عدد المشاهدات:
القائمون على الحق إذا ما ألَمّت بهم نوائبُ شتى، وساءت أعمالُهم، وبارت تجارتهم، وعصفت بآمال البعض أزمات متعاقبة، فإنّ ذلك لا يزعزع إرادتهم ولا يُضعِف من عزيمهم. يجددون العهد الذي قطعوه على أنفسهم مع الله باستمرار، وينفقون جميع أصناف منن الله عليهم في سبيل إقامة صروح أرواحهم، أي إحياء الشعائر. يحرصون على أن يكونوا حيثما كانت روح الدين ومعاني التدين الصحيح، وأن يولّوا وجوههم حيثما كان وجه الله ورضاه، يحثّون السير في الاتجاه الذي يحقق أوامره ومقاصده جل جلاله دون توقف. وإذ يسعون إلى تحقيق هذا الغرض السامي، يبذلون عناية خاصة في إتقان شؤون الدنيا والنجاح في تدبير مصالحها. من يراهم ويطلع عليهم من هذا المنحى فقط، يحسب أنهم دنيويون لا شأن لهم بالآخرة؛ ومن يراهم في حالهم مع الله وبحثهم عن مرضاته، يندهش من توقهم وشوقهم وتوقّدهم، ويخال نفسه بين صفوف رجال من الرعيل الأول.
هؤلاء الأخيار يمقتون الخمول والقعود بلا معنى، ويكرهون إنفاق العمر عبثا بلا جدوى. إنهم في حركة دائبة لا تعرف الفتور، يسعون إلى إعمار الدين والدنيا ليل نهار، فإن كانوا أرباب قلم يُسهِمون بكتابتهم، وإن لم يُجيدوا الكتابة فيُهدون من يجيدها قلما، ومهما يكن يحرصون على أن يبقوا ملازمين لقافلة الخدمة مُسهِمين في جهودها بأي وسيلة. فهم محبون للعلم دوما، موقّرون للعلماء، يجالسون أصحاب القلوب اليقظة والعقول المستنيرة، ويتنفسون بذكر المحبوب -سبحانه- شهيقا وزفيرا مدى الحياة.
فرسان الوجد يحنون رؤوسهم كالشمعة تواضعا، يتوقون إلى الاحتراق من أجل إنارة الدرب للسائرين.
فلو لم يبق إنسان حقيقي على سطح الأرض قط، وزحفت غيوم سوداء من جميع الأطراف وحجبت الآفاق، وانهزمت الشوارع أمام سيول من الأوحال حتى غمرتها تماما، واحتلت الأشواك كل مكان، وغطت أشجار الزقوم على حدائق الورد بظلالها السوداء؛وامتلأت الساحات والميادين بالغربان، وطغى نعيقها على تغريد البلابل، وتداعت الزنابير على أقداح العسل؛ وسادت كآبة الغابات المرعبة على شوارعنا، ولم يبق للعلم حرمة أو توقير في القلوب، وطُرِدت المعرفة من كل باب شر طردة، وصارت المروءة ضحية للغدر والجحود والخذلان؛ وانهارت الصداقات وانقلب الأصدقاء أعداء.. أجل، حتى لو نزلت هذه الكوارث والملمات كافة، فإن هؤلاء الرجال يصمدون في مواقعهم دون أدنى اهتزاز يهتفون بهذه الكلمات: “قد ينهار كل شيء، ولكن لا ضير ما دمت أنا قائما، سأعيد كل شيء أفضل مما كان… قد تتحول كل بقعة إلى صحراء قاحلة، لا ضير ما دمت أملك نبعا من الدموع… لقد منحني الله رِجلين أمشي بهما، وقبضتين أكدح بهما، عندي رأسمال لا مثيل له اسمه الإيمان، وحصن حصين لا تخرقه الأعادي عنوانه القلب، وهناك فرص تكفي لإعمار العوالم تنتظر من يستثمرها، أستطيع أن أحوّل العالم إلى جنان خضراء إذا أحسنتُ الاستعانةَ بالله واستغلالَ هذه الفرص وتلك الإمكانات. أوليست كل بذرة أرمي بها في التربة تنبت سنابل عدة؟ فلِمَ الخوف والحزن والقلق من المستقبل إذن؟ أوليس الله قد وعد بمضاعفة الواحد إلى آلاف هناك؟”.
أجل، يهتفون بهذه الكلمات، ويواصلون السير نحو أهدافهم وإن كانت الدروب من حولهم منخورة مكسّرة، والجسور منهارة مهدّمة.
كالأنهار الهادرة يحملون حياة إلى كل أرض يمرون بها، يطفئون حرقةَ كل أحد ولهيبَ كل مكان… وكالنار المشتعلة، تدفئ الآخرين وتحميهم منأذى القر وإن أضعفها وبرودة الثلج وإنأكل من جسمها… وكالشموع المتقدة، تحترق وتذوب لتهدي آلاف العيون نورا وضياء.
