عدد المشاهدات:
ذكر القلب:
وهو استحضار معاني الحق
تبارك
وتعالى، على قدر اتساع القلب
ولو باستحضار معنى واحد من معاني أسماء الله وصفاته، ومراقبة هذا المعنى وملاحظته
حتى يكون القلب متملقًا لهذا المعنى، ومتعلقًا به وضارعًا ومخبتًا إليه.
فإن ذكر القلب قربات
يتقرب بها العبد المؤمن إلى الله عزَّ وجلَّ بمقدار ملازمته لهذا
الذكر ومعايشته له، فمثلاً أَسْتَحْضِرُ معنى اسم الحي جلَّ جلاله على قدر
علمي بمعاني هذا الاسم المعظم وعلى قدر استطاعتي وذلك بأن أتصور أن الحي عزَّ شأنه أحياني من
العدم كما أحيا جميع هذه الكائنات، وأنه أمدني بهذه الحياة في كل طرفة عين وأقل،
كما أمد بذلك جميع الأحياء وأن تلك الحياة سر من أسرار هذه الاسم المعظم، وهذا
السر سرى بحكمة وبقدرة في كل الكائنات وأتصور كذلك أن كل الأحياء قد قامت بهذا
الاسم الأكرم، فإن استحضار هذه المعاني وارتسامها على جوهر القلب هو ذكر هذه
اللطيفة الروحانية، وكلما استغرق المؤمن في هذا الاستحضار كلما ازداد قربًا من
العزيز الغفار، لأن القلب هو بيت الرب فطهره له بالذكر والحب. والقلب هو ملك مملكة
الإنسان، والعقل وزيره يدبر أمر هذه المملكة، والأعضاء جنوده ينفذ بها أوامره
وأحكامه، وفي هذا المعنى يقول الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:
قلب يقلب في الجمال الذاتي لم يلتفت نفسً إلى الآيات
والجمال
الذاتي هو جمال الحق تبارك
وتعالى الذي تحلى
به، من معاني أسمائه الحسنى وصفاته العظمى، المشتملة على المحاسن الإلهية،
والجمالات الربانية، والكمالات القدسية من الرحمة والإحسان والشفقة والعطف والحنان
والكرم والجود والغفران والقرب والوصال والوداد والإيناس والتنزل والاقتراب، وهذه
الغيوب والأسرار يتقلب قلب الذاكر في استجلائها، ويتهنى باستحضارها، ويتنعم بالأنس
بها، والبهجة بأنوارها، وذلك هو ذكر القلب الذي يطمئن به ويسكن إليه ويفرح به، قال
الله تعالى: ﴿أَلاَ
بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، [28، الرعد].
وإن صاحب
هذا القلب في شغل بهذه المباهج والمسرات عن النظر في الآيات المنتشرة في الكائنات
فإنه قد ترقى عنها إلى ذكر المعاني القدسية، وهو ذكر القلب، أما النظر في الآيات
فهو ذكر العقل، وفي هذا المشهد يقول الإمام أبو العزائم رضي الله
عنه:
والعقل قيد فكله وارحلن إلى حظائر القدس عن أرض وما حملت
فلكل حقيقة
ذكرها، ولكل لطيفة مقامها قال الله تعالى: ﴿هُمْ
دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾، [163، آل عمران]. وذكر القلب يخرج الإنسان من سجن الغفلة والنسيان والقطيعة والجفاء
وذلك هو الذكر الحقيقي الذي يذكر به العارفون بالله ربهم جلَّ
جلاله:
ذاك ذكر به القلوب اطمأنت وترقت إلى عَلِيِّ المقام
للعارف بالله
فضيلة الشيخ
محمد على سلامة
مدير عام أوقاف بورسعيد سابقا