَّاسَ أَكثَرَ مِمَّا
يَنفَعُهُم ! مَن ذَّلِكَ عَلَى الدُّنيَا قَطَعَكَ ، وَمَن دَلَّكَ عَلَى
اللآخِرَةِ حَجَبَكَ ، وَمَن دَلَّكَ عَلَى العَمَلِ أَتعبَكَ ، وَمَن دَلَّكَ
اللهِ أَرَاحَكَ . ! اتَّقُوُا اللهَ فِي عِبَادِهِ ، وَعَليكُم أَنفُسَكُم ،
فَآجلُوا مِرآةَ قُلُوبِكُم بِعَمَلِ القُلُوبِ ، وَاشتَغِلُوا بِذُنُوبِكُم
فَإِنَّكُم مُحَاسَبُونَ عَلَيهَا لَا عَلَى ذُنُوبِ غَيرِكُم ! ارحَمُوا عِبَادَ
اللهِ (تَعَالَى) ، ذَكِّرُوهُم بِالحُسنَى ، عِظُوهُم بِالِّينِ ، أَعِينُوهُم
بِفَضلِ أَموَالِكُم وَجَميلٍ كَلَامِكُم ، وَأَحِبُّوا لَهُم مَا أَحبَبتُم
لِأَنفُسِكُم ! الأَمرُ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ عَلَى ثَلَاثِ
دَرَجَاتٍ : بِاليَدِ : وَهِيَ دَرَجَةُ الأُمَرَاءِ لِتَنفِيذِ أَحكَامِ الشَّرعِ
، وَبِالِّلسَانِ : وَهِيَ دَرَجَةُ العُلَمَاءِ لِبَيَانِ سُبُلِ اللهِ
(تَعَالَى) ، وَبِالقَلبِ : وَهَيِ دَرَجَةُ العَامَّةِ بِبُغضِ المُذنِبِينَ
وَبُغضِ أَعمَالِهِم والتَّبََاعُدِ عَنهُم ! إِذَا فُعَلَتِ فِي المَعصِيةُ فِي
المَغرِبِ ، وَسَمِعَ بِهَا مَن فِي المَشرِقِ ، وَلَم يَنهَ عَنهَا ـ كَانَ
كَفَاعِلِهَا ! إِنَّ اللهَ (تَعَالَى) إِنَّمَا أَمَرَ بِمَا أَمَرَ بِهِ ؛
لِتَقُومَ الحُجَّةُ عَلَى أَعدَائِهِ ؛ وَلِتَتِمَّ النِّعمَةُ عَلَى أَحبَابِهِ
، قَالَ (سُبحَانَهُ) : " وَاللهُ خَلَقَكُم وَمَا تَعمَلُونَ " !
التَّغَالِي : بُطلَانٌ ، والتَّهَاوُنُ عَنِ الوَسَطِ : خُسرَانٌ !
مَا تَصَدَّقَ رَجُلٌ بِصَدَقَةٍ أَعظَمَ
أَجرًا مِن مَوعِظَةِ قَومٍ يَسيرُونَ بَهَا إِلَى الجَنَّةِ ! إِنَّ اللهَ لَا
يَغَارُ عَلَى عَبدٍ فَعَلَ مَا أَمَرَ بِهِ ، وَلِكِنَّهُ يَغَارُ عَلَى فِعلٍ
نَهى عَنهُ ! أَثقَلُ شَيءٍ عَلَى النُّفُوسِ الخَبِيثَةِ نُصحُ النَّاصِحِينَ ،
وَأَخَفُّ شَيءٍ عَلَيهَا مَدحُ المُنَافِقِينَ ، وَأَحَبُّ شَيءٍ لَهَا نَمِيمَةُ
النَّمَّامِينَ، وَفِي ذَلِكَ هَلَاكُهَا وَخُسرَانُهَا فِي الدُّنيَا وَالدِّينِ
! إِنَّ النَّصُوحَ يُطَاعُ ، وَيَجِبُ لَهُ الِاتِّبَاعُ ؛ خُصُوصًا إِذَا
دَلَّكَ عَلَى الحَقِّ ، وَبَيَّنَ لَكَ الطَّرِيقَ بِالصِّدقِ ! الوَسَطُ : هُمُ
الذِينَ يَتَّبِعُونَ الرُّسلَ ، وَالطَّرَفُ : إِمَا شَيَاطِينٌ أَو وُحُوشٌ ،
فَإِنَّ طَرَفَ الإِفرَاطِ : هُمُ المُتَشَبِّهُونَ بِالشَّيَاطِينَ ، وَطَرَفَ
التَّفرِيطِ : هُمُ المُتَّشَبِّهُونَ بِالحَيَوانَاتِ الوَحشِيَّةِ ! الغَالُونَ
: هُمُ الشَّاطِحُونَ ؛ لِأَنَّهُم جَاوَزُوا العِلمَ ، وَمَحَوِ الرَّسمِ ،
فَأَستَطُوا الحُكمَ ! المُبطِلُونَ : هُمُ المُدَّعُونَ المُبتَدِعُونَ ؛
لِأَنَهُم جَادَلُوا بِالبَاطِلِ لِيُدحِضُوا بِهِ الحَقَّ ، وَافتَروا
بِالدَّعوَى ، وَابتَدَعُوا بِالرَّأيِ وَالهَوَى ! الخَوَارِجُ : قَومٌ تَغَالُوا
فِي دِينِ اللهِ ، وَخَرَجُوا عَلَى طَاعَةِ الإِمَامِ الأَعظَمِ ! الجَاهِلُونَ :
هُمُ المُنكِرُونَ لِغَرَائِبِ العِلِم ، المُغتَرَّونَ لِمَا عَرَفُوا مِن
ظَاهِرِ العَقلِ ! المَغروُرُونَ : الَّذَينَ يَطلُبُونَ الدُّنيَا بِعَمَلِ
الآخَرِةِ ! الفَاسِقُ : هُوَ الخَارِجُ مِن ثَوبِ التَّقوَى ! مَن دَخَل
بِالمَوَازِينِ ، خَرَجَ بِالمَوَازِينِ !
الشِّفَاءُ مِن مَرَضِ التَّفرِقَةِ
الاختِلَافُ فِي سَائِرِ العُلُومِ
الظَاهِِرَةِ : رَحمَةُ ، وَالاختِلَافُ فِي عِلمِ التَّوحِيدِ : ضَلَالٌ
وَبِدعَةٌ ! التَّفرِقَةُ : هِيَ المَيلُ وَالاِنفِصَالُ عَنِ الجَمَاعَةِ ! لَا
تَحصُلُ التَّفرِقَةُ إِلَا بِمَرَضٍ يُنتِجُهُ الحَسَدُ وَالطَّمَعُ وَالكِبَرُ ،
وَالكِبَرُ : دَاءُ إِبلِيسَ ، وَالطَّمَعُ : مَرَضُ آدَمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ،
وَالحَسَدُ : خَطِيئَةُ قَابِيلَ ! التَّفَرُّقُ المَحبُوبُ : مَا أَخبَرَنَا
اللهُ بِهِ مَن قَولِ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ " فَافرُق بَينَنَا وَبَينَ
القَومِ الفَاسِقِينَ " والتَّفَرُّقُ المَطلُوبُ : " وَإِن
يَتَفَرَّقَا يُغنِ اللهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ " والتَّفَرُّقُ المَكرُوهُ :
فَيَتَعلَّمُونَ مِنهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَينَ المِرءِ وَزَوجِهِ " ،
إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقتَ بَينَ إِسرَائيلَ " والتَّفَرُّقُ
المُحَرَّمُ : " إِنَّ الذَّينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيعًا "
، وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَينَ اللهِ وَرَسُلِهِ " ! إِنَّ رَجُلًا
يَفتَحُ بَابَ التَّفرِقَةِ بِينَ المُسِلِمينَ بِجَعلِ البِدَعِ المُضِلَّةِ
سُنَنًا ، وَالسُّنَنِ المُجمَعِ عَلَيهَا بِدَعًا ، حَكَمَ عَلَى نَفسِهِ أَنَّ
رَسُولَ اللهِ
( r ) لَيسَ
مِنهُ فِي شَيءٍ
!
البَلَايَا الَّتِي أَصَابَتِ المُجتَمَعَ
وَالأفرَادَ ، بِسَبَبِ التَّفرِقَةِ وَالعِنَادِ وَالاِنفِرَادِ ! شَرُّ مَا
نَهَى اللهُ عَنهُ : التَّفرِقَةُ فِي الدِّينِ ! اجمَعِ القُلُوبَ ؛ تَملِكِ
الأَبدَانَ ! مَن لَم يُمكِنَهُ أَن يُؤَلِّفَ قُلٌوبَ الخَلقِ عَليهِ كَيفَ
يُؤَلِفَهُم عَلَى الحَقِّ ؟! ! تَأَلِيفُ القُلُوبِ خَيرٌ مِن تَأَلِيفِ
السُّطُورِ . ! تَأَلِيفُ القُلُوبِ دَلِيلٌ عَلَى إِحسَانِ عَلَّامِ الغُيُوبِ !
التَّفرِقَةُ : شَرُّ مِن عِبَادَةِ العِجلِ ؛ لِأَنَّ اللهَ (تَعَالَى) يَقُولُ :
" وَلَا تنَازَعُوا فَتفشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحُكُم " ! لَيسَ أَضَرُّ
عَلَى الأُمَّةِ مِن أَربَعَةِ أَنوَاعٍ : عَالِمٍ لَا يَعمَلُ بِعِلمِهِ ،
وَعَالِمٍ جَهُولٍ ، وَتَارِكٍ لِلعِلمِ وَالعَمَلِ ، وَالَّذِي يَصُدُّ النَّاسَ
عَنِ العُلَمَاءِ وَالتَقوَى ! أَصلُ مَرَضِ الأُمَةِ الإِسلَامِيَّةِ نَاشِيءٌ
عَنِ ثَلَاثَةِ أَنوَاعٍ : أُمَرَاءِ السُوءِ ، وَعُلَمَاءِ الفِتنَةِ ، وَدُعَاةِ
الجهَالَةِ ! المُجَادِلُ : خَصمُ اللهِ (تَعَالَى) وَخَصمَ رَسُولِهِ ( r ) وَالمُؤمِنِينَ ، قَالَ (تَعَالَى) : "
مَا ضرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جِدَالَا بَل هُم قَومٌ خِصِمُونَ " ! العَمَةُ :
عَمَى البَصِيرَةِ ، وَالعَمَا : فَقدُ البَصَرِ ! لِكُلِّ مَرَضٍ دَوَاءٌ ،
وَلِكُلِّ عِلَّةٍ شِفَاءٌ ، وَالدَّوَاءُ الَّذِي رَكَّبَهُ أَحكَمُ الحَاكِمِينَ
: هُوَ الشِّفَاءً الحَقِيِقيُّ لِمُجتَمَعِ المُسلِمِينَ . !
عَودَةُ المَجدِ الإِسلَامِيِّ
أَينَ هَذَا المَجدُ السَابِقُ وَالعِزُّ
الَّذِي لَا يُضَامُ ؟! وَأَينَ هَذَا العفَافُ وَالصَّونُ وَالمُلكُ الَّذِي لَا
يُسَامُ ؟! أَذهَبَتهُ التَّفرِقَةُ حَتَّي صَارَتِ النَّقَائِصُ كَمَالاتٍ
وَالرَّذَائِل مُستحسَنَاتٍ ! سَيَأَتِي وَقتٌ ( وَهُوَ قَرِيبٌ ) يُظهِرُ اللهُ
أَهلَ الحَقِّ ، وَيُعِيدُ لَنَا مَا كَانَ لِسَلَفِنَا مِنَ القُوَّةِ وَالتَّمِكينِ
فِي الأَرضِ ! إِذَا جَمَّلَنَا اللهُ بِجَمَالِ اليَقِينِ بِإَنَّ وَطنَنَا
الإِسلَامُ ، كَانَ المُسِلمُ وَلِيَّ المُسلِمِ مَهمَا تَرَامَى بَلَدُةُ ،
وَبَعُدَ نَسَبُهُ ، وَاختَلَفَ لَونُهُ وَلُغَتُهُ ! دَعُوا الجِنسِيَّةَ
وَالَوطَنِيَّةَ الكَاذِبةَ ، وَالشَّخصِيَّةَ الفَاسِدَةَ ، فَإِنَّهَا نَغَمَةٌ
عَلَى غَيرِ وَتَرٍ ، وَصَوتٌ مِن جَوفٍ خَالٍ ، فَإِنَّا جَمَاعَةً جِنسَنَا
الإِسلَامُ ، وَوَطُنَا الإِسلَامُ ، وَشَخصُنَا الإِسلَامُ ! مَن رَبَّاهُ
العَدُوُّ ، كَيفَ يَكُونُ سِلمًا لِأَهلِهِ ؟! ! أَعُوذُ بِاللهِ مِن دَاعٍ
يَدَّعِي أَنَّهُ يَدعُو لِلإِصلَاحِ وَهُوَ يَسعَى فِي فَصلِ أَعضَاءِ الجَسَدِ
مِنَ الجَسَدِ ، وَيَجهَلُ أَنَّ عُضوٍ فُصِلَ عَنِ الجَسَدِ استَولَت عَلَيهِ
الكِلَابُ فَأَكَلَتهُ ، وَأَنَّ الجَسَدَ بَعدَ فَصلِ أَعضَائِهِ يَستَولِي
عَلَيهِ النَّملُ وَالدِّيدَانُ وَصِغَارُ الحَشَرَاتِ !
