عدد المشاهدات:
السؤال الثاني والخمسون: ما
رأى فضيلتكم في قول الإمام النووي رضي الله عنه أنه رأى شيخًا على شاطئ النهر فقال له يابنى لا ترفع صوتك بالذكر
فتقلقَ النائمين فلما سأله من أنت قال له أنا الناصح للشارد عنى فعرف الامام
النووى انه إبليس لعنه الله؟.
الجواب:
قد سبق أن أوضحنا أن الشيطان قد يأتى في
صورة شيخ وقور ليوهم الرائى له أنه ليس بشيطان فإذا تكلم معه من كلامه، وذلك لأن
من رآه من المؤمنين وهو على علم بالدين ومعرفة بآدابه وأحكامه، فإذا سمع منه أي
حديث يتنافى مع آداب الدين، عرف أنه حديث الشيطان، وفي هذه المرة كان حديثه مع
الشيخ النووى فيه شبهة لأن الذاكر إذا كان يذكر الله فى جوف الليل والناس نيام لزمه
أن يخفض صوته حتى لا يزعجهم، لأن الله جعل الليل لباسًا وسكنًا لعامة الناس، أما إذا
جاء وقت الفجر فإن الذاكر يرفع صوته بالذكر ليوقظ الناس لصلاة الصبح، ولذلك سأله الإمام
النووي عن هويته فعرفه بنفسه لعنه الله، وقال له: (انا الناصح لمن يشرد ويبتعد
عنى) يعنى ينصحه ليقترب منه ويدور فى فلكه ويغتر به ويظن أنه ناصح أمين، فعلم الشيخ
النووى أنه إبليس لعنه الله، وذلك لأن النائمين في ساعة صلاة الصبح قد عقد الشيطان
على رؤوسهم عقدًا ثلاثة ليستمروا في نومهم حتى تطلع الشمس لكن الذي قام إلى الذكر
والصلاة فقد شرد عنه، ونقض العقد عن نفسه، وابتعد عن حبال الشيطان وخدعه وقد سبق أن
قلنا أن الشيطان له مداخل كثيرة يدخل بها على العباد والزهاد والعلماء والتجار
والصناع والعمال والحكام والأمراء، وعلى السوقة والعامة، وله حيلة مع كل مؤمن
ومؤمنة يحاول بها إغرائهما وفتنتهما وهنا لطيفة يستحب ذكرها فى هذا المقام، وهى أن
سيدنا أبا بكر رضي
الله عنه كان إذا قام قبل الفجر أخذ يذكر الله
تعالى بصوت خافت، وكان سيدنا عمر رضي الله عنه
إذا ذكر الله فى هذا الوقت رفع صوته بالذكر وجهر به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأبي بكر: لم تذكر الله بصوت خافت يا أبا بكر؟. فقال: يا رسول الله لأسمع من
أناجي، وقال رسول الله لعمر: لم ترفع صوتك بالذكر يا عمر؟. فقال يا رسول الله لِأُوقِظَ
الوسنان فأقر رسول الله كلاً منهما على حاله هذا وإن بين كل منهما فى الدرجات كما
بين مشهديهما فى ذكرهما رضى
الله عنهما.