فرسان الوجد بلسان الروح يتحدثون.. في قلوب كل من يلقونه يبثّون حكايات تنبض بترانيم القلب وأنغام الحب.
“ليليّون” كامنون في زواياهم فاتحون صدورهم يرصدون نسائم الرحمة حينا، ويرفعون نداءاتهم آهاتٍ وأنّاتٍ في الساعات الشريفة حينا آخر، ويطلقون أشرعتهم من مراسي المعاناة يرجون نيل عناية استثنائية من المنّان سبحانه. الدرب الذي يسيرون عليه، هو ذاته المسار الذي سلكه “أخلاء الحق” تعالى منذ القدم، فمن سار في هذا الدرب لم يخذله ولم يغدر به أو يضيّعه، بل من سار في هذا الدرب وصل لا محالة.
تفيض قلوب هؤلاء إيمانا وتخفق أملا وتتقد حماسة. إنهم قمة في السخاء يبذلون كل ما يملكونه في سبيل الحق جل جلاله؛ يعلمون يقينا أن ما يبذلونه هنا واحدا يعود إليهم هناك عشراتٍ، لذلك يُمضُون حياتهم في مهرجانات من العطاء والبذل بسخاء. لقد آمنوا أنه لا مرتبة أعظم من حماية الدين وحفظه وتمثيله في كافة أرجاء المعمورة بصورة مشرقة تثير الإعجاب والغبطة في القلوب. يعتبرون الوصول إلى تلك المرتبة السامية غايتهم الوحيدة في الحياة، ويعلقون حكمة وجودهم في هذه الدنيا بالسعي لتحقيق تلك الغاية، وإلا فلا معنى للحياة في نظرهم. بهذه المشاعر يلتقطون أنفاسهم دوما، ويجتمعون ليصوغوا منها مشاريع على الأرض، ويضفون على لقاءاتهم عمقا آخر من خلال ربطها بمرضاة الحق عز وجل. وإزاء هذا المشهد المشرق يهلل لهم سكان الملإ الأعلى بأناشيد التهنئة والتبريك ويغمرونهم بدعوات السداد والقبول والتوفيق.
لا يفكر هؤلاء الأبرار براحتهم الذاتية أبدا، يسعون لنيل مرضاة الله دوما، يعملونلغرس “الفضيلة” في الأفراد، يكدّون لزرع القيم الإنسانية في المجتمعات، ويفتحون صدورهم للبشرية كافة تأسّيا بأخلاق الأنبياء عليهم السلام، يعيشون من أجل الآخرين مدى الحياة.ولقاء صدقهم هذا وتفانيهم، يجود المولى عز وجلعلى هؤلاء “المحتسِبين” فرسانِ القلببمفاجآت شتى من التوفيق والنجاح في دار الدنيا، ويمنحهم أرياشا من أجنحة الملائكة يوم الحشر -يوم لا تنفع فيه الأيدي ولا الأرجل-، يغمرهم بظلال الوصال الندية، ينزلهم في منازل الربانيين، ويكرمهم إكرام ضيوفه المتميزين، ثم يتوِّج تلك المنح والعطايا كلها برضوان منه سبحانه.
هؤلاء الأخيار يمقتون الخمول والقعود بلا معنى، ويكرهون إنفاق العمر عبثا بلا جدوى. إنهم في حركة دائبة لا تعرف الفتور، يسعون إلى إعمار الدين والدنيا ليل نهار، فإن كانوا أرباب قلم يُسهِمون بكتابتهم، وإن لم يُجيدوا الكتابة فيُهدون من يجيدها قلما، ومهما يكن يحرصون على أن يبقوا ملازمين لقافلة الخدمة مُسهِمين في جهودها بأي وسيلة. فهم محبون للعلم دوما، موقّرون للعلماء، يجالسون أصحاب القلوب اليقظة والعقول المستنيرة، ويتنفسون بذكر المحبوب -سبحانه- شهيقا وزفيرا مدى الحياة.
فرسان الوجد يحنون رؤوسهم كالشمعة تواضعا، يتوقون إلى الاحتراق من أجل إنارة الدرب للسائرين.