العَمَلُ بِكتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ
اللهِ ( r ) بِهِ سعَادَةُ العَالَمِ
أَجمَعَ ، حَتَّي يُصبَحَ الظُّلمُ لَيسَ لَهُ فِي العَالَمِ مَطلَعٌ ! لَا
سَبيِلَ لِلإِنسَانِ إِلَى الرُّقَي مِن وَهَدَتِهِ وَاليَقَظَةِ مِن رَقَدَتِهِ
إِلَّا بِما يَجعَلُهُ اللهُ لَهُ مِنَ النَّورِ الَّذِي بِهِ يَشرَحُ الصُّدُورَ
، وَذَلِكَ النُّورُ هَُوَ الشَّرعُ المُنَزَّلُ مِنَ اللهِ عَلَى لِسَانِ
رُسُلِهِ وَأَنبيَائِهِ ، وَبِهِ عَزُّ الإِنسَانِ وَمَجدُهُ ، وَالعَامِلُ بِهِ
يَتَيَسَّرُ لَهُ قَصدُهُ ! عَجبًا لِمَن يَسعَى لِحتفِهِ بِظِلفِهِ !! وَيَرَى
الخَيرَ أَنَّ رأَسَهُ يَستَقِلُ عَن جَسَدِهِ !! فَإِنَّ اللُّصُوصَ الَّذِينَ
يَسطَونَ عَلَى المنَازِلِ لَيلًا لِسَلبِ الأَمتِعَةِ يَسُرُّهُم أَن تَستَقِلَّ
كُلُّ أَسِرةٍ بِنفسِهَا ، وَتَنفَصِلَ عَن سُكَّانِ المَدِينَةِ ، وَبِذَلِكَ لَا
يحتَاجُونَ أَن يَأَتُوا لَيلًا خُفيَةً ، بَل يَأَتُونَ نَهَارًا فَيلبِسُونَ
كُلَّ أَمتِعَةِ أَهلِ المَدِينَةِ ، بِدُونَ أَن يَرَوا مُمَانِعًا ! الأُمَّةُ
كَالجَسَدِ الوَاحِدِ ، وَالجَسَدُ لَا يُنَالُ قَصدَهُ إِلَّا إِذَا اتَّحَدَت
جَمِيعُ الجَوَارِحِ عَلَى نَيلِهِ ، فَإِذَا أَقبَلَ عَلَى اللهِ وَنَازَعَتهُ
بَطنُهُ فَالتَفَتَ إِلَى نَيلِ شَهوَتِهَا التَفَتَ عَنِ اللهِ ، وَإِذَا طَلَبَ
الآخِرَةِ وَنَازَعَتهُ الدُّنيَا بِزُخرُفِهَا وَالتَفَتَ إِلَيهَا حُرِمَ
الآخِرَةَ ، وَالأمَةُ : هَيِ كَالجَسَدِ الوَاحِدِ ، مَتَي تبَيَّنَ لَهَا
طَرِيقُ المَجدِ وَالعِزِّ قَامَ اتحَادِ الجوَارِحِ فِي خِدمَةِ الجَسَدِ !
سَيفُ النِقمَةِ المَاضِي : سُلَّ عَلَى مَن
ضَلَّ ! سَيفُ الإِسلَامِ : رَحمةٌ لَا نِقمَةٌ ، وَسِيَاطُهُ نِعمَةٌ لَا شَقَاءٌ
، وَآلَامُهُ لَذَّةٌ لَا عَنَاءٌ ! لَم يَسَلَّ سَيفُ الإِسلَامِ لِيَقهَرَ
النَّاسَ عَلَى اعتِنَاقِهِ ، وَإِنَّمَا لِيُزِيلَ الفَسَادَ ، وَيَمحوَ أَسبَابَ
التَّفرِقَةِ وَالعِنَادِ ! رُوحُ القُرآنِ النُّورَانِيَّةُ : سَارِيَةٌ فِي
كُلِّ تِلكَ الأَروَاحِ الكَامِلَةِ ، وَالنُّفُوسِ الطَّاهِرَةِ ، وَسُيُوفُ
القُرآنِ المَاضِيَةُ : مَسلُولَةٌ عَلَى الأَعنَاقِ الطَّاغِيةِ ، وَالقُلُوبِ
القَاسِيةِ ! تَتَفَاوَتُ الوَاجِبَاتُ إِمَّا بِتَدبِيرٍ خَاصِّ وَمَعُونَةٍ ،
أَو بِتَدبِيرٍ عَامٍ وَنَصِيحَةٍ وَمَشُورَةٍ ! أَعمَالُ الأُمَّةِ مُنقَسِمَةٌ
عَلَى الأَفرَادِ ، كَتَقسِيِم أَعمَالِ البَدنِ عَلَى جَمِيعِ أَعضَائِهِ !
المُجتَمَعُ الصَّغِيرُ : هُوَ المُجتَمَعُ الكَبِيرُ فِي حَقِيقَةِ الأَمرِ ،
وَأَحوَجُ إِلَى الحِكمَةِ وَالتَدبِيرِ ! كُلُّ شَيءٍ فِي الوَسَطِ يَنفَعُ
فَإِذَا تَطَرَّفَ أَهلَكَ كَالنَّارِ فِي الدُّنيَا وَالبِحَارِ ! الاِقتِصَادُ :
هُوَ الوَسَطُ الَّذِي هُوَ بَينَ الإِفرَاطِ وَالتَّفرِيطِ ! مُحَّمَدٌ مَاضِي :
بَرِيءٌ مِمَن يُفَرِقُ بَينَ مُسلِمٍ وَبَينَ نَفسِهِ لِسَبِبِ مُحَّمَدٌ مَاضِي
! النُّفُوسُ المُنكِرَةُ الخَبِيثَةُ لَو أَوتِيت مَا ازدَادَت إِلَّا خُبِثًا .
! إِنَّمَا يُشَادُ المَجدُ عَلَى عَمُودَينِ ، فَإِنِ انهَارَ أَحَدُهُمَا و
انهَارَ المَجدُ ، فَالعَمُودَانِ : مَدحٌ وَقَدحٌ !
أَطوَارُ الحَقِيقَةِ الإِنسَانِيَّةِ
الإِنسَانُ : ظَهَرَ مَبنَاهُ ، وَعَذَابَ
مَعنَاهُ ، وَهُوَ بِمَعنَاهُ لَا بِمَبنَاهُ ! الإِنسَانُ : قُلِّلَ لَفظُهُ ،
وَاستُوفِي مَعنَاهُ ! الإِنسَانُ : زُيِّنَ ظَاهِرُهُ بِالحَوَاسِّ وَالحَظِّ
الأَوفَى ، وَجُمِّلَ بَاطِنُهُ بِمَا هُوَ أَشرَفُ وَأَقوَى ! الإِنسَانُ :
مَملَكَهٌ عَظِيمَةٌ ، وَعَالَمٌ صَغِيرٌ ، النَّفسٌ : سُلطَانُ المَملَكَةِ ،
وَالعَقلُ : وَزِيرُهَا ، وَالقُوَى : جُنُوُدَهَا ، وَالحِسُّ المُشتَرِكُ :
صَاحِبُ بَرِيدِهَا ، وَالأَعضَاءُ : خَدَمُهَا ، وَالبَدَنُ كُلُّهُ : مَحَلُّ
المَملَكَةِ ! الإِنسَانُ : هُوَ العَالِمُ الأَكبَرُ . فَظَاهِرُ القَلبِ : عَرشُ
الرَّحمَنِ ، وَبَاطِنُ القَلبِ : بَيتُهُ المَعمُورُ ، فَإِذَا عَمَّرَهُ
(سُبحَانَهُ) بِشُهُودِ مَعَانِي صِفَاتِهِ كَانَ سِدرَةَ المَثَلِ الأَعلَى ،
وَزُجَاجَةَ المَثَلِ العَلِيِّ ، وَكَانَ الهَيكَلُ صُورَةَ الرَّحمَنِ ،
وَيَكُونُ الكَونُ كُلُّهُ صُورَةَ الإِنسَانُ الكَامِلِ ( مَحَلِّ اسِتجلَاءِ
مَعَانِي الصِّفَاتِ ) ! الإِنسَانُ : لِغَيرِهِ إِرَادَةُ اللهِ بِدءًا ،
وَصُورَتُهُ لِلعالَمِ أَجمَعَ خَتمًا ! الإِنسَانُ لَهُ ثَلَاثَةُ أُصُولٍ :
لعَدَمُ ، وَالتُّرَابُ ، وَالمَنِيُّ ، وَهُوَ مَاءُ الرَّجُلِ وَالمَرأةِ !
الإِنسَانُ : بِفطرَتِهِ يَمدَحُ الخَيرَ ، وَيَذُمُّ الشَّرَّ ، وَإِن عَمِلَ
الشُّروُرَ
. !
المَلَكُوتُ : نٌورٌ مُجَرَّدٌ مِنَ
المَادَّةِ ، وَالمُلكُ : مُجَرَّدٌ مِنَ النُّورِ ، وَالإِنسَانُ : فِيهِ
المَادَّةُ وَالنُّورُ ، وَزَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي الإِنسَانِ نَفخَةُ القُدسِ ،
وَلَم تَكُن فِي عَالِمٍ مِنَ العَوَالِمِ إِلَّا فِي الإِنسَانِ ! الجَمعِيَّةُ
عَلَى الحَقِيقَةِ الَّتِي بِهَا أَنتَ أَنتَ ، عَودُكَ لِمَرَاتِبٍ ثَلَاثٍ :
إِلَى المَاءِ المَهِينِ ، أَوِ الطِّينِ ، أَوِ العَدَمِ . وَبِجَمعِتَّيِكَ ،
عَلَى حَقِيقَتِكَ يَتَجلَّى الحَقُّ لَكَ ، فَيظهَرُ بِهِ لَهُ ، وَجَمعِيَّةٌ
بِهَا أَنتَ بِهِ وَلَهُ فَتَظهَرُ عَبدًا ، وَهُوةَ الفَرقُ ! إِذَا تَنَزَّلَ
لَكَ وَهُوَ الغَنِيُّ عَنكَ الكَبِيرُ ، فَتَنَزَّل أَنتَ لَهُ بِالأَولَى إِلَى
رُتبَةِ مَنشيٍّ ، وَمِنَ رُتبَةِ مَنِيٍّ إِلَى رُتبَةِ طِينٍ ، وَمِن رُتبَةِ
طِينٍ إِلَى رُتبَةِ عَدَمٍ ! إِذَا تَعَالَت عَلَيكَ نَفسُكَ فَارجِع بِهَا إِلَى
طَورِ الجَنِينِ فِي بَطنِ أُمِّهِ فَإِنَّهَا تَنزَجِرُ ، وَإِن أَرَادتَ
الفَنَاءَ عَن نَفسِيكَ بِوُجُودِهِ فِيكَ فَارجِع إِلَى مَقَامِ العَدَمِيَّةِ ،
قَالَ (تَعَالَى) : " خَلَقتُكَ مِن قَبلُ وَلَم تَكُ شَيئًا " ! إِذَا
أَحببتَ أَن تَعرِفَ مَن أَنتَ ؟! فَتَفَكَّر مَن أَنتَ قَبلَ أَن تُوجَدَ ؟!
وَمَا أَنتَ قَبلَ أَن تَحمِلَ بِكَ أُمُّكَ ؟! ثُمَّ اشكُرِ المُنعِمَ عَلَى مَا جَمَّلَكَ
بِهِ مِن مَوَاهِبِهِ ، وَاحمَدهُ عَلَى مَا مَنَحَكَ مِن مِنَنِهِ ، وَوَاجِههُ
بِرُتبَةٍ مِنَ الرُّتبَتَينِ شَاكِرًا ذَاكِرٍا فَاكِرًا ، وَعِندَهَا تَدخُلُ
فَسِيحَ القُدسِ الأَعلَى ، وَتَأنَسُ بِمُشَاهَدَاتِ المُقَرَّبِينَ . !
إِّذَا تَحَقَقتَ بِمَعَانِي صِفَاتِكَ مِن
عَدَمِ وَذُلٍ وَفَاقَةٍ وَاضطِرَارٍ ، وَذَكَرتَهُ ظَهَرَ لَكَ فِيكَ وَفِي
الآفَاقِ ، جَعلَكَ أَمِينًا مُتَصَرِفًا فِي مُكَوِنَاتِهِ ، وَكَانتَ " كُن
" لَكَ مِن بَعضِ هِبَاتِهِ ! سَارِع إِلَى التَنَزُّلِ لِرَبِكَ العَلَي ،
حَتَّي يُفِيضَ عَلَيكَ جَمَالُهُ الجَلِيَّ ! إِنَّ مُبدِعَ السَمَوَاتِ
وَالأَرضِ ، وَوَاضِعَ قَوَانِينِ أَحكَامِهِ لِلسُّنَةِ وَالفَرَِضِ ، حَكِيمٌ
قَادِرٌ لَم يَخلُق شَيئًا عَبَثَا ، لِأَنَهُ جَلَّت قُدرَتُهُ ، وَتَقَدَست عَنِ
النُقصَانِ حِكمَتُهُ ، خَلَقَ الإِنسَانَ مُرَكبَا مِن نَفسٍ وَجَسمٍ وَحِسٍ ،
وَأَهَّلَهُ لِأَن يَكُونَ فِي مَقعَدِ صِدقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُقتَدِرٍ ؛ إِن
زَكَتِ النُّفُوسُ وَعَلَى تَزكِيَتِهَا قَدَرَ ، وَإِن أَهمَلَ تَزكِيَتِهَا
فَفِي الدَركِ الأَسفَلِ مِنَ النَّارِ ؛ إِن مَالَ إِلَى عَاجِل حَظِهِ وَسَارَ.
! صَوَّرَكَ بِيِدَيهِ ، وَكُنتَ طِينًا ، أَو مَاءً مَهِينًا ، وَنَفَخَ فِيكَ
مِن رَوحِهِ فَضلًا مِنهُ وَإِحسَانًا ، وَأَسجَدَ لَكَ المَلَائِكَةَ تَكرِمَةً
لَكَ وَبِكَ حَنَانًا ، وَلَم تَكُ شَيئًا مَذكُورًا ، فَأَلزَم أَعتَابَ
العُبُودِيَّةِ ، يَمنَحَكَ خَيرَ العَطِيَّةِ . ! الإِنسَانُ : مَظهَرٌ لِتسِعَةٍ
وَثَمَانِينَ اسمًا مِنَ الأَسمَاءِ الحُسنَى ، وَالبَاقِي أَسمَاءُ الكَمَالِ
وَهِيَ عَشرَةٌ ، لَيسَ لَهَا مَظهَرٌ ! الإِنسَانُ : شَجَرَةُ رَبِّهِ ، وَهُوَ
السِّدرَةُ الَّتِي رَأسُهَا مَغرُوسٌ فِي العَرشِ ، وَأَطرَافُهَا مُدَلَّاةٌ
عَلَى الجَنَّةِ
!
سِر مِن حَيَوَانِيَتِكَ إِلَى آدَمِيَتِكَ
بِمَا أَنتَ عَلَيهِ مِن حُسنِ حِليَتِكَ ، وَأَنهض مِن قِيُودِ الآدَمِيَّةِ
إِلَى رَحِيبِ الإِنسَانِيَّةِ بِمَا فِيكَ مِنَ الحِكَمِ الرَّبَانِيَّةِ ،
وَتَخَلص مِن أَدرَانِ إِنسَانِيَّتكَ بِنُورِ مَلِيكَّيِتَكَ ، وَأَنِب بِرَبِّكَ
مِنَ الوُقُوفِ عِندَ المَلِكَيَّةِ إِليِهِ بِنُورِ البَصِيرَةِ الإِلَهِيَّةِ !
الإِنسَانُ : هُوَ النَّوعُ الوَسَط بَينَ المَلَائِكَةِ وَالحَيَوَانَاتِ ،
فَهُوَ بِالنَسبَةِ لِغذَائِهِ وَنُمُوِّهِ وَحِسِهِ وَحَرَكَتِهِ حِيَوَانٌ ،
وَبِالنِسبَةِ لِإِدرَاكِهِ وَقُوَّةِ تَصدِيقِهِ بِالغَيبِ مَلِكٌ مُقَرَبٌ . !
الإِنسَانُ حَيوَانٌ ، فَإِذَا سَاعَدَهُ العَقلُ عَلَى حَيَوَانِيَّتَهِ تَمَكَّن
بِعَقلِهِ وَحَيَوَانِيَّتَهِ مِن أَعمَالٍ لَا تَعمَلِهَا إِلَّا السِّبَاغُ
الكَاسِرَةُ ، وَلَا الحَيوَانَاتُ النَافِرَةُ ، وَلَا الشَّيَاطِينُ الفَاجِرَةُ
، فَيَكُونُ أَضَرَّ مِنَ الحَيَوَانَاتِ وَأَشَرَّ مِنَ الشَّيطَانِ ، حَتَّي
تُشرِقُ أَنوَارُ الشَّرِيعَةِ عَلَيهِ ، فَيُسَارِعَ إِلَى الكَمَالَينِ ، مُتَوَسِّطًا
فِي الأَمرَينِ ! الإِنسَانُ : إِنسَانٌ بِصُورَتِهِ وَمَطعَمِهِ
وَضَرُورِيَّاتِهِ ، وَمَلِكُ كَرِيمٌ مُقَرَبُ بِعَقِدَتِهِ وَأَخلَاقِهِ !
الإِنسَانُ : مَلِكٌ وَأَعلَى ، وَحَيَوَانٌ وَأَدنَى ، وَشَيطَانٌ وَأَضَرُّ !
الإِنسَانُ : مَلِكٌ وَأَكمَلُ ، وَشَيطَانُ وَأَفجَرُ ، وَحَيَوَانٌ وَأَجرَأُ !
الإِنسَانُ مِن شَأَنِهِ النِسيَانُ ! الإِنسَانُ : حَانُ الشَّرَابِ
لِلسَالِكِينَ ، وَدِونَانُ الرَّاحِ لِلوَاصِلِينَ ، وَالَّشرَابُ الطَّهُورُ
لِلعَارِفِينَ
!
النَبَاتُ : كُلُّ جِسمٍ يَتَغَذَّى
وَيَنمُو ، وَالحَيوَانُ : كُلُّ جِسمٍ مُتَحَرِكٍ حَسَّاسٍ ، وَالإِنسَانُ :
حَيُّ نَاطِقٌ ، وَهُوَ جُملَةٌ مُرَكُّبَةٌ مِن نَفسٍ نَاطِقَةٍ ، وَبَدَنٍ
مَاثِتٍِ ! مَا أَظَلَّ القٌدسً عَبدًا إِلَّا وَأَحفَاهُ عَن نَارِ بَشَرِيَّتَهِ
، وَشَرَارِ إِبلِيسِيَّتَهِ ، وَبَردِ جَمَادِيَّتِهِ ، وَمُقتَضَى
نَبَاتِيَّتَهِ ، ‘إِلَّا مَا لَا بُدَّ مِنهُ إِلَّا بِهِ حِفظُ رُتبَتِهِ
العَبدِيَّةِ ! الإِنسَانُ : مُكَوَّنٌ مِن خَمسِ حَقَائِقٍ : جَمَادٍ ، وَنَبَاتٍ
، وَحَيَوَانٍ ، وَشَيطَانٍ وَمَلَاكٍ ! الإِنسَانُ فِي كُلِّ أَفرَادِهِ لَا يُمكِنُ
أَن يَجتَمِعَ اثنَانِ عَلَى مَبدَأٍ وَاحِدٍ مِن كُلِّ الجِهَاتِ ، وَإِنَ
اَتَّحَدَتِ الأَعمَالُ بِحَسَبِ المُقتَضَيَاتِ ! الإِنسَانُ : يَكُونُ فِي
أَسفَلِ سَافِلِينَ إِن أَخلَدَ إِلَى الأَرضِ وَاتَبَعَ هَوَاهُ ، وَفِي أَعَلَى
عِلِيِّنَ إِن زَكَت نَفسُهُ وَفَرَّ إِلَى اللهِ ! الإِنسَانُ : لَا يَستَقِلُ
وَحدَهُ بِأَمرِ نَفسِهِ ، إِلَّا بِمُشَارَكَةِ آخَرٍ مِن بَنِي جِنسِهِ . !
لِكُلِّ حَقِيقَةٍ ظَاهِرٌ ، وَبَاطِنٌ ، وَحَدٌّ ، وَمَطلَعٌ . فَالإِنسَانُ :
ظَاهِرَةُ الجِسمُ ، وَبَاطِنُهُ القَلبُ ، وَحَدُّهُ الرَّوحُ ، وَمَطلَعُهُ
نَفخَةُ القُدسِ وَالجِسمُ ظِلُّ الرَّوحِ ، وَالرُّوحُ ظِلُّ نَفخَةِ القُدسِ ،
وَنَفخَةِ القُدسِ ظِلُّ اللهِ. قَالَ (تَعَالَى) : " إِنِّي جَاعِلٌ فِي
الأَرضِ خَلِيفَةً " وَقَالَ فِي الخَلِيفَةِ : " فَإِذَا سَوَّيتُهُ
وَنَفَختُ فِيهِ مِن رَوحِي فَقِعُوا لَهُ سَاجِدِينَ " ! رَكَّبَ اللهُ
الإِنسَانَ فِي أَحسَنِ صُورَةٍ رُوحًا وَبَدَنًا ، وَمَيَّزَهُ بِالنُّطقِ
وَالعَقلِ سِرًّا وَعَلَنًا
!
الإِنسَانُ : مُسَّيرُ وَمُخَيَّرٌ ،
مُسَيَّرُ فِيمَا لَا يَعلَمُ ، وَمُخَيَّرُ فِيمَا يَعلَمُ ! جَمعَ (سُبحَانَهُ)
فِي الإِنسَانِ قُوى بَسَائِطِ العَالَمِ وَمُرَكَّبَاتِهِ ، وَرُوحَانِيَّاتِهِ
وَجُسمَانِيَّاتِهِ ، وّمُبدَعَاتِهِ وَمُكَوِّنَاتِهِ ! كُلَّ إِنسَانٍ بِحَسَبِ
نَوعِ هَيكَلِهِ النَّاسُوتِيِ مِن مَادَةِ الأَرضِ تَكُونُ نُفُوسُهُ السَّمَاوِيَّةُ
، إِمَا مُطلَقَةً تَتَصَرَّفُ فِي جَميعِ هّذَا الجَسَدِ التَّصَرُّفَ
السَّمَاوىَّ ، أَو مُقَيَّدةٍ بِهَذَا الجَسَدِ السُّفلِيِّ ! الهَيكَلُ
الآدَمِيُّ اختَلَفَ فِيهِ مَادَةُ التَّركِيبِ لَإِنَّهُ مِن مَجمُوُعِ أَنوَاعِ
مَعَادنِ الأَرضِ ، وَكُلُّ فَردٍ مِن أَفرَادِ الإِنسَانِ بِحسبِ مَا تَرَكَّبَ
مِنهُ هَيكَلُهُ يَكُونُ خُلُقُهُ وَسَجِيَّتُهُ ! الإِنسَانُ بِفطرَتِهِ
مُؤَهَّلُ لِأَرقَى دَرَجَاتِ الكَمَالِ عِنَايَةٍ مِنَ اللهِ (تَعَالَى) بِهِ ،
وَفَضلًا مِنهُ (سُبحَانَهُ) ، أَو مُعَدًّا لِلدَركِ الأَسفَلِ مِنَ النَّارِ
بِحَسَبِ مُيُولِهِ عَدلًا مِنَ اللهِ (تَعَالَى) ! كُن لِرَبِّكَ طِفلًا يَكُن
لَكَ أَبًا وَأُمًا ، بِمَعنًى اعتِمَادِكَ الحَقِّ عَلَيهِ ، وَكُن لَهُ جَنِينًا
فِي بَطنِ أُمِّكَ يُخرِجكَ بِأَنوَارِ شُهُودِهِ ، وَكُن لَهُ مَاءً مَهِينًا
يُصَوِركَ وَيَنفُخ فِيكَ مِن رُوحِهِ ، وَكُن لَهُ طِينًا يَخلِقكَ بِيدَيهِ ،
وَيَجعَلَكَ خَلِيفَةً نَائِيًا عَنهُ فِي أَرضِهِ ! تَظهَرُ حَقِيقَةُ الإِنسَانُ
لَكَ إِن أَغضَبتَهُ ! آثَارُ البَشَرِيَّةِ تَظهَرُ مِن ثَلَاثَةِ عَوَامِلَ :
مِن شُهُودِ الإِنسَانِ مَنزِلَتَهُ ، وَمِن مَيلِهِ إِلَى دَوَاعِي البَشَرِيَّةِ
، وَمِن حِرصٍ عَلَى الخَلقِ
!
خَلقَ اللهُ الكَونَ عَالِيَةُ وَدَانِيَهُ
، وَبَاطِنَهُ وَخَافِيَهُ ، لِلإِنسَانِ لِيبتَلِهِ ! الإِنسَانُ الوَاقِفُ عِندَ
الحُكمِ عَلَى الأَشيَاءِ بِحوَاسِهِ لَا يُصَدِقُ بِأَنَّ هُنَاكَ دَارً أُخرَى ،
وَإِن صَدَقَ بِهَا مِن غَيرِ تَصوِيرٍ لَا يُرَاقِبُهَا وَلَا يَنتَذَكَّرُهَا !
الإِنسَانُ مِن حَيثُ هُوَ إِنسَانٌ يَستَحِقُ الدَّركِ الأَسفَلَ مِنَ النَّارِ ،
إِن لَم يَتَدَارَكُهُ اللهُ بِعِنَايَتِهِ ! فِي الإِنسَانِ أَعضَاءٌ تُوصِّلُ
إِلَى اللهِ ، وَأَعضَاءٌ تُعِينُ عَلَى الشُّكرِ ! كُلُّ نَوعٍ مِنَ الأَنوَاعِ
الحَيَّةِ تُحَبُّ لِذَاتِهَا ، إِلَّا الإِنسَانَ فَإِنَّهُ يُحِبُّ لِمعَانِيِهِ
، فَإِذَا أَحبَبتَ مَا فِيهِ مِنَ المعَانِي الرَّبَانِيَّةِ كُنتَ أَنتَ هُوَ ،
أَو صُورَةً مِنهُ تَشَبُّهًا بِهِ ! بَيَّنَ اللهُ لِلإِنسَانِ سُبُلَ الهُدَى ،
وَحَذَرُهُ طُرُقَ الرَّدَى ، وَأَغدَقَ عَلَيهِ نُعمَاهُ ، وَبِفَضلِهِ العَظِيم
وَالَاهُ ، فَكُلُّ مَا هُوَ مِنَ الخَيرِ لَدَيهِ ، وَاصِلٌ مِنَ اللهِ إِلَيهِ ،
فَلَو نَظَرَ فِي نَفسِهِ نَظرَةَ بَصِيرٍ مُتَدَبِّرٍ ، وَاهتَدَى هِدَايَةَ
فَتًي مُتَفَكِرٍ ، لَأَحَبَّ المُنعِمَ الوَهَّابَ حُبًا يُغنِيهِ عَن نَفسِهِ ،
وَيُنسِهِ مُقتَضَيَاتِ حِسِّهِ ، وَلَكِن " قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكفَرَهُ
مِن شَيءٍ خَلَقَهُ مِن نُطفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ
" ! الإِنسَانُ لَهُ نَظرَتَانِ : إِمَا أَن يَكُونَ نَاظِرًا لِلنِعمَةِ ،
أَو نَاظِرًا لِلمُنعِمِ ، فِإِن كَانَ نَظَرُهُ إِلَى النِّعمَةِ تَذَكَّرَ مِن
أَينَ هِيَ ؟ وَإِذَا نَظَرَ إِلَى المُنعِمِ لَاحَظَ مَن هُوَ عَدمًا وَمِنَ
الوُجُودُ لَهُ
!
الإنسَانُ : إِذَا فَرَ إِلَى اللهِ
استَرَاحَ مِنَ الكَونِ ، وَلَو كَشَفَ لَهُ الغَيبُ لَسَعِدَ بِرِضَاءِ اللهِ
سعَادَةً لَا شِفَاءَ فِيهَا ؛ لَأَنَّهُ يَرضَى عَنِ اللهِ فَيرضَى عَنهُ ! لِيسَ
فِي عَالَمِ الإِمكَانِ فَوقَ الإِنسَانِ إِلَّا اللهُ ! مَتَي يرتَاحُ الإِنسَانُ
وَمحبُوبُهُ فَوقَ الجِنَانِ ؟! وَكَيفَ يَنَامُ وَقَد أَرَادَ لَهُ المُدَامَ ؟!
! فِي الإِنسَانِ تِسعَةٌ وَتِسعُونَ أَلفَ حَقِيقَةٍ ، بِحَيثُ لَو عُرِفَ
مُسَمَّى الحَقِيقَةِ مَا عُرِفَ كَنهِيَّتُهَا ، سُبحَانَ المُحِيطِ بِكُلِّ
شَيءِ عِلمًا ! الإِنسَانٌ عَالَمٌ صَغِيرٌ ، وَالعَالمُ إِنسَانٌ كَبيرٌ ! خَلَقَ
(سُبحَانَهُ) مُلكَهُ بِيَدٍ وَاحِدِةٍ ، وَمَلكُوتَهُ بِيَدٍ وَاحِةٍ ،
وَالإِنسَانَ بِيَديهِ ! الإِنسَانُ المُؤمِنُ فِي حَالِ احتِيَاجِهِ لِقُوتِ
يَومِهِ غَنِيُّ بِرَبِهِ ، وَفِي ادِخَارِهِ الكِنُوزَ شَدِيدٌ فِي احتِيَاجِهِ
إِلَى اللهِ (تَعَالَى) ، وَجمَالُهُ الفَقرٌ فِي الحَالَينِ ، وَكَمَالُهُ
الاِضطِرَارُ فِي المَشهَدَينِ ! اللهُ يَنظُرُ إِلَى العَالَمِ فِي الإِنسَانِ ،
وَيَنظُرُ إِلَى الإِنسَانِ فِي الفَردِ الكَامِلِ ! إِنَّ قُوةَ الإِنسَانِ فِي
حَياةِ قَلبِهِ ، وَذكَاءِ لُبِّهِ ، وَالإِدغَانِ لِلحَقِّ إِذَا ظَهَرَ ،
وَالإِنقِيَادِ لِلدَّلِيلِ إِذَا بَهَرَ . ! إِذَا تَخَلَّى الإِنسَانُ عَن
إِنسَانِيَّتِهِ فَلَا تَأمَنَهُ ! كُلُّ القَبَائِحِ الَّتِي أَهوَتِ
الجَبَابِرَةَ إِلَى أَسفَل سَافِلِينَ فِيكَ ، وَكُلُّ الحقَائِقِ الَّتِي
رَفَعَتِ الأَفرَادَ إِلَى أَعلَى مقَامَاتِ القُربِ فِيكَ !
كَيفَ يَنحَطُّ إِلَى الحَضِيضِ مِن رُعِ ؟!
وَالتَّعِسٌ : مِنَ الخَيرِ إِلَى الشَرِّ رَجَعَ . ! إِنَّ اللهَ خَلَقَ
الإِنسَانَ وَسَطًا بَينَ عَالَمِ المُلكِ وَالمَلَكوتِ ، وَرَفَعهُ عَنِ
الحَيوَانِ بِمَا مَيَّزَهُ بِهِ مِنَ النُعُوتِ ! لَا يَعلَمُ مِقدَارَ
الإِنسَانِ فِي بَشَرِيَّتِهِ إِلَّا نَفسُهُ ، وَلِذَا وَجبَ عَلَى الإِنسَانِ
تَربِيَةُ نَفسِهِ ، وَإِنَّمَا يَجعَلُ الأَستَاذَ المُرشِدَ مِعيَارًا وَمِيزَانًا
لَهُ ! جمَالُكَ أَن تُدرِكَ حَقِيقَتِكَ ، وَبَعدُ الإِنسَانِ أَن يَجهَلَ
حَقِيقَتَهُ ! كُلُّ شَيءٍ خَلَقُهُ اللهُ لَهُ كُن خَيرًا ، إِلَّا الإِنسَانَ
فَقَالَ لَهُ : كُن خَيرًا أَو شَرًا ! مِن أَفرَادِ الإِنسَانِ مَن يَقهَرُهُ
عَامِلُ فِكرِهِ ، فَيُجِيزَ كُلُّ بَاعِثٍ انبَعَثَ عَن نَفسِهِ ! أَنتَ خُلِقتَ
لِشَيءٍ ، وَشَيءٌ خَلِقَ لَكَ ، فَإِذَا شَغِلتَ بِمَا خُلِقَ لَكَ عَمَا خُلِقتَ
لَهَ ، كُنتَ ظَالِمًا لِنفسِكَ ! مَتَي ظَهَرتَ لَكَ حَقِيقَتُكَ صَحَّت
عُبُودِيَّتِكَ ! أَنتَ الكِنزُ المُطلَسَمُ ، إِذَا فُكَّت رُمُوزُكَ ؛ عَرِفتُ
رَبَّكَ ! أَنتَ بَاطِنُ الكَونِ ، وَالكَونُ ظَاهِرُكَ ، وَأَنتَ ظَاهِرُ الحقِّ
، وَالحَقُّ بَاطِنُكَ ! مَن أَنتَ إِذَا تَأَمَّلتَ بِعينِ مُستَبصِرٍ ؟! وَبِمَن
أَنتَ إِذَا شَهِدتَ بِعَينِ مُستَحضِرٍ ؟! لَو كُشِفَ عَنكَ حِجَابُ حَظِّكَ ،
وَذَابَ ثَلجُ وَهمِكَ بِنُورِ فِهمِكَ ، لَعَاينتَ نُورًا مُشرِقًا بِهِ قَامَتِ
الكَائِنَاتُ ، وَأَضَاءَتِ الآيَاتُ ! مَتَى غَابَ عَنكَ قَدرُكَ ، فَهُوَ عَينُ
نَقصِكَ !
مَهمَا كُنتَ فِي المرَاتِبِ العَلِيَّةِ
لَا تَنسَى أَنكَ مِن نُطفَةٍ دَنِيَةٍ ! مَن أَنتَ إِذَا حَاسَبَكَ ؟! إِلَّا
الظَلُمُ الجَاهِلُ ، وَمَن أَنتَ إِذَا تَفَضلَ عَلَيكَ ؟! إِلَّا خَلِفَتُهُ ،
مَقبُولاُ لَدَيهِ ، وَبِهِ مَوصُولٌ . ! إِذَا لَاحَت لُكَ أَنوَارُ سَرِيرَتِكَ
، وَأَشرَقتَ عَلَيكَ شَمسُ حَقِيقَتِكَ ، غَابَ عَنكَ سِجنُ نَأَيِكَ ، وَشَهِدَ
لَكَ سِرُ غَيبِكَ ! مَن كَانَ الحَقُّ سَمَعَهُ وَبَصَرَهُ شَهِدَ سَوَاطِعَ
أَنوَارٍ تَخطِفُ الأَبصَارَ وَتَكشِفُ البَصَائِرَ ، حَتَّى يَسمَعُ بِالسَّمِيعِ
، وَيُبصِرَ بِالبَصِيرِ ! الكَونُ رَمزٌ لِكنزٍ إِن فَكَّ لَكَ وَجدَتَهُ كِتَابَ
اللهِ ! لَا تَنسَى حَقِيقَتَكَ ، وَلَو رَفَعَ رُتبَتَكَ ! لَا تَنسَى مَن أَنتَ
، مَهمَا أَدَنَاكَ مِنهُ وَقَّربَكَ ، وَاتلُ قَولُهُ (تَعَالَى) : " وَقَد
خَلَقتُكُ مِن قَبلُ وَلَم تَكُ شَيئًا " ! الإِنسَانُ : جَمَادٌ : مِن حَيثُ
إِنَّهُ مِن طِينَةٍ وَيَمِيلُ إِلَى الُكُونِ وَالرَّاحَةِ ، وَنَبَاتٌ : مِن
حَيثُ إِنَّهُ يَتغَذَّى وَيَنمُو ، وَحَيَوَانُ : مِن حَيثُ إِنَّهُ يُحِسُّ
وَيَتَحَرَّكُ ، وَمَلِكٌ : مِن حَيثُ إِنَّهُ يَشهَدُ الغَيبَ بِدلَائِلِ
المَشهُودِ ، وَلَا يَعصِ اللهَ مَا أَمَرهُ ، وَيَفعَلُ مَا أَمَرَهُ اللهُ
(سُبحَانَهُ) بِهِ إِذَا صَفَا وَتَكَّمَل ، وَإِبلِيسُ إِذَا نَزَغَ إِلَى
هَوَاهُ وَرَأَيِهِ وَحَطِّهِ وَنَسِي يَومَ الحِسَابِ ، وَخَلِيفَهُ عَن رَبِّهِ
: إِذَا تَجَمَّلَ بِأَخلَاقِ الرُّبُوبِيَّةِ !
النَّفسُ
مَعرِفَةُ اللهَ مُتَوَقِفَةٌ عَلَى
مَعرِفَةِ النَّفسِ ! بِمَعرِفَةِ أَفعَالِ النَّفسِ يُعرَفُ الفَردُ أَفعَالَ
رَبِّهِ ، الَتِي تَجَلتَ لَهُ فِي نَفسِهِ ! مَن نَسِيَ نَفسَهُ فَقَد نَسِيَ
رَبَّهُ ! مَن أَظهَرَ نَفسَهُ أَخفَى رَبَّهُ ! مَا تَعلَمُهُ مِن نَفسِكَ ، فِي
نَفسِكَ ! مَعرِفَةُ نَفسِكَ ثَمَرَةٌ تَرفُعِكَ إِلَى اللهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) :
" مَن عَرَفَ نَفسَهُ فَقَد عَرَفَ رَبَّهُ " ! إِذَا عَرَفتَ نَفسَكَ
لَا يَضُرَّكَ مَا يُقَالُ فِيكَ ! إِذَا عَرَفتَ نَفسَكَ كَانَ بِالحَقِّ أُنسُكَ
! انسِلخ مِن أَنَا ، وَعِندَهَا تَعرِفُ مَن أَنتَ ! النَّفسُ : جَوهَرَةٌ
رَوحَانِيَّةٌ ، حَيَّةٌ عَلَّامَةٌ ، فَعَالَةٌ بِإِذنِ اللهِ (تَعَالَى) . !
النَّفسُ : هِيَ الّلَطِيفَةٌ النُّورَانِيةُ ، بَل الجَوهَرَةٌ الرَّبَانِيَّةُ ،
بَل هِيَ الحَقِيقَةُ الَّتِي هِيَ أَمَانَةُ اللهِ ، المُشرِقَةُ أَنوَارِهَا فِي
هَيكَلِ لإِنسَانِ ! النَّفسُ : لَيس عَرضًا وَلَا جَوهَرًا ، لِأَنهَا لَو كَانَت
كَذلِكَ لَحيَّزَهَا المَكَانُ ، وَلَأَدرَكَهَا الصِّبيَانُ ، وَلَم يَختَلِف
فِيهَا اثنَانِ . ! النَّفسُ : غَايَةُ مَا وَصَل إِلَينَا عَنهَا ، عَجَزُ أَهلِ
التَّحقِيقِ عَن دِركَ شَيءٍ مِنهَا ، إِلَّا مَن اصطَفَاهُمُ اللهُ فَزَكَّى
نُفُوسَهُم ، وَحَفِظَ مِن الخَطِيئَةِ حِسَّهُم ، وَأَزَالَ عَنهُم بِنُورِ
اليَقِينِ لَبسَهُم
!
النَّفسُ : عَجَزَ العَقلُ عَن دَركِهَا ،
وَرَجعَ البَصَرُ خَاسِئًا عَن أَن تَلُوحَ لَهُ بَارِقَةٌ مِن أَنوَارِهَا ،
فَهِيَ طَاهِرَةُ الأَثَرِ ، خَافِيَةُ العَينِ ، بِلَا رَتبٍ وَلَا مَينٍ ،
لِأَنَّهَا مِن عَالَمِ الأَمرِ ، وَلَيستَ مُجَانِسَةً لِلأَشبَاحِ ، وَلَا
مُحَيَّزَةً بِالأَفلَاكِ وَالبِطَاحِ ! النَّفسُ : حَالُ العَبدِ الَّذِي
يَصدِّقُ مقَامَهُ ! أَفعَالُ النَّفسُ مِنهَا مَنهُاَ غَيبٌ : وَهِيَ الإِرَادَةُ
وَتأَثِيرُهَا فِي الدِمَاغِ وَفِي الجَوَارِحِ ، وَمِنهَا مَا هُوَ ظُهُورٌ ،
وَالأَولَ عَالِمُ الغَيبِ وَالثَانِي عَالِمُ الشَّهَادَةِ ! النَّفسُ :
قَابِلَةُ لِلتَنوِيعِ ، قَد تَنحَطُّ حَتَّي تَكُونَ شَيطَانًا ، وَتَرتَقِي
حَتَّي تَكُونَ مَلِكًا ! النَّفسُ : مَحبُولَةٌ عَلَى الحَرَكَةِ ، وَقَد أُمِرتُ
بِالسِكُونِ ، وَهُوَ ابتِلَاؤُهَا ! لِوَصفِ النَّفسِ مَعنَيَانِ : الطَيشُ
وَالشَّرَةُ ، فَالطَيشُ : يَتَوَلَّدُ عَنِ العَجَلَةِ ، وَالشَّرَةُ : يَتَولَدُ
عَنِ الحِرصِ ، وَهُمَا فِطرَةُ النَّفسِ ! النُفُوسُ النَّزَاعَةُ إِلَى
العِنَادِ : هِيَ شَرٌ فِي أَيِّ زَمَانٍ خُلِقَت ، وَفِي أَيِّ مَكَانٍ وُجِدَت !
خَلقَ اللهَ النَّفسَ وَاحِدَةً ، وَمَنحَهَا الٌُقوةَ عَلَى تَدبِيرِ الجَسَدِ ،
مَعَ تفَاوِتِ عنَاصِرِهِ ، وَتَعَدَّدِ الأَضدَادِ فِيهِ ، وَكَثَرةِ
الانفِعَالَاتِ إِشَارَةً مِنهُ (سُبحَانَهُ) إِلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ أَحَدٌ ،
دَبَّرَ الكَونَ وَقَدَّرَ مَا فِيهِ ، وَأَبرَزَ مَا أَرَادَهُ مُنفَرِدُا ،
غَنِينًا عَنِ الوَزِيرِ وَالنَّظِيرِ ، وَالمُعِينِ وَالوَكِيلِ !
خَلقَ اللهُ (تَعَالَى) النُّفُوسَ ،
وَقَهرَهَا عَلَى فِطرِهَا ، وَهدَاهَا النَجدَينِ مِن خَيرِهَا ، وَشَرِّهَا ،
وَبَيَّنَ (سُبحَانَهُ) طَرِيقَ الرُّشدِ ، وَطَرِيقَ الغَيِّ ، وَأَعَدَّ جَزَاءً
حَسنًا لِمَن زَكَّى نَفسَهُ وَصفَّاهَا ، وَعَلَى صِرَاطِ الهِ المُستَقَيمِ
نَهجَ بِهَا فَأَنجَاهَا ، ثُمَ جَعَلَ حِدُودًا زَوَاجِرَ ، وَعُقُوبَاتٍ
جَوَابِرَ ، لِمَن دَسَّ نَفسَهُ وَأَهمَلَهَا وَسَلَّكَ مَسَالِكَ أَهلِ
الغَوَاَةِ وَتَخَيَّرَهَا ! خَلقَ اللهُ النَّفسَ قَبلَ الجَسَدِ ، وَأَودَعَهَا
فِيهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ، ثُمَ أَمَاتُهُ وَأَبقَاهَا ، لِيَظهَرَ لِلعَقلِ
أَنَّهُ الأَولُ قَبلَ خَلقِهِ فَلَا افتِتَاح لِأَوَّلِيَّتِهِ ، وَالآخِرُ بَعدَ
فَنَاءِ خَلقِهِ فَلَا انتِهَاءَ لِآخِرِيَّتِهِ ! النَّفسُ : تَهوَى مَا
يُهلِكِهَا ، وَتَتَلَذُّذُ بِمَا يُبعِدهَا ، وَتَمِلُ إِلَى مَا يحجِبُهُا ،
وَتُحِبُّ مَا يَقطَعُهَا ، وَتَرغَبُ فِيمَا يُؤلِمُهَا ، فَجَاهِدُهَا جِهَادًا
حَقِيقِيَّا بِعَينِ يَقِينٍ وَحَقِيقَةِ تَمكِينٍ ، حَتَّي تُذَلِّلِ صَعبَهَا ،
وَتُطَهِّرَ لَقَسَهَا ، وَتُزَكِّيَ خُبثَهَا ، وَتَشفِي مَرَضِهَا ! النُفُوسُ
الكَرِيمَةُ : تَكثُرُ عِندَ الفَزَع وَالبَلَاءِ ، وَتَقِلُّ عِندَ الطَمَعِ
وَالعَطَاءِ ! النُفُوسُ قِسمَانِ : نُفُوسُ شَهَدت وَنُفُوسُ حُجِبَت ،
فَالنُفُوسُ الَّتِي شَهَدَت تَرجِعُ إِلَى مَا شَهَدَتهُ بِأَدنَى تَذكِرَةٍ ،
وَالَّتِي حُجِبَت : هِيَ الَّتِي لَا يُمكِنُ رُجُوعُهَا بِكَثِيرٍ مِنَ
التَّذكِرَةِ ! كُلُّ نَفسٍ تُؤَدِّي مُقتَضَى حَقِيقَتَهَا ، وَلَو شِئتَ أَن
تُغَيِّرَ الحقَائِقَ مَا استَطَعتَ ! النُفُوسُ نَزَّاعَةٌ إِلَى مَا
يُلَائِمُهَا
!
نَفسُكَ هِيَ أَكبَرُ الحُجُِ بَينَكَ
وَبَيَنَ رَبِّكَ ، فَإِذَا غِبِتَ عَم نَفسَكَ انمَحَقَتِ الصِفَاتُ الدَّمِيمَةُ
الَّتِي هِيَ مِن جِبلَتِكَ ، وَتبَدلَتَ أَحوَالُكَ كُلِيَّة ، وَتَكُونُ
مقَامَاتُ السَالِكِينَ حَجَبًا لَكَ ، وَأَحوَالُ الطَّالِبيِنَ خَطِيئَةً لَكَ !
النَّفسُ لَهَا مِنَ النقَائِصِ بِقَدرِ مَا للهِ مِنَ الكَمَالَاتِ! النَّفسُ
لَهَا اِتصَالَانِ : بِأَسفَلِ سَافِلِينَ ، وَبِأَعلَى عِلِّيَينَ ، فَإِذَا
استَمَدَّت مِن أَسفَلِ سَافِلِينَ كَانَت أَشَرَّ مِنَ الشَّيَاطِينِ ، وَإِذَا
استَمَدَّت مِن أَعلَى عِلِّيّيِنَ كَانَت أَرقَى مِنَ الملَائِكَةِ ! خَلقَ اللهُ
نُفُوسَ الكُفَارِ مِن طِينَةِ الخِبَالِ ، وَخَلقَ اللهُ نُفُوسَ المُؤمِنيِنَ
مكِن عِزَّةِ الجَمَالِ ! عَجِبتُ لِمَن يُنشُدُ ضَالّتَهُ وَقَد أَضلَ نَفسُهُ !
وَعَجِبتُ لِمَن يَجِدُّ وَيَجِدَّ فِي طَلَبِ الرِّبحِ المَادِّى وَلَم يَربَح قَهَرَ
نَفسِهِ ! ! لِلنِفُوسِ عنَاصِرٌ مُتَضَادَّةٌ لَا يُمكِنٌ اتِحَادُهَا ؛ لِأَنَ
كُلُّ نَفسٍ عَن خَيرِ الأَخرَى صَادَّةٌ ، وَقَد جَمعَهَا اللهُ جَمِيعًا
وَقَهَرَهَا عَلَى الآتِحَادِ ، وَكَلَّفِهَا بِالتَّوَسُّطِ والسَّدَادِ ،
وَبِالمُجَاهَدَةِ الكُبرِى تَنَالُ المُرَادَ ! لِلنَّفسِ أَوبَادُ تَدعُو
إِليهَا فِطرَتُهَا وَدَوَاعِي قُوَاهَا ، فَإِذَ شَعَرَ السَّالِكُ بِمَلَلٍ
اقتَََضَاهُ الجِسمُ فَليُعُطِ جِسمُهُ حَقَّقهُ ، أَو فُِتُورٍ اقتَضَاهُ العَقلُ
، فَليُشحَذ بِالرِيَاضَةِ عَقلَهُ ، أَو سُتُورٍ اقتَضَتهَا النَّفسُ فَليُمَزِّق
تِلكَ الغَوَاشِيَ عَن نَفسِهِ ، حَتَّى تَستَرِيحَ مِن لَبسِهِ !
النَّفوسُ قِسمَانِ : نَورَّانِيَةُ خُلِقت
مِنَ الجَمَالِ،وَشِرِيرَةُ لَا تُؤثِر فِيهَا الذِكرَى. ! النُفُوسُ المَعرُفَةُ
سَبعَةُ أَنوَاعٍ : جَمَادِيَّةُ ، فَنَابَتِيَّةٌ ، فَحَيوَانِيَّةٌ ،
فَإِبلِسَيَّةٌ ، فَمَلكُوتِيَّةٌ ، فَقُدسِيَّةٌ ، فَالنَّفسُ الكُلِيَّةٌ !
مَرَاتِبُ النُفُوسِ عِندَ أَهلِ التَّمكِينِ ثَلَاثٌ : النَّفسُ الَّلَّوامَةُ ،
وَالنَّفسُ المُطمَئِنَّةُ ، وَالرُوحُ القُدسِيَّةُ . ! النُفُوسُ أَربَعَةٌ :
النَّفسُ الشَّهوِيَّةُ أَى : الكَلبِيَّةُ ، وَالنَّفسُ الغَضَبِيَّةُ أَى :
السَّبعِيَّةُ ، وَالنَفسُ الخَبِيثَةُ الشّرِيرةٌ أَى : الإِبلِسِيَّةُ ،
وَالنَّفسُ الطَاهِرَةُ المٌبَارَكَةُ أَى : المَرضِيَّةُ . ! البَهجَةُ :
لِلنَفسِ المَلِكيَّةِ ، وَالحَظُّ :لِلنَّفسُ الإِبلِسَيَّةِ ، وَالشَّهوَةُ
لِلنَفسِ الحَيَوانِيَّةِ ! كَمَالُ القُوَّةِ الغَضَبِيَّةِ : هُوَ وِجدَانُ
النَّفسِ بِكيفِيَّةِ غَلبَةٍ أَو شُعُورٍ بِأَذًى يُصِيبُ عَدُوَّهَا ، وَبِذَلِك
يَنمُو سِرُورُهَا ! النَّفسُ : المَلَكِيَّةُ : هِيَ جَوهَرَةٌ سَمَاوِيَّةٌ
رُوحَانِيَّةٌ نَورَانِيَّةٌ مِن أَمرِ رَبِّنَا (سُبحَانَهُ وَتَعَالَى) !
النَّفسُ المَلَكِيَّةُ : هِيَ النُّورُ المُضِيءُ لِأفقِ الحَوَاسِّ العَاِملَةِ
، الَّذِي بِهِ الإِدرَاكُ وَالفِقهُ وَالحَرَكَةُ فِي عَوَالِمِ المَلَكُوتِ ،
وَكَشفُ أَسرَارِ التَّجِلّيَّاتِ ، وَفِهمُ غَوَامِضِ العُلُومِ ، وَالتَّجَمُّلُ
بِجَمِيلِ الأَخلَاقِ ، وَكَمَالِ الصِّفَاتِ ! النَّفسُ المَلَكِيَّةُ :
مَحجُوبَةٌ عَنِ الأَبصَارِ ، لِأَنَّهَا مُفَارِقَةٌ لِلمُحيَّزِ مِنَ الآثَارِ . !
كَمَالُ النَّفسِ المَلَكِيَّةِ : أَى تَرَى
وَجهَ رَبِهَا مِن غَيرِ الشَّوَائِبِ البَشَرِيَّةِ ، مُتَمثِلَةً نُورَهُ ،
وَبهَاءَهُ ، وَجمَالَهُ وَضِيَاءَهُ ! النَّفسِ المَلَكِيَّةِ: إِذَا صَفَت
مَلَكَتِ الجِسمَ الصِلصَالَ فَصَارَ طَوعًا لَهَا ، وَصَارَت أَخلَاقُهُ أَخلَاقَ
الرُّوحِ ، وَتَبَدَّلَتِ الأَوصَافُ الحَيَوَانِيَّةُ بِأَوصَافِ النَّفسِ
المَلَكِيَّةِ ، فَصَارَ الجِسمُ مَلِكًا بَل خَيرًا مِنَ الملَائِكَةِ ! النَّفسِ
الشَّهوَانِيَّةُ : إِذَا تَنَاوَلتِ الطَّعَامَ زَهِدَتهُ ، وَإِذَا قَامَت
بِالوِقَاعِ كَرِهَتهُ ، وَإِذَا مَلَكتِ المَالَ عَانَت بِمُلكِهِ العَذَابَ ،
أَو أَنفَقَتَهُ فِي مَعصِيَةِ المُنعِمِ الوَهَّابِ ، فَلَذَّتُهَا أَلَمٌ
وَبَلَاءٌ ، وَإِذَا تَزَكَّت صَارَت لَذّتُهَا صَفَاءً وَهَنَاءً ! أَيَتُهَا
النَّفسُ الشَّهوَانِيَّةُ : مَا هِيَ مَلَاذَكِ الَّتِي إِلَيهَا تُسَارِعِينَ ؟!
أَليسَت مَأَكلًا وَمَنكَحًا وَمَلبَسًا فِيهِ تَرغَبِينَ ؟! هَذَه لَيسَت
مَلَاذُّ لِلإِنسَانِ لِأَنَّهَا دَفعُ لِلآلَامِ وَالأَحزَانِ ! أَيتُهَا
النَّفسُ الشَّهوَانِيَّةُ ، لَم يُحَرِّم عَلَيكِ رَبُّكِ طَيبًا يَنفَعُ ، بَل
حَرَّمَ مَا مِنهُ النُّفُوسُ تَجزَعُ رَحمَةً بِكِ أَيتُهَا النَّفسُ ، حَتَّي
تَفَوزِي بِالأَنسِ مَعَ أَولِيَائِهِ الأَطهَارِ ، وَصَفوَتِهِ الأَخيَارِ !
أَيتُهَا النَّفسُ الشَّهوَانِيَّة ، أَنتِ تَأكُلِينَ لِتَدفَعِي الجُوعِ
الشَدِيدِ ، وَدَفعِ الجُوعِ : لِيسَ لَذَّةً عِندَ الرَّشِيدِ ، وَكذَلِكَ
الوِقَاعُ دَفعٌ لِأَلَمِ احتِقَانِ المَاءِ ، وَدَفعُ الأَلَمِ : لَيسَ لََّذةً
وَلَا صَفَاءً
!
