آخر الأخبار
موضوعات

السبت، 17 فبراير 2018

- ضوابط تحصيل العلم عند الصحابة

عدد المشاهدات:

ضوابط تحصيل العلم عند الصحابة
بعض الناس يبذل جهودًا ضخمة، وكبيرة في تحصيل العلم، ومع هذا كله لا يصل إلى ما وصل إليه الصحابة من العلم، والسبب في ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتعلمون العلم وفق ضوابط وقوانين معينة، وقد حافظ جيل الصحابة كله على هذه الضوابط، ومن ثَم تعلم هذا الجيل، ووصل إلى هذه الدرجة من العلم.فما هي إذن هذه الضوابط؟في الحقيقة هذه الضوابط كثيرة جدًا وفي نفس الوقت هي مهمة جدًا جدًا، وقد حرص عليها الصحابة تمامًا في تحصيل العلم، ونوجز بعض هذه الضوابط في الصفحات القادمة:

الضابط الأول: وحدة المصدرفالمصدر الرئيس والأول لعلم الصحابة هو الكتاب والسنة، ولأن جميع الصحابة أخذوا من هذا المصدر، فقد تكوّن لديهم ما يعرف بوضوح الرؤية.

لقد أخذوا علمًا نقيًا طاهرًا مضمون الصحة والصواب، إن أيّ علمٍ في الدنيا قد يكون صحيحًا، وقد يكون خطأ، وبالتجربة نستطيع أن نحدد ما إذا كان صوابًا أو خطأ، ونحاول مرة بعد مرة، لكن العلم الذي جاء في القرآن الكريم، أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم علم صحيح، تمام الصحة وبنسبة مائة في المائة، وهذا هو ما نقيس عليه غيره، وليس في كلام الله عز وجل، ولا كلام رسوله صلى الله عليه وسلم -إن صح عنه- أي أخطاء، فهو بلا ريب منهج صحيح تمامًا، وإذا اعتمد عليه المسلمون فلن يضلوا أبدا.

روى الإمام مالك في موطأه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي.

 فهذا هو أول الضوابط، أن يكون المصدر الرئيسي للعلم هو الكتاب والسنة، سواء في العلوم الشرعية، أو غير العلوم الشرعية.كيف يمكن أن يكون القرآن، والسنة هما الضابط في علوم الحياة؟ في القرآن الكريم، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وضعت الضوابط، والأسس التي تنظم عملية التحصيل، والاستفادة من العلوم في كل المجالات، ولا بد أن يعرف هذه الأصول كل العلماء من أطباء، ومهندسين، وفلكيين، وجيولوجين، وغيرهم، حتى لا يخترعوا شيئا أو يبتكروا أساليب، أو يؤمنوا بنظريات تتعارض مع القرآن والسنة، لا يصح أن يقول من يدعي العلم أن أصل الإنسان قرد، مدعيًا أنه أحد علماء الأحياء، لا يصح أن يقول ذلك من يعلم أن الله عز وجل أخبرنا في القرآن الكريم أن آدم عليه السلام هو أول إنسان، وأنه لم يكن قردًا أو حشرة كما يدعي علماء التطور، وإنما خلقه الله إنسانًا.

وأي علم يتعارض مع الكتاب والسنة، فليس له أي قيمة، وليس له أي وزن، ولا يصح لعالم مسلم أن يسير في طريق هذا العلم؛ لأنه تعارض مع المصدر الرئيس.

عندما كان الصحابة رضي الله عنهم، وفي أحيان قليلة جدًا يخرجون عن هذا الضابط، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يغضب غضبًا شديدًا، ولنتدبر هذه الرواية في سنن الدارمي، وعند الإمام أحمد، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنُسْخَةٍ مِنْ التَّوْرَاةِ، فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ نُسْخَةٌ مِنْ التَّوْرَاةِ.فَسَكَتَ فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَوَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ يَتَغَيَّرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ مَا تَرَى مَا بِوَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَغَضَبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي".

فهم الصحابة رضوان الله عليهم من هذا الموقف ومن غيره، أنه لا شيء يُقدم على هذين المصدرين، ولا تصح قاعدة، أو قانون، أو مفهوم يتعارض مع هذين المصدرين العظيمين: الكتاب والسنة.حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه وعن أبيه، تعلم هذا الدرس جيدًا، وكان يعلمه للأمة، في البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ بِاللَّهِ؟ تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ -أي لم يخلط ولم يحرّف- وَقَدْ حَدَّثَكُمْ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ، وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ، فَقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا.

أَفَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ؟ وَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ.كان هذا هو مفهوم عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ومفهوم الصحابة جميعًا حول وحدة المصدر، فهذا هو الضابط الأول في تحصيل العلم.

الضابط الثاني:

العلم النافع وهو أن يكون ما يتعلمه الإنسان نافعًا، فالعلم المرغوب فيه شرعًا يوصف بكونه نافعًا، وقد روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ، إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ".

