عدد المشاهدات:
لله تبارك وتعالى كتابان اثنان: القرآن والكون، فيستحيل تَعارُضهما.
فالقرآن المعجز البيان مصدره صفة الله “الكلام”، وكتاب الكون الكبيرُ مصدره صفة الله “القدرة والإرادة”، والقرآن الكريم ترجمةٌ أزلية وقولٌ شارح وبرهانٌ واضح لكتاب الكون، إن القرآن يشرح كتاب الكون فيستضيء الكون بنوره، وبتعبيرٍ آخر: القرآنُ يفسّر الأوامرَ التكوينية والأسرار الإلهية والأفعال الربانية.
ولما كان الفرقان العظيم الشأن يفسِّر الكون ويشرحه، تضمن إشارات لبعض العلوم والفنون التي تبحث في حوادث الكون؛ فبَحَث العلماء منذ قديم الزمان في الآيات التي تشير إلى الحقائق العلمية كما التي في المسائل الإيمانية والتعبدية والأخلاقية، وكانت لهم آراء في تفسيرها وتأويلها.
إليكم مثلًا الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله (ت 310هـ/922م): جاءت آراؤه قريبة من نتائج الأبحاث العلمية في زماننا؛ أجل، قام هذا المفسِّر العظيم منذ أكثر من ألف سنة بتفسيرات وتأويلات تفوق المستوى العلمي في عصره، ففي تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾ (سُورَةُ الْحِجْرِ: 15/22) ذكر تلقيح الرياح للأشجار، والأغرب أنه عرض لتلقيح الرياح السحابَ لينزل المطر، رغم أنه عاش في عصر لم تكن له دراية بعدُ بأن في السحاب شحنات موجبة وسالبة.
وليس ابن جرير فحسب، بل هناك مفسِّرون آخرون أتحفونا بآراء متميزة في تفسير آيات الأوامر التكوينية، غير أن هذه المسألة لم تُفرد بالدراسة في فرع علمي متخصص مستقل إلا في القرنين الأخيرين، بدأ العلماء في زماننا يبحثون المسائل العلمية في القرآن الكريم لكن في ظل العلم الوضعي في هذا العصر.
وحمادي القول: أن جهود كثير من العلماء في الآونة الأخيرة فَتحت آفاقًا جديدة في التفسير العلمي للقرآن الكريم، وقامت حوله دراسات كثيرة في العالم الإسلامي، وممن قاموا بدراسات مهمة في هذا المجال الأستاذ الدكتور “زغلول النجار”، فقد تابعتُ برامجه على التلفاز زمنًا طويلًا؛ إن هذا العالم الكبير قامة عظيمة ذات مستوى علمي فائق، سبَرَ أغوار القرآن الكريم، ولم يجد صعوبة في الحديث عن هذا المجال، وعبّر عن المسائل التي يتناولها بدقة تامة.
عُقدة الدُّونية والتأويلات المتكلفة
إن من المنهج المستهجَن الواجب تجنبه نسبةَ أشياء غير لائقة بالقرآن الكريم إليه، والتكلفَ في تفسير آيات الحقائق العلمية، والسعيَ وراء التميز فيها، أمّا تقويم حقائق القرآن الكريم في ضوء نتائج العلوم الوضعية فهو سوء أدب مع كلام الله تعالى؛ أجل، إن السعي وراء تطويع تفسير القرآن الكريم للقضايا العلمية والطبيعية -وكأن تلك العلوم واختراعاتها هي الأصل- والاستعانةَ بها لإثبات صحة قضايا القرآن الكريم منهج لا يتناسب مع كلام الله ألبتة.
أمر آخر: إن للقرآن الكريم أسلوبًا خاصًّا به في عرض القضايا العلمية، وهذا الأسلوب مناسب لمستوى كلّ من المخاطبين في الماضي ومن قطعوا مسافات هائلة في العلوم والفنون اليوم، أي ليس هناك أيّ تضاد أو تعارض بين ذكره لحقائق علمية تُكتشف اليوم وكونه آيات بيّنات راعت مستوى فهم الناس في ذلك العصر، فالقرآن الكريم تحدّث مثلًا عن المراحل التي يمرّ بها الجنين في بطن أمه في سورة الحج والمؤمنون وغافر وغيرها، فقرأها الأولون وفهموها واستفادوا منها وَفْقًا لأفق إدراكهم، وأخذت أطباءَ النساء والتوليد في عصرنا الدهشةُ والإعجابُ أمام هذه الحقائق التي بيّنها القرآن الكريم إجمالًا بأسلوبه الخاصّ.