المَلاَذُّ الشَّهوَانِيَّةُ وَالخَيرَاتُ
الجُسمَانِيَّةُ ، لَيسَت عِندَ أَهلِ الصَّفَا بِلَذَةٍ وَلَا سعَادَةٍ ،
إِنَّمَا هِي دَفعٌ لِآلَا مِ وَفِرَارٌ مِنَ البَلَادَةِ ، فَإِنَ لَذَةَ
الطَعَامِ إِنَّمَا هِيَ دَفعٌ لِآلَامَ الجَوُعِ ، فَإِن زَالَ أَلمُ الجُوعِ
صَارَ أَلمَ مَنظَرِ الطَّعَامِ يَرُوِّعُ ، وَكذَلِكَ المَلبَسُ وَالمُنكِحُ
إِذَا زَالَتِ الشَّهوَةُ ، صَارَ مِنَ الأَلَمِ أَقبَحَ ! إِذَا انقَادَت
النَّفسُ السَّبعِيَّةُ لِلعَقلِ ، ابتَهَجَ الحِسُّ بِالمَسَرَّةِ وَالجِسمُ
بِالفَضلِ ، وَسَاحَتِ الرُّوحُ فِي فَسِيحِ المَلَكُوتِ الأَعلَى ، وَوَافَتكَ
بِطرَائِفِ العِرفَانِ الكُبرَى ! إِنَّ النَّفسَ السَّبعِيَّةَ لَا تُقَادُ
إِلَّا بِالقُوَةِ االقَهرِيَّةِ ، وَإِنَّمَا كَلَامُهَا بِالِلسِّنَانِ لَا
بِالِلسَانِ ، وَاللهُ يَتَوَلَّى هُدَاهَا ، فَإِنَّهُ (سُبحَانَهُ) وَلِيُّهَا
وَمَولَاهَا ! بِغيَةُ النَّفسُ السَّبعِيَّةُ : الجَمَالُ فِي الحَالِ وَالمَآلِ
، وَجمَالُ الكَونِ الفَانِي وَبَالٌ وَضلَالٌ ، فَسَارِعِي أَيَّتُهَا النَّفسُ
إِلَى جَمَالِكِ البَاقِي ، حَتَّي تَرفَعي إِلَيهِ عَلَى خَيرِ المَرَاقِي ! النَّفسُ
السَّبعِيَّةُ : لَم يَخلُقهَا اللهُ عَبَثًا وَإِلَّا كَانَت هَبَاءً مُنبَثًا ،
وَلَكِنَّهُ خَلَقَهَا لِحِكمَةٍ جِلِيةٍ لِمَن تَدَبَّرَ ، خِفيَةٍ عَلَى مَن
غَفَلَ وَاستَكبَرَ ، وَمَالَ عَنِ الحَقِّ وَأَدبَرَ ، فَهِيَ القُوَّةُ الَّتِي
بِهَا دَفعٌ الرَّذَائِلِ وَالمَضَارِّ، وَنُصرَةُ الحَقِّ بِكَبحِ الأَشرَارِ ،
وَجَلبُ الفَضَائِلِ وَالخَيرَاتِ ، ظ وَاسِتبدَالُ المَتَاعِبِ بِالمَسَرَّاتِ !
الحِسُّ
الحِسُّ : بَرِيدُ المَملكَةِ
الإِنسَانِيَّةِ ، وَهُوَ السَّمعُ وَالبَصَرُ وَالذَّوقَ وَالشَّمُ وَالَّلمسُ ،
لَهُ مُدِيرٌ لِلمَعقُولَاتِ وَهُوَ الوَهمُ ، وَرَئِيسٌ لِلمَحسُوسَاتِ وَهُوَ
الخَيَالُ ! الحِسُّ : وَإِن كَانَ مَحكُومًا بِالنَّفسِ إِلَّا أَنَّهُ شَيطَانُ
الجِسمِ ، أَكثَرُ النَّاسِ يَتَّخِذُونَهُ إِلَهًا مِن دُونِ اللهِ يَأَمُرُهُم
فَيَتَّبِعُونَ ، وَيَنهَاهُم فَيُطِيعُونَ ! الحِسُّ : مُثِيرُ الشَّهوَةِ ،
وَأَصلُ كُلِّ تِلكَ البَلوَةِ ، فَلَولَا العَينَانِ مَا دَخَل حَسٌودُ
النِّيرَانَ ، وَلَولَا البَطنُ وَالفَرجُ مَا حَارَبَ الإِنسَانِ مَا فَتَنَهُ
الشَّيطَانُ ! الحِسُّ : يُدرِكُ المَحسُوسَاتِ ، وَالعَقلُ يُدرِكُ الخَواصّ َفِي
الكَائِنَاتِ ، أَمَّا مَعَانِي مَا فَوقَ المَادَّةِ فَتُدرِكَهَا النَّفسُ (
الرُّوحُ المَلَكِيَّةُ ) ، وَهِيَ الَّتِي تُؤمِنُ بِالغَيبِ وَلَو لَم
يُسَاعِدهَا العقلُ ، وَهِيَ مَوجُودَةٌ فِي الهَيكَلِ بِلَا اتِّصَالٍ وَلَا انفِصَالٍ
! الحِسُّ : إِذَا لَم يَهتَدِ بِنُوُرِ الشَّرِيعَةِ ، وَأَبصَرَ بِنُورِ
البَصَرِ ، وَاهتَدَى بِالشَمسِ وَالقَمَرِ ، ضَلَّ السَّبِيلَ القَوِيمَ ،
وَخَالَفَ الصِرَاطَ المُستَقِيمَ ! لَو مَلكنَا الحِسُّ وَجَدنَا اللهَ !
بَينَ الحِسِّ وَالنَّفسِ عَدَاوَةٌ لَا
تَزُولُ ،وَمُخَالَفةٌ إِلَى الشَّرِّ تَؤُولُ ، مُذ وَقَعَت فِي الخَطِيئَةِ
بَسَبِهِ ، وَأَكَلَت مِنَ الشَّجَرَةِ بِطَلَيِهِ ! أَصلِحِ الحِسَّ تَكُون قَد
أَصلَحتَ النَّفسَ ، فَإِنَّ الحِسَّ بَرِيدُهَا المُوَصِّلُ لَهَا أَخبَارَ
مَملَكَتِهَا ، وَوَسِيطُهَا القَائِمُ بَينَهَا وَبَينَ رَعِيَّتهَا ! الوَهمُ :
قُوَّةٌ مِن قُوى النَّفسِ الحَيَوَانِيَّةِ مُتَخَيَّلَةٌ بِهَا الأَشيَاءُ . !
الوَهمُ : سِتَارَةٌ عَلَى الخَيَالِ ، وَحِجَابُ التَّقيِيدِ سِتَارَةٌ عَنِ
الإطلَاقِ ! إِذَا قَوِيَ الوَهمُ أَزَالَ الفَهمَ ! الخَيَالُ : مِرآةُ
المَحسُوسَاتِ ، وَالوَهمُ : مِرآةُ المَعنَوِيَاتِ ، وَالعَقلُ : بَرزَخٌ
بَينَهُمَا وَبَينَ النَّفسِ ، وَهُوَ الحَاكِمُ المُسيطُر عَلَى الحِسِ !
الخَيَالُ : يُمَثِّلُ المَحسُوسَاتِ ، وَالوَهمُ : يُمَثِّلُ الحقَائِقَ
العَقلِيَّةَ ! الاختِيَارُ : قُبُولُ أَحَدِ الأَمرَينِ ، بِالوَهمِ مِن ذَوَاتِ
البَاطِنِ ، وَذَوَاتِ الظَاهِرِ بِالحِسِّ ! القُدرَةُ : إِمكَانُ شَيءٍ مِنَ
الأَفعَالِ اختِيَارًا ! الإِرَادَةُ : إِشَارَةٌ بِالوَهمِ إِلَى تَكَوُّنِ شَيءٍ
مَا ، يُمَكِنُ كَونُ ذَلِكَ ، وَيُمَكِنُ كَونُ غَيرِهِ ! العُقُولُ تَستَمِدُ
مَعلُومَاتِهَا مِنَ الحَوَاسِّ ، وَالحَوَاسُّ : لَا تُدرِكُ مَا وَرَاءَ
الجِدَارِ ، فَكيفَ تُدرِكُ الغَيبَ المَصُونَ ؟! ! مَا تَغَيَّرَ مَا بِالنَّفسِ
مِنَ الحَقَّ الجَلِّي ، إِلَّا بَعدَ أَن أَورَدَ عَلَيهَا الحِسُ البَاطِلَ
الوَبِيَّ
!
أَهلُ الحِسِّ : يَمنَعُونَ فِي الخَيرِ
وَيهلَعُونَ فِي الشِّدَةِ ! إِنَّ مُبدِعَ الكَائِنَاتِ جَعلَ الحِسَّ لِحِفظِ
الجَسَدِ مِنَ الآفَاتِ ، وَلِدَفِع المَضَرَّاتِ ، وَجَلبِ الخَيرَاتِ ! مَتَي
استَبعَدَ النَّاسَ الحِسُّ ، أَلِفُوا الفِسُوقَ وَالرِّجسَ ! بُغيَةُ الحِسِّ
المَسَرَاتٌ مِن غَيرٌ آفَاتٍ ، وَمَسَّرةُ كَونِ الفَسَادِ عَنِ النَّعِيِمِ
المُقِيمِ إِبعَادٌ ، فَفِرَّ أَيُهَا الحِسُّ إِلَى المَسَرَّةِ البَاقِيَةِ ،
الَّتِي فَازَ بِهَا آدَمُ قَبلَ الهُبُوطِ مِنَ الجَنَّةِ العَالِيَةِ !
أَيَتُهَا النَّفسُ لَكِ كَمَالٌ لَن تَبلُغِيهِ إِلَّا بِأَن تُعَادِي
الشَّيطَانَ وَلَا تُدَانِيهِ ، فَاكبَحي جِمَاحَ حِسِّكِ ، فَقَد أَوقَعَكِ فِي
لَبسِكِ ! أَفسَدَ إِبلِيسُ الحِسَّ لِيَقُودَكِ إِلَى النَّارِ أَيَتُهَا
النَّفسُ ، فَأَقبَلتِ بِكُلِّكِ عَلَى الحِسِّ مُسَارَعَةً ، وَهُوَ يُحَسِنُ
لَكِ القَبَائِحَ مِنهُ مُخَادَعَةً ، حَتَّى جَعَلتَ النَّقصَ كَمَالًا ،
وَالقُبحَ جَمَالًا ، وَالآلَامَ مَلَاذًا ، وَالعَدُوَّ الَلدُودَ حَبِيبًا ،
وَلَو فَكَّرتَ فِي عَاقِبَةِ أَمرِكَ ، لَرَفَعتِ لِلعَدلِ غَايَةَ عُذرِكِ !
الحِسُّ : لَا غِذَاءَ لَهُ فِي كَونِ الفَسَادِ ، وَلَا مَسَرَّةَ لَهُ وَلَا
مُرَادَ ، وَلَكِنَّهُ نَسِيَ فَنَسِيَ ، وَكَيفَ لَا ؟! وَحَولَهُ ضَرُورِيَاتُ
الأَجسَامِ ، فِي المَعَادِنِ وَالنَّبَاتَاتِ وَالأَغنَامِ ! مَن حَكَّمَ الحِسَّ
خَالَفَ حُكمَ اللهِ فِي شَرعِهِ ، وَفِي مُخَالَفَةِ الشَّرِيعَةِ هَوِيُّ
الجِسمِ فِي حَضِيضِ صَرعِهِ
!
الحِسُّ قَد حُرِمَ غِذَاءَهُ الشَّهِيَّ
فِي رِيَاضِ الفِردَوسِ البَهِيِّ ، فَهُوَ يَبحَثُ عَن مَلَاذِّةِ وَمسَرَاتِهِ ،
وَيَبذُلُ كُلَّ مَا فِي وِسعِهِ بِكَسبِ عِبَرَاتِهِ ، حَتَّي تَسَلَّى
بِالمَلَاذِّ الجُسمَانِيَّةِ ، وَنَسِيَ المَسَرَّاتِ الرُّوحَانِيَّةَ !
أُخرِجَتَ يَا حِسُّ مِنَ الجَنَّةِ بِخَطِيئَةٍ ، فَكَيفَ تَطمَعُ فِيهَا مَعَ
كَثرَةِ الخَطَايَا ؟! ! يَا حِسُّ ، تَذَكَر مَن بِيَدَيهِ صَنَعَكَ ، وَإِلَى
رِيَاضِ الفِردَوسِ رَفَعَكَ ، وَبِخَطِيئَةٍ إِلَى الأَرضِ وَضَعَكَ ! مَتَى
استَطعنَا أَن نَحبِسَ الحِسَّ ، أَمكَنَّا أَن نَقهَرُ الشَّهوَةُ وَنَقُودَ
النَّفسَ ! الحِسُّ فِي الإِنسَانِ الأَولِ نُعِّمَ فِي رِيَاضِ الجَنَّاتِ ،
حَتَّي ارتَكَبَ الخَطِيئَةَ فَأُهبِطَ إِلَى حَضِيضِ البَليَّاتِ ! الخَيرَاتُ
المَعنَوِيَّةُ : فَضَائِلُ عَنِ الحِسَّ خَفِيَّةٌ ، لِأَنَّهَا لَذَّةٌ
لِلعُقُولِ وَالأَروَاحِ الزَّكِيَّةِ ، وَعنَاءٌ لِلحِسَّ وَالنُفُوسِ
البَهِيمِيَّةِ ! مَن فَرَّ ظ مِنَ االنَّفسِ أَنِسَ بِالقُدسِ !
الجِسمُ
الجِسمُ : مِنَ المُلكِ ، وَالرَّوحُ : مِنَ
المَلَكُوتِ ، وَهُمَا ضِدَّانِ لَا يَتَّفِقَانِ إِلَّا بِإِذنِ خَالِقهُمَا ،
وَالإِذنُ نَفخَةُ القُدسِ
!