فلا يصح إذن أن يصرف الإنسان عمره ووقته وجهده في تعلّم علمٍ لا يعود بالفائدة والنفع على أمته، بل على البشرية بصفة عامة.

لا يصح أن يضيّع الإنسان عمره ووقته في تفصيلات لا قيمة لها، أو لا ينبني عليها عمل في قصص الأنبياء والسابقين، كمن يبحث عن طول سفينة سيدنا نوح عليه السلام، وكم ظل الطوفان، وكم ظل هابيل بعدما قتله قابيل قبل أن يدفنه؟! فهذه تفصيلات لا ينبني عليها أي عمل، وليس لها أي معنى.أيضًا في علوم الحياة، لا يصح أن يضيّع الإنسان وقته في أشياء لا تنفع، بل ربما تضر، مثل بعض العلوم الفلسفية، وتضييع الأوقات في قراءة القصص والروايات غير النافعة، وكتابة، أو قراءة الشعر الإباحي، وغير هذا من العلوم التي لا تقبل الفطرة السليمة أن يعيش الإنسان حياته، وعمره لكي يدرسها.وهذا الأمر يعود بنا إلى قضية المناهج التعليمية في المدارس والجامعات، لا بد أن يكون المنهج معدّا لينفع الطالب، ومن ثَم ينفع أمته بعد ذلك، فلو أحس الطالب أن ما يدرسه من علوم إنما هي مجرد حشوٍ يملأ فراغ السنة الدراسية، فهو بلا شك لن يستفيد مما يدرسه على الإطلاق، ولن يستطيع أن يحصّل علمًا.لو لم يتوفر عند الطالب النية الصالحة والصادقة والمخلصة لتعلم العلم لنفع نفسه وأمته، فلن يستفيد أيضًا من هذا العلم.لا بد إذن أن يكون العلم نافعًا، ولا بد أن أتعلمه بنية نفع الأمة، والبشرية كلها، والعلم الذي لا تتحقق فيه صفة النفع هذه هو علم ضارّ، وشر يجب الاستعاذة منه، ومن هنا نستطيع أن نفهم الحديث اللطيف، والدعاء الجميل للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الإمام مسلم بسنده عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ:لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:... اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا.فالنبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله تعالى من أن يضيع وقته في علم لا ينفع.

الضابط الثالث:

أن ينقل كلُّ متعلّمٍ العلمَ إلى غيرهالعلم لا يقف عند المتعلم فحسب، بل لا بد من نقله إلى الغير، يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه:وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة.تعليم العلم لمن لا يعلمه صدقة، فنقل العلم النافع مهم جدًا لخير الأرض كلها، فلو أن كل عالم سواء من علماء الشرع، أو من علماء الحياة كتم ما عنده من العلم، ولم ينقله إلى غيره، لكانت كارثة عظيمة في الأرض، ولصارت الأرض مدمرةً بلا محالة.لأجل هذا لا يصح أن يقال على إنسان ما أنه عالم دون أن يعلم غيره، ودون أن يبذل علمه للناس، فالعلم الحقيقي هو الذي يقضي حياته ين التعلم والتعليم، خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ.

ولننظر ونتأمل كلام جابر بن عبد الله أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ونرى مدى فهمه، وحكمته، وهو يقول:إذا لعن آخر هذه الأمة أولها، فمن كان عنده علم فليظهره.وهذا يعني أنه إذا جاء في القرون التي تلي الصحابة رضي الله عنهم من يسبهم، أو ينتقص من قدرهم، أو يشوّه التاريخ الإسلامي بصفة عامة، فلا بد أن يتكلم من عنده علم، ولا يحتفظ بالمعلومات التي عنده لنفسه، ويكتفي أنه يعلم أن الصحابة رجال أعاظم، وأفاضل، ويحفتظ بهذه المعلومة دون أن ينقلها لغيره، فيكون كتمانه لهذا العلم الذي عنده فيه خطر عظيم عليه وعلى الأمة، وعلى الناس أجمعين، بعد هذا الكلام ينطق جابر بن عبد الله رضي الله عنه بكلام في غاية الخطورة يقول:فإن كاتم ذلك العلم، ككاتم ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. أي فكأنما أنزلت عليه الرسالة وكتمها، فمعنى هذا أن من سمع أحدًا يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد عليه فقد ارتكب هذا الإثم العظيم، لماذا؟

لأن هذا الدين كله جاءنا عن طريقهم، فهم الذين نقلوا لنا القرآن الكريم، وهم الذين نقلوا لنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون الأمر إذن إذا رأينا من يطعن في أبي بكر، أو عمر، أو عثمان، أو غيرهم من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم جميعًا.فنقل العلم إلى الغير إذن من أهم الضوابط التي يجب أن يُلتفت إليها، ولا يصح أن يحتفظ الإنسان بالعلم لنفسه، بل لا بد من أن تسعى إلى تعليم الغير ما تعلمته، ولو كان آية واحدة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً.الضابط الرابع: عدم الفتوى بغير علمهذه مشكلة كبيرة، وإن شئت فقل كارثة عظيمة يقع فيها كثير من الناس، وهي الفتوى بغير علم، سواء في أمور الدين، أو في أمور الدنيا، كارثة بالفعل أن يُفتى بدون علم في أمور الإسلام، أو الطب، أو الصناعة، أو التجارة، حتى في وصف الطريق، فمجرد التخمين في وصف طريق ما لأي إنسان إنما هو تضييع لوقته.ليس من العيب أن يقول الإنسان لا أعرف، وإنما العيب أن يفتي الإنسان بغير علم.