مسألة أخرى لا بدّ من مراعاتها عند تفسير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في ظل التطورات العلمية: ينبغي أن يُذكر أنّ في المسألة احتمالات ممكنة وأنه لا قطع فيها، أي قد تتضمن هذه الآيات والأحاديث معاني أخرى، لا سيما أننا لو أجرينا دراسة في مجال جديدٍ وقطعنا بتفسير الآيات فيها قبل أن تتضح ماهيةُ المسائل العلمية التي نتناولها فإن وقوعنا في أخطاء فادحة وارد.
ولا بدّ أيضًا من الرجوع إلى الدراسات السابقة في التفسير، للوقوف على ما ذكرته المراجع الرئيسية حتى الآن في الموضوع.
ومن المفيد هنا التطرق إلى المسألة التالية: ينبغي لمن سيعمل في التفسير العلمي أن يكون بدايةً على دراية كبيرة بالعلوم الشرعية: يتقن اللغة العربية ويعرف دقائقها وقواعدها، ويكون على دراية بعلم التفسير والحديث والفقه وأصوله وأصول الدين… إلخ، وأن يتزود بمعلومات في العلوم الطبيعية بقدر يؤهله لفهم موضوعات هذه العلوم؛ وكذلك يجب على الباحث في العلوم الوضعية أن يتزود بمعارف موسوعية في العلوم الدينية، كما يجب عليه أن يسبر أغوار تخصصه كي يتمكن من الوصول إلى الحقيقة.
المصدر: كتاب “شد الرحال”
فالقرآن المعجز البيان مصدره صفة الله “الكلام”، وكتاب الكون الكبيرُ مصدره صفة الله “القدرة والإرادة”، والقرآن الكريم ترجمةٌ أزلية وقولٌ شارح وبرهانٌ واضح لكتاب الكون، إن القرآن يشرح كتاب الكون فيستضيء الكون بنوره، وبتعبيرٍ آخر: القرآنُ يفسّر الأوامرَ التكوينية والأسرار الإلهية والأفعال الربانية.
ولما كان الفرقان العظيم الشأن يفسِّر الكون ويشرحه، تضمن إشارات لبعض العلوم والفنون التي تبحث في حوادث الكون؛ فبَحَث العلماء منذ قديم الزمان في الآيات التي تشير إلى الحقائق العلمية كما التي في المسائل الإيمانية والتعبدية والأخلاقية، وكانت لهم آراء في تفسيرها وتأويلها.
إليكم مثلًا الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله (ت 310هـ/922م): جاءت آراؤه قريبة من نتائج الأبحاث العلمية في زماننا؛ أجل، قام هذا المفسِّر العظيم منذ أكثر من ألف سنة بتفسيرات وتأويلات تفوق المستوى العلمي في عصره، ففي تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾ (سُورَةُ الْحِجْرِ: 15/22) ذكر تلقيح الرياح للأشجار، والأغرب أنه عرض لتلقيح الرياح السحابَ لينزل المطر، رغم أنه عاش في عصر لم تكن له دراية بعدُ بأن في السحاب شحنات موجبة وسالبة.
فتحت جهود كثير من علماء العالم الإسلامي في الآونة الأخيرة في دراساتهم حول القرآن الكريم آفاقًا جديدة في التفسير العلمي للقرآن الكريم.
وليس ابن جرير فحسب، بل هناك مفسِّرون آخرون أتحفونا بآراء متميزة في تفسير آيات الأوامر التكوينية، غير أن هذه المسألة لم تُفرد بالدراسة في فرع علمي متخصص مستقل إلا في القرنين الأخيرين، بدأ العلماء في زماننا يبحثون المسائل العلمية في القرآن الكريم لكن في ظل العلم الوضعي في هذا العصر.