بُغيَةُ الجِسمِ : الرَّاحَةُ فِي كُلِّ
الأَطوَارِ ، فِي الدُّنيَا وَدَارِ القَرَارِ ، وَرَاحَةُ الكَونِ الفَانِي :
بَلَاءٌ وَأَمَانِي ، فَجَاهِد أَيُّهَا الجِسمُ ، لِتَنَالَ الرَّاحَةَ الَّتِي
لَا تَزُولُ ، فَبِالمُجَاهَدِةِ يَصِحُّ لَكَ الوُصُولُ ! الجِسمُ : ثَوبُ
جَمَالٍ لِلعَارِفِينَ ، وَقَبرُ جِيفَةٍ لِلغَافِلِينَ ! إِذَا كَانَ الجِسمُ قَد
بَلَغَ مُجَانَسَةَ عَالِينَ ، فَمَا بَالُكَ بِالرُّوحِ ؟! ! الجِسمُ :
يَتَأَلَمُ مِن تَغَيُرَاتِ الجَوِّ ، مِن حَرٍ وَقَرٍّ ، وَالرُّوحَ : تَأَنسُ
وَتُوحَشُ بِالكَشفِ أَوِ الحَجبِ ، وَبِعَمَلِ الخَيرِ أَو الشَّرِ ، وَمُسلِمٌ
لَا رُوحَ لَهُ تُحِسُّ بِالنُّورِ وَالظُّلمَةِ ، أَو الأَنَسِ وَالوَحشَةِ ،
فَلَيسَ بِمُؤمِنٍ ، لِأَنَّهُ مَعَ الأَموَاتِ عَدُوُّ نَفسِهِ ، وَجِسمٌ حَيٌّ
يُحِسُّ بِالتَّغَيُرَاتِ الجَوَيَّةِ وَلَيسَ لَهُ رُوحٌ تُحِسُّ بِالطَّاعَاتِ
وَالمُخَالَفَاتِ فَهُوَ مَعَ الأَموَاتِ ، أَيُهَا المُسلِمُ : تُعِدُّ لِلحَرِّ
المُلَطِفَاتِ ، وَتُعِدُّ لِلبَرَّدِ المُدفِئَاتِ ، وَتَغفَلُ عَمَ يُؤلِمُ
الرُّوحَ وَهُوَ شَرُّ البَلِيَّاتِ ! فَالجِسمُ الَّذِي لَا يَتَأَثَرُ وَلَا
يَتَدَبَرُ أَضَلُّ مِنَ البَهَائِمِ فِي دُنيَاهُ ، وَهُوَ بَعدَ مَوتِهِ فِي
العَذَابِ الدَائِمِ ، أَنتَ لَا تُطِيقُ حَرَارَةَ الصَّيفِ ، وَلَا بَردَ
الشِّتَاءِ فَكَيفَ تُطِيقُ بِالمَعصِيةِ عَذَابَ الحُطَمَةِ فِي الشَّقَاءِ ؟! !
الجَسَدُ هَيكَلُ الحِكمَةِ ، وَالنَّفسُ : سِرَاُهُ وَالعِلمُ : زَيتُهُ
وَنُوُرُهُ
!
العَقلُ
العَقلُ : هُوَ نُورِ القَلبِ ! العَقلُ :
نُورٌ مِنَ اللهِ (تَعَالَى) يَجعَلُهُ فِي قَلبِ الإِنسَانِ يَتَصِلُ شُعَاعُهُ
بِرَأَسِهِ ، قَالَ (تَعَالَى) : " وَمَن لَم يَجعَل اللهُ لَهُ نُورًا
" أَي : عَقلًا يَعقِلُ عَنِ اللهِ " فَمَا لَهُ مِن نُورٍ " . ! العَقلُ
: غُمَامٌ بَينَ الجِسمِ وَالرُّوحِ ، وَهُوَ البَرزَخُ ! العَقلُ : المِصبَاحُ ،
وَالشَّرِيعَةُ : زَيتُهُ ، وَالأَسَاسُ وَالدِّينُ : بَيتُهُ ! العَقلُ : مِن
غَيرِ الشَّرِيعَةِ كَسِلَاحٍ قَوِيٍّ ، فِي يَدِ جَرِيءٍ عَبقَرِيِّ . ! العَقلُ
: بِالنِّسبَةِ لِلرُّوحِ خَادِمُ أَعتَابِهَا ، وَبَوَّابُ جَنَابِهَا ،
وَالسَّفِيرُ بَينَهَا وَبَينَ رَعِيَّتِهَا ، وَالوَسِيطُ لِإِبلَاغِهَا شُئُونَ
مَملَكَتِهَا ! العَقلُ : كَمَالُ القُوَّةِ المَلَكِيَّةِ ، وَالرُّوُحُ :
كَمَالُ القُوَّةِ المَلَكُوتِيَّةِ ، وَالنَّفسُ القُدسِيَّةِ : كَمَالُ
المَشَاهِدِ القُدسِيَّةِ ! العَقلُ : يَعقِلُ المَلَكُوتَ ، وَالرُُّوحُ :
تَعقِلُ الَّلاهُوتَ ! العَقلُ : لَا يُمكِنَهُ أَن يَنفُذَ مِن أَقطَارِ
السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ إِلَّا بِسُلطَانِ الجَذَبَةِ الإِلَهِيَّةِ ! لَيسَ
لِلعَقلِ كَشفُ أَسرَارِهِ ، وَكَيفَ وَقَد حُجِبَ عَن أَقدَارِهِ ؟! عَجَزَ
العَقلُ عَن إِدرَاكِ مَا سَيَكُونُ ، فَكَيفَ يُدرِكُ المُكَوِّنَ لِلكَونِ ؟!
العَاقِلُ : مَن عَقَلَهُ عَقلُهُ عَن كُلِّ
مَذمُومٍ ! العَاقِلُ : مَن خَالَفَ هَوَاهُ فِي طَاعَةِ مَولَاهُ ! العَاقِلُ :
مَن تَقَرَب إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ ، حَتَّي يَتَقَربَ اللهُ إِلَيهِ فِي
الشَّدَائِدِ ! العَاقِلُ : مَن ذَكَرَ المَوتَ ، وَلَم يَنسَ الحَيَاةَ !
العَاقِلُ : يَترُكُ القَلِيلَ العَاجِلَ ، لِأَجلِ تَحصِيلِ أَضعَافِهِ فِي
الآجِلِ ! العَاقِلُ : لَاُ يُلبِسُ الطِفلَ ثَوبَ البَالِغِ ! العُقَلَاءُ
ثَلَاثَةٌ : مَن تَرَكَ الدُّنيَا قَبلَ أَن تَتركَهُ ، وَبَنَى قَبرَهُ قَبلَ أَن
يَدخُلَهُ ، وَأَرضَى خَالِقَهُ قَبلَ أَن يَلقَاهُ ! أَنقَصُ النَّاسِ عَقلًا :
مَن ظَلَمَ مَن هُوَ دُونَهُ ! مِن نَقصِ العِقُولِ العَجزُ عَنِ الكَمَالِ الَّذِي
أَدرَكَهُ الإِنسَانُ ! مِن خَيرِ المَوَاهِبِ عَقلُكَ ، وَمِن شَرِّ المَصَائِبِ
: جَهلُكَ . ! لَيسَ بِعَاقِلٍ مَن لَم يَنصِف مِن نَفسِهِ وَطَلَبَ الإِنصَافَ
مِنَ النَّاسِ ! مَن لَم يَحتَرِز بِعقلِهِ مِن عَقلِهِ هَلَكَ بِعَقلهِِ ! إِنَّ
العَقلَ العَاقِلَ : لَا تَنفُذُ إِلَيهِ الشَّهَوَاتُ البَهِيمَةُ ، وَمَثَلُهُ
كَالدَّارِ ذَاتِ السَّقفِ المَتِينِ الَّتِي لَا تَجِدُ الأَمطَارُ إِلَيهِ
سَبِيلًا ، أَمَّا المُعَطِّلُ لِعَقلِهِ الجَاهِلُ بِنَفسِهِ : فَيَتَسَرَّبُ
إِلَيهِ الوَهنُ وَالحُزنُ عُقُولَ الخَنَازِيرِ أَكمَلُ مِن عُقُولِ مِن
يَقُوُلُونَ اتَّخَذَ اللهُ وَلَدُا
!
القَلبُ
الفُؤَادُ : هُوَ االبَرزَخُ الَّذَِي هُوَ
بَينَ السَّمعِ وَالقَلبِ ، وَهُوَ الجُزءُ الرَّفِيعُ مِنَ القَلبِ ! الفُؤَادُ :
بَرزَخُ بَينَ القَلبِ وَالجَوَارِحِ ، وَكُلُّ مَا يَرِدُ عَلَى القَلبِ مِنَ
الغَيبِ يُوصِلَهُ إِلَى الفُؤَادِ ، وَالفُؤَادُ يُوصِلَهُ إِلَى الجَوَارِحِ ،
وَمَا يَرِدُ عَلَى الفُؤَادِ مِنَ الجَوَارِحِ يُوصِلَهُ الفُؤَادُ إِلَى القَلبِ
! الفُؤَادُ : بَرزَخٌ بَينَ الجِسمِ وَالقَلبِ ! الفُؤَادُ : ظَاهِرُ القَلبِ ،
وَالسُّوَيدَاءُ بَاطِنُ القَلبِ ! القَلبُ : هُوَ الحَقِيقَةُ الإِنسَانِيَّةُ البَاطِنَةُ
. ! القَلبُ لَوحُ الحَقَائِقِ ! القَلبُ : بَيتُ الرَّبِّ فَطَهِرَهُ لَهُ
بِالحُبِّ ! قَلبُ المُؤمِنِ : هُوَ الَلوحُ المَحفُوظُ وَقَلبُ المُحسِنِ : هُوَ
البَيتُ المَعمُورُ ، القَلبُ المُوقِنِ هُوَ بَيتُ الرَّبِّ ! الَلوحُ المَحفَوظُ
: قَلبُ المُؤمِنِ ، وَهُوَ : حَقَائِقُ الوُجُودِ ، البَيتُ المَعمُورُ : قَلبُ
المُحسِنُ ، وَهُوَ : رَؤيَةُ السَّمَوَاتِ ! القَلبُ : بَيتُ التَّجَلِّي وَعَرشُ
المُتَجَلِّي ، ! العَرشُ : حِيطَةُ الكَائِنَاتِ ، وَالقَلبُ : عَرشُ الرَّحمَنِ
. ! القلُوبُ : أَوعِيَةُ الحَقِّ ، وَخَزَائِنُ الغَيبِ ، وَعرشُ الرَّبِّ ،
الَّذِي يَستَوى عَلَيهِ بِرَحمَانِيَّتِهِ !
مَرَاتِبُ القَلبِ سَبعَةٌ : الفُؤَادُ ،
وَالعَقلُ ، وَالحَجَرُ ، وَالحِجِى وَاللُّبُ ، وَالجِنَانُ ، وَالسُّوَيدَا
وَهِيَ أَعلَى مَرَاتِبِ القَلبِ ! القَلبُ المَعمُورُ : تَعرِجُ مِنهُ أَسرَارِ
البُطُونِ إِلَى السَّقفِ المَرفُوعِ ( رَأَسِ الهَيكَلِ الكَامِلِ ) وَتَتشَعشَعُ
تِلكَ الأَنوَارُ عَلَى الرِّقِ المَنشُورِ ( سُوَيدَاءِ القَلبِ ) ، فَسَخَّرُ
العَوَالِمُ عُلوًا وَسُفلًا لِلسِدرَةِ المُغشَاةِ بِغيُوبِ التَّجَلِّى ، وَتُسَارِعُ
أَروَاحُ عَالِينَ وَأشبَاحُ أَهلِ اليَمِينِ ، لِخِدمَةِ هَذَا المَظهَرِ مِن
حَيثُ الظُهُورُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ اللهَ مُوَالِيهِ ، وَهَذَا سِرُّ " إِنِي
جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً " ! إِذَا كَانَ القَلبُ بَرزَخًا بَينَ
الرُّوحِ وَالفُؤَادِ ، كَانَ الإِنسَانُ مِشكَاةَ الأَنوَارِ مِثَالًا ،
وَحَقِيقَتِهَا نِيَابَةً وَنُورَهَا فَيضًا قُدسِيًا لِلعَالَمِ أَجمَعَ ، وَهُوَ
فِي نَظَرِهِ صِلصَالٌ مِن طِينٍ أَو مَاءٍ مَهِينٍ ! القَلبُ وِعَاءُ الأَسرَارِ
الإِلَهِيَّةِ فَلَا تَشغَلُهُ بِالآمَالِ الكَونِيَّةِ ! القُلُوبُ : أَوعِيَةٌ ،
فَإِذَا امتَلَأت مِنَ الحَقِّ فَاضت زِيَادَةُ أَنوَارِهَا عَلَى الجَوَارِحِ أَو
مِنَ البَاطِلِ ظَهرَت زِيَادَةُ ظُلُمَاتِهَا عَلَى الجَوَارِحِ ! إِذَا أَشرَقَ
القَلبُ بِمَا يَجعَلُهُ اللهُ فِيهِ مِنَ النُّورِ ، اتَصَلَ نُورِ القَلبِ
بِنُورِ مُقَلِبِ القُلُوبِ فَأَشهَدَهُ الغِيُوبَ ! يَنفَدِحُ الشَّكَ فِي
قِلُوبٍ عَنِ الحَقِّ مَحجُوبَةٍ ، وَيَنفَدِحُ النُّورُ فِي قُلُوبٍ لِلقُربِ
مَطلُوبَةٍ
!