فلو لم يبق إنسان حقيقي على سطح الأرض قط، وزحفت غيوم سوداء من جميع الأطراف وحجبت الآفاق، وانهزمت الشوارع أمام سيول من الأوحال حتى غمرتها تماما، واحتلت الأشواك كل مكان، وغطت أشجار الزقوم على حدائق الورد بظلالها السوداء؛وامتلأت الساحات والميادين بالغربان، وطغى نعيقها على تغريد البلابل، وتداعت الزنابير على أقداح العسل؛ وسادت كآبة الغابات المرعبة على شوارعنا، ولم يبق للعلم حرمة أو توقير في القلوب، وطُرِدت المعرفة من كل باب شر طردة، وصارت المروءة ضحية للغدر والجحود والخذلان؛ وانهارت الصداقات وانقلب الأصدقاء أعداء.. أجل، حتى لو نزلت هذه الكوارث والملمات كافة، فإن هؤلاء الرجال يصمدون في مواقعهم دون أدنى اهتزاز يهتفون بهذه الكلمات: “قد ينهار كل شيء، ولكن لا ضير ما دمت أنا قائما، سأعيد كل شيء أفضل مما كان… قد تتحول كل بقعة إلى صحراء قاحلة، لا ضير ما دمت أملك نبعا من الدموع… لقد منحني الله رِجلين أمشي بهما، وقبضتين أكدح بهما، عندي رأسمال لا مثيل له اسمه الإيمان، وحصن حصين لا تخرقه الأعادي عنوانه القلب، وهناك فرص تكفي لإعمار العوالم تنتظر من يستثمرها، أستطيع أن أحوّل العالم إلى جنان خضراء إذا أحسنتُ الاستعانةَ بالله واستغلالَ هذه الفرص وتلك الإمكانات. أوليست كل بذرة أرمي بها في التربة تنبت سنابل عدة؟ فلِمَ الخوف والحزن والقلق من المستقبل إذن؟ أوليس الله قد وعد بمضاعفة الواحد إلى آلاف هناك؟”.
أجل، يهتفون بهذه الكلمات، ويواصلون السير نحو أهدافهم وإن كانت الدروب من حولهم منخورة مكسّرة، والجسور منهارة مهدّمة.
كالأنهار الهادرة يحملون حياة إلى كل أرض يمرون بها، يطفئون حرقةَ كل أحد ولهيبَ كل مكان… وكالنار المشتعلة، تدفئ الآخرين وتحميهم منأذى القر وإن أضعفها وبرودة الثلج وإنأكل من جسمها… وكالشموع المتقدة، تحترق وتذوب لتهدي آلاف العيون نورا وضياء.
فرسان الوجد بلسان الروح يتحدثون.. في قلوب كل من يلقونه يبثّون حكايات تنبض بترانيم القلب وأنغام الحب.
“ليليّون” كامنون في زواياهم فاتحون صدورهم يرصدون نسائم الرحمة حينا، ويرفعون نداءاتهم آهاتٍ وأنّاتٍ في الساعات الشريفة حينا آخر، ويطلقون أشرعتهم من مراسي المعاناة يرجون نيل عناية استثنائية من المنّان سبحانه. الدرب الذي يسيرون عليه، هو ذاته المسار الذي سلكه “أخلاء الحق” تعالى منذ القدم، فمن سار في هذا الدرب لم يخذله ولم يغدر به أو يضيّعه، بل من سار في هذا الدرب وصل لا محالة.
تفيض قلوب هؤلاء إيمانا وتخفق أملا وتتقد حماسة. إنهم قمة في السخاء يبذلون كل ما يملكونه في سبيل الحق جل جلاله؛ يعلمون يقينا أن ما يبذلونه هنا واحدا يعود إليهم هناك عشراتٍ، لذلك يُمضُون حياتهم في مهرجانات من العطاء والبذل بسخاء. لقد آمنوا أنه لا مرتبة أعظم من حماية الدين وحفظه وتمثيله في كافة أرجاء المعمورة بصورة مشرقة تثير الإعجاب والغبطة في القلوب. يعتبرون الوصول إلى تلك المرتبة السامية غايتهم الوحيدة في الحياة، ويعلقون حكمة وجودهم في هذه الدنيا بالسعي لتحقيق تلك الغاية، وإلا فلا معنى للحياة في نظرهم. بهذه المشاعر يلتقطون أنفاسهم دوما، ويجتمعون ليصوغوا منها مشاريع على الأرض، ويضفون على لقاءاتهم عمقا آخر من خلال ربطها بمرضاة الحق عز وجل. وإزاء هذا المشهد المشرق يهلل لهم سكان الملإ الأعلى بأناشيد التهنئة والتبريك ويغمرونهم بدعوات السداد والقبول والتوفيق.
لا يفكر هؤلاء الأبرار براحتهم الذاتية أبدا، يسعون لنيل مرضاة الله دوما، يعملونلغرس “الفضيلة” في الأفراد، يكدّون لزرع القيم الإنسانية في المجتمعات، ويفتحون صدورهم للبشرية كافة تأسّيا بأخلاق الأنبياء عليهم السلام، يعيشون من أجل الآخرين مدى الحياة.ولقاء صدقهم هذا وتفانيهم، يجود المولى عز وجلعلى هؤلاء “المحتسِبين” فرسانِ القلببمفاجآت شتى من التوفيق والنجاح في دار الدنيا، ويمنحهم أرياشا من أجنحة الملائكة يوم الحشر -يوم لا تنفع فيه الأيدي ولا الأرجل-، يغمرهم بظلال الوصال الندية، ينزلهم في منازل الربانيين، ويكرمهم إكرام ضيوفه المتميزين، ثم يتوِّج تلك المنح والعطايا كلها برضوان منه سبحانه.