وحمادي القول: أن جهود كثير من العلماء في الآونة الأخيرة فَتحت آفاقًا جديدة في التفسير العلمي للقرآن الكريم، وقامت حوله دراسات كثيرة في العالم الإسلامي، وممن قاموا بدراسات مهمة في هذا المجال الأستاذ الدكتور “زغلول النجار”، فقد تابعتُ برامجه على التلفاز زمنًا طويلًا؛ إن هذا العالم الكبير قامة عظيمة ذات مستوى علمي فائق، سبَرَ أغوار القرآن الكريم، ولم يجد صعوبة في الحديث عن هذا المجال، وعبّر عن المسائل التي يتناولها بدقة تامة.
عُقدة الدُّونية والتأويلات المتكلفة
إن من المنهج المستهجَن الواجب تجنبه نسبةَ أشياء غير لائقة بالقرآن الكريم إليه، والتكلفَ في تفسير آيات الحقائق العلمية، والسعيَ وراء التميز فيها، أمّا تقويم حقائق القرآن الكريم في ضوء نتائج العلوم الوضعية فهو سوء أدب مع كلام الله تعالى؛ أجل، إن السعي وراء تطويع تفسير القرآن الكريم للقضايا العلمية والطبيعية -وكأن تلك العلوم واختراعاتها هي الأصل- والاستعانةَ بها لإثبات صحة قضايا القرآن الكريم منهج لا يتناسب مع كلام الله ألبتة.
أمر آخر: إن للقرآن الكريم أسلوبًا خاصًّا به في عرض القضايا العلمية، وهذا الأسلوب مناسب لمستوى كلّ من المخاطبين في الماضي ومن قطعوا مسافات هائلة في العلوم والفنون اليوم، أي ليس هناك أيّ تضاد أو تعارض بين ذكره لحقائق علمية تُكتشف اليوم وكونه آيات بيّنات راعت مستوى فهم الناس في ذلك العصر، فالقرآن الكريم تحدّث مثلًا عن المراحل التي يمرّ بها الجنين في بطن أمه في سورة الحج والمؤمنون وغافر وغيرها، فقرأها الأولون وفهموها واستفادوا منها وَفْقًا لأفق إدراكهم، وأخذت أطباءَ النساء والتوليد في عصرنا الدهشةُ والإعجابُ أمام هذه الحقائق التي بيّنها القرآن الكريم إجمالًا بأسلوبه الخاصّ.
يجب على الباحث في العلوم الوضعية أن يتزود بمعارف موسوعية في العلوم الدينية، كما يجب عليه أن يسبر أغوار تخصصه كي يتمكن من الوصول إلى الحقيقة.
مسألة أخرى لا بدّ من مراعاتها عند تفسير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في ظل التطورات العلمية: ينبغي أن يُذكر أنّ في المسألة احتمالات ممكنة وأنه لا قطع فيها، أي قد تتضمن هذه الآيات والأحاديث معاني أخرى، لا سيما أننا لو أجرينا دراسة في مجال جديدٍ وقطعنا بتفسير الآيات فيها قبل أن تتضح ماهيةُ المسائل العلمية التي نتناولها فإن وقوعنا في أخطاء فادحة وارد.
ولا بدّ أيضًا من الرجوع إلى الدراسات السابقة في التفسير، للوقوف على ما ذكرته المراجع الرئيسية حتى الآن في الموضوع.
ومن المفيد هنا التطرق إلى المسألة التالية: ينبغي لمن سيعمل في التفسير العلمي أن يكون بدايةً على دراية كبيرة بالعلوم الشرعية: يتقن اللغة العربية ويعرف دقائقها وقواعدها، ويكون على دراية بعلم التفسير والحديث والفقه وأصوله وأصول الدين… إلخ، وأن يتزود بمعلومات في العلوم الطبيعية بقدر يؤهله لفهم موضوعات هذه العلوم؛ وكذلك يجب على الباحث في العلوم الوضعية أن يتزود بمعارف موسوعية في العلوم الدينية، كما يجب عليه أن يسبر أغوار تخصصه كي يتمكن من الوصول إلى الحقيقة.
المصدر: كتاب “شد الرحال”