النَّفسُ : هِيَ اللُّوحُ ، وَالقَلبُ هُوَ
العَرشُ ، وَالجِسمُ هُوَ الكُرسِي ! القَلبُ المُشرِقُ بِالأَنوَارِ لَا
تَحجِبُهُ الآثَارِ ! القُلُوبِ أَوعَيَةُ الغُيُوبِ ، وَهِيَ البَيتُ المَعمُورُ
، وَالعَرشُ وَاللُّوحُ المَحفُوظُ " فِي بِيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرفَعَ
" عَنِ الشَّركِ ، "وَيُذكَر فِيهَا اسمُهُ ´بِالتَوحِيدِ "
يُسَبِحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ " بِالفِكرِ وَالاِستِحضَارِ !
عَلَامَةُ نُورِ القَلبِ : أَن يَكُونَ أَكثَرُ هَمِّ صَاحِبَهِ العِبَادَةَ ،
وَأَكثَرُ كَلَامِهِ الثَّنَاءَ عَلَى اللهِ وَالاِستِغفَارِ مِنَ الذَنبِ !
حَرَامٌ عَلَى قَلبٍ أَن يَشُمَّ رَائِحَة اليَقِينِ وَفِيهِ سُكُونُ إِلَى غَيرِ
اللهِ (تَعَالَى) ، وَحَرَامٌ عَلَى قَلبٍ أَن يَدخُلهُ نٌورٌ شَيءٌ مِمَا
يَكرَهَهُ اللهُ (تَعَالَى) ! مَن عَمَّرَ قَلبُهُ قُرِّبَ مِن رَبِّهِ ، وَمَن
عَمَّر جَيبَهُ قَلَّ نَصِيبُهُ ! بَينَ عِمَارَةِ القُلُوبِ وَعِمَارَةِ الجُيُوبِ
بَونٌ شَاسِعٌ ، بِعِمَارَةِ القُلُوبِ تُشرِقُ أَنوَارُ الغُيُوبِ ، فَتَستَبِنُ
حِكمَةُ الحَكِيم ، وَمُرَادُ المُرِيدِ العَلِيم ، وَبِعِمَارَةِ الجِيُوبِ
تَظهَرُ الأَحكَامُ وَيَكثُرُ اللُّغُوبُ ، وَيَقِلُّ الأَدَبُ ، وَيَكثُرُ
الطَّلَبُ ! اللُّصُوصُ قِسمَانِ : لُصُوصُ القُلٌوبِ وَلُصُوصُ الجِيُوبِ ،
فَلُصُوصُ القُلٌوبِ : هُمُ المُشتَاقُونَ إِلَى المَحبُوبِ ، وََلُصُوصُ
الجِيُوبِ : هُم ضُعَافِ القُلُوبِ ! القُوَّةُ قُوَّتَانِ : قُوَةٌ تَملِكُهَا ،
وَقُوةٌ لَا تَملِكُهَا ، القُوةٌ الَّتِي لَا تَملِكُهَا : قَلبُكَ ، وَالقُوةٌ
الَّتِي تَملِكُهَا : جَوَارِحُكَ
!
هَل أَترُكُ مَملَكَ القُلُوبِ ،
لِمَملَكَةِ الجِيُوبِ ؟! ! كَلِمَةُ حِكمَةٍ تَفتَح أَقفَالِ القُلُوبِ ، إِذَا
كَانَ ثَمَّ القَابِلُ ! اللَّهُمَّ إِنَّ القَلبَ بَينَ إِصبَعَينِ مِن
أَصَابِعِكَ ، عَلَيهِ مَوَارِدِكَ الرَّحمَانِيَّةَ ! مَا كُلَّ قَلبٍ فِي رَبِهِ
يَتَقَلَّبُ ، وَمَا كُلَّ رَوحٍ إِلَى رَبِهَا تَتَطّهَرُ ، وَمَا كُلَّ جِسمٍ
فِي رَبِهِ يَتَعَبَّدُ ! إِنَّ القُلُوبَ تَمِلُّ كَمَا تَمِلُّ الأَبدَانُ ،
فَابتَغُوا لَهَا طَرَائِفِ الحِكمَةِ ! أَنفَعُ الكِنُوزِ : مَحَبَّةَ القُلُوبِ
! القُلُوبُ : أَرضٌ خِصبَةٌ ، فَابذُرُوا فِيهَا خَيرَ البِذُورِ ، وَذَلِكَ
بِصُحبَةِ العَارِفِينَ وَالصَالِحِينَ ! إِذَا طَهَّتَ القُلُوبَ فَرَّت مِن
العِيُوبِ ، وَسَارَعَت إِلَى عَلَّامِ الغِيُوبُ ! إِذَا فَزِعَ القَلبُ لِلهِ
فَاللهُ يَتَوَلَّاهُ ! عُيُونَ الرَأسِ : إِذَا فَتَحَت رَأَت عُيُوبَ الغَيرِ ،
وَعُيُونَ القَلبِ : إِذَا فَتَحَت رَأَت عُيُوبَ النَّفسِ ، فَدَاوَتِهَا ،
فَرَأَت الجَمَال الإِلَهِيَّ ! لِلقَلبِ ثَلَاثِ شُعَبٍ : شٌعبَةٌ تُوصِّلُهُ
إِلَى اللهِ ، شٌعبَةٌ تُوصِّلُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ، وَشٌعبَةٌ تُوصِّلُهُ
إِلَى عَملِ دُنيَاهُ ! لَحظَةُ مِن عَمَلِ القُلُوبِ ، خَيرٌ مِن عَملِ
الجَوَارِحِ الدَّهرَ كُلَّهُ ! وَلَو أَخطَأَ اللِّسَانُ وَالجِسمُ ، وَأَصَابَ
القَلبُ كَانَ ذَلِكَ خَيرًا ، وَلَو أَصَابَ اللِّسَانُ وَالجِسمُ وَأَخطَأَ
القَلبُ كَانَ ذَلِكَ نِفَاقًا ! القَلبُ فِي حَاجَةٍ لِمَن يُوقِظُهُ !
لَا تَجعَل قَلبِكَ وَلِسَانِكَ إِلَّا
لِلَّهِ ، قَلبَكَ : أَعطِهِ لِحَبِيبِكَ ، وَلِسَانُكَ أَعطِهِ لِعَدِوَكَ !
لِلقُلُوبِ آذَانٌ وَلَكِنَّهَا لَا تَسمَغُ إِلَّا مِن أَلسِنَةِ القُلُوبِ ،
وَلَهَا أَعيٌنٌ وَلَكِنَّهَا لَا تُبصِرُ إِلَّا مِن ظُهُورِ الغِيُوبِ ! قَلبُ
الوَاجِدِ يُقَّلِبُ فِي الجَلَالِ وَالجَمَالِ ، بَعدَ كَشفِ حَقِيقَةِ الحَرَامِ
وَالحَلَالِ ، فَيَكُونُ القَلبُ مَحفُوظًا مِن الوَسوَاسِ ، وَالجَسَدُ مُطَهَرًا
مِنَ الأَدنَاسِ ! قَلبُ المُؤمِنِ : زِينَةُ الرَّحمَنِ ، فَهُوَ كَالبُستَانِ
غَرَسَهُ المِلكُ المَنَّانُ وَحَفِظَهُ مِنَ الشَيطَانِ ، وَمَن زَرَعَ زَرعًا
سَقَاهُ ، وَمَن صَنَعَ مَعرُفًا أَبقَاهُ ، وَمَن زَيَّنَ مَوقِعًا وَقَاهُ !
قُلُوبُ الرَّعِيَةِ : خَزَائِنُ مُلُوكِهَا ، فَمَا أَودَعُوا وَجَدُهُ ! يَشغَلُ
القَلبَ ظِلَّ الكَونِ ، وَيشغَلُ النَّفسَ ، حِفظًا لِمَكَانَةِ المَحبُوبِ ، أَن
يَفرِدَهُ النَّاسُ بِالمَرغُوبِ ، فَإِنَ ذَلِكَ مَحوٌ لِلحِكمَةِ ، إِن كُشُفُوا
بِسِرِّ القُدرَةِ ، " وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ وَلَكِنَّ أَكثَرَ
النَّاسِ لَا يَعلَمُونَ " ! لَو فُتِحَ قَلبُ المُرِيدُ وَلَو قَدَرِ سَمَّ
الخِيَاطِ ، لَم يَلتَفِت عَنِ اللهِ وَلَو صُبَّت عَلَيهِ البَلِيَّاتُ ! مَن لَم
يَكُن لَهُ قَلبٌ حَاضِرٌ مَعَ اللهِ ؛ بَعُدَ عَنِ اللهِ ! إِذَا حَضَرَ قَلبُكَ
فَسَارِع بِالقُرُبَاتِ ، وَإِذَا غَابَ فَليَكُ فَحَافِظ عَلَى الفَرَائِضِ !
إِذَا أَعوَجَ القَلبُ يَرَى النُّورَ ظُلمَةً !
إِذَا صَفتِ القُلُوبُ ، وَنَضَرتَ
الوُجُوهُ ، أَثَارَتِ المُرشِدَ وَإِذَا إِنعَكَستِ القُلُوبُ ، وَانكَمَشتِ
الوُجُوهُ ، استَرَاحَ المُرشِدُ ! إِذَا طَهُرَ القَلبُ مِنَ الأَغَيِارِ ؛ صَارَ
بَيتًا مَعمُورًا بِالأَنوَارِ ! أَطلُب حَيَاةَ قَلبِكَ بِمُجَالَسِةِ أَهلِ
الذِّكرِ وَالفِكرِ وَالشُكرِ ، وَاستَجلِب نُورَ القَلبِ بِالخُلوَةِ
وَمُجَاهَدةِ النَّفسِ ! اتَّقِ مَا يَبغَضُهُ قَلبُكَ ! مَا تَحَرَك القَلبُ
إِلَّا وَلَبَّي الرَّبُ ! مَتَي انجَذَبَ القَلبُ إِلَى رَبِّهِ تَلَقَّى القَلبُ
عَنِ رَبِّهِ انطَوَتِ النُّبُوَةُ بَينَ جَنبَيهِ ! مَتَي صَلُحَتِ القُلُوبُ ،
وَاجَهت عَلَامُ الغُيُوبُ ! عُقُوبَةُ القُلُوبِ أَشَدُّ العُقُوبَاتِ ،
وَمقَامُهُا أَعلَى المَقَامَاتِ ، وَذِكرُهَا أَشرَفُ الأَذكَارِ ، وَبِذكرَهَا
تُستَجلَبُ الأَنوَارُ ، وَعَليهَا وَقَعَ الخِطَابُ ، وَهِيَ المَخصُوصَةُ
بِالتَنبِيهِ وَالعِقَابِ ! بَيَّضَ الأَسوَدَ وَهُوَ شَعرُ اللَّحيَةِ وَالرَأسِ
إِكرَامًا لَكَ ، فَلَا تُسوَد لَهُ الأَبيَضَ وَهُوَ القَلبُ إِجلَالًا لَهُ !
الأَزمَةٌ : خَرَابُ القَلبِ مِن الإِيمَانِ ! أَعلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحيِي
الأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا : يُلِينَ القُلُوبِ مِن قَسوَتِهَا ، فَيجعَلُهَا
مُخبِتَةً مُنِيبَةً ، وَحَيَاةُ القُلُوبِ المَيتَةِ بِالعِلمِ وَالحِكمَةِ ،
وَانظُر فَإِنَّ إِحيَاءَ الأَرضِ بِالمَطَرِ يُثبَتُ لَكَ بِالمُشَاهَدِةِ !
الرُّوحُ
الرُّوحُ : هِيَ الجَوهَرَةُ
الرَّبَانِيَّةُ ، وَاللَّطِيفَةُ النَورَانِيَّةُ ، وَالحَقِيقَةُ
الإِنسَانِيَّةُ ، وَالجِسمُ : ثَوبٌ لَهَا وَقَدَ سَخَّرَ اللهُ جَمِيعَ
العَوَالِمِ لِلإِنسَانِ إِكرَامًا لِحَقِيقَةِ الرُّوحِ ، وَالجِسمُ يَتَمَتَّعُ
بِذَلِكَ ! الرُّوحُ : فِي النَّومِ تُسَبِحُ فِي المَلَكُوتِ ، وَفِي اليَقَظَةِ
تُسَبِحُ فِي القُدسِ فِي حَالِ الصَّلَاةِ ! الرُّوحُ : مَشهَدُهَا المَلَكُوتُ ،
فَإِذَا صَفَت فَمشهَدُهَا حَضرَةُ العِزَّةِ ، فَإِذَا تَجَمَلت بِنفخَةِ القُدسِ
، فَمشهَدهَا الجَبَرُوتُ ، وَلِكُلِّ مَشهَدٍ أَنوَارٌ وَأَسرَارٌ وَأَحوَلٌ . !
فَاقِدُ الأَبِ : الرُّوحُ ، فَهِيَ اليَتِمَةُ الَّتِي لَا أَبَ لَهاَ ،
وَإِنَّمَا نُفِخَت فِيكَ لِتنفَعِكَ بِغذَائِهَا ، وَإِنَّمَا غِذَائُهَا
تَفرِيدُ اللهِ (تَعَالَى) بِالقَصدِ بَعدَ تَحَقُّقَكِ بِتَوحِيِدِ الإِتِحَادِ ،
وَبَعدَ مُطَالَعَةِ الحِدِّ وَالإِيمَانِ بِظَاهِر القُرآنِ وَشُهُودِ بَاطِنِهِ
! الرُّوحُ : أَقرَبَ لِلإِنسَانِ مِنهُ إِذَا أَبصَرَ ، وَبِهَا حَيَاتُهُ
وَحِسُّهُ وَعَمَلُهُ إِذَا فَكَّرَ ! لِلأَروَاحِ عُيُونُ وَلَكِنَّهَ لَا
تُبصِرُ إِلَّا بِالبَصِيرِ ، وَإِذَا سَعِدت بِمُوَالَاةِ العَلِيمِ الخَبِيرِ !
لِلرُّوحِ حَضرَةُ تَكلِيفٍ وَتَعرِيفٍ ، وَالجِسمُ لَهُ حَضرَةُ تَكلِيفٍ !