وقد تعلم الصحابة رضي الله عنهم هذا الأمر من الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، فهو عليه الصلاة والسلام مع عظمته، وحكمته، وعلمه، وفضله لا يستحيي أن يقول عن شيء لا يعرفه لا أعلم، روى الإمام أحمد بسنده عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ قَالَ: فَقَالَ:لَا أَدْرِي.

فَلَمَّا أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ: يَا جِبْرِيلُ، أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ قَالَ:لَا أَدْرِي، حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ.

فَانْطَلَقَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ سَأَلْتَنِي: أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي.

وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ: أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ فَقَالَ: أَسْوَاقُهَا.الأسواق لأنها تلهي الناس عن ذكر الله، ويكثر فيها الكذب، والحلف على غير الحقيقة، والشحناء، والبغضاء بين المسلمين، والفتنة بالمال، والاختلاط، ومثل هذه الأمور.فالرسول صلى الله عليه وسلم مع كونه أحكم البشر وأعلمهم صلى الله عليه وسلم لم يتجرّأ على الفتوى بغير علم، بل كان شديد الإنكار على من أفتى بغير علم من صحابته رضي الله عنهم ففي سنن أبي داود عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ، فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً، وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ. فَاغْتَسَلَ، فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمْ اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ، وَيَعْصِرَ- أَوْ :يَعْصِبَ.

شَكَّ مُوسَى، وهو أحد الرواة- عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ.  الشاهد من هذه القصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم اتّهم هؤلاء بقتل هذا الرجل؛ لأنه أفتوا بغير علم، فالقضية في منتهى الخطورة، فهذا الضابط الرادع المهم جدًا هو أن تتعلم أن تقول: لا أعلم. إذا كنت لا تعرف، وهذا بإذن الله من فضائل العلماء، وليس من العيب كما ذكرنا أن تقول لا أعلم، بل العيب أن تقول بغير علم.الضابط الخامس: العمل بالعلمفي الحقيقة بدون هذا الضابط لا قيمة للعلم، ولا فائدة لكل ما سبق في هذه الصفحات عن قيمة العلم وفضله، ما الفائدة في أنّ إنسانًا ما جمع خبرات كثيرة، وتراكمت لديه خبرات طويلة، وقرأ كتبًا عظيمة، وحضر من الدروس والمجالس الكثير، ثم هو لا يعمل بما علم، أين قيمة العلم إذن؟!

روى الدارمي بسنده عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:يَا حَمَلَةَ الْعِلْمِ اعْمَلُوا بِهِ، فَإِنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ، وَوَافَقَ عِلْمُهُ عَمَلَهُ، وَسَيَكُونُ أَقْوَامٌ يَحْمِلُونَ الْعِلْمَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يُخَالِفُ عَمَلُهُمْ عِلْمَهُمْ، وَتُخَالِفُ سَرِيرَتُهُمْ عَلَانِيَتَهُمْ، يَجْلِسُونَ حِلَقًا فَيُبَاهِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.أي أنهم إنما يتعلمون العلم ليشار إليهم، ويُقال هؤلاء هم العلماء، يتعلمون للفخر، والمباهاة، ويحاول كل منهم أن يجعل حلقته من الطلاب أكبر الحلقات، وأعظمها، فهؤلاء ليسو علماء.

يقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْضَبُ عَلَى جَلِيسِهِ أَنْ يَجْلِسَ إِلَى غَيْرِهِ وَيَدَعَهُ.

فهو يريد الفخر والتباهي، وأن يكون العلم عن طريقه هو، وليس عن طريق غيره، وهذا والعياذ بالله من أول من تُسعر بهم النار يوم القيامة؛ لأنه تعلم العلم لغير الله تعالى.يقول سيدنا علي: أُولَئِكَ لَا تَصْعَدُ أَعْمَالُهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ تِلْكَ إِلَى اللَّهِ.

فقد حبط عمله؛ لأنه فقد الإخلاص، فلا يرفع له عمل.وأختم بكلمات بليغه عميقة رائعة للعالم الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه يوضح فيها قيمة العلم يقول:تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة.

نعم هذا هو العلم في منظور معاذ بن جبل رضي الله عنه، ورضي الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين، نسأل الله عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير