عدد المشاهدات:
ذكر العقل:
وهو التفكر في
المخلوقات كيف خلقها الله، وكيف أبدعها وصورها من محض العدم، أو من المادة، والله
على كل شيء قدير. قال الله تعالى: ﴿أَفَلَا
يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ
وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾، [17-20، الغاشية]. ومعنى ذلك أن الإنسان يجب عليه أن يسبح بعقله، وينظر فيما حوله من
الكائنات، ويستوضح كيفية إيجادها وإمدادها وكيفية تسخيرها وتذليلها، فقد خلق الله
الإبل ابتداءًا من عناصر المادة زوجين ذكرا وأنثى بقدرته جلَّ شأنه ومحض إرادته، ثم تكاثر خلقها عن طريق التوالد والتزاوج ثم ينظر
العقل إلى الهيئة التي كيفها الله بها من هذا الرسم البديع وذلك التركيب والصنع
العجيب حتى تقوى على القيام بدورها في خدمة الإنسان بحيث لو كانت ناقصة عن هذه
الصورة أو زائدة شيئًا ما عليها لتعطلت الحكمة من خلقها واحتاج الإنسان إلى كائن
على هذه الكيفية لحمل أثقاله وتوصيل أسفاره في المسافات لبعيدة، ولكن الله كفى
الإنسان وهيأ له كل شيء على صورة خَلْقِه التي أوجده الله عليها لإسعاده ومنفعته،
فسبحان الخلاق العليم والمبدع الحكيم، وحقًا كما قال الله تعالى في شأن الإبل: ﴿ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ
لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ
رَّحِيمٌ ﴾، [7، النحل]. فالجمل سفينة الصحراء كالمراكب الشراعية والبخارية في البحار وهذا
علاوة على الانتفاع بلحومها وشحومها وجلودها وأوبارها وعظامها وألبانها. وهكذا
يتصفح العقل آيات الله في الكون حتى يقوى يقينه، ويزداد إيمانه في كل يوم ثم يتفكر ويتدبر به كذلك في الآيات
القرآنية والتعرف على معانيها، وكذلك في البيانات النبوية من حديث رسول الله صلى الله
عليه وسلم، حتى يفهم معنى الدين الذي
فرضه الله عليه وبذلك يكون قد ذكر الله بعقله ذكرًا حقيقيًا، وشكره به شكرًا
واضحًا جليًا فإن عبادة العقل تتمثل في هذه الأعمال، وأيضا في غيرها من النظر في
شئون كثيرة من الإيمان بالغيب والآخرة والإيمان بالله ورسله وكتبه وملائكته
وبالقضاء والقدر، فقد ورد في معنى الحديث القدسي: ﴿أن الله عز
وجل لما خلق العقل قال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر فقال له الله فبعزتي
وجلالي لأحاسبن بك ولأجازين بك﴾[1]
.
فالعقل هو الجوهرة
اللطيفة الربانية التي وهبها الله لكل من عوالم الإنس والجن والملائكة وعلى
الإنسان أن يحافظ على هذه العطية، بل يجاهد في إنمائها وتزكيتها حتى تربو وتزيد
فليس المعطي مسئولاً عن حفظ العطية، وإنما من أخذها لينتفع بها هو المسئول عن
حفظها والانتفاع بها، وبقدر العناية بها والمحافظة عليها، تكون الإمدادات لصاحبها
من المعطي لها جلَّ شأنه.